الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله يا بني زانياً فاسقاً سارقاً خائناً، أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان.
ألا ترى أن يونس بن عبيد قد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفر؟
واحذر ثم احذر أهل زمانك خاصة، وانظر من تجالس، وممن تسمع ومن تصحب، فإن الخلق كأنهم في ردة، إلا من عصمه الله منهم.
وانظر إذا سمعت الرجل يذكر ابن أبي دؤاد، وبشراً المريسي وثمامة أو أبا الهذيل، أو هشام الفوطي، أو واحداً من أتباعهم، وأشياعهم، فاحذره فإنه صاحب بدعة، فإن هؤلاء كانوا على الردة، واترك هذا الرجل الذي ذكرهم بخير، ومن ذكر منهم. (1)
- وقال: فالله الله في نفسك، وعليك بالأثر وأصحاب الأثر والتقليد، فإن الدين إنما هو بالتقليد، يعني: للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ومن قبلنا لم يدعونا في لبس، فقلدهم واسترح ولا تجاوز الأثر وأهل الأثر. (2)
موقفه من الجهمية:
قال رحمه الله في شرح السنة له: واعلم رحمك الله: أن الكلام في الرب تعالى محدث، وهو بدعة وضلالة، ولا يتكلم في الرب، إلا بما وصف به نفسه عز وجل في القرآن، وما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فهو جل ثناؤه واحد:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (3).
(1) شرح السنة للبربهاري (ص.123 - 126).
(2)
شرح السنة للبربهاري (ص.128).
(3)
الشورى الآية (11).
ربنا أول بلا متى، وآخر بلا منتهى، يعلم السر وأخفى، وعلى عرشه استوى، وعلمه بكل مكان، لا يخلو من علمه مكان.
ولا يقول في صفات الرب: كيف؟ ولم؟ إلا شاك في الله تبارك وتعالى.
والقرآن كلام الله وتنزيله ونوره، ليس بمخلوق، لأن القرآن من الله، وما كان من الله، فليس بمخلوق، وهكذا قال مالك بن أنس وأحمد بن حنبل والفقهاء قبلهما وبعدهما، والمراء فيه كفر.
والإيمان بالرؤية يوم القيامة، يرون الله عز وجل بأبصار رؤوسهم وهو يحاسبهم بلا حجاب ولا ترجمان.
والإيمان بالميزان يوم القيامة، يوزن فيه الخير والشر، له كفتان ولسان.
والإيمان بعذاب القبر، ومنكر ونكير.
والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكل نبي حوض (1)، إلا صالح النبي صلى الله عليه وسلم، فإن حوضه ضرع ناقته (2).
والإيمان بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمذنبين الخاطئين في يوم القيامة، وعلى
(1) أخرجه: البخاري في التاريخ الكبير (1/ 44/82) والترمذي (4/ 542 - 543/ 2443) وابن أبي عاصم (2/ 341 - 342/ 734) والطبراني في الكبير (7/ 212/6881) من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعاً. قال الترمذي: "هذا حديث غريب وقد روى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ولم يذكر فيه عن سمرة وهو أصح".
وللحديث شواهد أوردها الشيخ الألباني في الصحيحة (4/ 118 - 120) لعل الحديث يرتقي بها إلى درجة الحسن والله أعلم.
(2)
أخرجه: العقيلي في الضعفاء (3/ 64 - 65)، وعنه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 417 - 418) من طريق عبد الكريم بن كيسان عن سويد بن عمير. قال العقيلي: عبد الكريم بن كيسان مجهول بالنقل حديثه غير محفوظ. وقال ابن الجوزي: "هذا حديث موضوع لا أصل له". وقال الذهبي في الميزان (2/ 645): "عبد الكريم بن كيسان من المجاهيل وحديثه منكر". ثم ذكر الحديث وقال عقبه: "قلت هو موضوع، والله أعلم".
الصراط، ويخرجهم من جوف جهنم، وما من نبي إلا له شفاعة، وكذلك الصديقون والشهداء، والصالحون، ولله بعد ذلك تفضل كثير، فيمن يشاء، والخروج من النار بعدما احترقوا وصاروا فحماً.
والإيمان بالصراط على جهنم، يأخذ الصراط من شاء الله، ويجوز من شاء الله، ويسقط في جهنم من شاء الله، ولهم أنوار على قدر إيمانهم.
والإيمان بالأنبياء والملائكة.
