الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقولُ أبو إسحاقَ الشيرازي: "هذا جائزٌ، لا نزاعَ فيه"
(1)
.
إذ المجتهدُ قد يجتهدُ في وقتٍ، فيؤديه اجتهادُه إلى قولٍ، ثمَّ يجتهدُ في وقتٍ آخر، فيؤديه اجتهادُه إلى قولٍ آخر غير الأولِ، وهذا أمرٌ لا إشكالَ فيه
(2)
؛ لأنَّ اعتقادَ صحةِ القولين في وقتين ليس بمحالٍ عقلًا
(3)
.
يقولُ أبو الحسنِ الماوردي: "ليس أحدٌ مِنْ الفقهاءِ إلا وقد اختلفتْ عنه الروايةُ في الأحكامِ، فسمَّاها أصحابُهم روايات، وسمَّاها أصحابُ الشافعي أقاويل"
(4)
.
وتغيّرُ الرأي مأثورٌ عن أكابرِ العلماءِ منذُ عهدِ الصحابةِ رضي الله عنهم
(5)
.
وقد يعبِّرُ العلماءُ عن هذه الحالة بقولهم: في المسألةِ قولانِ، أو على قولينِ، ويكون مرادهم في وقتينِ
(6)
.
المطلب الثاني: الترجيح بين أقوال إمام المذهب
إذا تعددتْ أقوالُ إمامِ المذهبِ في مسألةٍ مِن المسائل - سواءٌ أكانت المسألةُ أصوليةً، أم فقهيةً - فوَرَدَ عنه في مسألةٍ واحدةٍ أكثرُ مِنْ قولٍ، فما المرجَّحُ منها؟
(1)
شرح اللمع (2/ 1077).
(2)
انظر: أدب القاضي للماوردي (1/ 671)، وقواطع الأدلة (5/ 61، 75)، وشرح مختصر الروضة (3/ 624)، والبحر المحيط (6/ 119).
(3)
انظر: شرح الكوكب المنير (4/ 494).
(4)
أدب القاضي (1/ 673). وانظر: قواطع الأدلة (5/ 75 - 76)، وفرائد الفوائد للسلمي (ص / 45).
(5)
انظر: حقيقة القولين للغزالي، منشور في: مجلة الجمعية الفقهية السعودية، العدد: الثالث (ص/ 280).
(6)
انظر: المصدر السابق، وتقريرات الشربيني على شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 359).
تحدثَ العلماءُ عن هذه المسألةِ بإسهابٍ، وفصَّلوا القولَ فيها، وأرى قبلَ الحديثِ عنها الإشارة إلى النقاطِ الآتيةِ:
الأولى: محلُّ الحديثِ في هذا المطلبِ عن الترجيحِ
(1)
بين أقوالِ إمام المذهبِ إذا تعددتْ في مسألةٍ واحدةٍ فقط، أمَّا إذا تعددت أقوالُه في مسأَلتين، فلا يدخلُ في حديثي هنا، إلا إنْ انتفى الفرقُ بين المسألتين
(2)
؛ لأنَّهما تصيرانِ كالمسألةِ الواحدةِ.
الثانية: لا بُدَّ مِنْ ثبوتِ صحةِ القولين أو الأقوال عن إمامِ المذهبِ
(3)
، فإنْ لم يثبتْ القولُ فإنَّه لا يقوى على مزاحمةِ الثابتِ.
الثالثة: قد يَرِدُ عن إمامِ المذهبِ قولانِ مختلفانِ في وقتينِ، وَيردُّ المحققون مِنْ أصحابِه أحدَهما
(4)
؛ لعلةٍ مِن العللِ، ومِثْلُ هذا لا يدخلُ في حديثي.
الرابعة: يستوي في الحديثِ في هذا المطلبِ ما إذا وَرَدَ عن إمامِ المذهبِ قولانِ متنافيانِ، أو وَرَدَتْ عنه أقوالٌ متنافيةٌ، فالتعبيرُ بالقولينِ عند مَنْ يُعبّرُ به ليس مقصودًا، وإنَّما هو مِنْ باب التمثيلِ، ولعل مردّ غلبة التعبيرِ بالقولين إلى أنَّ وقوعَ التعارضِ بين القولينَ أكثرُ مِنْ وقوعِه بين الأقوالِ.
(1)
الترجيح في اللغة: مصدر من الفعل رجَّح، يقال: رَجَّحَ يُرَجِّحُ تَرْجِيْحًا، ومعنى الترجيح: التمييل والتثقيل. انظر: القاموس المحيط، مادة:(رجح)، (ص/ 279).
وفي الاصطلاح: عرفه الرازي في: المحصول في علم أصول الفقه (5/ 397) بـ"تقوية أحد الطريقين على الآخر؛ ليعلم الأقوى، فيعمل به، ويطرح الآخر". وانظر: البحر المحيط (6/ 130).
(2)
انظر: المعتمد (2/ 863)، والوصول إلى الأصول لابن برهان (2/ 355)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (4/ 202)، ومختصر منتهى السول لابن الحاجب (2/ 1228)، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (29/ 40)، وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 299)، ورفع الحاجب (4/ 559)، وفواتح الرحموت (2/ 394).
(3)
انظر: التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (4/ 370)، وابن حنبل - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ 176).
(4)
انظر: الفروسية المحمدية لابن القيم (ص/ 221).
الخامسة: يدخلُ في حديثي في هذه المسألةِ ما إذا كانَ قولُ المجتهدِ منقولًا عنه بلفظِه، أو دوَّنه في كتابِه، أو نسبه إليه أحدُ أصحابِه، فقد يتعارضُ ما خطَّه الإمامُ في كتبِه، مع ما نَسَبَه إليه أحدُ أربابِ مذهبِه.
السادسة: لهذه المسألةِ حديثٌ تقعيديٌ - وهذا محلُّ حديثي - وحديثٌ مذهبي، فقد تقرِّر بعضُ المذاهبِ ضوابطَ مذهبيةٍ في الترجيحِ عند اختلافِ الأقوالِ في المذهبِ - كالترجيحِ باختيارِ الشيوخِ أو تقديمِ الكتبِ، ونحوِهما - وهذا خارجٌ عن حديثي؛ لخصوصيةِ كلِّ مذهبٍ على حدةِ.
ولعدمِ اطرادِ الضوابطِ المذهبيةِ في جميعِ المسائلِ مِنْ جهةٍ أخرى
(1)
؛ لكونِها أغلبية.
السابعة: محلُّ حديثي هنا عن الترجيحِ بين أقوالِ إمامِ المذهبِ فحسب، ويُلحقُ به أصحابه الذين بلغوا رتبةَ الاجتهادِ، أو قاربوها، بحيثُ يكون لأقوالِهم مزيةٌ في المذهبِ.
الثامنة: يستوي في الحديثِ في المسألةِ ما إذا وَرَدَ عن إمامِ المذهبِ قولانِ متنافيانِ، أو إذا بيَّن أنَّ المسألةَ خلافيةٌ.
التاسعة: متى ما قيلَ بالترجيحِ بين أقوالِ إمامِ المذهب، فإنَّ مِنْ شرطِ المرجِّحِ أنْ يكونَ أهلًا للترجيحِ في مذهبِ إمامِه
(2)
؛ فلَيسَ بإمكانِ كلِّ متمذهبٍ أنْ يرجِّحَ بين أقوالِ إمامِه.
فإنْ لم يكن المتمذهبُ أهلًا للترجيحِ، فعليه الرجوعُ إلى المتأهلين له في مذهبِه، أو إلى كتبهم
(3)
، ولعل هذا يقودني إلى الإشارةِ إلى صعوبةِ قيامِ
(1)
انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 627)، والإنصاف (1/ 50)، والمدخل المفصَّل إلى فقه الإمام أحمد (1/ 296).
(2)
انظر: شرح الكوكب الساطع للسيوطي (4/ 58)، والمعيار المعرب للونشريسي (10/ 46).
(3)
انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 123 - 124)، وشرح الكوكب الساطع للسيوطي (4/ 58)، والمدخل المفصَّل إلى فقه الإمام أحمد (1/ 304)، وأصول الإفتاء للعثماني (ص/ 291) مع شرحه المصباح في رسم المفتي.
المتمذهبِ بالترجيحِ بين أقوالِ أئمةِ المذاهبِ الأخرى دونَ استعانتِه بأهلِ الترجيحِ فيها.
ويتصلُ الحديثُ عن الترجيحِ بين أقوالِ إمامِ المذهبِ في هذا المطلبِ بالمطلبِ الأولِ؛ إذ سيكونُ الحديثُ عن الترجيحِ بين أقوالِ إمام المذهبِ في ضوءِ القسمين اللذين ذكرتُهما في المطلبِ السابقِ، ولهذَا جعلتُ للترجيحِ قسمين رئيسين:
القسم الأول: الترجيحُ بين قولي إمامِ المذهبِ اللذين قالهما في وقتٍ واحدٍ.
القسم الثاني: الترجيحُ بين قولي إمامِ المذهبِ اللذين قالهما في وقتين.
القسم الأول: الترجيحُ بين قولي إمامِ المذهبِ اللذين قالهما في وقتٍ واحدٍ.
تقدّمَ لنا في المطلبِ الأولِ أنَّه لا يصحُّ أنْ يعتقدَ إمامُ المذهبِ قولين متنافيين في مسألةٍ واحدةٍ في وقتٍ واحدٍ، فإذا وَرَدَ عنه في كتابِه أو جوابِه ذكرُ القولين، فلا يخلو الأمرُ من حالتين:
الحالة الأولى: أنْ يذكرَ إمامُ المذهب القولين دون أنْ ينصَّ على اختيارِ أحدِهما.
الحالة الثانية: أنْ يذكرَ إمامُ المذهب القولين مع النصِّ على اختيار أحدهما.
الحالة الأولى: أنْ يذكرَ إمامُ المذهبِ القولين دونَ أنْ ينصَّ على اختيارِ أحدِهما.
إذا قال إمامُ المذهبِ في مسألةٍ واحدةٍ قولين مختلفين، ولم يشرْ إلى اختيارِه عند سياقِهما، فلهذه الحالةِ صورتانِ:
الصورة الأولى: إذا قالَ إمامُ المذهبِ قولين مختلفين، ولم ينصَّ على اختياره، وليس في الكلامِ قرينةٌ دالةٌ عليه.
الصورة الثانية: إذا قالَ إمامُ المذهبِ قولين مختلفين، ولم ينصَّ على اختيارِه، وفي الكلام قرينةٌ دالةٌ عليه.
الصورة الأولى: إذا قالَ إمامُ المذهبِ قولين مختلفين، ولم ينصَّ على اختيارِه، وليس في الكلامِ قرينةٌ دالةٌ عليه.
إذا قالَ إمامُ المذهب قولين مختلفين، ولم ينصَّ على اختيارِه، وليس في الكلام قرينةٌ دالةٌ على اختيارِه، فإنَّ الأمرَ لا يخلو من حالين:
الحال الأول: أنْ لا يَرِدَ عن إمامِ المذهبِ في موضعٍ آخر ما يدلُّ على اختيارِه.
