الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد بلغ مجموع تجارة دمشق وفقا لتقارير القنصليات الإنكليزية عامى 1909 - 1910 ما قيمته حوالي مليون جنيه إنكليزي للصادرات والواردات.
ودمشق قصبة ولاية من ولايات سورية تضم أربعة سناجق: دمشق وحماه وحوران والكرك، وهي مقر وال وقيادة أركان حرب، وقد قدر بدكر Baedeker عدد سكانها سنة 1913 م بثلاثمائة أَلْف نسمة (ولا يدخل في ذلك عدد رجال الحامية ويتراوح عددهم بين 3000 و 4000 جندي) ولعل هذا التقدير مبالغ فيه.
صورة المدينة الحديثة
ولم تتغير الخطة الأساسية لسرة المدينة تغيرًا ملحوظًا، كما أشرنا من قبل، في أي مظهر من مظاهرها الجوهرية على الرغم من كثرة ما تداول على المدينة من حرائق وحروب منذ العهد الأموي، ومن ثم فإن الإلمام بخطة المدينة الحديثة يتبع استعراض تاريخها. وقد يرجع السبب في أن الجزء الشرقى من المدينة لم يتعد في الواقع حدود أسوارها إلى قيام الأحياء النصرانية واليهودية فيه، ولكننا إذا عكسنا الآية كان ذلك أقرب إلى الاحتمال، فإن هذه الأحياء قامت في موضعها ذاك، لأن المسلمين الحاكمين آثروا الأحياء القريبة من المدينة لأنها كانت مشرفة على الطرق المؤدية إلى البقاع السورية الأخصب من غيرها، وسرعان ما تجاوزت المدينة حدودها القديمة، وكنا نقرأ منذ عهد جد متقدم عن ربض العُقَيْبة ناحية الشمال الغربى من دمشق. وقد نشأت أيام نور الدين، عندما أشرق عهد جديد من عهود الازدهار على المدينة، أرباض جديدة أمام باب الحبانية، وأخذت هذه الأرباض تمتد غربا نحو الميدان الأخضر (كوك ميدان) وميدان الحصى (وهو يشير إلى ربض الميدان الجديد) ناحية الجنوب الغربى (وهذا الميدان هو نفس ضاحية الميدان الحديثة) وغدت حدود المدينة الغربية القديمة شيئًا فشيئا المركز العسكري والإداري، في حين ظل نشاط الأهلين التجارى يتركز كما كانت
الحال قبل ذلك حول الجامع الأموى، وأخذ هذا التطور يسير حثيثا وإن يكن في بطء منذ عهد نور الدين إلى أيامنا هذه. وينتهي الطريق الذي يسمى بالمستقيم، الممتد من الشرق إلى الغرب شرقى المدينة، عند الباب الشرقى القديم، ويمتد سور المدينة من هذه البقعة، ولا يزال محتفظا بشكله، بمحاذاة ضريح الشيخ أرسلان (انظر المجلة الأسيوية السلسلة التاسعة جـ 4 ص 404) شمالا حتَّى يبلغ نهر بردى عند باب توما، ثم يتبع الفرع الجنوبى من فرعى النهر اللذين يضمان في هذا الموضع جزيرة من الجزائر حتَّى يبلغ باب السلام (السلامة) وقد قام بين هذين البابين الأخيرين في يوم من الأيام كما يقول ابن شاكر (انظر المجلة الأسيوية؛ السلسلة التاسعة، جـ 7، ص 373 وما بعدها) باب هو باب الجينيق الذي نسب إلى حي معروف بالاسم نفسه، وهذا الاسم يدفع المرء دفعًا إلى تذكر الاسم الشعرى القديم لدمشق وهو جلّق. ولا زلنا نستطيع أن نقص أثر سورين آخرين، وإن كانت المبانى قد غطتهما في كثير من المواضع، يتجهان من باب السلام ناحية الغرب، ويسير بينهما طريق "بين السورين" إلى "باب الفراديس" ولهذا الباب، كما يقول بورتر (Porter جـ 1، ص 53) باب آخر أبعد منه إلى الداخل، و"باب العمارة" في الخارج عبر بردى. وقد أخذ هذا الباب اسمه من ربض العمارة الذي يبدأ من باب السلام، ويتسع تدريجيًا بانضمام أحياء كانت في الأصل قائمة بنفسها مثل العُقَيْبَة غير بعيد من مقبرة الدحداح (المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 7، ص 451) والبحصة وغيرهما. وتخرج منه الآن طريق عامة تتجه شمالا بغرب إلى الصالحية (انظر المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 4، ص 473 وما بعدها) التي قامت عند سفح جبل قايسون قبل عام 600 هـ (1200 م) ولا شك في أن سور المدينة كان متصلا بالقلعة في مكان ما من هذا الموضع. وقد تعود التغيرات المتعددة التي يشهد على
إحداها تشييد نور الدين لباب الفرج (في موضع باب العمارة القديم، انظر المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة جـ 7، ص 734) إلى الرغبة في حماية الأحياء التي كانت تنمو على الأيام وتتصل بالمدينة. ولكن المدينة كانت تتسع باستمرار فتجاوز الحدود المضروبة حولها؛ ولم يوفق "بورتر" ولا "فون كريمر" في تحديد مجرى الأسوار القديمة في هذا الجزء من المدينة تحديدا دقيقًا. وقد ألحق "باب الحديد" بالقلعة أثناء التغيرات التي أحدثها "العادل" فيها، على حين نقل الاسم القديم إلى الباب الذي كان معروفًا في الماضى "بباب النصر" الذي كان قائمًا أبعد من ذلك بقليل صوب الجنوب، ولا يزال هذا الباب باقيًا إلى اليوم. ثم يأخذ السور في السير بقرب الجانب الشرقى لطريق الميدان وبمحاذاته حتَّى يبلغ باب الجابية الذي يطابق الآن الطرف الغربى للطريق الكبير الذي يساير طول المدينة.
