الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نماذج من حلم النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم غاية الحلم والعفو وأن السنة النبوية حافلة بمواقف الرسول الكريم في الحلم ومن ذلك قصة الأعرابي الذي جبذ النبي صلى الله عليه وسلم بردائه جبذة شديدة، فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه أنّه قال:((كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية فأدركه أعرابيّ فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتّى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثّرت بها حاشية البرد من شدّة جبذته ثمّ قال: يا محمّد مر لي من مال الله الّذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ ضحك ثمّ أمر له بعطاء)) (1).
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه أنّه قال: ((إنّ رجلا أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ، فهمّ به أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه فإنّ لصاحب الحقّ مقالا. ثمّ قال: أعطوه سنّا مثل سنّه، قالوا: يا رسول الله، إلّا أمثل من سنّه، فقال: أعطوه، فإنّ من خيركم أحسنكم قضاء)) (2).
وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه قال: ((كأنّي أنظر إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحكي: نبيّا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون)) (3).
قال النووي (فيه ما كانوا عليه صلوات الله وسلامه عليهم من الحلم والتصبر والعفو والشفقة على قومهم ودعائهم لهم بالهداية والغفران وعذرهم في جنايتهم على أنفسهم بأنهم لا يعلمون وهذا النبي المشار إليه من المتقدمين وقد جرى لنبينا صلى الله عليه وسلم مثل هذا يوم أحد)(4).
وعن أنس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً، فأرسلني يوماً لحاجة فقلت: والله! لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قابض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس اذهب حيث أمرتك، قلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: والله لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين ما علمت قال لشيء صنعت: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا لشيء تركت: هلا فعلت كذا وكذا)) (5).
((وعن عائشة- رضي الله عنها زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّها قالت للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا)) (6).
(1) رواه البخاري (3149) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري (2306) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
رواه البخاري (3477) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(4)
((شرح النووي على مسلم)) (12/ 150).
(5)
رواه مسلم (2310) من حديث أنس رضي الله عنه.
(6)
رواه البخاري (3231) ومسلم (1795) من عائشة رضي الله عنه.
وحلمه صلى الله عليه وسلم على ذي الخويصرة فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: ((بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يَقْسم قَسْماً إذ أتاه ذو الخُوَيصرة - رجل من بني تميم- فقال: يا رسول الله اعدل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلك ومن يعدل إن لم أعدل لقد خبتُ وخسرتُ إذا لم أعدل فمن يعدل؟ " فقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دَعْه فإنّ له أصحاباً يَحْقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقَيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرُق السهم من الرَّميَّة، ينظر إلى نَصْله فلا يوجد فيه شيء، ثم إلى رُصافة فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نَضِيَّة- وهو قِدْحه - فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قُذَذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفَرْث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تَدَرْدَرُ، ويخرجون على حين فُرْقة من الناس، قال أبو سعيد: فأشهد أنِّي سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه، وأمر بذلك الرجل فالتُمس فأُتي به حتى نظرت إليه على نَعْت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت)) (1).
وحلمه على كفار قريش حينما أرادوا الغدر يوم الحديبية، عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلاً من أهل مكة بالسلاح من قِبَل جبل التَّنْعيم يريدون غِرَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم فأُخذوا، قال عفان: فعفا عنهم، ونزلت هذه الآية وَهُوَ الَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [الفتح: 24]) (2).
وكذلك حلمه عليه السلام على اليهودي الذي سحره، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود لذلك أياماً، قال: فجاءه جبريل عليه السلام فقال: إنَّ رجلاً من اليهود سحرك، عقد لك عقداً في بئر كذا وكذا فأرسل إليها من يجيىء بها. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم (علياً رضي الله تعالى عنه) فاستخرجها فجاءه بها فحلَّلها، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نَشِط من عَقال، فما ذكر ذلك لليهود ولا رآه في وجهه حتى مات (3).
ومن تلك النماذج حلمه عليه السلام على المرأة اليهودية التي أتته بشاة مسمومة
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه ((أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك قالت: أردت لأقتلك، فقال: ما كان الله ليسلطك عليَّ - أو قال: على ذلك - قالوا: ألا تقتلها؟ قال أنس: فما زلت أعرفها في لَهَوات رسول الله صلى الله عليه وسلم)(4).
(1) رواه البخاري (3610)، ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
رواه مسلم (1808)، وأحمد (3/ 122)(12249) من حديث أنس رضي الله عنه.
(3)
رواه النسائي (4080)، وأحمد (4/ 367) (19286) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه. قال ابن حجر في الفتح (10/ 239):[له طرق]. وصحح إسناده الألباني في ((صحيح النسائي)) (4091).
(4)
رواه البخاري (2617)، ومسلم (2190) من حديث أنس رضي الله عنه.