الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طراز
(طراز): كلمة معربة من الفارسية معناها فى الأصل: "التطريز" ومن ثم دلت على الرداء المحلى بأشغال التطريز المتشابكة وخاصة الرداء المزين بالأشرطة المطرزة عليها كتابات، يرتديه الحاكم أو أى شخص من الأعيان؛ وتدل هذه الكلمة أخيرًا على المصنع الذى يصنع هذه الأشياء أو الأردية.
وقد تطور معنى الطراز من "الشريط المطرز بالكتابة" إلى معنى آخر فرعى هو: الشريط المكتوب عليه سواء كان الشريط على حافة الرداء أو فى الوسط بوجه عام؛ وأصبح الطراز لا يطلق على الكتابات المنسوجة أو المطرزة أو المخيطة على الأقمشة المختلفة فحسب بل يطلق أيضًا على الكتابات المنقوشة على شريط من أى نوع سواء كانت منحوتة فى الصحر أو فى الفسيفساء أو فى الزجاج أو الخزف أو منحوتة فى الخشب (انظر المقريزى الخطط جـ 2، ص 79 ، 212، 407)، ومن ثم غدا الاسم طراز مصطلحًا على الكتابات التى يوسم بها رسميًا البردى بالمداد فى مصانع ورق البردى، وكانت هذه الكتابات توسم بالألوان (الأحمر أو الأخضر) ثم استخدم الطراز بعد ذلك للدلالة على المصانع نفسها. وقد اقتصر استعمال هذين المعنيين الأخيرين على بعض المناسبات القليلة (انظر Die arab. Papyrusprotokolle: J.v Karabacek، ص 8 وما بعدها؛ Corpus: A.Grohmann Papyrorum Raineri جـ 1/ 2، رقم 175 [ص 170]، 204 [ص 200]، 214 [ص 309]، 265 [ص 239]، 270 [ص 242]). واختفى هذان المعنيان حوالى منتصف القرن العاشر الميلادى عندما بطلت صناعة ورق البردى.
ويمكن تقسيم الأقمشة والستائر والأردية المطرزة أو المنسوجة أو المخيطة بكتابات إلى فئتين تبعًا لمادة هذه الكتابات، ومكانة من يرتديها. وتعبر الفئة الأولى عن الأهواء الفردية للأشخاص، وهى التى بلغت أوجها فى الكتابات التى رغب المتأنقون والسيدات فى تزيين ملابسهم بها (جمعت هذه الكتابات فى كتاب: الموشى، ص 617 وما بعدها). أما الفئة الثانية فلها صفة رسمية، ولعل من المستطاع مقارنتها
إلى حد ما بالرتب والأوسمة التى عندنا اليوم.
وتجرى هذه النقوش المكتوبة على طول حافة الرداء، أو تنتظم أحيانًا فى خطين أو أكثر حول الجزء العلوى من الرداء، أو توضع حول الرقبة والأكمام وعلى الجزء العلوى للذراع أو على الرسغ، وقد توضع على لباس الرأس. ولا تستخدم هذه الكتابات حواشى للزخرف فحسب، بل توضع أيضًا فى صلب نسيج الرداء، ويختلف عرضها اختلافًا كبيرًا، فيذكر كاراباسك (Susandschird: J.V. Karabacek ص 84 وما بعدها، تعليق رقم 56؛ Papyrusprotokolle ص 26) أن عرضها يتراوح بين 2 و 55 سنتيمترًا، غير أن ذلك لا يشمل كل ما يمكن أن يكون عليه هذا العرض، فقد بلغ عرض الطراز الذى وجد على حوافى قطع الأقمشة المستخرجة من المقابر المصرية أقل من سنتيمتر.
وكان ابن خلدون على دراية عظيمة بنظام الطراز، فهو يذكر "أن من أبهة الملك والسلطان ومذاهب الدول أن ترسم أسماؤهم أو علامات تختص بهم فى طراز أثوابهم المعدة للباسهم، من الحرير أو الديباج أو الإبريسم، تعتبر كتابة خطها فى نسج الثوب إلحامًا وإسداء بخيط الذهب، أو ما يخالف لون الثوب من الخيوط الملونة من غير الذهب. . فتصير الثياب الملوكية معلمة بذلك قصد التنويه بلابسها من السلطان فيمن دونه، أو التنويه بمن يختصه السلطان بملبوسه إذا قصد تشريفه بذلك -أو ولايته لوظيفة من وظائف دولته". وفى عهد الأمويين والعباسيين كانت الدور المعدة لنسج أثوابهم فى قصورهم، تسمى دور الطراز.
وكان القائم على النظر فيها يسمى: صاحب الطراز، ينظر فى أمور الصباغ والآلة والحاكة فيها، وإجراء أرزاقهم وتسهيل آلاتهم ومشارفة أعمالهم، وكانوا يقلدون ذلك لخواص دولتهم وثقات مواليهم. وكان هذا النظام معمولا به فى عهد الخلفاء الأمويين بالأندلس وخلفائهم، وفى عهد سلاطين المماليك بمصر وعند معاصريهم من ملوك الفرس فى المشرق. ولم يبطل هذا
النظام إلا عندما اضمحلت الدول الإسلامية الكبرى.
وثمة شواهد كثيرة تؤيد أقوال ابن خلدون، وهى الأقوال التى اعتمدنا عليها أساسا فى كتابة هذه المادة، نجدها فيما عثر عليه من المنسوجات الإسلامية التى صنعت فى جهات مختلفة من مصر وخاصة بإخميم وأنتينوى (الآن: الشيخ عبادة) وأرمنت والعظم بالقرب من أسيوط وحفظت فى متاحف برلين (Schlossmuseum، Kaiser-Friedrich Museum Kunstgewerbemuseum) وفى لينينغراد، وباريس (Iouvre et Musee de Cluny) ولندن (Victoria and Albert museum) وفينا (Osterreichisches MuseumFur Kunst und Industrie and Sammlung Papyrus Erzherzog Rainer in the National Litrary)، وفى كثير من المجموعات الخاصة، وفى مخازن المنسوجات الثمينة الموجودة فى جميع أرجاء أوربا، فى الكنائس والأديرة. ومن الواضح أن المعلومات التى أوردها ابن خلدون تعتمد على تجربته الخاصة، ذلك أن الكتابات التى على هذه المنسوجات تظهر فى الواقع وبدون استثناء بألوان براقة بارزة من أرضية القماش مثال ذلك: قطع الكتان (Inv. Ar. Lin، رقم 11، ثم رقم 19 من مجموعة رينر Rainer بفينا) إذ عليها حافة من الكتابة المطرزة بالحرير الأحمر (وردت القطعة رقم 19 فى Fuhrer: J. v. Karabacek، رقم 19 وفى كتاب Papyrusprotokolle للمؤلف نفسه، ص 28). على أننا نجد أن الطراز فى القطعة رقم 18 (Inv. Ar Lin رقم 18) من المجموعة نفسها تبرز من أرضية القماش وهو مطرز بالحرير الأسود. وينسج الطراز عادة فى الديباج والإبريسم بخيوط من الذهب. وتؤيد نصوص الكتابات التى وصلت إلينا أيضًا أقوال ابن خلدون كل التأييد. فنجد بادئ ذى بدئ، ومن حيث أسماء الحكام، أمثلة مختلفة لهذه الأسماء قائمة بذاتها على المنسوجات؛ وثمة قطعة من الدمقس الأخضر عثر عليها فى بلدة العظم محفوظه فى متحف فيكتوريا وألبرت (Inv رقم 769 - 1898: Guest رقم 9، ص 539 وما بعدها؛ Catalogue of Muhammadan Textiles: A. F. Kendrick ص 39) وقد نقش عليها: ناصر الدنيا والدين محمد بن
