الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الراضي أحمد بن المقتدر (1)(329 هـ)
الخليفة محمد وقيل أحمد أبو إسحاق الراضي بالله بن المقتدر بالله جعفر ابن المعتضد بالله أحمد بن أبي أحمد بن المتوكل. ولد سنة سبع وتسعين ومائتين وأمه أمة رومية، وكان قصيراً أسمر نحيفاً، في وجهه طول، استخلف بعد عمه القاهر عندما سملوا القاهر سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة. قال الخطيب: له فضائل منها أنه آخر خليفة له شعر مدون وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش وآخر خليفة خطب الجمعة وآخر خليفة جالس الندماء، وكانت جوائزه وأموره على ترتيب المتقدمين منهم، وكان سمحاً جواداً أديباً فصيحاً محباً للعلماء، ومن شعره:
كل صفو إلى كدر
…
كل أمن إلى حذر
ومصير الشباب للمو
…
ت فيه أو الكبر
در در المشيب من
…
واعظ ينذر البشر
أيها الآمِلُ الذي
…
تاه في لجة الغرر
توفي في ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثلاثمائة. وله اثنتان وثلاثون سنة سوى أشهر، وبويع المتقي لله إبراهيم أخوه.
موقفه من المشركين:
- قال ابن كثير: وفيها -أي سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة- ظهر ببغداد رجل يعرف بأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني، ويقال له ابن
(1) تاريخ بغداد (2/ 142 - 145) والسير (15/ 103 - 104) والبداية والنهاية (11/ 190 - 209) والوافي بالوفيات (2/ 297 - 300) وشذرات الذهب (2/ 324) وتاريخ الإسلام (حوادث 321 - 330/ص.267 - 269).
العرافة، فذكروا عنه أنه يدعي ما كان يدعيه الحلاج من الإلهية، وكانوا قد قبضوا عليه في دولة المقتدر عند حامد بن العباس، واتهم بأنه يقول بالتناسخ فأنكر ذلك. ولما كانت هذه المرة أحضره الراضي وادعى عليه بما كان ذكر عنه فأنكر ثم أقر بأشياء، فأفتى قوم أن دمه حلال إلا أن يتوب من هذه المقالة، فأبى أن يتوب، فضرب ثمانين سوطاً، ثم ضربت عنقه وألحق بالحلاج، وقتل معه صاحبه ابن أبي عون لعنه الله. وكان هذا اللعين من جملة من اتبعه وصدقه فيما يزعمه من الكفر. (1)
- جاء في معجم الأدباء: رسالة في ترجمة ابن أبي عون وهي رسالة طويلة ذكرها ياقوت بين فيها عقيدة هذا الزنديق وشيخه ابن الشلمغاني وأصحابه، وسأقتصر على بعض المقتطفات منها لطول الرسالة ومن شاء الاطلاع عليها كلها فليرجع إلى المصدر الذي ذكرته. قال ياقوت: وقرأت "بمرو" رسالة كتبت من بغداد عن أمير المؤمنين الراضي رضي الله عنه إلى أبي الحسين نصر بن أحمد الساماني والي خراسان، بقتل العزاقري لخصت ما يتعلق بابن أبي عون قال فيها بعد أن ذكر أول من أبدع مذهباً في الإسلام من الرافضة وأهل الأهواء وآخر من اضطر المقتدر بالله رحمه الله فانتقم منهم
…
ولما ورث أمير المؤمنين ميراث أوليائه، وأحله الله محل خلفائه اقتدى بسنتهم
…
وجعل الغرض الذي يرجو الإصابة بتيممه والمثوبة بتعمده أن يتتبع هذه الطبقة من الكفار ويطهر الأرض من بقيتهم الفجار فبحث عن أخبارهم
(1) البداية (11/ 191).
