الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوسائل المعينة على الصبر
من الوسائل التي تعين على الصبر:
1 -
أن يتدبر المرء القرآن الكريم وينظر إلى آياته نظرة تأمل:
قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ?لْخَوفْ وَ?لْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ?لأمَوَالِ وَ?لأنفُسِ وَ?لثَّمَر?تِ وَبَشّرِ ?لصَّـ?بِرِينَ ?لَّذِينَ إِذَا أَصَـ?بَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ ر?جِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَو?تٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ ?لْمُهْتَدُونَ [البقرة:155 - 157]
2 -
أن يستعين بالله في مصابه:
من أصيب بمصيبة أن حظّه من المصيبة ما يحدث له من رضا فمن رضي فله الرضا، ومن تسخط فله السخط.
3 -
أن يعلم أن ما أصابه مقدر من الله:
قال تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ?لأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَاّ فِي كِتَـ?بٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ?للَّهِ يَسِيرٌ لّكَيْلا تَأْسَوْاْ عَلَى? مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـ?كُمْ وَ?للَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:22، 23].
4 -
أن يتذكر أعظم المصائب التي حلت بالأمة الإسلامية؛ وهي موت الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب)) (1).
5 -
أن يتجنب الجزع وأنه لا ينفعه بل يزيد من مصابه:
قال ابن القيم رحمه الله: (إن الجزع يشمت عدوه ويسوء صديقه ويغضب ربه ويسر شيطانه ويحبط أجره ويضعف نفسه وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه ورده خاسئا وأرضى ربه وسر صديقه وساء عدوه وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه فهذا هو الثبات والكمال الأعظم لا لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بالويل والثبور والسخط على المقدور)(2).
6 -
أن يتيقن بأن نعم الدنيا فانية ولا تستقر لأحد، فلا يفرح بإقبالها عليه، حتى لا يحزن بإدبارها عنه.
7 -
أن يتسلى المصاب بمن هم أشد منه مصيبة.
قال ابن القيم رحمه الله: (ومن علاجه أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب وليعلم أنه في كل واد بنو سعد ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة؟ ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة؟ وأنه لو فتش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى إما بفوات محبوب أو حصول مكروه وأن شرور الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا وإن سرت يوما ساءت دهرا وإن متعت قليلا خيرة إلا ملأتها عبرة ولا سرته بيوم سرور إلا خبأت له يوم شرور)(3).
8 -
أن يتسلى المصاب بأنه لله وأن مصيره إليه:
قال ابن القيم رحمه الله: (إذا تحقق العبد بأنه لله وأن مصيره إليه تسلى عن مصيبته وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب وأنفعه له في عاجلته وآجلته فإنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته. أحدهما: أن العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل حقيقة
…
الثاني: أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق ولا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره ويجيء ربه فردا كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا مال ولا عشيرة ولكن بالحسنات والسيئات فإذا كانت هذه بداية العبد وما خوله ونهايته فكيف يفرح بموجود أو يأسى على مفقود.) (4).
9 -
أن يعلم أن ابتلاء الله له هو امتحان لصبره:
(1) رواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (7/ 167)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (9678)، والبغوي في ((معجم الصحابة)) (4/ 20)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (3/ 1440) من حديث سابط القرشي رضي الله عنه. قالابن حجر العسقلاني في ((الإصابة)) (2/ 2): إسناده حسن، لكن اختلف فيه على علقمة.
(2)
((زاد المعاد)) لابن القيم (4/ 173).
(3)
((زاد المعاد)) لابن القيم (4/ 173).
(4)
((زاد المعاد)) لابن القيم – بتصرف- (4/ 173).
يقول ابن القيم رحمه الله في ذلك: (أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به ولا ليعذبه به ولا ليجتاحه وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه وليسمع تضرعه وابتهاله وليراه طريحا ببابه لائذا بجنابه مكسور القلب بين يديه رافعا قصص الشكوى إليه)(1).
10 -
أن يعلم أن مرارة الدنيا هي حلاوة الآخرة:
قال ابن القيم رحمه الله: (إن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة يقلبها الله سبحانه كذلك وحلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك فإن خفي عليك هذا فانظر إلى قول الصادق المصدوق: ((حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات)) (2) وفي هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق وظهرت حقائق الرجال فأكثرهم آثر الحلاوة المنقطعة على الحلاوة الدائمة التي لا تزول ولم يحتمل مرارة ساعة لحلاوة الأبد ولا ذل ساعة لعز الأبد ولا محنة ساعة لعافية الأبد فإن الحاضر عنده شهادة والمنتظر غيب والإيمان ضعيف وسلطان الشهوة حاكم فتولد من ذلك إيثار العاجلة ورفض الآخرة) (3).
