الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطبرى
أبو جعفر محمد بن جرير المؤرخ العربى: ولد الطبرى على الأرجح سنة 839 م (فى نهاية سنة 224 هـ أو فى مستهل سنة 225 هـ) فى آمل من أعمال طبرستان، وبدأ ينصرف إلى الدرس فى سن مبكرة وقد ظهرت عليه مخايل النبوغ، ويقال إنه حفظ القرآن الكريم ولما يبلغ السابعة؛ وتلقى علومه الأولى فى مسقط رأسه، ثم زودة أبوه الذى كان ميسور الحال بالأسباب التى تعينه على زيارة مراكز العلم فى العالم الإسلامى، فزار الرى وما جاورها، ثم زار بغداد يروم أن يأخذ على أحمد بن حنبل، ولكن أحمد توفى قبيل وصوله إليها. وقضى الطبرى وقتا قصيرًا فى البصرة والكوفة ثم عاد إلى بغداد وأقام فيها ردحًا من الزمن؛ ثم رحل طالبًا مصر، غير أنه توقف فى المدن الشآمية ليدرس الحديث. ولا شك أن الناس كانوا يعدونه وهو بمصر فى زمرة العلماء المشاهير (كان فى مصر فى رواية ابن عساكر ما بين سنتى 869 - 870، وفى رواية ياقوت أنه كان فى مصر سنة 867، وهى أول زيارة له، ثم أقام فيها ما بين سنتى 869 - 870 م بعد أن أقام فى الشام، وفى رواية الطبرى: التاريخ، جـ 3، ص 1862 أنه كان فى بغداد ما بين سنتى 871 - 872 م). ثم شخص من مصر إلى بغداد حيث عاش حتى توفى سنة 923 م فيما عدا رحلتين قام بهما إلى طبرستان (الرحلة الثانية فيما بين عامى 902 - 903 م).
والظاهر أن الطبرى كان ينزع إلى حياة العلماء التى تتسم بالهدوء وإن كانت تحفل بمكارم الأخلاق. وقد صرف سنى حياته الباكرة كلها فى جمع الروايات العربية والإسلامية، ثم أنفق معظم وقته فى التدريس والكتابة. ولم يكن لدى الطبرى من المال ما يزيد على كفايته، على أنه ترفع عن الدخول فى المغانم المادية بل هو قد أبى أن يلى ما عرض عليه من مناصب تدر المال على صاحبها، واستطاع بذلك أن ينصرف إلى النشاط الأدبى الموفور المتشعب الجوانب. وكان ميدانه الأول
فى هذا السبيل هو التاريخ والفقه وقراءة القرآن الكريم وتفسيره، ثم هو قد انصرف علاوة على ذلك إلى الشعر وفقه اللغة والنحو وعلم الأخلاق بل الرياضيات والطب. وظل عشر سنوات بعد عودته من مصر يتبع مذهب الشافعى ثم أقام مذهبا خاصًا به سمى أتباعه بالجريرية نسبة إلى أبيه. على أن هذا المذهب كان فيما يظهر يختلف عن مذهب الشافعى فى النظر أقل من اختلافه عنه فى العمل، وسرعان ما جر النسيان أذياله على مذهب الجريرية. وكان اختلافه عن الحنبلية أشد من ذلك فى الجوهر، ذلك أنه سلم بأن ابن حنبل حجة فى الحديث وليس حجة فى الفقه. ومن هنا أثار عداوة الحنابلة عليه؛ ويقال إن السر فى هذه العداوة هو إنكاره لتفسير الحنابلة للآية 81 من سورة الإسراء. واضطر الطبرى إلى الاعتكاف فى داره اتقاءً لغضب الغوغاء الثائرين ولم يأمن على نفسه إلا بعد أن صدر من الشرطة أمر مشدد يكفل حمايته. وحاول أعداؤه أيضًا أن يجروا عليه الأذى متوسلين بالشرع، فقد اتهموه بالميل إلى الزندقة، وكانت قولتهم هذه بعيدة عن الإنصاف.
ولم تصل إلينا آثار الطبرى كاملة بحال من الأحوال، وشاهد ذلك أن كل ما كتبه عن أصول مذهبه الجديد فى الفقه قد فقد. على أن تفسيره للقرآن الكريم المسمى "جامع البيان فى تفسير القرآن" ويقال له "التفسير" فحسب، نجا من الضياع. وقد جمع الطبرى فى هذا التفسير لأول مرة المادة الوافرة للتفاسير المأثورة، واستحدث بذلك كتابًا عمدة استقت منه التفاسير التى كتبت من بعد. ولا يزال هذا المصنف معينًا يستمد منه العلماء الغربيون المعلومات فى بحوثهم التاريخية والنقدية. وموقف الطبرى من الروايات التى جمعها تحدده فى جوهره المقاييس اللغوية سواء ما يتعلق منها بفقه اللغة أو النحو. ولكنه يعرض أيضا للأحكام العقائدية والفقهية التى يمكن استنباطها من القرآن الكريم، ثم هو يبيح لنفسه فى بعض الأحيان أن يدلى برأى يتسم بالصراحة دون أن يستند بحال على سند يقوم على النقد التاريخى.
