المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقفه من الجهمية: - موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية - جـ ٥

[المغراوي]

فهرس الكتاب

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة والجهمية والخوارج والمرجئة والقدرية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقف السلف من ابن أبي العزاقر (319 ه

- ‌موقف السلف من ابن مسرة (319 ه

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقف السلف من الحكيم الترمذي الصوفي (320 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقف السلف من المهدي الرافضي عبيد الله أبي محمد (322 ه

- ‌أبو علي الروذباري الصوفي (322 ه

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌المرتعش الصوفي (328 ه

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقف السلف من القرمطي عدوّ الله أبي طاهر سليمان الزنديق (332 ه

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقف السلف من القائم بأمر الله (الزنديق) (334 ه

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقف السلف من الفارابي الزنديق (339 ه

- ‌القاهر بالله (339 ه

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌أبو محمد بن عبد البصري المالكي (347 ه

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقف السلف من ابن سالم الصوفي (350 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقف السلف من ابن أبي دارم الرافضي (352 ه

- ‌موقف السلف من ابن الداعي الشيعي (353 ه

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقف السلف من المتنبي (354 ه

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقف السلف من ابن الجعابي (355 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقف السلف من النعمان الباطني العبيدي (363 ه

- ‌موقف السلف من المعز العبيدي المهدوي (365 ه

- ‌موقف السلف من النصرآبادي (367 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقف السلف من أبي بكر الرازي المعتزلي (370 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي الصوفي (371 ه

- ‌موقفه من المبتدعة والرافضة والجهمية والخوارج والمرجئة والقدرية:

- ‌موقف السلف من عضد الدولة الشيعي (372 ه

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌أبو عثمان المغربي الصوفي (373 ه

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الفلاسفة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من علم الكلام:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقف السلف من أبي طالب المكي (386 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة والجهمية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المؤولة وغيرهم:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الأشعرية وغيرهم:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

الفصل: ‌موقفه من الجهمية:

وإما خارجي يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يرى طاعة خليفة ولا إمام إذا سمع أخبار أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف مذهبهم الذي هو ضلال لم يجد حيلة في دفع أخباره بحجة وبرهان كان مفزعه الوقيعة في أبي هريرة. أو قدري اعتزل الإسلام وأهله وكفر أهل الإسلام الذين يتبعون الأقدار الماضية التي قدرها الله تعالى وقضاها قبل كسب العباد لها إذا نظر إلى أخبار أبي هريرة التي قد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات القدر لم يجد بحجة يريد صحة مقالته التي هي كفر وشرك كانت حجته عند نفسه أن أخبار أبي هريرة لا يجوز الاحتجاج بها.

أو جاهل يتعاطى الفقه ويطلبه من غير مظانه إذا سمع أخبار أبي هريرة فيما يخالف مذهب من قد اجتبى مذهبه وأخباره تقليداً بلا حجة ولا برهان كلم في أبي هريرة ودفع أخباره التي تخالف مذهبه ويحتج بأخباره على مخالفته إذا كانت أخباره موافقة لمذهبه، وقد أنكر بعض هذه الفرق على أبي هريرة أخباراً لم يفهموا معناها أنا ذاكر بعضها بمشيئة الله عز وجل. (1)

‌موقفه من الجهمية:

هذا الإمام الكبير كان شوكة في حلوق الجهمية وفروعهم من الكلابية وغيرهم، ولهذا حملوا عليه في كتبهم وتعليقاتهم ومن أشهرهم الرازي من المتقدمين ومن المتأخرين حاملو راية الجهمية الكوثري وتلامذته ومحبوه، وقد قيل في تفسير الرازي: فيه كل شيء إلا التفسير، وقد تكلم عليه الحافظ في لسان الميزان بكلمات جامعة. واسمع ما يقوله في تفسيره الذي ملأه بمذهب

(1) المستدرك (3/ 513).

ص: 25

الجهمية:

واعلم يعني: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1)، في أن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية الكتاب الذي سماه بالتوحيد وهو في الحقيقة كتاب الشرك. (2)

آثار الشيخ السلفية:

- 'كتاب التوحيد': وهو من أعظم المصادر السلفية، وقد نقم عليه المبتدعة في الماضي والحاضر، وقد تقدم ما ذكره الرازي، وأما الكوثري الحاقد ومدرسته فلا تسأل عن كلامهم في هذا الكتاب فيوم طبع الكتاب لم يتمالكوا أنفسهم بل أرسلوا إلى الأزهر: كيف يسمح بطبع مثل هذه الكتب والله المستعان. وأما كتب الضلال والانحرافات والخرافات فهذه يرقصون لطبعها، وقد طبع الكتاب وأخذ رسالة علمية حققت نسخه وأحاديثه، ولله الحمد والمنّة.

- جاء في ذم الكلام: عنه قال: من لم يقل إن الله في السماء على العرش استوى، ضربت عنقه وألقيت جيفته على مزبلة بعيدة عن البلد حتى لا يتأذى بنتن ريحها أحد من المسلمين ولا من المعاهدين. (3)

- وفيه: سئل ابن خزيمة عن الكلام في الأسماء والصفات فقال: بدعة ابتدعوها ولم تكن أئمة المسلمين وأرباب المذاهب الأربعة وأئمة الدين مثل:

(1) الشورى الآية (11).

(2)

التفسير الكبير (ج: 27، ص.150).

(3)

ذم الكلام (ص.272).

ص: 26

مالك وسفيان والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ويحيى بن يحيى وابن المبارك ومحمد بن يحيى وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي يوسف يتكلمون في ذلك، وينهون عن الخوض فيه ويدلون أصحابهم على الكتاب والسنة فإياك والخوض فيه والنظر في كتبهم بحال. (1)

- وقال أيضاً في كتاب 'مناقب أحمد بن حنبل' في باب الإشارة إلى طريقة في الأصول، لما ذكر كلامه في مسائل القرآن وترتيب البدع التي ظهرت فيه وأنهم قالوا أولا: هو مخلوق، وجرت المحنة المشهورة، ثم مسألة اللفظية بسبب حسين الكرابيسي، إلى أن قال: وجاءت طائفة فقالت: لا يتكلم بعد ما تكلم، فيكون كلامه حادثاً، قال: وهذه سحارة أخرى تقذي في الدين غير عين واحدة، فانتبه لها أبو بكر بن خزيمة، وكانت حينئذ بنيسابور دار الآثار تمد إليها الدانات، وتشد إليها الركائب، ويجلب منها العلم، وما ظنك بمجالس يحبس عنها الثقفي والصبغي مع ما جمعا من الحديث والفقه والصدق والورع واللسان، والبيت والقدر لا يستر لوث بالكلام واستمام لأهله، فابن خزيمة في بيت، ومحمد بن إسحاق في بيت، وأبو حامد العرشرقي في بيت، قال: فطار لتلك الفتنة ذلك الإمام أبو بكر فلم يزل يصيح بتشويهها، ويصنف في ردها كأنه منذر جيش، حتى دون في الدفاتر، وتمكن في السرائر، ولقن في الكتاتيب، ونقش في المحاريب، أن الله متكلم: إن شاء الله تكلم، وإن شاء سكت، فجزى الله ذلك الإمام وأولئك النفر الغر عن نصرة دينه وتوقير نبيه خيراً.

(1) ذم الكلام (ص.274) والاستقامة (1/ 108).

