الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب والحث على الصمت من القرآن والسنة
الترغيب والحث على الصمت من القرآن الكريم:
- قَوله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18].
قال ابن كثير: (ما يلفظ أي: ابن آدم مِنْ قَوْلٍ أي: ما يتكلم بكلمة إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ أي: إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار: 10 - 12])(1).
وقال الشوكاني: (أي: ما يتكلم من كلام، فيلفظه ويرميه من فيه إلا لديه، أي: على ذلك اللافظ رقيب، أي: ملك يرقب قوله ويكتبه، والرقيب: الحافظ المتتبع لأمور الإنسان الذي يكتب ما يقوله من خير وشر، فكاتب الخير هو ملك اليمين، وكاتب الشر ملك الشمال. والعتيد: الحاضر المهيأ. قال الجوهري: العتيد: الحاضر المهيأ،
…
والمراد هنا أنه معد للكتابة مهيأ لها) (2).
وقال الشنقيطي: (قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ما يلفظ من قول، أي ما ينطق بنطق ولا يتكلم بكلام إلا لديه، أي إلا والحال أن عنده رقيبا، أي ملكا مراقبا لأعماله حافظا لها شاهدا عليها لا يفوته منها شيء. عتيد: أي حاضر ليس بغائب يكتب عليه ما يقول من خير وشر)(3).
وقال السمعاني: (أي: رقيب حاضر. قال الحسن: يكتب الملكان كل شيء حتّى قوله لجاريته اسقيني الماء، وناوليني نعلي، أو أعطيني ردائي، ويقال: يكتب كل شيء حتّى صفيره بشرب الماء)(4).
- وقوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون: 3].
قال الطبري: (قوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ يقول تعالى ذكره: والذين هم عن الباطل وما يكرهه الله من خلقه معرضون)(5).
وقال الزجاج: (اللغو كل لعب وهزل، وكل معصية فمطرحة ملغاة، وهم الذين قد شغلهم الجد فيما أمرهم الله به عن اللغو)(6).
وقال السعدي: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فائدة، مُعْرِضُونَ رغبة عنه، وتنزيها لأنفسهم، وترفعا عنه، وإذا مروا باللغو مروا كراما، وإذا كانوا معرضين عن اللغو، فإعراضهم عن المحرم من باب أولى وأحرى، وإذا ملك العبد لسانه وخزنه -إلا في الخير- كان مالكا لأمره،)(7).
- وقوله تعالى: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان: 72].
قال الطبري: (إن الله أخبر عن هؤلاء المؤمنين الذين مدحهم بأنهم إذا مروا باللغو مروا كراما، واللغو في كلام العرب هو كل كلام أو فعل باطل لا حقيقة له ولا أصل، أو ما يستقبح
…
فتأويل الكلام: وإذا مروا بالباطل فسمعوه أو رأوه، مروا كراما، مرورهم كراما في بعض ذلك بأن لا يسمعوه، وذلك كالغناء. وفي بعض ذلك بأن يعرضوا عنه ويصفحوا، وذلك إذا أوذوا بإسماع القبيح من القول، وفي بعضه بأن ينهوا عن ذلك، وذلك بأن يروا من المنكر ما يغير بالقول فيغيروه بالقول. وفي بعضه بأن يضاربوا عليه بالسيوف، وذلك بأن يروا قوما يقطعون الطريق على قوم، فيستصرخهم المراد ذلك منهم، فيصرخونهم، وكل ذلك مرورهم كراما) (8).
(1)((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (7/ 398).
(2)
((فتح القدير)) للشوكاني (5/ 89).بتصرف
(3)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/ 427).
(4)
((تفسير القرآن)) للسمعاني (5/ 240).
(5)
((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (19/ 9 – 10).
(6)
((معاني القرآن)) للزجاج (4/ 6).
(7)
((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (ص 547).
(8)
((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (19/ 315 - 316)
وقال السعدي: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم مَرُّوا كِرَامًا أي: نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة فربأوا بأنفسهم عنه وفي قوله: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه، ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه)(1).
- وقال عز وجل: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء: 36].
قال القرطبي: (أصل القفو البهت والقذف بالباطل
…
فهذه الآية تنهى عن قول الزور والقذف، وما أشبه ذلك من الأقوال الكاذبة والرديئة) (2).
وقال الطبري: (معنى ذلك: لا تقل للناس وفيهم ما لا علم لك به، فترميهم بالباطل، وتشهد عليهم بغير الحق، فذلك هو القفو. وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب، لأن ذلك هو الغالب من استعمال العرب القفو فيه)(3).
وقال السعدي: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً، أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسئول عما قاله وفعله وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته أن يعد للسؤال جوابا، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله وإخلاص الدين له وكفها عما يكرهه الله تعالى) (4).
الترغيب والحث على الصمت من السنة النبوية:
- عن أبي هريرة- رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) (5).