والإيمان بأن الجنة حق، والنار حق، مخلوقتان، الجنة في السماء السابعة، وسقفها العرش، والنار تحت أرض السابعة السفلى، وهما مخلوقتان، قد علم الله تعالى عدد أهل الجنة ومن يدخلها، وعدد أهل النار ومن يدخلها، لا تفنيان أبداً، هما مع بقاء الله تبارك وتعالى أبد الآبدين، في دهر الداهرين.
وآدم عليه السلام كان في الجنة الباقية المخلوقة، فأخرج منها بعدما عصى الله عز وجل.
والإيمان بالمسيح الدجال.
والإيمان بنزول عيسى بن مريم عليه السلام، ينزل فيقتل الدجال ويتزوج ويصلي خلف القائم من آل محمد صلى الله عليه وسلم، ويموت ويدفنه المسلمون. (1)
وقال: وكل ما سمعت من الآثار مما لم يبلغه عقلك، نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل"(2).
(1) شرح السنة (ص.71 - 75).
(2)
انظر تخريجه في مواقف سفيان بن عيينة سنة (198هـ).
وقوله: "إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا"(1)، و"ينزل يوم عرفة"(2). و"ينزل يوم القيامة"(3). و"جهنم لا يزال يطرح فيها، حتى يضع عليها قدمه جل ثناؤه"(4)، وقول الله تعالى للعبد:"إن مشيت إلي، هرولت إليك"(5)، وقوله:"إن الله تبارك وتعالى ينزل يوم عرفة" وقوله: "خلق الله آدم على صورته"(6)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"رأيت ربي في أحسن صورة"(7). وأشباه هذه الأحاديث فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض، لا تفسر شيئاً من هذه بهواك، فإن الإيمان بهذا واجب، فمن فسر شيئاً من هذا بهواه، أو رده، فهو جهمي.
ومن زعم أنه يرى ربه في دار الدنيا، فهو كافر بالله عز وجل.
والفكرة في الله تبارك وتعالى بدعة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تفكروا في
(1) انظر تخريجه في مواقف حماد بن سلمة سنة (167هـ).
(2)
انظر تخريجه في مواقف ابن قتيبة سنة (276هـ).
(3)
سيأتي تخريجه في مواقف إبراهيم بن أحمد بن شاقلا سنة (369هـ).
(4)
انظر تخريجه في مواقف عبد العزيز الماجشون سنة (164هـ).
(5)
أحمد (2/ 251و413) والبخاري (13/ 473 - 474/ 7405) ومسلم (4/ 2061/2675) والترمذي (5/ 542/3603) والنسائي في الكبرى (4/ 412/7730) وابن ماجه (2/ 1255/1256/ 3822) من حديث أبي هريرة.
(6)
أحمد (2/ 315) والبخاري (11/ 3/6227) ومسلم (4/ 2183/2841) من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام ابن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(7)
أخرجه بهذا اللفظ ابن أبي عاصم في السنة (1/ 204/469) عن ابن عباس مرفوعاً.
وأخرجه مطولاً: أحمد (1/ 368) والترمذي (5/ 342 - 343/ 3233و3234) من حديث ابن عباس وقال: "حديث حسن غريب".
والحديث ورد عن جماعة من الصحابة كثوبان وأبي أمامة، وجابر بن سمرة وغيرهم، انظر السنة لابن أبي عاصم (1/ 465،466،467،468،470و471) وفي بعض هذه الروايات التصريح بأن الرؤية كانت في المنام.
الخلق، ولا تفكروا في الله" (1)، فإن الفكرة في الرب، تقدح الشك في القلب. (2)
وقال: واعلم رحمك الله أن أهل العلم لم يزالوا يردون قول الجهمية، حتى كان في خلافة بني فلان تكلم الرويبضة في أمر العامة، وطعنوا على آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذوا بالقياس والرأي، وكفروا من خالفهم، فدخل في قولهم الجاهل والمغفل، والذي لا علم له، حتى كفروا من حيث لا يعلمون، فهلكت الأمة من وجوه، وكفرت من وجوه، وتزندقت من وجوه، وضلت من وجوه، وتفرقت وابتدعت من وجوه، إلا من ثبت على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره وأمر أصحابه، ولم يخطئ أحداً منهم، ولم يجاوز أمرهم، ووسعه ما وسعهم، ولم يرغب عن طريقتهم ومذهبهم، وعلم أنهم كانوا على الإسلام الصحيح والإيمان الصحيح، فقلدهم دينه واستراح، وعلم أن الدين إنما هو بالتقليد، والتقليد لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو مبتدع، ومن سكت فلم يقل مخلوق ولا غير مخلوق، فهو جهمي، هكذا قال أحمد بن حنبل.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة، وعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعضوا عليها بالنواجذ"(3).
