الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعة العدوية
ولية متصوفة بصرية مشهورة، وهي مولاة آل عتيك، وهم قبيلة من قيس بن عدى تعرف أيضًا بالقيسية.
ولدت 95 هـ (713 هـ - 714 م) أو عام 99 هـ، وتوفيت بالبصرة ودفنت فيها عام 185 هـ (801 م) وقد سجلت لها أبيات من الشعر قليلة.
وذكرها معظم كتاب الصوفية، أصحاب طبقات الأولياء.
ولدت في بيت فقير، وأسرت وهي بعد طفلة، ثم بيعت. بيد أن صلاحها أكسبها حريتها، وانصرفت إلى الانقطاع عن الدنيا، وصدفت عن الزواج. وأقامت أول أمرها في البادية، ثم انتقلت إلى البصرة حيث جمعت حولها كثيرًا من المريدين والأصحاب
الذين وفدوا عليها لحضور مجلسها وذكرها لله والاستماع إلى أقوالها.
وكان من بينهم مالك بن دينار، والزاهد رباح القيسي، والمحدث سفيان الثورى، والمتصوف شقيق البلخي.
وكانت حياتها عكوفا على الزهد وانقطاعًا عن أسباب الحياة الدنيا.
وروى أنها لما سئلت لماذا لا تطلب من أصدقائها العون أجابت "إنى لأستحى أن أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها" وقالت لصديق آخر: "
…
إن الله تعالى هو الَّذي يرزقنى ويرزقهم [أي الأغنياء] أفمن يرزق الأغنياء لا يرزق الفقراء؟ فإذا كانت هذه مشيئته فنحن من جانبنا نرضى عنها
كل الرضا". ونسبت إليها كرامات، شأنها في ذلك شأن غيرها من أولياء المسلمين، فقد كان الطعام يأتيها بوسائل خارقة فتقرى به ضيوفها وتسد رمقها. ونفق بعير لها وهي تقوم بفريضة الحج، فرُدت له الحياة ليقوم بخدمتها. ولم تكن في حاجة إلى مصباح لأن النور كان يشع من حولها.
وقد روى أنَّه لما حضرتها الوفاة قالت لأصحابها: "انهضوا واخرجوا، ودعوا الطريق مفتوحة لرسل الله تعالى" فنهضوا جميعا وخرجوا، فلما أغلقوا الباب سمعوا صوت رابعة وهي تقول الشهادة، فأجابها صوت {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} (سورة الفجر، الآيات 27 - 30) ورؤيت رابعة في المنام، فسئلت بماذا أجابت منكرا ونكيرا فقالت:"أتانى منكر ونكير فسألانى: من ربك؟ فأجبت: أيها الملكان، اذهبا وقولا لحضرة الله تعالى: أنت تأمر بسؤالى، أنا المرأة العجوز، بين هذا العدد من عبيدك، أنا التي لم أعرف غيرك! أفنسيتك مرة حتَّى تبعث إلى بمنكر ونكير يسألاننى؟ "
ومن بين دعواتها دعاء اعتادت أن تردده بالليل من فوق سقف لها "إلهى، أنارت النجوم، ونامت العيون، وغلقت الملوكُ أبوابها، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامى بين يديك". ومن دعواتها أيضًا: "إلهى إذا كنت أعبدك خوفًا من نارك فأحرقنى بنار جهنم، وإذا كنت أعبدك طمعًا في جنتك فأحرمنيها، أما إذا كنت أعبدك من أجل محبتك فلا تحرمنى من مشاهدة وجهك".
وقالت في التوبة، وهي أول مقامات الصوفية [مجيبة من سألها]، "هل لو تبت يتوب على؟ " فقالت:"لا، بل لو تاب عليك لتبت" وكان من رأيها أن الشكر يكون على رؤية المنان لا على منته. ولما طلب إليها في يوم من أيام الربيع أن تخرج لتتأمل آثار قدرة الله قالت [لخادمتها]"بل ادخلى أنت وتعالى تأملى القدرة في نفسها" وأضافت "إن مهمتى أنا هي أن اتأمل القدرة". ولما
قيل لرابعة "ما تقولين في الجنّة؟ " قالت "الجار ثم الدار" وقد علَّق الغزالى على ذلك بقوله:
" .. كل من لم يعرف الله في الدنيا فلا يراه في الآخرة، وكل من لم يجد لذة المعرفة في الدنيا فلا يجد لذة النظر في الآخرة، إذ ليس يستأنف لأحد في الآخرة ما لم يصحبه في الدنيا، ولا يحصد أحد إلا ما زرع"(الإحياء: ج 4، ص 269). ويظهرنا على انقطاعها عن الدنيا قولها لمن سألها: "من أين أتيت؟ - من العالم الآخر - إلى أين تذهبين؟ - إلى العالم الآخر- وماذا تفعلين في هذه الدنيا؟ - أعبث بها وكيف تعبثين بها؟ - آكل خبزها وأعمل عمل الآخرة". وقال أحدهم ساخرًا: "إنك بارعة في الكلام، أفلا تصلحين لحراسة رباط؟ " فقالت: "إنى حارسة رباط فعلا، لأنى لا أدع شيئًا يخرج مما في داخلى، ولا أدع شيئًا يدخل مما هو خارج. وأنا لا أحفل بمن يدخل أو يخرج فأنا مشغولة بقلبى لا بمجرد الطين". ولما سئلت: "كيف بلغت هذا المقام من الولاية؟ أجابت رابعة: بقولى اللهم إنى أعوذ بك من كل ما يشغلنى عنك ومن كل حائل يحول بينى وبينك".
واشتهرت بأقوالها في المحبة والأنس بالله، وهو شغل محبه الشاغل.
وكل محب صادق يبحث عن القرب من محبوبه. ومما أنشدت في ذلك هذين البيتين:
إنى جعلتك في الفؤاد محدثى
…
وأبحت جسمى من أراد جلوسى
فالجسم منى للجليس مؤانس
…
وحبيب قلبى في الفؤاد أنيسى
(الإحياء: ج 3، ص 358، الهامش)
وأظهرت الحاجة إلى هذا الحب الشاغل والعبادة العاكفة بوضعها النار في يد والماء في اليد الأخرى. ثم أنشأت تقول:
"سأشعل النار في الجنّة وأسكب الماء على النار، حتَّى ينجاب الغشاءان عن طريق السالكين إلى الله، ويتبين مقصودهم، ويشاهدون الله لا يحدوهم أمل ولا يفزعهم خوف، أفئن لم يكن جنة ولا نار لم يعبد الله أحد ولم يطعه أحد؟ "(الأفلاكى: مناقب العارفين، مكتبة وزارة الهند، رقم 1760، ورقة 114 أ) سئلت "كيف حبك للرسول؟ " قالت "إنى والله أحبه حبًا شديدًا، ولكن حب الخالق شغلنى عن حب المخلوقين".
وقالت أيضًا "إن حبى لله لم يترك