وأهم كتب الطبرى هو تاريخه العام المعروف باسم: "تاريخ الرسل والملوك". ولا تزودنا طبعة ليدن المشهورة لهذا التاريخ إلا بنسخة مختصرة من كتابه الضخم الذى كان يبلغ فى الحجم عشرة أضعاف هذه النسخة، ولو أن الكتاب الأصلى كان يضم عشرة مجلدات ونصف مجلد فحسب ومع ذلك فإن طبعة ليدن المختصرة ليست كاملة، وإنما يقتضى الأمر استكمالها فى فقرات شتى منها بالرجوع إلى الكتاب المتأخرين الذين أفادوا من تاريخ الطبرى العام هذا.
ويبدأ تاريخ الرسل والملوك بعد المقدمة بتاريخ آباء البشر، وأنبياء العهود الأولى وحكامها (جـ 1، قسم 1)؛ ثم يتناول تاريخ العهد الساسانى (جـ 1، قسم 2)، ثم عصر محمد [صلى الله عليه وسلم] والخلفاء الأربعة الراشدين (جـ 1، قسم 3 - 6)؛ ثم تاريخ الأمويين (جـ 2، قسم 1 - 3)؛ ثم يختم الكتاب بعصر العباسيين (جـ 3، قسم 3 - 4). وقد رتب الطبرى مادته منذ بداية التاريخ الهجرى على حوادث سنى الهجرة، وينتهى الكتاب بالحوادث حتى يولية سنة 303 و 915 م، وقد أكمل هذا الكتاب من بعد غيره من المؤرخين؛ ونذكر من الذين أكملوه:
(1)
الكتاب المفقود المعروف باسم "المذيل" أو "صلة التاريخ" لأبى محمد الفرغانى تلميذ الطبرى.
(2)
كتاب أبى الحسن محمد الهمذانى المتوفى سنة 1127 م الذى يبلغ بالحوادث حتى عام 1094 م، ولكن المجلد الأول الذى بقى منه ينتهى بحوادث 977 - 978. وقد أفاد المؤرخون المتأخرون مثل ابن مسكويه وابن الأثير من مادة الطبرى فى كتابة تواريخهم، وإن كانا قد تجاوزا فيها العصر الذى كتب هو فيه، ولذلك فإنهم بوجه من الوجوه قد أكملوا تاريخه (حتى عام 979 - 980 أو 1225 م). وعمد ابن الاثير إلى استخدام مادة الطبرى على نطاق واسع، وسعى إلى التوفيق بين الروايات المختلفة التى ساقها وسد ما بها من ثغرات معتمدًا على مصادر أخرى. أما القطعة من كتاب عريب الأندلسى (وهى تشمل
الحوادث من عام 903 - 932 م) التى نشرها ده غوى فهى تعتمد على نسخة مستقلة عن الطبرى وتعد ذيلا لتاريخه. وقد ترجم كتاب الطبرى سنة 963 م إلى الفارسية بامر الوزير أبى على محمد البلعمى السامانى، على إنه اختصر كثيرًا وأكمل من مصادر أخرى وخاصة فى الكلام عن العهود الأولى. وترجمت هذه الترجمة أيضًا إلى التركية والعربية.
وأما كتاب الطبرى "تاريخ الرجال" فيزودنا بالحقائق الضرورية عن أسانيده فى الحديث. وشاع هذا الكتاب فى الأصل باعتباره ذيلا لتاريخ الطبرى. وقد نشر مختصر له ليس كاملا فى آخر طبعة ليدن للتاريخ (جـ 3، ص 2295 - 2501).
واستند الطبرى فى جمع مادة تاريخه إلى الروايات غير المدونة، وقد تيسرت له أسباب هذا الجمع بفضل رحلاته الواسعة التى صرف معظم همه فيها إلى طلب العلم وحضور الدروس على مشاهير العلماء. وأفاد الطبرى أيضا من كتب غيره مثل كتاب: أبى مخنف، و"كتاب أخبار أهل البصرة" لعمر بن شبّه، وهو كتاب فى الحديث كان يقرأ له منه زياد بن أيوب؛ وتاريخ نصر بن مزاحم (Z.S، جـ 4، ص 6)؛ ثم سيرة محمد بن إسحق؛ والكتب التى كتبها فى هذا الشأن: الواقدى، وابن سعد، ومحمد الكلبى، وهشام الكلبى، والمدائنى، وسيف بن عمر، وابن طيفور وغير ذلك من الكتب. أما رواياته فى التاريخ الساسانى فقد أفاد من نسخة عربية لكتاب الملوك الفارسى التى اعتمدت فى جزء منها على ترجمة لهذا الكتاب قام بها ابن المقفع. ولم يحاول الطبرى أن يصوغ مادته فى رواية فتصلة للحوادث التاريخية، بل جنح إلى الاكتفاء بجمع ما تيسر له من مادة وتسجيل الروايات المختلفة بل المتعارضة فى كثير من الأحيان، كما وصلت إليه، ولذلك أبى أن يتحمل أى مسؤولية فيما يتعلق بحجية هذه الروايات التى جمعها. على أن قيمة كتاب الطبرى فى نظر البحث التاريخى الحديث، إنما تكمن فى ترديده الأمين غير المرتب لرواياته، وخاصة إذا كان