الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المصادر:
(1)
الشعرانى: الميزان، الطبعة الثانية، القاهرة سنة 1317 هـ، فى مواضع مختلفة.
(2)
ابن النديم: الفهرست، طبعة فلوكل، جـ 1، ص 216 - 219.
(3)
السمعانى: كتاب الأنساب، فى سلسلة كب التذكارية، جـ 20، مادة داودى، ورقة رقم 220 عين، س 8 - 16؛ ص 220 من أعلى، س 5؛ مادة الظاهرى، ورقة 376، س 2 - 30.
(4)
ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 12، ص 59 وما بعدها.
(5)
Die zahiriten Ihr Lehrsystem und ihre Geschishte: I.Goldziher، ليبسك سنة 1884.
خورشيد [شتروتمان R.Strothmann]
ظفار
1 -
كانت تقع ظفار قرب قرية فى جنوبى اليمن على مسيرة نحو عشرة أميال جنوب غرب يريم، وقد اشتهرت فى الأزمان القديمة بوصفها قصبة مملكة حمير (وتسمى أيضًا ظفارى، انظر ياقوت: المعجم، جـ 3، ص 706؛ وقد ذكرت أصول الكلمة ظ - ب (ف) - ر فى نقوش جنوبى بلاد العرب؛ ووردت فى الإثيوبية بصيغة "صفار"):
وقد ذكر بليناس (Natur. Hist.: Pliny، جـ 6، ص 104) المدينة الملكية باسم regia Sapphar كما ورد ذكرها فى Periplus Mar. Erythr، (الفصل 23) باسم التى كان يحكمها (كريبائيل) ملك بنى حمير وبنى سبأ وهو من تلك الأسرة التى خلفت ملوك سبأ باسم "ملوك سبأ وذى ريدان" وكانت لها السيطرة على جنوبى بلاد العرب، منذ نهاية القرن الثانى قبل الميلاد على الأكثر؛ وكان بنو سبأ فى رواية Periphus من أتباع ملوك حمير بالفعل، وكانت لا تزال تقوم هناك مملكة حميرية فى زمن المصادر التى استقى منها بليناس.
والإشارة الثانية للقصبة ظفار فى المؤلفات اليونانية الرومانية وردت فى بطلميوس (جـ 6، ص 7 و 41؛ جـ 8،
ص 22 و 16)، حيث ذكرت البلدة ضمن بلدان العرب السعيدة، أى كما ورد فى Periplus تمامًا، أما عن الخلاف حول خط الطول الذى تقع عليه هذه المدينة كما نستبين من مخطوطات بطلميوس الذى جعل هذا الخط 78 ْ مرة و 88 ْ مرة أخرى فإننا نفضل الأخذ بخط الطول 78 ْ وهذا هو الرقم الذى ذكره الهمدانى فى صفة جزيرة العرب (طبعة D. H. Muller، ليدن 1884، ص 28)، فى حين ذكر فى كتابه الإكليل (فى Die Burgen and S.B.Ak.Wien: D.H.Muller فى Schlosser Sudarabiens جـ 94، سنة 1879، 417) أن خط الطول هو 78 ْ، ولما كانت المدينة الساحلية تقع فى رواية بطليموس على خط الطول 87 ْ 30 ْ مع الاختلاف بين 88 ْ 10 َ و 88 ْ 30 َ) وعلى خط عرض 14 ْ مثل ظفار تماما فقد حدا ذلك بكليزر (Skizze der Cescht. and Geographie Arabiens: E. Glasser، برلين 1890، جـ 2، ص 1880)، إلى القول بأن هذا الخلاف فى خط الطول يرجع فيما هو واضح إلى خطأ وقع فيه ناسخ فى العهد الذى تلا العهد البطلميوسى، فقد خلط بين ظفار اليمنية وظفار التى كانت فى هذه الأثناء قد قامت فى الشرق قرب موشا Moscha. وهذا القول نشأ من خطأ كليزر فى تعيين موضع موشا (انظر ظفار رقم 3)، ثم لعله من الجائز منذ البداية أنه قد وقع خطأ عتد النقل من بطلميوس فاستبدل بالرقم الأصلى سبعة، كما حدث فى الرقم المباين فى خط الطول الذى تقع عليه موشا، أما قوله:"بأننا لا نملك إلا أن ننسب لبنى سبأ" القصبة التى ذكرها بطلميوس؛ لأن موقعها لا يناسب الأراضى الحميرية التى كانت بلا شك محدودة جدًا فى ذلك الحين"، وقوله: "كانت مأرب بلا ريب المقر الملكى فى عهد ملوك سبأ وريدان"، وقوله إن هذه المدينة كانت خرائب وأطلالًا "منذ قرون سبقت عهد بطلميوس" (المصدر المذكور، ص 240 و 242) فإنما هى أقوال تعتمد على آرائه فى تاريخ نشوء المملكة الحميرية. ثم إنها تناقض ما تشهد به المصادر القديمة التى ذكرناها وشيكا، وهى التى يمكن أن نوفق بينها وبين
الأدلة المستقاة من النقوش على نحو أفضل.