ص: 27

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قلت: هذه القصة التي أشار إليها عن ابن خزيمة مشهورة، ذكرها غير واحد من المصنفين كالحاكم أبي عبد الله في 'تاريخ نيسابور' وغيره، ذكر أنه رفع إلى الإمام أنه قد نبغ طائفة من أصحابه يخالفونه وهو لا يدري، وأنهم على مذهب الكلابية، وأبو بكر الإمام شديد على الكلابية. قال: فحدثني أبو بكر أحمد بن يحيى المتكلم قال: اجتمعنا ليلة عند بعض أهل العلم، وجرى ذكر كلام الله: أقديم لم يزل، أو يثبت عند اختياره تعالى أن يتكلم به؟ فوقع بيننا في ذلك خوض. قال جماعة منا: إن كلام الباري قديم لم يزل، وقال جماعة: إن كلامه قديم، غير أنه لا يثبت إلا باختياره لكلامه. فبكرت أنا إلى أبي علي الثقفي، وأخبرته بما جرى، فقال: من أنكر أنه لم يزل فقد اعتقد أنه محدث، وانتشرت هذه المسألة في البلد، وذهب منصور الطوسي في جماعة معه إلى أبي بكر محمد بن إسحاق وأخبروه بذلك، حتى قال منصور: ألم أقل للشيخ إن هؤلاء يعتقدون مذهب الكلابية، وهذا مذهبهم، فجمع أبو بكر أصحابه، وقال: ألم أنهكم غير مرة عن الخوض في الكلام، ولم يزدهم على هذا في ذلك اليوم، وذكر أنه بعد ذلك خرج على أصحابه، وأنه صنف في الرد عليهم، وأنهم ناقضوه، ونسبوه إلى القول بقول جهم في أن القرآن محدث، وجعلهم هو كلابية. (1)

- قال الحاكم: سمعت أبا عبد الرحمن بن أحمد المقري يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: الذي أقول به أن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله، غير مخلوق، ومن قال: إن القرآن أو شيئاً منه ومن وحيه وتنزيله

(1) درء التعارض (2/ 76 - 79) والسير (14/ 378 - 379).

ص: 28

مخلوق، أو يقول: إن الله لا يتكلم بعد ما كان تكلم به في الأزل، أو يقول: إن أفعال الله مخلوقة، أو يقول: إن القرآن محدث، أو يقول: إن شيئاً من صفات الله -صفات الذات- أو اسماً من أسماء الله مخلوق، فهو عندي جهمي يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، هذا مذهبي ومذهب من رأيت من أهل الأثر في الشرق والغرب من أهل العلم، ومن حكى عني خلاف هذا فهو كاذب باهت، ومن نظر في كتبي المصنفة ظهر له وبان أن الكلابية كذبة فيما يحكون عني مما هو خلاف أصلي وديانتي. (1)

- وذكر عن ابن خزيمة أنه قال: زعم بعض جهلة هؤلاء الذين نبغوا في سنتنا هذه أن الله لا يكرر الكلام، فهم لا يفهمون كتاب الله، فإن الله قد أخبر في نص الكتاب في مواضع أنه خلق آدم، وأنه أمر الملائكة بالسجود له، فكرر هذا الذكر في غير موضع، وكرر ذكر كلامه مع موسى مرة بعد أخرى، وكرر ذكر عيسى بن مريم في مواضع، وحمد نفسه في مواضع فقال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} (2) و {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (3){الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (4) وكرر زيادة على ثلاثين مرة {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (5) ولم

(1) درء التعارض (2/ 79) والتذكرة (2/ 726).

(2)

الكهف الآية (1).

(3)

الأنعام الآية (1).

(4)

سبأ الآية (1).

(5)

سورة الرحمن.

ص: 29

أتوهم أن مسلماً يتوهم أن الله لا يتكلم بشيء مرتين. (1)

- قال الحاكم: سمعت محمد بن صالح بن هانئ، سمعت ابن خزيمة يقول: من لم يقر بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر حلال الدم، وكان ماله فيئاً.

قلت -أي الذهبي-: من أقر بذلك تصديقاً لكتاب الله، ولأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمن به مفوضاً معناه (2) إلى الله ورسوله، ولم يخض في التأويل ولا عمق، فهو المسلم المتبع، ومن أنكر ذلك، فلم يدر بثبوت ذلك في الكتاب والسنة فهو مقصر والله يعفو عنه، إذ لم يوجب الله على كل مسلم حفظ ما ورد في ذلك، ومن أنكر ذلك بعد العلم، وقفا غير سبيل السلف الصالح، وتمعقل على النص فأمره إلى الله، نعوذ بالله من الضلال والهوى. وكلام ابن خزيمة هذا -وإن كان حقاً- فهو فج، لا تحتمله نفوس كثيرة من متأخري العلماء. (3)

- قال أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه: سمعت ابن خزيمة يقول: القرآن كلام الله تعالى، ومن قال: إنه مخلوق. فهو كافر، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، ولا يدفن في مقابر المسلمين. (4)

- قال الحاكم: وحدثني عبد الله بن إسحاق الأنماطي المتكلم قال: لم يزل الطوسي بأبي بكر بن خزيمة حتى جرأه على أصحابه، وكان أبو بكر بن

(1) درء التعارض (2/ 79 - 81) والسير (14/ 380) والتذكرة (2/ 726 - 727).

(2)

والذي ينبغي أن يقال: يجب الإيمان باللفظ والمعنى، ويفوض الكيف.

(3)

السير (14/ 373 - 374).

(4)

السير (14/ 374) والتذكرة (2/ 728 - 729).

ص: 30

إسحاق وأبو بكر بن أبي عثمان يردان على أبي بكر ما يمليه، ويحضران مجلس أبي علي الثقفي، فيقرؤون ذلك على الملأ، حتى استحكمت الوحشة. سمعت أبا سعد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ، سمعت ابن خزيمة يقول: القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق، ومن قال: شيء منه مخلوق، أو يقول: إن القرآن محدث، فهو جهمي، ومن نظر في كتبي، بان له أن الكلابية -لعنهم الله- كذبة فيما يحكون عني بما هو خلاف أصلي وديانتي، قد عرف أهل الشرق والغرب أنه لم يصنف أحد في التوحيد والقدر وأصول العلم مثل تصنيفي، وقد صح عندي أن هؤلاء -الثقفي والصبغي ويحيى بن منصور- كذبة، قد كذبوا علي في حياتي، فمحرم على كل مقتبسِ علمٍ أن يقبل منهم شيئاً يحكونه عني، وابن أبي عثمان أكذبهم عندي، وأقولهم علي ما لم أقله.

قلت -أي الذهبي-: ما هؤلاء بكذبة، بل أئمة أثبات، وإنما الشيخ تكلم على حسب ما نقل له عنهم. فقبح الله من ينقل البهتان، ومن يمشي بالنميمة. (1)

- قال الحاكم: سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول: لما وقع من أمرنا ما وقع، وجد أبو عبد الرحمن ومنصور الطوسي الفرصة في تقرير مذهبهم، واغتنم أبو القاسم، وأبو بكر بن علي، والبردعي السعي في فساد الحال، انتصب أبو عمرو الحيري للتوسط فيما بين الجماعة، وقرر لأبي بكر ابن خزيمة اعترافنا له بالتقدم، وبين له غرض المخالفين في فساد الحال. إلى أن وافقه على أن نجتمع عنده، فدخلت أنا، وأبو علي، وأبو بكر بن أبي عثمان، فقال له أبو

(1) السير (14/ 379 - 380) والاستقامة (1/ 109 - 110).

