الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه السلام بنى إسرائيل عن أن يكون لهم به علاقة اجتماعية أو تجارية جزاء معصيته، وظلت الحال على هذا المنوال؛ وكذلك يقول الزمخشرى إن السامرى كان من قبيلة يهودية تسمى السامرة يختلف دينها بعض الخلاف عن الدين اليهودى، وقد حرّم على السامرى أن تكون له صلة اجتماعية أو تجارية بالناس، ويقال إن قومه ما زالوا يراعون هذا التحريم، ويختم الثعلبى قصته المستفيضة عن العجل الذهبى ختامًا مشابهًا لذلك.
ومن ثم فإن السامرى يمثل المذهب السامرى الذى يجعل السامرة يعتزلون غيرهم. ويرى محمد صلى الله عليه وسلم فى الاعتزال الذى من هذا القبيل (كما يرى فى السنن اليهودية الخاصة بالأكل "سورة النساء، الآية 160") عقابًا إلهيًا.
المصادر:
(1)
الطبرى: التفسير.
(2)
الزمخشرى: الكشاف، جـ 20، ص 77 - 97.
(3)
الثعلبى: قصص الأنبياء، القاهرة 1282 هـ، ص 82.
(4)
Was hat Mohammed aus demJudenthume aufgenommen? : Geiger فرانكفورت 1902، ص 162 - 165.
(5)
S. Fraenkel: فى Der Z.D.M.G. Samir، 1902، جـ 56، ص 73.
(6)
La misasa Revue Africaine: l.Goldziher. فى، رقم 268، الجزائر 1908، ص 23 و 28.
[هلر Heller Bernhard]
سبأ
اسم القوم الذين كانوا ينزلون جنوب غربى بلاد العرب فى الألف الخمسة الأولى قبل الميلاد واسم مملكتهم، وقد ورد ذكرهم كثيرًا فى العهد القديم، وفى المؤلفات اليونانية، والرومانية، والعربية، وخاصة فى نقوش جنوب بلاد العرب. ونستمد معلومات أخرى عن تاريخ سبأ فى القرون الأولى للميلاد حتى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من المصادر العربية القديمة، ومعظمها نقوش، ومن إشارات قائمة بذاتها وردت فى المصادر
اليونانية، ونستدل من النقوش المسمارية حتى القرن الثامن الميلادى على أن "سبأو" كانت فى اللغة الأشورية اسم قطر، مثلها مثل "شبـ (أ) ت"(وكذلك شبت (ى) وشبا) فى النصوص الهيروغلوفية ولو أن تاريخها متأخر بعض الشيء. وكانت "شبا" فى التوراة علمًا على قوم وقطر، كما كانت "سبأ" تدل فى نقوش جنوب بلاد العرب أيضًا على الأرض أو المملكة والقوم (وهذا يتفق وتكوين سبأ).
وأقدم ما نعرف من إشارات مكتوبة عن سبأ هى الإشارات السامية بطبيعة الحال، وخاصة تلك التى وردت فى النقوش المسمارية. ويرجع تاريخ أقدم الإشارات الوثيقة إلى القرن الثامن فحسب، فى حين أن الوثائق التاريخية المستمدة من بلاد الجزيرة والتى يرجع تاريخها إلى عهد أقدم من ذلك بكثير تشير فيما يظهر إلى سبأ، فمثلا سَبو التى وردت فى نقش سومرى لـ"أردنانّر" ملك لكش، الذى عاصر آخر ملوك أور، وقد عاش فى النصف الثانى من الألف سنة الثالثة قبل الميلاد، هى فيما يظن علم على "أرض السبأيين" ويتكلم هومل Hommel (فى مصنف هلبرخت Explorations in Bible Lands: Hilprecht، فيلادلفيا 1903، ص 739) عن سابُم التى ترجع إلى أيام ملوك أور (بعد سنة 2500 قبل الميلاد) بوصفها "سبأ" التى ورد ذكرها فى العهد القديم ("فى بلاد العرب الوسطى"، وانظر فى هذا أيضًا Die altisraelitische Uberlieferung ميونخ 1897، ص 37)، وفى الأخبار المنقوشة عن حملة تكلات بلصّر الثالث (745 - 727) على شمال بلاد العرب نجد ذكر السبأيين بين القبائل التى قدمت ولاءها لهذا الملك، وهذه هى أقدم إشارة وثيقة إلى هؤلاء القوم؛ ويذكر سرغون الثانى (722 - 705) فى حولياته (عن عام 715) عرب الصحراء المقيمين فى بلاد قاصية، والملكة سمسى صاحبة إريبى التى سبق ذكرها فى قصة تكلات بلصّر، (وقد أشرنا إليها لتونا)، وإتئيامر من بنى سبأ، وهم الذين أقبلوا مع غيرهم حاملين هدايا نفيسة جزية لذلك الملك (الذهب واللبان والأحجار
الكريمة وغيرها)؛ ويقارن لينورمانت Lenormant الاسم إتئيامر بالاسم إثعيامر، وهذا الاسم هو الذى ذكرت النقوش أنه أطلق على عدة ملوك عاشوا فى أقدم عصور بنى سبأ؛ أما القول الذى ذهب إليه شرادر keilin schriften und das Alte Testament: Sschrader؛ وقد اختصر فيما يلى إلى K.A.T، ص 55) وكيبرت (Lehrb. d. alten Geogr: Kiepert، ص 187) من أن الإشارة فى هذا المقام لا تنصب على بنى سبأ الذين كانوا ينزلون جنوب بلاد العرب، فقد فنده مولر D. H. Muller Burgen und Schlosser Sudarabiens، جـ 2، 1881 م، ص 989؛ المؤلف نفسه فى Sabaische Denkmaler، 1883، ص 108 معارضًا رأى دلتش Wo Lag das Paradies: Delitzsch ليبسك 1881، ص 303، وقد حاول أن يعين موضع بنى سبئو الذين ورد ذكرهم فى نقوش سرغون فى شمال بلاد العرب؛ وانظر ونكلر Winckler فى M.V.A.G.، 1898، ص 18؛ بل انظر أيضًا. مولر Studien z. Vorerasiatischen Geschichte: W.M. Muller، الموضع نفسه، ص 36)؛ وقد رأى كليزر (Skizze der Geschichte u. Geograpghie Arabiens: Glaser، جـ 2، برلين 1890، ص 263) وجريمه (Mohammed: Grimme، ميونخ 1904، ص 18) أن بنى سبأ كانوا من أهل جنوب بلاد العرب حتى فى عهد تكلات بلصر وسرغون استنادا إلى أن الجزية كان قوامها المحصولات المألوفة لهذه البلاد؛ ورأى غيرهما فى عهد أحدث من ذلك أن يردوا موطن بنى إتئيامر إلى شمال بلاد العرب (انظر هارتمان M. Hartmann: Die Arabische Frage فى Der Islamische Orient، (جـ 2، برلين 1909، ص 131 و 458).
وكان من رأى شبرنكر Sprenger أن بلاد العرب كانت على وجه التحقيق الموطن الأصلى للساميين (Leben und Lehre des Mohammad، جـ 1، برلين 1869، ص 241 وما بعدها و Die alte Geographie Arabiens، برن 1875، ص 293 وما بعدها؛ وقد تبعه شرار Z.D.M.G.: Schrader، جـ 27، ص 421 وغيره من الثقاة المشهورين) وهو الرأى
الذى ما زال سائدًا بوجه عام (انظر ماير Gesch. d Altertums: E. Meyer، جـ 1، القسم 2، ص 386 وما بعدها)، ونستطيع أن نخلص من رأيه هذا إلى أن بنى سبأ وبنى معين جاءوا من حضر موت، وأن مملكة سبأ كان منشؤها شبْوّة، على أن هذا الرأى لا يمكن أن نأخذ به (Geogr، ص 162 و 230 و 246 و 248 و 301)؛ وجاء ونكلر Winckler (مثلا فى K.A.T، 1903، ص 7 و 11 و 136 وما بعدها و 156؛ Die Volker Vorderasiens فى Der Alte Orient، جـ 1، ص 1 و 10) وويبر Arabien vor dem Islam) Weber، ص 3 وما بعدها؛ Westasien فى Helmolt: Weltgeschichte، جـ 3 ص 3 و 5 و 220 و 225) فى عهد أحدث من هذا فصرحا تصريحا جازمًا بأن بلاد العرب هى الموطن الأصلى للساميين؛ وكان هومل (Grundr. der Geogr. u Geschichte des Alten Orients: Hommel، جـ 1، ميونخ 1904، ص 10 وما بعدها و 24 و 80 و 132) أكثر منهما حرصًا، إذ رأى أن شرق بلاد العرب (بما فى ذلك بلاد الكلدان) هو على الأقل آخر موضع بدأ جميع الساميين الغربيين منه هجرتهم؛ وقد وقف هارتمان (Hartmann، الموضع نفسه، ص 93 وما بعدها) موقفًا صريحًا عارض به هذه النظرية القائلة بموطنهم الأصلى؛ وثمة آراء تعارض القول بأن بلاد العرب يجب أن تعتبر مهد الشعوب السامية جميعًا؛ ولو أننا سلمنا بهذا الفرض وما انبنى عليه من قول بهجرة العرب لما خرجنا من ذلك بما يجلو العلاقة بين بلاد العرب وبابل جلاء تاما (انظر ما كتب فى هذا الموضوع منذ عهد قريب فى Westasien، ص 226، بل انظر أيضًا ما سلم به هذا الكاتب، ص 242) والحق أننا إذا عكسنا هذه النظرية اقتربنا من الصواب، ومحصل ذلك أن سكان منطقة الفرات الخصيبة الذين كان عددهم أكثر مما تطيق هذه المنطقة اضطروا إلى الاتجاه صوب بلاد العرب مستهدفين أو لا وقبل كل شئ المراعى التى تتاخم تلك البلاد من الغرب، وكان الساميون بطبيعة الحال يتخذون هذه المراعى طريقا لعودتهم إلى بلادهم بين الحين والحين؛ وبالرغم من حجج نولدكه (Noldeke:
Die Semitischen Sprachen، ليبسك 1899، ص 11) فإنه ليس من المحتمل أيضًا أن يكون شمال إفريقية هو موطن الساميين (وقد رأى هذا الرأى أيضا كريمه Grimme، الموضع نفسه، ص 6 وما بعدها و 9؛ وغيره من الكتاب) أو أن بنى سبأ فى هجرتهم صوب إفريقية قد اتجهوا اتجاهًا جنوبيًا شماليًا، بل إنه على النقيض من ذلك توجد دلائل، فى رأى كويدى (Della sede primitiva dei popoli semitici: Guidi فى Atti della R. dei Lincei Acad.، 1879) الذى أيده جاكوب (Altarab. Beduinenleben: Jacob، برلين 1897، ص 28 وما بعدها) على أن إقليم الفرات الجنوبى كان أقدم موطن معروف للساميين، هاجروا منه على مر القرون إلى الغرب وإلى الجنوب؛ ولا نستطيع بطبيعة الحال أن نحقق الوسيلة التى عمَّر بها هذا الإقليم بلاد العرب تحقيقًا أوفى من ذلك وأدق؛ ولعل الساميين لم يتوغلوا فى بلاد العرب سالكين طريقًا واحدًا، بل هم سلكوا فى ذلك طريقين رئيسيين، أحدهما الطريق الذى قد تكون القبائل التى خرج منها بنو سبأ وبنو معين المذكورون فى التاريخ قد سلكته؛ ويبدو أنهم شقوا طريقهم فى الأراضى الزراعية على طول الشاطئ الغربى صوب الجنوب، متبعين إلى حد ما الخط الذى سلكته القوافل فيما بعد أما الطريق الثانى فعلى طول الساحل الغربى للخليج الفارسى حتى عمان وحضر موت، أى فى اتجاه طريق اللبان الشرقى الذى شق فيما بعد تقريبا؛ ومن الطبيعى أن يكون بنو سبأ أو أجدادهم الأصليون قد لزموا المناطق الغربية ومناطق الساحل، ذلك أنها كانت أنسب المناطق للاستقرار بسبب جودة تربتها ووفرة مياهها؛ ويرجح هومل Hommel أن يكون بنو سبأ قد دخلوا جنوب بلاد العرب أول ما دخلوا من الجوف فى شمال بلاد العرب فى القرن الثامن قبل الميلاد (انظر Grundriss، ص 142).
ويطلق العهد القديم (سفر التكوين، الإصحاح 10، الآية 7؛ سفر الأخبار الأول، الإصحاح الأول، الآية 9) الاسم شبا على جنوب بلاد العرب وأهلها، ومن ثم يكون الابن الأول
لرعمة كوشيًا؛ بيد أنه جاء فى سفر التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 28 (سفر الأخبار الأول، الإصحاح الأول الآية 22) أنه ابن يقطان وفى سفر التكوين الإصحاح 25 الآية 3 (سفر الأخبار الأول، الإصحاح الأول، الآية 32) أنه ابن يُقْشان بن إبراهيم؛ على أن هذه الإشارات لا تنصب على ثلاثة أقوام مختلفين اسم كل منهم شبا، ذلك أن قوما لهم هذه الصلات التجارية الواسعة لا شك قد تزاوجوا كثيرًا هم وجيرانهم الذين ينزلون سواحل البحر أو طرق القوافل أو المحطات، ومن ثم كان من اليسير أن يصنفوا تصنيفا تتجلى فيه أنساب مختلفة (انظر تعليق دلمان Dillmann على سفر التكوين، الإصحاح 10، الآية 7)؛ ويرى البعض أن سبا ترادف فى الأصل شبا، وإنما تغير النطق بالكلمة تبعا للهجات تمييزًا لهؤلاء القوم عن بنى سبأ الإفريقيين (انظر مثلا كريمر Die sudarabische Sage: V. Kremer، ليبسك 1866، ص 110 وما بعدها؛ مولر D.H. Muller فى الطبعة العاشرة من: Hebr. Worterb Gesenius).