ونستبين من بطلميوس (جـ 6، ص 7 و 25)، أنه كان يقيم بقرب بنى حمير أهل مدينة وناحية تحيط بها، ونعنى بهم الأسرة الحاكمة؛ وثمة إشارات أيضًا إلى ظفار، بوصفها ناحية، فى الكتب العربية كالإدريسى، ولكنها لم تعد تذكر اسما لقبيلة (Die alte Geographie Arabiens: Sprenger، برن 1875، ص 311)، وربما كان قد تفرع طريق إلى يريم وظفار من الطريق الذى ورد ذكره فى Periplus، والذى كان يتجه من مخا مشرقا، أما إن القصبة كان لها شأن فى التجارة فأمر مفهوم؛ (انظر عن الطريق الذى ورد فى خريطة بطلميوس: Sprenger، المصدر المذكور، ص 183 وما بعدها)
وإلى ظفار هذه يشير فيلوستورغيوس Philostorgius (الثلث الأول من القرن الخامس؛ Hilt. eccl، جـ 4، ص 4) عند روايته نبأ دخول بنى حمير فى المسيحية حوالى سنة 354 - 355 على عهد قسطنطين الثانى Constantius II (357 - 361؛ انظر الشاهد فى نفقور كاليستس Nicephorus Callictus جـ 9، ص 18)، وقد حرص ثيوفيلوس Theophilus، الذى أصبح أسقفًا من بعد، على الحصول من ملوك حمير على إذن بإقامة الكنائس فى وعدن وهرمز. وقد عارض كليزر (المصدر المذكور، ص 181) هذا القول الثابت الذى يقرر أن لا تعنى المدينة الحميرية، بل المدينة التى على الساحل (انظر ظفار رقم 2)؛ وكذلك فعل ريتر من قبله (Ritter: Erdkunde، برلين 1846، جـ 8/ 12، ص 65)، ومع ذلك فإننا لا يساورنا أقل شك فى أن فيلوستورغيوس قد تزود بمعلومات مخطئة، ثم إن القصبة كانت فيما يرجح هى المكان المناسب لإقامة كنيستهم. وقد أخطأ بيورى (Arabia infelix: G.W.Bury، لندن 1915، ص 10)؛ فى القول بأن ظفار هى يريم نفسها؛ وذكر تيودورس (Theodoros Anagnostes، جـ 2، ص 58؛ وانظر Nicephorus، جـ 16، ص 37) أن دخول بنى حمير فى المسيحية كان فى عهد أنسطاسيوس Anastasius (491 -
518 م)، وقد عزيت نصوص مزيفة على الكتاب المقدس إلى غريغنطيوس Gregentius أسقف ظفار، حوالى منتصف القرن السادس، وكذلك ذكرها أميانوس Ammianus Marcellinus (أواخر القرن الرابع، جـ 23) باسم تفارون Tapharon؛ ثم ذكرها أيضًا جغرافى رافنا Ravenna (القرن السابع، جـ 2، ص 6)، باسم تفره Tafra، وقد سمى هذا الجغرافى حمير باسم Omeritia؛ ثم إن الاسم يظهر أخيرًا، فى الصيغة فى إسطفانوس البوزنطى (Stephanus Byzantinus، انظر تحت هذا الاسم) وهو بوصفه لغويًا لم يكن يهتم إلا بصيغة الاسم فحسب.
وحوالى منتصف القرن الرابع كانت مملكة حمير قد غزاها بنويكسوم Axumites، على أنه ما إن حان الربع الأخير من هذا القرن حتى عاد الملوك الوطنيون وأصبحت لهم اليد العليا، ومن ثم فإن ملك ظفار الذى قال فيلوستورغيوس إنه كان صديقًا للمسيحيين إما أن يكون واليًا أقامه بنو يكسوم (انظر Glazer، Die Abessiner: in Arabien and mutandis Afrika، ميونخ 1895، ص 166) مثل سميفع سنة 525، وإما أن العودة إلى غزو البلاد، التى كان الحكم فيها لا يزال فى يد بنى يكسوم وفقا لنقش تم قبيل سنة 356، كان قد بدأه بنو حمير بنجاح حوالى 355 م، ولم يكتب للأحباش السيادة على البلاد مرة أخرى إلا سنة 525 م، ثم غلبهم الفرس على أمرهم حوالى سنة 70 هـ، وحتى ذلك التاريخ كانت ظفار قصبة جنوب بلاد العرب؛ وقد دخل آخر ولاة صنعاء الفرس فى الإسلام سنة 628 م.
ويقول ابن خرداذبة (ص 145) والمسعودى (المروج، جـ 3، ص 178) وياقوت (جـ 3، ص 377 جـ 2، ص 722) إنه كان على باب ظفار نقش نصه: "لمن ملك ظفار؛ لحمير الأخيار؛ لمن ملك ظفار، للحبشة الأشرار، لمن ملك ظفار؛ لفارس الأخيار؛ لمن ملك ظفار، لحمير ستجار" وهذا يعبر بأجلى بيان عن تاريخ من تقلبوا على حكم جنوبى بلاد العرب. وقد شهد جغرافيو العرب ومؤرخوهم وأصحاب معاجمهم بأن ظفار كانت قصبة ملوك حمير، فأيدوا بذلك ما ذكره الكتاب اليونان والرومان،
ومن هؤلاء العرب ابن خلدون (جـ 4، ص 140) والمسعودي (جـ 3، ص 177)، والجوهرى، (انظر مادة "ظفار") وياقوت (جـ 3، ص 577، 812 فى قول شاعر استشهد به)، والقاموس (انظر مادة "ظفار")، وتاج العروس (جـ 3، ص 370)، وجهاننما، وقد ذكر ابن خرداذبة (ص 140) حصن ريدان الملكى فى ظفار، وهو يستشهد بشعر امرئ القيس (ص 206، س 22 فى The Diwans: Ahl wardt)، والهمدانى (الإكليل، ص 410 و 414، فى شعر أسعد تبع)، والبكرى (المعجم، انظر مادة: "ريدان")، وياقوت (جـ 2، ص 885، جـ 3، ص 422، حيث غير مولر D. H. Muller الصيغة زيدان الواردة فى "الإكليل" ص 140، س 3، من خطأ فى القراءة، إلى ريدان [انظر الصيغة نفسها فى Ritter، جـ 12، ص 258، عن الإدريسى]، انظر ما يلى عن تفسير كليزر لريدان الواردة فى النقوش)، ويصف الإدريسى أيضًا ظفار (جـ 1، ص 184 وما بعدها، طبعة Jaubert، باريس) فيقول إنها من أهم وأشهر بلدان اليمن، وأنها كانت مقرًا لملوكها.
