الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3)
ابن إسحاق، طبعة فستنفلد، ص 1004.
(4)
صورة أدبية Vid'Oriente e d'Occidente sioni: Furico Ruta ميلان سنة 1924، ص 35 - 45.
الشنتناوى [فكا V. Vacca]
تعليق على مادة زينب بنت جحش
رد الأستاذ الدكتور محمد حسين هيكل على تقولات المستشرقين فى قصة زواج النبى صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش. وقد آثرنا أن ننقل هذا الرد البليغ هنا.
"أما قصة زينب بنت جحش، وما أضفى المستشرقون والمبشرون عليها من أستار الخيال حتى جعلوها قصة غرام ووله، فالتاريخ الصحيح يحكم بأنها من مفاخر محمد صلى الله عليه وسلم وأنه، وهو المثل الكامل للإيمان، قد طبق فيها حديثه الذى معناه: لا يكمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وقد جعل نفسه أول من يضرب المثل لما يضع من تشريع يمحو به تقاليد الجاهلية وعاداتها، ويقر به النظام الجديد الذى أنزله اللَّه هدى ورحمة للعالمين. ويكفى لهدم كل القصة التى قرأت عنها من أساسها أن تعلم أن زينب بنت جحش هذه هى ابنة أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنها ربيت بعينه وعنايته، وأنها كانت لذلك منه بمقام البنت أو الأخت الصغرى وأنه كان يعرفها ويعرف أهى ذات مفاتن أم لا قبل أن تتزوج زيدا، وأنه شهدها فى نموها تحبو من الطفولة إلى الصبا إلى الشباب. وأنه هو الذى خطبها على زيد مولاه، إذا عرفت دلك تداعت أمام نظرك كل تلك الخيالات والأقاصيص من أنه مر ببيت زيد ولم يكن فيه، فرأى زينب فبهره حسنها وقال: سبحان مقلب القلوب، أو أنه لما فتح باب زيد عبث الهواء بالستار الذى على غرفة زينب فألفاها فى قميصها ممددة فانقلب قلبه فجأة ونسى سودة وعائشة وحفصة وزينب بنت مخزوم وأم سلمة، ونسى كذلك دكر خديجة التى كانت عائشة تقول: إنها لم تجد فى نفسها غيرة من أحد من نساء النبى صلى الله عليه وسلم ما وجدت من ذكر خديجة، ولو أن شيئا
من حبها علق بقلبه لخطبها إلى أهلها على نفسه بدل أن يخطبها على زيد. وهذه الصلة بين زينب ومحمد صلى الله عليه وسلم وهذا التصوير الذى صورناه به لا يدعان بعدهما لتلك القصة الخيالية التى يروون أى أساس أو أى حق فى البقاء.
وماذا يثبت التاريخ أيضًا؟ يثبت أن محمدا صلى الله عليه وسلم خطب ابنة عمته زينب على مولاه زيد، فأبى أخوها عبد اللَّه بن جحش أن تكون قرشية هاشمية وهى فوق ذلك ابنة عمة الرسول صلى الله عليه وسلم وأن تكون تحت عبد رق اشترته خديجه ثم أعتقه محمد صلى الله عليه وسلم ورأى فى ذلك على زينب عارا كبيرا. وكان ذلك عارا حقا عند العرب كبيرا. فلم تكن بنات الأشراف الشريفات ليتزوجن من موال وإن أعتقوا. لكن محمدا صلى الله عليه وسلم يريد أن تزول مثل هذه الاعتبارات القائمة فى النفوس على العصبية وحدها، وأن يدرك الناس جميعا أن لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . وهو لا يرى أن يستكره لذلك امرأة من غير أهله، فلتكن زينب بنت جحش بنت عمته هى التى تحتمل هذا الخروج على تقاليد العرب، وهذا الهدم لعاداتها، مضحية فى ذلك بما يقول الناس عنها مما تخشى سماعه. وليكن زيد مولاه الذى تبنى والذى أصبح بحكم عادات العرب وتقاليدها صاحب حق فى أن يرثه كسائر أبنائه سواء، هو الذى يتزوجها، فيكون مستعدا للتضحية التى أعد الشارع الحكيم للأدعياء الذين اتخذوا أبناء. وليبد محمد إصراره على أن تقبل زينب وأن يقبل أخوها عبد اللَّه بن جحش زيدا زرجا لها، ولينزل فى ذلك قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} .
لم يبق أمام عبد اللَّه وأخته زينب بعد نزول هذه الآية إلا الإذعان. فقالا: رضينا يا رسول اللَّه. وزوجت زينب من زيد، وساق النبى صلى الله عليه وسلم إليها عنه مهرها. فلما سارت زينب إلى زوجها لم يسلس له قيادها ولا لان إباؤها، بل جعلت تؤذى زيدا وتفخر عليه بنسبها وبأنها لم يجر عليها رق. واشتكى زيد إلى
النبى صلى الله عليه وسلم غير مرة من سوء معاملتها إياه، واستأذنه غير مرة فى تطليقها، فكان النبى صلى الله عليه وسلم يجيبه:"أمسك عليك زوجك واتق اللَّه". ولكن زيدا لم يطق معاشرة زينب وإباءها عليه طويلا فطلقها.
وكان الشارع الحكيم قد أراد أن يبطل ما كانت تدين به العرب من التصاق الأدعياء بالبيوت، واتصالهم بأنسابها، ومن إعطاء الدعى جميع حقوق الابن، ومن إجرائهم عليه أحكامه حتى فى الميراث وحرمة النسب، وألا تجعل للتبنى واللصيق إلا حق المولى والأخ فى الدين. فنزل قوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} . ومعنى هذا أنه يجوز للمدعى أن يتزوج ممن كانت زوجا لمن ادعاه. ويجوز للمتبنى أن يتزوج ممن كانت زوجا لمتبناه. ولكن كيف السبيل إلى تنفيذ هذا؟ -ومَن- مِن العرب يستطيعه وينقض به تقاليد الأجيال السالفة جميعا؟ إن محمدا صلى الله عليه وسلم نفسه على قوة عزيمته وعميق إدراكه لحكمة اللَّه فى أمره قد وجد على نفسه الغضاضة فى تنفيذ هذا الحكم بأن يتزوج زينب بعد تطليق زيد إياها. ودار بخاطره ما يمكن أن يقول الناس فى خرقه هذه العادة القديمة المتأصلة فى نفوس العرب؛ وذلك ما يريده تعالى فى قوله {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} ، لكن محمدا صلى الله عليه وسلم كان القدوة فى كل ما أمر اللَّه، وما ألقى عليه أن يبلغ رسالته، فليخش ما يقول الناس فى تزوجه من زوج زيد مولاه، فذلك لا شئ إلى جانب خشية اللَّه بتنفيذ أمره. وليتزوج من زينب ليكون قدوة فيما أبطل الشارع الحكيم من الحقوق المقررة للتبنى والادعاء. وفى ذلك نزل قوله تعالى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} .
هذه رواية التاريخ الصحيح فى أمر زينب بنت جحش وزواج محمد صلى الله عليه وسلم منها فهى ابنة عمته. وكان يراها ويعرف مبلغ جمالها قبل أن تتزوج زيدا، وهو الذى خطبها لزيد. وكان