الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزيدية
هم طائفة تحققت لها الأطماع السياسية بين طوائف الشيعة وهم يفترقون عن الشيعة الإثنى عشرية وعن الشيعة السبعية فى قولهم بإمامة زيد بن علىّ [بن الحسين بن على بن أبى طالب] وبعد أن مات زيد اشترك الزيدية فى فتن كثيرة قام بها العلويون، ولكنهم لم يؤلفوا قط فرقة واحدة. ومؤرخو المقالات يحصون من الزيدية ما يبلغ ثمانى فرق: من فرقة أبى الجارود الذى جمع بين الأعمال الحربية وبين القول بتأليه الأئمة، إلى فرقة مسلمة بن كُهيل الذى اقتصر فى تمسكه بمذهب الزيدية على مجرد الميل إلى الشيعة. وكانت الحال شبيهة بذلك فى المذهب الاعتقادى للزيدية. وهم لم يصبحوا جماعة متحدة إلا بعد أن تولى قيادتهم الروحية رجال من العلويين الذين كانوا يدعون الإمامة. وإذا نحن اعتمدنا على ما لدينا حتى الآن من معلومات وثيقة وجدنا أنه لا يستحق هذا الوصف من العلويين إلا رجلان: أولهما الحسن بن زيد الذى أسس منذ حوالى سنة 250 هـ (864 م) دولة زيدية جنوب بحر الخزر، وثانيهما القاسم الرَّسى، وهو ابن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم ابن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب (المتوفى سنة 246 هـ = 860 م) وعلى حين أنه لا توجد من مؤلفات الحسن بن زيد إلا شواهد غير مباشرة فإن مؤلفات القاسم الذى لم يوفق على أية حال فى ميدان السياسة قد بقيت، وإن كنا لم نزد معرفة به إلا فى العصر الحديث بحكم صلته بالرد على النصارى (راجع ما كتبه Di Matteo فى مجلة RSO، المجلد 9، 1921 - 1923؛ ص 301 - 364) وبالرد على ابن المقفع La lotta tra l islam e il manicheismo: M. Guidi) رومة، 1927)، ومذهب الزيدية الذى وضعه القاسم ووسعه وفصله من جاءوا بعده، وهو المذهب الزيدى الوحيد الذى بقى مذهب ينحو فيما يتعلق بالقول فى ذات اللَّه منحى الاعتزال (1)، وهو فيما يتعلق بالمسائل
(1) السبب فى ذلك هو أن زيد بن على تتلمذ على واصل بن عطاء مؤسس فرقة المعتزلة، على أن الفرقة التى رأت فى الأصول رأى المعتزلة حذو القوة بالقوة هى فرقة الصالحية. وما دام الكلام عن مذهب الزيدية فإنه تحسن الإشارة إلى أنهم، شأنهم شأن الشيعة بالاجمال، كانوا يعتقدون بانفراد أبناء على رضى اللَّه عنه بعلم فطرى ضرورى من غير تعلم، وهو شبيه =
الأخلاقية مخالف للمرجئة، ويحمل إلى ذلك طابعًا من التشدد فى الدين يرفض التصوف، ولذلك فالطرق الصوفية ممنوعة فى الدولة الزيدية. أما فيما يتعلق بمسائل العبادات فإن مذهب الزيدية هذا يشترك مع بقية الشيعة فى مميزات معينة انفردوا بها بوصفهم فرقة من الفرق: من ذلك قولهم فى الأذان: "حىّ على خير العمل"؛ والتكبير خمس مرات فى صلاة الجنازة؛ ورفض المسح على الخفين؛ ورفض الصلاة خلف الفاجر؛ وعدم أكل ذبائح غير المسلمين. وهم فيما يتعلق بأحكام الزواج يحرمون الزواج من غيرهم، ولا يجيزون على كل حال زواج المتعة.