قلاوون. وهناك قطعة من الكتان مطرزة بالحرير الأحمر محفوظة بمتحف لينينغراد عليها اسم الخليفة الفاطمى العزيز باللَّه (365 - 386 هـ، A.R.Guest مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1918، ص 263 رقم 1). وكثيرًا ما يقرن اسم الحاكم وألقابه المألوفة بكلمات أخرى تجرى مجرى الفأل أو السجلات كما ذكر ابن خلدون، ومن هذا القبيل تلك القطعة من الكتان المحفوظة فى متحف القيصر فريدريك، إذ عليها كتابة منسوجة بالأحمر يحيط بها وشى أبيض، وقد قمت بنسخ هذه الكتابة عام 1924 م ونصها كما يلى:"بسم اللَّه الرحمن الرحيم. بركة من اللَّه وكرامة للخليفة عبد اللَّه المطيع للَّه أمير المؤمنين أطال اللَّه بقاءه، (انظر Isl.،: E.Kuhnel، جـ 15، ص 83). وهناك قطعة من الحرير زرقاء اللون قاتمته محفوظة بدار الآثار العربية بالقاهرة رسم عليها شكل من فروع النبات الدقيقة لونها رمادى ضارب إلى الزرقة ومن زهور اللوتس وقد وشيت بطراز كتب عليه: "عز لمولانا السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد قلاوون" (انظر Catalogue raisonne: Herz.Bey ص 272، صورة رقم 51؛ Seidenweberei: Falke جـ 2، صورة رقم 366؛ Catalogue of Muhammadan Textiles: A. F. Kendrick، ص 41 لوحة رقم 12، ص 957). ويوجد على قطعة نسيج دانزك ذات الببغاوات التى نسجت فى الصين على ما يظهر للسلطان محمد بن قلاوون المتوفى عام 1340 م كتابات على أجنحة الببغاوات تجرى كما يلى: "عز لمولانا السلطان الملك العادل العالم ناصر الدين" (انظر Seidenweberei: O.V. Falke جـ 2، شكل رقم 334؛ Die Liturg: Gewander J. v. Karabacek ص 141). وعلى قطعة الأطلس المحفوظة بمتحف ساوث كنسنكتن South Kensington (وهى التى نشرها. O.v.Falke فى Seidenweherei جـ 2، شكل رقم 638 A.F.Kendrick فى Catalogue of Muhammadan Textiles ص 46) نجد فى الهالة التى على شكل اللوزة الموشاة على شعار الملك فى كلا الجانبين كتابة تجرى من اليمين إلى اليسار على هذا النحو: "عز لمولانا السلطان الملك" وعلى الأربع وردات
الصغيرة التى رسمت بالتبادل يمينًا ويسارًا كلمة الأشرف. وتنسب هذه القطعة إلى السلطان المملوكى الملك الأشرف قايتباى (1468 - 1469 م). وتشغل هذه الصيغة التقليدية فى بعض الأحيان حيزًا كبيرًا من الطراز. وعلى قطعة ثوب من الكتان له حواش منسوجة وفيه حرير ملون، وقد عثر عليها فى أرمنت وقام بنشرها كل من كست وكندريك Guest: مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1906، ص 392 وما بعدها؛ Inv: South Kensington Museum رقم 1381 - 1888؛ Catalogue of Muhammadan Textiles: A.F.Kendrick نموذج 10) نجد الكتابة الآتية: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، على ولى اللَّه صلـ. . .، المستنصر ابن أمير المؤمنين، صلوات عليه وعلى أبيه ابن [الأكرمين] الطاهرين وأبنائه المنتظرين".
وفى بعض الأحيان يضاف إلى الصيغة التقليدية اسم مكان الصنعة واسم الوزير أو غيره من عمال الدولة القائمين على بيت المال أو على دار الطراز. وقلما يذكر اسم الصانع الذى صنع القماش، وعلى هذا النحو نجد على قطعة الكتان القليلة العرض (Inv Ar.Lin رقم 19 بمجموعة رينر Rainer) الموجودة فى فينا العبارة التالية مطرزة بالحرير الأحمر:"باسم اللَّه الرحمن الرحيم، بركة من اللَّه، نعمة وسعادة لعبد اللَّه جعفر الإمام المقتدر باللَّه أمير المؤمنين، أطال اللَّه بقاءه، مما أمر الوزير أبو أحمد العباس بن الحسن". انظر Papyrusprotokolle: J.v. Karabacek ص 38). ويوجد على طراز من أهم الطرز بمجموعة المنسوجات المحفوظة بدار الآثار العربية بالقاهرة والتى عثر عليها بالفسطاط (انظر Catalogue raisonne: Herz-Bey ص 271؛ E.Kuhnel: lsI، جـ 14، ص 83). الكتابة التالية: "بسم اللَّه، بركة من اللَّه لعبد اللَّه الأمين محمد أمير المؤمنين أطال اللَّه بقاءه، مما أمر بصنعته فى طراز العامة بمصر على يدى الفضل بن الربيع مولى أمير المؤمنين". والفضل بن الربيع هذا (ولد عام 140 هـ وتوفى عام 208 هـ) كان كما ذكر ابن تغرى بردى وزيرًا للخليفة هارون الرشيد أمين خزائنه. فلما توفى
هذا الخليفة استولى الفضل على خزائن المال وسلمها فى بغداد للأمين خليفة هارون الرشيد وحمل إليه فى الوقت نفسه شارات الملك، وهى العباءة والصولجان والخاتم مما جعل الأمين يبدى له مظاهر التكريم ويكل إليه إدارة شئونه. وتولى بصفته وزيرًا للأمين الإشراف أيضًا على صناعة المنسوجات الخاصة بالخليفة كما نتبين من الطراز الذى سبقت الإشارة إليه. وكذلك ذكر أيضًا اسم الفضل فى طراز كسوتين للكعبة كما جاء فى كتاب المقريزى الخطط، جـ 1، 181، 226؛ انظر Papyrusprotokolle: J.von Karabacek، ص 35 وما بعدها). ونذكر أيضًا فى هذا الصدد قطعة من الكتان من سامراء عليها كتابة مطرزة بالحرير الأحمر (انظر Isl.: E. Kuhnel، جـ 14، ص 87، رسم رقم 3) نصها كما يلى:
"بركة من اللَّه لعبد اللَّه الإمام المعتمد على اللَّه أمير المؤمنين أيده اللَّه؛ ما عمل بتنيس على يد يزيد مولى أمير المؤمنين"؛ ثم قطعة أخرى من إخميم على غرار ذلك وهى محفوظة الآن فى متحف القيصر فريدريك ببرلين (انظر E.Kuhnel كتابه المذكور، ص 85، رسم رقم 2) عليها آيات من القرآن فى الوسط وقد طرز فى أعلاها وفى أسفلها ما يلى:
"بسم اللَّه بركة من اللَّه لعبد اللَّه هارون أمير المؤمنين -صنعة مروان ابن هادى"(؟ ). ونذكر أخيرًا كتابة طراز من القرن الثانى عشر الميلادى على نسيج صقلى عربى ورد فى (Ornamente der Gewbe: F.Fischbach لوحة رقم 144 ، 145، ويعرف فى Regensburg باسم عباءة الإمبراطور هنرى السادس)، وقد كتب على الشريطين الأوسطين لهذا النسيج:"العز والنصر والإقبال" وخط فى وسط نجمة ثمانية الشكل: "عمل أستاذ عبد العزيز"(انظر Catalogue of Muhammadan Textiles: A.F.Kendrick ص 66).