ص: 31

علي الثقفي: ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه؟ قال: ميلكم إلى مذهب الكلابية، فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب، وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره. حتى طال الخطاب بينه وبين أبي علي في هذا الباب، فقلت: قد جمعت أنا أصول مذاهبنا في طبق، فأخرجت إليه الطبق، فأخذه وما زال يتأمله وينظر فيه، ثم قال: لست أرى هاهنا شيئاً لا أقول به. فسألته أن يكتب عليه خطه أن ذلك مذهبه، فكتب آخر تلك الأحرف، فقلت لأبي عمرو الحيري: احتفظ أنت بهذا الخط حتى ينقطع الكلام، ولا يتهم واحد منا بالزيادة فيه. ثم تفرقنا، فما كان بأسرع من أن قصده أبو فلان وفلان وقالا: إن الأستاذ لم يتأمل ما كتب في ذلك الخط، وقد غدروا بك وغيروا صورة الحال.

فقبل منهم، فبعث إلى أبي عمرو الحيري لاسترجاع خطه منه، فامتنع عليه أبو عمرو، ولم يرده حتى مات ابن خزيمة، وقد أوصيت أن يدفن معي، فأحاجه بين يدي الله تعالى فيه وهو: القرآن كلام الله تعالى، وصفة من صفات ذاته، ليس شيء من كلامه مخلوق، ولا مفعول، ولا محدث، فمن زعم شيئاً منه مخلوق أو محدث، أو زعم أن الكلام من صفة الفعل، فهو جهمي ضال مبتدع، وأقول: لم يزل الله متكلماً، والكلام له صفة ذات، ومن زعم أن الله لم يتكلم إلا مرة، ولم يتكلم إلا ما تكلم به، ثم انقضى كلامه، كفر بالله وأنه ينزل تعالى إلى سماء الدنيا فيقول:"هل من داع فأجيبه" فمن زعم أن علمه تنزل أوامره، ضل، ويكلم

ص: 32

عباده بلا كيف {الرحمن على العرش استوى} (1) لا كما قالت الجهمية: إنه على الملك احتوى، ولا استولى. وإن الله يخاطب عباده عوداً وبدءاً، ويعيد عليهم قصصه وأمره ونهيه، ومن زعم غير ذلك، فهو ضال مبتدع. وساق سائر الاعتقاد. (2)

- وقال رحمه الله في مقدمته لكتابه التوحيد: كنت أسمع من بعض أحداث طلاب العلم والحديث ممن لعله كان يحضر مجالس أهل الزيغ والضلالة؛ من الجهمية المعطلة والقدرية المعتزلة ما تخوفت أن يميل بعضهم عن الحق والصواب من القول بالبهت والضلال في هذين الجنسين من العلم؛ بإثبات القول بالقضاء السابق والمقادير النافذة قبل حدوث كسب العباد، والإيمان بجميع صفات الرحمن الخالق جل وعلا مما وصف الله به نفسه في محكم تنزيله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وبما صح وثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم بالأسانيد الثابتة الصحيحة بنقل أهل العدالة موصولاً إليه صلى الله عليه وسلم، فيعلم الناظر في كتابنا هذا ممن وفقه الله تعالى لإدراك الحق والصواب ومَنَّ عليه بالتوفيق لما يحب ويرضى صحة مذهب أهل الآثار في هذين الجنسين من العلم، وبطلان مذاهب أهل الأهواء والبدع الذين هم في ريبهم وضلالتهم يعمهون. وبالله ثقتي وإياه أسترشد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقد بدأت كتاب القدر فأمليته وهذا كتاب

(1) طه الآية (5).

(2)

السير (14/ 380 - 381) والتذكرة (2/ 726 - 728).

ص: 33

التوحيد. (1)

- وقال رحمه في كتابه التوحيد: أقول وبالله توفيقي وإياه أسترشد: قد بين الله عز وجل في محكم تنزيله الذي هو مثبت بين الدفتين أن له وجهاً وصفه بالجلال والإكرام والبقاء فقال جل وعلا: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (2)، ونفى ربنا جل وعلا عن وجهه الهلاك في قوله:{كل شَيْءٍ هَالِكٌ إِلًّا وَجْهَهُ} (3)، وزعم بعض جهلة الجهمية أن الله عز وجل إنما وصف في هذه الآية نفسه التي أضاف إليها الجلال بقوله:{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (4) وزعمت أن الرب هو ذو الجلال والإكرام لا الوجه.

قال أبو بكر: أقول وبالله توفيقي هذه دعوى يدعيها جاهل بلغة العرب؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} فذكر الوجه مضموماً في هذا الموضع مرفوعاً، وذكر الرب بخفض الباء بإضافة الوجه، ولو كان قوله {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} مردوداً إلى ذكر الرب في هذا الموضع لكانت القراءة ذي الجلال والإكرام مخفوضاً كما كان الباء

(1) التوحيد (5).

(2)

الرحمن الآية (27).

(3)

القصص الآية (88).

(4)

الرحمن الآية (78).

ص: 34

مخفوضاً في ذكر الرب جل وعلا، ألم تسمع قوله تبارك وتعالى:{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} ؛ فلما كان الجلال والإكرام في هذه الآية صفة للرب خَفَضَ "ذِي" خَفْضَ الباءِ الذي ذُكر في قوله {ربك} ؛ ولما كان الوجه في تلك الآية التي كانت صفة الوجه مرفوعة (1) فقال: {ذو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} .

فتفهموا يا ذوي الحجا هذا البيان الذي هو دلالة أن وجه الله صفة من صفات الله صفات الذات، لا أن وجه الله هو الله، أو أن وجهه غيره كما زعمت المعطلة الجهمية؛ لأن وجهه لو كان الله لقرئ ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام، فما لمن لا يفهم هذا القدر من العربية ووضع الكتب على علماء أهل الآثار القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

وزعمت الجهمية عليهم لعائن الله أن أهل السنة ومتبعي الآثار القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم المثبتين لله جل وعلا من صفاته ما وصف الله به نفسه في محكم تنزيله المثبت بين الدفتين وعلى لسان نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بنقل العدل فوضوه إليه مشبهة، جهلاً منهم بكتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقلة معرفتهم بلغة العرب الذين بلغتهم خوطبنا، وقد ذكرنا من الكتاب والسنة ذكر وجه ربنا بما فيه الغنية والكفاية، ونزيده شرحاً؛ فاسمعوا الآن أيها العقلاء ما يذكر من جنس اللغة السائرة بين العرب هل يقع اسم المشبهة على

(1) كذا في الأصل.

ص: 35

أهل الآثار ومتبعي السنن؟ نحن نقول وعلماؤنا جميعاً في الأقطار إن لمعبودنا عز وجل وجها كما أعلمنا الله في محكم تنزيله؛ فذواه بالجلال والإكرام، وحكم له بالبقاء، ونفى عنه الهلاك. ونقول: إن لوجه ربنا عز وجل من النور والضياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره، محجوب عن أبصار أهل الدنيا، لا يراه بشر ما دام في الدنيا الفانية، ونقول: إن وجه ربنا القديم لم يزل بالباقي الذي لا يزال؛ فنفى عنه الهلاك والفناء. ونقول: إن لبني آدم وجوها كتب الله عليها الهلاك، ونفى عنها الجلال والإكرام غير موصوفة بالنور والضياء والبهاء التي وصف الله بها وجهه، يدرك وجوه بني آدم أبصار أهل الدنيا، لا تحرق لأحد شعرة فما فوقها؛ لنفي السبحات عنها؛ التي بينها نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم لوجه خالقنا.

