الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقيموه حتى ينادي على نفسه، وحرمه عطاءه، وأمر بهجرته، فلم يزل وضيعاً في الناس.
وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتل بالكوفة في صحراء أحد عشر جماعة ادعوا أنه إلههم، خد لهم في الأرض أخدوداً، وحرقهم بالنار، وقال:
لما سمعت القول قولاً منكرا
…
أججت ناري ودعوت قنبرا
وهذا عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطأة في شأن القدرية: تستتيبهم فإن تابوا وإلا فاضرب أعناقهم.
وقد ضرب هشام بن عبد الملك عنق غيلان وصلبه بعد أن قطع يده، ولم يزل الأمراء بعدهم في كل زمان يسيرون في أهل الأهواء إذا صح عندهم ذلك عاقبوه على حسب ما يرون، لا ينكره العلماء. (1)
موقفه من المشركين:
- قال محمد بن الحسين: من تصفح أمر هذه الأمة من عالم عاقل، علم أن أكثرهم -العام منهم- يجري أمورهم على سنن أهل الكتابين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (2)، وعلى سنن كسرى وقيصر، وعلى سنن أهل الجاهلية، وذلك مثل السلطنة وأحكامهم وأحكام العمال والأمراء وغيرهم، وأمر المصائب والأفراح والمساكن واللباس والحلية، والأكل والشرب والولائم، والمراكب
(1) الشريعة (3/ 585).
(2)
أحمد (3/ 84) والبخاري (6/ 613/3456) ومسلم (4/ 2054/2669) عن أبي سعيد. وفي الباب عن أبي هريرة وغيره.
والخدم والمجالس والمجالسة، والبيع والشراء، والمكاسب من جهات كثيرة، وأشباه لما ذكرت يطول شرحها، تجري بينهم على خلاف السنة والكتاب، وإنما تجري بينهم على سنن من قبلنا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. والله المستعان.
قال الشيخ حامد الفقي -رحمه الله تعالى رحمة واسعة-: إذا كان هذا في زمان أبي بكر الآجري المتوفى سنة 360 من الهجرة فكيف به لو رأى الناس اليوم، وما تتابعوا فيه من تقليد اليهود والنصارى والوثنيين وكل ملحد زنديق في فسوقهم وتمردهم على الله وكتبه ورسله وسننه وآياته، وما جر عليهم ذلك التقليد الأعمى من الانحلال والذلة والصغار، وذهاب ريحهم. وضياع كل ما خلفه لهم آباؤهم من أسباب القوة والسلطان. ولو أن الناس عقلوا عن ربهم وآمنوا بآياته ونعمه ورحمته وحكمته، وآمنوا بما أكرمهم به ربهم وما أعطاهم من هذا الكتاب الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وما حفظ لهم من هدى مختاره ومصطفاه إمام المهتدين عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم لو أنهم عقلوا وآمنوا بهذا لانتفعوا بهدى الله، ولنفخ الله فيهم من روح العزة والقوة، ولمكن الله لهم دينهم الذي ارتضى لهم، ولبدلهم من بعد خوفهم أمناً، كما أعطى المسلمين الأولين، ولكن أكثر الناس لا يعقلون، فهم في تقليدهم الأعمى يتخبطون، وفي ضلالهم يعمهون، يجرون في كل شئون حياتهم ذيولاً للفرنجة أعدائهم. فلا ينالون منهم إلا كل ظلم وبغي واستعباد. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (1)
- وقال الآجري رحمه الله: فإني أحذر إخواني المؤمنين مذهب الحلولية؛
(1) الشريعة (1/ 135 - 136).
الذين لعب بهم الشيطان فخرجوا بسوء مذهبهم عن طريق أهل العلم، إلى مذاهب قبيحة، لا يكون إلا في كل مفتون هالك. زعموا أن الله عز وجل حال في كل شيء، حتى أخرجهم سوء مذهبهم إلى أن تكلموا في الله عز وجل بما ينكره العلماء العقلاء، لا يوافق قولهم كتاب ولا سنة. ولا قول الصحابة. ولا قول أئمة المسلمين، وإني لأستوحش أن أذكر قبيح أفعالهم تنزيهاً مني لجلال الله عز وجل وعظمته، كما قال ابن المبارك رحمه الله: إنا لنستطيع أن نحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية. ثم إنهم إذا أنكر عليهم سوء مذهبهم قالوا: لنا حجة من كتاب الله عز وجل. فإذا قيل لهم: ما الحجة؟ قالوا: قال الله عز وجل: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (1) وبقوله عز وجل: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} إلى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (2) فلبسوا على السامع منهم بما تأولوا، وفسروا القرآن على ما تهوى نفوسهم. فضلوا وأضلوا، فمن سمعهم ممن جهل العلم ظن أن القول كما قالوه، وليس هو كما تأولوه عند أهل العلم.
والذي يذهب إليه أهل العلم: أن الله عز وجل سبحانه على عرشه فوق سماواته، وعلمه محيط بكل شيء،
(1) المجادلة الآية (7).
(2)
الحديد الآيتان (3و4).
قد أحاط علمه بجميع ما خلق في السماوات العلا، وبجميع ما في سبع أرضين وما بينهما وما تحت الثرى، يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم الخطرة والهمة، ويعلم ما توسوس به النفوس، يسمع ويرى، لا يعزب عن الله عز وجل مثقال ذرة في السماوات والأرضين وما بينهن، إلا وقد أحاط علمه به، فهو على عرشه سبحانه العلي الأعلى ترفع إليه أعمال العباد، وهو أعلم بها من الملائكة الذين يرفعونها بالليل والنهار. فإن قال قائل: فإيش معنى قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} الآية
…
التي بها يحتجون؟ قيل له: علمه عز وجل، والله على عرشه وعلمه محيط بهم، وبكل شيء من خلقه، كذا فسره أهل العلم. والآية يدل أولها وآخرها على أنه العلم. فإن قال قائل: كيف؟ قيل: قال الله عز وجل: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1).اهـ (2)
- وقال محمد بن الحسين رحمه الله: ومما يحتج به الحلولية، مما يلبسون به على من لا علم معه يقول الله عز وجل:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} (3) وقد فسر أهل العلم هذه الآية: هو الأول: قبل كل شيء؛ من
(1) المجادلة الآية (7).
(2)
الشريعة (2/ 64 - 66).
(3)
الحديد الآية (3).
حياة وموت، والآخر: بعد كل شيء؛ بعد الخلق، وهو الظاهر: فوق كل شيء -يعني ما في السموات- وهو الباطن: دون كل شيء يعلم ما تحت الأرضين، ودل على هذا آخر الآية {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1). (2)
- وقال محمد بن الحسين رحمه الله: ومما يلبسون به على من لا علم معه احتجوا بقوله عز وجل: {وَهُوَ اللَّهُ في السَّمَاوَاتِ وفي الأرض} (3) وبقوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} (4) وهذا كله إنما يطلبون به الفتنة، كما قال الله تعالى:{فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (5). وعند أهل العلم من أهل الحق: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} (6) فهو كما قال أهل العلم: مما جاءت به السنن: أن الله عز وجل على عرشه. وعلمه محيط بجميع خلقه، يعلم ما يسرون وما يعلنون، يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون. وقوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي فِي
(1) الحديد الآية (3).
(2)
الشريعة (2/ 81).
(3)
الأنعام الآية (3).
(4)
الزخرف الآية (84).
(5)
آل عمران الآية (7).
(6)
الأنعام الآية (3).