وفى روايته أنها ناحية من يَحْصِب التى كانت تسمى أيضًا ظفار. ويذكر المقدسى (المكتبة الجغرافية العربية، جـ 3، ص 70)(253)، فى استعراضه لجزئى اليمن، التهامة والنجد، يحصب على اعتبار أنها من بلاد نجد، وقد ذهب شيرنكر (Die Post-and Reiserouten des Orients Abth. F.d.Kunde des morgenl: Springer، فى جـ 3/ 3، ليبسك 1684 ص 106)، إلى أن هذا القول يشير إلى ظفار، وهذا التعريف الذى نجده أيضًا فى (its early mediaeval History: H.C.Kay Yaman لندن 1892 ص 246 وعلى خريطته)، ليس مقنعًا، وهو يخطئ أيضًا فيكتب الاسم يَحْضب، على أن يحصب (بضم الصاد أو كسرها) هو اسم مخلاف (انظر علاوة على الإدريسى، ياقوت، جـ 2، ص 885، الذى يقول أن حصن ريدان فى هذا المخلاف، ثم يستطرد فيقول إن ريدان فى ظفار ويستشهد بأبيات من قصيدة لأسعد تبع فى الإكليل، المصدر المذكور، ص 414 ومن ثم تقع ريدان
القبيلى فى سهل يحصب)، وفى رواية (الإكليل، ص 410) كانت ظفار معروفة باسم حقل (أى هضبة)، وفى ياقوت (جـ 4، ص 346) إشارة إلى يحصب العلو فى ظفار، أما تعليل شيرنكر للرواية التى وردت فى ابن خرداذبة (المصدر المذكور): يحصب هو اسم المدينة، أما الحصن الذى يقيم فيه الملك. . . فاسمه ظفار) Postrouten، المصدر المذكور، ص 147) فهو تعليل مخطئ، والمعنى الأقرب للذهن هو:"يحصب (وفيها) مدينة ظفار وحصنها ريدان".
وفى رواية الإدريسى أن هذا الحصن كان فى أيامه من بقايا القصر الملكى هناك، وهو يتحدث أيضًا عن آثار أخرى تشهد بازدهارها قديمًا، ويرجع الطبرى (طبعة ده غوى de Goeje، جـ 1، ص 256) إقامة ظفار إلى ملوك بنى حمير، ويزودنا الهمدانى فى الإكليل (المصدر المذكور، ص 412) بوصف لموقع ظفار على منحدر تل قرب مدينة سختيون (منكث، ولا تزال هناك خرائب لقرية منكث قرب ظفار مع نقوش حميرية وجدها Seetzen؛ انظر D. H. Muller المصدر المذكور، ص 370)، وهو يستشهد فى هذا المصدر ببيت من عمر بن تبع الذى يذكر نقوشًا فى ظفار، وأبياتًا من علقمة تشير إلى ظفار فى عبارات كلها إطراء ومديح، وفى "الصفة"(ص 203) يذكر الهمدانى ظفار ضمن الأماكن المشهورة فى اليمن ذات الحصون القديمة، وأراد أن يوضح ملاحظاته عن انخفاض درجات الطول فى بطلميوس عما ذكره الفلكيون المشارقة، فاختار موقع ظفار وراح يتحدث (المصدر المذكور، ص 27) عن المواقع التى ذكرها بطلميوس لهذه المدينة هى وصنعاء، وكلاهما على خط زوال واحد (وكذلك ص 28 و 44، وانظر أيضًا ص 45)، ذلك أن ظفار كانت على مسيرة نحو ثلاثة أيام إلى الجنوب (ويتفق ذلك بصفة عامة مع تقدير نيبور Niebuhr أن ظفار على بعد 1 ْ 12 َ جنوبى صنعاء)، وهو لا يزودنا فى ص 201 بشئ ثابت من الناحية الجغرافية أكثر من أن ظفار فى جوار صنعاء، ويحذو حذوه ياقوت (جـ 3، ص 577، حيث يضيف أن بعض
المصادر تقول هى صنعاء نفسها)، والقاموس (انظر الجوهرى، هذه المادة)، وتاج العروس (جـ 3، ص 370) وهو ينقل عن ياقوت. ويدلل مولر (Burgen، D.H.Muller ص 369) على أن ياقوت (جـ 3، ص 422) يقارن بين ظفار وصنعاء (ولكن انظر ظفار رقم 3)، أما الروايات العربية عن تاريخ ملوك حمير، التبابعة وأنسابهم، فلا سند لمعظمها من التاريخ.
ويفرق ياقوت فى المعجم (جـ 3، ص 577) بين ظفار هذه والمكان الذى يحمل الاسم نفسه على الساحل (انظر ظفار رقم 4)؛ ولم تذكر هذه التفرقة فى المشترك، وكثيرًا ما يخلط كتاب العرب بين هاتين المدينتين، كما خلطت بينهما المصادر الحديثة، وقد نعى عليها ذلك نيبور (Beschreibung von Arabien: C. Niebuhr، كوبنهاجن ص 236)، وريتر (Ritter، المصدر المذكور، ص 254) وغيرهما. على أن ريتر يقع فى الخطأ نفسه (انظر ص 65 و 253) أما أبو الفدا فى وصفه الذى خلط فيه بين المدينتين (وثمة شواهد أخرى ذكرناها تحت ظفار رقم 4) فلم يزد على أن ظفار فى اليمن، وكل أقواله الأخرى تصدق على المدينة الساحلية.
وقد أورد الهمدانى (الإكليل، المصدر المذكور، ص 416) والبكرى مع شئ من الخلاف (المصدر المذكور، ص 464)، وياقوت، (جـ 3، ص 577) كلامًا فى صورة حكاية صغيرة تشرح القول المأثور: "من دخل ظفارَ حمَر"(أو "ظفار تتبع بنى حمير")، وهو مثل على مصطلح حميرى خالص، ويفرق العرب بين أبناء بنى حمير الأكبر سنًا والأصغر والأقرب، أى بين الحميريين بأوسع المعانى وبالمعنى المألوف وبأضيق المعانى (Geographie: Springer، ص 72 وما بعدها)، ولا يستطيع المرء إلا أن يتحدث عن وجود لهجة حميرية (انظر شبرنكر، ص 74، فيما يتعلق ببعض خصائصها) بين الحميرين فى أضيق الحدود. وقد ذكر فى القرن العاشر الميلادى أن النواحى التى يتحدث فيها القوم باللغة الحميرية الخالصة هى الإقليم القائم غربى صنعاء وجنوبى ذمار حتى حقل قتاب، وهى منطقة تشمل يريم وظفار
(إشارات إلى منازل بنى حمير فى Das Leben des Mohammad: Sprenger . . . برلين 1865، جـ 3 ص 438)؛ ويقول فرسنل Fresnel أن اللغة الحميرية والحديث المختلط الجارى فى النواحى المجاورة كانا يسميان اللغة الإحكلية، وهى تسمية غير دقيقة، وتعد هذه التسميط مصطلحًا انتشر خطأ حتى شغل أيضًا المهرية ولغة قرأ (حكلى)، أو ما يسميه كليزر باسم شحرات، أما لغة النقوش الحميرية القديمة فى معناها الضيق فأقرب إلى لغة سبأ منها إلى المجموعة الثانية الكبرى من نقوش جنوب بلاد العرب، لغة بنى معن.
