الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صور الحياء
صور الحياء المحمود:
الحياء المحمود من الصفات الحميدة والأخلاق النبيلة التي حثنا عليها الشرع والتي تدل على ترك القبيح، ولهذه الصفة صور نذكر منها:
- الحياء من الله: وذلك بالخوف منه ومراقبته، وفعل ما أمر واجتناب ما نهى عنه، وأن يستحي المؤمن أن يراه الله حيث نهاه، وهذا الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي والآثام لأنه مرتبط بالله يراقبه في حله وترحاله.
- الحياء من الملائكة: وذلك عندما يستشعر المؤمن بأن الملائكة معه يرافقونه في كل أوقاته، ولا يفارقونه إلا عند الغائط وعند أن يأتي الرجل أهله، فهذا يدل على قوة إيمان المؤمن، وهو بهذا يستحي أن يقترف ما حرم الله.
- الحياء من الناس: وهو دليل على مروءة الإنسان؛ فالمؤمن يستحي أن يؤذي الآخرين سواء بلسانه أو بيده، فلا يقول القبيح ولا يتلفظ بالسوء، ولا يطعن أو يغتاب أو ينم على الآخرين، وكذلك يستحي من أن تنكشف عوراته فيطلع عليها الناس.
- الحياء من النفس: وذلك عندما يكون الإنسان لوحده بعيداً عن أنظار الناس، فيستحي عن اقتراف الذنوب والآثام حياء من نفسه التي بين جنبيه، وهذا الحياء هو يثبت حقيقة الحياء من الله.
- الحياء من الوالدين.
- والحياء من الضيف والمبادرة بإكرامه.
صور الحياء المذموم:
من صور الحياء المذموم الذي يرفضه الإسلام:
- الحياء في طلب العلم:
إذا تعلق الحياء بأمر ديني، يمنع الحياء من السؤال فيه أو عرضه في تعليم أو دعوة، فإن مما ينبغي العمل به هو رفع الحرج، ومدافعة هذا الحياء الذي يمنع من التحصيل العلمي أو الدعوة إلى الله سواء عند الرجال أو النساء (1).
وورد أن أم سليم رضي الله عنها ((جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأت الماء. فغطت أم سلمة تعني وجهها وقالت يا رسول الله وتحتلم المرأة؟ قال نعم تربت يمينك فيم يشبهها ولدها)) (2).
وعن مجاهد، قال:(إن هذا العلم لا يتعلمه مستح ولا متكبر)(3).
في صحيح مسلم عن سعيد بن المسيب ((أن أباموسى قال لعائشة رضي الله عنها: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيءٍ وَإِنِّي أَسْتَحْيِيكِ. فَقَالَتْ لَا تَسْتَحْيِي أَنْ تَسْأَلَنِي عَمَّا كُنْتَ سَائِلاً عَنْهُ أُمَّكَ الَّتِي وَلَدَتْكَ فَإِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ. قُلْتُ فَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ قَالَتْ عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ((إذا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ)) (4).
(1)[1001]- ((المرأة المسلمة المعاصرة .. إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة)) لأحمد بن محمد أبا بطين (ص388 - 389)
(2)
[1002]- رواه البخاري (130)، ومسلم (313) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
(3)
[1003]- ((حلية الأولياء)) (3/ 287).
(4)
[1004]- رواه مسلم (349) من حديث عائشة رضي الله عنه.
وروي عَنِ الأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ قَالَ ((أَتَيْنَا عَائِشَةَ لِنَسْأَلَهَا عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَاسْتَحَينَا فَقُمْنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهَا فَمَشَيْنَا لَا أَدْرِي كَمْ ثُمَّ قُلْنَا جِئْنَا لِنَسْأَلَهَا عَنْ حَاجَةٍ ثُمَّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهَا فَرَجَعْنَا فَقُلْنَا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا جِئْنَا لِنَسْأَلَكِ عَنْ شَيءٍ فَاسْتَحَيْنَا فَقُمْنَا. فَقَالَتْ مَا هُوَ سَلَا عَمَّا بَدَا لَكُمَا. قُلْنَا أَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَتْ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَ لإِرْبِهِ مِنْكُمْ)) (1).
- الحياء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
الحياء لا يمنع المسلم من أن يقول الحق أو يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، قال تعالى: وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، [الأحزاب:53]
بل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سمة من سمات هذه الأمة قال عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
والنبي صلى الله عليه وسلم مع شدة حيائه لم ينثني عن قول الحق، ويتبين ذلك في موقفه مع أسامة بن زيد حينما أراد أن يشفع في حد من الحدود، فلم يمنعه حياؤه صلى الله عليه وسلم من أن يقول لأسامة في غضب أتشفع في حد من حدود الله. ثم قام فاختطب ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) (2).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه – قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ((إِنَّ اللَّهَ لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقُولَ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَ الْمُنْكَرَ أَنْ تُنْكِرَهُ فَإذا لَقَّنَ اللَّهُ عَبْدًا حُجَّتَهُ قَالَ يَا رَبِّ رَجَوْتُكَ وَفَرِقْتُ مِنَ النَّاسِ)) (3).