الحال الثاني: أنْ يَرِدَ عن إمامِ المذهب في موضعٍ آخر ما يدلُّ على اختيارِه.
الحال الأول: أنْ لا يَرِدَ عن إمامِ المذهبِ في موضعٍ آخر ما يدلُّ على اختيارِه.
إذا قالَ إمامُ المذهبِ قولين مختلفين، ولم ينصَّ على اختيارِه، وليس في الكلامِ قرينةٌ دالةٌ على اختيارِه، ثمَّ لم يَرِدْ عنه في موضعٍ آخر ما يدلنا على اختيارِه، فالأقربُ أنَّ الإمامَ متوقفٌ، ومترددٌ
(1)
.
وأجوبةُ علماءِ الشافعيةِ التي سقتُها في المطلبِ الأولِ تَرِدُ هنا
(2)
، وقد ذكرتُ أنَّ الأقربَ أنَّ الإمامَ الشافعي متوقفٌ.
وقد نَسَبَ بدرُ الدّينِ الزركشيُّ إلى الآمدي القولَ بوجوبِ اعتقادِ نسبةِ
(1)
انظر: نشر البنود (2/ 275)، ونثر الورود للشنقيطي (2/ 590).
(2)
انظر: التلخيص في أصول الفقه للجويني (3/ 418)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (4/ 201)، وفرائد الفوائد للسلمي (ص/ 79)، والاجتهاد ومدى حاجتنا إليه للدكتور سيد الأفغاني (ص/ 422).
أحدِ القولين إلى إمامِ المذهبِ، ورجوعِه عن الآخر غير معيّنٍ، ولا تصحُّ نسبتهما إليه جميعًا
(1)
.
واستحسنَ بدرُ الدّينِ الزركشيُّ ما قاله الآمديُّ، وبيَّن أنَّ عملَ الفقهاءِ على خلافِه
(2)
.
وقد تَبِعَ الزركشيَّ في ذكرِ القولِ، ونسبتِه إلى الآمدي: ابنُ أمير الحاج
(3)
، والمرداويُّ
(4)
.
وذَكَرَ بعضُ الأصوليين أنَّ المتمذهبَ يُرجّحُ بين أقوالِ إمامِه في هذه الحالةِ، ومِنْ هؤلاءِ: ابنُ بَرْهان، إذ ظاهرُ قولِه هو أنَّ علماءَ مذهبِ الإمام يجتهدون في اختيارِ الأشبهِ بمذهبِ إمامِهم، كما يجتهدُ المجتهدُ في أقوالِ النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلفتْ، ويأخذُ بأقربِها إلى الشرعِ
(5)
.
واختارَ ابنُ الصلاحِ القولَ الذي ذَهَبَ إليه ابنُ بَرْهان، وفصَّل ابنُ الصلاح اختيارَه، فقالَ: "عليه - أيْ: المتمذهب - البحثُ عن الأرجحِ والأصحَّ منهما، متعرِّفًا ذلك مِنْ أصولِ مذهبِه، غير متجاوزٍ في الترجيحِ قواعدَ مذهبِه إلى غيرِها، هذا إنْ كانَ ذا اجتهادٍ في مذهبِه، أهلًا للتخريجِ عليه.
فإنْ لم يكنْ أهلًا لذلك، فلينقله عن بعضِ أهلِ التخريجِ مِنْ أئمةِ المذهبِ، وإنْ لم يجد شيئًا مِنْ ذلك، فليتوقفْ"
(6)
.
(1)
انظر: البحر المحيط (6/ 121)، وتشنيف المسامع (3/ 481). ولا يبعد عندي حصول الوهم فيما نسبه بدر الدين الزركشي إلى الآمدي؛ لخلو كتابي الآمدي:(الإحكام في أصول الأحكام)، و (منتهى السول) عن هذا القول في الموطن الذي ذُكِرت فيه المسألة، ويؤكد حصول الوهم أنَّ ما نسبه الزركشي إلى الآمدي هو قوله في الحالة الثانية - كما سيأتي - إلا أن يكون قاله في موضع آخر من كتابيه، أو في كتاب آخر.
(2)
انظر: البحر المحيط (6/ 121)، وتشنيف المسامع (3/ 481).
(3)
انظر: التقرير والتحبير (3/ 334).
(4)
انظر: التحبير (8/ 3956).
(5)
انظر: الوصول إلى الأصول (2/ 356 - 357).
(6)
أدب المفتي والمستفتي (ص/ 123 - 124).
واختلفَ علماءُ الحنابلة فيما إذا حَكَى الإمامُ أحمدُ القولين، أو الخلاف مِنْ غيرِ أقوالِ الصحابةِ رضي الله عنهم، دون إشارةٍ إلى اختياره - وقد سَبَقَ التمثيلُ لقولِ الإمامِ أحمدَ - على قولين:
القول الأول: أنَّ الإمامَ متوقفٌ.
وهذا ما ذَهَبَ إليه الحسنُ بن حامد؛ إذ يقولُ: "المذهبُ عندي فيما كان هذا طريقه - أي: إذا أجاب بالقولين أو الخلاف - ولم يقارِنْ ذلك في مكانٍ مِنْ مذهبِه تفسيرٌ منه يُكْسِبُنا التوقفَ، ولا يُنسبُ إليه ما حكاه عن المختلفين قولٌ حتم، ولا يفرد بواحدٍ منها قطعًا، وكذلك لا يُنسب إليه أيضًا أنَّه بالقولين متديّنٌ"
(1)
.
واختاره ابنُ مفلحٍ
(2)
.
القول الثاني: يُنسبُ إلى الإمامِ القولُ الأشبه بالكتابِ، أو بالسنةِ، أو بالأثرِ.
اختار هذا القولَ ابنُ حمدان
(3)
، وقال عن القولِ الأولِ:"فيه بُعْدٌ"
(4)
.
والأقربُ مِنْ وجهة نظري هو القولُ الأول؛ ولعل مقصدَ أصحابِ القولِ الثاني هو عملُ المتمذهب، فإذا أرادَ العملَ بأحدِ القولين، فإنَّه يأخذُ بالقولِ الأشبهِ بالكتابِ أو بالسنةِ.
وأرى مِن الضروري في هذا المقامِ بيانُ آراء الحنابلةِ في الترجيحِ بين أقوالِ الإمامِ أحمد إذا أجابَ بأقوالِ الصحابةِ رضي الله عنهم؛ إذ ظَهَرَ لي أنَّهم يفرِّقون بينَ جوابِ الإمامِ بأقوالِ الصحابةِ رضي الله عنهم، وجوابِه باختلافِ الناسِ أو العلماءِ أو التابعين، فيَعُدُّ بعضُهم الإمامَ أحمد متوقفًا إذا أجابَ باختلافِ الناسِ أو العلماءِ أو التابعين؛ لأنَّه يجوزُ أنْ يذهبَ المجتهدُ إلى قولٍ ثالثٍ لا يخرق
(1)
تهذيب الأجوبة (1/ 536).
(2)
انظر: أصول الفقه (4/ 1506).
(3)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 100).
(4)
المصدر السابق.
إجماعَهم، بخلافِ الصحابةِ رضي الله عنهم، فإنَّه يتعيّنُ الأخذُ مِنْ أقوالِهم
(1)
.
فإذا أجابَ الإمامُ أحمدُ بأقوالِ الصحابة رضي الله عنهم، فأي الأقوال يُنسبُ إليه؟
• الأقوال في المسألة:
اختلف الحنابلةُ فيما إذا أجابَ الإمامُ أحمدُ بأقوالِ الصحابةِ رضي الله عنهم، أي الأقوال يُنسبُ إليه على أقوال:
القول الأول: يُنْسَبُ إلى الإمامِ أحمدَ القولُ الذي يوافق دليلًا مِن الكتابِ أو من السنةِ.
وهذا القولُ وجهٌ عند الحنابلةِ
(2)
. وذَكَرَه الحسنُ بن حامد، ومالَ إليه
(3)
. واختاره ابنُ حمدان
(4)
، وهو ظاهرُ قولِ تقي الدين بنِ تيمية
(5)
، وهو قولُ المرداويّ
(6)
.
القول الثاني: لا يُنْسَبُ إلى الإمامِ أحمد قولٌ في هذه الصورةِ، بل هو متوقفٌ.
وهذا القولُ وجهٌ مخرَّجٌ، كما قاله الحسنُ بن حامد
(7)
، وصرَّح بعضُ الحنابلة بأنَّه وجه في مذهبِهم
(8)
.
القول الثالث: لا يكون للإمامِ أحمدَ قولٌ في المسألةِ.
ذَكَرَ هذا القول دونَ نسبةٍ إلى أحدٍ تقيُّ الدين بن تيمية
(9)
، والمرداويُّ
(10)
.
(1)
انظر: المصدر السابق (ص/ 98)، والمسودة (2/ 945).
(2)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 98).
(3)
انظر: تهذيب الأجوبة (1/ 443).
(4)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 98).
(5)
انظر: المسودة (2/ 945).
(6)
انظر: الإنصاف (12/ 251).
(7)
انظر: تهذيب الأجوبة (1/ 444).
(8)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 98)، والمسودة (2/ 945).
(9)
انظر: المسودة (2/ 945).
(10)
انظر: الإنصاف (12/ 251).
ولا يظهر لي فرقٌ مؤثرٌ بين القولينِ: الثاني والثالث، فهما متقاربان.
• أدلةُ الأقوال:
أدلةُ أصحابِ القولِ الأول: استدلَّ أصحابُ القولِ الأولِ بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: أنَّ مِنْ أصولِ الإمامِ أحمدَ بن حنبل فيما إذا اختلفَ الصحابةُ رضي الله عنهم على أقوال، الأخذَ بالقولِ الأقربِ أو الأشبهِ بالكتابِ أو بالسنةِ
(1)
. يقولُ الإمامُ أحمدُ: "إذا اختلفَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم نُظِرَ، أيُّ القولين أشبه بالكتابِ والسنةِ؟ فأُخِذَ به، وتُرِكَ الآخر"
(2)
.
فإذا ساقَ اختلافَ الصحابةِ رضي الله عنهم، ولم يرجِّحْ، فإنَّنا نُعْمِلُ أصلَه في هذه الحالةِ، ونعتبره في سائر أجوبتِه، ونأخذُ بما كان أقرب إلى الكتابِ أو السنةِ
(3)
.
الدليل الثاني: لو كانَ الإمامُ أحمدُ متوقفًا، لقالَ ما يدلُّ على التوقّفِ، كـ: لا أدري، أو لا شيءَ عندي، ونحوهما، فلمَّا لم يجبْ بهما دلَّ على عدمِ توقّفِه في المسألةِ
(4)
.
ويمكن أن يُستدل لهم بدليلٍ ثالث: قياسُ ما إذا أجابَ الإمامُ بأقوالِ الصحابةِ رضي الله عنهم على مسألةِ: (ما إذا قالَ الإمامُ قولين مختلفين في وقتين، ولم يُعْلَم التاريخُ)، فكما أنَّنا في المسألةِ الثانيةِ نُرَجِّحُ القولَ الذي وافق الكتابَ أو السنة، فكذلكَ في مسألتِنا.