واشتقاق الاسم سبأ غير محقق (وخير من بذلوا جهدا فى تفسيره هم كريمر Kremer وهومل Hommel ومولر D.H.Muller وكليزر Glaser، وانظر أيضا عن النقاط الأخرى بحثى المسهب لهذا الموضوع فى Pauly-Wissowa-Kroll: Realenzycl. der Klass، Altertumswiss تحت كلمة Saba، المشار إليه فيما يلى بالحرفين R.E، العمود 1499).
ويتبين من الكتاب المقدس أن بنى سبأ كانوا يزودون الشام ومصر بالطيب وخاصة اللبان الذكر، كما كانوا يصدرون إليهما الذهب والأحجار الكريمة (انظر المزامير؛ الإصحاح 72، الآية 15؛ سفر حزقيال، الإصحاح 27، الآية 22؛ سفر أشعيا، الإصحاح 60، الآية 6 سفر أرميا، الإصحاح 6، الآية 20)، وتؤيد الروايات اليونانية والرومانية ذلك؛ أما المواضع الأخرى من الكتاب المقدس التى تصف بنى سبأ بأنهم تجار أثرياء، وهى سمتهم البارزة فى وصف الكتاب المقدس، فتجدها فى سفر حزقيال، الإصحاح 38، الآية 13؛ والمزامير، الإصحاح 72، الآية 10؛
وسفر أيوب، الإصحاح 6، الآية 19 (وهى تشير إلى قوافل بنى سبأ)، والإصحاح الأول، الآية 15 [حيث يظهر بنو سبأ وهم ينهبون شمال بلاد العرب، وهم فى رواية مولر D. H. Encyclopaedia Britannica: Muller 1889، مادة Yemen، ص 738، من الغزاة أو القوافل الذين كانوا يجمعون فى بعض الأحيان بين الغزو والتجارة، اعتمادًا على مصدر صحيح على كل حال K.A.T، ص 150، وليست القصة قصة خيالية جريئة كما يوحى بذلك كلام مولر Studien: W. M. Muller، ص 32، التعليق 1)؛ وفى رواية ونكلر Winckler، المصدر المذكور (انظر Explorations: Hommel، ص 748)، أن بنى سبأ قد عدوا فى تلك الآية من سفر أيوب عربا رحلا من أهل الصحراء فى شمال بلاد العرب]؛ وقد ورد فى سفر يوئيل، الإصحاح 3، الآية 8، ذكر بنى سبأ بوصفهم "أمة بعيدة" يبيعهم بنو يهوذا أبناء صور وصيداء وبناتها؛ ولكى نقدر حق التقدير قصة ملكة شبا (الملوك الأول، الإصحاح 10، الآيات 1 و 4 و 10 و 13؛ وانظر الأخبار الثانى، الإصحاح 9، الآيات 1 وما بعدها و 9 و 12)، وهى الملكة التى قيل إنها زارت سليمان والتى كثر الجدل حولها، (انظر K.A.T، ص 237) ومهما يكن من شئ فإن قيام حكم الملكات فى سبأ، هو الحكم الذى ما زال كليزر يرى وجوده (Glaser، المصدر المذكور ص 380 و 382 وما بعدها و 403) كما أن ما ذهب إليه ماير (Gesch. des Altertums: E. Meyer؛ جـ 1، القسم 2، ص 23) لا يدعم فى كثير القول الذى يرى أن أقدم نقوش بنى سبأ ترجع إلى القرن التاسع أو القرن العاشر، أو القول بأنه لم يكن لبنى سبأ فى عهد سليمان إلا رقعة كبيرة من الأرض تمتد كثيرًا إلى الشمال (Glaser، المصدر المذكور، ص 403)، وكذلك لا يحق لنا أن نقول إن أميرة سبأ هى ملكة يعرب موطن بنى سبأ الأصلى حسبما يعتقد البعض (Aufsatze und Abhandlungen: Hommel وسنختصره فيما يلى إلى " A.A"، ص 231، التعليق 1، ص 235، التعليق 1، ص 272 و 312 وما بعدها و Weber: Studien، جـ 1، ص 23)، على أن القول الراجح فى ذلك هو أن ما لدينا لا يعدو
أن يكون صدى لوجود ملكات فى شمال بلاد العرب ألبس ثوب القصة، ومن هذه الملكات مثلا ملكات أريبى اللائى أورد التاريخ ذكرهن؛ وقد وجد هذا الموضوع مكانا عند العرب (سورة النمل، الآية 22 وما بعدها) وتوسع فيه فى قصة بلقيس ملكة سبأ.
ويأتى بعد هذا فى الترتيب التأريخى الإشارات إلى سبأ فى المؤلفات اليونانية والرومانية؛ وأقدم من كتب فى ذلك من
اليونانيين ثيوفرسطس (Theophrastus: Hist. plant جـ 9 ص 4، سطر 2) وقد كثر الجدل حول الفقرة التى كتبها هذا الكاتب، ولهذه الفقرة شأن عظيم فى تاريخ سبأ وخطتها، ومحصلها أن سبأ وثلاث ممالك أخرى فى جنوب بلاد العرب هى مصدر الطيب. (استنادًا إلى ثقاة قد يكون من بينهم أندروستينيس Androsthenes نفسه)، وفى هذه الفقرة:(. . .)
لا تدل كلمة (. . .)، كما يعتقد الكثيرون، على اسم بلدة (هى (. . .) قصبة بنى سبأ) بل هى تدل على أرض سبأ، كما تدل كلمة (. . .) على أرض حضر موت (وقد أخطأ الكتاب المحدثون فى تفسير صيغة هذا الاسم اليونانية ومنهم بنت نفسه؛ Expedition to the Hadramut: Th. Bent فى Proc. R. و Southrn Arabia Geogr. Soc. 1900، ص 71 وما بعدها؛ انظر R.E، العمود 1300) وتدل كلمة (. . .) لى قتبان، ولا يعنى المصطلح (. . .) فى هذه الفقرة "حول سبأ" كما ترجمه مثلا مولر W.H. Muller وهارتمان Hartmann (المصدر المذكور، ص 420) ومن جاء بعدهم من المحدثين بل يعنى "فى سبأ" أى "فى أرض سبأ".
ومن الواضح أن ثيوفرسطس يذكر فى هذا المقام أقاليم جنوب بلاد العرب الثلاثة المشهورة وإقليمًا رابعًا لا يدانيها فى الشهرة هو "مملى" بوصفها المناطق التى تنتج اللبان (. . .) هو اسم الشجرة والراتنج، وكذلك (. . .) هو اسم الراتنج؛ وانظر R.E، العمود
1301، عن المرادفات السامية الأخرى) والمرّ (. . .) إلى آخره، ونجده أيضًا فى النقوش) والخيار شنبر والقرفة (زمت ولعل اللفظ ليس ساميًا)؛ وانظر R.E، العمود 1302 وما بعده. فيما يتصل بالتفسيرات الحديثة المخطئة لهذه العبارة المشابهة لها فى المعنى التى وردت فى هيرودوت (Herodotos، جـ 2، ص 107)، وخاصة فيما يتعلق بتفنيد القول الذى لا أساس له من الصحة البتة ومفاده قراءة الكلمة التى وردت فى ثيوفرسطس APA (ويقال إن معناها شحر أو شحرات) بدلا من (. . .)، وكذلك فى بليناس Nat. Hist.: Pliny، جـ 12، ص 52، وسولين Solin، ص 710، تقرأ "سرا" بدلا من "سبأ" وانظر أيضا المصدر المشار إليه فيما يختص بالفكرة العجيبة التى قال بها كليزر (Glaser، المصدر المذكور، ص 41 وما بعدها) من أن روايات ثيوفراسطس عن ممالك جنوب بلاد العرب إنما تنصرف إلى بلاد الصومال برمتها؛ ويجدر بنا أن نذكر التفصيلات التى أوردها ثيوفرسطس (جـ 9، ص 1، السطر 2 - 4 و 7 - 10) عن اللبان والمر (من حيث أن روايته فى تحديد المنطقة التى تنتجهما والقول بأنها حضر موت رواية مخطئة نتيجة لما أسلفنا ذكره من سوء تفسير الفقرة [فى Grundrissd Greographie، ص 137، السابق ذكرها، ثم أيضًا فى رواية له حديثة جدًا]، جـ 9، ص 4 و 5 وما بعدها) وعن بنى سبأ بوصفهم من سكان المنطقة الجبلية التى تنتج المر واللبان وبوصفهم من مصدّرى هذين المحصولين؛ وعن أمانة بنى سبأ فى تعاملهم فيما بينهم حتى أضحى السهو على الأشجار التى تحمل الطيب أمرًا لا تدعو إليه الضرورة (انظر Periplus Maris Erythraei ص 32)، وعن معبد الشمس الذى كان أقدس مكان فى أرض بنى سبأ، وكانوا يستخدمونه مستودعا لحفظ محصول المر واللبان كله، وهذا دليل مفيد نستبين منه أن أهل جنوب بلاد العرب كانوا يعبدون الشمس؛ وإذا شئت الرجوع إلى تفصيلات أخرى أو أردت الوقوف على معلومات عن وجود هذه الأشجار التى كانت تحمل الطيب فى جنوب بلاد العرب فعلا فانظر (R.E العمود 1307
وما بعده، وانظر عن الشواهد المأخوذة من روايات الرحالة وترتيب هذه الروايات كرومان Sudarabien als Wirtschaftsgebiet: A. Grohmann ، فينا 1922، ص 128 وما بعدها و 136 وما بعدها؛ ثم انظر عن محاولة ربط سبأ بأرض اللبان بنت R.E. Punt، العمود 1312 وما بعده).
وأقدم مصدر يونانى تحدث عن سبأ بعده هو ما نقله استرابون (Starbo المجلد 16، جـ 4، فصل 2) من روايات إراتوستبينيس Eratosthenes المسهبة، وما زال لهذه الروايات شأن عظيم فى الدراسات الخاصة بسبأ من الناحية التاريخية؛ ذلك أنها، هى وفقرة ثيوفرسطس، تمدنا بفكرة واضحة وضوحا لا بأس به عن أقدم الصور التى اتخذتها ممالك جنوب بلاد العرب كما عرفها اليونان والأوربيون بوجه عام فى عهد إراتوستينيس؛ وجاء فى رواية هذا الكاتب الذى استطاع، مثل ثيوفرسطس، الإفادة من نتائج حملات الإسكندر ومن دلائل البحارة والمسافرين فى القوافل أنه كان يقيم فى جنوبى بلاد العرب أربعة شعوب كبرى:(. . .) على البحر الأحمر وقصبتهم (. . .)، ويليهم (. . .) وقصبتهم (. . .) ثم (. . .) الذين امتدت منازلهم حتى المضايق ثم عبروا الخليج العربى، وقصبتهم (. . .)، ثم (. . .) فى أقصى الشرق وقصبتهم (. . .)؛ وكانت كل هذه البلدان مدنا زاهرة تحت إمرة ملوك مستبدين؛ وهذه الفقرة (هى وغيرها من الفقرات التى وردت فى استرابون) تتضمن أقدم الأوصاف المعروفة عن تخطيط كل مملكة من ممالك جنوب بلاد العرب الأربع مع ثبت كامل بالأمم الكبرى الأربع وحواضرها؛ ويقول إراتوستينيس إن بنى سبأ كانوا جيرانًا لبنى معين ولا يؤخذ من روايته أن بنى معين كانوا يقيمون فى الإقليم الواقع على البحر الأحمر، أو أنه كان يعتقد أن بنى سبأ لم يكونوا هم أيضًا يقيمون على البحر الأحمر، وهو القول الذى خلص إليه كليزر (Skizze: Glaser، ص 16) وجنح ويبر إلى الانتهاء إليه
أما التفسير الصحيح فيتفق ورواية المصادر العربية وغيرها من المصنفات اليونانية والرومانية، مثل أغاثرخيدس Agatharchides (ديودورس Diodoros، جـ 3، ص 46) وبليناس (Plink، جـ 6، ص 145) فى ذكرهما لمنازل بنى سبأ على البحر الأحمر والإشارة التى وردت فى إسطفانوس البوزنطى Stephanus Byzantinus (. . .) وهو يحيل صراحة على الفقرة التى ذكرها استرابون، وما زلنا نرى فيها القول الصحيح وهو أن سبأ كانت تمتد جنوبًا إلى البحر؛ ويصف إراتوستينيس مملكة سبأ مبتدئا بطبيعة الحال بالشمال (مما يبدد شكوك مولر W.M. Studien etc.: Muller، ص 36، التعليق 2)، فيقول إن سبأ كانت فى عهده يحدها من الشمال مملكة معين، ومن الجنوب (والجنوب الغربى) قتبان، ومن الشرق حضر موت؛ وكانت أرض بنى سبأ فى تلك الأيام تمتد إلى الساحلين الغربى والجنوبى، كما كان شأنها فى عهد بليناس (Pliny، جـ 6، ص 154؛ ad utraque maria porrectis gentibus)؛ وإنما كانت منازلهم على الساحل الجنوبى أوسع رقعة، وهو ما شك فيه مولر (Burgen: D.H. Muller، جـ 2، ص 987) والظاهر أن هذه المنازل كانت تشمل رَيدان بين عدن وحَوَر (فى رواية كليزر، ص 220). وإنكار كليزر لرواية ثيوفرسطس التى تقول إن بنى سبأ كانوا يملكون أيضًا جزءًا من ساحل اللبان لا يقوم على أساس صحيح، بل هو خطأ محض، وكذلك لا سند للتعديل الذى اقترح إدخاله على فقرتين فى رواية ثيوفرسطس لدعم الرأى الذى ذهب إليه، وهو أن نصحح الكلمة (. . .) إلى (. . .)؛ وكذلك نجد بليناس (Pliny، جـ 12، ص 25)، الذى لم يجد كليزر بدا من إدخال تعديل على روايته متبعا فى ذلك رأى شيرنكر، يردد القول بأن بنى سبأ كانوا يملكون أرضًا فى إقليم اللبان، وهو قول أمر به شبرنكر نفسه (Bemerkungen etc Z.D.M.G، جـ 44، ص 505)؛ واسم قصبة بنى سبأ (. . .) فى رواية إراتوستينيس Er
atosthenes وأرتميدورس Artemidoros هو صورة الاسم العربى (مرْيَب ومارب فى النقوش، ومأرب فى رواية أصحاب التواليف) مقربة بقدر الاستطاعة مع إضافة الفتحة فى آخر الاسم.
