الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظاهر العصر
ويقال له فى سورية ضاهر، وهو نطق أهل البلاد للرسم ظاهر العمر، أو آل عمر نسبة إلى أبيه عمر: شيخ بنى زيدان وهم البدو الذين نزلوا ناحية صفد.
وقد استطاع ظاهر أمير طبرية والأردن الأعلى أن يصل إلى اتفاق مع متولية الجليل بغية طرد العمال الترك شيئًا فشيئًا، ثم استولى على ثغر عكا المخرب حتى يكون له منفذًا لتصدير القطن والحرير. وأعاد ظاهر تعمير هذا الثغر وبادر إلى إقامة الأسوار المتينة التى كان الصليبيون قد شيدوها، ولم تكن يد التدمير قد أتت عليها تمامًا عند رحيلهم. ولم يشأ أن يقطع حبل الصلة بينه وبين الباب العالى، ومضى يؤدى له الضرائب "الميرى" دون أن يسمح بوقوعها فى يد وكلاء الترك. ولم يكن ظاهر يشبه فى شئ البدو فيما أثر عنهم من صفات، فقد أراد أن يمكن لنفسه فسعى أن يقوم حكمه على رفاهية البلاد وازدهارها، وبسط حمايته على الفلاحين وشجعهم على أن ينتجوا، وكان ظاهر إلى ذلك عارم النشاط قضى حياته على متن جواده ولم تؤثر فيه عثرات الحياة ولا انقلاب الحظ.
وقد جلب عليه توطد مركزه فى عكا عداوة الباب العالى فى استانبول، فوصل حبله بعلى بك ليجتاز العاصفة،
وكان على بك قد أحيا وشيكا حكم البكوات، أو قل المماليك فى مصر. وهرع أبو الذهب، نائب على بك، إلى الشام واستولى على دمشق، ثم تمرد على على بك فحمله على بك على الالتجاء إلى الظاهر حليفه الجديد وبدأ ظاهر الذى كان فى عنفوانه لم تنزل به آية نازلة بسجن جنود عثمان باشا الوالى التركى لدمشق، ثم استولى على صيداء.
وجهز الباب العالى جيشًا كبيرًا، وكان فى استطاعة ظاهر أن يعتمد على معونة المتولية، وعلى بضعة مئات من المماليك الذين كانوا قد صحبوا على بك، ثم على أسطول من مراكب الروس الحربية بقيادة أمير البحر أورلوف كان يجوب شرقى البحر المتوسط منذ سنة 1770 ووقع الاشتباك على طول الساحل بالقرب من صيداء، وحسمت نيران هذا الأسطول المعركة (مايو سنة 1770) وهنالك مضى الروس إلى قذف بيروت ثم نهبوها. واستغل ظاهر هذا النصر الكبير، وسارع إلى مد سلطانه على أعمال فلسطين، ودانت هذه البلاد لسلطانه من صيداء إلى الرملة. ثم بدأ الحظ يقلب له ظهر المجن، فقد استدرج على بك إلى العودة إلى مصر، وهناك حلت به الهزيمة وقتل. ولما تم الخلاص من على بك عاد أبو الذهب إلى الظهور فى فلسطين. واستولى على الثغور التى كانت هى حوزة ظاهر، وتقدم إلى عكا إلا أن المنية عاجلته (يونية 1775). على أن الأسطول التركى ضرب حصارًا على عكا بعد استيلائه على صيداء، وكان ظاهر قد اعتصم بعكا. ولم يحدث قذف عكا بالقنابل أثرًا فى الأسوار القديمة التى كان الصليبيون قد شيدوها، إلا أن ذهب الترك أتى بنتيجة أفعل، وقام عصيان فى الحامية فأصابت رصاصة ظافرًا فقتلت فى الحال ذلك الزعيم البدوى الشيخ (أغسطس 1775) الذى ظل يتحدى سلطان الباب العالى ربع قرن من الزمان. وظلت ذكراه حية فى نفوس أهل سورية، ولم يكن المسيحيون الذين بسط عليهم حمايته هم آخر من أسف على مصرعه.