- فعل أمر نهى عنه الشارع:
فمن دفعه حياؤه إلى فعل أمر نهى عنه الشارع، أو إلى ترك واجب مرغوب في الدين فليس حييا شرعاً، وإنما هذا يعتبر ضعفاً ومهانة.
فليس من الحياء أن يترك الصلاة الواجبة بسبب ضيوف عنده حتى فاتته الصلاة.
وليس من الحياء أن يمتنع الشخص من المطالبة بالحقوق التي كفلها له الشرع (4).
صور الحياء كما ذكرها ابن القيم
ذكر ابن القيم صوراً للحياء وقسمها إلى عشرة أوجه وهي:
(حياء جناية وحياء تقصير وحياء إجلال وحياء كرم وحياء حشمة وحياء استصغار للنفس واحتقار لها وحياء محبة وحياء عبودية وحياء شرف وعزة وحياء المستحيي من نفسه.
فأما حياء الجناية: فمنه حياء آدم عليه السلام لما فر هاربا في الجنة قال الله تعالى: أفرارا مني يا آدم قال: لا يا رب بل حياء منك.
وحياء التقصير: كحياء الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك.
(1)[1005]- رواه أحمد (6/ 216)(25857) من حديث عائشة رضي الله عنه. والحديث مروي في الصحيحين بدون ذكر القصة.
(2)
[1006]- رواه البخاري (3475)، ومسلم (1688) من حديث عائشة رضي الله عنه.
(3)
[1007]- رواه ابن ماجه (4017)، والحميدي في ((مسنده)) (756) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال ابن كثير في ((تفسير القرآن)) (3/ 155): إسناده لا بأس به. وصححه الألباني في ((صحيح ابن ماجه)) (3260)، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (403).
(4)
[1008]- ((الأخلاق الإسلامية)) لحسن السعيد (ص 155).
وحياء الإجلال: هو حياء المعرفة وعلى حسب معرفة العبد بربه يكون حياؤه منه.
وحياء الكرم: كحياء النبي من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب وطولوا الجلوس عنده فقام واستحيى أن يقول لهم: انصرفوا.
وحياء الحشمة: كحياء علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يسأل رسول الله عن المذي لمكان ابنته منه.
وحياء الاستحقار واستصغار النفس: كحياء العبد من ربه عز وجل حين يسأله حوائجه احتقار الشأن نفسه واستصغارا لها.
وفي أثر إسرائيلي أن موسى عليه السلام قال: يا رب إنه لتعرض لي الحاجة من الدنيا فأستحيي أن أسألك هي يا رب فقال الله تعالى: سلني حتى ملح عجينتك وعلف شاتك.
وقد يكون لهذا النوع سببان:
أحدهما: استحقار السائل نفسه واستعظام ذنوبه وخطاياه.
والثاني: استعظام مسؤوله.
وأما حياء المحبة: فهو حياء المحب من محبوبه حتى إنه إذا خطر على قلبه في غيبته هاج الحياء من قلبه وأحس به في وجهه ولا يدرى ما سببه وكذلك يعرض للمحب عند ملاقاته محبوبه ومناجاته له روعة شديدة ومنه قولهم: جمال رائع وسبب هذا الحياء والروعة مما لا يعرفه أكثر الناس.
ولا ريب أن للمحبة سلطانا قاهرا للقلب أعظم من سلطان من يقهر البدن فأين من يقهر قلبك وروحك إلى من يقهر بدنك ولذلك تعجبت الملوك والجبابرة من قهرهم للخلق.
وقهر المحبوب لهم وذلهم له فإذا فاجأ المحبوب محبه ورآه بغتة: أحس القلب بهجوم سلطانه عليه فاعتراه روعة وخوف
…
وأما الحياء الذي يعتريه منه وإن كان قادرا عليه كأمته وزوجته فسببه والله أعلم أن هذا السلطان لما زال خوفه عن القلب بقيت هيبته واحتشامه فتولد منها الحياء وأما حصول ذلك له في غيبة المحبوب: فظاهر لاستيلائه على قلبه فوهمه يغالطه عليه ويكابره حتى كأنه معه.
وأما حياء العبودية: فهو حياء ممتزج من محبة وخوف ومشاهدة عدم صلاح عبوديته لمعبوده وأن قدره أعلى وأجل منها فعبوديته له توجب استحياءه منه لا محالة.
وأما حياء الشرف والعزة فحياء النفس العظيمة الكبيرة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل أو عطاء وإحسان فإنه يستحيي مع بذله حياء شرف نفس وعزة وهذا له سببان: أحدهما: هذا. والثاني: استحياؤه من الآخذ حتى كأنه هو الآخذ السائل حتى إن بعض أهل الكرم لا تطاوعه نفسه بمواجهته لمن يعطيه حياء منه وهذا يدخل في حياء التلوم لأنه يستحيي من خجلة الآخذ.
وأما حياء المرء من نفسه: فهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص وقناعتها بالدون فيجد نفسه مستحيا من نفسه حتى كأن له نفسين يستحيي بإحداهما من الأخرى وهذا أكمل ما يكون من الحياء فإن العبد إذا استحيى من نفسه فهو بأن يستحيي من غيره أجدر) (1).
(1)[1009]- ((مدارج السالكين)) لابن القيم. بتصرف. (2/ 250 - 252).