الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلسلة التاسعة، جـ 3، ص 282) وخانقاه من خانقاهاتها (المصدر السابق، جـ 5، ص 282) ويقال إن أقدم مدرسة في المدينة ترجع إلى عهده (المصدر السابق، جـ 4، ص 266) وتوفي دقاق سنة 469 هـ (1104 م) ثم توفي ابنه بعده بقليل، فاستقل طغتكين بأمر دمشق فعلا، وأسس بذلك الدولة البورية التي حكمت دمشق نصف قرن من الزمان.
ولم تنشط العمارة في المدينة على نطاق واسع في تلك الفترة العاصفة التي أغار فيها الفرنجة على الشَّام (ومع ذلك فإنا نحيل القارئ إلى مجموعة النقوش الخاصة بهذه الدولة التي أوردها: Van Berchem Florilegium de Vogue ص 39، 43) وأنقذ طغتكين ما يعرف بمصحف عثمان الأصلى في طبرية التي كان يهددها الصليبيون عام 492 هـ (1099 م) فزاد بذلك في جلال المدينة الديني. وأثبت خلفاؤه شيئًا فشيئًا أنَّهم عاجزون عن مواجهة الأخطار التي كانت محدقة بهم. فقد كان الفرنجة يهاجمون دمشق حينًا (مثال ذلك في عام 523 هـ الموافق 1129 م، وفي عام 543 هـ الموافق 1148 م) وكان البوريون يستنجدون بالفرنجة حينا آخر على زنكى (534 هـ الموافق 1129 م) وابنه ثور الدين (546 هـ الموافق 1151 م) صاحبى حلب. واستطاع نور الدين في النهاية أن يستولى على المدينة في عام 549 هـ الموافق 1154 م.
دمشق في عهدى نور الدين وصلاح الدين
كان حكم نور الدين لدمشق فاتحة عهد جديد من الرخاء أصاب المدينة، وكان عهده وعهد صلاح الدين أزهر أيامها، ويختلف مجدها هذا عنه أيام الأمويين. وقد تأثر هذا العهد كله بالجهاد الديني، فأصبح لزامًا أن يعنى أولا وقبل كل شئ بتحصين المدينة والنهوض بعلوم الدين، ومع ذلك لم تهمل علوم الدنيا إهمالا تامًا. ويمثل هذا العهد ابن عساكر مؤرخ دمشق العظيم، ثم اقتصر شيئًا فشيئا على تدريس علوم الدين. وكان للاضطراب الذي شاع أيام الحروب الصليبية
نصيب كبير في ازدياد نعرة التعصب الديني في دمشق، فأصبحت بذلك أعظم حصون الإِسلام.
واقترن اسم دمشق في العهود المتأخرة باسم صلاح الدين، بل إن شعراء الغرب المعاصرين أنفسهم قد أشادوا بمجدها بوصفها مقامًا له، ومع ذلك فإن سلفه نور الدين هو الذي أسبغ على المدينة في الحقيقة طابعها الذي عرفت به، فقد زاد في تحصينها بتجديد أسوارها بأبراجها وأبوابها، وشيد مسجدًا في شمال قلعتها، وفتح في هذه الناحية منها بابًا جديدا هو باب الفرج، وبنى بالقرب منه دار العدل أو دار السعادة (انظر المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة جـ 7، ص 246؛ حاجى خليفة، جهاننما ص 572) والراجح أن هذه الدار كانت قائمة كما يستدل من قول كريمر (Von Kremer: Topographie جـ 1، ص 14؛ جـ 2، ص 11) في موقع سراى الحربية الحالية وظلت مستعملة حتَّى العصر التركى قصرا للحاكم. ولكن أشهر هذه الأبنية هي التي أقامها للبر والتقوى، ولا نستطيع هنا أن نذكر إلا أهمها، أي المدرسة الخاصة بالحديث، وهي أقدم مدرسة من نوعها، وقد درس فيها ابن عساكر (: Goldziher Muh. Studien جـ 2، ص 176 وما بعدها) ثم البيمارستان المشهور المعروف بمارستان نور الدين، ولا يزال قبره قائمًا في المدرسة النورية التي نسبت إليه، يبجله النَّاس ويحترمونه.
ومات نور الدين سنة 569 هـ (1174 م) فوقع جل مملكته، بما فيه دمشق، في يد صلاح الدين بن أيوب، وكان صلاح الدين قد استقل بأمر مصر بالفعل. وقد أكسبت انتصاراته دمشق عزا لم تحلم به من قبل.
والحق أن النشاط الذي بدأه نور الدين في إقامة العمائر لم يخمد؛ إلا أن الحروب المتصلة التي خاض غمارها صلاح الدين لم تترك له فسحة يوجه همه فيها إلى توطيد دعائم السلام.
وتوفي صلاح الدين بعد عقد الصلح مع رتشارد الأول (قلب الأسد) بستة أشهر لسبعة وعشرين يومًا خلت من صفر عام 589 هـ (4 مارس 1193 م)
ودفن أول الأمر في القلعة، ثم نقلت رفاته إلى المدرسة العزيزية.
وحوصرت المدينة مرات إبان القتال العنيف الذي استعر بين ولدى صلاح الدين، الأفضل والعزيز، وأخيه العادل فأصاب هذا الحصار المدينة بشر كبير، ولم تستعد دمشق هدوءها وأمنها في عهد العادل إلَّا بموت العزيز، والقضاء المبرم على الأفضل (وفي هذا العهد وسعت القلعة، وشيد مسجد العيدين، انظر المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة جـ 7، ص 31).
وهدد الفرنجة دمشق أيام ولده وخليفته المعظم عيسى، ولكن خطرهم زال عنها، وبعد أعوام نشب الخلاف بين أمراء البيت الأيوبى، وانتهى هذا النضال بتحالف الصالح إسماعيل صاحب دمشق مع النصارى على الصالح أيوب عزيز مصر، وهو التحالف الذي أسخط العالم الإسلامى أشد السخط. وقد استطاع الصالح أيوب بمساعدة الخوارزميين أن يهزم الحليفين في غزة عام 643 هـ (1244 م) وأن يعيد دمشق إلى حوزة مصر. ولما مات المعظم توران شاه بن الصالح أَيُّوب عام 648 هـ (1250 م) استولى الناصر يوسف صاحب حلب على قصبة الشَّام الجنوبية، وكان بذلك آخر من استولى عليها من الأيوبية.
ولم تتأثر العمارة التي بدأها نور الدين بالفتن التي سادت هذا العهد. فقد تنافس أمراء البيت الأيوبى وأميراته وسائر أشراف المملكة في إنشاء المبانى الخيرية، واصبحت دمشق بذلك مدينة المدارس، وزار ابن جبير المدينة أيام صلاح الدين، وأحصى فيها نحو عشرين مدرسة، ولكن هذا العدد زاد بعد ذلك أضعافًا. على أن شأن هذه العمائر في تاريخ العلوم الإِسلامية، وبالأحرى في أعمال البر والتقوى، أهم من شأنها في تاريخ المدينة ذاتها. ومن ثم نحيل القارئ إلى ترجمات سوفير في المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة جـ 3، 7؛ ويمكن أن نقارن ما كتبه سوفير بما ورد في zeitschr. Der deutsch. Morgenl، جـ 8، ص 356 - 374.