الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب والحث على الحياء من القرآن والسنة
الترغيب والحث على الحياء من القرآن الكريم:
- قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَاّ الْفَاسِقِينَ [البقرة:26]
أي: لا يمنعه الحياء من أن يضرب مثلاً ولو كان مثلاً حقيراً ما دام يثبت به الحق (1).
- وقال تعالى: وَرِيشًا وَلِبَاسُ التقوى [الأعراف:26]
فُسر لباس التقوى بأنه الحياء كما روي عن الحسن (2)، ومعبد الجهني (3).
- وقال تعالى: فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: 25].
قال مجاهد: (يَعْنِي: وَاضِعَةً ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا لَيْسَتْ بِخَرَّاجَةٍ وَلَا وَلَّاجَةٍ)(4).
قال الطبري: (فَأَتَتْهُ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ، وَهِيَ تَسْتَحْيِي مِنْهُ)(5).
- وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَاّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإذا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53].
قال ابن كثير: (وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ دُخُولَكُمْ مَنْزِلَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَتَأَذَّى بِهِ، لَكِنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ حَيَائِهِ، عليه السلام، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ)(6).
وقال الشوكاني: (أَيْ يَسْتَحْيِي أَنْ يَقُولَ لَكُمْ: قُومُوا، أَوِ اخْرُجُوا)(7).
الترغيب والحث على الحياء من السنة النبوية:
- عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) (8).
قال الخطابي: (قال الشيخ: معنى قوله النبوة الأولى أن الحياء لم يزل أمره ثابتاً واستعماله واجباً منذ زمان النبوة الأولى وأنه ما من نبي إلاّ وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه وأنه لم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم ولم يبدل فيما بدل منها)(9).
وقال ابن دقيق العيد: (معنى قوله: "من كلام النبوة الأولى" إن الحياء لم يزل ممدوحاً مستحسناً مأموراً به لم ينسخ في شرائع الأنبياء الأولين)(10).
وقال المناوي: (والمراد الحياء الشرعي الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام للأكابر وهو محمود)(11).
(1)[962]- ((تفسير القرآن)) للعثيمين (1/ 96).
(2)
[963]- ((تفسير الآلوسي)) (4/ 344).
(3)
[964]- ((تفسير الثعالبي)) (3/ 19).
(4)
[965]- ((تفسير مجاهد)) (ص529).
(5)
[966]- ((جامع البيان)) للطبري (18/ 221).
(6)
[967]- ((تفسير ابن كثير)) (6/ 454).
(7)
[968]- ((فتح القدير)) للشوكاني (4/ 342).
(8)
[969]- رواه البخاري (3484) من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه.
(9)
[970]- ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 109).
(10)
[971]- ((شرح الأربعين النووية)) لابن دقيق العيد (ص78).
(11)
[972]- ((فيض القدير)) للمناوي (3/ 428).
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعبة، أَعْلَاهَا: قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الْأَذَى عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان)) (1).
قال الخطابي: (ومعنى قوله الحياء شعبة من الإيمان أن الحياء يقطع صاحبه عن المعاصي ويحجزه عنها فصار بذلك من الإيمان)(2).
وقال السفيري: (إنما أفرد صلى الله عليه وسلم هذه الخصلة من خصال الإيمان في هذا الحديث وخصها بالذكر دون غيرها من باقي شعب الإيمان، لأن الحياء كالداعي إلى باقي الشعب، فإن صاحب الحياء يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر وينزجر، فلما كان الحياء كالسبب لفعل باقي الشعب خص بالذكر ولم يذكر غيره معه)(3).
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي: (هذا الحديث من جملة النصوص الدالة على أن الإيمان اسم يشمل عقائد القلب وأعماله، وأعمال الجوارح، وأقوال اللسان فكل ما يقرب إلى الله، وما يحبه ويرضاه، من واجب ومستحب فإنه داخل في الإيمان. وذكر هنا أعلاه وأدناه، وما بين ذلك وهو الحياء ولعل ذكر الحياء؛ لأنه السبب الأقوى للقيام بجميع شعب الإيمان. فإن من استحيا من الله لتواتر نعمه، وسوابغ كرمه، وتجليه عليه بأسمائه الحسنى، والعبد -مع هذا كثير التقصير مع هذا الرب الجليل الكبير يظلم نفسه ويجني عليها- أوجب له هذا الحياء التوقِّي من الجرائم، والقيام بالواجبات والمستحبات)(4).
- وعن عمران بن حصين- رضي الله عنهما قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ((الحياء لا يأتي إلّا بخير)) (5).