ونقول: إن وجوه بني آدم محدثة مخلوقة لم تكن، فكونها الله بعد أن لم تكن مخلوقة أوجدها بعد ما كانت عدماً، وأن جميع وجوه بني آدم فانية غير باقية تصير جميعاً ميتاً، ثم تصير رميماً، ثم ينشئها الله بعدما قد صارت رميماً، فتلقى من النشور والحشر والوقوف بين يدي خالقنا في القيامة، ومن المحاسبة بما قدمت يداه ونسيه في الدنيا ما لا يعلم صفته غير الخالق الباري، ثم إما تصير إلى الجنة منعمة فيها، أو إلى نار معذبة، فهل يخطر يا ذوي الحجا ببال عاقل مركب فيه العقل يفهم لغة العرب ويعرف خطابها ويعلم التشبيه أن هذا الوجه شبيه بذاك الوجه؟ وهل هاهنا أيها العقلاء تشبيه وجه ربنا جل ثناؤه الذي هو كما وصفنا وبينا صفته من الكتاب والسنة بتشبيه وجوه بني آدم التي ذكرناها ووصفناها غير اتفاق اسم الوجه وإيقاع اسم الوجه على

ص: 36

وجه بني آدم كما سمى الله وجهه وجهاً؟ ولو كان تشبيهاً من علمائنا لكان كل قائل إن لبني آدم وجها، وللخنازير والقردة والكلاب والسباع والحمير والبغال والحيات والعقارب وجوها قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب وغيرها مما ذكرت، ولست أحسب أن أعقل الجهمية المعطلة عند نفسه لو قال له أكرم الناس عليه: وجهك يشبه وجه الخنزير والقرد والدُّب والكلب والحمار والبغل ونحو هذا إلا غضب؛ وإلا خرج من سوء الأدب في الفحش من المنطق من الشتم للمشبه وجهه بوجه ما ذكرنا، ولعله بعد يقذفه ويقذف أبويه. ولست أحسب أن عاقلاً يسمع هذا القائل المشبه وجه ابن آدم بوجه ما ذكرنا إلا ويرميه بالكذب والزور والبهت، أو بالعته والخبل، أو يحكم عليه بزوال العقل ورفع القلم عنه؛ لتشبيه وجه ابن آدم بوجه ما ذكرنا.

فتفكروا يا ذوي الألباب أَوُجوهُ ما ذكرنا أقرب شبهاً بوجوه بني آدم أو وجه خالقنا بوجوه بني آدم؟ فإذا لم تطلق العرب تشبيه وجوه بني آدم بوجوه ما ذكرنا من السباع، واسم الوجه قد يقع على جميع وجوهها كما يقع اسم الوجه على وجوه بني آدم؛ فكيف يلزمنا أن يقال لنا: أنتم مشبهة، ووجوه بني آدم ووجوه ما ذكرنا من السباع والبهائم محدثة كلها مخلوقة قد قضى الله فناءها وهلاكها وقد كانت عدما؛ فكونها الله وخلقها وأحدثها وجميع ما ذكرنا من السباع والبهائم لوجوهها أبصار وخدود وجباه وأنوف وألسنة وأفواه وأسنان وشفاه، ولا يقول مركب فيه العقل لأحد من بني آدم وجهك شبيه بوجه خنزير، ولا عينك شبيهة بعين قرد، ولا فمك فم دب،

ص: 37

ولا شفتاك كشفتي كلب، ولا خدك خد ذئب، إلا على المشاتمة كما يرمي الرامي الإنسان بما ليس فيه؛ فإذ كان ما ذكرنا على ما وصفنا ثبت عند العقلاء وأهل التمييز أن من رمى أهل الآثار القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم بالتشبيه؛ فقد قال الباطل والكذب والزور والبهتان، وخالف الكتاب والسنة، وخرج من لسان العرب.

وزعمت المعطلة من الجهمية أن معنى الوجه الذي ذكر الله في الآي التي تلونا من كتاب الله وفي الأخبار التي رويناها عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقول العرب: وجه الكلام ووجه الثوب ووجه الدار، فزعمت -لجهلها- أن معنى قوله: وجه الله كقول العرب وجه الكلام ووجه الدار ووجه الثوب، وزعمت أن الوجوه من صفات المخلوقين؛ وهذه فضيحة في الدعوى، ووقوع في أقبح ما زعموا أنهم يهربون منه؛ فيقال لهم: أفليس كلام بني آدم والثياب والدور مخلوقة؟ فمن زعم منكم أن معنى قوله وجه الله كقول العرب وجه الكلام ووجه الثوب ووجه الدار، أليس قد شبه على أصلكم وجه الله بوجه الموتان؟ لزعمكم -يا جهلة- أن من قال من أهل السنة والآثار القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم: لله وجه وعينان ونفس، وأن الله يبصر ويرى ويسمع؛ أنه مشبه عندكم خالقه بالمخلوقين، حاش لله أن يكون أحد من أهل السنة والأثر شبه خالقه بأحد من المخلوقين؛ فإن كان على ما زعمتم بجهلكم فأنتم قد شبهتم معبودكم بالموتان. نحن نثبت لخالقنا جل وعلا صفاته التي وصف الله عز وجل بها نفسه في محكم تنزيله أو على لسان نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم مما ثبت بنقل العدل عن العدل موصولاً إليه، ونقول كلاماً مفهوماً موزوناً يفهمه كل

ص: 38

عاقل يقول: ليس إيقاع اسم الوجه للخالق البارئ بموجب عند ذوي الحجا والنهى أنه يشبه وجه الخالق بوجوه بني آدم. قد أعلمنا الله جل وعلا في الآي التي تلوناها قبل أن لله وجهاً ذواه بالجلال والإكرام ونفى الهلاك عنه. وخبرنا في محكم تنزيله أنه يسمع ويرى؛ فقال جل وعلا لكليمه موسى ولأخيه هارون صلوات الله عليهما: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وأرى} (1) وما لا يسمع ولا يبصر كالأصنام التي هي من الموتان، ألم تسمع مخاطبة خليل الله صلوات الله عليه أباه؟ {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} (2)، أو لا يعقل -يا ذوي الحجا- من فهم عن الله تبارك وتعالى هذا أن خليل الله صلوات الله عليه يوبخ أباه على عبادة ما لا يسمع ولا يبصر، ولو قال الخليل صلوات الله عليه لأبيه: أدعوك إلى ربي الذي لا يسمع ولا يبصر، لأشبه أن يقول: فما الفرق بين معبودك ومعبودي؟ والله قد أثبت لنفسه أنه يسمع ويرى.

والمعطلة من الجهمية تنكر كل صفة لله جل وعلا وصف بها نفسه في محكم تنزيله، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لجهلهم بالعلم، وقال عز وجل: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ

(1) طه الآية (46) ..

(2)

مريم الآية (42).

