الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- وقال رحمه الله عن المعتزلة: والطائفة السادسة من مخالفي أهل القبلة هم المعتزلة وهم أرباب الكلام، وأصحاب الجدل، والتمييز، والنظر، والاستنباط، والحجج على من خالفهم وأنواع الكلام، والمفرقون بين علم السمع وعلم العقل، والمنصفون في مناظرة الخصوم، وهم عشرون فرقة، يجتمعون على أصل واحد لا يفارقونه، وعليه يتولون، وبه يتعادون، وإنما اختلفوا في الفروع. (1)
- وقال: واعلم أن للمعتزلة من الكلام ما لا أستجيز ذكره لأنهم قد خرجوا عن أصول الإسلام إلى فروع الكفر. (2)
- وقال: وكيف تدبرت قولهم عرفت جهلهم ووسواسهم، وهوسهم، لأنهم يختلفون في الأجساد والأرواح من الخلق كلهم، إنسهم وجانهم، ولا يدعون ذكر بهيمة، ولا طائر، ولا شيء خلقه الله عز وجل إلا تكلموا عليه، ووضعوا قياساً، ثم عدلوا عن ذلك كله، فلم يرضوا به، وهم لا يعلمون، فقالت طائفة: بظاهر التنزيل، ورد المتشابه إلى المحكم والترك وهم أهل العراق وبينهم في ذلك خلاف ومنازعات وأشياء تخرج إلى الكفر والتعطيل والتخليط. (3)
موقفه من الخوارج:
- قال رحمه الله في كتابه التنبيه: فأما الفرقة الأولى من الخوارج: فهم المحكمة الذين كانوا يخرجون بسيوفهم في الأسواق فيجتمع الناس على غفلة
(1) التنبيه والرد على أهل الأهواء (35 - 36).
(2)
التنبيه والرد على أهل الأهواء (ص.41).
(3)
التنبيه والرد على أهل الأهواء (ص.41).
فينادون: لا حكم إلا لله، ويضعون سيوفهم فيمن يلحقون من الناس، فلا يزالون يقتلون حتى يقتلوا، وكان الواحد منهم إذا خرج للتحكيم لا يرجع أو يقتل، فكان الناس منهم على وجل وفتنة، ولم يبق منهم اليوم أحد على وجه الأرض بحمد الله. فمتى تعرضت هذه الفرقة من الشراة يقال لهم: أخبرونا عن قولكم: "لا حكم إلا لله" ماذا تريدون؟ فإنهم يقولون: لا تحكيم في دين الله لأحد من الناس إلا لله، وهم لا يحكمون بينهم حكماً، فلما حكم أبو موسى الأشعري بين علي ومعاوية رضي الله عنهم، وخلع علياً رضي الله عنه، قال هؤلاء: علي كفر بجعل الحكم إلى أبي موسى الأشعري ولا حكم إلا لله.
والشراة كلهم يكفرون أصحاب المعاصي ومن خالفهم في مذهبهم مع اختلاف أقاويلهم ومذاهبهم.
يقال لهم: من أين قلتم: لا حكم إلا لله؟ وقد حكم الله الناس في كتابه في غير موضع. قال عز وجل في جزاء الصيد: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (1) وقال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا} (2). وقال: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (3) يعني الزوج والزوجة.
(1) المائدة الآية (95).
(2)
النساء الآية (128).
(3)
النساء الآية (35).
وقال: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (1) وأيضاً: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (2) وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)} (3).
فهذا محكم القرآن قد جعل أحكاماً كثيرة إلى العلماء، وإلى الأمراء من الناس ينظرون فيه مما لم ينزل بيانه من عند الله. فكيف قلتم: لا حكم إلا لله؟ فإن أبوا هذا الشرح، ومحكم الكتاب ظهر جهلهم. وإن قالوا به تركوا قولهم ورجعوا إلى الحق.
ويقال لهم: لا يحل دم مؤمن يهرق إلا بثلاثة خلال: إما زنى بعد إحصان، أو ارتداد بعد إيمان، أو أن يقتل نفساً عمداً فيقتل به (4)، ثم لم يطلق قتل أحد من أهل القبلة، فبم استحللتم قتل الناس؟ فإن حاولوا حجة لم يجدوها، وإن مروا على جهلهم بغير حجة بان خطؤهم.
