الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نماذج من عفوه صلى الله عليه وسلم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ القمة والدرجة العالية في العفو والصفح، كما هو شأنه في كل خلُقٍ من الأخلاق الكريمة، فكان عفوه يشمل الأعداء فضلاً عن الأصدقاء.
(وكان صلى الله عليه وسلم أجمل الناس صفحاً، يتلقى من قومه الأذى المؤلم فيعرض عن تلويمهم أو تعنيفهم أو مقابلتهم بمثل عملهم، ثم يعود إلى دعوتهم ونصحهم كأنما لم يلق منهم شيئاً.
وفي تأديب الله لرسوله بهذا الأدب أنزل الله عليه في المرحلة المكية قوله: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [الحجر:85 - 86] ثم أنزل عليه قوله: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الزخرف:89] فكان يقابل أذى أهل الشرك بالصفح الجميل، وهو الصفح الذي لا يكون مقروناً بغضب أو كبر أو تذمر من المواقف المؤلمة وكان كما أدبه الله تعالى. ثم كان يقابل أذاهم بالصفح الجميل، ويعرض قائلاً: سلام.
وفي العهد المدني لقي الرسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة أنواعاً من الخيانة فأنزل الله عليه قوله: وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 13] فصبر الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم وعفا وصفح، حتى جاء الإذن الرباني بإجلائهم، ومعاقبة ناقضي العهد منهم) (1).
- فعن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى.
قال الله- تعالى-: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ الآية [آل عمران: 186]. وقال: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الآية [البقرة: 109]، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو عنهم ما أمر الله به
…
)) (2).
- وعن أبي عبد الله الجدلي قال: ((قلت لعائشة: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله قالت كان أحسن الناس خلقا لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا بالأسواق ولا يجزئ بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح)) (3).
(1)((الأخلاق الإسلامية)) لعبدالرحمن الميداني (1/ 432).
(2)
رواه البخاري (4566).
(3)
رواه الترمذي (2016)، أحمد (6/ 236)(26032)، وابن حبان (14/ 355). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1592).
- وعن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما ((أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارا، عليه إكاف، تحته قطيفة فدكية. وأردف وراءه أسامة، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج. وذاك قبل وقعة بدر. حتى مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود. فيهم عبد الله بن أبي. وفي المجلس عبد الله بن رواحة. فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه. ثم قال: لا تغبروا علينا. فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل. فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن. فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء لا أحسن من هذا. إن كان ما تقول حقا، فلا تؤذنا في مجالسنا. وارجع إلى رحلك. فمن جاءك منا فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا. فإنا نحب ذلك. قال: فاستب المسلمون والمشركون واليهود. حتى هموا أن يتواثبوا. فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة. فقال: (أي سعد، ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ يريد عبد الله بن أبي قال كذا وكذا قال: اعف عنه يا رسول الله، واصفح. فو الله لقد أعطاك الله الذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة أن يتوجوه، فيعصبوه بالعصابة فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاكه، شرق بذلك فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم)(1).
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله. عز وجل)(2).
- وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما ((أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق الناس يستظلون بالشجر فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة وعلق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، وإذا عنده أعرابي. فقال: (إن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا)، فقال: من يمنعك مني؟. فقلت: (الله)(ثلاثا) ولم يعاقبه وجلس)) (3).
- موقفه صلى الله عليه وسلم مع أهل ثقيف حينما طلب منهم الحماية وعرض عليهم نفسه فلم يجيبوه، بل قابلوه بالأذى والعدوان، فصبر عليهم وعفا عنهم حينما عرض عليه ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين، فعن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد فقال:((لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال فناداني ملك الجبال وسلم علي. ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا)) (4).
- موقفه صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة:
(1) رواه مسلم (1798).
(2)
رواه مسلم (2328).
(3)
رواه البخاري (2910).
(4)
رواه مسلم (1795).
((لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل البيت، فصلى بين الساريتين، ثم وضع يديه على عضادتي الباب، فقال: لا إله إلا الله وحده ماذا تقولون، وماذا تظنون؟ قالوا: نقول خيرا، ونظن خيرا: أخ كريم، وابن أخ، وقد قدرت، قال: فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف صلى الله عليه وسلم: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:92])) (1).
- موقفه صلى الله عليه وسلم مع عكرمة بن أبي جهل:
عن عروة بن الزبير قال: ((قال عكرمة بن أبي جهل: لما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا محمد، إن هذه أخبرتني أنك أمنتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت آمن فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنت عبد الله ورسوله، وأنت أبر الناس، وأصدق الناس، وأوفى الناس، قال عكرمة: أقول ذلك وإني لمطأطئ رأسي استحياء منه، ثم قلت: يا رسول الله، استغفر لي كل عداوة عاديتكها أو موكب أوضعت فيه أريد فيه إظهار الشرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها، أو موكب أوضع فيه يريد أن يصد عن سبيلك قلت: يا رسول الله، مرني بخير ما تعلم فأعلمه، قال: قل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وتجاهد في سبيله ثم قال عكرمة: أما والله يا رسول الله، لا أدع نفقة كنت أنفقتها في الصد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قاتلت قتالا في الصد عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله، ثم اجتهد في القتال حتى قتل يوم أجنادين شهيدا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه)(2).
(1) رواه الأزرقي في ((أخبار مكة)) (2/ 121)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (73/ 53)، وابن زنجويه في ((الأموال)) (1/ 293) من حديث عطاء والحسن وطاوس رحمهم الله.
(2)
رواه الحاكم (3/ 270)، والطبري في ((تاريخه)) (11/ 502)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (41/ 64).