قال ابن بطال: (معناه أن من استحيا من الناس أن يروه يأتى الفجور ويرتكب المحارم، فذلك داعية له إلى أن يكون أشد حياء من ربه وخالقه، ومن استحيا من ربه فإن حياءه زاجر له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه؛ لأن كل ذى فطرة صحيحة يعلم أن الله تعالى النافع له والضار والرزاق والمحى والمميت، فإذا علم ذلك فينبغى له أن يستحى منه عز وجل (6).
قال ابن رجب: («الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ»: فَإِنَّهُ يَكُفُّ عَنِ ارْتِكَابِ الْقَبَائِحِ وَدَنَاءَةِ الْأَخْلَاقِ، وَيَحُثُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَعَالِيهَا، فَهُوَ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ)(7).
- ومَرَّ النَّبِى عليه السلام عَلَى رَجُلٍ، وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِى الْحَيَاءِ، يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِى حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((دَعْهُ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإيمَانِ)) (8).
(1)[973]- رواه مسلم (35) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
[974]- ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 312).
(3)
[975]- ((المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية صلى الله عليه وسلم من صحيح الإمام البخاري)) للسفيري (1/ 365).
(4)
[976]- ((بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار)) لعبد الرحمن السعدي (ص179).
(5)
[977]- رواه البخاري (6117)، ومسلم (37) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
(6)
[978]- ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 297).
(7)
[979]- ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 501).
(8)
[980]- رواه البخاري (24) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
قال ابن بطال: (معناه أن الحياء من أسباب الإيمان وأخلاق أهله. وذلك أنه لما كان الحياء يمنع من الفواحش، ويحمل على الصبر والخير كما يمنع الإيمان صاحبه من الفجور، ويقيده عن المعاصى ويحمله على الطاعة صار كالإيمان لمساواته له فى ذلك، وإن كان الحياء غريزة والإيمان فعل المؤمن فاشتبها من هذه الجهة)(1).
وقال العيني: (قَوْله: (فَإِن الْحيَاء من الْإِيمَان) أَي: من كَمَال الْإِيمَان، قَالَه أَبُو عبد الْملك، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: جعل الْحيَاء وَهُوَ غريزة من الْإِيمَان وَهُوَ الِاكْتِسَاب لِأَن المستحي يَنْقَطِع بحيائه عَن الْمعاصِي، وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَصَارَ كالإيمان الْقَاطِع بَينه وَبَينهَا) (2).
- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ((اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ)) (3).
قال ابن رجب: (يدخل فيه حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات، وحفظ البطن وما حوى: يتضمن حفظ القلب عنا لإصرار على ما حرم الله ويتضمن أيضًا حفظ البطن من إدخال الحرام إليه من المآكل والمشارب، ومن أعظم ما يجب حفظه من نواهي الله عز وجل اللسان والفرج)(4).
وقال المباركفوري في شرح الحديث:
(قوله ((استحيوا من الله حق الحياء)) (5) أي حياء ثابتا ولازما صادقا قاله المناوي وقيل أي اتقوا الله حق تقاته.
(قلنا يا نبي الله إنا لنستحيي) لم يقولوا حق الحياء اعترافا بالعجز عنه.
(والحمد لله) أي على توفيقنا به.
(قال ليس ذاك) أي ليس حق الحياء ما تحسبونه بل أن يحفظ جميع جوارحه عما لا يرضى.
(ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس) أي عن استعماله في غير طاعة الله بأن لا تسجد لغيره ولا تصلي للرياء ولا تخضع به لغير الله ولا ترفعه تكبرا.
(وما وعى) أي جمعه الرأس من اللسان والعين والأذن عما لا يحل استعماله.
(وتحفظ البطن) أي عن أكل الحرام.
(وما حوى) أي ما اتصل اجتماعه به من الفرج والرجلين واليدين والقلب فإن هذه الأعضاء متصلة بالجوف وحفظها بأن لا تستعملها في المعاصي بل في مرضاة الله تعالى.
(وتتذكر الموت والبلى) بكسر الباء من بلى الشيء إذا صار خلقا متفتتا يعني تتذكر صيرورتك في القبر عظاما بالية.
(ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا) فإنهما لا يجتمعان على وجه الكمال حتى للأقوياء قاله القاري.
وقال المناوي لأنهما ضرتان فمتى أرضيت إحداهما أغضبت الأخرى). (6).
(1)[981]- ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 298).
(2)
[982]- ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (22/ 165).
(3)
[983]- رواه الترمذي (2458) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وقال: غريب. وحسن إسناده النووي في ((المجموع)) (5/ 105)، وحسنه الألباني في ((صحيح الترمذي)) (2458).
(4)
[984]- ((جامع العلوم والحكم)) (ص464).
(5)
[985]- رواه الترمذي (2458) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وقال: غريب. وحسن إسناده النووي في ((المجموع)) (5/ 105)، وحسنه الألباني في ((صحيح الترمذي)) (2458).
(6)
[986]- ((تحفة الأحوذي)) (7/ 130 - 131).