ص: 39

أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} (1) الآية؛ فأعلم الله عز وجل أن من لا يسمع ولا يعقل كالأنعام؛ بل هم أضل سبيلاً، فمعبود الجهمية عليهم لعائن الله كالأنعام التي لا تسمع ولا تبصر، والله قد ثبت لنفسه أنه يسمع ويرى.

والمعطلة من الجهمية تنكر كل صفة لله وصف بها نفسه في محكم تنزيله أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لجهلهم بالعلم وذلك أنهم وجدوا في القرآن أن الله قد أوقع أسماء من أسماء صفاته على بعض خلقه فتوهموا لجهلهم بالعلم أن من وصف الله بتلك الصفة التي وصف الله بها نفسه قد شبهه بخلقه؛ فاسمعوا -يا ذوي الحجا- ما أبين جهل هؤلاء المعطلة، أقول: وجدت الله وصف نفسه في غير موضع من كتابه فأعلم عباده المؤمنين أنه سميع بصير فقال: {وَهُوَ السميع البصير} (2) وذكر عز وجل الإنسان قال: {فَجَعَلْنَاهُ سميعًا بصيرًا} (3). وأعلمنا جل وعلا أنه يرى فقال: {وَقُلِ اعْمَلُوا فسيرى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ورسوله} (4) وقال لموسى وهارون عليهما السلام: {قَالَ لا تخافا إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وأرى} (5)، فأعلم عز وجل أنه يرى

(1) الفرقان الآيتان (43و44).

(2)

الشورى الآية (11).

(3)

الإنسان الآية (2).

(4)

التوبة الآية (105).

(5)

طه الآية (46).

ص: 40

أعمال بني آدم وأن رسوله وهو بشر يرى أعمالهم أيضاً، وقال:{أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ} (1) وبنو آدم يرون أيضاً الطير مسخرات في جو السماء، وقال عز وجل:{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بأعيننا} (2) وقال: {تجري بأعيننا} (3) وقال: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} (4) فثبت ربنا عز وجل لنفسه عيناً وثبت لبني آدم أعيناً فقال: {ترى أعينهم تفيض من الدَّمْعِ} (5)؛ فقد خبرنا ربنا أن له عيناً وأعلمنا أن لبني آدم أعيناً، وقال لإبليس عليه لعنة الله:{مَا مَنَعَكَ أَن تسجد لما خَلَقْتُ بيدي} (6) وقال: {بَلْ يداه مَبْسُوطَتَانِ ينفق كيف يشاء} (7) وقال: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (8) فثبت ربنا جل وعلا لنفسه يدين، وخبرنا أن لبني آدم يدين

(1) النحل الآية (79).

(2)

هود الآية (37).

(3)

القمر الآية (14).

(4)

الطور الآية (48).

(5)

المائدة الآية (83).

(6)

ص الآية (75) ..

(7)

المائدة الآية (64).

(8)

الزمر الآية (67).

ص: 41

فقال: {ذلك بما قدمت أيديكم} (1)، وقال:{ذلك بما قدمت يداك} (2) وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (3) وقال: {الرحمن على العرش استوى} (4) وخبرنا أن ركبان الدواب يستوون على ظهورها. وقال في ذكر سفينة نوح: {واستوت على الجودي} (5)، أفيلزم -يا ذوي الحجا- عند هؤلاء الفسقة أن من ثبت لله ما ثبت الله في هذه الآي أن يكون مشبهاً خالقه بخلقه؟ حاش لله أن يكون هذا تشبيه كما ادعوا لجهلهم بالعلم، نحن نقول: إن الله سميع بصير كما أعلمنا خالقنا وبارئنا، ونقول من له سمع وبصر من بني آدم فهو سميع بصير، ولا نقول: إن هذا تشبيه المخلوق بالخالق، ونقول: إن لله عز وجل يدين يمينين لا شمال فيهما، قد أعلمنا الله تبارك وتعالى أن له يدين، وخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنهما يمينان لا شمال فيهما، ونقول إن من كان من بني آدم سليم الجوارح والأعضاء فله يدان يمين وشمال، لا نقول: إن يد المخلوقين كيد الخالق عز ربنا عن أن تكون يده كيد خلقه. قد سمى الله عز وجل لنا نفسه عزيزاً وسمى بعض الملوك عزيزاً فقال: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ

(1) آل عمران الآية (182).

(2)

الحج الآية (10).

(3)

الفتح الآية (10).

(4)

طه الآية (5).

(5)

هود الآية (44).

ص: 42

فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ} (1)،

وسمى إخوة يوسف أخاهم يوسف عزيزاً فقالوا: {يا أيها العزيز إِنَّ لَهُ أَبًا شيخًا كبيرًا} (2) وقالوا: {يا أيها العزيز مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر} (3)، فليست عزة خالقنا العزة التي هي صفة من صفات ذاته؛ كعزة المخلوقين الذين أعزهم الله بها، ولو كان كل اسم سمى الله لنا به نفسه، وأوقع ذلك الاسم على بعض خلقه، كان ذلك تشبيه الخالق بالمخلوق على ما توهم هؤلاء الجهلة من الجهمية؛ لكان كل من قرأ القرآن وصدقه بقلبه أنه قرآن ووحي وتنزيل قد شبه خالقه بخلقه، وقد أعلمنا ربنا تبارك وتعالى أنه الملك، وسمى بعض عبيده ملكاً فقال:{وَقَالَ الْمَلِكُ ائتوني بِهِ} (4) وأعلمنا جل جلاله أنه العظيم، وسمى بعض عبيده عظيماً فقال:{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (5) وسمى الله بعض خلقه عظيماً فقال: {وَهُوَ رب الْعَرْشِ العظيم} (6) فالله العظيم، وأوقع اسم العظيم على عرشه؛ والعرش مخلوق، وربنا الجبار المتكبر فقال: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ

(1) يوسف الآية (30) ..

(2)

يوسف الآية (78).

(3)

يوسف الآية (88).

(4)

يوسف الآية (50).

(5)

الزخرف الآية (31).

(6)

التوبة الآية (129).

ص: 43

المهيمن العزيز الجبار المتكبر} (1)، وسمى بعض الكفار متكبراً جباراً فقال:{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} (2). وبارئنا جل وعز الحفيظ العليم، وخبرنا أن يوسف عليه السلام قال للملك:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (3)، وقال:{وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عليم} (4) وقال: {بِغُلَامٍ حليم} (5) قال: الحليم والعليم اسمان لمعبودنا جل وعلا قد سمى الله بهما بعض بني آدم، ولو لزم -يا ذوي الحجا- أهل السنة والآثار إذ أثبتوا لمعبودهم يدين كما ثبتهما الله لنفسه، وثبتوا له نفساً عز ربنا وجل، والله سميع بصير يسمع ويرى؛ ما ادعى هؤلاء الجهلة عليهم أنهم مشبهة؛ للزم كل من سمى الله ملكاً أو عزيزاً أو عظيماً ورؤوفاً ورحيماً وجباراً ومتكبراً أنه قد شبه خالقه عز وجل بخلقه، حاش لله أن يكون من وصف الله جل وعلا بما وصف الله نفسه في كتابه، أو على لسان نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم مشبهاً خالقه بخلقه.

فأما احتجاج الجهمية على أهل السنة والآثار في هذا النحو بقوله {ليس كمثل شيءٌ وهو السميع البصير} (6) فمن القائل: إن

(1) الحشر الآية (23).

(2)

غافر الآية (35).

