الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طلاق
بينونة المرأة عن زوجها بتطليقه إياها، وصيغة التطليق بقول الزوج لزوجته: أنت طالق. والفكرة التى هى الأساس فى فعل طلق هى فك القيد والإرسال (مثل إطلاق الناقة من العقال) ومنه أخذ تطليق الرجل زوجته (فهى من هذا الوجه قد طلقت). وطلق أى أرسل (الناقة) من عقالها وطلق المرأة، والطالق الناقة التى حل عقالها والمرأة التى طلقها زوجها (انظر Arab. Eng. Lexicon: Lane مادة طلق).
1 -
وكان الحق فى حل عقدة الزواج للرجل وحده عند العرب الجاهليين. فقبل محمد عليه الصلاة والسلام بزمان طويل كان هذا الطلاق جاريًا بين العرب، وكان يترتب عليه مباشرة أن يترك الرجل تركا نهائيا كل الحقوق التى له على زوجته بحكم الزواج (انظر De Mohammedaansche bruidsgave: Th.W.Juynboll (وهى رسالة قدمت لجامعة ليدن) ص 42 - 64، والمؤلف يصحح الرأى الذى ذهب إليه سميث Robertson Smith فى كتابه Kinship and marriage in early Arabia الطبعة الثانية، ص 112 وما بعدها، وفلهاوزن J.Wellhausen فى بحثه Die Ehe bei den Arabern (فى Nachrichten v. d. Konigl. Ges. d wiss كوتنكن 1893) ص 452 وما بعدها).
2 -
والقرآن الكريم يضع للطلاق قواعد مفصلة إلى حد كبير. ويتبين من كمالها وإحاطتها، وخصوصًا من كثرة الحض على مراعاتها بدقة، أن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) كان فى هذا الباب يأتى بقواعد جديدة لم يعرفها قط معاصروه من قبل. وقد استبشع محمد (صلى الله عليه وسلم) بصفة خاصة ما يظهر أنه كان شائعًا فى بيئته من استغلال كل من الولى والزوج للمرأة من الناحية المالية ولا سيما فى أمر الطلاق. ويظهر أن أول قاعدة من قواعد تنظيم الطلاق فى الإسلام كانت هى تحريم اتخاذه وسيلة لابتزاز المال من المرأة، سورة النساء الآية 20 (وعن السنوات من 3 - 5 الهجرة من حيث الترتيب التاريخى فى جملته، وهو الذى ذكر هنا أكثر تفصيلا، انظر Geschichte des Korans: Noldeke Schwally)؛ والآية
19 السابقة للآية 20 من هذه السورة موجهة ضد الاعتداء على حقوق النساء من جانب أقارب المتوفى ومن جانب الولى: ونص الآية 20: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} وجاء فى الآية 21 {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} ويدرك النبى [صلى الله عليه وسلم] هنا بأن الطلاق على هذا النحو شرعى.
والآيات التالية التى تتناول الطلاق تستحدث شيئًا جديدًا هامًا جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو مدة العدة التى يقصد بها من جهة قطع الشك فيما يتعلق بأبوة المولود من زوجة مطلقة، ومن جهة أخرى إعطاء الفرصة للزوج للرجوع فى طلاق تسرع فيه. فقد ورد فى سورة البقرة الآية 228:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (وهذا المصطلح الذى فسر تفسيرات مختلفة يدل على آية حال على ظاهرة تتعلق بالحيض){وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (ويعطى الرجل فى هذه الآية الحق فى إرجاع زوجته فى مدة العدة حتى رغم إرادتها).