وكان الـ (. . .) فى عهد إراتوستينيس يقطنون ذلك الجزء من الساحل الغربى الذى يقع جنوب سبأ، وكذلك الجزء الغربى الأقصى من الساحل الجنوبى؛ وكان الجيران الشرقيون لبنى سبأ هم الـ (. . .) وهم آخر الأقوام الذين ذكرهم إراتوستينيس (انظر R.E. العمود 1324 وما بعده ومادة "قتبان").
وإذا قارنا عبارات استرابون بالثبت الخاص بشعوب جنوب بلاد العرب التى ذكرها ثيوفرسطبر تبين لنا أن هذين الكاتبين اتفقا فى ثلاثة شعوب هم سبأ وحضر موت وقتبان، فى حين أنهما اختلفا فى اسم الشعب الرابع الذى سماه ثيوفرسطس الـ (. . .)(أو)، وسماه استرابون الـ (. . .) ونحن إذا افترضنا أنه قد وقع تحريف فى النص فإن ذلك من شأنه أن يجعل الاتفاق التام بين الكاتبين سهلا ميسورًا، مثال ذلك أن مورتمان Mordtmann (Z.D.M.G، جـ 30، ص 323)، قد ذهب إلى أن الاسم (. . .) هو تحريف للاسم (. . .) وكذلك ذهب مولر D.H. Muller (R.E. فى مادتى Arabia، جـ 2، ص 348 و Chatramis - حيث أخطأ وذكرا اسم إراتوستينيس بدلا من بليناس - وفى Anzeiger AK. Wien، 1909 ص 4) إلى أن الاسم MAINAIA يمكن أن يستبدل به على اليقين الاسم MAMAAI الوارد فى ثيوفرسطس، وهذا معناه أن الكاتبين يشيران إلى بنى معين، بيد أنه ليس ثمة ما يدعو إلى اعتبار التغيير المقترح فى النص، والذى يرد أقدم إشارة إلى بنى معين عند اليونان إلى عهد الإسكندر الأكبر، تغييرا لا محيص عنه (وقد عارض هومل أيضا هذا التغيير، Hommel: Grundriss، ص 138) على أن هذين الكاتبين اليونانيين يكتبان من وجهتى نظر مختلفتين: فالنباتى لا يهتم اهتمام
الجغرافى بذكر ثبت كامل بممالك جنوب بلاد العرب وإنما هويتهم بالأقاليم التى تنتج الطيب، ونجد سندًا للاسم "ممَلى" أيضا فيما ذكره بطلميوس (. . .)(جـ 6، ص 7، سطره) ويصر شبرنجر على (المصدر المذكور، ص 92 و 263 و 266) ويقول إنها هى "مَهرة" دون أن يورد شاهدا واحدا على ذلك (كما فعل هومل Hommel، المصدر المذكور، ص 137 بقوله: "ولعلها ساحل مَهْرَة") واكتفى هارتمان Hartman بأن قال إن مملى هى أرض بنى معين دون أن يسوق أقل دليل على هذا.
وإذا فرغنا من عبارة إراتوستينيس وجدنا فى استرابون (Strabo، جـ 16، قسم 4، الفصل 5 وما بعده) رواية قصيرة بعض الشئ ذكرها مصدر متأخر هو أرتميدورس عن أرض بنى سبأ. ومن حسن التوفيق أنه قال عن هذا الشعب (انظر أغاثرخيدس Agatharchides فى فوتيوس Photius الفصل 97؛ ومولرَّ Geogr. Graec Minores: K. Muller، جـ 1، ص 186) إنه شعب عظيم البأس يزرع فى أرضه المر واللبان والقرفة، وتنمو على ساحله أيضًا شجرة البلسم -وهى حقيقة أيَّدها الرحالة المحدثون- (انظر ثيوفرسطس، جـ 4، ص 4، سطر 14 (. . .) وغيرها من أشجار الطيب ونباتاته؛ ثم يلى هذا بعض المعلومات عن وفرة الفاكهة فى هذه الأرض وعن القصبة مَرْيَبَة وعن التجارة والثروة التى جناها بنو سبأ من التجارة، كما وصف زراعتهم وذكر غير ذلك من التفصيلات التى رددها ديودورس (Diodoros، جـ 3، ص 47) كلمة كلمة تقريبًا نقلا عن أغاثرخيدس. وكان أغاثرخيدس أيضًا هو المصدر الذى استقى منه أرتميدورس، ويبدو أن هذه الحقيقة لم يقدرها المحدثون الذين يعتبرون أرتميدورس مصدرًا مستقلًا بذاته؛ والظاهر أن الإشارة التى تقدم ذكرها عن وجود اللبان عند بنى سبأ تناقض تعليق استرابون (جـ 16، القسم 4، الفصل 2): (. . .)
الذى اعتمد فيه على إراتوستينيس. وحلا لهذه المشكلة ذهب بعضهم إلى أن إراتوستينيس اختلط عليه الأمر، وذهب البعض الآخر، كما نتبين من أقوال كتاب كتبوا منذ عهد قريب، إلى أنه كانت لبنى قتبان أراض فى بلاد اللبان، ثم عدلت أملاكهم فآل جزء على الأقل من قتبان إلى سبأ؛ وأيًا ما كان نصيب هذه الأقوال من الصحة، ومهما كان الشك الذى يساورنا بشأنها قليلا ضئيلا، فإنه يجب ألا يغرب عن بالنا أن عبارة استرابون لا يمكن أن تنتزع من موضعها وتقحم فى موضع آخر وتتخذ حجة بغير سند أو دليل، ذلك أن القول بأن قتبان كانت تنتج اللبان لا يستتبع أنها كانت دون سواها هى المنتجة له، أو أن اللبان لم يكن له وجود فى غيرها من أنحاء جنوب بلاد العرب، أضف إلى هذا أن جوهر ملاحظة إراتوستينيس إنما يوجد فى رواية استرابون فحسب.
ويستطرد استرابون (المجلد 16، جـ 4، الفصل 23) فيروى نبأ حملة قام بها إيليوس غالوس Aelius Gallus عام 24 ق. م. على جنوب بلاد العرب، معتمدًا فى ذلك على معلومات استقاها بنفسه. واسترابون هو أقدم المصادر
التى تحدثت عن هذه الحملة (انظر أيضا جـ 2، ص 118، جـ 17، ص 819؛ وبليناس، جـ 6، ص 160؛ وديوكاسيوس Dio Cassius، جـ 53، ص 29 [زوناراس Zonaras، جـ 10، ص 33])؛ وقد كانت هذه الحملة أول وأخطر اتصال مباشر بين رومة وسبأ القاصية؛ ويروى استرابون أن أغسطس Augustus قد شنها طمعًا فى الاستيلاء على ثروة العرب وخاصة ثروة بنى سبأ، بيد أن هذه الحملة خابت خيبة مرة. ويؤكد كليزر (المصدر المذكور، ص 45 وما بعدها) أن السبب فى ذلك كان جهل الرومان بالبلاد وأهلها وعدم تجهزهم للحملة تجهزًا خاصا، معارضا بذلك رواية استرابون (انظر R.E، العمود 1344 وما بعده، والعمود 1380 وما بعده، فيما يتعلق بمصنفات المتخصصين فى الموضوع وأقوال المحدثين عن سياسة أغسطس فى الشرق من أمثال فلوكل Flugel ومومسن Mommsen وونكلر Winckler وكليزر Glaser وويبر weber وهارتمان Hartmann وانظر عن أنباء القتال التى
وردت فى استرابون وبليناس والطريق الذى سلكه غالوس فى سيره -وقد أخطأ شبرنكر مثلا فى ذكره- والانتصارات الحربية القليلة الشأن التى أحرزها الرومان واختلفت فيها الروايات: R.E، عمود 1344 وما بعده؛ وعمود 1380 وما بعده)؛ وأنا أخالف الروايات الشائعة (فى دنفيل D'Anville وكيبون Gibbon وكارل مولر Karl Muller وشبرنكر Sprenger، وهم الذين اتبعهم جميع الكتاب المحدثين تقريبًا: كيبرت Kiepert، ومومسن Mommsen، وزيمه Zehme، ومورتمان Moratmann، وأغسطس مولر، Aug. Muller، ود. هـ مولر D.H. Muller وونكلر Winckler وويبر (Weber وحسبى أن أذكر فى هذا المقام أن أقصى نقطة بلغها الرومان فى حملتهم -وهى التى سماها استرابون (الفصل 24)(. . .) أى مدينة الـ (. . .) الذين كان يحكمهم الاساروس "إلاساوس IIasaros " وسماها Monu mentum Ancyranum، جـ 5 ص 22، وبليناس، جـ 6، ص 160، مَرِبَه -لم تكن هى مأرب قصبة بنى سبأ، وهو ما عاد فأكده كليزر منذ عهد قريب (المصدر المذكور، ص 57 وما بعدها) ناهجًا فى ذلك نهج فنسنت Vincent، وفوربكر Forbiger، وريتر Ritter، وقرره لندبيرك أيضا بحق. وفى رأى لندبيرك (Arabica، جـ 5، ص 82) أن (. . .) التى ذكرها استرابون (وهى التى شاع رسمها منذ زمن كريمر Kremer بدلا من (. . .) بالرغم من أنه ليس ثمة ما يبرر هذا التعديل هى بغير شك "مَرْيمَة" التى تقوم أطلالها فى ناحية بيجان القصاب على وادى بيجان (جنوب شرقى مأرب؛ انظر وصفها فى لندبيرك المصدر المذكور، ص 21 وما بعدها؛ وتجد المعلومات الوافية عن هذه الناحية فى الموضع نفسه، ص 3 - 63؛ أما الرأى المعارض القديم فما زال يتزعمه كريمه Mohammed: Grimme، ص 20)؛ بيد أن كليزر أخطأ عندما حاول تعيين موضع هذه البلدة بالضبط، فقال -وقد انصرف ذهنه إلى Caripeta التى وردت فى بليناس، جـ 6، ص 160 م والتى قال عنها فرسنل Fresnel إنها تذكرنا بخربة العربية -إن
خربة هذه هى صرواح قصبة بنى سبأ (تقع غربى مأرب)، على أن Caripeta لا تردّ إلى "خربة" بل إلى اسم المكان "حريب"؛ وأجدر من ذلك بالذكر أن لندبيرك يربط بين الرامانية - (والحق أنه يقرأ اسمها مرْيبة خطأ، ويجانبه التوفيق إذ يقول أنها هى Mariba Baramalacum التى وردت فى بليناس، جـ 6، ص 157) وبين مَرْيَمَة العربية وبين (. . .) التى وردت فى بطلميوس، جـ 6، ص 7، السطر 37، كما أنه يربط بينها وبين مريمت التى ذكرت فى النقوش والتى ترد إلى (. . .) التى ذكرها بطليموس، جـ 6، ص 7، سطر 38، ولعلها مريمة الحديثة من أعمال حضر موت (لا كما ظن مورتمان ومولر Sabaische: Mordtmann-Muller Denkmaler، ص 104)، بيد أنه يسجلها على أنها مدينة من مدن (. . .)، وهم بنو معين فى العربية (ص 24) وقد أخطأ لندبيرك أيضًا بتعيينه الموضع (فى بيحان الدولة، وهى ناحية جنوبى بيحان القصاب) الذى بلغه الرومان فى حملتهم والذى ذكر ديوكاسيوس Dio Cassius بقوله إنه "أدله"(ناهجًا فى ذلك نهج كليزر)؛ أما الرسم (. . .)، الذى يجب أن يكتب به هذا الاسم، فهو بحسب قول مولر D.H. Muller ى ث ل (وتقرأ يثِل فى العادة) الذى ورد فى نقوش بنى معين؛ وقد أخطأ مومسن إذ قال Monumentum Ancyranum)، جـ 5، ص 22) إنه وجد تناقضًا بين رواية أغسطس عن خاتمة الحملة " (usque in Sabaeorum fines " ورواية استرابون وحاول مولر أن يعلل هذا التناقض بقوله إن أغسطس كان يصف جنوب بلاد العرب بعبارة عامة لم يتحر فيها الدقة، فقال إنها "أرض بنى سبأ"، بيد أن الواقع أن أقصى نقطة بلغتها الحملة -كما قال أغسطس بحق- كانت أرض بنى سبأ، وهى فى رواية استرابون، أرض بنى ردمان (Ramanitai) أو Rhadami التى ذكرها بليناس. وتتفق هذه الرواية وما جاء فى Monumentum؛ أما الـ "إلاساروس Ilasaros" الذى فسر اسمه وشخصه تفسيرًا مخطئًا فهو "الشرح يحضب" الذى نعرفه من النقوش؛ وقد فسر هارتمان Hartmann، ص 153، ما بعدها و 173 إلخ) موقفه
من الحالة السياسية فى سبأ خلال الحملة الرومانية تفسيرات مخطئة (انظر R.E؛ العمود 1371 وما بعده).