على أن الذى يحدث فى معظم الأحوال هو أن تقتصر كتابة الطراز على اللقب التقليدى للحاكم دون اسمه مقترنًا أو غير مقترن ببعض صيغ السعد والإقبال، وقد يقتصر على هذه
الصيغ وحدها. وحسبنا هنا أن نذكر قليلا من الأمثلة على ذلك: هناك قطعة من الديباج محفوظة فى متحف دوكال Ducal ببرنزويك تتكرر عليها عدة مرات عبارة "عز لمولانا السلطان، خلد ملكه" ويفصل كل عبارة عن الأخرى بعض الوريدات (Seidenweberei: O.V.Falke جـ 2، رسم رقم 342). ويوجد على قطعة من الحرير محفوظة بدار الآثار العربية بالقاهرة عبارة: "عز لمولانا السلطان عز نصره"(انظر Catalogue raisonne: Herz-Bey ص 372). وعلى قطعة نسيج حريرى محفوظة بمتحف فيكتوريا وألبرت (Guest، مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1922، ص 405؛ A.F.Kendrick: Catalogue of Muhammadan Textilen ص 40) عبارة: "عز لمولانا السلطان الملك الناصر". وتتكرر عبارة "عز لمولانا السلطان" على قطعة نسيج من غرناطة محفوظة بالمتحف السابق ذكره (انظر Seidenweberei: O.V. Falke جـ 2 رسم رقم 372). ويظهر على الأنموذج المعروف المحفوظ فى بروكسل والذى يرجع عهده إلى القرن الحادى عشر الميلادى (Seidenweberei: O.V. Falke جـ 1، رسم رقم 172) عبارة: "العز الدائم والنصر والدولة لصاحبه "مطرزة على أجنحة الطيور فى كلا الجانبين من الأنموذج. ويرد جزء فحسب من هذه الصيغة وهو "العز الدائم" على النسيج الذى صنع فى الشام أو مصر (Inv. رقم 1235 - 1864 من متحف فيكتوريا والبرت: Guest فى مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1918، ص 264؛ Catalogue of Muhammadan Texliles: A.F.Kendrick ص 44" القرنان الحادى عشر والثانى عشر الميلاديان) وكثيرًا ما ترد عبارة "العز والنصر والإقبال" دون سواها (انظر Seidenweberei: O. v. Falke جـ 2، رسم رقم 339، 339، 240، 342؛ Catalogue of Muhammadan Textiles: A. F. Kendrick ص 66 لوحة رقم 21). ونجد عبارة: "نصر من اللَّه" على كثير من المنسوجات فى ذلك المتحف نفسه (Guest: مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1906، ص رقم 13 - 15؛ Catalogue of Muhammadan Textiles: A. F. Kendrick ص 14). ونجد صيغة: "العز لك، الإقبال، المجد" مطرزة
بالحرير الأحمر على قطعة من الكتان عليها شارة الملك محفوظة بدار الآثار العربية بالقاهرة (انظر Catalogue raisonne: Herz-Bey ص 274). ويوجد اللقب التقليدى للحاكم على نسيج محفوظ بمتحف القيصر فريدريك ببرلين موشى بأزواج من الأسود المجنحة، وقد كتب فى دوائر الحافة المزركشة: العادل، العالم، العاقل. وصفّت فى العوارض الوسطى لدوائر الأقسام عبارة "السلطان المظفر" بحيث تمثل شارة الملك (Seidenweberei: O. V. Falke جـ 2، ص 63، رسم رقم 363). ويوجد على نسيج محفوظ بمدينة دانزك يرجع تاريخه إلى القرن الرابع عشر عبارة: السلطان العالم (Seiddenweberei: O. V. Falke جـ 2، رسم رقم 358، 359)، ويوجد اللقب:"السلطان الملك" على قطعة من الحرير الإسبانى بمتحف الفنون والصنائع ببرلين (Seidenweberei: O.v. Falke جـ 2، رقم 377). ونجد على نسيج مفصل بدار الآثار العربية بالقاهرة كلمة السلطان مطرزة بخيوط من الحرير (Catalogue raisonne: Herz-Bey ص 273 وما بعدها.
وفى الختام نذكر القارئ بعبارات التقوى والورع التى تتألف منها فى كثير من الأحيان كتابات الطراز كله، ومن هذا القبيل نموذج ماسترخت ذى السبع، فقد كتب على صدر السبع عبارة الملك للَّه (Seidenweberei: O. V. Falke، جـ 1، رسم رقم 153). وعلى نماذج أخرى نجد عبارة الأمر للَّه، وهى تدل على المعنى السابق نفسه (المصدر المذكور، جـ 1، الشكلان رقم 187، 191). وهناك صيغة مألوفة هى "البركة الكاملة" صنعت فى صورة شعار على اليمين واليسار (O.v. Falke: Seidenweberei جـ 1، رسم 205) ويقتصر أحيانًا على عبارة "البركة" دون سواها (المصدر السابق جـ 1، رسم رقم 202). وتوجد صيغة "ما شاء اللَّه كان" على نسيج محفوظ بمتحف سارث كنسنكتن South Kensington، (Inv رقم 613 - 1892؛ Guest: مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1906، ص 399، Catalogue etc: A.F.Kendrick ص 18). وذلك بالإضافة إلى مجموعة من الصيغ الأخرى التى لم يصل إلينا منها إلا بقايا، ولكنها معروفة على أنسجة أخرى من المجموعة نفسها (المصدر السابق،
ص 396 وما بعدها). ولعل أجمل نموذج لهذا النوع هو الموجود بمتحف كلونى Cluny (Inv رقم 6526 وقد عثر عليه فى بايون Bayonne)، ويظهر فيه قسم من شعار الإسلام بالحروف منسوجًا نسجًا جميلًا على الاتساع. وتختصر فى بعض المناسبات هذه الكتابات بحذف بعض الحروف (انظر Die liturgischen Gewander: J.v. Karabacek ص 142 وما بعدها) ونزيد على ذلك أن تواريخ الكتابات توجد بين هذه الطرز، مثال ذلك: القطعة التى نشرها كست (مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1918 ص 407) من مجموعة إنكل كروس Engel-Gros وعليها البسملة والتاريخ وهو سنة 448 (انظر Catalogue etc.،: A.F.Kendrick ص 10، رقم 681 ولوحة رقم 6). وهناك قطعة أخرى عليها اسم الخليفة المعتضد تاريخها 282 وهى محفوظة فى متحف سارث كنسنكتن وقد نشرها أيضًا كست (مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1906، ص 391؛ وانظر Catalogue etc: A.F.Kendrick، ص 35؛ Les Collections de Musulman I'Orient: G. Salles and M. I. Rallnt ص 74).
سبق أن قلنا إن شرائط الطراز ذات الكتابات تماثل إلى حد ما أوسمتنا ورتبنا. فقد كان إهداء الأثواب المحلاة بهذه الطراز من حق من فى يده السلطان، وهو حق يماثل حقه فى إصدار السكة. ومن الثابت أن ستة إهداء مثل هذه الأثواب سنة درج عليها المشارقة من عهد سحيق. وقد جرى الفراعنة على أن يخلعوا على خدامهم المخلصين أثواب التشريف علاوة على العقود الذهبية وغير ذلك من الخلع النفيسة. وشاعت هذه السنة أول ما شاعت فى عهد الإسلام. فقد جرت العادة على أن تكون البراءة التى يقام بها كبار عمال الدولة فى مناصبهم مصحوبة بكسوة تشريف، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل كان هؤلاء العمال يتلقون أيضًا كسوة تشريف مرة على الأقل فى السنة. وكان المماليك وكبار عمال الدولة فى بلاط السلاطين المماليك يتلقون عادة كسوة تتناسب ورتبهم مرتين فى السنة، مرة فى الشتاء وأخرى فى الصيف (انظر Kulturgeschichte: A. v. Kremer جـ 3، ص 220 - 223، القلقشندى: صبح الأعشى جـ 4،
ص 55). ويذكر ابن جبير الرحلة، ص 94) أن الخطيب بالمسجد الحرام فى مكة -وغيره من المساجد الكبرى دون شك- كان يلبس ثوب سواد مرسومًا بذهب ومتعممًا بعمامة سوداء مرسومة أيضًا، وعليه طيلسان شرب رقيق، كل ذلك من كسا الخليفة التى يرسلها إلى خطباء بلاده" ومن ثم كان لباسه كسوة رسمية تمنح بمعرفة الحاكم.
وليس من شك فى أن ثياب الأمراء التى جروا على ارتدائها فى المناسبات الرسمية كانت بطبيعة الحال أكثر أُبهة، فقد كانت ثياب الفاطميين تتألف من أنسجة من دبيق ولباس رأس بحواش مطرزة بالذهب تقدم للأمراء من دار كسوة الخليفة. (انظر المقريزى: ويذكر القلقشندى فى كتابه صبح الأعشى (جـ 4، ص 52 وما بعدها) أن قسمًا من كسوة تشريف الأمراء كان عبارة عن قماش العمامة وقد طرز عليه اسم السلطان كما كان على الثياب نفسها كتابات من هذا القبيل.