لكن هذا الحق الذى أعطى للرجل هنا لم يلبث أن أسئ استعماله. فكان الرجل يعيدها إلى عصمته قبيل نهاية العدة. ثم لا يلبث أن يطلقها بحيث كانت تظل دائما فى حالة انتظار انتهاء العدة، وكان يقصد الرجل من ذلك إلى أن يضطرها إلى افتداء نفسها برد المهر إليه أو بدفع فدية أخرى، ولذلك نزلت الآية 229 {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (وفى أحد التفاسير للآية أن الخلع، وهو افتداء المرأة نفسها بمال
تدفعه لزوجها لكى يطلقها، جائز -خلافًا لابتزاز الذى تقدم تحريمه)، فقد نصت الآية 230 {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (ويجوز أن يكون الشطر الأخير من الآية نزل بمناسبة حالة عرضت فعلا، إذ وقع أن امرأة طلقت للمرة الثالثة وتزوجت غيره أرادت أن ترجع إلى زوجها الأول). وفى الآية 231 بيان لما دعت إليه الضرورة بسبب استعمال حق إرجاع المرأة من الحيلولة دون إساءة استعمال الزوج حقه فى ذلك أثناء مدة العدة: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (ففى هذه الآية تحريم أن يراجع الرجل زوجته متظاهرًا بالمصالحة ثم يمسكها لمجرد تنغيص حياتها وإكراهها على افتداء نفسها بالمال. والآية التى يجوز أنها كانت قد نزلت مع الآيات السابقة تتضمن التحذير لأولياء النكاح للمطلقات)(1).
والقواعد التى فى الآية الأولى وما بعدها من سورة الطلاق جاءت بعد الآية 238 من سورة البقرة، لأنها مبنية على ما فى هذه الآية الأخيرة، لكنها على كل حال قبل السنة الخامسة للهجرة:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (يظهر أن معنى هذا التعبير العربى، وهو غير واضح كل الوضوح، أن الطلاق يجب أن يكون بحيث يمكن حساب مدة العدة بسهولة، أى ليس فى أثناء الحيض){وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (أى إذا ارتكبن الزنا) وتلك حدود اللَّه ومن يتعد حدود اللَّه فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل اللَّه يحدث بعد ذلك أمرًا. (أى فى مسلك الرجل إزاء المرأة بحيث يراجعها).
(1) يقصد كاتب المادة: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ. . .} الآية 232.
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} . (وهنا حض آخر على اتباع ما أمر اللَّه){وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} (نتيجة للشك حول مدة العدة){فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} . (وهنا حض آخر على اتباع ما أمربه اللَّه){أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. . .} . (وتلى ذلك قواعد خاصة بالمطلقة وهى ترضع؛ وفى هذه الآيات تفرض التزامات على الرجال لإسكان الزوجات والإنفاق عليهن أثناء مدة العدة، وهذا هو الذى يكمل العمل على حماية المرأة من الاستغلال المالى للرجل عند الطلاق، وهو العمل الذى بدأته الآية 20 من سورة النساء)؛ والآية 49 من سورة الأحزاب ترجع إلى آخر السنة الخامسة للهجرة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} ، والقاعدة العامة المبينة هنا جاءت أكثر تفصيلًا فى الآية 236، 237 من سورة البقرة:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (وهذه القاعدة أيضًا يظهر أن أصلها يرجع إلى حادثة وقعت فعلا وكانت مثار تساؤل. وفيما يتعلق بالأهمية الشرعية للرجوع فى الخطبة، وهو هنا يبدو كالطلاق قبل المس، انظر كتاب كوينبول Juynboll، المصدر المذكور، ص 73).
وبالإضافة إلى هذا توجد الآية؛ 28 من سورة الأحزاب (التى ترجع إلى آخر العام الخامس للهجرة) والآية 5 من سورة التحريم (من الفترة المدنية المتأخرة)، والآية 226 وما بعدها من سورة البقرة حيث يرد ذكر الطلاق مقترنًا بالإيلاء (1).