وأمر بتقصص آثارهم وأن ينهى إليه ما يصح من أمورهم، ويحصل له ما يظهر عليه من جمهورهم فلم يعد أن أحضر أبو علي محمد وزير أمير المؤمنين رجلاً يقال له: محمد بن علي الشلمغاني ويعرف بابن أبي العزاقر، فأعلم أمير المؤمنين أنه من غمار الناس وصغارهم ووجوه الكفار وكبارهم، وأنه قد استزل خلقاً من المسلمين وأشرك طوائف من العَمِهين وأن الطلب قد كان لحقه في الأيام الخالية فلم يدرك، وأودعت المحابس قوماً ممن ضل وأشرك فلما رفع حكمه عنه وأذن في استنقاذ العباد منه واطلع من أبي علي على صفاء نية ونقاء طوية في ابتغاء الأجر وطلابه رضا الله عز وجل واكتسابه والامتعاض من أن ينازع في الإلهية أو يضاهي في الربوبية آنسه بناحيته فاسترسل، وحثه بالمصير إلى حضرته، فتعجل، ففحص أمير المؤمنين عنه، ووكل إليه همه ففتش أمره تفتيش الحائط للمملكة المحامي عن الحوزة القائم بما فوضه الله إليه من رعاية الأمة ووقف أمير المؤمنين على أنه لم يزل يدخل على العقول من كل مدخل ويتوصل إلى ما فيها من كل متوصل، ويعتزى إلى الملة وهو لا يعتقدها وينتمي إلى الخلة وهو عارٍ منها ويدعي العلوم الإلهية وهو عم عنها، ويحقق استخراج الحكم الغامضة وهو جاهل بها
…
واستظهر أمير المؤمنين بأن تقدم إلى أبي علي بمواقفة هذا اللعين على تمويهاته وقبائح تلبيساته ليكون إقامة أمير المؤمنين حد الله عليه بعد الإمعان في الاستبصار وانكشاف الشبهة فيه عن القلوب والأبصار فتجرد أبو علي في ذلك وتشمر وبلغ منه وما قصر وانثال عليه كل من أطلع على الحقيقة وتعرف جلية الصورة فوقف أبو علي على أن العزاقري يدعي أنه لحق الحق وأنه إله الآلهة الأول القديم الظاهر
الباطن الخالق الرازق التام الموصى إليه، بكل معنى ويدعى بالمسيح كما كانت بنو إسرائيل تسمي الله عز وجل المسيح ويقول: إن الله جل وعلا يحل في كل شيء على قدر ما يحتمل وأنه خلق الضد ليدل به على مضدوده، فمن ذلك أنه حل في آدم عليه السلام لما خلقه وفي إبليس وكلاهما لصاحبه يدل عليه لمضادته إياه في معناه وأن الدليل على الحق أفضل من الحق إلى أن قال: ومن احتاج إليه الناس فهو إلاههم ولهذا يستوجب كل كفي أن يسمى الله وأن كل واحد من أشياعه لعنه الله يقول: إنه رب لمن هو دون درجته وأن الرجل منهم يقول: إني رب فلان وفلان رب فلان حتى الانتهاء إلى ابن أبي العزاقر لعنه الله، فيقول أنا رب الأرباب وإله الآلهة لا ربوبية لرب بعدي .. وأنهم يسمون موسى ومحمدا صلى الله عليهما الخائنين لأنهم يدعون أن هارون أرسل موسى عليهما السلام وأن عليّاً رضي الله عنه أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم فخاناهما ويزعمون أن عليّاً أمهل النبي صلى الله عليه وسلم عدة أيام أصحاب الكهف سنين، فإذا انقضت هذه المدة وهي خمسون وثلاثمائة سنة تنقلب الشريعة
…
ووجدت رقعة لابن أبي عون هذا بخطه إلى بعض نظرائه يخاطبه فيها كما يخاطب الإنسان ربه تبارك وتعالى ويقول في بعض فصولها: لك الحمد وكل شيء وما شئت كان، ربي،
…
واستفتى أبو علي القضاة والفقهاء في أمر ابن أبي العزاقر وصاحبه هذا الكافر، وسائر من على مذهبه، ممن وجدت له كتب ومخاطبة ومن لم يوجد له ذلك فأفتى من استفتي منهم بقتلهم وأباحوا دماءهم وكتبوا بذلك خطوطهم فأمر أمير المؤمنين بإحضار ابن أبي العزاقر اللعين وابن أبي عون
صاحبه وضريبه وتابعه وأن يجلدا ليراهما من سمع بهما، ويتعظ بما نزل من العذاب بساحتهما، ويتبين من دان بربوبية ابن أبي العزاقر عجزه عن حراسة نفسه وأنه لو كان قادراً لدفع عن مهجته ولو كان خالقا دفع وكشف الضر عن جسده ولو كان ربا لقبض الأيدي عن نكايته، وجدد أمير المؤمنين الاستظهار والحزم والروية، فيما يمضيه عن العزم، وأحضر عمر بن محمد القاضي بمدينة السلام والعدول بها والفقهاء من أهل مجلسه، وسألهم عما عندهم مما انكشف من أمر ابن أبي العزاقر وأمور أهل دعوته وغيه وضلالته فأقامت الكافة على رأيها في قتله وتطهير الأرض من رجسه ورجس مثله. وزال الشك في ذلك عن أمير المؤمنين بالفتيا وإجماع القاضي والفقهاء وبما وضح من إزلال هذا الضلال المسلمين وإفساد الدين وذلك أعظم وأثقل وزرا من الإفساد في الأرض والسعي فيها بغير الحق، وقد استحق من جرى هذا المجرى القتل فأوعز أمير المؤمنين بصلبه. وصلب ابن أبي عون، بحيث يراهما المنكر والعارف ويلحظهما المجتاز والواقف، فصلبا في أحد جانبي مدينة السلام، ونودي عليهما بما حاولاه من إبطال الشريعة ورأياه من إفساد الديانة، ثم تقدم أمير المؤمنين بقتلهما، ونصب رؤوسهما، وإحراق أجسامهما، ففعل ذلك بمشهد من الخاصة والعامة والنظارة والمارة. (1)
(1) معجم الأدباء (1/ 238 - 253).