قال ابن عبد البر: (وفي هذا الحديث آداب وسنن منها التّأكيد في لزوم الصّمت وقول الخير أفضل من الصّمت لأنّ قول الخير غنيمة والسّكوت سلامة والغنيمة أفضل من السّلامة)(6).
وقال النووي: (وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: ((فليقل خيرًا أو ليصمت)) (7) فمعناه: أنّه إذا أراد أن يتكلّم؛ فإن كان ما يتكلّم به خيرًا محقّقًا يثاب عليه واجبًا أو مندوباً فليتكلّم، وإن لم يظهر له أنّه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام سواء ظهر له أنّه حرام أو مكروه أو مباح مستوي الطّرفين؛ فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورًا بتركه مندوبًا إلى الإمساك عنه مخافةً من انجراره إلى المحرّم أو المكروه، وهذا يقع في العادة كثيرًا أو غالبًا) (8).
- عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صمت نجا)) (9).
(1)((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (ص 587)
(2)
((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (10/ 258)
(3)
((جامع البيان في تفسير القرآن)) للطبري (17/ 448)
(4)
((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (ص 457)
(5)
رواه البخاري (6475)، ومسلم (47) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
((التمهيد)) لابن عبدالبر (21/ 35).
(7)
رواه البخاري (6475)، ومسلم (47) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(8)
((شرح النووي على مسلم)) للنووي (2/ 18).
(9)
رواه الترمذي (2501)، وأحمد (2/ 159)(6481)، والدارمي (3/ 1781) (2755). قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 343): رواته ثقات. وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6367).
قال الهروي: (مَنْ صَمَتَ: أَيْ: سَكَتَ عَنِ الشَّرِّ. نَجَا: أَيْ: فَازَ وَظَفَرَ بِكُلِّ خَيْرٍ، أَوْ نَجَا مِنْ آفَاتِ الدَّارَيْنِ)(1).
قال الغزالي: (من تأمل جميع
…
آفات اللسان علم أنه إذا أطلق لسانه لم يسلم وعند ذلك يعرف سر قوله صلى الله عليه وسلم من صمت نجا لأن هذه الآفات كلها مهالك ومعاطب وهي على طريق المتكلم فإن سكت سلم من الكل وإن نطق وتكلم خاطر بنفسه إلا أن يوافقه لسان فصيح وعلم غزير وورع حافظ ومراقبة لازمة ويقلل من الكلام فعساه يسلم عند ذلك وهو مع جميع ذلك لا ينفك عن الخطر فإن كنت لا تقدر على أن تكون ممن تكلم فغنم فكن ممن سكت فسلم فالسلامة إحدى الغنيمتين) (2).
- عن سهل بن سعد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) (3).
قال ابن عبد البر: (في هذا الحديث دليل على أن أكبر الكبائر وإنما هي من الفم والفرج وما بين اللحيين الفم وما بين الرجلين الفرج ومن الفم ما يتولد من اللسان وهو كلمة الكفر وقذف المحصنات وأخذ أعراض المسلمين ومن الفم أيضا شرب الخمر وأكل الربا وأكل مال اليتيم ظلما ومن الفرج الزنى واللواط) الاستذكار (8/ 565)
قال ابن حجر في شرح هذا الحديث: (فالمعنى من أدّى الحقّ الّذي على لسانه من النّطق بما يجب عليه أو الصّمت عمّا لا يعنيه - ضمن له الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة -
…
فإن النطق باللسان أصل في حصول كل مطلوب فإذا لم ينطق به إلا في خير سلم وقال بن بطال دل الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه وفرجه فمن وقي شرهما وقي أعظم الشر) (4).
- عن عبد الله- رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنّه أدرك عمر بن الخطّاب في ركب، وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ألا إنّ الله- عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت)) (5).
قال الصديقي الشافعي: (أو ليصمت) بضم الميم أي: يسكت بالقصد عن الحلف بغير الله تعالى، أي: مريد اليمين مخير بين الحلف بالله تعالى وترك الحلف بغيره) (6).
قال ابن عثيمين: (من كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت يعني إما ليحلف بالله أو لا يحلف أما أن يحلف بغير الله فلا)(7).
قال عبد الله البسام: (ما يستفاد من الحديث:
…
أن من أراد الحلف بغير اللَه فليلزم الصمت، فإنه أسلم له) (8).
(1)((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للهروي (7/ 3038).
(2)
((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 162) بتصرف.
(3)
رواه البخاري (6474).
(4)
((فتح الباري)) لابن حجر (11/ 309 - 310).
(5)
رواه البخاري (6108)، ومسلم (1646) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(6)
((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) للصديقي الشافعي (8/ 529)
(7)
((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 453)
(8)
((تيسير العلام شرح عمدة الأحكام)) لعبد الله البسام (ص 685)