الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب والحث على الرفق في القرآن والسنة
الترغيب والحث على الرفق من القرآن الكريم:
(أوصى الإسلام بالرفق وحث عليه، واعتبر المحروم منه محروم من خير كثير، وذلك لأن الرفق في الأمور من شأنه أن يصلح ويعطي أفضل النتائج وأجود الثمرات، بخلاف العنف فمن شأنه أن يفسد ويعطي نتائج سيئة)(1).
قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159].
(يقول تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم، ممتنا عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته، المتبعين لأمره، التاركين لزجره، وأطاب لهم لفظه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ أي: أي شيء جعلك لهم لينا لولا رحمة الله بك وبهم)(2).
وقال سبحانه مخاطباً الرسول: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 215](أي: أرفق بهم وألن جانبك لهم)(3).
وقال سبحانه: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 43 - 44].
فقوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا (أي: سهلا لطيفا، برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف، ولا غلظة في المقال، أو فظاظة في الأفعال، لَّعَلَّهُ بسبب القول اللين يَتَذَكَّرُ ما ينفعه فيأتيه، أَوْ يَخْشَى ما يضره فيتركه، فإن القول اللين داع لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه)(4).
الترغيب والحث على الرفق من السنة النبوية:
- عن عائشة- رضي الله عنها ((أن يهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم. فقالت عائشة: عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم. قال: مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش. قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟. قال: أو لم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في)) (5).
- وعن جرير- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يحرم الرفق يحرم الخير (6).
قال ابن عثيمين: (يعني أن الإنسان إذا حرم الرفق في الأمور فيما يتصرف فيه لنفسه، وفيما يتصرف فيه مع غيره، فإنه يحرم الخير كله أي فيما تصرف فيه، فإذا تصرف الإنسان بالعنف والشدة فإنه يحرم الخير فيما فعل وهذا شيء مجرب ومشاهد أن الإنسان إذا صار يتعامل بالعنف والشدة؛ فإنه يحرم الخير ولا ينال الخير، وإذا كان يتعامل بالرفق والحلم والأناة وسعة الصدر؛ حصل على خيرٍ كثير، وعلى هذا فينبغي للإنسان الذي يريد الخير أن يكون دائماً رفيقاً حتى ينال الخير)(7).
- وعن عائشة- رضي الله عنها قالت: ((سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به)) (8).
(1)((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (2/ 337).
(2)
((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 148).
(3)
((معالم التنزيل)) للبغوي (6/ 207).
(4)
((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (506).
(5)
رواه البخاري (6030).
(6)
رواه مسلم (2592).
(7)
((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/ 592).
(8)
رواه مسلم (1828).
قال ابن عثيمين: (قد يظن بعض الناس أن معنى الرفق أن تأتي للناس على ما يشتهون ويريدون وليس الأمر كذلك بل الرفق أن تسير بالناس حسب أوامر الله ورسوله ولكن تسلك أقرب الطرق وأرفق الطرق بالناس ولا تشق عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله فإن شققت عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله فإنك تدخل في الطرف الثاني من الحديث وهو الدعاء عليك بأن يشق الله عليك)(1).
- وعنها أيضاً رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)) (2).
- وعن أبي الدرداء- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الخير)) (3)(إذ به تنال المطالب الأخروية والدنيوية وبفوته يفوتان)(4).
وهذه النصوص التي مرت معنا تدل (على أن الرفق في الأمور والرفق بالناس واللين والتيسير من جواهر عقود الأخلاق الإسلامية، وأنها من صفات الكمال، وأن الله تعالى من صفاته أنه رفيق، وأنه يحب من عباده الرفق، فهو يوصيهم به ويرغبهم فيه، ويعدهم عليه عطاءً لا يعطيه على شيءٍ آخر. ويفهم من النصوص أن العنف شَيْن خلقي، وأنه ظاهرة قبيحة، وأن الله لا يحبه من عباده)(5).
(1)((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/ 634).
(2)
رواه مسلم (2594).
(3)
رواه الترمذي (2013) واللفظ له، وأحمد (6/ 451)(27593)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (464). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6055).
(4)
((فيض القدير)) للمناوي (6/ 75).
(5)
((الأخلاق الإسلامية)) لعبدالرحمن الميداني (2/ 339).