ويستمر السور من غير شك مسافة لا بأس بها في الاتجاه نفسه، وإن كان قد اختفى كل أثر له هنا، ويتبع سوق السنانية حتَّى ينعطف شرقًا عند الباب الصغير ويمتد في الوقت الحالى ربض الميدان بمساجده الكثيرة الجميلة ميلا أو ميلين ناحية الجنوب في هذا الجانب حتَّى يبلغ بوابة الله، وهي مبدأ طريق الحجيج، غير بعيد من مسجد القدم، وهو المسجد الذي تحاول الروايات أن تجعل ضريح موسى قائما فيه، كما أنها تشير إلى آثار أقدامه هناك (انظر ابن جبير، طبعة دى غوى، ص 281 وما بعدها؛ ابن بطوطة، جـ 1، ص 226 وما بعدها)، وقد قيل من بعد إن هذه آثار أقدام محمَّد [صلى الله عليه وسلم] (انظر فون كريمر: Von Kremer Topographie ، جـ 2، ص 22؛ Zeitschr. des Deutechen Palastina Vereins، جـ 7، ص 284). وليس من المحقق تمامًا فيما يظهر، وإن رجح ذلك من ياقوت (جـ 2، ص 236) أن الباب الصغير القديم هو نفس باب الشاغور الحديث، وفيه بابان يقدمان دليلا آخر على أنَّه كان ثمة في الماضى حلقة مزدوجة من الأسوار. وقد بطل الآن
إطلاق اسم الباب الصغير على هذا الباب، إلَّا أن هذا الاسم لا يزال يطلق على أشهر مقبرة في دمشق، وهي مقبرة الباب الصغير حيث دفن جماعة من الصَّحَابَة ومن زوجات النبي [صلى الله عليه وسلم] وابنته فاطمة. وقد عفَّى الزمان على كل أثر لقبر معاوية الذي كان يقوم في هذا الموضع في وقت من الأوقات. ويقوم بالقرب من جامع الجراح القبر المنسوب إلى يزيد بن معاوية، وهذا القبر محل لعنة النَّاس واستنكارهم، ولعل بعضهم قد التبس عليه الأمر فذهب إلى أنَّه قبر أبي عبيدة (: Von Kremer Topographie ، جـ 2، ص 20، انظر، Zeitschr der Deutsch. Morgenl Ges جـ 15، ص 360). ولا يزال السور من هذا الموضع إلى باب كيسان المغلق الآن -حيث تعين الأسطورة مشهد حوادث سفر أعمال الرسل (الإصحاح التاسع آية 25) ثم من باب كيسان إلى الباب الشرقى- باقيًا في حالة لا بأس بها هو وأبراجه الكثيرة، ولكنه أصبح خطًا واحدا من خطوط الدفاع، ولو أنَّه كان فيما يبدو مزدوجا في هذا الموضع (انظر Voyage Suite du de Levant: Thevenot باريس 1673، ص 25 وما بعدها). ويقوم في البساتين جنوبى المدينة القبر المنسوب إلى بلال بن رباح وقبر نصراني للقديس جورج.
