الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل الصبر والحث عليه من القرآن والسنة
فضل الصبر والحث عليه من القرآن الكريم:
الصبر من أكثر الأخلاق التي اعتنى بها القرآن الكريم، وهو من أكثر ما تكرر ذكره في القرآن.
قال الإمام أحمد رحمه الله: (ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعاً)(1).
وقد سيق الصبر في القرآن في عدة أنواع ذكرها ابن القيم في كتابه (عدة الصابرين) ونحن نذكر بعضها:
- أحدها: الأمر به كقوله: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127] وقال: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [الطور:48].
- الثاني: النهي عما يضاده كقوله تعالى: وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ [الأحقاف:46] وقوله: وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ [القلم:48].
- الثالث: تعليق الفلاح به كقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 3] فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور.
- الرابع: الإخبار عن مضاعفة أجر الصابرين على غيره كقوله: أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا [القصص:54] وقوله: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].
- الخامس: تعليق الإمامة في الدين، به وباليقين قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24](2).
فضل الصبر والحث عليه من السنة النبوية:
- من فضائل الصبر أن من يتصبر يصبره الله، فعن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه:((أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر)) (3).
(قوله صلى الله عليه وسلم ((ومن يتصبر)): أي يطلب توفيق الصبر من الله لأنه قال تعالى وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُك إِلَّا بِاَللَّهِ [النحل:127] أي يأمر نفسه بالصبر ويتكلف في التحمل عن مشاقه، وهو تعميم بعد تخصيص لأن الصبر يشتمل على صبر الطاعة والمعصية والبلية أو من يتصبر عن السؤال والتطلع إلى ما في أيدي الناس بأن يتجرع مرارة ذلك ولا يشكو حاله لغير ربه. ((يصبِّره الله)): بالتشديد أي: يسهل عليه الصبر فتكون الجمل مؤكدات. ويؤيد إرادة معنى العموم. قوله: ((وما أعطي أحد من عطاء)): أي معطى أو شيئا. ((أوسع)): أي أشرح للصدر. ((من الصبر)): وذلك لأن مقام الصبر أعلى المقامات لأنه جامع لمكارم الصفات والحالات) (4).
- وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الصبر عند الصدمة الأولى، فعن أنس رضي الله عنه قال:((مرّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: اتّقي الله واصبري. قالت: إليك عنّي فإنّك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه. فقيل لها: إنّه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأتت باب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوّابين. فقالت: لم أعرفك. فقال: إنّما الصّبر عند الصّدمة الأولى)) (5).
(1)((عدة الصابرين)) لابن القيم (113).
(2)
((عدة الصابرين)) لابن القيم – بتصرف يسير (ص: 114)
(3)
رواه البخاري (1469) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(4)
((عون المعبود شرح سنن أبي داود)) لشمس الحق العظيم أبادي (5/ 59).
(5)
رواه البخاري (1283) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
قال ابن القيم رحمه الله: (فإن مفاجئات المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها فإن صبر الصدمة الأولى انكسر حدها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر وأيضا فإن المصيبة ترد على القلب وهو غير موطن لها فتزعجه وهى الصدمة الأولى وأما إذا وردت عليه بعد ذلك توطن لها وعلم أنه لا بد له منها فيصير صبره شبيه الاضطرار وهذه المرأة لما علمت أن جزعها لا يجدي عليها شيئا جاءت تعتذر إلى النبي كأنها تقول له قد صبرت فأخبرها أن الصبر إنما هو عند الصدمة الأولى)(1).
- وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما: ((أنّه قال لعطاء: ألا أريك امرأة من أهل الجنّة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السّوداء أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: إنّي أصرع وإنّي أتكشّف، فادع الله لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنّة. وإن شئت دعوت الله أن يعافيك. قالت: أصبر. قالت: فإنّي أتكشّف فادع الله أن لا أتكشّف، فدعا لها)) (2).
- وبين صلى الله عليه وسلم أن من صبر على فقد عينيه عوضه الله الجنة فعن أنس- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنّ الله- عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، فصبر عوّضته منهما الجنّة يريد عينيه)) (3).
قال ابن بطال: (في هذا الحديث حجة في أن الصبر على البلاء ثوابه الجنة، ونعمة البصر على العبد وإن كانت من أجل نعم الله تعالى فعوض الله عليها الجنة أفضل من نعمتها في الدنيا لنفاد مدة الالتذاذ بالبصر في الدنيا وبقاء مدة الالتذاذ به في الجنة)(4).
- وعن صهيب- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحد إلّا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له)) (5).
قال ابن عثيمين: (قوله: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، أي: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أظهر العجب على وجه الاستحسان لأمر المؤمن أي لشأنه فإن شأنه كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.
ثم فصل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الأمر الخير فقال: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. هذه حال المؤمن وكل إنسان فإنه في قضاء الله وقدره بين أمرين: إما سراء وإما ضراء والناس في هذه الإصابة ينقسمون إلى قسمين مؤمن وغير مؤمن، فالمؤمن على كل حال ما قدر الله له فهو خير له إن أصابته الضراء صبر على أقدار الله وانتظر الفرج من الله واحتسب الأجر على الله فكان خيراً له فنال بهذا أجر الصابرين.
وإن أصابته سراء من نعمة دينية كالعلم والعمل الصالح ونعمة دنيوية كالمال والبنين والأهل شكر الله وذلك بالقيام بطاعة الله عز وجل.
فيشكر الله فيكون خيراً له، ويكون عليه نعمتان نعمة الدين ونعمة الدنيا، نعمة الدنيا بالسراء ونعمة الدين بالشكر هذه حال المؤمن.
وأما الكافر فهو على شر والعياذ بالله إن أصابته الضراء لم يصبر بل يضجر ودعا بالويل والثبور وسب الدهر وسب الزمن
…
وفيه الحث على الصبر على الضراء وأن ذلك من خصال المؤمنين فإذا رأيت نفسك عند إصابة الضراء صابراً محتسباً تنتظر الفرج من الله سبحانه وتعالى وتحتسب الأجر على الله فذلك عنوان الإيمان، وإن رأيت بالعكس فلم نفسك وعدل مسيرك وتب إلى الله) (6).
(1)((عدة الصابرين)) لابن القيم (ص 121).
(2)
رواه البخاري (5652)، ومسلم (2576) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
رواه البخاري (5653) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(4)
((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 377).
(5)
رواه مسلم (2999) من حديث صهيب رضي الله عنه.
(6)
((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (1/ 197 - 199).