الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب والحث على التواضع من القرآن والسنة
الترغيب والحث على التواضع من القرآن
- قال الله تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63] قال ابن القيم: (أي سكينة ووقارا متواضعين غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين قال الحسن: علماء حلماء وقال محمد بن الحنفية: أصحاب وقار وعفة لا يسفهون وإن سفه عليهم حلموا والهون بالفتح في اللغة: الرفق واللين والهون بالضم: الهوان فالمفتوح منه: صفة أهل الإيمان والمضموم صفة أهل الكفران وجزاؤهم من الله النيران)(1).
(وقال تعالى مخاطباً رسوله ممتناً عليه وعلى المؤمنين فيما أَلان به قلبه على أمته المتبعين لأمره، التاركين لزجره، وأطاب لهم لفظه فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159])(2).
- كما أمره الله سبحانه وتعالى أن يلين جانبه للمؤمنين وأن يتواضع لهم فقال: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر: 88]
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (أي ألن جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم)(3).
وقال عز من قائل: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 215]
- ووصف الله سبحانه وتعالى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم (يظهرون العطف والحنو والتواضع للمؤمنين ويظهرون الشدة والغلظة والترفع على الكافرين)(4) حيث قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة: 54]
وقال ابن كثير: (هذه صفات المؤمنين الكُمَّل أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه، متعززًا على خصمه وعدوه، كما قال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: 29])(5)
وقال ابن القيم: (لما كان الذل منهم ذل رحمة وعطف وشفقة وإخبات عداه بأداة على تضمينا لمعاني هذه الأفعال فإنه لم يرد به ذل الهوان الذي صاحبه ذليل وإنما هو ذل اللين والانقياد الذي صاحبه ذلول فالمؤمن ذلول كما في الحديث: المؤمن كالجمل الذلول والمنافق والفاسق ذليل)(6).
- وقوله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 24](حيث أمر الله بالتواضع - للوالدين- ذلا لهما ورحمة واحتسابا للأجر)(7).
وقال سبحانه: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: 83]
(1)((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/ 108).
(2)
((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 148).
(3)
((الجامع لأحكام القرآن)) (10/ 56).
(4)
((فتح القدير)) للشوكاني (2/ 75).
(5)
((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (3/ 136).
(6)
((مدارج السالكين)) لابن قيم الجوزية (2/ 327)
(7)
((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) لعبد الرحمن السعدي (1/ 456).
قال ابن كثير: (يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين، الذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ، أي: ترفعًا على خلق الله وتعاظمًا عليهم وتجبرًا بهم، ولا فسادًا فيهم)(1).
الترغيب والحث على التواضع من السنة
رغب الإسلام في التواضع وحث عليه ابتغاء مرضات الله، وأن من تواضع جازاه الله على تواضعه بالرفعة، وقد وردت نصوص من السنة النبوية تدل على ذلك:
- منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) (2).
قال القاضي عياض في قوله صلى الله عليه وسلم ((وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) (3): (فيه وجهان: أحدهما: أن الله تعالى يمنحه ذلك في الدنيا جزاء على تواضعه له، وأن تواضعه يثبت له في القلوب محبة ومكانة وعزة.
والثاني: أن يكون ذلك ثوابه في الآخرة على تواضعه) (4).
- وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد)) (5).
قال ابن عثيمين: (يعني: أن يتواضع كل واحد للآخر ولا يترفع عليه، بل يجعله مثله أو يكرمه أكثر، وكان من عادة السلف رحمهم الله، أن الإنسان منهم يجعل من هو أصغر منه مثل ابنه ومن هو أكبر مثل أبيه ومن هو مثله مثل أخيه، فينظر إلى ما هو أكبر منه نظرة إكرام وإجلال وإلى من هو دونه نظرة إشفاق ورحمة، وإلى من هو مثله نظرة مساواة، فلا يبغي أحد على أحد وهذا من الأمور التي يجب على الإنسان أن يتصف بها، أي بالتواضع لله عز وجل ولإخوانه من المسلمين)(6).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من امرئ إلا وفي رأسه حكمة والحكمة بيد ملك إن تواضع قيل للملك: ارفع الحكمة، وإن أراد أن يرفع قيل للملك: ضع الحكمة أو حكمته)) (7).
- وعن معاذ بن أنس الجهني- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ترك اللّباس تواضعا لله، وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتّى يخيّره من أيّ حلل الإيمان شاء يلبسها)) (8).
قال ابن عثيمين: (وهذا يعني أن الإنسان إذا كان بين أناس متوسطي الحال لا يستطيعون اللباس الرفيع فتواضع وصار يلبس مثلهم، لئلا تنكسر قلوبهم، ولئلا يفخر عليهم، فإنه ينال هذا الأجر العظيم أما إذا كان بين أناس قد أنعم عليهم ويلبسون الثياب الرفيعة لكنها غير محرمة، فإن الأفضل أن يلبس مثلهم لأن الله تعالى جميل يحب الجمال ولاشك أن الإنسان إذا كان بين أناس رفيعي الحال يلبسون الثياب الجميلة ولبس دونهم فإن هذا يعد لباس شهرة فالإنسان ينظر ما تقتضيه الحال)(9).
(1)((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/ 258)
(2)
رواه مسلم (2588) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
رواه مسلم (2588) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
((إكمال المعلم شرح صحيح مسلم)) للقاضي عياض (8/ 59).
(5)
رواه مسلم (2865) من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه.
(6)
((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/ 524).
(7)
رواه البزار في ((كشف الأستار)) (4/ 223) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال: لا نعلمه رواه عن علي عن سعيد عن أبي هريرة إلا المنهال. وحسن إسناده الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 86).
(8)
رواه الترمذي (2481) من حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه. وحسنه، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (8584)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6145).
(9)
((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (4/ 317 - 318).
- وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه أنه سمع النّبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا أخبركم بأهل الجنّة؟ قالوا: بلى. قال صلى الله عليه وسلم: كل ضعيف متضعّف لو أقسم على الله لأبره. ثم قال: ألا أخبركم بأهل النّار؟ قالوا: بلى. قال: كل عتل جواظ مستكبر)) (1).
قال القاضي عياض: (وقوله: في أهل الجنة: كل ضعيف متضعف
…
هو صفة نفي الكبرياء والجبروت التي هي صفة أهل النار، ومدح التواضع والخمول والتذلل لله عز وجل وحض عليه) (2).
- عن أبي الدّرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ابغوني في ضعفائكم، فإنّما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)) (3).
قال الطيبي في معنى الحديث: (وفيه نهي عن مخالطة الأغنياء وتحذير من التكبر على الفقراء والمحافظة على جبر خواطرهم، ولهذا قال لقمان لابنه: لا تحقرن أحدا لخلقان ثيابه فإن ربك وربه واحد.
وقال ابن معاذ: (حبك الفقراء من أخلاق المرسلين وإيثارك مجالستهم من علامات الصالحين وفرارك منهم من علامات المنافقين). (4).
(1) رواه البخاري (4918)، ومسلم (2853) من حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه.
(2)
((إكمال المعلم شرح صحيح مسلم)) للقاضي عياض (8/ 383).
(3)
رواه أبو داود (2594)، والترمذي (1702)، وابن حبان (11/ 85) (4767) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح. وحسن إسناده البزار في ((البحر الزخار)) (10/ 75)، والنووي في ((الخلاصة)) (2/ 873).
(4)
((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) (1/ 109).