الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- صلى الله عليه وسلم في ذلك وما أمر به من الإعراض عنهم في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} (1).اهـ (2)
موقفه من القدرية:
قال رحمه الله -وهو يرد على المعتزلة-: وأثبتوا، وأيقنوا أن العباد يخلقون الشر، نظيراً لقول المجوس الذين أثبتوا خالقين: أحدهما يخلق الخير، والآخر يخلق الشر. وزعمت القدرية أن الله عز وجل يخلق الخير، وأن الشيطان يخلق الشر.
وزعموا أن الله عز وجل يشاء ما لا يكون، ويكون ما لا يشاء، خلافاً لما أجمع عليه المسلمون من أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ورداً لقول الله عز وجل:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (3) فأخبر تعالى أنا لا نشاء شيئاً إلا وقد شاء الله أن نشاءه، ولقوله تعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقتتلوا} (4) ولقوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هداها} (5) ولقوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يريد} (6) ولقوله تعالى مخبراً عن نبيه شعيب صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(1) الأنعام الآية (68).
(2)
المصدر نفسه (ص.307 - 309).
(3)
الإنسان الآية (30).
(4)
البقرة الآية (253).
(5)
السجدة الآية (13).
(6)
البروج الآية (16).
{وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} (1) ولهذا سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "مجوس هذه الأمة"(2) لأنهم دانوا بديانة المجوس وضاهوا أقاويلهم. وزعموا أن للخير والشر خالقين، كما زعمت المجوس ذلك، وأنه يكون من الشرور ما لا يشاء الله كما قالت المجوس.
وزعموا أنهم يملكون الضر والنفع لأنفسهم دون الله عز وجل، ردّاً لقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (3) وإعراضاً عن القرآن، وعما أجمع عليه أهل الإسلام
…
(4)
وقال: وأنه لا يكون في الأرض شيء من خير وشر إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله عز وجل وأن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله الله.
ولا نستغني عن الله، ولا نقدر على الخروج من علم الله عز وجل.
وأنه لا خالق إلا الله، وأن أعمال العباد مخلوقة لله مقدورة له كما قال سبحانه:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (5).
وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً وهم يخلقون، كما قال: {هَلْ
(1) الأعراف الآية (89).
(2)
سيأتي تخريجه في مواقف محمد بن الحسين الآجري سنة (360هـ).
(3)
الأعراف الآية (188).
(4)
الإبانة عن أصول الديانة (ص.39 - 40).
(5)
الصافات الآية (96).
مِنْ خَالِقٍ غير اللَّهِ} (1) وكما قال: {لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون} (2) وكما قال سبحانه: {أفمن يخلق كمن لا يخلق} (3) وكما قال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (4) وهذا في كتاب الله كثير. (5)
وقال: وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره. وأنا نؤمن بقضاء الله وقدره، خيره وشره، حلوه ومره، ونعلم أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وأن لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله كما قال عز وجل:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (6).اهـ (7)
وتناول رحمه الله الرد على القدرية في بابين بأكملهما هما الحادي عشر والثاني عشر. (8)
وقال: وأجمعوا على أن على جميع الخلق الرضا بأحكام الله التي أمرهم أن يرضوا بها، والتسليم في جميع ذلك لأمره، والصبر على قضائه، والانتهاء إلى طاعته فيما دعاهم إلى فعله أو تركه.
(1) فاطر الآية (3).
(2)
النحل الآية (20).
(3)
النحل الآية (17).
(4)
الطور الآية (35).
(5)
الإبانة عن أصول الديانة (ص.45 - 46).
(6)
الأعراف الآية (188).
(7)
الإبانة عن أصول الديانة (ص.47).
(8)
الإبانة عن أصول الديانة (ص.132 إلى 161).
وأجمعوا على أنه عادل في جميع أفعاله وأحكامه ساءنا ذلك، أم سرنا، نفعنا، أو ضرنا.
وأجمعوا على أنه تعالى قد قدر جميع أفعال الخلق وآجالهم وأرزاقهم قبل خلقه لهم، وأثبت في اللوح المحفوظ جميع ما هو كائن منهم إلى يوم يبعثون، وقد دل على ذلك بقوله:{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} (1).
وأخبر أنه عز وجل يقرع الجاحدين لذلك في جهنم بقوله: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (2).
وأجمعوا على أنه تعالى قسم خلقه فرقتين، فرقة خلقهم للجنة وكتبهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، وفرقة خلقهم للسعير ذكرهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ممتثلين في ذلك لقوله عز وجل:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} (3).
ولقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ
(1) القمر الآيتان (52و53).
(2)
القمر الآيتان (48و49).
(3)
الأعراف الآية (179).
عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (1) وقد بين ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث القبضتين (2).
وحديث الصادق المصدوق عن عبد الله بن مسعود (3)، وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب -رضوان الله عليه- حين قال يا رسول الله: أرأيت ما نحن فيه أمر قد فرغ منه، أم أمر مستأنف؟ فقال عليه السلام:"بل أمر قد فرغ منه"، قال عمر: ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له"(4) وغير ذلك مما جاء في الكتاب والسنة.
وأجمعوا على أن الخلق لا يقدرون على الخروج مما سبق في علم الله فيهم، وإرادته لهم، وعلى أن طاعته تعالى واجبة عليهم فيما أمرهم به، وإن كان السابق من علمه فيهم وإرادته لهم أنهم لا يطيعونه، وأن ترك معصيته لازم لجميعهم، وإن كان السابق في علمه وإرادته أنهم يعصونه، وأنه تعالى يطالبهم بالأمر والنهي، ويحمدهم على الطاعة فيما أمروا به، ويذمهم على المعصية فيما نهوا عنه، وأن جميع ذلك عدل منه تعالى عليهم كما أنه تعالى عادل على من خلقه منهم مع علمه أنه يكفر إذا أمره، وأعطاه القدرة التي يعلم أنها تصيره إلى معصيته، وأنه عدل في تبقيته المؤمنين إلى الوقت الذي يعلم أنهم يكفرون فيه ويرتدون عما كانوا عليه من إيمانهم، وتعذيبهم لهم على الجرم المنقطع بالعذاب الدائم، لأنه عز وجل ملك لجميع ذلك فيهم غير
(1) الأنبياء الآية (101).
(2)
تقدم تخريجه في مواقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة (23هـ).
(3)
تقدم تخريجه في مواقف السلف من عمرو بن عبيد سنة (144هـ).
(4)
سيأتي تخريجه في مواقف عبد الرحمن بن ناصر السعدي سنة (1376هـ).