3 -
وقد تناول الحديث الطلاق بتفصيل لا يكاد يقل عما تناوله به القرآن؛ وإلى جانب عدة أحاديث هى مجرد تأكيد للأوامر المشهورة فى القرآن، بحيث لا نحتاج إلى تناولها هنا، توجد أيضًا أحاديث تفصل فى نظرية الطلاق تفصيلًا أكثر؛ فهناك جملة منها تحاول تحديد الطلاق بقدر الإمكان وتستحق التفاتًا خاصًا:"أبغض الحلال إلى اللَّه الطلاق"؛ قيام حكمين للإصلاح والتوفيق بين الزوجين؛ لا يصح أن تطلب الزوجة من الزوج أن يطلق زوجة أخرى لأجلها؛ اللَّه يعاقب الزوجة التى تطلب الطلاق من زوجها من غير سبب كاف. وهناك إجماع على تفسير الآية الأولى من سورة الطلاق بأن المراد هو أن يحرم الطلاق أثناء الحيض، فهذا الطلاق يعتبر خطأ، لكن لا نزاع فى صحته. وعلى من صدر منه أن يرجع فيه، فإن أصر على الطلاق فإنه يجب عليه أن يطلق طبقًا لأحكام الطلاق.
وهناك مسألة الطلاق ثلاثًا متتابعة، فقد اختلفت الروايات فى ذلك. وعلاوة على القول باعتبار مثل هذا الطلاق طلاقا ثلاثًا، فإن هناك استنكارًا شديدًا له. بل لقد ذهب البعض إلى عدم وقوعه ثلاثًا، وإلى هذا يشير الحديث، فقد ظل مثل هذا الطلاق حتى خلافة عمر يعد طلقة واحدة، وأن عمر كان هو أول من قال فى الفقه بالرأى الذى يعتبر أن هذا الطلاق ثلاث طلقات. وذلك لكى يخوف الناس من نتائج استعمال حق الطلاق.
وتذكر الأحاديث شرطًا آخر لابد منه للطلاق، وهو أن يكون بحسب السنة أى بحسب أحكام القرآن وأوامر الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وهو أنه لا يصح أن يقرب الرجل زوجته فى طهرها الذى يطلقها فيه (2).
(1) الإيلاء هو أن يقسم الرجل الذى هو أهل للطلاق إلا يمس امرأته مطلقًا أو مؤقتًا بأربعة أشهر أو أكثر، فالشرع حدد له أربعة أشهر، ، فإن ظل مصرًا على ذلك طلقت منه تلقائيًا بمجرد انقضاء الأربعة الأشهر عند الحنفية. وقال الشافعية: لا يقع الطلاق إلا بتطليق الزوج أو تفريق القاضى.
(2)
هذا هو تعبير كاتب ويمكن القول أيضًا إن الرجل يصح أن يطلق زوجته فى طهر جامعها فيه وهذا أوضح.
وما يسمى بالتحليل، وهو تزوج امرأة طلقت ثلاثًا ثم تطليقها على الفور، وذلك لمجرد تسهيل مراجعة زوجها الأول (الآية 230 من سورة البقرة) شئ لقى إنكارًا شديدًا بل كان موضع لعن؛ ولا تعتبر المرأة بصفة عامة حلالًا لزوجها الأول إلا إذا تم زواجها من الزوج الثانى. ودفعًا للعبث فى أمر النطق بالطلاق فقد عد الطلاق الذى يلقى به فى حالة المزاح طلاقًا شرعيًا ملزمًا. ثم إن الطلاق من جهة أخرى فسخ لعقدة الزواج، لذلك فإنه إذا وقع قبل إتمام الزواج فلا قيمة له.
وليس ببين إن كانت المرأة التى طلقت ثلاثًا لها فى أثناء العدة الحق على زوجها فى السكنى والإنفاق؛ وأقدم الاختلافات فى الرأى حول هذه المسألة كائنة فى جملة من الأحاديث، بعضها ينكر هذا الحق كلية وبعضها يقول به فيما يتعلق بالسكنى وحدها، وبعضها فيما يتعلق بالإنفاق فحسب.
ولم تُنظَّم قواعد للطلاق بين الأرقاء. والحديث يعطى للرقيق أيضًا الحق فى الطلاق لكن مرتين فحسب (وهذا مشابه لتشريعات أخرى)، وكذلك يجعل مدة العدة للأمة قُرءين.
وكل من دخل فى الإسلام وله أكثر من أربع زوجات يجب عليه أن يطلق ما زاد عن الأربع، وإذا كان متزوجًا من أختين وجب أن يطلق إحداهما.