ولما كان خصوم الزيدية يكادون جميعًا يكونون من المسلمين، فإن الزيدية يقولون من الناحية النظرية بطبيعة الحال، بوجوب محاربة البغاة الذين يخرجون على الإمام؛ على أنه كان هناك فوق ذلك خلاف فى العقيدة بين المعتزلة وأهل السنة، ومن ثم فإن الزيدية كثيرًا ما سموا أنفسهم "المؤمنين" بإطلاق المعنى، فى مقابل مخالفيهم، كما أنهم لم يترددوا فى تسمية حروبهم جهادًا هى وما يترتب عليها من نتائج تتعلق بقوانين الحرب. ونظرًا لتفرقهم من أول الأمر فإنهم اختلفوا أشد الخلاف فى المسائل الشرعية، وهذا الخلاف على كل حال لا يميز الفرقة من حيث هى. وقد دون المتأخرون هذه الآراء المتباينة من غير اتهام لأصحابها وفرحوا باعتبارها من جملة اختلاف الفقهاء. وهنا نجد أفرادًا من الزيدية يوافقون أفرادًا من أهل السنة فى مخالفة أفراد آخرين من الزيدية ومن أهل السنة، بحيث أصبح مذهب الزيدية فى الفقه بمثابة مذهب خامس إلى جانب المذاهب الأربعة. وقد صور لنا أبو الحسن عبد اللَّه بن مفتاح الزيدى ذلك تصويرا واضحًا ملموسا
= بالعلم النبوى، كما كانوا يعولون على علم مكتوم يأخذه بعضهم عن بعض، ومنه ما هو تنبؤ بمصيرهم. وأخص ما ينسب دلك إلى جعفر الصادق رضى اللَّه عنه. وأئمة الرافضة، وهى إحدى فرق الزيدية، قالوا بالبداء، يعنى أن اللَّه قد يبدو له فيغفر ما يريد -وهذه نظرية باطلة- كما أنهم كانوا فيما يقولون ويفعلون يتعللون بالتقية، أى بضرورة المداراة -راجع مثلا كتاب الملل للشهرستانى، طبعة القاهرة 1347 هـ، جـ 1، ص 120، 152، 124، 166؛ جـ 2، ص 2.
[المترجم].
بأن جعل اسم كتابه "المنتزع المختار من الغيث المدرار"(الجزء الأول، طبعة القاهرة 1328 هـ). ولابد بطبيعة الحال أن تكون الآراء قد اتحدت فى الدولة الزيدية الحالية اتحادًا كبيرًا؛ وقد جاء هذا الاتحاد من أن كتابين أصبحا فيها أساسًا للتعليم الرسمى، وهما: كتاب "الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار"(راجع كتاب تاريخ المؤلفات العربية لبروكلمان جـ 2، ص 178، ص 129) تأليف أحمد ابن يحيى المرتضى وكتاب "الروض النضير".
وأهم الشروط التى يجب أن تتحقق فى الإمام هى: (أ) أن يكون من أهل البيت، دون تمييز بين أبناء الحسن وأبناء الحسين، ومعنى هذا أنه لا يخلف إمامًا بالوراثة، (ب) وأن يكون قادرًا على الخروج بنفسه للقتال بسيفه وقادرا على الدفاع، بحيث لا يلى الإمامة صبى ولا مهدى غائب، وأن يكون على ما يقتضيه منصب الإمامة من العلم: وقد أخذ الزيدية ذلك مأخذ الجد بدليل تلك الكثرة الهائلة من الكتب التى ألفها أئمة الزيدية فى جميع القرون. ولم يكن من الميسور والحالة هذه أن تنشأ تقاليد مما تتميز به الأسر المالكة. وكان النجاح الشخصى هو العامل الحاسم فى الوصول إلى الإمامة، ولذلك لم تقم سلسلة متصلة من الأئمة، بل يسلم الزيدية على نحو يتفق ومنطق الواقع بأنه يمكن أن يكون "زمان بلا إمام"، وأكثر من هذا أيضًا أنهم يسلمون بإمكان وجود "أئمة كثيرين فى زمان واحد"(1)، ومعنى هذا، من الناحية العلمية، أنه كثيرًا ما يظهر
(1) كان الزيدية يجوزون أن يكون كل فاطمى عالم زاهد شجاع سخى خرج بالامامة (أى خرج شاهرًا سيفه)، إماما واجب الطاعة، سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين. . وجوزوا خروج إمامين من قطرين يستجمعان هذه الخصال ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة؛ وهذا هو مذهب زيد بن على الذى تنسب إليه فرقة الزيدية. كان زيد يرى أيضًا جواز إمامة المفضول مع قيام من هو أفضل منه، إذا اقتضت ذلك مصلحة دينية، كتسكين ثائرة الفتنة، مثل تفويض الإمامة لأبي بكر بسبب لينه وسبقه فى الإسلام وتقدمه بالسن، وذلك دون على رضى اللَّه عنه لما كان فى القلوب منه بسبب شدة بلائه فى الإسلام، ودون عمر رضى اللَّه عنه، لأنه كان فظا شديدًا. وكان زيد يرى أنه يجوز أن يكون المفضول إماما ومن هو أفضل منه قائما، فيرجع إليه فى الأحكام =
إمام معارض لآخر. فإذا استطاع هذا الإمام الجديد أن يقصى سلفه عن الإمامة فإن خلع الإمام المغلوب أو نزوله عن الإمامة يعتبر عند ذلك أمرًا مشروعًا تمامًا وهذا من علامات الاعتراف بالواقع من غير تعنت. ولكن إذا انقلب الوضع استطاع الإمام المغلوب أن يعود إلى الإمامة. وعدم تحقق كل شروط الإمامة يمنع من الاعتراف للإمام بالإمامة الكاملة؛ وعند ذلك لا يكون هناك سوى أئمة فى الحرب أو فى العلم. أما الرؤساء الذين لا تتعدى مقدرتهم المحافظة على حياة الدعوة الزيدية فإن الواحد منهم يسمى "داعيًا" أو "محتسبًا" أو "مقتصدًا" أو نحو ذلك. ثم إن الشك فى: من هو الذى يستحق أن يكون إمامًا حقيقة يتجلى عند الزيدية بالنسبة لمن ادعى الإمامة من العلويين فاختارهم الزيدية بعد أن صار لهم دولة فيما بعد، وذلك بغية المحافظة على الصلة بالشيعة الأولين. ونجد فى أول قائمة وصلت إلينا مشتملة على بيان الأئمة، وهى لمؤسس الدولة الزيدية فى اليمن، أن هؤلاء الأئمة على هذا الترتيب:(1) على، (2) الحسن، (3) الحسين، وبعد ذلك، (4) زيد بن
= والقضايا. وهذا هو السبب فى رفض شيعة الكوفة لزيد بن على لما خرج بالامامة، ولذلك سموا "الرافضة"؛ ولكن أكثر الزيدية رفضوا فيما بعد رأى زيد بن على فى جواز إمامة المفضول، كما أن بعض الزيدية (وهم السليمانية) كانوا يرون أن الإمامة شورى بين المسلمين. ويظهر أن الصالحية من فرق الزيدية قد بالغوا فى فهم رأى زيد بن على، فرأوا جواز إمامة المفضول ما دام من هو أفضل منه راضيا بذلك، ومنهم من غلا حتى جوز أن يوجد إمامان فى قطرين ويكون كل منهما مصيبا فى حكمه واجب الطاعة فى قومه حتى لو أفتى بخلاف ما يفتى به الآخر إلى حد استحلال دم الآخر، كما جوزوا أن يقتتل الإمامان المتساويان فى الفضل والزهد والحزم ومتانة الرأى فتكون الإمامة للمتغلب منهما. على أن بعض المعتزلة (مثل جعفر بن حرب وجعفر بن مبشر) كان يرى أن الإمامة مسألة مصلحية من مصالح الدين، فهى لا تحتاج إلى العلم النظرى بقدر ما تحتاج إلى توفر الحزم والرأى المتين والبصر بالحوادث، وهذا هو الذى يكفل تنفيذ القانون الشرعى وإلزام الجماعة حدود النظام وحماية الدين من أعدائه، ولذلك يجوز أن تكون للمفضول من ناحية العلم، ولكن يجب على هذا المفضول أن يستعين بأهل العلم والاجتهاد والرأى -راجع الشهرستانى، جـ 1، ص 159 - 161؛ جـ 2، ص 2.