(3)

يوسف الآية (55).

(4)

الذاريات الآية (28) ..

(5)

الصافات الآية (101).

(6)

الشورى الآية (11).

ص: 44

لخالقنا مثلاً أو إن له شبهاً؟ وهذا من التمويه على الرعاع والسفل يموهون بمثل هذا على الجهال يوهمونهم أن من وصف الله بما وصف به نفسه في محكم تنزيله أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد شبه الخالق بالمخلوق، وكيف يكون خلقه مثله -يا ذوي الحجا-؟ يقول الله القديم لم يزل والخلق محدث مربوب، والله الرزاق والخلق مرزوقون، والله الدائم الباقي وخلقه هالك غير باقٍ، والله الغني عن جميع خلقه والخلق كلهم فقراء إلى خالقهم، وليس في تسميتنا بعض الخلق ببعض أسامي الله بموجب عند العقلاء الذين يعقلون عن الله خطابه أن يقال: إنكم شبهتم الله بخلقه؛ إذ أوقعتم بعض أسامي الله على بعض خلقه. وهل يمكن عند هؤلاء الجهال حل هذه الأسامي من المصاحف، أو محوها من صدور أهل القرآن، أو ترك تلاوتها في المحاريب والكتاتيب، وفي الجدور والبيوت؟ أليس قد أعلمنا منزل القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم أنه الملك، وسمى بعض عبيده ملكاً، وخبرنا أنه السلام وسمى تحية المؤمنين بينهم سلاماً في الدنيا وفي الجنة؛ فقال:{تحيتهم يوم يلقونه سلام} (1) ونبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم قد كان يقول بعد فراغه من تسليم الصلاة: "اللهم أنت السلام ومنك السلام"(2)، وقال عز وجل:{ولا تَقُولُوا لِمَنْ ألقى إليكم السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} (3)؛ فثبت بخبر الله أن الله هو السلام كما في قوله: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ

(1) الأحزاب الآية (44).

(2)

أخرجه: أحمد (6/ 184) ومسلم (1/ 414/592) وأبو داود (2/ 176/1512) والترمذي (2/ 95 - 96/ 298 - 299) والنسائي (3/ 78/1337) وابن ماجه (1/ 298/924) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

النساء الآية (94) ..

ص: 45

المهيمن} (1)، وأوقع هذا الاسم على غير الخالق البارئ. وأعلمنا عز وجل أنه المؤمن، وسمى بعض عباده المؤمنين فقال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (2) وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ ورسوله} (3) الآية، وقال:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} (4) وقال: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (5)، وقد ذكرنا قبل أن الله خبر أنه سميع بصير، وقد أعلمنا أنه جعل الإنسان سميعاً بصيراً فقال:{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} إلى قوله: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (6). والله الحكم العدل، وخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن عيسى بن مريم ينزل قبل قيام الساعة "حكماً عدلاً، وإماماً مقسطاً"(7)، والمقسط أيضاً اسم من أسامي الله عز وجل في خبر أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في أسامي الرب عز وجل

(1) الحشر الآية (23).

(2)

الأنفال الآية (2).

(3)

النور الآية (62).

(4)

الحجرات الآية (9).

(5)

الأحزاب الآية (35).

(6)

الإنسان الآيتان (1و2).

(7)

أخرجه: أحمد (2/ 240) والبخاري (4/ 520/2222) ومسلم (1/ 135/155) والترمذي (4/ 439/2233) وابن ماجه (2/ 1363/4078) من حديث أبي هريرة.

ص: 46

منه: "والمقسط"(1)،

وقال في ذكر الشقاق بين الزوجين: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (2)؛ فأوقع اسم الحكم على حكمي الشقاق، والله العدل، وأمر عباده بالعدل والإحسان، والنبي صلى الله عليه وسلم قد خبر "أن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ، أو من نور يوم القيامة"(3)؛ فاسم المقسط قد أوقعه النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أوليائه الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا، وفي خبر عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أهل الجنة ثلاثة عفيف متصدق، وذو سلطان مقسط، ورجل رحيم

(1) أخرجه: الترمذي (5/ 496/3507) وابن ماجه (2/ 1269/3861) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن

" وسرد الأسماء في الحديث.

قال البوصيري في الزوائد: "لم يخرج أحد من الأئمة الستة عدد أسماء الله الحسنى من هذا الوجه ولا من غيره، غير ابن ماجه والترمذي، مع تقديم وتأخير، وطريق الترمذي أصح شيء في الباب، قال: وإسناد طريق ابن ماجه ضعيف، لضعف عبد الملك بن محمد".

وقال الترمذي: "هذا حديث غريب: حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح، وهو ثقة عند أهل الحديث، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم في كثير شيء من الروايات له إسناد صحيح ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث.

وأخرجه أيضاً الحاكم (1/ 16) وقال: "هذا حديث قد خرجاه في الصحيحين بأسانيد صحيحة دون ذكر الأسامي فيه، والعلة فيه عندهما أن الوليد بن مسلم تفرد بسياقته بطوله، وذكر الأسامي فيه ولم يذكرها غيره، وليس هذا بعلة".

وتعقبه الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 258): "وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط بل الاختلاف فيه والاضطراب وتدليسه واحتمال الإدراج، قال البيهقي: يحتمل أن يكون التعيين وقع من بعض الرواة في الطريقين معاً، ولهذا وقع الاختلاف الشديد بينهما، ولهذا الاحتمال ترك الشيخان تخريج التعيين

والوليد بن مسلم أوثق من عبد الملك بن محمد الصنعاني، ورواية الوليد تشعر بأن التعيين مدرج

".

(2)

النساء الآية (35).

(3)

أخرجه: أحمد (2/ 159و160و203) ومسلم (3/ 1458/1827) والنسائي (8/ 612 - 613/ 5394) من حديث عبد الله بن عمرو.

ص: 47

رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم" (1)، حدثناه أبو موسى قال حدثنا محمد بن أبي عدي قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن مطرف عن عياض بن حمار المجاشعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، قال أبو بكر: وإن المقسط اسم من أسامي ربنا جل وعلا، وبارئنا الحكيم أواه منيب، وأعلمنا أن نبينا المصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم رؤوف رحيم؛ فقال في وصفه: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (2) والله الشكور، وسمى بعض عباده الشكور، والله العلي وقال في مواضع من كتابه يذكر نفسه عز وجل: {إِنَّهُ عليٌّ حكيمٌ} (3)،وقد يسمى بهذا الاسم كثير من الآدميين لم نسمع عالماً ورعاً زاهداً فاضلاً فقيهاً ولا جاهلاً أنكر على أحد من الآدميين تسمية ابنه عليّاً، ولا كره أحد منهم هذا الاسم للآدميين، قد دعا النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب باسمه حين وجه إليه قال: "ادع لي عليّاً" (4). والله الكبير وجميع المسلمين يوقعون اسم الكبير على أشياء ذوات عدد من المخلوقين يوقعون اسم الكبير على الشيخ الكبير وعلى الرئيس وعلى كل عظيم وكبير

(1) أخرجه: أحمد (4/ 162) ومسلم (4/ 2197 - 2198/ 2865) والنسائي في الكبرى (5/ 26/8070) من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه، ورواه أبو داود (5/ 203/4895) وابن ماجه (2/ 1399/4179) مختصراً دون ذكر موضع الشاهد.