وروى أن النبى [صلى الله عليه وسلم] أشار بأن يطلق عبد اللَّه بن عمر زوجته لأجل أن أباه كان يكرهها.
4 -
وأقدم الفقهاء (إلى بداية تكون المذاهب)، وبعضهم كانوا فى عصر تدوين الأحاديث، يتوسعون فى مبدأ الطلاق على الأسس التى تقدم ذكرها؛ وأهم الآراء التى يجب أن نذكرها فى هذا المقام هى: مبدأ طلاق السنة وشروطه الثلاثة، وقد فصل ذلك بعد. ومن ينسب إليهم هذا المبدأ: عبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه ابن عمر، والضحاك، وحماد، وإبراهيم النخعى، وعكرمة، ومجاهد، ومحمد بن سيرين (ومثل هذه النسبة إلى أقدم
الفقهاء يجب أن تعتبر غير تاريخية وإنما أصبحت تاريخية على وجه اليقين إبتداء من إبراهيم النخعى؛ وهذا يصدق أيضًا على ما يلى) وهو ينطبق حتى على الحالة التى تكون فيها المرأة ذات حمل؛ والحجة فى ذلك، على ما يذكر، هم: عبد اللَّه بن مسعود، وجابر بن عبد اللَّه، وحماد والحسن البصرى وإبراهيم النخعى. والطلاق ثلاث مرات متتالية صحيح من حيث هو طلاق ثلاث عند الغالبية العظمى بمن فيهم عبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عمر، وحماد، والحسن البصرى، وإبراهيم النخعى، والزهوى، بل يذكر أحيانًا أن هذا الرأى هو الرأى السائد الوحيد الذى لا يوجد رأى مخالف له، لكن فى تاريخ متأخر عن ذلك بعض الشئ كان هناك من يدافع عن الرأى القائل بأن مثل هذا الطلاق يجب أن يعد صحيحًا مرة واحدة. وعلى حين يذهب رأى الغالبية، الذين يذكر بينهم عبد اللَّه بن عباس والضحاك، إلى أن المرأة تصبح حرامًا على الرجل بعد طلاق الثلاث المتتالية بحيث لا تستطيع أن تتزوجه من جديد إلا بعد أن تنكح رجلا آخر ويتم الزواج ثم يطلقها هذا الرجل، فإن هذه النتائج -بحسب رأى يذكر عن مجاهد (ومعه آخرون) وهو يتابع الطبرى، ويرجع إلى اختلاف فى تفسير الآية 228 وما بعدها من سورة البقرة- تصبح نافذة بعد طلاق مرتين إن لم يرجع فيه الرجل بل "يسرح المرأة". أما أنه لابد من إتمام الزواج الثانى إتمامًا فعليًا إذا أريد أن تصبح المرأة حلالًا للزوج الأول، فهو ما يطالب به الجميع قاطبة، ومنهم مثلا عبد اللَّه ابن عباس، وعبد اللَّه بن المبارك، وعبد اللَّه ابن عمر، وإبراهيم النخعى، وسعيد بن المسيب، والزهرى. ويؤكد كل من عبد اللَّه بن مسعود، وحماد، وإبراهيم النخعى، صحة الطلاق الذى ينطق به فى حالة المزاح تأكيدًا صريحًا، وهو يعتبر طلاقًا معترفًا بصحته عند الجميع.