وهاتان الناحيتان الحميرتيان الخالصتان خصيبتان تجود فيهما الزراعة؛ وتغل تربة ظفار أيضًا حجرًا شبه نفيس هو الجزع اليمانى، وقد ذكره الهمدانى فى الإكليل (ص 415 مع شواهد من أقوال الشعراء)؛ والجوهرى، وياقوت (جـ 3، ص 577) ولسان العرب (جـ 6، ص 192) والقاموس، والتاج (المصدر المذكور، انظر Lane، مادة "جزع" عن معنى اللفظ، وشيرنكر، المصدر المذكور، ص 62).
وبعد احتلال الأحباش لظفار للمرة الأخيرة، وهو الاحتلال الذى زودنا كتاب Martyrium Arathae؛ بوصف كامل عنه، وزوال دولة جنوبى بلاد العرب، بل بعد قيام الإسلام، أخذت القصبة الملكية السابقة تضمحل رويدًا رويدًا، وخاصة أنها كانت قد انعزلت عن الطرق الرئيسية للتجارة، وقد أصبح شأنها، هى وما يكتنفها من بقاع جبلية من حيث كونها أماكن حصينة، ثانويًا فى العمليات الحربية أيام التاريخ المتأخر لليمن؛ مثال ذلك أن الولاة اعتصموا بمعاقلهم فى الجبال حين دالت دولة الزياديين (409 = 1018 م)، واستولى نجاح على زبيد ونادى بنفسه ملكًا (412 هـ)؛ وكان من هذه المعاقل (فى رواية عماره الحكمى، تاريخ اليمن، طبعة Key، المصدر المذكور، ص 12) النقيل "المر"، ويقول كاى فى شرحه له (ص 246) أنه "نقيل سمارى" قرب ظفار.
والمعلومات التى زودنا بها الرحالة المحدثون تتفق مع أقوال الكتاب العرب (انظر أيضًا Beschreibung Van Arbien: Niebuhr كوبنهاغن، 1772،
ص 94 و 236 و 290؛ المؤلف نفسه: Beschreibung van Arbien، جـ 1، ص 400، مادة "سبأ"، Sabaieche Denkmaler: D. H. Muller فينا 1883 ، ص 85، اللوحة 4 (نقش)، A Jaurney through the Yaman: W. Harris، أدنبره - لندن، ص 25؛ Die Abessinier: Glaser، ص 58 و 100 و 116؛ المؤلف نفسه فى M.V.A.G، 1897، جـ 6، ص 241، المؤلف نفسه: Skizzen، جـ 2، ص 241 Handbuch der altarbischen Altertumskunde: Nielsen، كوبنهاغن، باريس - لندن، 1927 ص 21 و 88؛ Ethnologie and Geographie des Alten Orients: Hommel، ميونخ 1926، ص 656 و 711؛ Oslander، فى Z.D.M.G جـ 19، 1865، ص 180؛ G.I.S، جـ 4/ 1، رقم 312)
2 -
موقع خرب جنوب غربى صنعاء؛ ويذكر تاج العروس (جـ 3، ص 370)، نقلا عن الصغانى، حصنين اسمهما ظفار، أحدهما شمالى صنعاء والآخر جنوبيها، وذلك عدا البلدتين اللتين تحملان الاسم نفسه (انظر ظفار رقم 4).
3 -
تل محصن على مسيرة نحو 20 ميلًا شمال غربى صنعاء قرب كَوْكبَان.
4 -
اسم مدينة عريقة فى القدم، كانت أطلالا منذ أواخر القرون الوسطى، واسم السهل المحيط بها، وتقوم فى الركن الجنوبى الشرقى لجزيرة العرب على المحيط الهندى، وقد جرى القول الآن بأنها من عمل مهرة؛ ويقول ابن خلدون فى "العبر"(انظر الشاهد الذى نقله عنه Kay، المصدر المذكور، ص 133) إن نطق اللفظ هو ظفار، بفتح الظاء)؛ ويقول المقريزى (De valle Hadhramaut، طبعة Berlin Noskowyi، بون 1866، ص 29) إن اللفظ يجب أن ينطق ظفار (بضم الظاء)، كما يقول بذلك مالتزن (Maltzan فى مقدمة مصنفه: wredes Rise in Hadhromaut برنشفيك 1873، ص 24 و 39) على أن اللفظ ينطق به ظفار أو ظفور (بسكون الظاء فى كل)، وينطق به الآن أحيانًا ضُفار؛ أما أن المدينة قد أشير إليها فى الكتب اليونانية فأمر محقق أو يكاد؛ ويجب البحث عنها بين الأماكن التى ذكرها بطلميوس على ساحل البحر؛ ويؤكد شيرنكر أن بطلميوس
استخدم المعلومات التى زوده بها الرحالة من الهند حتى الساحل الجنوبى الشرقى لبلاد العرب بطوله، ولعله أصاب (Gographie، ص 95 وما بعدها) بإشارته إلى المكان على خريطة بطلميوس (جـ 5، ص 7 و 11)، وهو يتفق مع موقع ظفار أى التى ذكرت بين بلدان التى تشتمل على ترجمة للقمر ("ديانا" Diana)، ونجدها أيضًا فى جبال القمر وغبة القمر، أى جون القمر التى تقوم عليه ظفار بالفعل؛ أما موضع "مهبط وحى القمر" فإننا نستبين من روايات بطلميوس أنه كان قريبًا جدًا من الميناء السابق ريسوت وكان يمتد من هذا المكان سهل جيد الرى على مسيرة نحو تسع ساعات طولًا وساعة عرضا عند طاقة، حيث يبلغ أقصى اتساع له فى العرض، وهو أيضًا يجتاز التلال ويسمى الآن ظفار (شيرنكر، المصدر المذكور، ص 96)؛ وقد وجد كارتر Carter خرائب ست مدن أو نحوها هناك؛ أما أن هذه المدن كانت العواصم المتعاقبة للظفارية، كما ذهب إلى ذلك شيرنكر، فموضوع آخر لا يمكننا الإجابة عنه بعد؛ وكذلك سلم شبرنكر باستحالة التحقق مع الموضع الذى كان فيه "مهبط وحى القمر"؛ أما عن قول ابن بطوطة (المصدر المذكور جـ 2، ص 203) من أنه كان يقوم مزار فيه قبر هود (انظر أيضًا جـ 1، ص 203) على مسيرة نصف يوم من ظفار (المتأخرة)(أى المنصورة) ومسجد على الساحل فى قرية لصيادى السمك، وقد ذهب شبرنكر إلى أنه كان يوجد بها مسجدو "معبد القمر"، فى موقع طاقة على خط طول 54 ْ 22 َ شرقًا وخط عرض 17 ْ 2 َ شمالًا، "على خليج كان من الممكن استخدامه مرسى للأطواف والقوارب" على أن هذا الموضع يجب تعديله على هدى أقوال بنت Bent، ويجب البحث عن ظفار فى موضع خرب شرقى طاقة (انظر ما يلى).
