الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقفه من المرجئة:
- قال رحمه الله في حديثه عن المرجئة: ومن المرجئة صنف زعموا: أن الإيمان معرفة بالقلب لا فعل باللسان، ولا عمل بالبدن، ومن عرف الله بقلبه أنه لا شيء كمثله، فهو مؤمن وإن صلى نحو المشرق أو المغرب وربط في وسطه زناراً.
وقالوا: لو أوجبنا عليه الإقرار باللسان أوجبنا عليه عمل البدن حتى قال بعضهم: الصلاة من ضعف الإيمان، من صلى فقد ضعف إيمانه. (1)
- وقال: ومنهم صنف زعموا: أن إيمانهم كإيمان جبريل، وميكائيل، والملائكة المقربين والأنبياء.
قلنا نحن: كيف يمكنهم هذه الدعوى والملائكة لم يعصوا الله، والأنبياء صفوة الله؟ ومنهم صنف زعموا: أنهم مؤمنون مستكملون للإيمان ليس في إيمانهم نقص ولا لبس؛ وإن زنى أحدهم بأمه أو بأخته وارتكب العظائم وأتى الكبائر والفواحش وشرب الخمر وقتل النفس وأكل الحرام والربا وترك الصلاة والزكاة والفرائض كلها، واغتاب، وهمز، ولمز، وتحدث. وهذا هو الجهل القوي، كيف يستكمل الإيمان من خالف شروطه وخصاله وشرائعه؟
ألا ترى أن في كتاب الله إيماناً مقبولاً وإيماناً مردوداً؟ فمن أدى حقيقته فقد ادعى علم ما لم يعلم فكيف بمن خالفه أجمع؟ وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري يقولان: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن، ولا يشرب
(1) التنبيه والرد على أهل الأهواء (149).
الخمر حين يشربها وهو مؤمن» (1). وقال أبو هريرة: إنما الإيمان نزه فمن زنى فارق الإيمان فإن لام نفسه راجعه الإيمان (2). وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أيما عبد زنى نزع الله منه الإيمان، فإن شاء رده عليه وإن شاء منعه منه (3).
ومنهم صنف زعموا: أنهم مؤمنون حقاً كحقيقة أهل الجنة الذين وصف الله تحقيقهم {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} (4) ومن زعم أنه في الجنة فهو في النار ومن زعم أنه عالم فهو جاهل ومن زعم أنه صادق -يعني في إيمان- فهو كاذب.
ومنهم صنف زعموا: أن إيمانهم قائم أبداً لا يزيد وإن عمل الحسنات العظام، وورع في الدين وترك الحرام وحج البيت دائماً وصلى أبداً أو صام. ولا ينقص وإن عمل السيئات والكبائر والفواحش وركب الحرام جاهراً، أو ترك الصلاة ولم يصم ولم يحج أبداً.
قال أهل العلم أجمع: هؤلاء مخالفون للقرآن يقول الله عز وجل: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} (5) وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا
(1) أخرجه من حديث أبي سعيد: الطبراني في الأوسط (1/ 324 - 325/ 538) والبزار (مختصر الزوائد (1/ 103 - 104/ 49). قال الهيثمي في المجمع (1/ 100 - 101): "وفي إسناد الطبراني محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وثقه العجلي، وضعفه أحمد وغيره لسوء حفظه" وقد تقدم الحديث عند الجماعة من حديث أبي هريرة. انظر مواقف الحسن البصري سنة (110هـ).
(2)
تقدم تخريجه في مواقف أبي هريرة سنة (58هـ).
(3)
تقدم تخريجه في مواقف ابن عباس سنة (68هـ).
(4)
الأنفال الآية (4).
(5)
الفتح الآية (4).
أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} (1).اهـ (2)
- وقال أيضاً في معرض الحجاج معهم: وينبغي أن يقول لهم: أخبرونا عن الإيمان: ما هو؟ فإن قالوا: (لا ندري) سقطت مواربة كلامهم، وصاروا بمنزلة من يقول الشيء على الجهل، والجاهل لا حجة له، وإن قالوا:(الإيمان هو الإقرار) فقد صدقوا، يقال لهم: فالإقرار يكون باللسان أو بالقلب؟ فإن قالوا: (باللسان فقط) يقال لهم: فالمنافقون الذين أقروا بألسنتهم، وأسروا الشرك، أهو شيء صح لهم الإيمان إذا أقروا بألسنتهم؟ والإيمان عندكم الإقرار باللسان.
