الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طومان باى
طومان باى "الثانى" الملك الأشرف (من قنصوه الغورى): هو آخر سلاطين المماليك، حكم من 14 رمضان سنة 922) (17 أكتوبر سنة 1516) إلى 21 ربيع الأول سنة 923 (15 سبتمبر سنة 922)، ونشأ مملوكا لدى الأمير قانصوه الذى أصبح من بعد السلطان الغورى وإليه انتسب، ثم وهب للسلطان قايتباى. وأمر قايتباى بتدريبه بين طائفة الكتَّاب من المماليك (الكاتبية)، وأعتقه السلطان الناصر الثانى، والراجح أن ذلك كان فى أوائل سنة 902 هـ (1496 م) ورقاه إلى وظيفة "جاندار"، ثم التحق بعد ذلك بقليل بحرس السلطان، وظل فيه حتى تولى قريبه السلطان قانصوه الغورى، فجعله أمير عشرة، وفى سنة 910 هـ (1504 م) أى عند وفاة ولى العهد، أصبح طومان باى "أمير طبلخانه" وكبير السقاه، وأصبح سنة 913 هـ "دوادار كبير" ثم "أستادار" و"كاشف الكشوف" كما جرت الحال فى أواخر عهد المماليك وبذلك ارتقى إلى أرفع المناصب المدنية؛ وغدا "نائب الغيبة" حين شخص السلطان إلى الشام لقتال السلطان سليم، فلما هزم السلطان الغورى وقتل قضى طومان باى على روح الهزيمة بين الجنود والأمراء المتقهقرين، وأعاد النظام إلى صفوفهم بقدر ما وسعه، فوثق به الأمراء والشعب. وانعقدت له البيعة بالإجماع فقبل آخر الأمر أن يلى العرش بعد تردد مع إدراكه تمام الإدراك بالمصاعب التى تكتنف موقفه. وكان الافتقار إلى المال هو الخطر الأول؛ ذلك أن الترك استولوا من السلطان الغورى على بضعة ملايين من الدنانير، بعضها كان محتفظًا به فى معسكره، وبعضها كان فى حصونه؛ زد على هذا أن الجيش كان منهكا، ولم يكن يؤمن جانب الأمراء الكبار. وقضى فى الأمر لمصلحة طومان باى بفضل رجل من العلماء هو الشيخ أبو سعيد الجارحى (نسبة إلى يحيى بالقرب من مصر القديمة لا يزال يحمل اسمه) وقد حمل هذا الشيخ الأمراء على حلف يمين الولاء له. وكان
الخليفة سجينًا لدى السلطان سليم، على أن أباه أعطى طومان باى براءة تعيينه وبذل له آيات الاحترام. وولى طومان باى الأمراء العائدين من الشام أرفع المناصب. وبلغته استغاثة من غزة فبادر بإنفاذ الجنود إليها، وحوالى هذا الوقت بعث السلطان سليم بعرض للصلح، طالبا أن يدين له طومان باى بالولاء. وكان السلطان الجديد مستعدًا لعقد الصلح ولكن الأمراء كانوا غير ميالين إلى ذلك وحاولوا أن يقتلوا الرسل الذين بعث بهم السلطان سليم مما جعل الاستمرار فى الحرب بين الطرفين أمرًا لا محيص عنه. وحاقت الهزيمة بالجنود الذين أنفذهم السلطان بقيادة جانبردى فى غزة على يد سنان باشا وعاد إلى القاهرة. وهناك عبر سليم الصحراء وناوشه البدو، إلا أنه استطاع أن يبلغ مصر هو وجنوده فى حالة طيبة. وأراد طومان باى أن يبادر إلى مهاجمته عند الصالحية بمجرد وصوله، ولكن الأمراء قرروا أن يتريثوا حتى يلقوه أمام القاهرة بين المطرية وجامع الأحمر فى الريدانية؛ وأقيمت المدافع فى مواقعها فى الرمال لتحول دون تقدم الترك، على أن الخيانة فعلت فعلها فأبلغت هذه الخطبة للعثمانيين فالتف جيشهم حول موقع المصريين وهاجمهم من الجناح. ولم تمض ساعة حتى كانت مدفعية الترك الذين أحسنوا اختيار موقعها قد حصدت الجزء الأكبر من جيش المماليك. واقتحم السلطان طومان باى الشجاع على رأس سرية من جيشه صفوف الجنود الترك إلى خيمة السلطان سليم وأطاح برؤوس الأمراء الترك ظانا أن السلطان سليم كان بينهم. ثم عاد سالمًا فوجد المصريين يفرون فتبعهم إلى النيل ولم شعث البقية القليلة من فلول جيشه. واستولى الترك على القاهرة ونهبوها وقتلوا كل ما وقع بين أيديهم من المماليك. ونجح طومان باى مرة أخرى فى استرداد المدينة وثبت فيها يومين، ثم اضطر إلى الفرار عابرًا النيل إلى الصعيد. ومن هناك فاوض السلطان سليم فوعد سليم بأن يرتد عن مصر إذا ضربت باسمه السكة وكانت الخطبة له فى صلاة الجمعة. وكان السلطان مستعدًا لقبول هذه الشروط، ولكن
الأمراء منعوه من ذلك وذبحوا رسل سليم، ومن ثم عمد سليم إلى قتل الأمراء والمماليك المصريين الذين أسرهم فى القاهرة، وأمر جنوده بعبور النيل، ولكنهم رسوا متفرقين شراذم فقضى عليهم جنود طومان باى الذين كانوا يفوقونهم عددًا. ولذلك استقر رأيه على أن يستعين بمدفعيته، فأقام المدافع على ضفة النيل، وقذف أعداءه بالقنابل فأصابهم بضر عظيم فعمدوا إلى الفرار، وهناك أصبح فى استطاعة الترك أن يعبروا النيل. وجمع طومان باى مرة أخرى جيشًا، ومن ثم أنفذ إليه رسولا للتفاوض معه؛ على أن هذا الرسول الذى كان من قبل مملوكًا لطومان باى، بدأ يستعمل فى كلامه ألفاظًا مهينة فجرح أثناء المناقشة وأعيد إلى السلطان سليم. ودار القتال سجالًا فى تلك الليلة. وفى اليوم التالى تحدى تابعه القديم للمبارزة التى انتهت بفوز السلطان. على أن جنود المماليك حلت بهم هزيمة منكرة على يد القوات المتفوقة للترك والبدو الذين كانوا قد انضموا إليهم على الرغم من الشجاعة التى أبداها المماليك. ولجأ طومان باى إلى شيخ من شيوخ البدو كان قد أسدى إليه معروفًا، ولكن قومه حملوا الشيخ على الإخلال بعهده وإذاعة مخبأ طومان باى. فأمر سليم بأسره وحمل إلى خيمته حيث أشبعه تأنيبًا على ما بدر منه من قتل رسله. وتأثر سليم بنبل سلوكه، وجنح إلى العفو عنه، إلا أن الأمراء شخصوا إليه ونصحوه فأمر بشنق طومان باى بعد ذلك بأسبوع على باب زويلة.
وهكذا قتل آخر سلاطين المماليك. وترجع أسباب هزيمته إلى فساد الحالة فى مصر، والمشاحنات المتصلة بين المماليك، والافتقار إلى المال، ولكن السبب الأكبر الذى يقتضينا الأمر أن نعود فنؤكده، هو تفوق الترك فى المدفعية، ذلك أن المماليك الشجعان لم يحفلوا باستخدام المدفعية ولم يستطيعوا أن يدركوا شأنها العظيم فى الحرب، لأنهم اعتقدوا أن العامل