ولا يمكننا أن نؤيد رأى كليزر (Skizze، جـ 2، ص 97 و 180) من أن التى ذكرها بطلميوس عقب مباشرة، والتى قال عنها شبرنكر (المصدر
المذكور، ص 97) إنها كانت ميناء ظفار وأنها كانت مرباط، هى ظفار نفسها وإن موشا Moscha ميناؤها (Periplus، 32، وقد ذكر هذا الميناء أيضًا ريتر، المصدر المذكور، جـ 12، ص 329، وكذلك كليزر Abessinier، ص 90 وما بعدها؛ Ethnologie Hommel، ص 654) هى خور البليد، وإن الاسم ظفار ربما لم يظهر فى الناحية إلا بعد زمن بطلميوس، بدلا من أبيسه يولس Mosche أو Skizze) Abissa Polis، ص 180، Abessinier، ص 187 وما بعدها)، ونحن نعارض هذه الأدلة الطبوغرافية، التى نقول على سبيل الاستدراك أنها لا تقرر بعد المكان الذى قيل إن الاسم ظفار قد نقل إليه، ونقول إنه ليس ثمة أى احتمال يؤيده، ثم أنه يعارض معارضة مباشرة خريطة بطلميوس وخريطة Periplus، وأن موشا (موشى) Moscha، التى وضعها بطلميوس غربى رأس الفرتك يجب، وفقًا لما ورد فى كتاب Periplus، وهو الذى يفضله كليزر على بطليموس فى وصف ساحل شحر، أن يبحث عنها على مسيرة نحو عشرة أميال غربى مرباط، وهو القول الذى لم يجد كليزر بدا من التسليم به، ولا وجود الآن لميناء فى خور البليد، جل توجد بحيرة (Skizze: Glasser، ص 181)، ومن جهة أخرى فإن موشا Moscha فى بطليموس توصف كما فى Periplus أيضًا، بأنها هى وهذه الأهمية يؤكدها Periplus تأكيدًا خاصًا، ولعل موشا Moscha هى مقشى، أى الميناء التى على خط طول 51 ْ 55 َ شرقًا، وهى تبعد وأقل من ساعة من رأس فردن فى مأمن من الرياح الجنوبية، (شيرنكر، المصدر المذكور، ص 85)، أما الفرض الذى افترضه شبرنكر من أن الموضع الصحيح لموشا قد سقط عند النقل من بطليموس ففرض محتمل، ولكن ما من داع يدعو إليه فيما يظهر؛ ذلك أن الموضع الذى عينه يتفق مع أقوال المؤلفين العرب، مثل ياقوت (جـ 3، ص 775، جـ 4، ص 481) من أن ميناء ظفار التى لم يكن لها مرفأ صالح (وكذلك أيضًا فى ابن خلدون، المصدر المذكور، ص 133 طبعة كاى Kay) كان هو مرباط على مسيرة نحو خمسة فراسخ، ويزوره التجار كثيرًا، وكذلك يتفق هذا الفرض
مع الحقيقة الواقعة من أن رأس فرنك الذى حدد بالقرب منه موضع موشا Moscha التى يقول ابن المجاور عنها إنها بنيت فى مدخل "خليج القمر، وأنه يقوم هناك مرسى للبواخر القادمة من الهند، هو فى الأزمان الحديثة أول المعالم الذى تتجه إليه البواخر القادمة من بومباى (شبرنكر، المصدر المذكور)، وقد زودنا بنت (Southern Arabia: Th. Bent، لندن 1900، ص 240 وما بعدها) بمادة جديدة تؤيد هذا الرأى، جاء بعضها عفوًا وبلا وعى، فهو يقول إن من المؤكد أن الخرائب التى على الساحل عند البلد الحديث (البليد وقفًا لكليزر، Skizze، ص 181، وكذلك Abessinier ص 184 [وسماها Fresnel، البلد بكسر الباء عن الخريطة الإنكليزية] على بعد نحو ميلين شرقى القصبة الحالية الحافة (لحافة) هى خرائب القصبة القديمة لهذا الإقليم، واستطرد فقال إنه ما من صعوبة تقوم فى سبيل تتبع قول شبرنكر من أى هذه المدينة هى عين وقد جانبته الدقة فى هذا، ذلك أن شبرنكر فرق بينهما تفريقًا واضحًا، فرق بين طاقة، حيث كان يبحث عن ظفار الأصلية، وبين البلد إلى الغرب منها، وهو الموضع المفروض أن المنصورة قامت عليه من بعد، ويقول بنت إن هذا الموضع الخرب، الذى يشتمل على آثار لمعابد الصائبة، عمره السكان آخر ما عمروا خلال الغزو الفارسى حوالى سنة 500 هجرية، وهو أكبر مواضع السهل بأسره وأكثرها تأثيرًا فى النفس، ويستطرد بنت ص 268)، وهو يسرد فى غير دقة كيفية تحقيق كليزر لأبسه بولس Abissa Polis وموشا فيقول إن النقطة التى على الساحل قرب نهر رورى، وهو نهر عريض بصفة خاصة عند مصبه (كذلك فى الخريطة التى رسمها لإقليم ظفار ["عن تخطيط قام به إمام شريف خان بهادور" رفيقه فى رحلته]، ووصف المياه بأنها خورورى فى بنت (ص 270) خطأ (انظر كليزر، Abessinier، ص 185) وفى الخريطة الإنكليزية خورريرى (Khors Reiri: Cruttenden .Khor Reiri) وجزيرة ختية الصحرية على الساحل هى أبسه بولس Abissa Polis وكذلك موشا، على أننا نجد طاقة على مسافة قليلة غربى
هذه النقطة وعلى خط طول 54 ْ 25 َ (54 ْ 22 َ) وهى التى حاول شبرنكر عندها تعيين موضع وحاول من بعده كليزر (Abessinier، ص 187 تعيين موضع ابسه يولس Abissa polis؛ ومن ثم لم يبق أمامه إلا "مهبط وحى القمر"، الذى ذهب بنت فى تحكم بالغ إلى أنه يقع فى مدينة حميرية فى وادى نهست غير بعيد من الحافة "وعلى سبيل الحصر فى عبقد أو روبط أو أحد المواقع الخربة المتغلغلة فى الداخل أى فى وادى نفس"، وهو قول غير معقول ولعل من الجائز أن نبحث عن موقع ظفار القديمة، و"مهبط وحى القمر".