وهناك تأكيد إجماعى للمبدأ القائل بأنه فى حالة الطلاق بعبارات غير صريحة يكون المعول على نية الناطق
بها، لكن هناك خلاف كثير فى الرأى حول عبارات بعينها، وهل تعتبر غير صريحة أم لا، وحول الطلاق بالإكراه أو تحت تأثير السكر: هل يعتبر صحيحًا أو غير صحيح؟ والمسألة هنا مسألة تطبيق مبادئ هى ذات أهمية فيما عدا ذلك أيضًا، أجل تطبيقها فى ميدان كان له، نظرا لأهميته، شأن كبير فى تطور هذه المبادئ، وإنكار صحة الطلاق قبل إتمام الزواج يستند إلى الحديث الذى رواه عبد اللَّه بن عباس، وعلى، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن المسيب وغيرهم، أما الطلاق المشروط بإتمام الزواج (إن تزوجتك فأنت طالق) فهو يعتبر صحيحًا عند عبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عمر، وإبراهيم النخعى، والزهرى، لكن ينكر ذلك آخرون. وكل طلاق قبل إتمام الزواج فهو بات لا يمكن الرجوع فيه (انظر سورة البقرة، الآية 236، 237؛ سورة الأحزاب، الآية 49) وأصحاب هذا القول هم عبد اللَّه بن عباس، وحماد، وإبراهيم النخعى، والزهرى وغيرهم (هذه القاعدة تتفق بلا شك مع روح القرآن - انظر سورة الأحزاب، الآية 49). والآراء المختلفة الموجودة الحديث حول حقوق المطلقة ثلاثًا فى السكنى والنفقة توجد هنا أيضًا: وبحسب رأى عبد اللَّه بن عباس، والحسن البصرى، وعكرمة، لا حق لها كلية، وعند الزهرى (وهو يظهر بين أنصار الرأى الأول، لكن الراجح أن ذكره بينهم خطأ) أنه لاحق لها إلا فى السكنى، وعند عبد اللَّه بن مسعود وحماد وإبراهيم وعمر، أن لها الحق فى السكنى والنفقة. ويذهب عبد اللَّه بن عمر، وسعيد بن المسيب، والزهرى إلى أنه لا يجوز للرقيق أن يطلق إلا مرتين سواء كان الطلاق لأمة أو حرة.
أما عند عبد اللَّه بن مسعود، وإبراهيم النخعى فإن العامل الحاسم فى ذلك هو مركز المرأة من حيث هى أمة. فكل من كان زوجا لأمة سواء كان عبدًا أو حرًا فليس له أن يطلق أكثر من مرتين. ولفظ القروء الوارد فى القرآن (سورة البقرة، الآية 228 وما بعدها) يفسر
أحيانا بأنه الحيض، وأحيانا بأنه مدة الطهر؛ ومن أصحاب الرأى الأول عبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن مسعود، والضحاك، وحماد، وإبراهيم النخعى، وعكرمة، وعمر، وفقهاء العراق. ويذكر من أصحاب الرأى الثانى عبد اللَّه بن عمر، والزهرى (وينسب إليه الرأى الأول خطأ) وفقهاء المدينة. وكل من على وسعيد بن المسيب يذكر بين أصحاب الرأيين الأول والثانى.
وهناك خلافات فى الرأى أقل شأنا من ذلك حول تفسير ألفاظ قرآنية مختلفة وردت فى سورة البقرة الآية 228، وسورة الطلاق، الآيات 1 و 2 و 4. وهناك إجماع على أنه يحق للزوج أن يرجع فى الطلاق حتى رغم إرادة الزوجة، وهذا ما يقول به صراحة أمثال عبد اللَّه بن عباس، والضحاك، والحسن البصرى، وإبراهيم النخعى، وعكرمة، ومجاهد.
5 -
وأحكام الفقه فى الطلاق مبنية على ما تقدم، ويمكن إجمالها باختصار فيما يلى: للزوج الحق فى تطليق زوجته حتى بدون إبداء الأسباب، لكن الطلاق بدون أسباب وجيهة مكروه، بل هو عند الأحناف حرام، وأيضا يعتبر "طلاق البدعة" حراما، وذلك هو الطلاق الذى لا تراعى فيه شروط "طلاق السنة"(انظر ما تقدم) لكن هذا لا يؤثر بحال فى صحة الطلاق.
ويشترط فى الزوج لكى يصح منه الطلاق بلوغ الرشد وسلامة العقل. ولا يعتبر طلاق القاصر صحيحا إلا بحسب حديث واحد عند أحمد بن حنبل، والوصى يقوم مقام الزوج الذى لا تتوفر فيه الشروط المطلوبة شرعا.
والطلاق حق شخصى يجب أن يباشره الزوج شخصيا أو بمعرفة وكيل يعينه هو خاصة، بل يستطيع الزوج أن يعطى هذا التفويض للزوجة أيضا، فهى التى تطلق نفسها.