ولم يكن بدعًا أن يحافظ الخلفاء على هذا الامتياز الهام من امتيازات الملك وأن يحيطوه بكل الضمانات خشية استعماله فى غير وجهه، ويتبين لنا مدى الأهمية التى كانوا يولونها الطراز وإعداده مما جاء فى وصية هارون الرشيد (180 هـ) فى القسم الخاص بجعل إقليم خراسان للمأمون، فقد نص فيه على دور الطرز بصفة خاصة إلى جانب الخراج والبريد وبيوت المال (انظر الأزرقى: أخبار مكة، ص 162 - 166) وذكر اسم الحاكم فى الطراز دليل على سلطانه كما هو الشأن فى الخطبة. وكان أول شئ فعله المأمون عندما خرج على أخيه الأمين أن حذف اسم الخليفة من كتابات الطراز. (ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، جـ 1، ص 544، وانظر فقرات أخرى وردت فى Papyrusprotokolle: J. v. Karbacek ص 25) وكان إذا تولى الحكم خليفة جديد أثبت اسمه فى كتابات الطراز. ولم يؤخذ بذلك فى كتابات المنسوجات وكساوى التشريف فحسب، جل أخذ به أيضًا فى لفافات أوراق البردى (انظر Corpus Pap. Raineri قسم 3 جـ 1/ 2، رقم 150، 158؛ ص 145 وما بعدها 153 وما بعدها). وكثيرًا ما كان يذكر
اسم الوزير فى مثل هذه الحالة الأخيرة، وذلك فى المراسم، ولكن قلما كان يذكر اسمه فى كتابات الطراز على كساوى التشريف، فإن ذكر كان تقديرًا خاصًا للوزير، مثال ذلك أن الخليفة الفاطمى العزيز باللَّه وضع اسم وزيره يعقوب بن يوسف بن كلسّ المتوفى عام 380 للهجرة على كتابات الطراز (انظر المقريزى: الخطط، جـ 3، ص 6، س 15، ص 384). ومن هذا القبيل ما فعله الخليفة الفاطمى المستعلى باللَّه (1094 - 1101 م) فقد سمح بذكر اسم وزيره الأفضل فى الطراز كما يتبين من كتابة الطراز على النسيج المحفوظ بمكتبة الفاتيكان (انظر Papyrusprotokolle: J. v. Karabacek ص 39)؛ ولكن اسم الوزير فى هذه الحالة كان يعقبه عبارة تضاف إلى الكتابة وهى "باسم الإمام" مراعاة لسلطان الحاكم. والحق إن كبار عمال الدولة قد احتفظوا فيما بعد بدور للطراز خاصة بهم. وشاهد ذلك أن على ابن أحمد الراسبى (المتوفى عام 130 هـ) الذى كان واليًا على جميع البلاد بين واسط وجنديسابور وبين السوس وشهرزور، وقد احتفظ بما لا يقل عن ثمانين دارًا للطراز كان ينسج بها القماش الخاص به (ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، جـ 2، ص 192؛ A.v.Kremer: Kulturgeschichte جـ 2 ص 193). ونجد على قطعة حرير من مصر (القرنان الحادى عشر - الثانى عشر للميلاد) محفوظة بمتحف فيكتوريا وألبرت (Guess: مجلة الجمعية الأسيوية الملكية سنة 1906، ص 394؛ A.F.Kendrick: Catalogue of Muhammadan Textiles ص 43 ما بعدها)، عبارة "السيد الأجل يمن الدولة أبو يمن أطال اللَّه بقاءه". وتوجد على قطعة الحرير الفاخرة المحفوظة بمتحف اللوفر (وهى التى نشرها Syria: G. Migeon جـ 3، سنة 1922، ص 41 - 43) عبارة "عز وإقبال للقائد أبى منصور نجتكين أطال اللَّه بقاءه".
غير أن حقوق الخليفة فى السيادة لم تكن تتجلى فى كتابات الطراز على الملابس فحسب، بل إن الحق فى كسوة الكعبة فى الأصل من اختصاصات الخليفة دون غيره (انظر القلقشندى: صبح الأعشى جـ 4، ص 57). وكان العباسيون يرسلون كل عام الكسوة من
بغداد إلى مكة، وكانت هذه الكسوة تصنع فى كثير من الأحيان بمصر؛ وقد انتقل هذا الواجب إلى ولاة مصر. وكانت الكسوة فى زمن القلقشندى تنسج فى مشهد الحسين من الحرير الأسود وعليها كتابات بيضاء. وفى آخر عهد الظاهر برقوق كانت الكتابات باللون الأصفر المذهب. وقد قام كاراباسك J.v.Karabacek بإعداد مجموعة من هذه الكتابات (انظر Papyrusprotokolle ص 35 - 39) نستدل منها على أن الكسوة كانت تصنع بأمر مباشر يصدره الخليفة للوالى، ويشرف على هذا العمل أمين مال هذا الوالى، الذى كان يقوم بنفسه على دار الطراز، أو تصنع بأمر يصدر من وزير الخليفة (انظر ما سبق) ومما يجدر ذكره أن من بين النصوص التى أوردها كارباسك طراز ثائر علوى فى عهد المأمون (الكتاب المذكور، ص 37 وما بعدها)، ونذكر هنا أيضًا باختصار صيغ الإهداء التى وضعها الخليفة المعز الفاطمى سنة 353 هـ على الرياش الحريرى المختلف الأشكال وهو الذى وصفه المقريزى (الخطط، جـ 1، ص 417، س 12 وما بعده؛ انظر أيضًا Uber einige Benen.ungen Mittelalterlicher Gewbe: J.v. Karabacek ص 33) وهذه الصيغ تكون فى حالات كثيرة هى الصيغ المألوفة التى تطرز بها المنسوجات كما نتبين من ملاحظات الكسائى التى أوردها البيهقى (كتاب المحاسن والمساوئ، ص 499). ويجب أن نوجه عناية خاصة إلى ما كان من صلات لا يمكن إنكارها بين كتابات الرنوك على عهد سلاطين المماليك (انظر Das Schrifiwappen der Mamluken sultane، Jahrb. d، Asiat. Kunst: L. A. Mayer سنة 1925، ص 183 - 187) وبين الصيغ المختلفة المألوفة لكتابات الطراز، مثال ذلك العبارة التى تتردد كثيرًا:"عز لمولانا السلطان الملك. . الخ عز نصره".
إن الترتيب المتواتر للصيغ القصيرة الشبيه بترتيب صيغ الرنوك مثل "البركة الكاملة"، وهى الصيغ التى توضع معًا واحدة إلى اليمين والأخرى إلى اليسار كما ترتب صور الحيوان على شعارات السلطنة (مثال ذلك النسر المزدوج) توحى بحدوث ضرب من
التطور الرنكى فى صيغ الطراز أيضًا، وخاصة عندما يوضع لقب الحاكم فى بعض الأحيان داخل إطار على المنسوجات أو فى الشريط الأوسط للدرع المحيطة التى تشبه شارة السلطنة (انظر Seidenweberei: O.v. Falke جـ 2، رسم رقم 463) وقد أشرنا من قبل إلى أن إعداد الأقمشة والكساوى التى يحتاج إليها رجال البلاط وكبار عمال الدولة، يضاف إلى ذلك كسوة الكعبة، لم يكن يترك فى أيدى أفراد وهيئات خاصة، وإنما كان من عمل مصانع الدولة التى كان إنتاجها فى كثير من الأحيان على نطاق واسع. وكانت مصر فى طليعة الجهات التى تقوم بصنع الأقمشة الكتانية كما كانت تضرب بسهم وافر فى صنع الأقمشة الحريرية. وكان نسج الكتان بصفة خاصة مركزًا فى الدلتا. وكانت تنيس وتونة ودمياط والإسكندرية هى المراكز الكبرى لهذه الصناعة. ونضيف إلى هذه البلدان أيضًا: دبيق، وبنشا، والفرما، ودُمَيره (بمركز شربين وليس دمَيره كما يذكر جوبير Jaubert). وتنتج تنيس مثل دمياط منسوجات كتانية رقيقة على غرار ما كان يعرف باسم دبيق وشرب كما كان يعمل بها الثياب الملونة والفرش البوقلمون (انظر ياقوت: معجم البلدان، جـ 1، ص 882). وكانت هذه المنسوجات تباع بأسعار مرتفعة، فالثوب المطرز بالذهب بألف دينار، والثوب غير المطرز بين 100 و 200 دينار (انظر الإدريسى، جـ 1، ص 320).