ولعل من الجائز أن نبحث عن موقع ظفار القديمة، و"مهبط وحى القمر"، وربما عن المزار الذى ذكره ابن بطوطة أيضًا، فى الأطلال التى وجدها بنت (269) شرقى طاقة إلى الغرب قليلًا من الموضع الذى عينه شبرنكر عند مصب النهر المجاور خوروى مرفأ المدينة، وقول كليزر (Skizze، ص 181 إن "خرائب ظفار فى عبقد وعوقد وريسوت وخور البليد" لا يكفى، وكذلك اخطأ بنت فيما يختص ب بقوله إنها مخا "وهو اسم ليس غريبًا على الموانى الواقعة على ساحل بلاد العرب" ولم يحسب حساب قصور البيانات عن ساحل شحر فى نص كتاب Periplus كما نقل إلينا (الفصل 32)، أما أن شحر معناها ريسوت بحكم أنها مركز تجارة اللبان (Sachalite) فلم يبلغ من التحقيق المبلغ الذى يقال عنه عادة، وهذا الخطأ الذى كرره بنت منشؤه أن هذا المكان يسمى موشا Moscha.
إن صاحب بلاد اللبان التابع لبنى حمير على أيام كتاب Periplus (الفصل 32)، كان هو ملك حضرموت، أما أن بطلميوس يشير إلى بنى قتيان بين العمانيين وجبال أسابون Asabon فلا يبرر الاستنتاج بأن ساحل الكندر نفسه (من ظفار شرقًا) كان كله أو بعضه مستعمرة قتبانية.
وأرجح الظن أن مدينة ظفار الساحلية أقدم من القصبة الحميرية، ولعلها فى أرجح الاحتمالات قد جعلت هى لاسفار وهو جبل فى الشرق"
(انظر سفر التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 30).
ويجعل العرب ظفار فى مهرة حينا، وهو أمر يتفق مع التوزيع الحالى، وفى إقليم الشحر (ساحل مهرة) حينًا، وهو نفس الشئ تقريبًا وهكذا يقول ياقوت (جـ 3، ص 577) وأبو الفداء (انظر Hommel المصدر المذكور، ص 30) وابن خلدون (طبعة كاى Kay، المصدر المذكور، ص 132)، والتاج (جـ 3، ص 370) ويجعلونها أحيانًا فى عثمان غير متوخين الدقة (Geographie: Sprenger ص 92)، ويقول ابن بطوطة إنها فى أقصى أقاصى اليمن (يذكر فى جـ 1، ص 205، أنها مدينة من مدن اليمن وحسب) وفى حاشية (فى مخطوط لكتاب المراصد استشهد به Wustenfeld فى ياقوت، جـ 5، ص 24) وصفت المدينة بأنها أقصى مدن اليمن ويجعل جغرافيو العرب مهرة فى اليمن، وقد ذكر ياقوت (جـ 3، ص 577) قصبة اليمن ثم تحدث عن المدينة المشهورة فى زمانه التى تحمل الاسم نفسه على ساحل المحيط الهندى (وتجد الموضع أيضًا فى جـ 3، ص 422، جـ 4، ص 481، حيث استخدمت الصيغة ظفار بكسر الظاء، انظر هذه القراءة فى ابن خرداذبة المكتبة الجغرافية العربية، جـ 6، ص 146؛ وفى ابن بطوطة والتاج، جـ 3، ص 370)، وفى الفقرة الأخيرة التى ذكرناها يصفها ياقوت فى عبارات عامة فيقول إنها بين حضرموت وعمان (انظر جـ 1، ص 196 والإضافات الواردة فى المكتبة الجغرافية العربية جـ 4، ص 432 على ابن حوقل، ص 32، وكذلك فيما يتصل بالمسافة بين ظفار ومرباط؛ ويقول القاموس فى إيجاز إنها قرب مرباط)، ويحدثنا ياقوت فى الفقرة الرئيسية فيقول إن اللبان ينمو فى الجبال التى تبعد عن المدينة بعض الشئ، وتعطى حصة من المحصول لأمير المدينة المستقل الذى احتكر الاتجار فيه، ثم تلى ذلك ملاحظات عن جمع الكندر الذى كان يتعين حمله إلى المدينة (وثمة بيان مماثل موجز فى جـ 4، ص 481).
وظفار فى إقليم اللبان نفسه، ومساحتها كما يذكر ياقوت صغيرة غاية الصغر، وهو أمر يتضح من أقوال
جغرافيى العرب الآخرين، كما يتضح بخاصة من أبحاث كارتر Carter الذى يجعل حده الغربى عند خط الطول من 52 ْ 47 َ إلى 55 ْ 23 َ شرقًا، أى بعيدًا كل البعد ناحية الشرق، كما يتبين من تخطيط كليزر، الذى صحح أرقامه فى الزمن المناسب، ومن بنت Bent وهرش Hirsch وبعثة مجمع فينا إلى جنوبى بلاد العرب.