[المترجم].
على وابنه، (5) يحى، ثم يلى ذلك الإخوة الثلاثة، (6) محمد بن عبد اللَّه (7) إبراهيم ثم (9) يحيى الذى ظهر فى بلاد الديلم، وذلك بعد أن كان قد اشترك فى الحرب عند الفخّ من أجل الحسين بن على بن الحسن، وأخيرًا (10) محمد بن إبراهيم طباطبا الذى خرج مع أبى السرايا (11) أخوه المسمى القاسم الرّسى. أما القوائم الأحدث من ذلك عهدًا فهى تشمل عشرة أئمة آخرين، وأهمهم بالنسبة لنظرية الإمامية إدريس وهو أخ رابع للأئمة السادس والسابع والتاسع، وإدريس قد استوفى شروط الإمامة، لكنه أسس دولة بقيت فى المغرب على مذهب أهل السنة.
وتحققت مطامع الزيدية فى مناسبتين، فقد ظهر عند بحر الخزر بعد أيام الحسن بن زيد، إلى حوالى سنة 520 هـ (1126 م)، ما يقرب من عشرين إمامًا وداعيا، بينهم فترات متفاوتة فى طولها، ولكنهم كانوا متنازعين. ومنذ ذلك الزمان اندمج الزيدية هناك فى فرقة النكتوية. أما مؤسس الدولة الزيدية فى اليمن فهو الهادى إلى الحق يحيى بن الحسين من ولد ولد القاسم الرَّسى. وقد عاشت هذه الدولة إلى ما بعد سائر دول اليمن، وإن كانت، فى كثير من الأحيان "قد اضطرت إلى الارتداد إلى المدينة التى بدأت منها دعوتها وهى صعدة. وذلك منذ أوائل القرن الرابع للهجرة (العاشر الميلادى)، عند موت الناصر أحمد بن الإمام الهادى الذى كان ثانى إمام بعد أبيه الهادى. وفى خلال ذلك القرن لم يتيسر القيام إلا بمحاولات قليلة للتوسع على يد أبناء أحمد هذا وأحفاده، وعلى يد أئمة من بيوت فرعية من أبناء القاسم أيضًا، ولكنهم لم يكونوا من أبناء الهادى، ومنهم العيانى، ومنهم أيضا الإمام المؤلف المكثر المهدى الحسين بن المنصور القاسم الذى أدى موته سنة 404 هـ (1013 م) إلى تفرق أتباعه، وفقدت فرقة منهم الأمل فى ظهور المهدى فى نهاية ألف السنة فانحلت. وفى سنة 447 هـ (1055 م) قتل الناصر أبو الفتح بن الحسين المسمى الديلمى فى الحرب بينه وبين الصليحيين، وذلك أنه كان فى أول الأمر قد ظهر بالإمامة بين زيدية أرض
الخزر، وكان من أبناء زيد بن على. وإذن فليس بصحيح أن يعتبر أئمة اليمن من أبناء الرسّى. ولم يخلفه المتوكل أحمد بن سليمان من أبناء الهادى إلا فى سنة 533 هـ (1138 م) فظل إمامًا إلى سنة 566 (1170 م)، وهو علاوة على حروبه التى بلغ فيها نجران قد كتب فى الطعن على زندقة المطرّفيّة. واضطراب القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) يفسر لنا ما وقع من أن المهدى أحمد بن الحسين، من أبناء أبى البركات بن محمد