الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر بالعدل ومدح من يقوم به
الأمر بالعدل ومدح من يقوم به في القرآن الكريم
أمر الله بإقامة العدل وحث عليه ومدح من قام به وذلك في آيات كثيرة منها:
1 -
آيات فيها الأمر بالعدل منها:
- قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90]
قال السعدي رحمه الله: (فالعدل الذي أمر الله به يشمل العدل في حقه وفي حق عباده، فالعدل في ذلك أداء الحقوق كاملة موفرة بأن يؤدي العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية والمركبة منهما في حقه وحق عباده، ويعامل الخلق بالعدل التام، فيؤدي كل وال ما عليه تحت ولايته سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى، وولاية القضاء ونواب الخليفة، ونواب القاضي.
والعدل هو ما فرضه الله عليهم في كتابه، وعلى لسان رسوله، وأمرهم بسلوكه، ومن العدل في المعاملات أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات، بإيفاء جميع ما عليك فلا تبخس لهم حقا ولا تغشهم ولا تخدعهم وتظلمهم. فالعدل واجب، والإحسان فضيلة مستحب) (1).
- وقال عز من قائل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً [النساء:135]
يقول ابن كثير رحمه الله: (يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط، أي بالعدل، فلا يعدلوا عنه يمينا ولا شمالا ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف، وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه.
وقوله: شُهَدَاءَ لِلَّهِ كَمَا قَالَ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ أي: ليكن أداؤها ابتغاء وجه الله، فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقا، خالية من التحريف والتبديل والكتمان؛ ولهذا قال: وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أي: اشهد الحق ولو عاد ضررها عليك وإذا سُئِلت عن الأمر فقل الحق فيه، وإن كان مَضرة عليك، فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجا ومخرجا من كل أمر يضيق عليه) (2).
- وقال سبحانه: فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [الشورى:15]
يقول تعالى ذكره: (وقل لهم يا محمد: وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر الأحزاب، فأسير فيكم جميعا بالحق الذي أمرني به وبعثني بالدعاء إليه
…
وعن قتادة، قوله:((وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ قال: أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يعدل، فعدل حتى مات صلوات الله وسلامه عليه)) (3). والعدل ميزان الله في الأرض، به يأخذ للمظلوم من الظالم، وللضعيف من الشديد، وبالعدل يصدّق الله الصادق، ويكذّب الكاذب، وبالعدل يرد المعتدي ويوبخه) (4).
2 -
آيات فيها مدح من يقوم بالعدل:
- قال سبحانه: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف:181]
(1)((تفسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص 447).
(2)
((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 433).
(3)
رواه الطبري في ((جامع البيان)) (21/ 517).
(4)
((جامع البيان)) للطبري (21/ 517).
قال ابن كثير رحمه الله: (يقول تعالى: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أي: ومن الأمم أُمًّةٌ قائمة بالحق، قولا وعملا يَهْدُونَ بِالْحَقِّ يقولونه ويدعون إليه، وَبِهِ يَعْدِلُونَ يعملون ويقضون.
وقد جاء في الآثار: أن المراد بهذه الأمة المذكورة في الآية، هي هذه الأمة المحمدية.
قال سعيد، عن قتادة في تفسير هذه الآية: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأ هذه الآية: هذه لكم، وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (1)[الأعراف:159]) (2).
- وقال عز من قائل: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [النحل:76]
(يقول الله تعالى هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ يعني: هل يستوي هذا الأبكم الكل على مولاه الذي لا يأتي بخير حيث توجه ومن هو ناطق متكلم يأمر بالحقّ ويدعو إليه وهو الله الواحد القهار، الذي يدعو عباده إلى توحيده وطاعته، يقول: لا يستوي هو تعالى ذكره، والصنم الذي صفته ما وصف. وقوله وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول: وهو مع أمره بالعدل، على طريق من الحقّ في دعائه إلى العدل، وأمره به مستقيم، لا يَعْوَجّ عن الحقّ ولا يزول عنه)(3).
الأمر بالعدل ومدح من يقوم به في السنة النبوية:
لقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم العدل، ورغب فيه، وقد وردت نصوص حديثية تدل على تطبيقه قواعد العدل، منها:
- عن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه قال: ((بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السّمع والطّاعة في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكارهنا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالعدل أين كنّا، لا نخاف في الله لومة لائم)) (4).
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن المقسطين يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)) (5).
قال ابن عثيمين رحمه الله: (فالعدل واجب في كل شيء لكنه في حق ولاة الأمور آكد وأولى وأعظم لأن الظلم إذا وقع من ولاة الأمور حصلت الفوضى والكراهة لهم حيث لم يعدلوا)(6).
(1) رواه الطبري في ((جامع البيان)) (13/ 286).
(2)
((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (3/ 516).
(3)
((جامع البيان)) للطبري (17/ 262).
(4)
رواه النسائي (4153)، وأحمد (3/ 441)(15691) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. وصححه ابن عبد البر في ((التمهيد)) (23/ 272)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/ 91)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (4164).
(5)
رواه ابن حبان (10/ 336)، وابن أبي شيبة (7/ 39)(34035)، واللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (699) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وصححه ابن العربي كما في ((التذكرة للقرطبي)) (223)، وابن تيمية في ((تلبيس الجهمية)) (5/ 485).
(6)
((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/ 641).
- وعن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ أحبّ النّاس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلسا: إمام عادل، وأبغض النّاس إلى الله، وأبعدهم منه مجلسا: إمام جائر)) (1).
قال الحافظ: (المراد به صاحب الولاية العظمى ويلتحق به كل من ولي شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه، ويؤيده رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه: ((إن المقسطين عند الله .... )) (2) قال وأحسن ما فسر به العادل الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط وقدمه في الذكر لعموم النفع به) (3).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا تردّ دعوتهم، الإمام العادل، والصّائم حتّى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السّماء ويقول: بعزّتي، لأنصرنّك ولو بعد حين)) (4).
قال الغزالي: (فيه أن الإمارة والخلافة من أفضل العبادات إذا كانتا مع العدل والإخلاص ولم يزل المتقون يحترزون منها ويهربون من تقلدها لما فيها من عظيم الخطر إذ تتحرك به الصفات الباطنة ويغلب على النفس حب الجاه والاستيلاء ونفاذ الأمر وهو أعظم ملاذ الدنيا)(5).
- وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلّهم الله تعالى في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمام عدل، وشابّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)) (6).
قال ابن رجب: (وأول هذه السبعة: الإمام العادل. وَهُوَ أقرب النَّاس من الله يوم القيامة، وَهُوَ عَلَى منبر من نور عَلَى يمين الرحمن، وذلك جزاء لمخالفته الهوى، وصبره عَن تنفيذ مَا تدعوه إليه شهواته وطمعه وغضبه، مَعَ قدرته عَلَى بلوغ غرضه من ذَلِكَ؛ فإن الإمام العادل دعته الدنيا كلها إلى نفسها، فقالَ: إني أخاف الله رب العالمين. وهذا أنفع الخلق لعباد الله، فإنه إذا صلح صلحت الرعية كلها. وقد روي أَنَّهُ ظل الله فِي الأرض؛ لأن الخلق كلهم يستظلون بظله، فإذا عدل فيهم أظله الله فِي ظله)(7).
(1) رواه الترمذي (1329)، وأحمد (3/ 55) (11542) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن غريب. ومثله قال البغوي في ((شرح السنة)) (5/ 314)، وقال الذهبي في ((المهذب)) (8/ 4069): فيه عطية ضعيف. وضعفه الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (1156).
(2)
رواه ابن حبان (10/ 336)، وابن أبي شيبة (7/ 39)(34035)، واللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (699) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وصححه ابن العربي كما في ((التذكرة للقرطبي)) (223)، وابن تيمية في ((تلبيس الجهمية)) (5/ 485).
(3)
((فتح الباري)) لابن حجر (2/ 145).
(4)
رواه الترمذي (3598)، وابن ماجه (1752)، وأحمد (2/ 304)(8030) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصححه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/ 152)، وحسنه السيوطي في الجامع الصغير)) (3520)، وصحح إسناده أحمد شاكر في ((تخريج المسند)) (15/ 189).
(5)
((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 324).
(6)
رواه البخاري (660)، ومسلم (1031) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(7)
((فتح الباري)) لابن رجب (4/ 59).