وربما كان الاسم ظفار ("النبات العطر") إنما يدل أصلًا على الفكرة التى غبر عنها اليونانيون باللفظ؛ أما فكرة فرسنل (Sur la geographie de L'Arabie،Lettre: Fresnel، جـ 4، فى J.A السلسلة 3، جـ 5 ، 1838، ص 518)، الذى حذا حذوه ريتر Ritter (جـ 12، ص 252 و 270)، من أن المدينة الحميرية كانت تسمى ظفار باسم المدينة الساحلية من قبيل التنافس، ففكرة مخطئة، ولعل هذا الاسم قد أطلق على المدينة الأولى بمعنى آخر، أى ليدل مثلا على "المظفر"، كما ورد فى أبيات أسعد تبع (الإكليل، المصدر المذكور، ص 410 = البكرى 464) وقد جاء الملاحون البرتغاليون بأنباء عن بلاد الكندر إلى أوربا، ونجد صدى لهذه الأنباء فى كامويس (Os Lusiadas، Camoes، جـ 10، ص 101، س 1، Olha Dofar insigne Porque manda Omais cheiroso "incensoPera as aras").
ويتحدث ياقوت (جـ 2، ص 881) مستعيرًا الألفاظ نفسها التى استعملها الهمدانى تقريبًا (صفة جزيرة العرب، ص 51) عن طريق ساحلى يؤدى من عدن إلى عثمان عن طريق ظفار مارًا بريسوت إلى اليسار، وقد زار ابن المجاور ظفار حوالى سنة 619 هـ. وهو يزودنا بالمراحل المختلفة للطريق من شبام فى حضرموت إلى ظفار ذاكر المسافات (وثمة تفصيلات أو فى Postrouten: Sprenger، ص 144، المؤلف نفسه: Geographie، ص 164). وقد لاحظ أن الفلفل وقصب السكر وأنواعًا كثيرة من الفاكهة كانت تزدهر فى ظفار، كما وجد آثارًا على شرفات قديمة زرعت فيها شجرة الكندر، وقد أيد بنت هذه الملاحظة الأخيرة، فهو
يحدثنا عن طريق مأمون للقوافل من بغداد (خلال الصحراء) إلى مرباط وظفار، يسلكه البدو مرتين فى السنة ويأتون فيهما بالجياد ويقايضون عليها بالتوابل والعباءات النفيسة. وفى روايته أن أحمد بن عبد اللَّه (618 = 1221 م) خرب ظفار وبنى المنصورة على مقربة منها، ثم حملت هذه المدينة الاسم ظفار من بعد؛ وفى أيامه كانت الناحية فى يد أهل حضر موت؛ ويقول ابن خلدون (Kay، المصدر المذكور، ص 133) إن التخريب حدث سنة 619 هـ وقد أطلق على ظفار الجديدة اسم الأحمدية نسبة إلى مخربها.
أما رواية أبى الفداء، التى فطن نيبور إلى ما وقع فيها من خلط (انظر ما تقدم، Beschreibung Niebuhr ص 236؛ وهومل Hommel، المصدر المذكور، ص 30 وما بعدها، مع إشارات إلى الكتب المتقدمة فى الزمن، وقد فصل نيبور هذا الخلط تفصيلًا أكثر، دون أن يخلو هو نفسه من الأخطاء) فقد قيل إن المدينة الساحلية، علاوة على ما سبق ذكره، تقوم على رأس خليج ولها تجارة مع الهند، وتكتنفها بساتين (انظر ابن الفقيه، المكتبة الجغرافية العربية، جـ 5، ص 109) ينمو فيها التانبول والكاكاو، ووصف ابن بطوطة مماثل لذلك (جـ 2، (ص 196 وما بعدها)، فقد أقلع حوالى سنة 730 هـ (1329 - 1330 م) من كلوة إلى ظفار بعد مضى أكثر من قرن على تدمير المدينة القديمة، وهو يقول إن المدينة كانت منعزلة تقوم فى واد فسيح الأرجاء (انظر ياقوت، جـ 4، ص 481)، ولكنه يدلى بملاحظات جديرة بالذكر عن البساتين الغنية والنبات (التانبول والكاكاو)، والأشجار المغلة للتوابل التى فى جوارها ومالها من شأن اقتصادى، وكانت ظفار التى وصفها ابن بطوطة مركز، تجاريًا مهمًا أيضًا.
أما فيما يختص بالتاريخ القديم فيحق لنا أن نذكر هنا فرضًا عرضه كليزر، وهو أن ظفار هى القصبة الحبشية القديمة (انظر Skizze، ص 181؛ Hommel Ethnologie، ص 654)، ومن المحقق أنها مرت فى صدر القرون الوسطى، شأنها فى ذلك شأن جنوبى
بلاد العرب بصفة عامة، بفترة ساد فيها نفود الفرس؛ ومما له شأن فيما حدث فى تاريخ لاحق لذلك محاولة قام بها الفرس لغزوها سنة 664 هـ (1265 م). حين فتح الأمير محمود بن أحمد الكوسى، أمير هرمز، ظفار ونهبها، وسرعان ما تشاجر بعد ذلك سليم بن إدريس حاكم ظفار مع المظفر الحاكم الثانى للأسرة المظفرية، وقد أنزل جيش اليمن الهزيمة بجيش المظفر سنة 678 هـ (1727 م) واستسلمت ظفار (Kay، المصدر المذكور، ص 311، عن ابن خلدون، ص 132)؛ وفى زمن بطوطة كانت ظفار مستقلة برأسها عن اليمن.