(1)
انظر: تهذيب الأجوبة (1/ 443)، والعدة (4/ 1105)، وصفة الفتوى (ص/ 98)، وإعلام الموقعين (2/ 55).
(2)
نقل قول الإمام أحمد الحسنُ بن حامد في: تهذيب الأجوبة (1/ 445)، والقاضي أبو يعلى في: العدة (4/ 1105).
(3)
انظر: تهذيب الأجوبة (1/ 445 - 446).
(4)
انظر: المصدر السابق (1/ 450).
أدلةُ أصحابِ القولِ الثاني: استدلَّ أصحابُ القول الثاني بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: أنَّ الإمامَ أحمدَ هو الأعلمُ بأشبه القولين بالكتابِ أو بالسنةِ، فلمَّا لم يذكرْه، ولم يرجّحْ أحدَهما، ولم يَمِلْ إليه، مع معرفتِه بالقولين، دلَّ على أنَّهما عنده سواء، فلا يكونُ أحدُهما مذهبًا له
(1)
.
الدليل الثاني: أنَّ نسبةَ أحدِ القولين إلى الإمامِ أحمدَ هو اجتهادٌ ممَّنْ بعده، وهذا فعلٌ لهم، ليس بفعلٍ للإمامِ، فكيفَ ننسبُ إليه أنَّه اختارَ قولًا بفعلِنا ورأينا؟ !
(2)
.
مناقشة الدليل الثاني، نوقش الدليل من وجهين:
الوجه الأول: أنَّ ما ذكرتموه مِنْ أنَّ تعيينَ القولِ هو فعلُ مَنْ جاءَ بعده لا يَضُر؛ إذ الشريعةُ كلُّها تنسبُ إلى الله تعالى، والمعوَّلُ عليه فعلُ المجتهدِ مِن الاستدلالِ والنظرِ والقياسِ، ولم تقولوا: إنَّ ذلك ليس بجائزٍ؛ لأنَّه فعلٌ، فكذلك هنا
(3)
.
الوجه الثاني: إذا جازتْ نسبةُ القولِ إلى الإمامِ بناءً على القياسِ - كما مرَّ - وهو فعلٌ لنا، فإنَّ تعيينَ أحدِ القولين بفعلِنا لا يضر
(4)
.
الدليل الثالث: أنَّ اجتهادَنا في معرفةِ أقرب القولين إلى الكتابِ أو السنةِ لا يُطَابِقُ ما عند الإمام أحمدَ، ولا يقاربه، فكيفَ ننسبُ إليه قولًا قوَّاه مَنْ جاءَ بعده؛ بنَظَرِه؟ !
(5)
.
مناقشة الدليل الثالث: إنَّ ما ذكرتموه مِنْ أنَّ اجتهادَنا لا يطابق اجتهادَ الإمام أحمد لا يضر؛ لأنَّنا اتبعنا طريقَه وأصلَه في المسألةِ
(6)
.
(1)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 98).
(2)
انظر: تهذيب الأجوبة (1/ 445).
(3)
انظر: المصدر السابق (1/ 450 - 451).
(4)
انظر: المصدر السابق (1/ 451).
(5)
انظر: المصدر السابق (1/ 445).
(6)
انظر: المصدر السابق (1/ 451).
أدلةُ أصحاب القول الثالث: لم أقف لأربابِ القولِ الثالثِ على أدلةٍ - فيما رجعتُ إليهَ من مصادر - وبإمكانِهم الاستدلال بأدلةِ أصحابِ القولِ الثاني؛ ليتوصلوا إلى أنَّه ليس للإمامِ أحمد قولٌ أصلًا.
• الموازنة والترجيح:
بالنظر في الأقوالِ، وما استدلوا به، يظهر لي أنَّ الراجح هو القول الثاني، هذا مِنْ جهةِ نسبةِ القولِ إلى إمامِ المذهبِ.
أمَّا مِنْ جهةِ العملِ، فيعملُ المتمذهبُ بالقولِ الأقرب إلى الكتاب أو السنةِ؛ لأنَّه مِنْ أصولِ الإمامِ أحمدَ، ثمَّ لا بُدّ للمتمذهبِ مِن العملِ، فإذا عمل بما يَرَى أنَّه أقرب إلى دلالةِ الكتابِ أو السنةِ، فقد أدَّى ما عليه.
ولا أرى مانعًا مِنْ نسبةِ المتمذهبِ القول الذي اختاره للعملِ إلى مذهبِه مقيَّدًا، كقوله مثلًا: المذهبُ كذا بناءً على أصلِ الإمامِ، ونحو هذه العبارة.
وقد رجّحتُ ما سبق؛ للآتي:
أولًا: صعوبةُ نسبةِ أحدِ القولين إلى الإمامِ، وقد ذَكَرَهما دونَ تعيينِ الراجحِ عنده.
ثانيًا: لا يترتبُ على القولِ الذي اخترتُه تعطيلًا للمتمذهبِ عن العملِ، ولا تقويلًا للإمامِ باختيارٍ لم يصرِّحْ به.
الحال الثاني: أنْ يَرِدَ عن إمام المذهب في موضع آخر ما يدلُّ على اختياره.
إذا قالَ إمامُ المذهبِ قولين مختلفين، ولم ينصَّ على اختيارِه، وليس في الكلامِ قرينةٌ دالةٌ عليه، لكنَّه بيَّنَ في موضع آخر القولَ الذي ارتضاه، أو أعادَ المسألةَ، فذَكَرَ قولًا واحدًا، فهل يُنسبُ إليه القولُ الذي اقتصر عليه؟
• الأقوال في المسألة:
اختلفَ العلماءُ في هذه المسألةِ على قولين:
القول الأول: إذا ذَكَرَ الإمامُ المسألةَ مرةً أُخْرى، فاقتصرَ على قولٍ واحدٍ، فهو قولُه الذي اختاره.
وهذا القول وجهٌ عند الشافعيةِ
(1)
. وذَهَبَ إليه بعضُ الشافعيةِ
(2)
، وبعضُ الحنابلةِ
(3)
.
واختاره جمعٌ مِن العلماءِ، منهم: المزني
(4)
، والحسنُ بن حامد
(5)
، وأبو الطيب الطبري
(6)
، وأبو إسحاقَ الشيرازي
(7)
، ومالَ إليه إمامُ الحرمين الجويني
(8)
، وهو قولُ أبي المظفرِ السمعاني
(9)
، والفخرِ الرازي
(10)
،
(1)
انظر: البحر المحيط (6/ 124).
(2)
انظر: شرح اللمع (2/ 1082)، وقواطع الأدلة (5/ 80، 86).
(3)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 100)، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران (ص/ 133).
(4)
انظر: التبصرة (ص/ 515)، وشرح اللمع (2/ 1082)، والتلخيص في أصول الفقه للجويني (3/ 417)، وقواطع الأدلة (5/ 86)، والمسودة (2/ 949)، والبحر المحيط (6/ 124).
(5)
انظر: تهذيب الأجوبة (1/ 508).
(6)
انظر: المسودة (2/ 949)، والبحر المحيط (6/ 125). وأبو الطيب الطبري هو: طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري، أبو الطيب، ولد بآمل سنة 348 هـ كان إمامًا علامةً شيخًا ورعًا، عارفًا بالأصول والفروع، محققًا متقنًا، شافعي المذهب، وأحد فقهاء بغداد، وولي قضاء ربع الكرخ بعد القاضي الصيمري، ودرّس وأفتى وأفاد، يقول عنه الشيرازي:"لم أرَ فيمن رأيتُ أكمل اجتهادًا منه، وأشد تحقيقًا، وأجود نظرًا منه"، من مؤلفاته: شرح المزني، وله كتب في الخلاف والمذهب والأصول والجدل، توفي سنة 450 هـ وله مائة وسنتان، ولم يتغير عقله ولا فهمه في آخر حياته. انظر ترجمته في: تاريخ مدينة السلام للخطيب (10/ 491)، وطبقات الفقهاء للشيرازي (ص/ 121)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (2/ 512)، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي (2/ 247)، وسير أعلام النبلاء (17/ 668)، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (5/ 12)، وطبقات الشافعية للإسنوي (2/ 157)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 205)، وطبقات الشافعية لابن هداية الله (ص/ 51).
(7)
انظر: التبصرة (ص/ 515).
(8)
انظر: التلخيص في أصول الفقه (3/ 418)
(9)
انظر: قواطع الأدلة (5/ 86).
(10)
انظر: المحصول في علم أصول الفقه (5/ 393).
والآمدي
(1)
، وسراجِ الدين الأرموي
(2)
، وصفي الدين الهندي
(3)
، وتقي الدين بنِ تيمية
(4)
، وتاجِ الدين بنِ السبكي
(5)
، وجمالِ الدين الإسنوي
(6)
، وبدرِ الدين الزركشي
(7)
، وابنِ أمير الحاج
(8)
، والمرداوي
(9)
، وجلالِ الدين السيوطي
(10)
، وعبد الله العلوي
(11)
، ومحمد الأمين الشنقيطي
(12)
.
يقولُ الحسنُ بنُ حامد: "يُؤخذُ بالبيّنِ المفسَّرِ عنه - أيْ: عن الإمام أحمد - ولا يُلْتَفَتْ إلى ما كان من الرواياتِ بالاختلافِ والتوقّفِ"
(13)
.
القول الثاني: إذا ذَكَرَ الإمامُ المسألةَ مرةً أخرى، فاقتصرَ على قولٍ واحدٍ، فلا يُعدُّ قوله.
وهذا القولُ وجهٌ عند الشافعيةِ
(14)
. وذَهَبَ إليه بعضُ الشافعيةِ
(15)
، وبعضُ الحنابلةِ
(16)
. ونَسَبَه إمامُ الحرمين الجويني إلى معظمِ الشافعيةِ
(17)
.
واختاره أبو إسحاقَ المروزي
(18)
، وابنُ حمدان
(19)
. وذَكَرَ تقيُّ الدين بنُ تيمية القولَ دونَ نسبةٍ إلى أحدٍ
(20)
.
(1)
انظر: الإحكام في أصول الأحكام (4/ 201).
(2)
انظر: التحصيل من المحصول (2/ 255).
(3)
انظر: نهاية الوصول للهندي (8/ 3635، 3637).
(4)
انظر: المسودة (2/ 945).
(5)
انظر: الإبهاج في شرح المنهاج (7/ 2705).
(6)
انظر: نهاية السول (4/ 439).
(7)
انظر: البحر المحيط (6/ 125)، وتشنيف المسامع (3/ 480).
(8)
انظر: التقرير والتحبير (3/ 334).
(9)
انظر: الإنصاف (12/ 252).
(10)
انظر: شرح الكوكب الساطع (4/ 60).
(11)
انظر: نشر البنود (2/ 275).
(12)
انظر: نثر الورود (2/ 590).
(13)
تهذيب الأجوبة (1/ 508).
