الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعظ الناس. تولى قضاء طرسوس. وكان أبوه يقص على الناس الأخبار والآثار، توفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة.
موقفه من الجهمية:
قال أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاص: لا خلاف بين أهل الفقه في قبول خبر الآحاد، إذا عدلت نقلته وسلم من النسخ حكمه، وإن كانوا متنازعين في شرط ذلك، وإنما دفع خبر الآحاد بعض أهل الكلام لعجزه -والله أعلم- عن علم السنن، زعم أنه لا يقبل منها إلا ما تواترت به أخبار من لا يجوز عليه الغلط والنسيان، وهذا عندنا منه ذريعة إلى إبطال سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، لوجهين: أحدهما: أن ما شرط من ذلك صفة الأمة المعصومة، والأمة إذا تطابقت على شيء وجب القول به وإن لم يأت خبر. والثاني: أنه لو طولب بسنة يتحاكم إليها المتنازعان تواترت عليها أخبار نقلتها وسلمت من خوف النسيان طرقها لم يجد إليها سبيلاً، وكانت شبهته في ذلك أنه وجد أخبار السنن آخرها عمن لا يجوز عليه الغلط والنسيان، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يجب أن يكون أولها وأوسطها عن قوم لا يجوز عليهم الغلط والنسيان. قال أبو العباس: فكان ما اعتذر به ثانيا أفسد من جرمه أولا وأقبح، وذلك أن آخر هذه الأخبار عمن صحت نبوته وصدقت المعجزات قوله، فيلزمه على قود اعتلاله أن لا يقبل من الأخبار، إلا ما روت الأنبياء عن الأنبياء، وقد نطق الكتاب بتصديق ما اجتبيناه من تصديق خبر الآحاد، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا
نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (1) واسم الطائفة عند العرب قد يقع على دون العدد المعصوم من الزلل، وقد يلزم الواحد فأكثر قال الله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (2) وقال: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (3) فصح أن هذا الاسم، واقع على العدد القليل. وفيما تلونا وجهان من الحجة: أحدهما: أن أمر الله إياهم بذلك، دليل على أن على المنذرين قبوله، كما قال الله تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (4)، {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (5) فكان ذلك دليلاً على قبول قولهما. والوجه الثاني: قوله: {لَعَلَّهُمْ يحذرون} ، فلولا قيام الحجة عليهم ما استوجبوا الحذر ومعنى قوله:{لَعَلَّهُمْ يحذرون} ،إيجاباً للحذر به -والله أعلم- نظير قوله:{بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} (6)،
(1) التوبة الآية (122).
(2)
الحجرات الآية (9) ..
(3)
النور الآية (2).
(4)
الطلاق الآية (2).
(5)
البقرة الآية (282).
(6)
السجدة الآية (3).
إيجاباً للاهتداء عليهم بذلك. وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (1) فوجب على العباد أن يعقلوا عن القرآن خطابه حجة لله عليهم. وحجة أخرى: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (2) الآية، فكان في أمر الله بالتثبت في خبر الفاسق دلالة واضحة من فحوى الكلام على إمضاء خبر العدل، والفرق بينه وبين خبر الفاسق، فلو كانا سيين في التوقف عنهما لأمر بالتثبت في خبرهما، حتى يبلغ حد التواتر الذي يجب عند المخالفين القول به على مذهبهم، كما رتب في الشهادات، وفصل بينهما بأن جعل الشهادات منوطة بأعدادها، وأطلق الأخبار إطلاقاً، وقوله:{أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} دليل على أن إنفاذنا لقبوله في خبر العدل أصابه بعلم لا بجهل له ولئلا نصبح على ما فعلنا نادمين. والله أعلم. (3)
محمد بن أبي المنظور (4)(337 هـ)
محمد بن عبد الله بن حسن الأنصاري بن أبي المنظور أبو عبد الله القاضي، أصله من الأندلس رحل إلى المشرق فسمع من القاضي إسماعيل بن
(1) الزخرف الآية (3).
(2)
الحجرات الآية (6) ..
(3)
الفقيه والمتفقه (1/ 281 - 283).
(4)
معالم الإيمان (3/ 44 - 47) وترتيب المدارك (2/ 43 - 44) ورياض النفوس (2/ 357 - 361).