11 -
(أن يشهدَ أن الله سبحانه وتعالى خالقُ أفعالِ العباد، حركاتِهم وسَكَناتِهم وإراداتِهم، فما شاءَ الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يتحرك في العالم العُلْوِيّ والسّفليّ ذرَّة إلاّ بإذنه ومشيئتِه، فالعباد آلة، فانظر إلى الذي سَلَّطَهم عليك، ولا تَنظُرْ إلى فِعلِهم بكَ، تَسْتَرِحْ من الهمّ والغَمِّ.
12 -
أن يشهد ذنوبه، وأن الله إنما سلطهم عليه بذنبه، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]
13 -
أن يشهد العبد حسن الثواب الذي وعده الله لمن عفا وصبر، كما قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40].
14 -
أن يشهد أنه إذا عفا وأحسن أورثه ذلك من سلامة القلب لإخوانه، ونقائه من الغش والغل وطلب الانتقام وإرادة الشر، وحصل له من حلاوة العفو ما يزيد لذته ومنفعته عاجلا وآجلا.
15 -
أن يعلم أنه ما انتقم أحد قط لنفسه إلا أورثه ذلك ذلا يجده في نفسه، فإذا عفا أعزه الله تعالى، وهذا مما أخبر به الصادق المصدوق حيث يقول:((ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا)) (4).
16 -
أن يشهد أن الجزاء من جنس العمل، وأنه نفسه ظالم مذنب، وأن من عفا عن الناس عفا الله عنه، ومن غفر لهم غفر الله له.
17 -
أن يعلم أنه إذا اشتغلت نفسه بالانتقام وطلب المقابلة ضاع عليه زمانه، وتفرق عليه قلبه، وفاته من مصالحه مالا يمكن استدراكه.
18 -
إن أوذي على ما فعله لله، أو على ما أمر به من طاعته ونهى عنه من معصيته، وجب عليه الصبر، ولم يكن له الانتقام، فإنه قد أوذي في الله فأجره على الله.
19 -
أن يشهد معية الله معه إذا صبر، ومحبه الله له إذا صبر، ورضاه. ومن كان الله معه دفع عنه أنواع الأذى والمضرات مالا يدفعه عنه أحد من خلقه، قال تعالى: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]، وقال تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 146].
(1)((زاد المعاد)) لابن القيم (4/ 173).
(2)
رواه البخاري (6487)، ومسلم (2822) واللفظ له، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3)
((زاد المعاد)) لابن القيم (4/ 173).
(4)
رواه مسلم (2588) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
20 -
أن يشهد أن صبره حكم منه على نفسه، وقهر لها وغلبة لها، فمتى كانت النفس مقهورة معه مغلوبة، لم تطمع في استرقاقه وأسره وإلقائه في المهالك، ومتى كان مطيعا لها سامعا منها مقهورا معها، لم تزل به حتى تهلكه، أو تتداركه رحمة من ربه.
21 -
أن يعلم أنه إن صبر فالله ناصره ولابد، فالله وكيل من صبر، وأحال ظالمه على الله، ومن انتصر لنفسه وكله الله إلى نفسه، فكان هو الناصر لها.
22 -
أن صبره على من آذاه واحتماله له يوجب رجوع خصمه عن ظلمه، وندامته واعتذاره، ولوم الناس له، فيعود بعد إيذائه له مستحييا منه نادما على ما فعله، بل يصير مواليا له.
23 -
ربما كان انتقامه ومقابلته سببا لزيادة شر خصمه، وقوة نفسه، وفكرته في أنواع الأذى التي يوصلها إليه، كما هو المشاهد. فإذا صبر وعفا أمن من هذا الضرر، والعاقل لا يختار أعظم الضررين بدفع أدناهما.
24 -
أن من اعتاد الانتقام ولم يصبر لابد أن يقع في الظلم، فإن النفس لا تقتصر على قدر العدل الواجب لها، لا علما ولا إرادة، وربما عجزت عن الاقتصار على قدر الحق، فإن الغضب يخرج بصاحبه إلى حد لا يعقل ما يقول ويفعل، فبينما هو مظلوم ينتظر النصر والعز، إذ انقلب ظالما ينتظر المقت والعقوبة.
25 -
أن هذه المظلمة التي ظلمها هي سبب إما لتكفير سيئته، أو رفع درجته، فإذا انتقم ولم يصبر لم تكن مكفرة لسيئته ولا رافعة لدرجته.
26 -
أن عفوه وصبره من أكبر الجند له على خصمه، فإن من صبر وعفا كان صبره وعفوه موجبا لذل عدوه وخوفه وخشيته منه ومن الناس، فإن الناس لا يسكتون عن خصمه، وإن سكت هو، فإذا انتقم زال ذلك كله.
27 -
أنه إذا عفا عن خصمه استشعرت نفس خصمه أنه فوقه، وأنه قد ربح عليه، فلا يزال يرى نفسه دونه.
28 -
أنه إذا عفا وصفح كانت هذه حسنة، فتولد له حسنة أخرى، وتلك الأخرى تولد له أخرى، وهلم جرا) (1).
(1) من 11 إلى 28، ملخص من كتاب ((جامع المسائل)) لابن تيمية (1/ 168 - 174).