(14)
انظر: البحر المحيط (6/ 124).
(15)
انظر: التبصرة (ص/ 515)، وقواطع الأدلة (5/ 80، 86).
(16)
انظر: الإنصاف (12/ 252)، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران (ص / 133).
(17)
انظر: التلخيص في أصول الفقه (3/ 418)، والبحر المحيط (6/ 124).
(18)
انظر: المسودة (2/ 949).
(19)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 100).
(20)
انظر: المسودة (2/ 945).
• أدلةُ القولين:
أدلةُ أصحابِ القولِ الأولِ: استدلَّ أصحابُ القول الأول بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: أنَّ دَأَبَ الأئمةِ والعلماءِ في كثيرٍ مِن المسائلِ أنَّهم يتوقفون عند بدءِ النظرِ في المسألةِ؛ ليكملوا النظرَ في أدلتِها، ويسبرونها، ويجمعون بينها، فَهُمْ في مهلةِ النظرِ، فإذا سَلِمَ لهم قولٌ قالوا به على التعيينِ
(1)
.
الدليل الثاني: أنَّ الظاهرَ مِنْ حالِ إمامِ المذهبِ أنَّ مذهبَه هو الذي أعاده؛ لأنَّه لو كانَ مقيمًا على القولينِ لذَكَرَهما، فلما أَفْرَدَ أحدَهما دلَّ على أنَّه قولُه الذي يختارُه
(2)
.
دليلُ أصحابِ القول الثاني: يجوزُ أنْ لا يذكرَ الإمامُ القولَ الثاني؛ اكتفاءً بما عُرِف عنه من القولين اللذين نصَّ عليهما أولًا، فلا يدلُّ الاقتصارُ عليه على اختيارِه
(3)
.
مناقشة دليل أصحاب القول الثاني: ما ذكرتموه أمرٌ محتملٌ، لكنَّ الظاهرَ أنَّ ما اقتصرَ عليه إمامُ المذهبِ هو قولُه واختيارُه
(4)
.
• الموازنة والترجيح:
بالنظرِ في قولي المسألة وأدلتهم يظهرُ لي رجحانُ القولِ الأول القائل: إذا ذَكَرَ إمامُ المذهبِ المسألةَ مرةً أخرى، فاقتصرَ على قولٍ واحدٍ، فهو قولُه الذي اختاره؛ وذَلك لوجاهةِ ما عللوا به، ولكونِ الأظهر في المسألة اعتبار اقتصارِ الإمام على قولٍ اختيارًا له.
(1)
انظر: تهذيب الأجوبة (1/ 508 - 509).
(2)
انظر: التبصرة (ص / 515)، وشرح اللمع (2/ 1082)، وقواطع الأدلة (5/ 86).
(3)
انظر: التبصرة (ص/ 515)، وشرح اللمع (2/ 1082)، والمسودة (2/ 949).
(4)
انظر: التبصرة (ص/ 515)، وشرح اللمع (2/ 1082).
ومِنْ جهةٍ أخرى: فإنَّ تحديدَ قولٍ لإمامِ المذهبِ خيرٌ من اعتبارِه متوقفًا.
الصورة الثانية: إذا قال إمامُ المذهبِ قولين مختلفين، ولم ينصَّ على اختيارِه، وفي الكلام قرينةٌ دالةٌ عليه.
إذا قالَ إمامُ المذهبِ قولين مختلفين، ولم ينصَّ على اختيارِه، وفي الكلامِ قرينةٌ دالةٌ عليه - كما لو فرَّع على أحدِ القولين - فهل يُعدُّ قوله ما دلّت القرينةُ عليه؟
• الأقوال في المسألة:
اختلفَ العلماءُ في هذه المسألةِ على قولين:
القول الأول: إذا فرَّعَ إمامُ المذهبِ على أحدِ القولين، فإنَّ هذا دالٌ على اختيارِه، وهو قولُه الذي ينسب إليه.
والقائلون: إنَّ إمامَ المذهبِ إذا أعادَ المسألة فاقتصرَ على قولٍ واحدٍ يُعَدُّ قولًا له، ذهبوا هنا إلى القولِ الأولِ
(1)
.
القول الثاني: إذا فرَّع إمامُ المذهبِ على أحدِ القولين فإنَّه لا يدلُّ على اختيارِه.
والقائلون: إنَّ إمامَ المذهبِ إذا أعادَ المسألةَ، فاقتصر على قولٍ واحدٍ لا يُعَدُّ قولًا له، ذهبوا هنا إلى القولِ الثاني.
• أدلة القولين:
دليلُ أصحابِ القول الأول: أنَّ الظاهرَ مِنْ حالِ إمامِ المذهبِ أنَّ مذهبَه هو الذي فرَّع عليه؛ لأنَّه لو كان مقيمًا على القولين لفرَّعَ عليهما، فلمَّا أفردَ أحدَهما دلَّ على أنَّه قولُه الذي يختارُه
(2)
.
(1)
عدا الحسن بن حامد، فلم أرَه ذكر هذه المسألة في المواطن التي رجعت إليها من كتابه: تهذيب الأجوبة.
(2)
انظر: التبصرة (ص / 515)، وشرح اللمع (2/ 1082)، وقواطع الأدلة (5/ 86).
دليلُ أصحابِ القول الثاني: يحتمل أنَّ إمامَ المذهبِ فرَّعَ على أحدِ القولين؛ لأنَّ التفريعَ على الثاني واضحٌ، فلا يحتاجُ إلى ذكرِه، فلا يدلُّ الاقتصارُ على القولِ الأولِ على اختيارِه
(1)
.
مناقشة الدليل: ما ذكرتموه أمرٌ محتملٌ، لكنَّ الظاهرَ أنَّه يُعدُّ اختيارًا له
(2)
.
• الموازنة والترجيح:
لعل الأقربَ في هذه المسألة هو اعتبارُ تفريعِ إمامِ المذهبِ على قولٍ اختيارًا له؛ لأنَّه قرينةٌ وإنْ كانَ فيها بعضُ الضعفِ، والقرائنُ لها أثرٌ في تحديدِ رأي الإمامِ، ووجودُ رأي محدّد له خيرٌ مِن عدّه متوقفًا في المسألةِ.
الحالة الثانية: أنْ يذكر إمامُ المذهب القولين مع النصِّ على اختيارِ أحدهما.
إذا ذَكَرَ إمامُ المذهبِ قولين مختلفين في مسألةٍ واحدةٍ، ونصَّ على اختيارِه، أو ضعّفَ أحد القولين، فإنَّ القولَ الذي اختاره هو قولُه الذي يُنسب إليه.
وهذا قولُ جمهورِ الأصوليين
(3)
؛ لأنَّ قولَ إمامِ المذهبِ ليس إلا ما
(1)
انظر: التبصرة (ص/ 515)، وشرح اللمع (2/ 1082)، والمسودة (2/ 949).
(2)
انظر: التبصرة (ص/ 515)، وشرح اللمع (2/ 1082).
(3)
انظر: المعتمد (2/ 863)، وشرح اللمع (2/ 1078)، وقواطع الأدلة (5/ 80)، وبذل النظر للأسمندي (ص/ 662)، والمحصول في علم أصول الفقه للرازي (5/ 391)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (4/ 201)، وأدب المفتي والمستفتي (ص / 123)، والمسودة (2/ 949)، والحاصل من المحصول (2/ 966)، والتحصيل من المحصول (2/ 255)، وشرح تنقيح الفصول (ص / 419)، وصفة الفتوى (ص / 100)، ونهاية الوصول للهندي (8/ 3635، 3637)، وتقريب الوصول لابن جزي (ص / 424)، وأصول الفقه لابن مفلح (4/ 1507)، والإبهاج في شرح المنهاج (7/ 2705)، ونهاية السول (4/ 439)، وتحفة المسؤول للرهوني (4/ 271)، وتشنيف المسامع (3/ 480)، والبحر المحيط (6/ 120)، ولمع اللوامع لابن رسلان، القسم الثاني (2/ 467)، والتقرير والتحبير (3/ 334)، ورفع النقاب للشوشاوي (5/ 481)، وإرشاد الفحول (2/ 1075)، والاجتهاد ومدى حاجتنا إليه للدكتور سيد الأفغاني (ص/ 422)، والاختلاف الفقهي لعبد العزيز الخليفي (ص/ 243).
رجّحه
(1)
.
يقولُ الحسنُ بنُ حامدٍ: "إذا وَرَدَ - أيْ: عن الإمام أحمد - الجوابُ بالاختلافِ
…
فقال بأحدِهما، فإنَّه يصار إلى ما قَطَعَ به منهما، وثُبِّتْ مذهبُه عليه، ولا يُؤثِّرُ الآخرُ شيئًا، ويُقْطَعُ على أنَّ الآخرَ ليس مذهبًا له"
(2)
.
مثال هذه الحالة: سألَ مُهَنّا الإمامَ أحمد عن رجلٍ قال: أولُ غلامٍ لي يخرجُ فهو حرٌّ، فخَرَجَ غلامانِ، أو كلُّ عبيده؟ فقال الإمام أحمد:"قد اختلفوا". قلتُ له: ما تقولُ أنتَ؟ قال: "يقرعُ بينهم"
(3)
.
ومِنْ وجهةِ نظري: فإنّ مثلَ هذه الحالة لا تحتمل وجود الخلافِ في بيانِ اختيارِ إمامِ المذهبِ؛ وذلك لنصِّه عليه.
وهنا اعتراض، وهو: إذا كان الصحيحُ عند إمامِ المذهبِ هو القول الذي اختاره، فلِمَ ذَكَرَ القولَ الآخر؟ وأيّ فائدةٍ في ذكرِه؟
(4)
.
فالجواب: مِن المحتملِ أنَّ الإمامَ وطّأ لقولِه واختيارِه بذكرِ الخلافِ في المسألةِ
(5)
، ثمَّ لذِكْرِ القولِ الآخر الذي لا يختاره عدة فوائد:
منها: أنْ يُعْلِمَ الإمامُ أصحابَه وتلاميذَه طُرُقَ الاجتهادِ؛ لاستخراجِ الأحكامِ، والتمييزِ بين الصحيحِ والفاسدِ.
ومنها: أنَّ بعضَ أصحابِ الإمامِ وتلاميذه قد يؤديهم اجتهادُهم إلى رأي ضعيفٍ، ولا يتنبهون إلى ضعفِه، فإذا بيَّنَ الإمامُ اختيارَه تنبهوا إلى ضعفِ غيرِه
(6)
.
(1)
انظر: المحصول في علم أصول الفقه للرازي (5/ 391)، ونهاية الوصول للهندي (8/ 3635)، والإبهاج في شرح المنهاج (7/ 2705)، وتشنيف المسامع (3/ 480)، والبحر المحيط (6/ 120).
(2)
تهذيب الأجوبة (1/ 502).
(3)
نقل ابن حامد هذه المسألة في: المصدر السابق (1/ 500).
(4)
انظر: شرح اللمع (2/ 1078).
(5)
انظر: التلخيص في أصول الفقه للجويني (3/ 417).