بن القاسم الرسى، قد قتله قومه سنة 656 هـ (1258 م) بعد أن دامت إمامته عشر سنين. وكان للمهدى إبراهيم بن تاج الدين أحمد منافس فى شخص يحيى بن محمد، من بيت من الحسنيين لا نعرف عنه شيئًا قط هو بيت السراجى، ومات هو نفسه سنة 674 هـ (1275 م) فى الحبس عند المظفر يوسف الرسولى فى تعز، على حين أن المتوكل المطهر بن يحيى، وهو قد ظهر من بيت الهادى وتوفى سنة 699 (1299 م)، سمى المظلل بالغمامة، لأنه وهو مرتد من غزوة محفوفة بالخطر فى خولان أظلته غمامة فأخفته من المؤيد داود الرسولى الذى كان يطلبه. وقد اعترض انتقال الإمامة إلى ابنه المهدى محمد وإلى حفيده المطهر دخول غرباء كثيرين، مثل المؤيد يحيى ابن حمزة، أحد أبناء الإمام الثانى عشر على الرضى، وقد ملأت كتبه "من طباق الورق عدد ما كان فى حياته من أيام". وكان نظيره فى التأليف المهدى أحمد ابن يحيى المرتضى المتوفى سنة 836 هـ (1432 م) والذى لم يمكث فى الإمامة إلا عدة أيام. وبعد فترة تحارب فيها أئمة كثيرون فيما بينهم، وتحاربوا مع الطاهريين للاستيلاء على ذمار وصنعاء، اضطر حفيده المتوكل يحيى شرف الدين أن يعتكف ردحا من الزمن فى ثلا تحت ضغط قواد مماليك مصر (933 هـ - 1517 م). صحيح أن ابنه المطهر استطاع أن يسترد إلى حين كل ما كان قد ضاع من البلاد حتى تهامة، ولكن الدولة العثمانية كانت قد قامت فيما بين ذلك. وتوفى حفيده وهو سجين فى إستانبول، كما توفى فى سنة 1004 هـ (1595 م) الناصر الحسن بن على، من فرع آخر من فروع
بيت الهادى، بعد أن استطاع أن يحتفظ بالإمامة سبع سنين فى الأهنوم.
وفى آخر تلك السنة بدأ المنصور القاسم بن محمد، وكان من بيت الهادى أيضًا، عهدًا جديدًا فى تاريخ الزيدية، وذلك أنه نادى بالحرب وأفلح فى قتاله إلى أن توفى (1029 هـ = 1620 م). وفى عهد ابنه المؤيد محمد المتوفى سنة 1054 هـ (1644 م) انسحب العثمانيون من اليمن سنة 1045 هـ (1635 م) ومنذ ذلك الزمان كان الأئمة فى الجملة من بيت القاسم هذا، برغم أنه كان لا يزال بعد قرون أئمة ينتمون إلى بيوت زيدية قديمة أصيلة، وكان ذلك لا يتم بطبيعة الحال إلا بفتن كثيرة كانت تضرب القبائل العربية فى أثنائها بعضها ببعض. فمثلا ينسب موت المؤيد محمد بن إسماعيل بن القاسم (1097 هـ = 1606 م) إلى عشيرته الأقربين، ذلك أنهم دسوا له السم، ثم استتب النظام إلى حد كبير فى عهد المهدى عباس بن المنصور الحسين المتوفى سنة 1189 هـ (1775 م)، ولا تزال مدينة صنعاء تشهد إلى اليوم بما أقامه فيها من أبنية.