وقد سبق أن ذكرنا أجل آثار العمارة في دمشق، ونكتفي هنا بأن نسوق بعض الملاحظات العامة عن قلب المدينة. ففي دمشق كما في سائر المدن الشَّرقية، الأزقة الخاصة بحى السكنى الهادئة بحوائطها المرتفعة الكئيبة التي تضم في كثير من الأحيان قصورا، وهي تقابل مقابلة عجيبة طرق الأسواق الدائبة الحركة الجياشة بألوان الحياة بخاناتها الضخمة ومكاتب التجار الشرقيين ومستودعات بضائعهم. ولهذه المدينة مزية واحدة على سواها ألا وهي مواردها التي لا تنفد من الماء يمدها به نهر بردى. فلا عجب إذن أن يكون لحمامات دمشق صيت بعيد، وهي مزينة في كثير من الأحيان بالقاشانى البديع. وقد أعطانا فتزشتاين Wetzstein صورة بهيجة للمناظر البديعة
في أسواق المدينة حوالي منتصف القرن الماضى (Zeitschr der Deutsch Morgenl، Gesl، جـ 11، ص 475 - 525) وإذا كانت المدينة قد فقدت بعض صبغتها الشَّرقية الخالصة فإنَّها ظلت على كل حال أنقى وأخلص من حواضر الشرق العظيمة الأخرى التي خضعت أكثر من دمشق لتأثير العالمية الأوربية. وأخذت صناعات دمشق القديمة العريقة تضمحل اضمحلالا كبيرًا على الأيام، ذلك أن صناعة الأسلحة التي يمكن تتبعها إلى أيام دقلديانوس قد انقرضت منذ أخذ تيمور صناعها. والحق أن أنوال الحرير (انظر الإدريسى، كتابه المذكور) التي كان لها شهرة عالمية في يوم من الأيام لم تختف بعد، ولكنها فقدت ما كان لها من شأن. أما في الوقت الحاضر فإن السلع المصنوعة (وبخاصة القطنية منها) لها الصدارة بين صادرات دمشق ونحن نجد من ناحية أخرى أن كثيرين من أصحاب الحرف لا يزالون يمدون الأهلين بمصنوعاتهم الجيدة المتقنة. ولصناعة الجلود بنوع خاص شهرة ذائعة. ولا يزال الصاغة يصنعون مصوغات مخرمة بديعة، في حين تجد مصنوعات الخشب والمعدن (النحاس الأحمر والأصفر) إقبالا في أسواق البلاد الأجنبية. والمدينة وإن خسرت خسارة لا تعوض ما كان لها من شأن في يوم من الأيام باعتبارها حاضرة دولة عظيمة ومركزا للتجارة العالمية، فإنَّها تعيش على ماضيها المجيد وحده، ومع ذلك فإنَّه يصح لنا أن نؤيد ما ذهب إليه فون أوبنهيم M.Von Oppenheim من "أن عهدا جديدا من الازدهار أخذ يشرق عليها إشراقا".
المصادر:
(1)
البلاذرى: فتوح البلدان، طبعة دى غوى، ص 120 - 130.
(2)
المكتبة الجغرافية العربية، طبعة دى غوى، جـ 1، ص 59 - 61؛ جـ 2، ص 114 - 116؛ جـ 3، ص 156 - 160؛ جـ 5، ص 104 وما بعدها؛ جـ 7، ص 325 وما بعدها.
(3)
الإدريسى: Zeitschr. d. Deutch Pal. Vereins، جـ 8، ص 12 وما بعدها؛ 130 وما بعدها.
(4)
ابن جبير: طبعة دى غوى، ص 260 - 298.
(5)
ياقوت: معجم البلدان، جـ 2، ص 587 - 598.
(6)
ابن بطوطة: طبعة (Defremery et Sanguinetti) جـ 1، ص 187 - 254.
(7)
حاجى خليفة: جهاننما طبعة الآستانة سنة 1145 هـ ، ص 571 وما بعدها.
(8)
: G Le Strange Palestine under the Moslems، ص 224 - 273.
(9)
H. Sauvaire: Description de Damas في المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ 3 - 7 وثمة مصادر أخرى خطية كثيرة، قد عرضت لدمشق بخاصة، نذكر منها على سبيل التخصيص:
(10)
ابن عساكر، ولم يطبع للأسف الشديد إلى الآن، بل إن المصادر الموجودة لم تستغل بطريقة منظمة، والحق أن خطة مدينة دمشق الحديثة لم تدرس بعد دراسة دقيقة، وسيمدنا طبع النقوش الخاصة بدمشق التي أعلن Van Berchem أنه سيقوم بنشرها بأسس جديدة للبحث.
(11)
: A. V. Kremer Topographie von Damascus ، جـ 1، جـ 2: Denkschr . .der phil-hist. Cl.der k. Akad، d. Wissench wein، جـ 5، 6، عام 1854، وهو كتاب قديم به أخطاء في كثير من المواضع وإن كنا لا نستطيع أن نستغنى عنه.
(12)
السلوك طبعة Quatremere، جـ 2، القسم الأول، ص 262 - 288.
(13)
A. Von Kremer: Mittelsyrien und Damaskus، فينا عام 1853.
أما فيما يتصل بفتح العرب مدينة دمشق فانظر:
(14)
: De Goeje Memeire Sur la Conquete de la Syrie، ص 82 - 113.
(15)
Annali dell' Islam: Caetani جـ 3، ص 326 - 422. وقد درس الرحالة القدامى.
(16)
Erdkunde: Ritter، جـ 17، ص 1332 - 1428. وانظر أَيضًا بصفة خاصة: