الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحث على علو الهمة من القرآن والسنة
الحث على علو الهمة من القرآن الكريم
علو الهمة خلق رفيع وغاية نبيلة، تتعشقه النفوس الكريمة وتهفو إليه الفطر القويمة، وعلو الهمة من الأسس الأخلاقية الفاضلة وإليه يرجع مجموعة من الظواهر الخلقية، كالجد في الأمور، والترفع عن الصغائر والدنايا، وكالطموح إلى المعالي (1). والإسلام يحث على هذا الخلق النبيل، وقد وردت آيات من القرآن الكريم، وأحاديث من السنة النبوية تدل على ذلك، فمن القرآن الكريم:
- قوله تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133].
ففي هذه الآية (ندب الله عباده إلى المبادرة إلى فعْل الخيرات والمسارعة إلى نَيْل القُرُبات)(2) وهو أمر من الله بالهمة العالية.
- وقال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35].
فهذه الآية فيها ثناء (على أصحاب الهمم العالية، وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلون وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل، وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم
…
وقد تجلت همتهم العالية في مثابرتهم وجهادهم ودعوتهم إلى الله عز وجل، كما أوضحه الله عز وجل في قصص الأنبياء كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) (3)
- وقال تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب: 23].
وصف الله سبحانه وتعالى المؤمنين بوصف الرجال الذين هم أصحاب الهمم العالية فصدقوا ما عاهدوا الله (وفوا به، وأتموه، وأكملوه، فبذلوا مهجهم في مرضاته، وسبلوا أنفسهم في طاعته. فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ أي: إرادته ومطلوبه، وما عليه من الحق، فقتل في سبيل الله، أو مات مؤديا لحقه، لم ينقصه شيئا. وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ تكميل ما عليه، فهو شارع في قضاء ما عليه، ووفاء نحبه ولما يكمله، وهو في رجاء تكميله، ساع في ذلك، مجد)(4).
- وقال سبحانه: رِجَالٌ لَاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ [النور: 37].
فهؤلاء الرجال هم أصحاب الهمم العالية (ليسوا ممن يؤثر على ربه دنيا، ذات لذات، ولا تجارة ومكاسب، مشغلة عنه، لَاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وهذا يشمل كل تكسب يقصد به العوض، فيكون قوله: وَلا بَيْعٌ من باب عطف الخاص على العام، لكثرة الاشتغال بالبيع على غيره، فهؤلاء الرجال، وإن اتجروا، وباعوا، واشتروا، فإن ذلك، لا محذور فيه. لكنه لا تلهيهم تلك، بأن يقدموها ويؤثروها على ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم، ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه)(5).
- وقال الله سبحانه وتعالى بعد أن ذكر عدداً من الأنبياء ومواقفهم، ودعوتهم لقومهم: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90]
الحث على علو الهمة من السنة النبوية
(1)((الهمة العالية معوقاتها ومقوماتها)) لمحمد الحمد (ص: 81).
(2)
((تفسر القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 117).
(3)
((علو الهمة)) لمحمد إسماعيل المقدم (ص: 128).
(4)
((علو الهمة)) لمحمد إسماعيل المقدم (ص: 128).
(5)
((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 569).
- عن الحسين بن علي- رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى يحب معالي الأمور، وأشرافها، ويكره سفسافها)) (1).
قال المناوي: (وهي الأخلاق الشرعية والخصال الدينية لا الأمور الدنيوية فإن العلو فيها نزول (ويكره) في رواية البيهقي ويبغض (سفسافها) بفتح أوله أي حقيرها ورديئها فمن اتصف من عبيده بالأخلاق الزكية أحبه ومن تحلى بالأوصاف الرديئة كرهه وشرف النفس صونها عن الرذائل والدنايا والمطامع القاطعة لأعناق الرجال فيربأ بنفسه أن يلقيها في ذلك وليس المراد به التيه فإنه يتولد من أمرين خبيثين إعجاب بنفسه وازدراء بغيره والأول يتولد بين خلقين كريمين إعزاز النفس وإكرامها وتعظيم مالكها فيتولد من ذلك شرف النفس وصيانتها وقد خلق سبحانه وتعالى لكل من القسمين أهلا لما مر أن بني آدم تابعون للتربة التي خلقهم منها فالتربة الطيبة نفوسها علية كريمة مطبوعة على الجود والسعة واللين والرفق لا كزازة ولا يبوسة فيها فالتربة الخبيثة نفوسها التي خلقت منها مطبوعة على الشقوة والصعوبة والشح والحقد وما أشبهه) (2).
- وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)) (3).
قال ابن بطال: (فيه ندب إلى التعفف عن المسألة، وحض على معالي الأمور، وترك دنيئها، والله يحب معالي الأمور)(4).
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)) (5).
(وعامة نصوص الترغيب والترهيب في الوحيين الشريفين إنما ترمي إلى توليد قوة دافعة تحرك قلب المؤمن، وتوجهه إلى إقامة الطاعات، وتجنب المعاصي والمخالفات، وإلى بعث الهمة وتحريكها واستحثاثها للتنافس في الخيرات، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر)(6).
ومن الأحاديث التي تبعث الهمة بالترغيب قوله صلى الله عليه وسلم:
- لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا.
- وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارق، ورتل، كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها)) (7).
(1) رواه الطبراني في ((الكبير)) (3/ 131)(2894)، القضاعي في ((مسنده)) (2/ 150) (1076). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 191): فيه خالد بن إلياس، ضعفه أحمد وابن معين والبخاري والنسائي، وبقية رجاله ثقات. وقال ابن القيسراني في ((ذخيرة الحفاظ)) (2/ 608): خالد هذا متروك الحديث، وتفرد به عنه المغيرة بن عبد الرحمن. وصححه الألباني بشواهده في ((السلسلة الصحيحة)) (1627).
(2)
((فيض القدير)) للمناوي (2/ 375).
(3)
رواه البخاري (1427) ومسلم (1034). واللفظ للبخاري.
(4)
((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (3/ 431).
(5)
رواه مسلم (2664).
(6)
((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 660).
(7)
رواه أبو داود (1464)، الترمذي (2914)، وأحمد (2/ 192) (6799) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (8122).