وبرغم أن ابنه المنصور على المتوفى سنة 1224 هـ (1809 م) لم يكن كفؤًا، وفى عهده توغل الوهابيون حتى بلغوا تهامة، فإن حفيده المتوكل أحمد استطاع أن يعيد النظام إلى نصابه فى مدينة صنعاء، وأن ينشئ خزانة للمال ودارًا للكتب. وفى خلال ذلك وقعت تهامة فى أيدى أشراف مكة. أما حفيده المنصور على بن المهدى عبد اللَّه الذى تولى الإمامة منذ سنة 1251 هـ (1835 م) فهو يوصف، حتى عند الزيدية أنفسهم، وصفًا قبيحًا شبيهًا بما رآه كروتيندون (C.J. Cruttendon) من أحوال هذا السكير (راجع J.R.G.S. المجلد 8، جـ 8، 1838 م، ص 284) ثم جاء حفيده محمد بن يحيى، ومع أنه لم يكن مجردًا من الكفاية بأية حال، فإنه اضطر بسبب منازعة إمام منافس له أن يرتكب وزرا خطيرا، ذلك أنه استنجد بالترك من تهامة، فجاءوا ودخلوا صنعاء سنة 1264 هـ (1847 م)، ولكن الشعب ثار وطردهم منها. ثم جاءت فتن القبائل وغزوات القرامطة فزادت الانحلال العام فى الدولة، وعند ذلك اتحد ثلاثة أئمة معزولين، وكانوا فى الأصل متعادين،
وتضافروا على الإمام المتوكل محسن ابن أحمد وأسلموا صنعاء للترك مرة أخرى فى 16 صفر 1289 هـ (25 أبريل سنة 1872 م) ولكن بينما كان محمد بن الإمام محسن يسعى إلى تولى الإمامة بموافقة الترك وبمال من أيديهم، كان فى الأهنوم وصعدة الهادى شرف الدين محمد الحسينى، من أبناء يحيى بن حمزة الآنف الذكر ومن رجال القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) إمامًا مستقلا من سنة 1296 هـ إلى 1307 هـ (1879 - 1890 م)، ثم كافح المنصور محمد بن يحيى حميد الدين بأن شن حروبًا كثيرة بدأها من صعدة والأهنوم، كما قام أيضا بمفاوضات دبلوماسية مع الترك لكى يحصل على سائر بلاد اليمن ويحافظ على مبادئ الزيدية وينظم الحياة طبقًا لرأيهم فى الشريعة، ثم ظهر ابنه المتوكل يحيى بهمة أقوى فى 20 ربيع الأول سنة 1322 هـ (4 يونية 1904)، وعند ذلك زحفت القبائل التى أهاب بها إلى الحرب على حصون الترك، فسلمت إليه صنعاء سنة 1904 م، ولم ينتهز يحيى فرصة المتاعب التى وقعت فيها تركية بعد حرب طرابلس، ولكنه استطاع أن يدخل صنعاء فى صفر سنة 1337 هـ (نوفمبر 1918 م). وفى سنة 1341 هـ (1923 م) استأنف الحرب مع الأدارسة، أمراء العسير، لكى يسترد تهامة، وقد أفلح فى ذلك، وكانت محمية عدن مجاورة لبلاده، ومن ثم دخل هذا الملك الجديد على اليمن، وهو الإمام الزيدى وأمير المؤمنين، فى ميدان السياسة العالمية الواسع. كانت آخر محاولاته للتوسع موجهة إلى قرامطة نجران، كما كان أول ضحاياه داعى القرامطة أثناء النزاع بينهما على المناخة. وإمامة الإمام الحالى يحيى تذكرنا بهذه الحروب وبأشياء كثيرة، منها أن النغمة الزيدية الصحيحة التى اتسم بها ما أصدره من بلاغات تذكرنا بإمامة الإمام الأول يحيى الهادى، وهو يعد من ذريته فى الجيل السادس والعشرين -وهذا ربما يفيد أيضًا فى تفسير نظرية الإمامة- ولكن لو أحصى الأئمة الذين خرجوا على الإمام، أو الأئمة الذين لم تعترف الجماعة كلها بإمامتهم، لكان هو الإمام المائة فى