أما أنباء هذه الحملة التى بالغ شبرنكر Sprenger، ودلمان Dillmann وفابريقيوس Fabricius كل المبالغة فى أهميتها الحربية والسياسية بالنسبة لتاريخ سبأ، فقد زادت فى معرفة العالم الرومانى بأراضى جنوب بلاد العرب وأقوامها، وجاءت هذه الأنباء فيما جاءت به بمعلومات صححت الروايات اليونانية التى كانت بعد شائعة عن أنواع الطيب الذى كانت تصدره بلاد العرب؛ وقد استطاع استرابون (الفصل 24)، إستنادًا إلى المعلومات التى استقاها من غالوس، أن يميز بين أقسام جنوب بلاد العرب تمييزًا يقوم على بيان النشاط الغالب على سكانها، وأهم ما يتميزون به من صفات. وهذا التقسيم يباين التفسير السياسى القديم لجنوب بلاد العرب الذى استقى من إراتوستينيس (إسترابون الفصل 2) وقد اعتمد تقسيم استرابون على الحالتين الاجتماعية والاقتصادية اللتين تضمنتا مثلا نظام الطبقات الذى ما زال سائدًا فى بلاد العرب إلى يومنا هذا، ويطابق ذلك وصف بليناس (جـ 6 ص 161). الذى يعتمد أيضا على غالوس. ويستمر استرابون فى كلامه فيعرض حياة الأسرة فى جنوب بلاد العرب بما فى ذلك مجتمع النساء وهى شهادة قورنت بعبارات وردت فى النقوش، واتخذت دليلا على أن المرأة فى سبأ كانت تتزوج بأكثر من زوج. بيد أن هارتمان (المصدر المذكور، ص 7) ينكر وجود هذا التعدد.
وثمة معلومات مستفيضة عن أرض بنى سبأ وقصبتهم وعاداتهم وطريقة معيشتهم وتكوينهم وعن جنوب بلاد العرب بوجه عام، وردت فى شاهدين مأخوذين من أغاثرخيدس (. . .) جـ 5، ولعله ينتهى حوالى عام 132/ 1) وقد نقلا بلفظهما تقريبا فى فوتيوس (Bibliotheca: Photius) وفى ديوروس (جـ 3، ص 38 - 48)؛ وكان أغاثرخيدس هو المصدر الذى أفاد منه أرتميدورس أيضًا؛ أما الروايات عن الطيب الذى كان يملأ البلاد كلها بعبير ذكى فيمكن مقارنتها بما ورد فى
هيرودوتس، (جـ 3، ص 113) ، ويليناس (جـ 12، ص 86) ورواية فريده Reisen: Wrede)، ص 80 عن وادى مُنِتش وص 77 عن جبل صداره وص 82 عن وادى خلافة)؛ ويجدر بنا أن نذكر أيضًا المعلومات التى زودنا بها أغاثرخيدس عن مدينة بنى سبأ الملكية (. . .)، وعن الدستور، وسنن الملوك وواجباتهم، وكان حكمهم وراثيًا فى أسرة بذاتها (وقد أيدت ذلك نقوش جنوب بلاد العرب)، وعن عادات القوم ونشاطهم؛ وقد أثنى عليهم فقال إنهم جنود بواسل، وفلاحون مجدّون، وتجار ناشطون، وبحارة مهرة؛ وتكلم عن تجارة بنى سبأ مع مصر والشام وفينيقية فى ترف بزوا به كل من عداهم من العرب أما كلمتا (. . .) و (. . .) واللتان وردتا فى استرابون، المجلد 16، جـ 4، الفصل 2 (نقلا عن أراتوستنيس) والفصل 19 (نقلا عن أرتميدورس) وفى اسطفانوس البوزنطى Stephanus Byzantinus، تحت هذين الكلمتين، وكذلك كلمة مريليباته Marelibata (وهى محرفة عن مريبة Mareiaba فى رأى مورتمان) التى وردت فى بليناس، جـ 6، ص 155 (وهى حقيقة لم يلاحظها كليزر، المصدر المذكور، ص 58 و 62 و 153، 287) فإنما تعد اسمان مختلفان لبلدة مارب نفسها قصبة بنى سبأ؛ وللاسم (. . .) شبيه فيما جرى عليه الكتاب العرب أحيانا من إطلاق اسم سبأ على قصبة بنى سبأ مثل الإدريسى وأبو الفداء وإبن خراداذبة وكذلك الترك (انظر مورتمان: Sabaische Denkm، ص 3، التعليق 1)؛ وقد أخطأ كريمر (المصدر المذكور، ص 9، التعليق 2) فيما ساوره من شك فى رواية فوتيوس القائلة بأن القصبة تقوم على تل غير مرتفع، ذلك أن هذه الرواية أيدها الرحالة المحدثون أمثال أرنو Arnaud وهالفى Halevy وكليزر (ملاحظة استرابون؛ ولعل عبارة "على تل تغطيه الأشجار" يمكن اعتبارها شاهدا على اضمحلال الزروع هنالك)؛ وقد أخطأ ريتر Erdkunde: Ritter)، جـ 12، ص 249) وكريمر (المصدر المذكور، ص 9) وكليزر (المصدر المذكور، ص 10) فيما استخلصوه من رواية فوتيوس (الفصل
101، منتصف الصفحة) بقولهم إن بنى سبأ كانوا يوفدون من بنى جلدتهم من يستعمر أرضا فى البلاد الأجنبية، وخاصة الهند، أو من يقيم فيها محلات تجارية. وأقرب إلى الصواب أن نفهم من العبارة " (. . .) (غير متعدى) " أنهم كانوا يقومون برحلات تجارية فى البحر.
وقد أثرت الشواهد المكتوبة عن سبأ خاصة وبلاد العرب عامة وروايات التجار والرحالة، على مؤلفات اليونان المتأخرة، وكذلك على كتب الرومان منذ القرن الأول الميلادى؛ ونحن مدينون لأصحاب هذه المؤلفات وخاصة شعراء العصر السابق لحملة غالوس، بتلك الفكرة المأثورة عن بنى سبأ الأثرياء المجدودين الذين كانوا يعيشون فيما يشبه مروج من الذهب قامت فى الأيام الخالية؛ وسأمر مر الكرام على هذه الإشارات التى وردت فى الشعر، إذ ليس لها من الشأن ما للمصادر القائمة بذاتها، وحسبى أن ألاحظ أنه قد ترتب على هذه الفكرة عن سبأ، أهم إقليم فى بلادِ العرب [آنئذ] كما يفهم من لغة الشعر، أن الصفة سابايوس Sabaeus أصبحت بمرور الزمن لا تستعمل بمعناها المحدود الذى ينصرف إلى سبأ بل بمعناها العام:"عربى"؛ ومن ثم فإن التعابير التى استعملها فرجيل Vergil: Georgica جـ 1، ص 57، molles sua tura Sabaei (mittunt) جـ 2، ص 117 و Solis est tuera virga Sabaeis إلى آخره)، لا يجوز أن نتخذها حججا فى التوفيق بين الخلافات الظاهرة فى تسمية مناطق بلاد العرب الجنوبية التى كانت تنتج اللبان. ولا يمكن أيضا أن نستدل منها على أن فرجيل قد خص بنى سبأ بشجرة اللبان دون سائر أهل بلاد العرب الجنوبية.
أما الإسهاب الذى اتسمت به المعلومات السالفة عن هذه البلاد، وهى المعلومات المستقاة من الروايات الأصلية بفضل حملة الرومان، فنجده ماثلا أيضًا فى إشارات بليناس؛ وهذا الإسهاب يضيف تفصيلات كثيرة على الشواهد المنقولة من كتاب اليونان الأقدمين، بالرغم من أن بعض هذه الشواهد مضطرب ومحرف؛ وجلّ
البلدان التى قيل إن غالوس خرّبها، يمكن أن نتثبت من وجودها بالرجوع إلى نقوش جنوب بلاد العرب، أو بالرجوع إلى الهمدانى، وهو أول مؤلف ذكرها بعد بليناس، أو من المصادر الجغرافية الأخرى. أما رواية بليناس القائمة على معلومات جديدة عن بلاد العرب مستقاة من غالوس، أو لعلها كانت تصل إلى رومة بطرق أخرى من حين إلى حين، فلها شأن تاريخى من حيث أنها تذكر قوما لم يتناولهم استرابون أو أغاثرخيدس. وقد غير هؤلاء القوم الأحوال السياسية فى سبأ تغييرا بقى على مر الأيام؛ وذكر بليناس (ولعله نقل ذلك عن جوبا Juba) جـ 6، ص 158، بنى حمير بعد بنى معين وبنى ردمان فى كلامه عن الشعوب العربية، ثم عاد فى ص 161 فاستشهد صراحة باستكشافات غالوس واعترف بأنها المصدر الذى استقى منه فى حديثه عن هذا العهد، واستلفت النظر بكلماته: mimerissimos esse Homeritas إلى حقيقة تعد نقطة التحول فى تاريخ سبأ، ألا وهى قيام بنى حمير (Homeritae و (. . .) عند اليونان)؛ وإشارته هذه تعد أقدم إشارة بقيت لنا عن بنى حمير وسلطانهم. وفى زمن غالوس كانت السيادة السياسية فى جنوب بلاد العرب قد خرجت من يد بنى سبأ الذين كانت تحكمهم أسرة "ملوك سبأ" القديمة، وانتقلت إلى بنى حمير تحت إمرة ملوك لقبوا بلقب "ملوك سبأ وذى ريدان". وقد روى غالوس بلهجة قاطعة أن بنى حمير كانوا شعبًا غالبا على جنوب بلاد العرب. والنتيجة الصحيحة لذلك هى أنهم كانوا فى تلك الأيام أصحاب النفوذ والسلطان. وهذه الرواية تبدو من النظرة الأولى متمشية تمشيا منطقيًا مع النتيجة التى استخلصها كليزر (Die Abessinier، ص 31) من النقوش ومحصلها أن بداية حكم بنى حمير كانت فى القرن الثانى -أو على الأكثر فى القرن الأول- قبل الميلاد، كما أنها تعد شاهدا ينقض المحاولة التى حاولها مورتمان ومومسن وهارتمان وغيرهم Mordtmann، Mommsen، Hatmann لرد هذه البداية إلى ما بعد مستهل العصر المسيحى، أو قل إنها لا تساعد غيرهم مثل كريمر ومولر
(Kremer D. H. Muller) ومن إليهما فى محاولاتهم التى رموا بها إلى جعل هذه البداية حوالى نهاية القرن الأول قبل الميلاد؛ ولم يشأ كليزر (المصدر المذكور، ص 38) أن يقطع بأنها كانت حوالى سنة 70 قبل الميلاد، ذلك أنه يقول إنها حدثت "فى تاريخ تال لسنة 175 قبل الميلاد، بيد أنها لم تحدث على التحقيق بعد مولد المسيح عليه السلام، ثم يزيد بأن ثمة ما يغرينا على اتخاذ سنة 115 قبل الميلاد بداية لحكم بن حمير، على أن من العلماء من يعترض على هذا القول (ص 31 وما بعدها،
وكذلك ويبر Arabien vor dem Islam: Weber، ص 33؛ هومل Geschichte des alten Morgenlandes Sammlung Goschen: Hommel، ليبسك 1908، ص 148 ومن ثم تنهار الأقوال التى ذهب إليها كل من شبرنجر (المصدر المذكور ص 76 وما بعدها، 225) ودلمان (المصدر المذكور ص 204) وهارتمان (المصدر المذكور ص 469، التعليق 1) من أن قيام سلطان بنى حمير وحملة الرومان كانا متعاصرين، بل ينهار أيضا ما ذهبوا إليه من أن ثمة علاقة سببية بينهما.