والطلاق يكون بعد زواج صحيح، والطلاق المعلق بشرط إتمام الزواج (انظر ما تقدم) غير صحيح عند الشافعية والحنابلة، لكن صحيح عند الأحناف والمالكية (لكنه عند المالكية لا يعتبر صحيحا إلا إذا صيغ فى عبارة
عامة لا تخصيص فيها مثل أن يقول المطلق: كل امرأة أتزوجها طالق).
وطلاق المخرف والمجنون غير صحيح، وطلاق السكران كان مثار مناظرات حية فى جميع المذاهب، فطلاق السكران المذنب يعتبر صحيحًا عند غالبية الفقهاء. وطلاق المكره صحيح عند الحنفية وليس صحيحا عند المالكية، والشافعية، والحنابلة.
والعبارات المتضمنة للطلاق الدالة عليه دلالة صريحة مباشرة توقعه مهما كانت نية القائل لها عند نطقه بها. وإذا استعمل الناطق بالطلاق عبارات مسهبة غير ملتبسة فإن الحنابلة والحنفية والشافعية يشترطون النية أيضا، على أن المالكية لا يجعلون لها أهمية، أما إذا استعمل المطلق ألفاظًا أو إشارات ملتبسة فإن النية هى العامل الحاسم الوحيد.
وبين أصحاب المذاهب خلاف كبير فى الرأى حول كل هذه المسائل من حيث التطبيق على حالة المطلق. وهناك خلاف كثير أيضًا حول صحة الطلاق المعلق بشرط، هذا بصرف النظر عن الحالة التى تقدم (ذكرها) فالحنفية والشافعية يعتبرون أن الطلاق المعلق إنما يقع عند وقوع الشرط، والمالكية ينظرون إليه بحسب طبيعة الشرط فيعتبرونه أحيانا واقعا على الفور وأحيانا لا قيمة له.
ومدة العدة تبتدئ بعد الطلاق مباشرة، إلا إذا كان الطلاق قبل إتمام الزواج فهذا الطلاق بائن: وفى هذه الحالة لا تحتاج المرأة إلى عدة، وليس لها إلا المطالبة بنصف المهر إن كان قد فرض وحدد مقداره (وإذا كان قد دفع وجب عليها أن ترد نصفه) ولها الحق فى هدية الزواج، وهى التى يقال لها المتعة بحسب تقدير الرجل (انظر سورة البقرة الآية 236، 237.
ولابد من التفرقة بين الطلاق الرجعى والطلاق البائن. ففى الحالة الأولى يعتبر الزواج شرعا قائما بكل نتائجه، وللمرأة على الزوج الحق فى السكنى والنفقة طول مدة العدة، وللزوج من جهة أخرى الحق فى الرجوع فى الطلاق طول مدة العدة،
فإذا ترك هذه المدة تمضى من غير أن يستعمل هذا الحق انحل الزواج نهائيا بانتهاء المدة، فإن لم يكن المهر قد دفع وجب دفعه، إلا إذا كان قد اتفق على دفعه فى تاريخ بعد ذلك. فإذا حدث صلح بين الطرفين، وأرادا أن يتراجعا فلابد لهما من عقد جديد ومهر جديد.
أما فيما يتعلق بالطلاق البائن فإن الزواج ينحل به على الفور انحلالا نهائيا (مع استثناء واحد وهو أن الطلاق البائن الصادر عن الرجل فى مرض يموت فيه لا يحرم الزوجة من حقوق الميراث، وهذا هو رأى الأحناف والحنابلة مع اختلاف فى التفصيلات، أما الشافعية فهم يعتبرون أن الرأى الآخر أفضل) على أنه لابد فى هذه الحالة من أن تقضى الزوجة مدة العدة، ولا يصح لها فى أثناء هذه المدة أن تتزوج. وفى هذه المدة لها على الزوج الحق فى السكنى، لكن لا يكون لها الحق فى النفقة إلا إذا كانت حاملا. ودفع الزوج للمهر هو كالحال فى الطلاق الرجعى. ولا يجوز عقد زواج جديد بين الطرفين الأولين إلا إذا كانت المرأة فيما بين ذلك قد أتمت الزواج برجل آخر وعاشرته (انظر سورة البقرة، الآية 230)، لكن حتى هذا السبيل لا يكون ميسورا لهما إلا مرتين.