(2)

التوبة الآية (128).

(3)

الشورى الآية (51) ..

(4)

أخرجه: البخاري (6/ 137 - 138/ 2942) ومسلم (4/ 1872/2406) وأبو داود (4/ 69/3661) والنسائي في الكبرى (5/ 46/8149) من حديث سهل بن سعد.

ص: 48

من الحيوان وغيرها، ذكر الله قول إخوة يوسف للملك {إِنَّ لَهُ أَبًا شيخًا كبيرًا} (1)، وقالت الخثعمية للنبي صلى الله عليه وسلم:"إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً"(2) فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليها تسميتها أباها كبيراً ولا قال لها: إن الكبير اسم من أسامي الله، وفي قصة شعيب {وَأَبُونَا شيخٌ كبيرٌ} (3) وربنا عز وجل الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم قد أوقع اسم الكريم على جماعة من الأنبياء فقال:"إن الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم"(4)، وقال عز وجل:{فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} (5) فسمى النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من هؤلاء الأنبياء كريماً والله الحكيم، وسمى كتابه حكيماً فقال:{الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (6)، وأهل القبلة يسمون لقمان الحكيم إذ الله أعلم أنه آتاه الحكمة فقال:{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} (7)، وكذلك العلماء يقولون: قال الحكيم من الحكماء،

(1) يوسف الآية (78).

(2)

أخرجه: أحمد (1/ 219) والبخاري (3/ 482/1513) ومسلم (2/ 973/1334) وأبو داود (2/ 400 - 402/ 1809) والنسائي (5/ 124/2634) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وفي الباب عن الفضل بن عباس وعلي وبريدة وحصين بن عوف وأبي رزين وسودة.

(3)

القصص الآية (23).

(4)

أخرجه: أحمد (2/ 96) والبخاري (8/ 461/4688) من حديث ابن عمر. وفي الباب عن أبي هريرة.

(5)

لقمان الآية (10) ..

(6)

لقمان الآية (2).

(7)

لقمان الآية (12).

ص: 49

ويقولون: فلان حكيم من الحكماء. والله جل وعلا الشهيد، وسمى الشهود الذين يشهدون على الحقوق شهوداً فقال:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (1) وقال أيضاً: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} (2)، وسمى الله عز وجل ثم نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وجميع أهل الصلاة المقتول في سبيل الله شهيداً. والله الحق فقال عز وجل:{فالحق وَالْحَقَّ أَقُولُ} (3) وقال: {فتعالى اللَّهُ الْمَلِكُ الحق} (4) وقال عز وجل: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} (5) وقال: {وَبِالْحَقِّ أنزلناه وَبِالْحَقِّ نزل} (6) وقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} (7) وقال: {وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} (8) وقال:

(1) البقرة الآية (282).

(2)

النساء الآية (41).

(3)

ص الآية (84).

(4)

المؤمنون الآية (116).

(5)

سبأ الآية (6).

(6)

الإسراء الآية (105).

(7)

محمد الآية (2).

(8)

محمد الآية (3).

ص: 50

{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} (1) وقال: {الْمُلْكُ يومئذٍ الحق لِلرَّحْمَنِ} (2) وقال: {ولا يأتونك بِمَثَلٍ إِلًّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ} (3) وقال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} (4) وقال جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (5)؛ فكل صواب وعدل في حكم وفعل ونطق؛ فاسم الحق واقع عليه، وإن كان اسم الحق اسماً من أسامي ربنا عز وجل لا يمنع أحد من أهل القبلة من العلماء من إيقاع اسم الحق على كل عدل وصواب. والله الوكيل كما قال عز وجل:{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (6)، والعرب لا تمانع بينها من إيقاع اسم الوكيل على من يتوكل لبعض بني آدم، والنبي صلى الله عليه وسلم في خبر جابر قد قال له:"اذهب إلى وكيلي بخيبر"(7)، وفي أخبار فاطمة بنت قيس في مخاطبتها النبي صلى الله عليه وسلم لما أعلمته أن زوجها طلقها قالت: "وأمر

(1) الحج الآية (54) ..

(2)

الفرقان الآية (26).

(3)

الفرقان الآية (33).

(4)

الصف الآية (9).

(5)

النساء الآية (105).

(6)

الأنعام الآية (102).

(7)

أخرجه: أبو داود (4/ 47 - 48/ 3632) والدارقطني (4/ 154 - 155) والبيهقي (6/ 80) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بلفظ: "إذا أتيت وكيلي بخيبر"، والحديث أعله ابن القطان بابن إسحاق وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في ضعيف أبي داود رقم (784).

ص: 51

وكيله أن يعطي شيئاً، وأنها استقلت ما أعطاها وكيل زوجها" (1)، والعجم أيضاً يوقعون اسم الوكيل على من يتوكل لبعض الآدميين كإيقاع العرب سواء.

وأعلم الله أنه مولى الذين آمنوا في قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} (2) وقال عز وجل: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} (3) فأوقع اسم الموالي على العصبة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من كنت مولاه فعلي مولاه"(4)، وقد أمليت هذه الأخبار في فضائل علي ابن أبي طالب. وقال صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة لما اشتجر جعفر وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة في ابنة حمزة قال لزيد:"أنت أخونا ومولانا"(5) فأوقع اسم المولى أيضاً على مولى من أسفل كما يقع اسم المولى على المولى من أعلى؛ فكل معتق قد يقع عليه اسم مولى، ويقع على المعتق اسم مولى، وقال صلى الله عليه وسلم في خبر عائشة: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها

(1) أخرجه: أحمد (6/ 412) ومسلم (2/ 1114/1480) وأبو داود (2/ 712 - 714/ 2284) والنسائي (6/ 383 - 385/ 3245) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس به.

(2)

محمد الآية (11).

(3)

النساء الآية (33).

(4)

أخرجه: أحمد (1/ 118) والترمذي (5/ 591/3713) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". والنسائي في الكبرى (5/ 134/8478) وصححه ابن حبان (15/ 375 - 376/ 6931).

(5)

أخرجه: أحمد (4/ 291و298) والبخاري (7/ 635/4251) ومسلم (3/ 1409/1783) وأبو داود (2/ 415/1832) والترمذي (3/ 275/938) مختصراً، كلهم من طريق أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب رضي الله عنه.

ص: 52

فنكاحها باطل" (1)؛

فقد أوقع الله ثم رسوله ثم جميع العرب والعجم اسم المولى على بعض المخلوقين، والله جل وعلا الوليّ، وقد سمى الله نبيه صلى الله عليه وسلم وليّاً فقال:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} (2) الآية، فسمى الله هؤلاء المؤمنين أيضاً الذين وصفهم في هذه الآية أولياء المؤمنين، وأعلمنا أيضاً ربنا عز وجل أن بعض المؤمنين أولياء بعض في قوله:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ} (3) وقال عز وجل: {النَّبِيُّ أولى بالمؤمنين من أَنْفُسِهِمْ} (4). والله جل وعلا الحي، واسم الحي قد يقع أيضاً على كل ذي روح قبل قبض النفس وخروج الروح منه قبل الموت قال الله تبارك وتعالى:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} (5) واسم الحي قد يقع أيضاً على الموتان قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (6) وقال الله تعالى:

(1) أخرجه: أحمد (6/ 47و165 - 166) وأبو داود (2/ 566/2083) والترمذي (3/ 407 - 408/ 1102) وقال: "هذا حديث حسن". والنسائي في الكبرى (3/ 285/5394) وابن ماجه (1/ 605/1879) وابن حبان (9/ 384/4074 الإحسان). من طرق عن عائشة رضي الله عنها ..