ونجد إشارة أخرى إلى مملكة بنى حمير فى بليناس جـ 6، ص 104 intus oppidum regia eius، appellatur Sapphar أى أن Sapphar = ظفار وهى قصبة بنى حمير) على أننا نستبين من روايته أن بنى سبأ كان لهم بعد أيام جوبا شأن ومقام، بالرغم من أنهم كانوا قد فقدوا سيادتهم على جنوب بلاد العرب، ولم تكن رقعة الأرض التى يحكمونها أصغر مساحة من تلك التى كانوا يحكمونها أيام إرانوستينيس؛ أما عن المسائل الأقل من ذلك أهمية فحسبنا فى هذا المقام أن نقول إننا نجد فى إشارات بليناس (جـ 6، ص 161) إلى حياتهم الاقتصادية وثروتهم المصطلح agrorum rigua ويؤيده ما ورد فى النقوش عن نظم الرى القديمة فى جنوب بلاد العرب (الآبار والقنوات والسدود وصهاريج الماء) وما ورد فى روايات الهمدانى عن الرى (انظر ما يلى). أما عبارة mellis ceraeque proventus (انظر استرابون، جـ 16، القسم 4، الفصل 2) التى ذكرها بليناس بعد ذلك مباشرة فتتفق والحقيقة المعروفة، وهى أن جل المناطق الجبلية فى جنوب بلاد العرب
غنية بالشهد (انظر شبرنكر، المصدر المذكور، ص 249 كليزر، المصدر المذكور، ص 29 - عن أدلة وجود الشهد والشمع فى ناحية ريدان: وانظر أيضا Arabica: Landberg، جـ 5، ص 238؛ Expedition: Bent؛ ص 330، Southern Arabia، ص 117؛ A. Journey: Harris ص 22، وغيرها من روايات الرحالة؛ وانظر روايات الهمدانى فى كتابه جزيرة العرب، ص 103 و 105 و 123 و 594)، أما العبارات السابقة لذلك فى بليناس وهى: Silvarum fertilitas odorifera (انظر أغاثرخيدس فى فوتيوس، الفصل 95، وديودورس) فتشير إلى الثروة التى كانت لبنى سبأ فى إقليم اللبان (شبرنكر، المصدر المذكور، ص 250) وتشير العبارة auri matalla إلى وجود الذهب هناك، أى فى المناطق الساحلية (انظر أغاثرخيدس، الفصل 95، عن أرض "الدباى" الغنية بالذهب؛ استرابون، جـ 16، القسم 4، الفصل 18؛ بليناس جـ 6، ص 150 عن auri metalla الخاصة بـ litus Hamaeum وخاصة الهمدانى، ص 153 و 177 وغيرهما عن مناجم الذهب فى جنوب بلاد العرب، ) والرحالة المحدثون مثل هالفى وكليزر (كليزر المصدر المذكور، ص 69، Punt، ص 77) يميلون إلى التماس وجود مناجم الذهب فى عسير وحدها أو فى ساسو (شرقى بلاد الصومال)، ولكن ليس ثمة احتمال بوجود إشارة فى عبارة بليناس تنصرف إلى شرق إفريقية. ويميل شبرنكر، (المصدر المذكور، ص 249) أيضا إلى القول بوجود المناجم فى داخل البلاد ويمكن مقارنة ملاحظة بليناس (جـ 12، ص 58) عن جمع اللبان بأقوال ياقوت (المعجم، جـ 3، ص 577). وثمة حقيقة ذكرها بليناس (جـ 12، ص 54) لها شأنها فى تاريخ الحضارة أيضًا، وهى أن جمع اللبان كان يعد عملا دينيًا، وأن بنى سبأ بوصفهم سادة أرض اللبان هم وبنى معين كان يسمح لهم دون غيرهم بالنظر إلى شجرة اللبان (عندما يتناولونها وفقًا للطقوس ويقال أيضًا انه لم يكن هناك أكثر من 3000 أسرة متميزة ادعت لنفسها الحق الوراثى فى ملكية أشجار اللبان دون
غيرها: Sacros vocari ob id nec ullo congressu feminarum funerumqeue،cum incidant eas arbores aut metant، pollui
وقد اقترح شبرنكر (المصدر المذكور، ص 92) وكليزر (المصدر المذكور، ص 3، ص 44) إدخال تعديلات فى هذا النص ليس ثمة ما يبررها على الإطلاق، وما زالت عبارة Congressus feminarum funerumque تمت بصلة ما للجنابة فى الإسلام إلى يومنا هذا، وإن كانت هذه الصلة تتفاوت قوة وضعفا (النجاسة؛ شبرنجر، المصدر المذكور، ص 219)؛ ويقول هارتمان (المصدر المذكور، ص 415)، إن العبارة التى وردت فى بليناس، تلقى فيما يظهر شيئًا من الضوء على كره المسلمين حرق البخور وما إلى ذلك فى الجنازات. وقد ناقش دى غوى de Goeje هذا الرأى (l'encensement des morts chez les anciens Arabes فى Actes du 14 Cogres intern des Orientalistesn، جـ 3/ 1) وانتهى من بحثه إلى أنه كان محظورًا فى جنوب بلاد العرب استعمال اللبان فى الجنازات، فى حين أن شيئًا من ذلك لم يكن معروفا فى شمال بلاد العرب، بيد أن كاتبًا قديمًا مثل بليناس (جـ 12، ص 82) يتكلم عن Nominum etiam in morte فى بلاد العرب السعيدة، ويؤيد الرحالة المحدثون أيضًا استعمال البخور فى الجنازات. ومن المعلومات المفيدة بالنسبة لتاريخ جنوب بلاد العرب القديم ما نجده من أن بليناس ظل يذكر فى عهد جوبا وغالوس الشعوب الأربعة نفسها التى يذكرها إراتوستينيس على أنها الشعوب الكبرى ذات النظام الملكى، وهى سبأ، ومعين، وقتبان، وحضر موت (Chatramotitae؛ أما الكلمات التى فى جـ 6، ص 154، والتى تلت ذكر بنى سبأ وهى: Corum pars Sabaeorum Atramitae quorum) caput Sa bota إلخ؛ جـ 12، ص 52: Atramitae pa gus Sabaeorum in monte excelso، a quo octo mansionibus distat regio eourm tu rifera (وكذلك Solin ص 170: Atramitae pagus Sabaeorum الذى يعتمد على بليناس، وهى حقيقة لم يسلم بها شبرنجر، المصدر المذكور، ص 296 وكليزر: Punt، ص 47)، فتبين أن حضر موت كانت فى زمن جوبا (لا فى
القرن الأول قبل الميلاد فحسب كما ظن كليزر فى Punt، ص 46) قد أضحت جزءًا من سبأ، وأن سبأ كانت تمتد إلى أبعد من ذلك شرقًا، ومن ثم فإن تغييرًا فى توازن القوى فى جنوب بلاد العرب كان قد تم، فى حين كان بنو سبأ مستمرين فى سعيهم إلى التوسع، ويتكلم بنت Southern Arabia: Bent ص 49 و 240 و 265 و 269 عن خرائب آثار بنى سبأ فى المنطقة الساحلية من ظفار قرب مرباط)؛ وتؤكد الكلمات التالية: regia tamen omnium Marelibata (مريبة Mareiaba، انظر ما تقدم)، مرة أخرى سلطان سبأ على حضر موت ومكانة مأرب بوصفها قصبة المملكة بأسرها (انظر ما سبق أن ذكرناه عن التعديلات المخطئة فى النص الذى ورد فى بليناس وسولين؛ أما العبارة الجوهرية عن نقل اللبان فقد وردت فى جـ 12، ص 33 tus Collectum Sabotam . . convehitur . . . ibi decumas deo quem Vo cant Sabin mensuranon pondere sa cerdotes capiunt nec ante mercari licet. ومن ثم فقد كان لابد للبان أن يمر بقصبة حضر موت سبوتة Sabota (شبوة فى النقوش، وقد ذكرها الهمدانى أيضا، وهى الآن موقع خرب بين بيجان وشبام) ويؤدى عنه المال فيها؛ ويقول كليزر (المصدر المذكور، ص 27) إن عادة فرض الضرائب ما زالت باقية عند كثير من القبائل؛ وقد نقل مولر من النقوش D.H. Muller: Burgen، جـ 2، ص 1024 التعليق 3، وارجع فى شأن النقش إلى هالفى Halevy، المصدر المذكور، ص 187) رواية مشابهة لرواية التى تقول إن المعبد كان يفرض الضرائب على أنواع الطيب (انظر أيضا Studien: Rhodokanakis، جـ 1، ص 6، وفى كليزر 480 = Anraud 53، وقارن أيضا رواية ثيوفرسطس، جـ 9، ص 4، عن العشور التى كان يأخذها مشايخ معبد هليوس السئبى من محصول اللبان، وانظر لندبير؛ دثينة ص 457 عن عشور المحصول التى تؤدى للمشايخ)، وقد اعتبر مورتمان (Sabaische . Denkmaler: Mordtmann، ص 57) أن الإله سابس (Sabis) هو إله القمر سين؛ بل هو دأب فيما بعد تفسير الاسم سابس بأنه سين Z.D.M.G)، جـ 44، ص 186)؛ وزعم البعض أيضا
بأن عبارة بليناس تشير إلى إله القمر، وكانوا حينا يصطنعون الحذر الواجب فى هذا الشأن، وحينا ينظرون إلى ذلك نظراتهم إلى حقيقة مقررة. على أن سابس ليست له علاقة بإله القمر، بل إن النص فى بليناس يوحى بأن سابس يشير إلى سبوتة؛ أضف إلى هذا أن ثيوفرسطس يتحدث عن إله الشمس، ولا يستدل من هذا بطبيعة الحال على أن سابس هو إله الشمس كما يقول ريتر وشبرنكر وكليزر وغيرهم. وهكذا يظل الاسم بالرغم من هذه التحقيقات بغير تعليل، وربما كان صيغة اسم لم ينشأ فيما يظهر من سوء فهم النص أو تحريفه، وإنما كان معناه " (سيد أو رب) سبوتة"(شبوة، وهو إما أن يكون ذا شبوة أو شبوى، وهو الأغلب، انظر R.E، تحت كلمة (Sabis. ولا تعد الإشارة السالفة الذكر إلى بنى حمير والتى ذكرها بليناس أقدم الإشارات المعروفة فى التواليف عن هؤلاء القوم، بل إن أقدمها هو كتاب "رحلة بحرية إلى بحرية إريثره" (Periplus Maris، (Erythraei) والظاهر أنه أقدم من مصنف بليناس، وأحدث من المصادر الرئيسية التى استقى منها، وهو فى الحق يختلف تاريخ تأليفه -كما حاولت أن أبين فى R.E، عمود 1462 وما بعدها- عن التواريخ السابقة التى اقترحها دلمان، ومومسن، وهارتمان، وكليزر وغيرهم، ذلك أنه قد ألف فيما يظهر بين سنة 40 وسنة 51 على الأكثر، وربما يكون قد ألف بين عامى 40، 45. وتلقى الرواية التى وردت فى كتاب الرحلة (الفصل 23) شيئًا من الضوء على الحالة السياسية، ومفاد هذه الرواية أن تشريبائيل Charibael الملك الشرعى لبنى حمير وجيرانهم بنى سبأ كان يحكم البلاد من قصبته ذافار Saphar. ومن ثم فإن سبأ كان يحكمها بنو حمير عند كتابة هذا المصنف. وكانت ظفا - (قرب بريم) هى قصبة "ملوك سبأ وذى ريدان"، وهو تحقيق لم يستطع لندبيرك (Arabica جـ 5، ص 50) أن يدحضه. ولم تصبح مأرب قصبة الملك، وكذلك نجد (. . .) الصيغة المصرية للاسم (. . .)، فى نقش بنى يكسوم، وهذا من شأنه أن يؤيد أيضا المخطوط الذى نص فيه على الرسم (. . .) مما يعارض
التصويب الذى اقترحه الناشر (Fabricius، ص 60، نقلا عن Salmasius)، ولعل الملك الحميرى تشريبائيل هو "كربائيل وتريهنعم" ملك سبأ وذى ريدان المعروف من النقوش ومن السكة، وعلى هذا ينهار المذهب الذى ذهب إليه هارتمان فى تحقيق شخصه (المصدر المذكور، ص 154 وما بعدها و 173 وما بعدها) هو والأسس التى بنى عليها.
وقد قامت ثورة عاتية فى تاريخ سبأ فى المدة ما بين إقامة نقش أدوليس Aduli Corpus inscr. Graec، جـ 3، ص 5127 ب) حوالى الثلث الأولى من القرن الثانى الميلادى، أى سنة 127 تقريبا، وإقامة نقش بنى بكسوم ذى اللغتين فى منتصف القرن الرابع (قبل عام 356)؛ ويذكر ملك بنى يكسوم فى نقش أدوليس أنه شهر الحرب من (. . .)(الحَوراء) متجها إلى الجنوب حتى بلغ أرض بنى سبأ؛ وبينما نجده قد اضطر إلى التوقف فى حملة عند الحدود الشمالية لسبأ، نجد أن عزانا، الذى أقام النقش ذا اللغتين، كان يلقِّب نفسه "بملك يكسوم وحمير وسبأ" إلخ؛ ومن ثمّ فإن أهم النواحى فى جنوب غربى بلاد العرب كان قد غزاها بنويكسوم فى مستهل القرن الثانى الميلادى. ولا أساس للشكوك التى ساورت دلمان وهارتمان وغيرهما حول صحة هذا الغزو الذى تشهد به النقوش بذكرها السفراء ad gentem Oxumitarum et Homeritarum Cod. Theod) جـ 12، ص 12، سطر 2)؛ وإيراد حمير قبل سبأ فى سلسلة الألقاب يمكن المرء من أن يستنتج أن حمير كانت المملكة الأصلية، وأن سبأ كانت بالنسبة إليها فى المحل الثانى، ذلك أن سبأ لم يكن قد حمل ذكرها بعد؛ ويمكن مقارنة اللقب المزدوج الذى أطلق على ملك حمير فى كتاب الرحلة periplus باللقب الرسمى الذى ورد فى النقوش.
وشهادة النقوش الحبشية بأن عزانا كان ملك حمير وسبأ تتفق، كما يؤكد كليزر (Die Abessinier، ص 5 وما بعدها)، وما نلاحظه من أن نقوش جنوب بلاد العرب من نهاية القرن الثالث إلى الربع الأخير من القرن الرابع قد خلت من ذكر ملوك اليمن؛ ثم إننا لا نجد ذكرًا لملوك اليمن إلا فى سنة 378
ميلادية، ثم يتردد ذكرهم بلا انقطاع حتى الربع الأول من القرن السادس حين غزا الأحباش (سنة 525 م) جنوب غربى بلاد العرب مرة أخرى؛ وكان قيام سلطان مملكة بنى يكسوم فترة توقف قطعت العهد الأخير من حكم مملكة جنوب بلاد العرب. وقد اتخذ ملوك بنى يكسوم منذ بداية دولتهم عام 300 م لقبا مطولا هو "ملوك سبأ وذى ريدان وحضر موت ويمنات" بدلا من اللقب القديم "ملوك سبأ وذى ريدان".