(6)
انظر: شرح اللمع (2/ 1078).
القسم الثاني: الترجيح بين قولي إمام المذهب اللذين قالهما في وقتين.
إذا جاءَ عن إمامِ المذهبِ قولانِ متنافيانِ في مسألةٍ واحدةٍ، فإنَّ الخطوةَ الأُولى التي يقومُ بها المتمذهبُ هي الجمعُ بين قولي الإمامِ ما أمكن
(1)
- وذلك بحملِ المطلقِ على المقيّدِ أو العامِّ على الخاصِّ أو على اختلافِ الأحوالِ أو بحملِ المجمل على المبيّن، ونحو ذلك
(2)
- فإنْ لم يمكن الجمعُ، فلا يخلو الأمر من حالتين:
الحالة الأولى: أنْ يعلمَ تاريخَ قولي إمام المذهب، فيعلمَ قولَه المتقدِّم مِنْ قولِه المتأخرِ.
الحالة الثانية: أنْ لا يعلم تاريخَ قولي إمامِ المذهبِ، فلا يعلم قولَه المتقدِّم مِنْ قولِه المتأخرِ.
الحالة الأولى: أنْ يعلمَ تاريخَ قولي إمام المذهب، فيعلم قولَه المتقدِّم مِنْ قولِه المتأخرِ.
إذا قالَ إمامُ المذهبِ قولينِ متنافيينِ في مسألةٍ واحدةٍ في وقتين، وعُلِمَ التاريخُ، فتحدد لنا قوله المتقدِّم، وقوله المتأخر: فإنَّ القولَ المتأخر ينسب إليه، وهذا أمرٌ بيّنٌ لا يحتاجُ إلى إقامةِ الأدلةِ عليه.
وهلْ يُنسبُ إلى إمامِ المذهبِ القولُ المتقدِّم أيضًا؟ سواءٌ أصرَّحَ بالرجوعِ عنه، أم لم يصرِّحْ.
هذا محلُّ خلافٍ بين العلماءِ، ويظهرُ لي أنَّه لا خلافَ بينهم في نسبةِ
(1)
ذكر ابن حمدان في: صفة الفتوى (ص/ 85) أنَّه يصار إلى الجمع بين قولي الإمام إذا لم ينص على رجوعه، فإن نص فلا حاجة إلى الجمع. وما قاله وجيه.
(2)
انظر: تهذيب الأجوبة (2/ 848 وما بعدها)، وأدب القاضي للماوردي (1/ 668)، وصفة الفتوى (ص/ 86)، ولمع اللوامع لابن رسلان، القسم الثاني (2/ 466)، والتحبير (8/ 3959).
القولِ المتقدم له مقيَّدًا بأنَّه القديمُ أو المرجوعُ عنه؛ لأنَّه وصفٌ كاشفٌ عن حالةِ القولِ المتقدّمِ، ويكون المعنى: أنَّه كان قولًا له
(1)
.
ويحسنُ قبل ذكرِ أقوالِ العلماءِ في هذه الحالة التمثيلُ لها ببعضِ الأمثلةِ:
المثال الأول: ذَهَبَ الإمامُ الشافعي في القديمِ إلى المنعِ مِنْ بيعِ جلدِ الحيوانِ بعد دَبْغِه، وذَهَبَ في الجديد إلى جوازِ بيعِ الجلدِ المدبوغِ مِن الحيوانِ الطاهرِ في حالِ الحياةِ
(2)
.
المثال الثاني: ذَهَبَ الإمامُ أحمدُ إلى أنَّ ديةَ اليهودي والنصراني ثلثُ ديةِ المسلمِ، إلا أنَّه رَجَعَ عنه
(3)
، وقال: "كنتُ أذهبُ إلى أنَّ ديةَ اليهودي والنصراني أربعةُ آلاف، فأنا اليومَ أذهبُ إلى نصفِ ديةِ المسلمِ
…
"
(4)
.
المثال الثالث: يقول الإمامُ أحمدُ عمَّنْ صلَّى بالتيممِ، ثمَّ وَجَدَ الماءَ في أثناءِ الصلاةِ:"إذا رأى الماءَ في الصلاةِ يمضي فيها، ثم تبيّنت، فإذا الأخبارُ: إذا رأى الماءَ يخرجُ مِنْ صلاتِه"
(5)
.
(1)
انظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (4/ 201)، والبحر المحيط (6/ 123).
(2)
انظر: نهاية المطلب للجويني (2/ 22، 29).
(3)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى (2/ 282)، والمغني لابن قدامة (12/ 51).
(4)
مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح (3/ 172)، وانظر منها:(3/ 59).
(5)
نقل القاضي أبو يعلى في: العدة (5/ 1617) هذه المسألة عن الإمام أحمد. وانظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح (1/ 238)، والمغني لابن قدامة (1/ 347)، والإنصاف (1/ 298).
ولعل مقصود الإمام أحمد بالحديث الذي أشار إليه حديثَ أبي ذر رضي الله عنه، ولفظه:(إنَّ الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجده فلْيمسه بشره، فإنَّ ذلك خيرٌ)، وأخرجه: أبو داود في: سننه، كتاب: الطهارة، باب: الجنب يتيمم (ص / 58)، برقم (332)؛ والترمذي في: جامعه، كتاب: الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: التيمم للجنب إذا لم يجد الماء (ص/ 40)، برقم (124)، وقال:"حديث حسن صحيح". والنسائي في: المجتبى، كتاب: الطهارة، باب: الصلوات بتيمم واحد (ص/ 58)، برقم (322)، وليس فيه:(فإذا وجده فلْيمسه بشره، فإنَّ ذلك خير). وعبد الرزاق في: المصنف، كتاب: الطهارة، باب: الرجل يعزب عن الماء (1/ 238)، برقم (913)؛ وأحمد في: المسند (35/ 230)، =
• الأقوال في المسألة:
اختلفَ العلماءُ في نسبةِ القولِ المتقدِّم إلى إمامِ المذهب على أقوال، أشهرها:
القول الأول: لا يُنْسَبُ القولُ المتقدّمُ إلى إمامِ المذهبِ، ويُعَدُّ قولًا مرجوعًا عنه، سواءٌ أنصَّ على رجوعِه أم لم ينصَّ.
وهذا القولُ هو مذهبُ المالكيةِ
(1)
، والصحيحُ مِن مذهبِ الحنابلةِ
(2)
، وجعله ابنُ النجارِ الأصحَّ عندهم
(3)
.
وذَهَبَ إليه بعضُ المالكيةِ
(4)
،
= برقم (21304)، و (35/ 448)، برقم (21568)؛ وابن حبان في: صحيحه، كتاب: الطهارة، باب: التيمم (4/ 135 - 140)، بالأرقام (1311 - 1313)؛ والدارقطني في: السنن، كتاب: الطهارة، باب: في جواز التيمم لمن لم يجد الماء سنين كثيرة (1/ 344 - 347)، بالأرقام (721 - 725)؛ والحاكم في: المستدرك، كتاب: الطهارة (1/ 234)، برقم (627)، وقال:"هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي. والبيهقي في: السنن الكبرى، كتاب: الطهارة، باب: غسل الجنب ووضوء المحدث إذا وجد الماء بعد التيمم (1/ 220)؛ وفي: معرفة السنن والآثار، كتاب: الطهارة، باب: تيمم الجنب (2/ 31)، برقم (1634).
وقال ابن الملقن في: البدر المنير (2/ 650) عن الحديث: "حديثٌ جيدٌ".
ونقل ابنُ حجر في: التلخيص الحبير (1/ 416) أنَّ أبا حاتم الرازي صحح الحديث، ونقل في: فتح الباري (1/ 446) أنَّ الدارقطني صححه.
وصحح الحديثَ: النوويُّ في: المجموع شرح المهذب (2/ 220، 244)، والألبانيُّ في: إرواء الغليل (1/ 181).
ويشهد لحديث أبي رضي الله عنه حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر تخريج حديث أبي هريرة رضي الله عنه في: نصب الراية للزيلعي (1/ 149 - 150)، والبدر المنير لابن الملقن (2/ 656 - 657)، والتلخيص الحبير لابن حجر (1/ 416 - 417)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (ج 7/ ق 1/ 64).
(1)
انظر: نشر البنود (2/ 274).
(2)
انظر: التحبير (8/ 3960)، وتصحيح الفروع للمرداوي (1/ 41)، والإنصاف (12/ 241).
(3)
انظر: معونة أولي النهى (9/ 574).
(4)
انظر: تبصرة الحكام لابن فرحون (1/ 70)، والمعيار المعرب للونشريسي (10/ 45).
وبعضُ الشافعيةِ
(1)
، وبعضُ الحنابلةِ
(2)
.
ونَسَبَه المرداويُّ
(3)
، وابنُ النجار
(4)
إلى أكثرِ الحنابلةِ. ونَسَبَه صدرُ الدين السلمي إلى بعض المحققين
(5)
. ونَسَبَه القاضي أبو يعلى
(6)
، وابنُ حمدان
(7)
، وابنُ مفلحٍ
(8)
إلى الخلالِ، وصاحبِه: عبد العزيز.
واختاره جمعٌ مِن الأصوليين منهم: أبو الحسين البصري
(9)
، وأبو الطيبِ الطبري
(10)
، وأبو الحسنِ الماوردي
(11)
، والقاضي أبو يعلى
(12)
، وأبو إسحاقَ الشيرازي
(13)
، وإمامُ الحرمين الجويني
(14)
، وأبو المظفرِ السمعاني
(15)
، وأبو حامد الغزالي
(16)
، وابنُ بَرْهان
(17)
، ومحمد الأسمندي
(18)
، والفخرُ الرازي - ونصَّ على أنَّ الرجوعَ عن القولِ المتقدم هو الظاهرُ
(19)
- والموفقُ بنُ قدامة
(20)
، والآمديُّ
(21)
، وابنُ الصلاحِ
(22)
،
(1)
انظر: شرح اللمع (2/ 1077)، والعزيز شرح الوجيز للرافعي (2/ 158).
(2)
انظر: المسودة (2/ 941)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (4/ 370).
(3)
انظر: التحبير (8/ 3960)، والإنصاف (12/ 241).
(4)
انظر: شرح الكوكب المنير (4/ 494).
(5)
انظر: فرائد الفوائد (ص/ 75 - 76).
(6)
انظر: العدة (5/ 1618).
(7)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 86).
(8)
انظر: أصول الفقه (4/ 1508).
(9)
انظر: المعتمد (2/ 863).
(10)
انظر: المسودة (2/ 948 - 949)، والبحر المحيط (6/ 123).
(11)
أدب القاضي (1/ 671).
(12)
انظر: العدة (5/ 1617).
(13)
انظر: التبصرة (ص / 512، 514)، وشرح اللمع (2/ 1077).
(14)
انظر: التلخيص في أصول الفقه (3/ 417)، ونهاية المطلب (1/ 29).
(15)
انظر: قواطع الأدلة (5/ 63، 76، 85).
(16)
انظر: حقيقة القولين، منشور في: مجلة الجمعية الفقهية السعودية، العدد الثالث (ص/ 279).
(17)
: الوصول إلى الأصول (2/ 354).
(18)
انظر: بذل النظر (ص / 661).
(19)
انظر: المحصول في علم أصول الفقه (5/ 391).
(20)
انظر: روضة الناظر (3/ 1013).
(21)
انظر: الإحكام في أصول الأحكام (4/ 201).
(22)
انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 123).
وابنُ الحاجبِ - ونصَّ على أنَّ الرجوعَ عن القولِ المتقدم هو الظاهرُ
(1)
- وتاجُ الدّين الأرموي
(2)
، ومحيي الدّين النووي
(3)
، وسراجُ الدّين الأرموي - ونصَّ على أنَّ الرجوعَ عن القولِ المتقدمِ هو الظاهرُ
(4)
- وشهابُ الدّين القرافي
(5)
، والقاضي البيضاوي
(6)
، وابنُ حمدان
(7)
، وصفيُّ الدّين الهندي - ونصَّ على أنَّ الرجوعَ عن القولِ المتقدمِ هو الظاهرُ
(8)
- والطوفي
(9)
، وابنُ جزي المالكي
(10)
، والقاضي عضد الدّين الإيجي
(11)
- ونصَّ على أنَّ الرجوعَ عن القولِ المتقدم هو الظاهرُ
(12)
- وابنُ مفلحٍ
(13)
، وتاجُ الدين بنُ السبكي
(14)
، وجمالُ الدين الإسنوي
(15)
، وبدرُ الدين الزركشي
(16)
، وابنُ
(1)
انظر: مختصر منتهى السول (2/ 1227).
(2)
انظر: الحاصل من المحصول (2/ 966).
(3)
انظر: المجموع شرح المهذب (1/ 68).
(4)
انظر: التحصيل من المحصول (2/ 255).
(5)
انظر: شرح تنقيح الفصول (ص/418).
(6)
انظر: منهاج الوصول (7/ 2705) مع الإبهاج.
(7)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 86).
(8)
انظر: نهاية الوصول (8/ 3634).
(9)
انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 625، 646).
(10)
انظر: تقريب الوصول (ص/ 424).
(11)
هو: عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار الإيجي، عضد الدين، ولد بإيج من نواحي شيراز سنة 700 هـ تقريبًا - وقيل: بعد سنة 680 هـ - كان إمامًا في المعقولات، فقيهًا أصوليًا محققًا مدققًا متكلمًا، كريمًا جوادًا، شافعي المذهب، وقيل: إنه حنفي المذهب، وقد تولى القضاء والتدريس، وتخرج به تلامذة اشتهروا في الآفاق، مثل: شمس الدين الكرماني، وسعد الدين التفتازاني، من مؤلفاته: المواقف في علم الكلام، وشرح مختصر ابن الحاجب، والفوائد الغياثية، توفي سنة 753 هـ وقيل: 756 هـ. انظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (10/ 46)، وطبقات الشافعية للإسنوي (2/ 238)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 33)، والدرر الكامنة لابن حجر (2/ 322)، والدليل الشافي لابن تغري بردي (1/ 397)، وبغية الوعاة للسيوطي (2/ 75).
(12)
انظر: شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 299).
(13)
انظر: أصول الفقه (4/ 1508).
(14)
انظر: الإبهاج في شرح المنهاج (7/ 2707)، ورفع الحاجب (4/ 559).
(15)
انظر: نهاية السول (4/ 441).
(16)
انظر: تشنيف المسامع (3/ 479)، والبحر المحيط (6/ 120).
فرحون
(1)
، وتقيُّ الدين الحصني
(2)
، وابنُ الهمام الحنفي
(3)
، وابنُ أمير الحاج
(4)
، وأبو علي الشوشاوي
(5)
، وجلالُ الدين السيوطي
(6)
، وابنُ النجار
(7)
، وأمير باد شاه
(8)
، والشوكانيُّ
(9)
، وابنُ بدران
(10)
، ومحمد بخيت المطيعي
(11)
، ومحمد الأمين الشنقيطي
(12)
، والدكتور حسن مرعي
(13)
، والدكتور سيد الأفغاني
(14)
، والدكتور عياض السلمي
(15)
.
ومَنْ جَعَلَ قولَ إمامِ المذهب هو المتأخر في الظاهرِ، فالأقربُ أنَّه يعني حالةَ عدمِ نصِّ الإمامِ على رجوعِه، فلو نصَّ عليه، فقولُه المتأخرُ قطعًا
(16)
.
القول الثاني: يُنْسَبُ إلى إمامِ المذهبِ القولُ المتقدِّمُ.
وهذا قولُ بعضِ الشافعيةِ
(17)
، وبعضِ المالكيةِ
(18)
، وبعضِ الحنابلةِ
(19)
.
(1)
انظر: تبصرة الحكام (1/ 71).
(2)
انظر: القواعد (3/ 356).
(3)
انظر: التحرير (4/ 232) مع تيسير التحرير.
(4)
انظر: التقرير والتحبير (3/ 334).
(5)
انظر: رفع النقاب (5/ 479).
(6)
انظر: شرح الكوكب الساطع (4/ 57).
(7)
انظر: شرح الكوكب المنير (4/ 494)، ومعونة أولي النهى (9/ 574).
(8)
انظر: تيسير التحرير (4/ 232).
(9)
انظر: إرشاد الفحول (2/ 1075).
(10)
انظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد (ص/ 126).
(11)
انظر: سلم الوصول (4/ 441).
(12)
انظر: نثر الورود (2/ 590).
(13)
انظر: الاجتهاد في الشريعة الإسلامية (ص/ 143) ضمن بحوث: الاجتهاد في الشريعة الإسلامية.
(14)
انظر: الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه (ص/ 419).
(15)
انظر: تحرير المقال (ص/ 78).
(16)
انظر: البحر المحيط (6/ 123)
(17)
انظر: العزيز شرح الوجيز للرافعي (2/ 159).
(18)
انظر: جامع فتاوى الأحكام للبرزلي (1/ 105)، والمعيار المعرب للونشريسي (6/ 374)، و (10/ 468).
(19)
انظر: روضة الناظر (3/ 1013)، وأصول الفقه لابن مفلح (4/ 1508)، والفروع له (1/ 40)، والتحبير (8/ 3962)، وتصحيح الفروع للمرداوي (1/ 41)، والإنصاف (1/ 10)، و (12/ 241).
واختاره مجدُ الدّينِ بنُ تيمية؛ إذ يقول: "وقد تدبّرتُ كلامَهم - أيْ: علماء الحنابلة - فرأيتُه يقتضي أنْ يُقال بكونِهما مذهبًا له، وإنْ صرَّحَ - أي: الإمام أحمد - بالرجوعِ"
(1)
.
وبعضُ أرباب هذا القول قيَّدَ قولَه بأنْ لا يكونَ رجوعُ إمام المذهب عن قولِه؛ لنصٍّ، فإنْ كان رجوعُه للنصِّ القاطعِ، لم ننسب إليه قولَه المتقدِّمَ
(2)
.
القول الثالث: يُنْسَبُ إلى إمامِ المذهب القولُ المتقدِّم، إلا إذا صرَّح برجوعِه عنه، فلا ينسبُ إليه.
وهذا القولُ وجهٌ عند الشافعيةِ
(3)
. وذَهَبَ إليه بعضُ الشافعيةِ
(4)
، وبعضُ الحنابلةِ
(5)
.
واختاره صدرُ الدين السلمي
(6)
.
ونَسَبَه ابنُ حمدان
(7)
، والمرداويُّ
(8)
، وابنُ النجار
(9)
إلى الحسنِ بن حامد.
وظاهرُ قولِ الحسن بن حامد في موضعٍ مِنْ كتابِه: (تهذيب الأجوبة) أنَّه يقولُ بالقولِ الثاني
(10)
، لكنَّه قيَّدَ قولَه في آخرِ كتابِه، فبيَّنَ أنَّ ما صرَّحَ
(1)
المسودة (2/ 941). وانظر: التحبير (8/ 3962).
(2)
انظر: المعيار المعرب للونشريسي (10/ 468).
(3)
انظر: البحر المحيط (6/ 123).
(4)
انظر: التبصرة (ص / 514)، وشرح اللمع (2/ 1077)، وقواطع الأدلة (5/ 85)، والإبهاج في شرح المنهاج (7/ 2707)، وتشنيف المسامع (3/ 479)، والبحر المحيط (6/ 123)، وفرائد الفوائد للسلمي (ص/ 128).
(5)
انظر: المسودة (2/ 941)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (4/ 370)، وصفة الفتوى (ص/ 86)، والفروع لابن مفلح (1/ 40).
(6)
انظر: فرائد الفوائد (ص/ 129)، وقارن منه:(ص/ 76).
(7)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 86).
(8)
انظر: التحبير (8/ 3960)، وتصحيح الفروع (1/ 42).
(9)
انظر: شرح الكوكب المنير (4/ 494).
(10)
انظر: (1/ 551)، و (2/ 864).
الإمامُ أحمد برجوعِه عنه فليس قولَه
(1)
.
• أدلة الأقوال:
أدلةُ أصحابِ القولِ الأول: استدلَّ أصحابُ القولِ الأولِ بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: قياسُ تعارضِ قولي إمامِ المذهب - إذا عُلمَ المتأخرُ منهما مِن المتقدمِ - على نصوصِ النبي صلى الله عليه وسلم، فكما أَنَّه إذا تعارضَ نصانِ عنه صلى الله عليه وسلم أخذنا بالمتأخرِ منهما، وجعلناه ناسخًا للمتقدمِ، فكذا الأمرُ في أقوالِ إمامِ المذهبِ
(2)
.
الدليل الثاني: أنَّ قولَ إمامِ المذهبِ المتأخرِ معارضٌ لقولِه المتقدِّم وضدٌّ له، وإذا كانَ كذلك، فإنَّه يُعدُّ مبطلًا للمتقدِّمِ ومفسدًا له، فلا تجوزُ نسبتُه إليه، كما لو صرَّحَ بالرجوعِ عنه؛ إذ لا شيءَ أبلغ في الدلالةِ على رجوعِ الإمامِ عن قولِه مِنْ أنْ يقولَ بضدِّه
(3)
.
الدليل الثالث: أنَّ إمامَ المذهب عَدَلَ عن القولِ المتقدِّمِ إلى القولِ المتأخرِ؛ لتغيّرِ اجتهادِه، فلا ينسب إليهَ ما عَدَلَ عنه
(4)
.
الدليل الرابع: إذا قالَ إمامُ المذهب قولًا، كالإباحةِ مثلًا، ثمَّ عادَ فقالَ بالتحريمِ، فالظاهرُ أنَّه رَجَعَ عن قولِهَ المتقدِّمِ؛ لأنَّ الحقَّ عند الإمامِ
(1)
انظر: تهذيب الأجوبة (2/ 895 - 897).
(2)
انظر: المعتمد (2/ 863)، والتبصرة (ص / 514)، وشرح اللمع (2/ 1077)، وقواطع الأدلة (5/ 85)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (4/ 371)، والوصول إلى الأصول لابن برهان (2/ 354)، والمحصول في علم أصول الفقه للرازي (5/ 391)، والإحكام في أصول الاحكام للآمدي (4/ 201)، وأدب المفتي والمستفتي (ص/ 123)، وشرح مختصر الروضة (3/ 625)، وأصول الفقه لابن مفلح (4/ 1508)، وفرائد الفوائد للسلمي (ص/ 128).
(3)
انظر: المعتمد (2/ 863)، والتبصرة (ص / 514)، وشرح اللمع (2/ 1077).
(4)
انظر: قواطع الأدلة (5/ 76)، وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 299)، وإرشاد الفحول (2/ 1075).
واحدٌ، فلا يجوزُ أنْ يُنْسَبَ إليه القولُ المتقدِّمُ والقولُ المتأخرُ معًا
(1)
.
الدليل الخامس: (وهو دليل من قيَّد قوله بأنَّ الظاهر رجوع الإمام عن قوله): يُحْتَملُ أنْ يكونَ الراجحُ عند إمامِ المذهبِ هو القول المتقدم، ويكون إبداؤه للقولِ المتأخرِ على وجهِ الاحتمالِ في المسألةِ، وإنْ كان مرجوحًا عنده بالنسبةِ لقولِه المتقدِّمِ، ولذا قلنا: إنَّ القولَ المتأخرَ هو قوله في الظاهرِ؛ لهذا الاحتمالِ
(2)
.
أدلةُ أصحابِ القول الثاني: استدلَّ أصحابُ القول الثاني بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: أنَّ قولَ إمامِ المذهبِ المتقدِّم صَدَرَ عن اجتهادٍ، وقولَه المتأخر صَدَرَ عن اجتهادٍ أيضًا، والقاعدةُ المشهورةُ: أنَّ الاجتهادَ لا يُنْقَضُ بالاجتهادِ، فلا نُبْطِلُ الاجتهادَ الأولَ بالاجتهادِ الثاني
(3)
.
مناقشة الدليل الأول، نوقش الدليل من وجهين:
الوجه الأول: ما الذي تريدونه بقاعدةِ: الاجتهادُ لا يُنْقَضُ بالاجتهادِ؟
إنْ أردتم أنَّ إمامَ المذهب لا يتركُ ما أداه إليه اجتهادُه الأولُ باجتهادِه الثاني، فهو باطلٌ قطعًا، فإنَّا نعلمُ أنَّ المفتي مثلًا إذا أفتى في مسألةٍ بحكمٍ، ثمَّ تغيَّرَ اجتهادُه، لم يجزْ له الفتوى بقولِه الأولِ
(4)
.
وإنْ أردتم أنَّ حكمَ القاضي لا يُنْقَضُ إذا تغيَّرَ اجتهادُه - وهذا هو محلُّ القاعدةِ، فإذا حَكَمَ القاضي بحكمٍ بطريقِ الاجتهادِ، ثمَّ تغيَّرَ قولُه، وصارَ إلى قولٍ آخر عن طريقِ الاجتهادِ، فإنَّه لا يُنْقَضُ الحكمُ الأولُ الذي
(1)
انظر: التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (4/ 371)، وروضة الناظر (3/ 1013).
(2)
انظر: نهاية الوصول للهندي (8/ 3634).
(3)
انظر: روضة الناظر (3/ 1013)، وشرح مختصر الروضة (3/ 647)، وأصول الفقه لابن مفلح (4/ 1508)، والتحبير (8/ 3962)، والإنصاف (1/ 10، 299).
(4)
انظر: روضة الناظر (3/ 1014).
بناه على رأيه الذي رَجَعَ عنه؛ وذلك لمصلحةِ استقرارِ الأحكام، ولذا لا يسوغُ للقاضي نقضُ حُكْم مَنْ قبله إذا خالفه - فليست هذه المسَألةُ نظيرةً لمسألتِنا؛ فإنَّ مسألتنا في قولِ إمامِ المذهبِ، ولا تعلق فيها بحقِّ أحدٍ، فإذا قالَ الإمامُ شيئًا، ثمَّ عادَ، فقالَ بضدِّه مثلًا، علمنا أنَّه تبيّنَ له ضعفُ قولِه الأول، وقوة القول الثاني، فنسبناه إليه
(1)
.
الوجه الثاني: يَنْقضُ دليلَكم ما لو صرَّحَ إمامُ المذهبِ بالرجوعِ عن قولِه المتقدِّمِ، فكيفَ تجعلونه قولًا له مع قولِه: رجعتُ عنه، واعتقدتُ بطلانَه؟ ! فلا بُدَّ مِن نقضِ الاجتهادِ بالاجتهاد
(2)
.
الدليل الثاني: تَتَابَعَ الفقهاءُ مِن المذاهب المختلفةِ على حكايةِ أقوالِ أئمتِهم التي عَلِمُوا تقدّمها، ورجوعهم عنها، ولولا صحةُ نسبتِها إليهم لما أبقوها، ولاقتصروا على أقوالِهم اللاحقة
(3)
، بلْ قد ثَبَتَ عن بعضِ الفقهاءِ الأخذُ بأقوالِ أئمتِهم المرجوعِ عنها
(4)
.
مناقشة الدليل الثاني: المفترضُ أنْ لا تُدوَّن الأقوال المرجوع عنها؛ لأنَّه أقرب إلى ضبطِ الشرعِ، وتدوينُ الفقهاءِ لها ليس بدليلٍ على صحةِ نسبتِها إليهم؛ بلْ لتدوينِها فوائدُ متعددةٌ تتحققُ مع عدمِ نسبةِ الأقوالِ المتقدِّمةِ إلى الأئمةِ، ومِنْ تلك الفوائد: الاطلاعُ على مداركِ الأحكامِ، ومعرفةُ اختلافِ الآراء، وأنَّ هذا القولَ كانَ لإمامِ المذهب في وقتٍ مِن الأوقاتِ، فيكون أقربَ للترقي في الاجتهادِ، وهذه مطالبَ مهمّةٌ، لأجلها جُمِعَتْ الأقوال في المذاهبِ
(5)
.
(1)
انظر: التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (4/ 371 - 372)، وروضة الناظر (3/ 1014).
(2)
انظر: روضة الناظر (3/ 1014)، وشرح مختصر الروضة (3/ 648)، وأصول الفقه لابن مفلح (4/ 1508)، والتحبير (8/ 3962)، والإنصاف (1/ 10).
(3)
انظر: شرح تنقيح الفصول (ص / 419)، ونهاية الوصول للهندي (8/ 3636)، وشرح مختصر الروضة (3/ 626)، وفرائد الفوائد للسلمي (ص/ 129).
(4)
انظر: جامع مسائل الأحكام للبرزلي (1/ 105).
(5)
انظر: شرح تنقيح الفصول (ص / 419)، ونهاية الوصول للهندي (8/ 3636)، وشرح مختصر الروضة (3/ 626).
وعملُ الفقهاءِ ليس بحجةٍ، ولا سيما أنَّ الإجماعَ منتفٍ عن عملِهم، ولعل أخذَ المتمذهبِ للقولِ المتقدمِ لإمامِه؛ لرجحانِه عنده، لا لكونِه قولًا لإمامِه تصحُّ نسبته إليه.
الدليل الثالث: أنَّ قولَ إمامِ المذهب المتقدّم وقولَه المتأخرَ كانا في وقتين، وليس هذا فاسدًا، ولا تقصير فيهَ ولا شبهة؛ إذ كلا القولين صَدَرَ عن اجتهادٍ تامٍّ، وعلمنا أنَّه قولُه، وإذا كانَ ذلك كذلك، نسبنا إلى الإمامِ كلَّ ما جاءَ عنه
(1)
.
أدلةُ أصحاب القول الثالث: استدلَّ أصحابُ القول الثالث بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: إذا جازَ لإمامِ المذهبِ أنْ يجمع في مسألةٍ واحدةٍ بين قولين مختلفين في وقتٍ واحدٍ، ويكونانِ قولينِ له، فكذلك إذا ذَكَرَ القولينِ في وقتينِ، فإنَّهما يُنسبانِ إليه
(2)
.
مناقشة الدليل الأول: لو فرضنا جوازَ نسبةِ القولين اللذين ذَكَرَهما إمامُ المذهبِ في وقتٍ واحدٍ، فهناك فرقٌ بين هذه الحالة، وحالة ما إذا ذَكَرَ القولينَ في وقتين، وبيان هذا: أنَّه لا يمكنُ جعلُ أحدِ القولين اللذين ذَكَرَهما إمامُ المذهب في وقتٍ واحدٍ مرجوعًا عنه؛ إذ ليس أحدُهما أولى مِن الآخرِ - ولذا قلنَا: إنَّه متوقفٌ في المسألةِ - أمَّا مسألتنا فقد ذَكَرَ قولًا بعدَ الآخر، فأمكنَ القولُ بأنَّه قد رَجَعَ عنه.
ويؤكّدُ هذا الأمر: أنَّا لو فرضنا أنَّ الشارع ذَكَرَ قولين مختلفين في وقتٍ واحدٍ، لم نجعلْ أحدَهما ناسخًا للآخر، ولو ذَكَرَ قولين مختلفين في وقتين لجعلنا الثاني ناسخًا للأولِ
(3)
.
(1)
انظر: تهذيب الأجوبة (1/ 553)، والإنصاف (1/ 10).
(2)
انظر: التبصرة (ص / 514)، وشرح اللمع (2/ 1078).
(3)
انظر: المصدرين السابقين.
الدليل الثاني: أنَّ القولَ المتقدِّمَ الذي ذَهَبَ إليه إمامُ المذهبِ صَدَرَ عن اجتهادٍ، والقولَ المتأخر صَدَرَ عن اجتهادٍ أيضًا، والقاعدة المشهورة: أنَّ الاجتهادَ لا ينقض بالاجتهاد، فلا نُبْطِلُ الاجتهادَ الأولَ بالاجتهادِ الثاني
(1)
.
مناقشة الدليل الثاني: سبقت مناقشة الدليلِ الثاني في أدلةِ أصحابِ القولِ الثاني.
الدليل الثالث: إذا عُلِمَ رجوعُ إمامِ المذهبِ عن قولِه السابقِ كان في حكم المنسوخِ، أمَّا إذا لم يصرِّحْ برجوعِه فلا تصحُّ دعوى النسخِ، وإنسب القولُ المتأخرُ حينئذٍ إليه
(2)
.
ويمكن أن يناقش الدليل الثالث: بأنَّ تصريحَ إمامِ المذهبِ بالرجوعِ عن قولِه ليس الطريقَ الوحيدَ في الدلالةِ على الرجوعِ، فقد يكون الرجوعُ بالذهابِ إلى ضدِّ القولِ السابقِ، فقَصْرُ معرفةِ الرجوعِ على ما صرَّحَ به الإمامُ غيرُ وجيهٍ.