وكان ماركو بولو، معاصر أبى الفداء، قد سمع عن ظفار بوصفها من أهم موارد اللبان؛ ويفرق نيبور بحق (Beschreibung: Niebuhr، ص 226 و 263) بين المدينتين اللتين تحملان الاسم نفسه. ولكنه لم يستطع أن يعرف شيئًا عن المدينة الأخرى، اللهم إلا أنه كانت تقوم "على الساحل الجنوبى الشرقى لبلاد العرب مدينة ومرفأ" ظفار، وكذلك يذكر بيانات مماثلة (ص 286) حيث يشير إلى تصدير اللبان (ص 143 وما بعدها عن زراعة اللبان)؛ أما أول ما بلغنا من التفصيلات التى تتسم بدقة أكثر من ذلك عن هذه المنطقة فى الأزمان الحديثة فهى المعلومات التى زودتنا بها لجنة مسح الشواطى الإنجليزية؛ وقد جاء ولستد J. R. Wellsted إلى هناك أول ما جاء سنة 1833، وهو يصف مرباط والساحل الذى يمتد غربها (Travels in Arabia)، لندن جـ 2، ص 453 وما بعدها؛ Travels to the City of the Coliphs؛ ولندن 1840، جـ 2، ص 129 وما بعدها)، وقد ذهب كرتندن C.J.Cruttenden سنة 1837 برًا من مرباط إلى دهاريز، قصبة إقليم ظفار الساحلى (انظر Journal of an Excursion from Morebat to Dyreez، in Proceed. of Bombay Geogr. Soc. Transactions ، . . [1844، ص 184 وما بعدها] وقد حقق ما أكده له فرسنل Fresnel نقلا عن مبلغه فى جدة وعن هاينز Haines بأنه لم تعد فى زمانه مدينة اسمها ظفار، بل إن الإقليم
الممتد من مرباط إلى ريسوت هو الذى يحمل هذا الاسم، وهو قول لا يزال صحيحًا؛ وفى الوقت نفسه تقريبًا عرف فرسنل (انظر مصنفه Lettro، جـ 4، المصدر المذكور، ص 251 وما بعدها) من محسن مستشاره فى المسائل اللغوية أن الخرائب القائمة فى البليد التى كان محسن قد زارها لا تزال تحتفظ بآثار لمجد مدينة قديمة اسمها ظفار (وربما كانت هى المنصورة)، وإنما يقوم فيها الآن ثلاثة بيوت أو أربعة، وقد أخطأ فرسنل فوهم أن ظفار هذه هى القصبة الحميرية (مثله فى ذلك مثل ابن خلدون وأن البليد هى ميناؤها، وقد ايد ولستد (Travels: Wellsted) الكابتن هاينز (Memoir of the . .South and East Coasts of Arabia: S. B. Haines فى J.R.G.S لندن 1845، جـ 15، ص 104 وما بعدها).
واستمد ولستد بعض معلوماته من ملاحظات أبدتها بعثة هاينز ونشرت قبل الأوان دون إذن من هاينز (انظر Ritter، جـ 12، ص 608 والشاهد المذكور فى ص 654 وما بعدها (أما رواية كارتر (فى A Description of the frankincense trees of Arabia J.Bombay Br. R.A.S: G.j.Carter، فى لندن، 1848 جـ 2، ص 380 وما بعدها) فقد جاءت متأخرة جدًا عن ريتر (جـ 12، ص 356، وما بعدها)، حتى أنه لم يستطع استخدامها؛ وقد زودنا فيها كارتر بتفصيلات أخرى عن وجود شجرة اللبان؛ وأمدنا كليزر (Skizze، ص 180 وما بعدها؛ Abessinier، ص 184 وما بعدها) من استكشافاته الخاصة بعدة أماكن على الساحل تسمى ظفار ذكر معظمها فرسنل وكرتندن وهاينز.
وقد اتسعت معلوماتنا عن سهل ظفار بفضل "بنت" الذى سافر سنة 1894 - 1895 بمحاذاة الساحل (انظر Bent: فصل Dhofar and the Gara Mountains من كتابه، ص 227 وما بعدها)؛ وهو يزودنا بأسماء عدة أماكن لم تكن معروفة من قبل، ويحدّد منطقة اللبان تحديدًا أكثر دقة، وهو يقول إن مساحتهما لا تزيد كثيرًا عن مساحة جزيرة وايت Wight، ووالى
الحافة هو فعلا سيد سهل ظفار، وإنما تتبع الأرض بالاسم فحسب سلطان عثمان باعتبار أنها ملحقة بإمامة مسقط (انظر أيضًا Abessinier: Glaser، ص 126)؛ ويذكر أيضًا ياقوت وابن المجاور وابن بطوطة (انظر ما تقدم) سلطان ظفار المستقل برأسه، ومن الرحالة المحدثين ذكر نيبور (المصدر المذكور، ص 287)"الشيخ المستقل" هناك ولم تقع المنطقة أبدًا تحت حكم الترك، وقد حبطت محاولة الترك التى قاموا بها فى أواخر القرن الماضى لإخضاع هذا الإقليم، ويقول بنت عن تجارة اللبان إنها قليلة الشأن، ويأتى بدو قرا (Abessiinier: Glaser، ص 185، يزودنا بالنطق المحلى لقرا وهو بسكون القاف لافتحها) باللبان من الجبال إلى الساحل على ظهور الجمال (وهذا يذكرنا بما قاله ياقوت، جـ 3، ص 577)؛ فقد رأى مخازن اللبان فى الحافة؛ ويخترق الطريق إلى الجبال منطقة مليئة بأشجار اللبان، والمنطقة غنية عامة بالخضروات، ولعل زراعة اللبان فى الأزمان القديمة لم تكن أكثر اتساعًا من ذلك بكثير، ونجد المر أيضًا فى الجبال، وهو يقول، مثلما قال كارتر، إن البدو كانوا يقيمون فى كهوف فى الجبال، وفى هذا تأييد حديث الرواية التى وردت فى كتاب Periplus، ويبدو أنهم هم ممثلو أهل البلاد الأولين، ولغتهم لا يفهمها العرب؛ وهذا يذكرنا بما قاله الإصطخرى والإدريسى وابن المجاور عن مهرى، وقد زاد كروفورد على ما جاء به بنت (The Dhofar District: C.Craufurd فى Geogr. Journal لندن فى صفحة 101 وما بعدها وصف الخرائب البليد). وكان كليزر أول من صرف همه إلى اللغة التى يتحدث بها أهل سهل ظفار وجباله (انظر Abessiniar، ص 184؛ وانظر فيما يتصل بنقله الدقيق لما ورد عن شحرات: Hommel: Ethnologie ص 153)؛ ويجب أن نلزم الحرص فى استعمال نماذج اللغة التى أوردها بنت (المصدر المذكور، ص 275 وما بعدها) وقد أخذ رودوكاناكيس N.Rhodokanakisa سلسلة من النصوص من فم مواطن من أهل البلاد فى فينا سنة