الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صور الرحمة
ولعلنا بعد هذا نستعرض بعضاً من مظاهر الرحمة وجانباً من تطبيقاتها على الواقع ومن ذلك:
1 -
شفقة الإمام برعيته، وتجنب ما من شأنه أن يجلب المشقة لهم:
عن عائشة- رضي الله عنها قالت: ((أعتم النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، حتّى ذهب عامّة اللّيل، وحتّى نام أهل المسجد ثمّ خرج فصلّى، فقال: إنّه لوقتها لولا أن أشقّ على أمّتي)) (1).
عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلّى أحدكم للنّاس فليخفّف، فإنّ في النّاس الضّعيف والسّقيم وذا الحاجة)) (2).
2 -
الأمر بالتوسط في العبادات وعدم الإشقاق على النفس وإجهادها:
عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة، قال: من هذه. قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال: مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا. وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه)) (3).
3 -
البر بالوالدين .. وخفض جناح الذل من الرحمة لهما:
عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه قال: ((سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أيّ العمل أحبّ إلى الله عز وجل؟ قال: الصّلاة على وقتها. قال: ثمّ أيّ؟ قال: برّ الوالدين. قال: ثمّ أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله)) (4).
عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه قال: هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليمن. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هجرت الشّرك ولكنّه الجهاد. هل باليمن أبواك؟. قال: نعم. قال: أذنا لك قال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى أبويك فإن فعلا، وإلّا فبرّهما)) (5).
3 -
الحث على الاستيصاء بالمرأة خيراً والإحسان إليها:
((استوصوا بالنساء خيراً؛ فإنهن عوانٌ عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)) (6).
4 -
الشفقة على الأبناء والعطف عليهم والحزن إذا أصابهم مكروه:
عن عائشة- رضي الله عنها قالت: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: تقبّلون الصّبيان فما نقبّلهم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:((أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرّحمة)) (7).
وعن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما قال أرسلت ابنة النّبيّ صلى الله عليه وسلم إليه: إنّ ابنا لي قبض، فأتنا. فأرسل يقرأ السّلام ويقول:((إنّ لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلّ عنده بأجل مسمّى. فلتصبر ولتحتسب. فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينّها. فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصّبيّ ونفسه تتقعقع، قال حسبته أنّه قال: كأنّها شنّ ففاضت عيناه. فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟. فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنّما يرحم الله من عباده الرّحماء)) (8).
5 -
الرحمة بمن هم تحت اليد من العبيد والخدم والعمال وغيرهم:
(1) رواه مسلم (638).
(2)
رواه البخاري (703)، ومسلم (467).
(3)
رواه البخاري (43)، مسلم (785).
(4)
رواه البخاري (527)، ومسلم (85).
(5)
رواه أبو داود (2530)، أحمد (3/ 75)(11739)، وابن حبان (2/ 165)(422). وصحح إسناده الحاكم، وحسن إسناده الهيثمي في ((المجمع)) (8/ 138)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (892).
(6)
رواه مسلم (1218) بلفظ مقارب، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(7)
رواه البخاري (5998) من حديث عائشة رضي الله عنه.
(8)
رواه البخاري (1284)، ومسلم (923) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.
(عن المعرور بن سويد- رحمه الله تعالى- قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة فسألته عن ذلك فقال: إنّي ساببت رجلا فعيّرته بأمّه فقال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذرّ أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم)) (1).
6 -
الأمر بإحسان القتلة والذبحة:
عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه أنّه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبح، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)) (2).
7 -
النهي عن تعذيب الحيوان أو إخافته أو إجهاده أو إجاعته:
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض)) (3).
وعلى نقيض هذه الصورة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة أخرى لامرأة غفر الله لها ذنبها بسبب كلب:
عن أبي هريرة- رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينما كلب يطيف بركيّة كاد يقتله العطش، إذ رأته بغيّ من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به)) (4).
قال السعدي رحمه الله معلقاً على هذين الحديثين: (ومن ذلك ما هو مشاهد مجرب، أن من أحسن إلى بهائمه بالإطعام والسقي والملاحظة النافعة، أن الله يبارك له فيها. ومن أساء إليها، عوقب في الدنيا قبل الآخرة، وقال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة: 32] وذلك لما في قلب الأول من القسوة والغلظة والشر، وما في قلب الآخر من الرحمة والرقة والرأفة، إذ هو بصدد إحياء كل من له قدرة على إحيائه من الناس، كما أن ما في قلب الأول من القسوة، مستعد لقتل النفوس كلها)(5) ا. هـ.
وغير ذلك من الأحاديث التي تدل بمفهومها على الرحمة والحث عليها والتخلق بها.
(1) رواه البخاري (30)، ومسلم (1661) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
(2)
رواه مسلم (1955) من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه.
(3)
رواه البخاري (3318)، ومسلم (2242) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
رواه البخاري (3467).
(5)
((بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار)) (1/ 190).