ويذكر ابن عبد ربه فى كتابه العقد الفريد (جـ 3، ص 362)، أن فى تينس، التى كان بها خمسة آلاف مغزل، مصنعا يعمل من أجل الخليفة، ويؤيد ذلك الكتابات التى أوردها المقريزى فى كتابه الخطط (جـ 1، ص 181) والتى كانت مطرزة على كساوى الكعبة (انظر Papyrusprotokelle: J.v. Karabacek ص 35)، كما تؤيده المنسوجات المذكورة آنفا الواردة من سامراء. ويذكر ناصر خسرو أن تنيس كانت تصنع بصفة خاصة أقمشة القصب الملونة المستخدمة فى صنع العمائم والقلانس وملابس النساء، وأن الثياب التى كانت تصنع فى مصانع السلطان لم تكن تباع
للأفراد؛ فقد أرسل أمير فارس عشرين ألف دينار لشراء رداء من تنيس مصنوع من هذه الثياب الثمينة المخصصة للسلطان ولكن وكلاءه لم يحصلوا على شئ منها. وقد كان من خصائص الصناعة فى تنيس "البدنة" التى كان لا يستخدمها إلا الخليفة، وهى رداء يخرج من المغزل كاملا لا يتطلب تفصيلا أو خياطة (انظر Catalogue raisonne: Herz-Bey ص 268 - 266؛ Die Renaissance des Islams: A.Mez، ص 433). وبلغت صادرات الأقمشة المصنوعة فى تنيس مبلغًا كبيرًا، فقد وصلت قيمتها حتى عام 360 هـ ما بين 20 و 30 ألف دينار سنويًا. وكانت قرية تونة التابعة إداريًا لمركز تنيس تصنع هذه الأقمشة نفسها وكذلك كساوى الكعبة (المقريزى: الخطط جـ 1، ص 181؛ J.v. Karabacek؛ الكتاب المذكور، ص 36)، وكان بها أيضًا دار للطراز. ولم تكن دمياط تنتج هذه الثياب الكتانية مثل تنيس فخسب، بل كانت تصنع أيضًا الثياب الكتانية البيضاء اللون، وكذلك الثياب الحريرية المذهبة والثياب المعروفة باسم الثياب البلخية (انظر على بن داود الخطيب الجوهرى، مخطوط: A.F رقم 282، ورقة رقم 69 أ؛ وانظر كذلك Culturgeschichte: A.v.Kermer جـ 2، ص 289) وغير ذلك من المنسوجات. وكانت شطا تصنع أيضًا الكساوى والأقمشة المعروفة باسم الثياب الشطوية (المقريزى: الخطط، جـ 1. ص 226، س 5 وما بعده). ونحن نعرف أن هذه الكساوى كانت تصنع فى دار للطراز ملك للدولة، نستدل على ذلك من كتابة الكسوة التى ذكرها المقريزى (انظر Papyrusprotokolle: J. v. Karahacek ص 36)، أما من حيث الثياب المعروفة باسم الثياب الشطوية فلا نعرف على التحديد أين كانت تصنع. ونجد فى ورقة من أوراق البردى بمجموعة رينر (Rainer رقم 849 فى Ausstellunge؛ انظر Fuhrer: J.v.Karabacek ص 227) إشارة بالسطر السادس إلى لباس للرأس من شطا (منديل شطوى معلم) يساوى عشرين قيراطا من الذهب. وهذا الثمن يعد مرتفعًا إلى حد ما لأن أقمشة شطا ودبقو (دبيق) ودميرة لم تكن فى رقة أقمشة تنيس (الإدريسى، ص 320).
وكانت الصناعة التى تتم فى هذه البلدان على أيدى النساجين القبط تخضع لرقابة دقيقة من الدولة (المقدسى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3 ص 213؛ وانظر Die Renaissance des Islams: A.Mez ص 118؛ Islamstudien: C.H.Becker ص 184) تبدأ منذ قيام النساج بالعمل على نوله. وكان يختم على هذه المنسوجات بختم السلطان، ونحن نعرف شكل هذه الأختام من الختم الأحمر الموسومة به قطعة الكتان (Inv. Ar. Lin رقم 1) بمجموعة رينر Rainer المكتوب عليها "الملك المعز" (انظر Corpus Pap: Rained جـ 3، السلسلة العربية جـ 1، قسم 1، ص 59 وما بعدها، رسم رقم 2)؛ ولا تباع "إلا على يد سماسرة قد عقدت عليهم، وصاحب السلطان يثبت ما يباع فى جريدته، ثم تحمل إلى من يطويها، ثم إلى من يشدها بالقشى [ولعله ورق البردى الغليظ] ثم إلى من يشدها فى السفط، وإلى من يحزمها، واحد منهم له رسم يأخذه، ثم على باب الفرضة يؤخذ أيضًا شئ. وكل واحد يكتب على السفط علامته" وهذا العمل كله لا يدل دلالة قوية على أنه كان هناك مصنع حكومى يقوم بعمل هذه الثياب، بل إنا لنميل إلى القول بأنه كان فى الدلتا على الأقل صناعة تمارس فى المنازل الخاصة، والراجح أنها كانت تقوم جنبًا إلى جنب مع المصانع الحكومية. وكان نصيب العمال من هذه الصناعة يبعث على الأسى، فالنساء تغزلن والرجال ينسجون، وهم الذين يستأجرون أماكن العمل، وكان أجر الفرد منهم نصف درهم كل يوم وهو مبلغ لا يكفى للوفاء بأقل الحاجات الضرورية للمعيشة. وكانت الأجور فى مصر كلها منخفضة جدًّا. وكانت الثياب الحريرية والديباج والابريسم تصنع بصفة خاصة فى الإسكندرية، وكذلك الثياب الكتانية الرفيعة المعروفة باسم "الشرب" كما كانت هذه الثياب تصنع أيضًا فى تنيس، ودمياط، وشطا (انظر Culturgeschichte: A.v. Kremer جـ 1، ص 353) وكانت الاسكندرية تشتهر حتى فى الأزمنة الرومانية بأنها مركز لنسج الحرير كما كان فى البلاط البوزنطى بها مساكن للنساء يقمن فيها بإعداد الثياب. ولم تكن مادة الثياب
المصنوعة خلال العهد الإسلامى فى جودة الثياب التى كانت تصنع فى العهد السابق ولطفها، ولكن الاسكندرية فى القرنين الثالث عشر والرابع عشر كانت تزود بوزنطة والبابا فى رومة بالثياب (Seidenweberei: O.v. Falke جـ 1، ص 48، 51، 110) وجرت عادة الكثيرين من البابوات على إهداء الكنائس منسوجات جميلة عليها رسوم تمثل الفرسان وكانت دور الطراز الحكومية فى تنيس والاسكندرية ودمياط تصنع بصفة خاصة ثياب الخلفاء الفاطميين (المقريزى: الخطط، جـ 21 ص 413؛ القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 3، ص 476 Geographie: F.Wustenfeld ص 175 وما بعدها) وخلفائهم. ويذكر أبو الفداء فى كتابه "تاريخ الخميس"(جـ 4، ص 101) أن دار الطراز بالإسكندرية كانت تعمل لسد حاجات الحاكم الشخصية (للخاص الشريف؛ انظر 1070 Die Liturguschen Gewander: J.v.Karabacek ص 195). واشتهرت دبيق بثيابها الكتانية ونسيج العمائم، وكانت تصنع الستائر لتغطية عرش الخلفاء الفاطميين إبان الاحتفالات (القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 3، ص 499). وكثيرًا ما يرد ذكر منسوجات دبيق فى الكتب، وخاصة فى المقريزى، وقد توطدت هذه الصناعة هناك منذ القدم. ويوجد بالمتحف النمساوى حزام من العهد القبطى عليه زركشة ثمينة وعلى حافته خطت كلمة وهو الاسم القبطى لمدينة دبيق (انظر Die Theodor Graf. schen Funde: J.v. Karabacek رقم 427). ولا نعرف عن مدينة بنشا الصناعية إلا القليل. ونجد على قطعة طراز حريرى موشاة بالأسود من مجموعة رينر (Inv.Ar.Lin رقم 18، وقد نشرها J.v.Karabacek فى Papyrusprotokolle ص 39) الكتابة الآتية: "هذا مما أمر بعمله فى طراز الخاصة بنشا" ونستخلص من هذا أنه كان هناك دار لصنع الثياب الحريرية تزود الخليفة دون سواه بحاجته، وكانت هذه الدار من أملاك الدولة؛ ونحن نعرف أيضًا اسم هذه المدينة من أوراق البردى. واشتهرت مدينة الأشمونين بالصعيد إلى جانب الفيوم بصناعة المنسوجات (انظر الإصطخرى. المكتبة الجغرافية العربية،
