الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب والحث على الألفة من القرآن والسنة
الترغيب والحث على الألفة من القرآن الكريم:
· قال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ [آل عمران: 103].
قال الراغب الأصفهاني: (قوله: (وَلَا تَفَرَّقُوا) حث على الألفة والاجتماع، الذي هو نظام الإيمان واستقامة أمور العالم، وقد فضل المحبة والألفة على الإِنصاف والعدالة، لأنه يحُتاج إلى الإِنصاف حيث تفقد المحبة. ولصدق محبة الأب للابن صار مؤتمنا على ماله، والألفة أحد ما شرف الله به الشريعة سيما شريعة الإِسلام) (1).
· وقال تعالى: وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران: 103].
قال الزمخشريّ: (كانوا في الجاهلية بينهم الإحن والعداوات والحروب المتواصلة، فألف الله بين قلوبهم بالإسلام، وقذف فيها المحبة، فتحابوا وتوافقوا وصاروا إخوانا متراحمين متناصحين مجتمعين على أمر واحد، قد نظم بينهم وأزال الاختلاف، وهو الأخوة في الله)(2).
وقال السيوطي: (إذ كنتم تذابحون فيها يأكل شديدكم ضعيفكم حتى جاء الله بالإسلام فآخى به بينكم وألف به بينكم أما والله الذي لا إله إلا هو إن الألفة لرحمة وإن الفرقة لعذاب)(3).
· وقال سبحانه: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال: 62 - 63].
قوله: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (فاجتمعوا وائتلفوا، وازدادت قوتهم بسبب اجتماعهم، ولم يكن هذا بسعي أحد، ولا بقوة غير قوة الله، فلو أنفقت ما في الأرض جميعا من ذهب وفضة وغيرهما لتأليفهم بعد تلك النفرة والفرقة الشديدة مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لأنه لا يقدر على تقليب القلوب إلا الله تعالى وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ومن عزته أن ألف بين قلوبهم، وجمعها بعد الفرقة)(4).
وقال القرطبي: في قوله تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ أي جمع بين قلوب الأوس والخزرج. وكان تألف القلوب مع العصبية الشديدة في العرب من آيات النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، لأن أحدهم كان يلطم اللطمة فيقاتل عنها حتى يستقيدها. وكانوا أشد خلق الله حمية، فألف الله بالإيمان بينهم، حتى قاتل الرجل أباه وأخاه بسبب الدين. وقيل: أراد التأليف بين المهاجرين والأنصار. والمعنى متقارب) (5).
الترغيب والحث على الألفة من السنة النبوية:
إن الدين الإسلامي دين الألفة والتوادد والتعارف يحث أتباعه على الألفة والمحبة قال صلى الله عليه وسلم:
- ((إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبغضكم إلي المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الملتمسون للبرآء العنت، العيب)) (6).
(1)((تفسير الراغب الأصفهاني)) (2/ 765)
(2)
((الكشاف)) للزمخشري (1/ 395)
(3)
((الدر المنثور)) للسيوطي (2/ 287)
(4)
((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (1/ 325)
(5)
((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (8/ 42)
(6)
رواه الطبراني في ((الأوسط)) (7/ 350)(7697) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وحسنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2658).
- وعن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: ((لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن قال ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن قال لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها الأنصار شعار والناس دثار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)) (1).
وهذا من أكبر نعم الله في بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ألف به بين قوم قويت بينهم العصبيات، وينبغي أن يكون شأن المسلم هكذا يؤلف بين المتفرقين ويأتلف حوله المحبون (2).
- وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس (3).
قال المناوي في شرح قوله: ((المؤمن يألف)) قال: (لحسن أخلاقه وسهولة طباعه ولين جانبه وفي رواية ألف مألوف والألف اللازم للشيء فالمؤمن يألف الخير وأهله ويألفونه بمناسبة الإيمان قال الطيبي: وقوله المؤمن ألف يحتمل كونه مصدرا على سبيل المبالغة كرجل عدل أو اسم كان أي يكون مكان الألفة ومنتهاها ومنه إنشاؤها وإليه مرجعها ((ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)) لضعف إيمانه وعسر أخلاقه وسوء طباعه والألفة سبب للاعتصام بالله وبحبله وبه يحصل الإجماع بين المسلمين وبضده تحصل النفرة بينهم وإنما تحصل الألفة بتوفيق إلهي
…
ومن التآلف ترك المداعاة والاعتذار عند توهم شيء في النفس وترك الجدال والمراء وكثرة المزاح) (4).
وقال الماوردي: (بين به أن الإنسان لا يصلح حاله إلا الألفة الجامعة فإنه مقصود بالأذية محسود بالنعمة فإذا لم يكن ألفا مألوفا تختطفه أيدي حاسديه وتحكم فيه أهواء أعاديه فلم تسلم له نعمة ولم تصف له مدة وإذا كان ألفا مألوفا انتصر بالألف على أعاديه وامتنع بهم من حساده فسلمت نعمته منهم وصفت مودته بينهم وإن كان صفو الزمان كدرا ويسره عسرا وسلمه خطر)(5).
قال الراغب الأصفهاني: (ولذلك حثنا على الاجتماعات في الجماعات والجمعات، لكون ذلك سبباً للألفة، بل لذلك عظم الله تعالى المنة على المؤمنين بإيقاع الألفة بين المؤمنين
…
وليس ذلك في الإنسان فقط، بل لولا أن الله تعالى ألَّف بين الأركان المتضادة، لما استقام العالم، ولذلك قال عليه السلام:((بالعدل قامت السماوات والأرض)) (6) ومتى تصور هذه الجملة، علم أن الآية في نهاية الذم) (7).
- وعن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم)) (8).
(1) رواه البخاري (4330).
(2)
انظر ((هذه أخلاقنا)) لمحمود الخزندار (ص 194)
(3)
رواه الطبراني في ((الأوسط)) (6/ 58)(5787)، والبيهقي في ((الشعب)) (10/ 115)(7252).
(4)
((فيض القدير)) (6/ 329)
(5)
((فيض القدير)) (6/ 329)
(6)
((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (ص249).
(7)
((تفسير الراغب الأصفهاني)) (1/ 132)
(8)
رواه مسلم (1855).
إن خيار الناس في نظر الشرع هم الذين يألفون ويؤلفون، وخاصة حين يكونون في منصب أو مسؤولية، إذ قد ينزلقون إلى صور من الغلظة والجفوة حين يكونون مطلوبين لا طالبين (1).
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((الناس معادن كمعادن الفضة والذهب خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)) (2).
قال القاري: (التعارف جريان المعرفة بين اثنين والتناكر ضده أي: فما تعرف بعضها من بعض قبل حلولها في الأبدان ((ائتلف))
…
أي: حصل بينهما الألفة والرأفة حال اجتماعهما بالأجساد في الدنيا ((وما تناكر منها)) أي: في عالم الأرواح ((اختلف)) أي: في عالم الأشباح، والإفراد والتذكير في الفعلين باعتبار لفظ ما، والمراد منه بطريق الإجمال والله أعلم بحقيقة الحال أن الأرواح البشرية التي هي النفوس الناطقة مجبولة على مراتب مختلفة وشواكل متباينة، وكل ما شاكل منها في عالم الأمر في شاكلته تعارفت في عالم الخلق وائتلفت واجتمعت، وكل ما كان على غير ذلك في عالم الأمر تناكرت في عالم الخلق فاختلفت وافترقت، فالمراد بالتعارف ما بينهما من التناسب والتشابه، وبالتناكر ما بينهما من التنافر والتباين، فتارة على وجه الكمال وتارة على وجه النقصان، إذ قد يوجد كل من التعارف والتناكر بأدنى مشاكلة بينهما إما ظاهرا وإما باطنا، وبحقيقة يطول وتخاف من إعراض الملول واعتراض الفضول) (3).
(1) انظر ((هذه أخلاقنا)) لمحمود الخزندار (ص 195)
(2)
رواه مسلم (2638).
(3)
((مرقاة المفاتيح)) للقاري (8/ 3132).