ونخلص من روايات بطلميوس -وهو إذا استثنينا الإشارات القليلة الشأن التى ذكرها، المصدر اليونانى المكتوب عن سبأ الذى يلى Monumentum adulitanum فى الترتيب الزمنى- إلى أن بنى سبأ (جـ 6، ص 7، سطر 23) عادوا لا يملكون فى خريطته تلك الرقعة الكبيرة من الأرض التى كانت لهم حتى فى الزمن الذى يشير إليه استرابون ويليناس، ذلك أن ملكهم اقتصر فيما يظهر على النصف الشمالى من إقليمهم الأول؛ أما بنو حمير فكانوا يسكنون جزءًا كبيرًا من الساحل الجنوبى، وكذلك ذكر بطلميوس شعوبا أخرى أصغر من بنى حمير كانوا يسكنون إقليم جنوب بلاد العرب، ولاشك فى أن هذا الإقليم كان من أملاك بنى سبأ إلى عهد متقدم يرجع إلى نهاية القرن الثانى الميلادى؛ وقد فسر بعض العلماء منذ عهد قريب كلمات بطلميوس (. . .) تفسيرا مخطئا، فقالوا إنها تدل على أن إقليم اللبان قد آل حكمه بعد بنى سبأ إلى بنى قتبان؛ وقد بنيت افتراضات أخرى على ما قيل من أن القتبانية كانوا بعد مستقرين فى ذلك الإقليم بالرغم من أنه لم يكن ثمة مملكة مستقلة لبنى قتبان هنالك فى ذلك الحين؛ ويستدل من تراكيب بطلميوس اللغوية والواضحة وطريقته فى التعبير أن الأمر على العكس من هذا تمامًا، ذلك أن مع المجرور تعنى "إلى الجنوب من" أو "يقع أسفل"؛ ويفرق بطلميوس جغرافيًا بين إقليم اللبان ومنازل بنى قتبان، بيد أن شبرنجر (ص 264 وما بعدها)، قد اعترضت رأيه المخطئ أيضا الرواية القائلة بأن بنى قتبان "طردوا من هذه الأملاك" فى زمن بطلميوس.
ويتفق بطلميوس والمصادر العربية فيذكر لنا عهدًا أخذت فيه سبأ تضمحل شيئًا فشيئًا؛ أما الإشارات العارضة إلى سبأ التى وردت فيما ألفه أصحاب كتب تقويم البلدان الإغريق فى القرون الأولى للميلاد فليس لها قيمة فى ذاتها. ولا نجد لاسم سبأ ذكرا فى مؤلفات اليونان والرومان منذ نهاية القرن الرابع الميلادى، اللهم إلا إشارة واحدة عارضة قائمة بذاتها إلى بنى حمير الذين أخذ اسمهم يطلق بالتدريج على جنوب بلاد العرب بأسره.
وقد استطاع شبرنكر (المصدر المذكور، ص 246) ، منذ نصف قرن فحسب، أن يقول إن الإغريق وبليناس هما المصدران الوحيدان اللذان زودانا بمعلومات عن سبأ. والحق أن معلوماتنا عن تاريخ جنوب بلاد العرب القديمة التى كنا إلى عهد قريب إنما نستطيع أن نضيف إليها القليل من الإشارات القائمة بذاتها فى العهد القديم وروايات العرب التى لا تشفى الغليل لافتقارها إلى السند التاريخى، قد ازدادت زيادة عظيمة بفضل ما وجدناه فى النقوش وخاصة فى جنوب بلاد العرب، كما أن التقدم المطرد فى دراسة تاريخ الشرق القديم قد ألقى ضوءًا جديدًا على تأريخ سبأ.
ومع ذلك فإن المستكشف كليزر (المصدر المذكور، ص 159)، الذى اشتهر بما كشفه من الكتابات القديمة، لا يتردد فى القول بأن التفسير الصحيح للروايات القليلة التى وردت فى المصنفات القديمة لا تقل حاجتنا إليه عن حاجتنا إلى تفسير نقوش سبأ؛ وهذه النقوش هى والفقرات التى وردت فى المصنفات القديمة يكمل ويفسر بعضها بعضًا. ومهما يكن من شئ فإنه يجب ألا نغض النظر عن مصادرنا الأخرى اعتمادا على ما للنقوش من أهمية حاسمة فى دراسة تاريخ السياسة والثقافة؛ وكونها مصدرنا التاريخى المباشر الوحيد، يجعلها أهم ما بين أيدينا من مادة لبحث ماضى سبأ وجنوب بلاد العرب بصفة عامة. ويقترن تاريخ فتح هذا الكنز العامر من
مواد البحث الذى لم ينفد معينه بعد بأسماء قليلة جدًا، منهم كارستن نيبور (Carsten Niebuhr)، عضو البعثة التى أوفدتها الحكومة الدنمركية إلى هذه البلاد عام 1763. وقد اجتاز نيبور جنوب بلاد العرب، من لحيّة إلى مخا وتعز وصنعاء، وكان معنيًا بصفة أخص بالأبحاث الجغرافية والأبحاث الخاصة بالسلالات وبالتاريخ الطبيعى، وقد أبلغ نيبور أول ما أبلغ، عن وجود نقوش قديمة فى أطلال ظفار (جنوب غربى يريم) قرب صنعاء (Beschreibung von Arabien، كوبنهاغن 1772، ص 94)، بناء على ما قام به من تحريات؛ على أنه لم يكن قد رأى النص نفسه اللهم إلا نسخة من نقش أرسلها إليه رجل هولندى. وكان سيتزن Seetzen أول من حمل إلى أوروبا بعد نيبور المعلومات الأولى عن نقوش جنوب بلاد العرب، وسيتزن هذا رجل من أهل أولدنبورغ (Oldenburg)، أثارته معلومات نيبور فنسخ النقوش التى فى ظفار وما حولها عند عودته من صنعاء إلى عدن (1810)؛ وقد نشرت فى سنة 1811 نسخ الخمسة نصوص السبئية القصيرة القليلة الشأن التى أرسلها إلى أوروبا، وبالرغم من أنها استعصت على الفهم أول الأمر إلا أنها كانت البداية المتواضعة لعلم الدراسات السبئية؛ ولم يكن الناس يدركون إطلاقا فى ذاك الحين ما سيكون لهذه النقوش من شأن فى المستقبل؛ ثم تقدمت الأبحاث تقدمًا آخر على يد ولستد Wellsted (1834/ 5: كشف نقش حصن الغراب على ساحل حضرموت، ونقش نقب الحجر) وكرتندن Cruttenden (1836: خمس قطع سبئية صغيرة فى صنعاء)، وكلا الرجلين إنكليزى، ثم على يد فريده Wrede (1843 ولم ينشر التقرير عن رحلاته فى حضرموت وعن نسخة نقش عُبنَة الحضرمى إلا سنة 1870 ثقلا عن أوراقه التى خلفها بعد وفاته، وكان ناشرها مالتزن Maltzan) وغيرهم، ويجدر بنا أن نخص بالذكر من هؤلاء العلماء أرنو Arnaud، وكان سنة 1843 أول أوربى زار مأرب
ومهد الطريق الذى سلكه فيما بعد مستكشفون كانوا أكثر منه توفيقًا (تجاهلهم كليزر: Petemann's Mitteil 1887، ص 27) وقد أعد أرنو فى مأرب، كما أعد فى صنعاء وصراوح، نسخًا من النقوش بلغ مجموعها 56 نقشا، وجلها قصير. وقد زاد ماكسبناه من المعلومات زيادة عظيمة بما حصلنا عليه من الحجارة المنقوشة وألواح البرونز من عمران بفضل شغلان Choghlan (1860) ثم اشتهر، كسينيوس Gesnius (1841) ورديكر Rodiger (1841 و 1842) وأوسيندر Osiander (1856 و 1763/ 4)، بحلهم رموز هذه النقوش وتفسيرها؛ وتنحصر أهمية "ابن سفير" Eben Safir فى أنه وصف لليمن؛ وهو الوصف العبرى لرحلات يعقوب سفير Jacob Saphir (جـ 1، 1861؛ جـ 2، 1866) وكان قد رحل من الحديدة إلى عمران عن طريق صنعاء ثم عاد إلى عدن. ونحن ندين بالفضل لمولر (Muller .H.D: Burgen، جـ 1، ص 6 وما بعدها) ذلك أنه كان أول من أذاع أمر هذا الكتاب بين الناس، وقد اتخذه هالفى دليلا. وبزغ فجر عصر جديد فى دراسة النقوش بفضل النتائج المثمرة التى أسفرت عنها رحلة جوس Jos المشهودة، ويحق لنا أن نقول إن هالفى Halevy كان أول أوربى بعد أيليوس غالوس أفلح (فى سنة 1869) فى السفر من صنعاء حتى بلغ وادى نجران رأسا، ثم دخل أرض الجوف فى جنوب بلاد العرب، قصبة بلاد معين القديمة، وزار عدة مواقع عربية قديمة جدًا غنية بنقوشها، ولم يكن قد شاهدها حتى ذلك الحين أوربى سواه، وكان الكسب العلمى المحقق من هذه الرحلة الكشفية التى لم يقدرها معاصرة المباشرون حق قدرها، يشمل 686 نسخة من النقوش خمسين منها (حوالى 30 من معين) على شئ من الطول (نشرت فى A. J، 1872)، وهى تعد أهم ما أضيف إلى ذخيرتنا من النقوش إلى ذلك الحين، وقد حققت نجاحا عظيما فى الأطوار الأولى، ومن ثم ساعدت على وضع الأساس العلمى الصحيح للأبحاث السبئية، وأتاحت لنا معرفة المصادر
اللازمة لدراسة التاريخ القديم لجنوب بلاد العرب؛ وقد كشف عن بعض النقوش الجديدة بفضل رحلة الكابتن ما يلز Captain Miles (وفرنرمنزكر Werner Munziger) فى وادى ميفعة (1870)؛ أما رحلات هنريخ فون مالتزن Heinrch von Maltzan (1/ 1870 فى مناطق اليمن وحضرموت الساحلية) وميلنكن Milingen (1873 من الجديدة إلى صنعاء) ومنزونى R. Manzoni (1877 - 80 بين عدن وصنعاء والجديدة) وشابيرا SchaPira (1879 من عدن صنعاء وناحيّتها ثم العودة إلى الجديدة) ثم رحلة هاريس Harris الأحداث عهدًا Journey) through the Yemen لندن 1893) فليس لها شأن يذكر من حيث الكتابات القديمة بل يقتصر شأنها على الناحية الجغرافية؛ ثم إن لمصنف منزونى وأبحاث مالتزن فيما بعد قيمة أيضًا فى دراسة اللهجات؛ وقد تمكن النمسوى لنكر S. Langer (1882) الذى ضحى بحياته فى سبيل البحث خلال رحلاته لكشف الكتابات القديمة من الجديدة إلى صنعاء ثم إلى عدن (كما فعل سيتزن قبله وكما فعل هوبر Huber من بعده) من الحصول على نسخ لاثنين وعشرين نقشًا (الأرقام من 19 - 22 إنما هى أرقام فردية)؛ ونجد تفصيلات أخرى عن تاريخ الكشف العلمى فى بلاد العرب فى رسائل Arabien vor dem Islam: Weber ، ص 10 وما بعدها (وهى تتضمن أيضًا معلومات عن تاريخ الحضارة وعن محتويات النقوش وأبجدياتها ولغتها)، وعلى الأخص مؤلفه Sudarabien Forschungsreisen in bis zum Auftreten Eduard Glasers) Alte Orient Der جـ 8، ص 4، 1907) وبيان هومل فى هلبرخت Explosations: Hilprecht، ص 693 وما بعدها (انظر أيضًا Chrestomathie، ص 63 وما بعدها مع المصادر)؛ وبدأ كليزر النمسوى عصرًا جديدًا فى هذا الفرع من البحوث بفضل رحلاته فى بلاد العرب، وقد فاق عدد ما كشفه من الكتابات القديمة بكثير (ومجموعها يزيد على ألفى نقش) كل الجهود التى بذلت فى هذا الميدان من قبل؛ وقد تحققت نبوءة مولر (D.H. Burgen: Muller، جـ 1، ص 340) "بأنه
ما زال فى السويداء رجال بواسل سوف يكرسون حياتهم لخدمة العلم ويأخذون على عاتقهم كشف هذه البلاد وجمع النقوش" فى شخص كليزر على نحو لم يكن يحلم به أحد؛ فقد قام وحده أولا بثلاث رحلات من 1882 - 1884 (من الجديدة إلى صنعاء ومنها قام بثلاث جولات استكشافية شمال هذه الجهة وغربها) ومن 1885 - 1886 (من الحديدة إلى صنعاء ومنها إلى الجنوب الشرقى والشرق حتى بلغ عدن، ثم كشف أطلال ظفار) ومن 1887 - 1888 (من عدن إلى صنعاء ومنها إلى مأرب، حيث نسخ وحده ما يقرب من 400 نقش، فى حين أن أرنو وهالفى معا لم يحصلا إلا على 44 نسخة جلها قطع صغيرة) وتمكن بفضل هذه الجولات من أن يزيد على ذخيرتنا 1032 نقشا تقريبا علاوة على خرائط نظرية وملاحظات لغوية ونحو 616 مخطوطًا عربيًا؛ وقد نشرت الأكاديمية الفرنسية (C.I.S المجلد 4، جـ 1 - 3) جزءا من المخطوطات؛ ونجد حجارة منقوشة كثيرة (معظمها من معين) فى لندن وغيرها فى برلين (نشرها مورتمان عام 1893)؛ وكان جلّ المخطوطات من نصيب برلين والمتحف البريطانى (انظر ريو C.Rieu: Suppl to the cat. of Arabic MSS. in the B.M. لندن 1894)؛ ويجدر بنا أن نخص بالذكر من الكتابات القديمة التى كشفها نقش حَدَقان ونقش صرواح العظيم وهو من أعظم المستندات التاريخية شأنا فيما يتصل بجنوب بلاد العرب (وقد عاد من رحلته الرابعة بملخص آخر كامل له)، والنقشين العظيمين من مأرب المتعلقين بانقطاع السد، وكانت رحلته الرابعة أنجح رحلاته جميعًا (1892 - 1894 من عدن إلى صنعاء حيث أنفذ بعض أهل البلاد لإعداد ملخصات للنقوش، وكان من النقوش الجديدة نحو 100 من قتبان علاوة على بحوث لغوية، كما حصل على 251 مخطوطا عربيا، كما حصل لفينا على جزء من هذه الذخيرة وهو مجموعة قيمة من 39 حجرًا
منقوشًا، وسكة، وكثير من المنحوتات وغيرها من الآثار، وقد نشرها مولر D.H. Muller؛ ويسرد لنا ويبر تفصيلات أخرى فى Eduard Glasers Forschungsreisen in sudarabien in Der Alte Orient، جـ 19، ص 2، 1909 (وانظر هومل: Explorations، ص 717 و 1909 وما بعدها)، ولم يستطع كليرز بعد الانتفاع بالفرصة التى كانت ما زالت مهيأة له للقيام برحلات وكشوف أخرى، ذلك أنه أصبح لا يجد من الوزارة المختصة التقدير اللازم لأهمية البحث العلمى، ومن ثم ضاعت على العلم إلى غير رجعة ذخيرة لا حصر لها.