فإن قالوا: (هؤلاء أقروا بألسنتهم وأسروا هذه فلم يصح إيمانهم) نقضوا قولهم؛ لأنهم قد اعترفوا أن القول باللسان لا يصح إلا مع إقرار بالقلب، وإن شك القلب ببعض إقرار اللسان فيجب عليهم حينئذ أن يقولوا: الإيمان قول باللسان وإقرار بالقلب، والإقرار بالقلب عمل، بل هو أصل كل الأعمال التي بالجوارح، لأن الجوارح عن القلب تصدر، وإذا كان كذلك فقد وجب أن يقولوا: إن الإيمان قول وعمل، وينقضوا أصلهم: إن الإيمان قول بلا عمل. وأيضاً إذا أقروا أن الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب؛ لزمتهم أن يقولوا: وعمل بالجوارح، فإن أبوا أن يقولوا ذلك ردوا إلى الكلام الأول، فبان
(1) الحجرات الآية (2).
(2)
التنبيه والرد على أهل الأهواء (153 - 155).
جهلهم، وإن أجازوا ذلك تركوا قولهم وقالوا:(الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب، وعمل بالجوارح يزيد وينقص). وهذا هو الحق لا يجوز غيره.
ويقال لهم أيضاً: أخبرونا أفترض الله على عباده فرائض فيها أمر ونهى؟ فإن قالوا: (لا) جهلوا وكابروا، وإن قالوا:(نعم) قيل لهم: فما تقولون فيمن أدى إلى الله ما أمر به وانتهى عما نهاه؟ أهو كمن عصاه في أمره ونهيه؟ فإن قالوا: (هما سواء عند الله وعندنا) جعلوا المعصية كالطاعة والطاعة كالمعصية، وهذا جهل وكفر ممن قاله، وإن قالوا:(الطاعة غير المعصية وليس من أطاع الله في أمره ونهيه كمن عصاه) تركوا قولهم وقالوا بالحق.
ويقال لهم: أخبرونا عن قول الله تبارك وتعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)} (1) وقال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)} (2)، أهذا شيء قاله على حقيقة القول أم على المجاز؟ فإن قالوا:(على المجاز) جعلوا إخبار الله عن وعده على المجاز، وهذا كفر ممن قاله لأن أحداً لا يتيقن حينئذ بخبره إذا لم يكن له حقيقة وصحة. وإن قالوا:(على حقيقة) يقال لهم: أخبر الله عز وجل أنه لا يستوي عنده الولي والعدو.
(1) الجاثية الآية (21).
(2)
العنكبوت الآية (4).
ويقال لهم: أخبرونا عمن زنا وأتى شيئاً من الكبائر أترون عليه التوبة أم لا؟ فإن قالوا: (لا) بَانَ جهلهم، وإن قالوا:(نعم) قيل لهم: لأي شيء يتوب؟ فإن قالوا: (يقبل الله توبته، ويغفر ذنبه) تركوا قولهم وجعلوا لأهل المعاصي توبة وغفراناً مما اجترموا، وإن قالوا:(لا يحتاجون إلى غفران ولا توبة عليهم) خرجوا من دين الإسلام وخالفوا الجماعة.
ويقال لهم: فلم قلتم (إن الله يغفر للمصرين بلا توبة) أمن سمع أو عقل؟ فإن في العقل شواهد دالة أن الحكيم لا يستوي عنده وليّه الذي أطاعه وعدوه الذي عصاه، ولا يجوز ذلك في الحكمة.
ويقال لهم: في قولهم: (إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص) ما تقولون فيمن آمن وهو بالله وبدينه عارف، ومن آمن وهو بالله وبدينه جاهل؟ فإن قالوا:(هما سواء). تجاهلوا، وإن قالوا:(المؤمن العارف بالله وبدينه أفضل) تركوا قولهم، وقالوا بالحق: إن الإيمان يزيد بالعمل والعلم، وينقص بنقص العلم والعمل.
ويقال لهم: هل تجعلون بين أهل المعصية، وأهل الطاعة فضلاً؟ فإن قالوا:(لا فضل بينهم) تجاهلوا، وإن قالوا:(نعم) قيل لهم: ما الذي تجعلونه بينهم؟ فإن قالوا: (لأهل الطاعة الوعد والثواب، ولأهل المعصية الوعيد والعقاب) تركوا قولهم الخبيث وقالوا بالحق، وإن قالوا:(لا ندري) تجاهلوا.
ويقال لهم: ما تقولون في قول الله تبارك وتعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا