الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توطئة
لا يخفى على أحدٍ أنَّ النوازلَ الَّتي يحتاجُ المكلَّفون فيها إِلى معرفةِ الحكمِ الشرعي لا تنتهي
(1)
، ومنذُ العقودِ الإِسلاميةِ الأُوْلى والمجتهدون يسهمون في بيانِ أحكامِ النوازلِ والحوادثِ المستجدةِ، وقد أسهمَ علماءُ المدارسِ الفقهيةِ في معالجتِها
(2)
.
ولمَّا استقرّت المدارسُ الفقهيةُ، وبرزت المذاهبُ الفقهيةُ كان اهتمامُ متمذهبيها بمعالجةِ النوازلِ مستمرًا
(3)
، فأسهموا ببيانِ أحكامِها في ضوءِ مذهبِهم الَّذي ينتمونَ إِليه
(4)
.
وكما هو معلومٌ، لا يمكن القولُ: إِنَّ أقوالَ أحدٍ مِن الأئمةِ قد استوعبتْ أحكامَ كلِّ النوازلِ والحوادثِ، ولا يمكنُ أيضًا أنْ يحويَ مذهبٌ مِن المذاهب أحكامَ جميعِ النوازلِ
(5)
، لذا كان على المتمذهبين في مختلفِ المذاهبِ أنْ يعتمدوا في معالجةِ النوازلِ على مَعِيْنٍ لا يَنْضَبُ، وكان ذلك بتخريجِ حكمِ النازلةِ على أصولِ المذهبِ وفروعِه.
يقولُ ابنُ خَلدون: "لمَّا صارَ مذهبُ كلِّ إِمامٍ عَلمًا مخصوصًا عند أهلِ
(1)
انظر: الضروري في أصول الفقه (ص/ 145).
(2)
انظر: المدخل المفصَّل إِلى فقه الإِمام أحمد (1/ 268)، والمدرسة المالكية العراقية للدكتور حميد لحمر (1/ 495) ضمن بحوث الملتقى الأول للقاضي عبد الوهاب المالكي.
(3)
انظر: مقدمة ابن خَلدون (3/ 1055 - 1556).
(4)
انظر: أبو حنيفة - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ 395)، ومالك - حياته وعصره له (ص/350).
(5)
انظر: حجة الله البالغة للدهلوي (1/ 467)، والشافعي - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ 320).
مذهبِه، ولم يكنْ لهم سبيلٌ إِلى الاجتهادِ والقياسِ: احتاجوا إِلى تنظيرِ المسائلِ في الإِلحاقِ، وتفريعِها عند الاشتباهِ بعدَ الاستنادِ إِلى الأصولِ المقررةِ مِنْ مذهبِ إِمامِهم"
(1)
.
ولمعرفةِ حكمِ النازلةِ في المذهبِ عدَّةُ طرقٍ، أهمّها طريقان، وهما:
الطريق الأول: تخريجُ حكمِ النازلة على أصولِ المذهبِ وقواعدِه.
الطريق الثاني: تخريجُ حكمِ النازلةِ على فروعِ المذهبِ
(2)
.
يقولُ ابنُ الصلاح: "تخريجُه - أي: مجتهد المذهب - تارةً يكون مِنْ نصّ معيَّنٍ لإِمامِه في مَسألةٍ معينةٍ، وتارةً لا يجدُ لإِمامِه نصًّا معيّنًا يخرِّجُ منه، فيخرِّج على وفقِ أصولِه"
(3)
.
ويقولُ شاه ولي الله الدهلوي: "وَقَعَ التخريجُ في كلِّ مذهبٍ، وكَثُرَ"
(4)
.
ويقولُ ابنُ عابدين: "مسائلُ النوازلِ، سُئِلَ عنها المشايخُ المجتهدون في المذهبِ، ولم يجدوا فيها نصًّا، فأفتوا فيها تخريجًا"
(5)
.
وقد أوضحَ ابنُ الصلاحِ أنَّ مفزعَ المفتين مِنْ مُدَدٍ مديدةٍ هو تخريج حكمِ النازلةِ على أصولِ المذهبِ، وفروعِه
(6)
.
(1)
مقدمة ابن خلدون (3/ 1056 - 1056).
(2)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 20)، والشافعي - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ 320)، وأصول الفقه الإِسلامي للدكتور زكي شعبان (ص/ 333)، والاختلاف الفقهي لعبد العزيز الخليفي (ص/ 88)، وتخريج الفروع على الأصول لعثمان شوشان (1/ 193)، والسلطة المذهبية للدكتور وائل حلاق (ص/ 82).
(3)
أدب المفتي والمستفتي (ص/ 97). وانظر: المسودة (2/ 968).
(4)
حجة الله البالغة (1/ 467).
(5)
رد المحتار على الدر المختار (1/ 168).
(6)
انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 96)، والمجموع شرح المهذب للنووي (1/ 43)، وصفة الفتوى (ص / 19)، والمسودة (2/ 967)، والتخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 62).
وبيَّنَ أحمدُ الوزير أنَّ التخريجَ على أقوالِ الأئمةِ تولَّدَ مِن التمذهبِ
(1)
، وبيَّنَ الدكتورُ يعقوبُ الباحسين أنَّ تخريجَ الفروعِ على الأصولِ إِنَّما نَشَأَ نتيجةَ الخلافاتِ المذهبيةِ
(2)
.
وقد نظمت عِقْدَ هذا الفصل في: تمهيدٍ، ومبحثين.
وقبلَ الدخولِ في تفاصيلِ الفصلِ، أُحبُّ أنْ أنبه إِلى أنّني لن أتعرضَ فيه إِلى الحديثِ عن علم تخريجِ الفروعِ على الأصولِ، ولا عن علمِ تخريجِ الفروعِ على الفروعِ - وسَأستفيد ممَّا قيل فيهما ممَّا له علاقةٌ ببحثي - وكذلك لن أتعرضَ إِلى منهجِ دراسةِ النوازلِ عند المذاهبِ الفقهيةِ، وكيفيةِ تخريجِ حكمِ النازلةِ
(3)
، فهذه مسائلُ أخرى.
= يقول الدكتور محمد رياض في كتابه: أصول الفتوى والقضاء (ص/ 581): "تظهر فائدةُ التخريج في إِيجادِ الحلول للأحداث الطارئة، والنوازلِ الجديدة الَّتي يواجهها المفتي".
وانظر: المدرسة المالكية العراقية للدكتور عبد الفتاح الزنيفي (1/ 583) ضمن بحوث الملتقى الأول للقاضي عبد الوهاب المالكي.
(1)
انظر: المصفى في أصول الفقه (ص/ 44)، وقد انتقد أحمد الوزير تخريج المتمذهبين، وعدَّ إِدراج بعض مسائله في مباحث أصول الفقه تطفُّلًا.
(2)
انظر: التخريج عند الفقهاء والأصوليين (ص/53).
(3)
للاطلاع على إِسهام المعاصرين في الحديث عن كيفية معالجة النازلة انظر: المدخل إِلى فقه النوازل للدكتور عبد الناصر أبو البصل (ص/ 129 - 133)، بحث منشور في: أبحاث اليرموك، سلسلة: العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد: الثالث عشر (أ)، وأصول الإِفتاء للعثماني (ص/ 480) مع شرحه المصباح في رسم المفتي، وتخريج الفروع على الأصول لعثمان شوشان (1/ 527 - 590)، ودراسة تحليلية مؤصلة لتخريج الفروع على الأصول لجبريل ميغا (ص/ 594 وما بعدها)، ومنهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة للدكتور مسفر القحطاني (ص / 260 - 571)، وفقه النوازل للدكتور محمد الجيزاني (1/ 38 وما بعدها)، والتكييف الفقهي للدكتور محمد شبير (ص/ 63 - 120)، والمنهج في استنباط النوازل لوائل الهويريني (ص/ 396 - 490)، وفقه النوازل عند المالكية للدكتور مصطفى الصمدي (ص/ 313 - 395)، والنوازل الأصولية للدكتور أحمد الضويحي، بحث منشور في: مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد: الرابع والسبعون (ص/ 79 - 84)، ومدخل إِلى فقه النوازل للدكتور عبد الحق حميش، بحث منشور في: مجلة جامعة الإِمام محمد بن سعود (العلوم الشرعية) العدد: العاشر (ص/ 277 وما بعدها).