وقد اخذ هالفى وبريتوريوس ومورتمان ومولر وكليزر وغيرهم يدرسون مادة الكتابات القديمة التى كانت تتجمع شيئا فشيئا منذ عهد هالفى فاستطاعوا أن يقطعوا شوطا عظيما فى سبيل تيسير لغة النقوش وتفسير محتوياتها، أما فيما يختص برحلات الكشف المتأخرة فى جنوب بلاد العرب فإن رحلة دفلر A. Defier فى اليمن عام 1887 قد اقتصر غرضه منها على دراسة النبات فحسب، وفى سنة 1893 قام هيرش L. Hirsch الذى كان أول أوربى فيما نعلم زار شبام (القصبة الحديثة لحضرموت) وتريم بدراسة توخى بها أولا وقبل كل شئ بحث التأريخ الطبيعى مع تخطيط البلاد ودراسة أجناسها، ثم جاء بعده مباشرة تيودور بنت J.Theodore Bent فطوَّف هو وزوجه سنتى 1893 - 1894 بحضرموت حتى بلغا شبام وجاسا سنة 1895 خلال بلاد اللبان (من ظفار إلى مرباط)، وكان بنت لا يعنى أيضا بالكتابات القديمة عناية خاصة وأخذ كارلو لندبيرك Carlo Landberg ملخصا وصورة شمسية لنقش حصن الغراب الذى كان قد اشتهر أمره بالفعل وقد ضمن مصنفه النفيس Arabica (جـ 4 و 5) نتائج أبحاثه التى قام بها فى عدن فى السنوات من 1895 - 1797 عن الأقاليم التى لم تكن معروفة من قبل إلا قليلا وهى الأقاليم التى تقع بين اليمن نفسها وحضرموت، وخاصة ما يتعلق بدثينة، وعوالق والحاضَنة، وكذلك فيما
يتصل ببيحان، ومَرْيَمِة، وريدان وحريب وتمِنَع، ولم يستثن من ذلك شَبوْةَ نفسهَا. ووأفدت أكاديمية فينا عام 1898 - 1899 بعثة إلى جنوب بلاد العرب كان يؤازرها أيضا ملك السويد، ولم تفلح هذه البعثة إلا فى بلوغ عزّان فى وادى مَيْفَعة ولم تصل إلى شبوة، وكانت نتائج الكشف عن الكتابات القديمة التى توصلت إليه هذه البعثة دون ما كان ينتظر منها، ومع ذلك فإن أعضاءها انتهزوا الفرصة عام 1899، وقاموا ببحوث عن جزيرة سقطرى درسوا فيها لغتها وتاريخها الطبيعى. [وقد عاد بيرى G.W. Bury من كحلان (قتبان) بملخصات وصور شمسية لبعض النقوش، وكان قد ذهب إلى بيجان من قبل البعثة]. وفى سنة 1902 جمع هين W.Hein مادة لغوية من قشن من أعمال حضرموت باسم أكاديمية فينا كما جمع هناك معلومات عن حضرموت -ثم من فينا فيما بعد- من بعض أهل البلاد، ونشرت مذكراته المجموعة عام 1914 بعد وفاته من غير تحقيق، وهى تتضمن كثيرًا من المعلومات الجديرة بالذكر. واستطاع هارتويك درنبورغ Hartwig Derenbourg أن ينشر بعض النصوص الجديدة من الملخصات التى حصلت عليها الأكاديمية الفرنسية بعنوان: Nouveaux textes yemenites inedits Rev.et d Arch or جـ 5، ص 117 وما بعدها.
ولم تنشر بعد كشوف كليزر برمتها بالرغم من أنها تعد فاتحة عصر جديد فى بابها (وقد نشر هومل فى Chrestomathie، ص 59 - 62 عرضا للنقوش التى كشفها كليزر بقدر ما كان معروفا عنها وقتئذ؛ انظر أيضا كليزر: Altjemenische Nachrichten، جـ 1، 1908، ص 1 (أ) وما بعدها وكذلك لم ينشر بعد مصنفه العظيم الذى أعده عن سبأ (وقد أعلن عنه مثلا هومل فى Explorations ص 712، وويبر فى Glasers Forschungsreisen ص 15، اعتمادا على قول كليزر)، أما المجموعة الكبيرة من المستندات التى خلفها (وتشتمل على نسخ لحوالى 1000 نقش ومذكرات ويوميات ورسوم وخرائط نظرية جغرافية وأثرية) فقد سلمت إلى مولر D.H. Muller لتحقيقها. ونجمل ما لهذه
المستندات من شأن فنقول إن من أول ما يجب أن تتجه إليه همة الباحثين فى المسائل السبئية هى أن يرتبوها ترتيبًا منهجيًا ويطبعوها طبعة علمية، بيد أن المنية عالجت مولر قبل أن ينشر هذه المستندات فعهد بهذا العمل بعد وفاته عام 1910 إلي رودوكاناكيس Rhodokanakis فى جراتز (ويطلق رودوكاناكيس على رسالته Der GrundSatz offentlichkeit in den sudarabischen Urkuden فى AK. Wien S.B. المجلد 177، جـ 2، 1915، تفسير نقش كليزر رقم 890 = هالفى 49 وكليزر 904 = هالفى 51 وكليزر و 1548/ 9 [السبئى] وكليزر 1606 [القتبانى] وأوسياندر 4؛ وقد تضمنت الرسالة بحثًا منهجيًا لمسائل الدين والضرائب والملكية والتشريع التى أثارتها النقوش، وهى أول جزء من الدراسة التمهيدية المسماة Corpus Glaserianum التى تضطلع أكاديمية فينا بنشرها؛ وهو يقول إن الدراسة التمهيدية الثانية هى الجزء الأول من مصنفه Studien zur Lexikohraphie Und Grammatik des Altsudabischen S.B.Ak. Wien، المجلد 178، جـ 4، 1915؛ تفسير العبارات التى وردت فى نقش حبش وكليزر 1076 وكليزر 480 وخاصة ذلك المقال النحوى فيما يسمى بالهاء المدغمة فى لغة جنوب بلاد العرب. ويفترض رودوكاناكيس فى تفسير النطق بها وجود نبرة مشددة فى اللغة المعينية السبئية، ويشمل الملحق تعليقات على نقوش شتى؛ ثم تأتى بعد ذلك رسالته Die Bodenwirtschaft im alten SUdarabien Anz. Ak. Wien 1916، رقم 26، وهى عرض لنتائج الأبحاث التى تضمنهما الجزء الثانى من مصنفه Studien zur Lexikographie Etc والجزء الثانى نفسه: S.B. Ak. Wien، المجلد 185، جـ 3، 1917؛ وهو بحث فى النقوش المعينية السبئيه الخاصة بالعمائر والتخوم والرى، والنقوش الخاصة بالزراعة مع تعليقات توضيحية عن إهداء المبانى وإقامتها، وعن المسائل القانونية بموارد المياه، وامتلاك الأرض، وفرض الضرائب، والإدارة)؛ وقد اشتملت أبحاث رودوكاناكيس الثلاثة التالية
على نقوش قتبانية لم تكن قد نشرت من قبل: Katabfinische Texte zur Bodenwirtschafi S.B.Ak. Wien)، المجلد 214، جـ 2، 1919: خمسة نقوش من كليزر: مراسيم ملوك بنى قتبان فى إدارة أملاك الدولة مع بحث دقيق عن الحالة الاقتصادية فى قتبان وأعمال الإدارة فيها) Katabanische Tevte zur Bodenwirtschaft، السلسلة 2، (S.B.Ak.Wien المجلد 128، جـ 2، 1922 ثلاثة نقوش مع أبحاث بعيدة الأثر وخاصة فيما يتعلق بالنقش الثالث، كليزر 1693 [فيما يتصل بتاريخ النص وموضعه وطبيعة لغته] مع مشاهدات عن بنى همدان وأسر جنوب بلاد العرب بوجه عام)، وأخيرًا Die Inschrift an der Mauer von KohlanTimna S.B. A. Wien (.1924، بحث فى نقش كليزر 1404 [بقايا اتفاق خاص بعمارة من العمائر] و 1397 وما بعده [قانون بفرض العقوبات وبفرض الضرائب] ثم نصوص أخرى تفسر لقب "مكرّب" الذى اتخذه بنى قتبان)؛ انظر فيما يتصل بنقش كليزر 1605 وما بعده W.Z.K.M جـ 31 ص 22 وما بعدها، وقد ذكر فى Katab Texte جـ 1، ص 6، أن ويبر O.Weber يعد طبعة مختصرة عن "الأبحاث والنقوش" التى خلفها كليزر، أما الكتاب الذى يجمع جميع نقوش جنوب بلاد العرب والذى أشير فيه أيضا إلى المصنفات الأقدم عهدًا والأقل شأنا فهو الجزء الرابع من المجموعة التى تصدر فى باريس بعنوان Corpus Inscriptionum Inscriptiones Semi ticarum Himyariticas) et Sabacas continens، المجلد الأول فى أربع كراسات: 1889 و 1892 و 1900 و 1908؛ وقد ظهر من المجلد الثانى الجزءان الأولان فى سنتى 1911 و 1914؛ ومات درنبورغ فاضطلع ماير لمبرت Mayer Lambert بنشر هذه المجموعة، ويشتمل المجلد الثالث منها على النقوش المعينية والقتبانية). وقد بحث هومل (Grundriss، ص 133 وما بعدها) لغة النقوش ويمكن تقسيمها إلى لهجتين رئيسيتين هما لهجة بنى معين ولهجة بنى سبأ، وهو يضمن نقوش بنى معين نقوش قتبان وحضرموت علاوة
على النقوش المعينية الملكية نفسها (وكذلك الحال Explorations، ص 728 وما بعدها) أما فيما يتصل بنحو اللغة المعينية السبئية (وهو يعدها أقدم نموذج للـ "القسم العربى من اللغة السامية الغربية، ولدينا منها نصوص متصلة السياق Grundriss، ص 78 وما بعدها) فارجع إلى بيانه الجوهرى فى مصنفه Chrestomathie، ص 9 وما بعدها (انظر فيما يتصل باللغة أيضا المبحث الأقدم من ذلك الذى كتبه D.H.Muller: Encycl. Brit مادة Yemen، ص 740، وهو موجز؛ Arabien: Weber، ص 15 وما بعدها وهو شائع؛ وانظر فيما يختص بالخط Osiander فى ZDMG جـ 20، ص 205 وما بعدها D.H. Muller: Sab.Denkm، ص 105 وما بعدها Hommel: Chrestom، ص 3 وما بعدها؛ Explorations ص 730؛ Grundriss ص 145 وما بعدها، Westasien، ص 235، وغير ذلك من البحوث؛ وانظر فيما يتصل بالدين Osiander فى ZDMG جـ 7، ص 463 وما بعدها؛ Enc.Brit: D.H.Muller ص 741 Burgen، جـ 2، ص 1032، Hommel: A.A جـ 1، ص 156 وما بعدها، Explor ص 733 وما بعدها؛ Grundriss ص 85 وما بعدها 143. ثم انظر Arabien: Weber ص 18 وما بعدها (دراجة)؛ Grimme: Mohammed ص 29 وما بعدها؛ وانظر فيما يتعلق بشارات الآلهة على الآثار Grohmann فى المصادر).