(2)

المائدة الآية (55).

(3)

التوبة الآية (71).

(4)

الأحزاب الآية (6).

(5)

الروم الآية (19).

(6)

النحل الآية (65).

ص: 53

{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (1) وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له"(2).

والله الواحد وكل ما له عدد من الحيوان والموتان فاسم الواحد قد يقع على كل واحد من جنس منه إذا عد قيل واحد واثنان وثلاثة إلى أن ينتهي العدد إلى ما انتهى إليه وإذا كان واحد من ذلك الجنس قيل: هذا واحد، وكذلك يقال هذا الواحد صفته كذا وكذا، لا تمانع العرب في إيقاع اسم الواحد على ما بينت، وربنا جل وعلا الوالي، وكل من له ولاية من أمر المسلمين فاسم الوالي واقع عليه عند جميع أهل الصلاة من العرب. وخالقنا عز وجل التواب قال الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} (3) وقد سمى الله جميع من تاب من الذنوب توّاباً فقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (4)، ومعقول عند كل مؤمن أن هذا الاسم الذي هو اسم الله ليس هو على معنى ما سمى الله التائبين به؛ لأن الله إنما أخبر أنه يحب التوابين أي من الذنوب والخطايا، وجل ربنا وعز أن يكون اسم التواب له على المعنى الذي خبر أنه يحب التوابين من المؤمنين. ومعبودنا جل جلاله

(1) الأنبياء الآية (30).

(2)

أحمد (3/ 304) والترمذي (3/ 663 - 664/ 1379) وقال: "حسن صحيح". والنسائي في الكبرى (3/ 404/5757). وصححه ابن حبان (11/ 616/5205) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

وأخرجه من حديث سعيد بن زيد: أبو داود (3/ 454/3073) والترمذي (3/ 662 - 663/ 1378) وقال: "حسن غريب". والنسائي في الكبرى (3/ 405/5761). ومن حديث عائشة: أحمد (6/ 120) والبخاري (5/ 22/2335) بلفظ: "من أعمر أرضاً ليست لأحد فهو أحق".

(3)

النساء الآية (16).

(4)

البقرة الآية (222).

ص: 54

الغنيّ قال الله تعالى: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} (1) واسم الغني قد يقع على كل من قد أغناه الله تعالى بالمال وقال جل وعلا ذكره: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (2) وقال: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} (3)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم عند بعثه معاذاً إلى اليمن:"أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم"(4)، وقال ضمام ابن ثعلبة للنبي صلى الله عليه وسلم:"آلله أمرك أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا فتردها على فقرائنا؟ قال: نعم"(5).

وربنا جل وعلا النور، وقد سمى الله بعض خلقه نوراً فقال:{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} وقال: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} (6) وقال: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ

(1) محمد الآية (38).

(2)

النور الآية (33).

(3)

التوبة الآية (93) ..

(4)

أحمد (1/ 233) والبخاري (3/ 333/1395) ومسلم (1/ 50/19) وأبو داود (2/ 242 - 243/ 1584) والترمذي (3/ 21/625) وقال: "حديث ابن عباس حديث حسن صحيح" وأيضاً في: (4/ 323/2014) مختصراً وقال: "هذا حديث حسن صحيح". والنسائي (5/ 5 - 6/ 2434) وابن ماجه (1/ 568/1783).

(5)

أخرجه: أحمد (3/ 168) والبخاري (1/ 197/63) وأبو داود (1/ 326 - 327/ 486) مختصراً. والنسائي (4/ 428/2091) وابن ماجه (1/ 449/1402) من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس به.

وأخرج نحوه أحمد (3/ 143) والبخاري (1/ 197) تعليقاً. ومسلم (1/ 41 - 42/ 12) والترمذي (3/ 14 - 15/ 619) والنسائي (4/ 427/2090) من طريق ثابت عن أنس به.

(6)

النور الآية (35).

ص: 55

وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} (1) وقال: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} (2)، قال أبو بكر: قد كنت خبرت منذ دهر طويل أن بعض من كان يدعي العلم ممن كان لا يفهم هذا الباب يزعم أنه غير جائز أن يقرأ {اللهُ نَوَّرَ السمواتِ والأرضَ} (3) وكان يقرأ ((اللهُ نَوَّرَ السمواتِ والأرضَ)) فبعثت إليه بعض أصحابي، وقلت له: قل له: ما الذي تنكر أن يكون لله عز وجل اسم يسمي الله بذلك الاسم بعض خلقه؟ فقد وجدنا الله قد سمى بعض خلقه بأسماء هي له أسامي. وبعثت له بعض ما قد أمليته في هذا الفصل، وقلت للرسول: قل له: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإسناد الذي لا يدفعه عالم بالأخبار ما يثبت أن الله نُور السموات والأرض، قلت: في خبر طاوس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: "اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن" الحديث بتمامه (4) قد أمليته في كتاب الدعوات وفي كتاب الصلاة أيضاً، فرجع الرسول فقال: لست أنكر أن يكون الله تعالى نوراً، كما قد بلغني بعد أنه رجع.

قال أبو بكر: وكل من فهم عن الله خطابه يعلم أن هذه الأسامي التي

(1) التحريم الآية (8).

(2)

الحديد الآية (12).

(3)

النور الآية (35).

(4)

أحمد (1/ 298و308) والبخاري (3/ 3/1120) ومسلم (1/ 532 - 533/ 769) والترمذي (5/ 449/3418) والنسائي (3/ 231 - 232/ 1618) وابن ماجه (1/ 430/1355) من حديث ابن عباس.

ص: 56

هي لله تعالى أسامي، بين الله ذلك في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم مما قد أوقع تلك الأسامي على بعض المخلوقين ليس على معنى تشبيه المخلوق بالخالق؛ لأن الأسامي قد تتفق وتختلف المعاني؛ فالنور وإن كان اسماً لله فقد يقع اسم النور على بعض المخلوقين، فليس معنى النور الذي هو اسم الله في المعنى مثل النور الذي هو خلق لله، قال الله جل وعلا:{يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} (1)، واعلم أيضاً أن لأهل الجنة نوراً يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، وقد أوقع الله اسم النور على معان. وربنا جل وعلا الهادي وقد سمى بعض خلقه هادياً فقال عز وجل لنبيه:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} (2) فسمى نبيه صلى الله عليه وسلم هادياً وإن كان الهادي اسماً لله عز وجل، والله الوارث قال الله تعالى:{وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} (3) وقد سمى الله من يرث من الميت ماله وارثاً فقال عز وجل: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (4).

فتفهّموا يا ذوي الحجا ما يثبت في هذا الفصل تعلموا وتستيقنوا أن لخالقنا عز وجل أسامي قد تقع تلك الأسامي على بعض خلقه في اللفظ لا على المعنى على ما قد ثبت في هذا الفصل من الكتاب والسنة ولغة العرب؛ فإن كان علماء الآثار الذين يصفون الله بما وصف به نفسه وعلى لسان نبيه

(1) النور الآية (35).

(2)

الرعد الآية (7).

(3)

الأنبياء الآية (89).

(4)

البقرة الآية (232).

ص: 57