واعلم أنه إنما جاء هلاك الجهمية: أنهم فكروا في الرب عز وجل
(1) انظر تخريجه في مواقف مقاتل بن سليمان سنة (150هـ).
(2)
شرح السنة (ص.81 - 84).
(3)
أخرجه: أحمد (4/ 126) وأبو داود (5/ 13/4607) والترمذي (5/ 43/2676) وقال: "حسن صحيح". وابن ماجه (1/ 16/43) والحاكم (1/ 95 - 96) وقال: "صحيح ليس له علة" ووافقه الذهبي.
فأدخلوا: لم؟ وكيف؟ وتركوا الأثر، ووضعوا القياس، وقاسوا الدين على رأيهم، فجاءوا بالكفر عياناً، لا يخفى أنه كفر، وكفروا الخلق، واضطرهم الأمر حتى قالوا بالتعطيل.
وقال بعض العلماء -منهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه: الجهمي كافر، ليس من أهل القبلة، حلال الدم، لا يرث، ولا يورث، لأنه قال: لا جمعة ولا جماعة، ولا عيدين، ولا صدقة، وقالوا: من لم يقل القرآن مخلوق، فهو كافر، واستحلوا السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم وخالفوا من كان قبلهم وامتحنوا الناس بشيء لم يتكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه، وأرادوا تعطيل المساجد والجوامع، وأوهنوا الإسلام، وعطلوا الجهاد وعملوا في الفرقة، وخالفوا الآثار، وتكلموا بالمنسوخ، واحتجوا بالمتشابه، فشككوا الناس في آرائهم وأديانهم، واختصموا في ربهم، وقالوا: ليس عذاب قبر، ولا حوض، ولا شفاعة، والجنة والنار لم تخلقا، وأنكروا كثيراً مما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستحل من استحل تكفيرهم ودماءهم من هذا الوجه، لأنه من رد آية من كتاب الله، فقد رد الكتاب كله، ومن رد أثراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رد الأثر كله، وهو كافر بالله العظيم، فدامت لهم المدة، ووجدوا من السلطان معونة على ذلك، ووضعوا السيف، والسوط دون ذلك، فدرس علم السنة والجماعة وأوهنوهما، وصارتا مكتومين لإظهار البدع والكلام فيها ولكثرتهم، واتخذوا المجالس وأظهروا رأيهم، ووضعوا فيه الكتب، وأطمعوا الناس، وطلبوا لهم الرئاسة، فكانت فتنة عظيمة، لم ينج منها، إلا من عصم الله، فأدنى ما كان يصيب الرجل من مجالستهم، أن يشك في دينه، أو
يتابعهم، أو يرى رأيهم على الحق، ولا يدري أنه على الحق أو على الباطل، فصار شاكاً، فهلك الخلق حتى كان أيام جعفر الذي يقال له: المتوكل - فأطفأ الله به البدع، وأظهر به الحق،
وأظهر به أهل السنة، وطالت ألسنتهم، مع قلتهم وكثرة أهل البدع إلى يومنا هذا. (1)
- وقال: وإذا أردت الاستقامة على الحق وطريق أهل السنة قبلك، فاحذر الكلام، وأصحاب الكلام والجدال والمراء والقياس والمناظرة في الدين، فإن استماعك منهم -وإن لم تقبل منهم-، يقدح الشك في القلب، وكفى به قبولاً، فتهلك، وما كانت زندقة قط، ولا بدعة، ولا هوى، ولا ضلالة، إلا من الكلام والجدال والمراء والقياس وهي أبواب البدعة والشكوك والزندقة. (2)
- جاء في طبقات الحنابلة: قرأت على علي القرشي عن الحسن الأهوازي قال: سمعت أبا عبد الله الحمراني يقول لما دخل الأشعري إلى بغداد جاء إلى البربهاري فجعل يقول: رددت على الجبائي وعلى أبي هاشم ونقضت عليهم وعلى اليهود والنصارى والمجوس وقلت لهم وقالوا وأكثر الكلام في ذلك. فلما سكت قال البربهاري: ما أدري مما قلت قليلاً ولا كثيراً، ولا نعرف إلا ما قاله أبو عبد الله أحمد بن حنبل قال: فخرج من عندي وصنف كتاب الإبانة فلم يقبله منه ولم يظهر ببغداد إلى أن خرج منها. (3)
(1) شرح السنة (ص.99 - 103).
(2)
شرح السنة (ص.127 - 128).
(3)
طبقات الحنابلة (2/ 18).