جـ 2، ص 58؛ ابن حوقل: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2، ص 105؛ الإدريسى، جـ 1، ص 124 Culturgeschichte: A.v.Kremer جـ 1، ص 353) كما اشتهرت تخا بالمنسوجات الصوفية (انظر Renaissance des Islams: Mez ص 432). وكان للبهنسا مركز خاص، إذ كان يصنع بها منسوجات ثمينة كما يقول الإدريسى (جـ 1، ص 128) تحمل اسم المدينة وتخصص للحاكم وكبار عمال الدولة، كما كان يصنع بها ثياب من الأنواع العادية. وكان القماش يقسم إلى قطع طول الواحدة منها ثلاثون ذراعًا، ويبلغ ثمن الزوج منها مائتى دينار. وكانت كل قطعة من هذه الأقمشة من الصوف أو من القطن، رخص ثمنها أو غلا، تحمل الاسم الدال على نوعها، وبذلك كان المشترى يعرف نوع ما يشترى. ولدينا بعض المعلومات عن الأثمان استقيناها من ورقة من أوراق البردى محفوظة بمجموعة رينر (Ausstellung: Rainer رقم 849) نستدل منها على أن قماش العمامة الطويل من صنع البهنسا (منديل بهنسى طويل) كان يساوى قيراطًا من الذهب. ومما يؤسف له أن الإدريسى لم يقل لنا هل كان القماش المخصص لرجال البلاط يصنع فى دار للطراز أو فى دار خاصة. وقد ذكر على بن داود الخطيب الجوهرى (A.F رقم 282، ورقة رقم 91 ب) عبارة "طراز سعيد"، ولكنه لم يذكر مكان هذا المصنع الحكومى من مصر العليا. وفى دار الكتب المصرية بالقاهرة (سجل رقم 96، 103) ورقتان من أوراق البردى تلقيان ضوءًا على هذه المسألة، فقد ورد فيهما وصف لشخص يدعى رماح بن يوسف بأنه "المتوكل بطراز أشمون وأنصنا"، ونتبين من ذلك أن هذا الرجل هو الذى كان يدير دار الطراز فى أشمون وأنصنا ويجمع فى إدارته بينهما، ومن ثم يمكن القول بأن هاتين الكورتين كانتا فى الأصل منفصلتين ثم ضمتا من بعد وأصبحتا كورة واحدة (انظر Papyri Schott-Reinhardt: C.H. Becker جـ 1، ص 20) وكان بالقاهرة (الفسطاط) فى عهد العباسيين دار عامة للطراز (طراز العامة بمصر) كما نتبين من قطعة القماش التى أسلفنا ذكرها، المحفوظة بدار الآثار العربية بالقاهرة. وواضح
أن صفة "العامة" هنا تقابل صفة "الخاصة" التى تدل على أن المصنع يعمل من أجل الخليفة وحده. وليس معنى هذا أن دار القاهرة قد أصبحت فى عهد الأمين منشأة خاصة بحتة، بل يمكن أن نقول إنها كانت فى الوقت نفسه منشأة حكومية تزود الأفراد بما يلزمهم علاوة على تزويد رجال البلاط بما يحتاجونه. ولا نستطيع فى أية حالة من الحالات أن نقطع على وجه اليقين برأى فى مسألة ملكية المصنع. ولا نستطيع أن نتصور -كما هو شأننا عادة حتى هذا الوقت تمشيًا مع كاراباسك Karabacek- أن الخليفة كانت له الرقابة المطلقة على هذه المصانع.
وإذا كان الأمويون والعباسيون قد عنوا عناية كبيرة بصناعة منسوجات الطراز ومراعاة الحقوق المتصلة بها، فإن أهمية هذه المنسوجات قد ازدادت فى عهد الفاطميين الزاهر، كما يتبين من رواية المقريزى عن ابن الطوير الذى كان على دراية تامة بهذا الموضوع (الخطط، جـ 1، ص 469). فقد كان إلى جانب مصنع الدولة الشهير بالاسكندرية المسمى دار الطراز، مصنع آخر بالقاهرة يحمل الاسم نفسه، وقد أنشئ فى عهد خلفاء الخليفة العزيز باللَّه باسم الوزير أبى الفرج يعقوب بن يوسف بن كلِّس المتوفى عام 380 هـ (911 م) وكان يعرف أيضًا باسم دار الديباج، لأن الديباج كان يصنع به (المقريزى: الخطط، جـ 2، ص 104، س 25 وما بعدها). وكان على رأس الإدارة فى هذه المصانع الحكومية دائما موظف من رتبة عالية يختار من رجال الفقه أو الحرب، وكان الخليفة يخصه بالرعاية والتقدير؛ ويباشر عمله وتحت إمرته هيئة مختارة من الموظفين تنقل منتجات دور الطراز وتتخذ الوسائل اللازمة لهذا النقل. وكان هذا الموظف حين يصل إلى البلاط ومعه المنسوجات اللازمة للخليفة، ومن بينها المظلة والحلل التى تسمى "بدلة" و"بدنة" وثياب الخليفة الخاصة، يستقبل بأعلى مظاهر التشريف، ويوضع فى خدمته طوال مدة إقامته جواد من حظائر الخليفة. وكانت منازله بالمدينة تقوم فى منظرة الغزالة على شاطئ الخليج قبال
باب جامع ابن المغربى الذى كان قد تهدم فى عهد المقريزى، وكان يلقى من الضيافة ما يلقاه المبعوثون الأجانب. وكانت أحمال المنسوجات الثمينة حين تجلب إلى مقر الخليفة يمثل صاحب الطراز بين يديه ويعرض عليه جميع ما معه وينبهه إلى كل قطعة من المنسوجات أحضرت إلى قصره بيد حاجبه الخاص، فإذا انقضى عرض ذلك سلم لمستخدم الكسوات، وخلع عليه بين يدى الخليفة باطنًا ولا يخلع على أحد كذلك سواه، ثم ينكفئ إلى مسكنه. وكان من الجائز أن ينوب عن مستخدم الكسوات فى أوقات معينة ابنه أو أخوه. وكانت رتبة صاحب الطراز عظيمة، وكان يتقاضى راتبًا، سبعين دينارًا فى الشهر ويتقاضى نائبه عشرين دينارًا. وكان هذا النائب يتولى عنه ذلك حين يشخص هو إلى تسليم هذه الثياب والكساوى، كما كان يشهد نيابة عنه شد الاسفاط. وكان صاحب الطراز حين يجلب المظلة وما يليها من خاص الخليفة إلى مجلس دار الطراز يقف الحاضرون أثناء هذا الحفل وهو جالس فى رتبته ونائبه واقف على رأسه خدمة لذلك (انظر أيضًا: القلقشندى صبح الأعشى، جـ 3، ص 476؛ Wustenfeld: Geographie ص 175 وما بعدها).
وقد ذكرنا فيما سبق أن دور الطراز كانت تدر على الدولة مبالغ كبيرة بفضل منتجاتها النفيسة. ومما هو جدير بالذكر أن مدن تنيس ودمياط والأشمونين قد استطاعت أن تؤدى من بيوت مالها سنة 363 هـ: 200 ألف دينار لخزينة الدولة فى يوم واحد، وذلك فى عهد الوزير الفاطمى ابن كلس (المقريزى: الخطط جـ 2، ص 6). وكان المصروف على خيوط الذهب يبلغ عادة 31 ألف دينار، وقد بلغ فى عهد الآمر بأحكام اللَّه 34 ألف دينار (المصدر المذكور، جـ 1، ص 469)، والظاهر أن الأمور قد تبدلت بعض الشئ فى عهد سلاطين المماليك، إذ نجد ابن خلدون -على الأقل- يذكر (جـ 1، ص 323) أن المنسوجات وثياب الطراز لم تعد تصنع فى المصانع ودور الطراز فى القصر، فقد أوقفت الدولة إنتاجها فى منشآتها الخاصة، وأصبحت تطلب حاجتها، التى اقتصرت على الكساوى المنسوجة من
الحرير والذهب الخالص، من بيوت النساج.
ولم يكن نظام مصانع الطراز الملكية مقصورًا بطبيعة الحال على مصر وحدها بل كانت هذه المصانع موجودة أيضًا فى غيرها من الأقطار. فإذا اتجهنا غربا نجد مصنعا منها فى بالرمو بصقلية، حتى أن ابن جبير يذكر فى رحلته (ص 329) اسم طرّاز كان يعمل فى "طراز الملك" وهو الاسم الذى عرف به المصنع الملكى. ولا تزال العباءة التى نسجت لروجر الثانى سنة 528 هـ. (1133 م) هى أهم قطعة تشهد بنتاج هذا المصنع؛ ثم نذكر ثوب التتويج الذى صنعته الخزانة الملكية النمسوية؛ وقد أطلق على هذا المصنع فى كتابات هذا الطراز اسم "خزانة الملكية" (انظر Kleinodien: F.Beck ص 29)، وكان ينتج (أى الملكى regium ergasterium) المنسوجات الحريرية اللطيفة حتى القرن الثالث عشر الميلادى (انظر Seidenweberei: O.V.Falke جـ 1، ص 119، 121). وكان بمدينة المرية من أعمال الأندلس ثمانمائة مغزل فى زمن الإدريسى تصنع الثياب الحريرية الثمينة والسقلاطون (أى الثياب المنسوجة بخيوط الذهب) والثياب المنسوجة بخيوط الفضة من طراز ثياب جرجان وإصفهان، وكانت هذه المدينة تعد أهم مركز لهذه الصناعة؛ على أننا نذكر أيضًا مدن: مرسية وإشبيلية، وغرناطة، ومالقة. وكان فى هذه المدينة دار لصنع ثياب الديباج المطرزة بالذهب (Uber einige Benenungen Mittelalterlicher Gewebe: J.v. Karabacek ص 6؛ Beitrage: M. J. Muller ص 5؛ Geschichte der liturg. Gewander: F.Bock ص 39 وما بعدها). وكان بآسية الصغرى دار طراز فى بلاط السلاجقة، ومن منتجاته قماش الديباج المطرز بالذهب الموجود بمتحف المنسوجات بمدينة ليون، وكتابة طرازه عليها اسم السلطان كيقباذ بن كيخسرو (1219 - 1236 م). وقد أشاد ماركوبولو (انظر Sidenweberei: O.v. Falke جـ 1، ص 206)، بصناعة سكان الدولة السلجوقية من الروم والأرمن الذين صنعوا أحسن السجاجيد والثياب الحريرية الثمينة. واشتهرت دمشق وأنطاكية من أعمال الشام بمنسوجاتهما
(انظر O.v. Falke، كتابه المذكور، جـ 1، ص 108؛ Die Liturg. Gewander: J.v. Karabacek ص 196) وكانت بغداد من أعمال العراق من أهم المدن فى هذا الميدان، وقد اختصت بعمل الثياب البيض المروية نسبة إلى مرو (ابن الفقيه: المكتبة الجغرافية العربية. جـ 5، ص 252) ولكنها كانت تصنع أيضًا الثياب الحريرية وثيابًا من الديباج كثيرة التطريز اشتهرت فى أنحاء الغرب باسم Baudekinus أو Baldachinus (O.V. Falke: كتابه المذكور، جـ 1، ص 108). ويمكن أن نرجع صناعة غزل الحرير فى بغداد إلى جالية من النساجين قدمت من تستر واستقرت هناك منذ منتصف القرن العاشر على الأقل (Uber einige Benennungen mittelalterlicher Gewebe: J.V. Karabacek، ص 28). ونجد على قطعة من الحرير نشرها كندرك (A.F. Kendrick فى Burlington Magazine جـ 49، ص 261 - 267) كتابة الطراز الآتية فى أعلى القطعة (طرزت مرتين كما هى الحال فى شعار الملك): "البركة من اللَّه واليمن و [. . . " وفى أسفلها على هذا النسق خط: "بصاحبه أبى نصر مما عمل فى بغداد". وهذا بعض مما كان يصنع فى بغداد، ويحتمل أن يكون من نتاج مصنع حكوص للطراز. ومهما يكن من شئ فقد استورد البلاط كميات كبيرة من مصر، ولكن التصدير كان ممنوعًا فى مصر على عهد الفاطميين (Die Renaissance dss Islams: A. Mez ص 433).
والظاهر أن تقدم صناعة غزل الحرير فى فارس بدأت حين نقل سابور الثانى عمالا من الجزيرة، ومن آمد وغيرها من الأقاليم الرومية إلى السوس وتستر وغير ذلك من بلدان الأهواز (انظر المسعودى: مروج الذهب، جـ 1، ص 124). وكان فى إقليم فارس، الذى اشتهر بغزل الكتان، مصانع مثل التى كانت فى مصر تعمل للحاكم وللتجارة مثل مصانع فسا، فى حين كان للحاكم مصانعه الخاصة فى شينيز وجنابة والغندجان (ابن حوقل: المكتبة الجغرافية العربية جـ 2، ص 213 وما بعدها Susandschied: J.V. Karabacek ص 106 وما بعد ها؛
الإدريسى، جـ 1، ص 391، 399 وما بعدها). وأصبحت كازرون "دمياط فارس" من بعد المركز الرئيسى لصناعة الكتان حوالي عام 500 هـ (بداية القرن الثانى عشر للميلاد). وكانت هذه الصناعة تخضع لرقابة شديدة حتى أن قناة رهبان ذات الشأن فى صناعة الغزل ونقل منتجاته بعد تمام صنعها، كانت من أملاك خزانة الملك لا يعمل بها إلا النساجون الذين يصنعون ثياب الأمير، وكان الإنتاج هنا أيضًا تحت رقابة الدولة (انظر Dip Renaissance des Islams: A. Mez ص 434). لم تكن خوزستان Suciana أقل شهرة من فارس بوصفها مركزا لغزل المنسوجات. وكان فى تستر، حيث تصنع الثياب الحريرية والديباج والأبريسم والمخمل وشيلان العمائم والستائر وأقمشة الخز الثقيلة، مصنع حكومى على رأسه مدير (صاحب) وكانت ستائر الكعبة تعمل من الديباج المصنوع هناك، ثم يرسلها بلاط بغداد كما رأينا، ومن ثم ندرك أهمية الملاحظة التى أوردها ابن حوقل (المكتبة الجغرافية العربية جـ 2، ص 175) وهى أن كل من حكم العراق كان له طراز وصاحب فى تستر (انظر أيضًا Uber einige Benenungen mittelalterlicher Gewebe: J.v. Karabacek، ص 30 - 32). وكان نسيج الكسوة يصنع فى العراق أيام الإدريسى (نزهة المشتاق، جـ 1، ص 383). ولم تكن مدينتا السوس وقرقوب أقل شأنا من تستر. فقد كان فى السوس دار حكومية للطراز تصنع بها منسوجات الخز والكتان الرفيع (الإصطخرى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 416). وكان يوجد أيضًا "طراز للسلطان" فى قرقوب حيث كان يصنع به -كما كانت الحال فى سوس- الحلل الملكية والديباج الثمين، والأقمشة المخططة، وقد نسبت دار الطراز إلى هذه المدينة (الاصطخرى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 1، ص 93؛ ابن حوقل: المكتبة الجغرافية العربية جـ 2، ص 175؛ الإدريسى، جـ 1، ص 383 وما بعدها؛ Susandschird: J.v. karabacek ص 107) ونذكر أخيرًا أنه كان فى
سجستان أيضًا دار للطراز تعمل للوالى وكانت تصنع بها كساوى التشريف التى كان يسخو الوالى فى إهدائها (معجم البلدان لياقوت، جـ 3، ص 458).