والطلاق الثالث يعتبر بائنًا بين الأحرار (انظر سورة البقرة، الآية 229 وما بعدها)، أما بالنسبة للرقيق فالطلاق الثانى هو البائن ولا أهمية لكون الطلقات المتفرقة قد حصلت فى زواج واحد أو أكثر لم يفصل بينها تحليل. وفيما يتعلق بالزواج بين الأحرار والإماء فإن مركز الرجل هو المعول عليه عند المالكية والشافعية والحنابلة، ومركز المرأة هو المعول عليه عند الحنفية.
ومدة العدة للمرأة ثلاثة قروء (انظر سورة البقرة، الآية 228) أى أنه عند المالكية والشافعية ثلاثة أطهار، وعند الحنفية ثلاث حيضات، فإذا كانت الزوجة حاملا استمرت المدة حتى تضع حملها. أما بالنسبة للأمة فمدة العدة فى الحالة الأولى قرءان وفى الحالة الثانية شهر ونصف، فإذا كانت الأمة حاملا استمرت المدة أيضا حتى الوضع.
وعند الحنفية، وهو الأشهر عند المالكية، أنه لا يجوز وطء المرأة التى لم تطلق الطلاق البائن فى أثناء مدة العدة، وعند المالكية والشافعية والرأى الآخر للحنابلة، أن ذلك محرم. وبحسب ذلك يعتبر الوطء عند الأولين رجوعًا فى الطلاق فى كل حال، ولا يعتبر عند المالكية رجوعا فى الطلاق إلا إذا كانت نية الرجل قد انعقدت على ذلك. أما الشافعية فلا يعتبرون فى الرجوع فى الطلاق إلا الكلام الصريح من جانب الزوج.
6 -
وأحكام الطلاق عند الشيعة لا تختلف إلا فى تفصيلات قليلة الأهمية عن أحكامه عند أهل السنة التى تكلمنا عنها حتى الآن، فالشيعة يفسرون الآية الثانية من سورة الطلاق تفسيرًا أكثر تشددًا، ويرون أنه لكى يكون الطلاق صحيحا لابد من إحضار شاهدين تتوفر فيهما الشروط الشرعية، هذا على حين أن أهل السنة لا يرون ضرورة للشاهدين. والشيعة يجعلون قيمة للعبارات الملتبسة والعبارات والإشارات التى تحتمل أكثر من وجه مهما كانت نية الناطق بالطلاق.
7 -
والطلاق، من حيث هو نظام متعلق بتشريع الأسرة، يجب أن يجرى من الناحية العملية على أسس تمليها أحكام التشريع الإسلامى بكل شدة.
وقد أدت كثرة الطلاق ذاتها، وفى أحيان كثيرة طلاق ثلاث لأتفه الأسباب، إلى هذا الإجراء الآتى:
إذا أراد الزوجان أن يتراجعا بعد الطلقة الثالثة فإنهما يبحثان عن شخص مناسب يكون مستعدًا فى مقابل مكافأة لأن يعقد على الزوجة ثم يطلقها على الفور، وهنالك تصبح الزوجة حلالا لزوجها الأول، ولذلك فإن الشخص الذى يقوم بالدور فى هذا التحليل يسمى المحلل، ويفضل استخدام شخص قاصر أو شخص مملوك، لهذا الغرض.
ولا يمكن الاعتراض بحال على صحة مثل هذا الإجراء بشرط ألا تذكر كلمة التحليل عند عقد هذا الزواج الحاصل بين الطلاق ثلاثا وبين المراجعة، ويدافع الحنفية عن جوازه، لكن المالكية والشافعية يعارضونه. وابن تيمية الحنبلى كان يرى أن التحليل فى الجملة غير جائز وقد هاجمه فى