ويقال لهم في تكفير الناس: لم كفرتم من أقر بالله ورسوله ودينه ثم أتى كبيرة؟ فإن قالوا: قياساً على قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ
(1) الشورى الآية (10).
(2)
النساء الآية (59).
(3)
النساء الآية (83).
(4)
أخرجه من حديث ابن مسعود: أحمد (1/ 382) والبخاري (12/ 247/6878) ومسلم (3/ 1302/1676) وأبو داود (4/ 522/4352) والترمذي (4/ 12 - 13/ 1402) والنسائي (7/ 90 - 91/ 4027) وابن ماجه (2/ 848/2534).
حَبِطَ عَمَلُهُ} (1) ثم قال عز وجل: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)} (2)، وقال:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} (3)، فلم يجعل الله بين الكفر والإيمان منزلة ثالثة، ومن كفر وحبط عمله فهو مشرك، والإيمان رأس الأعمال، وأول الفرائض في عمل، ومن ترك ما أمره الله به فقد حبط عمله وإيمانه، ومن حبط عمله فهو بلا إيمان، والذي لا إيمان له مشرك كافر.
يقال لهم: أخطأتم القياس وتركتم طريق العلم، وذلك أن الله عز وجل بين في كتابه المحكم أن الفاسق له منزلة بين الإيمان والكفر بقوله:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (4)، ولم يقل: إنهم مع فسقهم مؤمنون كما قالت المرجئة، ولا قال إنهم مع فسقهم كفار كما قلتم أنتم، وأثبت لهم اسم الفسق فقط، فهم فساق لا مؤمنون ولا كافرون كما قال الله عز وجل وأجمعت عليه الأمة، والأمة مجمعة على اسم الفسق لأهل الكبائر، وإنما هو اسم ومنزلة بين الكفر والإيمان أجمعت الأمة على ذلك، وإنما ذهب من ذهب إلى تكفير أهل الكبائر من أهل القبلة بعد
(1) المائدة الآية (5).
(2)
الإنسان الآية (3).
(3)
التغابن الآية (2).
(4)
النور الآية (4).
القول بفسقهم. وكذلك المرجئة إنما سموا أهل الكبائر مؤمنين بعد ما سموهم فاسقين لأن الله عز وجل سماهم فاسقين، ولم يتهيأ لهم أن يزيلوا اسم الفسق عنهم، فاجتمعوا على فسقهم، ثم افترقوا إلى غير ذلك.
ويقال لهم أيضاً: لِمَ صيرتم الكبائر والصغائر شيئاً واحداً؟ والله عز وجل قد فرق بين الصغائر والكبائر بقوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كبائر مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)} (1)، يعني من لم يعمل الكبائر، فإن حاولوا حجة في تكفير الأمة لم يجدوا. وإن جعلوا الذنوب كلها كبائر لم يجدوا إلى الحجة سبيلاً من عقل ولا سمع. (2)
- وقال أيضاً: الحرورية: يقولون بتكفير الأمة ويتبرؤون من الختنين، ويتولون الشيخين، ويسبون، ويستحلون الأموال والفروج، ويأخذون بالقرآن ولا يقولون بالسنة أصلاً، وإذا تطهر منهم الرجل أو المرأة للصلاة لا يبرح ولا يمشي أصلاً حتى يصلي في المكان الذي تطهر فيه، وزعموا أنه إذا مشى الرجل تحرك شرجه وانتقضت طهارته، ويستنجون بالماء، وإذا خرجت منهم الريح لم يتطهروا للصلاة خلافاً لجميع الأمة، ولا يصلون في السراويل، ويقولون: السراويل جب الفقاح، وتقاتل نساؤهم على الخيل مضمرات كما يقاتل رجالهم، وهم بناحية سجستان، وهراة، وخراسان، وهم عالم كثير لا يعرف عددهم إلا الله، وهم أصحاب خيل وشجاعة. (3)
(1) النساء الآية (31).
(2)
التنبيه والرد على أهل الأهواء (47 - 50).
(3)
التنبيه والرد على أهل الأهواء (53).