وليس ثمة قول فى أصل الطراز نستطيع أن نجزم به على وجه التحقيق؛ وقد حاول كاراباسك (Papyrusprotokolle: J.v.Karabacek ص 27) أن يرجع أصل الطراز إلى أثر أجنبى رجح أنه أثر بابلى أشورى، بل هو قد ذهب إلى القول بأن وجود كثير من دور الطراز فى فارس تحتكرها الدولة وإقامة خزائن الكسوات الكبرى، يمكن أن يؤخذا على أنهما سنة ملكية ورثت عن الساسانيين (Uber einige Benennungen mittelalterlicher Gewebe ص 20) والظاهر أن كاراباسك Karabacek قد أصاب فى استشهاده بقول ابن خلدون (جـ 1، ص 222) أن ملوك الفرس قبل الإسلام قد وضعوا صور الملوك أو الرسوم والصور التى رسمت خصيصًا لهذا الغرض على الطراز الذى توشى به الثياب وأن الحكام المسلمين قد استبدلوا بهذه الصور والرسوم كتابات بأسمائهم وعبارات يتفاءلون بها. وقد أشار كاراباسك أيضًا إلى أن المسلمين قد تأثروا فى ذلك بالروم فقد وجدوا عند هؤلاء الطراز الذى انتقل إليهم من المصدر نفسه. ويربط إبراز (Cicerone: G.Ebers جـ 1، ص 205) أيضًا بين الطراز والشعار الرومانى القديم Clavus (1) . ويرى فالكه (Seidenweberei: O.v.Falke جـ 1، ص 77)، أن النمط الأصلى قد قلده الفرس أيضًا فى القرنين الخامس والسادس للميلاد على رداء يزدجرد المشهور (قبل عام 640 م؛ انظر Falke جـ 1، ص 83 والرسم رقم 105) فقد كان رداء هذا الملك العظيم يشتمل على المخطوط المطرزة المأثورة عن النمط الأصلى، وهى التى تتجه إلى أسفل من الكتف والظهر، وهو ما نشهده كثيرًا فى القمصان المصنوعة فى أخميم. ويرى فالكه Falke أن نقل الأنموذج الأصلى من الغرب ووضعه على القميص يعد
(1) Clavus: شريط أو شعار رأسى أرجوانى يوضع على قميص كان يرتديه أعضاء مجلس الشيوخ الرومان الأولون وفرسان الرومان القدماء شارة تدل على رتبهم.
دليلا على قيام طراز فارسى جديد، على أن مقارنته بالنسيج الساسانى الشهير المطرز بصورة الفارس المحفوظ بمتحف الفنون والصناعات ببرلين Berlin Kunstgewerbe-Museum (Falke جـ 1، صورة رقم 107) تثير بعض الشكوك فيما يقال من استعارة الأنموذج الأصلى على كساوى رجال البلاط الفارسى وذلك حين نرى كيف عبر الفنان عن هذا الأنموذج الأصلى تعبيرًا مضطربًا بعيدًا عن الروح الرومانية. ولربما كان ثمة صلات بين هذه النماذج لم نتبينها بعد فى صورتها الكاملة، ولكن مما هو جدير بالملاحظة أن الشعار الرومانى القديم (Clavus)، وهو شارة رجال مجلس الشيوخ والفرسان الرومان، يمكن أن نرجعه آخر الأمر إلى أصل إترورى (انظر مادة Clavus، فى Paulywissowa Real-Encykl، جـ 7، عمود 4 وما بعده) ومن ثم فإن القول بأصل شرقى لهذا النظام المشهود لا يمكن استبعاده استبعادًا تامًا. وقد ظلت آثار الشارات الرومانية القديمة (Clavi) باقية حتى عهد متأخر فى الشكل الخارجى لحوافى الطراز. وهكذا نجد أن القطعتين رقم 921 و 922 من العهد الأيوبى والمملوكى، وهما اللتان نشرهما كندريك (A.F.Kendrick فى Catalogue of Muhammadan Textiles، لوحة رقم 7) لا يزالان يفصحان عن الشكل الأصلى نفسه كما هى الحال فى المنسوجات القبطية، وإن كانت الزخرفة تختلف بعض الشئ (انظر Seidenweberei: O.V. Falke جـ 1، شكل رقم 26) بل إن ما جرى عليه العرف الشائع فى حوافى الطرز الإسلامبة من وضع صورة أو شريط حلية بين صفين من الكتابات نجده أيضًا على خافة قطعة مستطيلة من القماش القبطى يرجع عهدها إلى القرن السابع للميلاد (انظر Die agyptischen Textilfunde: A Riegl، لوحة رقم 9 قبال ص 48). والنص المستخدم هنا هو الآية العاشرة وما بعدها من المزمور الأربعين من سفر المزامير. وإن استمرار هذا الفن فى الصناعة المصرية، تلك الصناعة التى كانت على الأغلب فى أيدى الأقباط إبان العهد الإسلامى، وخاصة فيما يتصل بإنتاج المنسوجات، يجعل الاحتفاظ بالأشكال والسنن القديمة أمرًا واضحًا
كل الوضوح. ومما هو جدير بالملاحظة أن شريط الكتابات كان يطرز أو ينسج فى معظم الأحوال بالحرير الأحمر، وكان هذا هو المتبع أيضًا فى المنسوجات الإسلامية. ولعل تفضيل هذا اللون يرجع إلى أن شارات الرومان القدماء (Clavi) كانت تطرز عادة باللون الأرجوانى. ولقد كان الحق المخول للرؤساء Princeps فى إهداء الشارات العريضة latus clavus لأعضاء مجلس الشيوخ والاحتفاظ بالشارات الأرجوانية للحكام، وقصر إنتاج الجدائل المذهبة ابتداء من عام 369 على سيدات البلاط gynaecea بحيث يقمن دون غيرهن بغزلها، كان لهذا الحق على الأقل أثر فيما نجده من نظائر لذلك عند الخلفاء المسلمين، فقد كان لهم أيضًا الحق فى الطراز وفى إهدائه. على أن النظام الذى جعل سيدات البلاط يقمن بعمل الطراز لم يعمل به فى الإسلام. وقد كان فى القاهرة وحدها فترة من الزمن نظام شبيه بهذا، ذلك أن الثياب التى تعمل من أجل الخليفة كانت تتولاها بعد صنعها هيئة من النساء قوامها ثلاثون امرأة على رأسهن مشرفة فيعدلنها بعض التعديل اليسير بما يناسب المقام (Is Lastudien: C.H.Becker جـ 1، ص 183، وما بعدها). ومهما يكن من شئ فإن نظام الطراز فى الإسلام قد نشأ فى عهد جد مبكر أيام الأمويين، يشهد بذلك رواية الكسائى عن الإصلاح الذى أدخله الخليفة عبد الملك على السكة واتخاذه اللغة العربية فى تدوين الوثائق الرسمية. وإلى هنا يحق لنا أن نقول إننا لم نجد إلا خليفة واحدًا من البيت الأموى -لعله مروان بن محمد- ذكر اسمه على قطعة من الحرير من صنع أخميم وعليها الكتابة الآتية:[عبد] اللَّه مروان أمير [المؤمنين](انظر A.R.Guest: مجلة الجمعية الآسيوية الملكية سنة 1006، ص 390؛ Catalogue of Muhammadan Textiles: A.F. Kendrick ص 35) وقد انتقلت مع المنسوجات الإسلامية، التى كانت تستوردها أوربا بكميات كبيرة، أشرطة الطراز ذات الكتابات وأصبحت