ونجد أيضًا معلومات لها شأنها فى النقوش المعينية واللحيانية، والنبطية والثمودية (وهى نقوش عربية أولية) فى شمال غربى بلاد العرب، وقد كشفها دوتى Dought فى السنوات من 1876 - 1878. وأعد يوتنكك Euting نصوص النسخ (1883/ 84) -وأعدها فى بعض الحالات مرة ثانية نقلا عن دوتى وهوبر- المتعلقة بالنقوش المعينية الخاصة بالعُلى (نشرها D.H.Muller فى Epigraphische Denknaler aus Arabien عام 1889، ثم عاد مورتمان فنشر النقوش المعينية Beitrage: Mordtmann، 1897)
ومن المسائل الهامة التى أثارتها المصادر الخاصة بتاريخ سبأ القديمة مسألة عرفت بالمسألة المعينية، أى العلاقة من حيث الترتيب الزمنى بين نقوش ملوك بنى معين وملوك بنى سبأ، وتقترن بها مسألة علاقة كل من هاتين المملكتين إحداهما بالأخرى وكان مولر Burgen: D.H. Muller، جـ 2 ص 955 وما بعدها و 981 وما بعدها و 985 وما بعدها) أول من حاول إعداد ثبت بملوك بنى سبأ (انظر Hartmann المصدر المذكور، ص 133 وما بعدها و 137 وما بعدها) استنادًا إلى المعلومات التى كانت متوفرة قبيل رحلات كليزر وقسم تاريخ سبأ إلى ثلاثة عصور (تضمنت مادة Yemen فى Encycl. Brit بحثًا عن هذا الموضوع أيضا)؛ وتعرف هذا العصور بالأسماء الآتية:
(1)
عصر المُكرِّب (أما الرسم مُكرْب الذى اختاره ثم عدل عنه بعدئذ إلى م - ك - ر - جـ والنطق به غير محقق وهو اسم الملوك الكهنة فيجب ألا يستعمل)، ويقرأ سواه الاسم بالقراءات التالية: مُكرَّب ومَكرُب ومَكرِب والجمع، مكارب انظر: Z.D.M.G. Anzeige: Mordtmann، جـ 44، ص 189، Abessinier: Glaser ص 65؛ Hommel: A.A. وص 134؛ Hartmann، المصدر المذكور، ص 132 و 599 إلى آخره).
(2)
عصر ملوك سبأ.
(3)
عصر ملوك سبأ وريدان ويقول مولر إن بداية مملكة سبأ يمكن أن نرجعها إلى القرن الثامن قبل الميلاد- ويرد إلى هذا العصر أيضا ذكر إتئيامر السبئى فى نقش سرغون وأن نهاية دولتهم كانت فى القرن الأول الميلادى.
ونحن نستطيع أن نضع تاريخا لمملكة سبأ والأسر التى حكمتها فى دقة لا بأس بها، إلا أن البت فى عمر مملكة بنى معين أكثر صعوبة، ذلك أنه ليس ثمة دليل يهدينا إلى تحديد تاريخ نقوش ملوك بنى معين تحديدا دقيقًا. وقد انتهى مورتمان (Mordtmann: Z.D.M.G جـ 47، ص 407 وما بعدها) ووبير (Studien: Weber، ص 44 وما بعدها)، وهارتمان Hartmann (المصدر المذكور، انظر أيضًا A.A.: Hommel ص 26، Chrestomatie ص 90، Grundriss،
ص 136)، فى محاولاتهم ترتيب ملوك بنى معين، إلى نتائج تختلف فى جوهرها عن تلك التى انتهى إليها مولر (Burgen: D.H. Muller، جـ 2، ص 1021 وما بعدها) قبلهم وقد ظن مولر أن مملكتى سبأ ومعين كانتا تقومان جنبًا إلى جنب، وأنهما كانتا متخاصمتين، وقد عارض كليزر (عام 1889) هذا الرأى على طول الخط فى الجزء الأول من مصنفه Skizze فقال إن مملكة معين كانت تسبق مملكة سبأ فى الزمن، وإن بنى سبأ هم الذين دمروا المملكة وتولوا السيادة على جنوب بلاد العرب. . وقد وضع كليزر فى اعتباره عدد أسماء ملوك بنى معين (حوالى 29 ملكًا) الذين عرفوا من الكشوف حتى عهده، وقدر مدة حكمهم بسبعمائة وخمسين عاما، ومن ثم لم يجد بدا من أن يرد بداية حكم بنى معين إلى ما قبل سنة 1500 قبل الميلاد، بل إنه فى الواقع رد بداية حكمهم إلى تاريخ أقدم من ذلك، أى إلى سنة 2000 قبل الميلاد (جـ 1، ص 55) ثم نجده يعود أيضًا إلى نظريته عن بنى معين فى فقرات شتى من المجلد الثانى من مصنفه skizze وفى مصنفاته التالية، وقد زعم أنه أثبت أن نقوش بنى معين قديمة جدًا ترجع إلى الألف سنة الثانية قبل الميلاد، بل لعلها ترجع إلى الألف سنة الثالثة (جـ 2، ص 110، وانظر ص 330)؛ ولم يخالجه الشك فى أنه ليس ثمة مناص من أن نرد تاريخ مملكة بنى معين إلى بداية عصر الرعاة (الهكسوس)، أى إلى القرن الثانى والعشرين قبل الميلاد، وقد نافع عن نظرية كليزر كل من هومل Hommel (أولا فى Beilage zur Gunchener Allgem Zeitung 1899 رقم 291 ثم فى مصنفاته المتأخرة، مثال ذلك ما كتبه فى A.A، ص 2، وما بعدها و 10 و 40 و 235، وفى Altisrael Uberlieferung ص 77 وفى Chrestomathie، ص 12، وفى ص 86 مصادر أخرى. وفى Explorations وفى Grundriss ، ص 134 و 150 وفى Gesch des .alien GorgenL، ص 106 و 123 و 148، ونخص من مؤيديه بالذكر ونكلر G.V.A.D.: Winckler، 1898، ص 19، 43 وما بعدها، 1906، ص 89 وما بعدها، وذلك فى مصنفه Geschichte Is-
وفى مصنفه Altorientalische Forschungen وفى K.A.T، ص 140 وما بعدها وص 105 وفى Westasien: Helmot، جـ 3، ص 247 وما بعدها، وويبر Weber فى رسائله، وقد سبق ذكرها، وفى Der Alte Orient وفى طبعته لمصنف ونكلر Westasien، ص 235 وما بعدها؛ وجريمه Grimme المصدر المذكور، ص 16 وما بعدها؛ وبنزنكر Geschichte Israels: Benzinger، ص 16 وكذلك يضع درينورغ Nouveau memoire surL'epitaphe mineenne: H.Derenbour باريس 1895 ص 7، بنى معين قبل بنى سبأ).
وقد استعرض ويبر (Studien: Weber، جـ 1)، النقاط الجوهرية فى المناقشة الحامية التى أثارتها آراء كليزر الجريئة، وجمع فى الوقت نفسه كل ما قد يؤيد كليزر، وما إن ظهر الجزء الأول من مصنف كليزر (Skizze: Glaser) حتى اعترض هالفى على هذه النظرية المعينية، ثم كرر مولر عندئذ رأيه (Beliage zur Munch، Allgem، Zeitung 1890: D.HMuller، 24 و 31 نوفمبر، . Z.DM.G، جـ 8، ص 6 و 161) وقد جاهر العلماء الآتى ذكرهم بمعارضة كليزر وهم: مورتمان (Anzeige ص 182 وما بعدها Z.D.M.G، جـ 97، ص 400؛ Beitrage، ص 105 وما بعدها و 115)، وشبرنكر (Sprenger: Bemerkungen؛ ص 502 وما بعدها) وماير (Deschichte d. Altertums: E.Meyer جـ 2، ص 382) ولا كرانج (Lagrange فى Rev. bibl.، 1902، جـ 11، ص 256 وما بعدها) ولدأبارسكى (Ephemeris f. semit Epigraphik: Lidzbarski ، جـ 2، ص 101 وما بعدها) وهارتمان (Hartmann: Z.A، جـ 10، ص 25 وما بعدها، وفى مصنفه الرئيسى، ص 4، 131 وما بعدها) وإيوار (Huart: Geschichte der Araber، جـ 1، ص 46 وما بعدها إلى آخره)، ثم أشار ماير إلى أن كل ما سبق من الفروض عن تاريخ الأبجدية السامية ينهار إذا أخذنا برأى كليزر الذى يرد النقوش المعينية إلى الألف سنة الثانية قبل الميلاد، ويصعب علينا أن نرجع أصل الأبجدية الفينيقية إلى ما قبل سنة 1000 ق. م. على أنه من المؤكد أن نشأة الخط المعينى الذى
يتميز بأشكاله المنتظمة التى تكاد تبلغ مبلغ الرسوم الهندسية الفنية، لم تكن أقدم من ذلك، وهذا يؤدى فيما يظهر إلى زعزعة نظرية كليزر على الفور. ولا محيص لنا من القول بأن رد تاريخ هذه الأبجدية إلى 2000 قبل الميلاد (Grundriss: Hommel ص 109 و 146، Westasien: Weber، ص 163 Hommel: Explorations، ص 730)، أو حتى "ردها على أكثر تقدير إلى عهد أقدم من ذلك بمراحل، أى إلى الألف سنة الثالثة" قبل الميلاد (Arabien: Weber " ص 15 فرض بعيد الاحتمال جدًا، بالرغم من كل ما ثبت فى العهد الحديث عن أقدم صور الأبجدية العبرية، كما أن التكهنات الخاصة بالكتابة القديمة فى جنوب بلاد العرب، وهى التكهنات التى عززتها النقوش التى تعرف باسم نقوش سيناء الكينية Kenite Sinai، لم تسفر عن شئ. ويعارض إيوار Huart أيضًا آراء هومل وويبر وونكلر وغيرهم، فيقول عن التأريخ الذى فرض لهذه الأبجدية إن سنة 1500 هى على وجه التحقيق سنة أعلى من أن تصلح تاريخا لعهد الحكم المعينى.
وتزودنا الرواية اليونانية الرومانية أيضًا بحجج فى المسألة المعينية وخاصة شهادة إراتوستينيس فى استرابون (جـ 16، ص 768) التى أسلفنا ذكرها والتى استشهد بها هالفى Halevy ومولر D.H.Muller وغيرهما فى معارضة كليزر، وقال مورتمان Mordtmann فى شأنها أنه لا يعرف السبب الذى حدا بمفسرى هذه الفقرة إلى الخروج بها عن مدلولها وقد أفصح ويبر (المصدر المذكور، ص 9) عن تزعزع أركان قضيته بقوله إنه لا يجد بدا من أن يفترض أن إراتوستينيس قد "أخطأ"(ولم يعلل ويبرر هذا الفرض)، بمعنى أنه فى روايته قد اختلطت عليه الأمور، صحيحهما وكاذبها وماضيها وحاضرها، وقد سبق لكليزر (المصدر المذكور ص 15) أن حاول أن يزيل التناقض الحادث بين آرائه وأدلة إراتوستينيس الواضحة، فأكد إن إراتوستينيس قد استقى معلومات مخطئة، على أنه لم يسق أى دليل على ما يقول. والحق أن كليزر وويير لم
يأتيا بأى دليل أو سند أو احتمال يؤيد ما ساورهما من شك فى تفسير هذه الفقرة، بل هما لا يستطيعان أن يأتيا بشبه دليل، ومن ثم فنحن نجزم استنادًا إلى هذه الرواية بأن الشعوب الأربعة الكبرى التى كانت تنزل جنوب بلاد العرب، ويدخل فيهم بطبيعة الحال بنو معين الذين يذكرهم مصدرنا أول ما يذكر، ثم سبأ والقومان الآخران، كان يحكمهم ملوك مطلقو السلطان (. . .)، ولا يمكن التخلص بأية حيلة مما قرره إراتوستينيس من قول لا يمكن تفنيده، وهو أن النظام السياسى لمعين وسبأ كان فى الوقت الذى كتب فيه المصدر الذى استقى منه هو النظام الملكى، ويكشف هذا القول أيضًا عما ينطوى عليه توكيد كليزر من قيمة (ويبر، المصدر المذكور، ص 7 وما بعده)"إن الكتاب القدماء لا يذكرون أية مملكة فى أى موضع من مؤلفاتهم وإنما هم يذكرون دائما أرض بنى معين"؛ أو ما تنطوى عليه رواية ونكلر (المصدر المذكور، ص 45) من حقيقة. ومفاد هذه الرواية أنه لم يكن ثمة معينيون فى شمال بلاد العرب فيما بين سنتى 500 و 300 ق. م ذلك أنه لم يقم أحد منهم هناك فى أى وقت من الأوقات، وكذلك لا أساس من الصحة لشكوك جريمه (المصدر المذكور ص 17) حول بنى معين الذين ذكرهم اليونان وهل كانوا هم القوم الذين نحن بصددهم والذين ورد ذكرهم فى النقوش.
وثمة أمر قاطع الدلالة فى نقض رأى كليزر (انظر هارتمان المصدر المذكور ص 131 وما بعدها 136)، ذلك أننا نستطيع أن نستخلص على وجه اليقين من ذكر النقوش لملوك وممالك أنه كان ثمه ملوك لسبأ وملوك لمعين يحكمون جنبًا إلى جنب، (المصدر المذكور، ص 18) ثم إن الحجة التى ساقها كليزر وهى أن النقوش السبئية لم تذكر قط مملكة معين كما أن النقوش المعينية لم تذكر أبدا مملكة سبأ، قد حمل ويبر (كتابه المذكور ص 18) على الاعتراف بأن "بنى معين قد خرجوا بالفعل عن هذا الصمت العجيب فى مناسبتين أو ثلاث مناسبات" وأن بنى سبأ نحوا هذا النحو سواء بسواء. ولكن ذلك معناه استحالة قيام هذه النظرية بأى شكل من أشكالها.
رقم الإيداع بدار الكتب 9529/ 1996
ISBN 977 - 01 - 4952 - 7