• الموازنة والترجيح:
بتأمّلِ المسألةِ وما وَرَدَ فيها مِنْ أقوال، وما استدلوا به، يظهرُ لي رجحانُ القولِ الأولِ القائلِ بعدمِ نسبةِ القولِ المتقدمِ إلى إمامِ المذهبِ، ويُعَدُّ قولًا مرجوعًا عنه، سواءٌ أنصَّ على رجوعِه أم لم ينصَّ، ولا بُدَّ مِنْ بيانِ الآتي:
أولًا: إذا صرَّحَ إمامُ المذهب بالرجوعِ، أو عُلِمَ رجوعُه، فلا يُنسبُ إليه القولُ المتقدِّمُ قطعًا
(3)
، إلا عَلى سبيلِ الحكايةِ أنَّه قالَ به في وقتٍ
(1)
انظر: التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (4/ 371)، فقد ساق الدليل لأرباب القول الثالث.
(2)
انظر: تحرير المقال للدكتور عياض السلمي (ص/ 77)، وقد صرَّح أنه استدل بالدليل الثالث لأرباب هذا القول.
(3)
انظر البحر المحيط (6/ 120)
سابقٍ؛ وذلك للعلمِ بتركِ القولِ المتقدِّمِ، فالقولُ بنسبتِه إليه قولٌ ضعيفٌ.
ثانيًا: إذا لم يصرِّحْ إمامُ المذهب بالرجوعِ عن قولِه، ولم يُعْلَم رجوعُه، فالظاهر رجوعُه عن قولِه المتقدِّمِ، ولا يُقْطَع بذلك؛ للاحتمالِ الذي أشارَ إليه بعضُ أصحابِ القولِ الأولِ في الدليلِ الخامسِ.
وقد رجّحتُ ما سَبَقَ؛ للآتي:
الأول: قوةُ أدلةِ أصحابِ القولِ الأولِ.
الثاني: تتابُع المحققين مِنْ أهلِ العلمِ على القولِ الأولِ.
الثالث: عدمُ وجاهةِ أدلةِ أصحاب القولين: الثاني والثالث.
• نوع الخلاف:
الخلافُ بين الأقوالِ خلافٌ معنوي، وقد أشارَ بعضُ الأصوليين إلى المسائلِ الأصوليةِ التي تترتب على الخلافِ، فمنها:
المسألة الأولى: حكمُ الفتوى بقولِ إمامِ المذهبِ المتقدِّمِ؟
(1)
.
مَنْ قال بعدمِ نسبةِ القولِ المتقدِّمِ إلى إمامِ المذهبِ (وهم أصحابُ القولِ الأولِ)، فإنَّهم لا يجوِّزون الفتوى به.
ومَنْ قالَ بنسبةِ القولِ المتقدِّمِ إلى إمامِ المذهبِ (وهم أصحابُ القولِ الثاني)، فإنَّهم يجوِّزون الفتوى به.
ومَنْ قالَ بالتفصيلِ في المسألةِ (وهم أصحاب القول الثالث)، فإنَّهم لا يجوِّزون الفتوى بالقولِ المتقدِّمِ لإمامِ المذهبِ إذا صرَّحَ بالرجوعِ عنه، ويجوِّزون الفتوى به إذا لم يُصرِّحْ بالرجوعِ عنه.
(1)
انظر: شرح تنقيح الفصول (ص / 419)، ونهاية الوصول للهندي (8/ 3636)، وشرح مختصر الروضة (3/ 625)، وتبصرة الحكام لابن فرحون (1/ 74)، والمعيار المعرب للونشريسي (10/ 368)، ونشر البنود (2/ 274).
المسألة الثانية: حكمُ تقليدِ إمامِ المذهبِ في قولِه المتقدِّمِ؟
(1)
.
مَنْ قالَ بعدمِ نسبةِ القولِ المتقدِّمِ إلى إمامِ المذهبِ (وهم أصحاب القولِ الأولِ)، فإنَّهم لا يجوِّزون تقليدَ الإمامِ فيه.
ومَنْ قالَ بنسبةِ القولِ المتقدِّمِ إلى إمامِ المذهبِ (وهم أصحابُ القولِ الثاني)، فإنَّهم يجوِّزون تقليدَ الإمامِ فيه.
ومَنْ قالَ بالتفصيلِ في المسألةِ (وهم أصحابُ القول الثالث)، فإنَّهم لا يُجوِّزون تقليدَ الإمامِ في قولِه المتقدِّم الذي صرَّحَ بالرجوعِ عنه، ويُجوِّزون تقليدَه في قولِه المتقدِّمِ الذي لم يصرَّحْ بالرجوعِ عنه.
المسألة الثالثة: إذا عَلِمَ المستفتي بتغيّرِ قولِ المفتي، فهلْ له الاستمرارُ على قولِ المفتي؟
(2)
.
مقتضى قولِ مَنْ قالَ بعدمِ نسبةِ القولِ المتقدِّمِ إلى إمامِ المذهب (وهم أصحابُ القولِ الأولِ)، أنَّهم يرونَ عدمَ بقاءِ المستفتي على القولِ المَتقدِّم.
ومقتضى قولِ مَنْ قالَ بنسبةِ القولِ المتقدِّمِ إلى إمامِ المذهب (وهم أصحابُ القولِ الثاني)، أنَّهم يرون أنَّ للمستفتي البقاءَ على القولِ المَتقدِّمِ.
ومَنْ قالَ بالتفصيلِ في المسألة (وهم أصحابُ القولِ الثالثِ)، فمقتضى قولِهم أنَّهم لا يرون للمستفتي البقاءَ على قولِ إمامِ المذهبِ المتقدِّم الذي صرَّحَ بالرجوعِ عنه، ويرون له البقاء على قولِ الإمامِ إذا لم يصرحْ بالرجوعِ عنه.
المسألة الرابعة: هل يُعدُّ الأخذُ بقولِ إمامِ المذهبِ المتقدِّمِ خروجًا عن المذهبِ؟
(3)
.
(1)
انظر: شرح تنقيح الفصول (ص / 419)، وشرح مختصر الروضة (3/ 625)، والمعيار المعرب للونشريسي (10/ 368)، ونشر البنود (2/ 274).
(2)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 86)، ورفع الحاجب (2/ 255).
(3)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 86).
مَنْ قال بعدمِ نسبةِ القولِ المتقدِّمِ إلى إمامِ المذهبِ (وهم أصحابُ القولِ الأولِ)، فإنَّهم يعدونه الآخذَ به خارجًا عن مذهبِ الإمامِ.
ومَنْ قال بنسبةِ القولِ المتقدِّمِ إلى إمامِ المذهبِ (وهم أصحابُ القولِ الثاني)، فإنَّهم لا يَعُدّون الآخذَ به خارجًا عن مذهبِ الإمامِ.
ومَنْ قالَ بالتفصيلِ في المسألةِ (وهم أصحابُ القولِ الثالثِ)، فإنَّهم يَعُدّون الآخذَ بقولِ الإمامِ المتقدمِ الذي صرَّحَ بالرجوعِ عنه خارجًا عن مذهبِ الإمامِ، ولا يَعُدّونه خارجًا عن مذهبِه إنْ أخذ بالقولِ الذي لم يصرِّحْ بالرجوعِ عنه.
المسألة الخامسة: هل يُعدُّ قول إمامِ المذهبِ المتقدمِ مِن الشريعةِ؟
(1)
.
مَنْ قالَ بعدمِ نسبةِ القولِ المتقدِّم إلى إمامِ المذهبِ (وهم أصحابُ القولِ الأولِ)، فإنَّهم لا يَعُدّون القولَ المتقدِّم مِن الشريعةِ.
ومَنْ قالَ بنسبةِ القولِ المتقدِّمِ إلى إمامِ المذهبِ (وهم أصحابُ القولِ الثاني)، فإنَّهم يعدون القولَ المتقدِّم مِن الشريعةِ.
ومَنْ قالَ بالتفصيلِ في المسألةِ (وهم أصحابُ القولِ الثالثِ)، فإنَّهم لا يَعُدّون قولَ إمام المذهب المتقدِّم الذي صرَّحَ بالرجوعِ عنه مِن الشريعةِ، ويَعُدّون قولَه المتقدِّم الذي لَم يصرَّحْ بالرجوعِ عنه مِن الشريعةِ.
المسألة السادسة: هلْ للمتمذهبِ أنْ يُفرِّعَ، ويقيسَ على القولِ المتقدِّمِ لإمامِه، على القولِ بأنَّ ما قيسَ على كلامِ الإمامِ هو مذهبُه؟
(2)
.
مَنْ قالَ بعدمِ نسبةِ القولِ المتقدِّمِ إلى إمامِ المذهبِ (وهم أصحابُ القولِ الأولِ)، فإنَّهم لا يجوِّزون التفريعَ عليه، ولا القياسَ عليه أيضًا.
(1)
انظر: شرح تنقيح الفصول (ص / 419)، وشرح مختصر الروضة (3/ 625).
(2)
انظر: العزيز شرح الوجيز للرافعي (2/ 159)، وصفة الفتوى (ص/ 86)، وفرائد الفوائد للسلمى (ص/ 129)، والإنصاف (1/ 10).
ومَنْ قالَ بنسبةِ القولِ المتقدِّمِ إلى إمامِ المذهبِ (وهم أصحابُ القولِ الثاني)، فإنَّهم يجوّزون التفريعَ عليه، والقياسَ عليه أيضًا.
ومَنْ قالَ بالتفصيلِ في المسألةِ (وهم أصحابُ القولِ الثالثِ)، فإنَّهم لا يجوِّزونَ التفريعَ على قولِ إمام المذهب المتقدِّمِ الذي صرَّحَ بالرجوعِ عنه، ولا القياسَ عليه أيضًا، ويجوزون التفَريعَ والقياسَ عليه إنْ لم يُصرحْ الإمامُ بالرجوعِ عنه.
المسألة السابعة: إذا خالفَ إمامُ المذهبُ علماءَ عصرِه، ثمَّ قالَ بموافقتهم، فهلْ ينعقدُ الإجماعُ في هذه الحالةِ؟
(1)
.
مقتضى قولِ مَنْ قالَ بعدمِ نسبةِ القولِ المتقدِّمِ إلى إمامِ المذهبِ (وهم أصحابُ القولِ الأولِ) أنَّ الإجماعَ ينعقدُ؛ لانتفاءِ المخالفِ.
ومقتضى قولِ مَنْ قالَ بنسبةِ القولِ المتقدِّمِ إلى إمامِ المذهبِ (وهم أصحابُ القولِ الثاني) أنَّ الإجماعَ لا ينعقدُ؛ لبقاءِ المخالفِ.
ومَنْ قال بالتفصيل في المسألةِ (وهم أصحابُ القولِ الثالثِ)، فمقتضى قولِهم أنَّ الإجماعَ ينعقدُ إذا صرَّحَ إمامُ المذهبِ بالرجوعِ عن قولِه، ولا ينعقد الإجماعُ إذا لم يُصرِّح الإمامُ بالرجوعِ عن قولِه.
الحالة الثانية: أنْ لا يعلم تاريخ قولي الإمام، فلا يعلم قوله المتقدِّم مِنْ قولِه المتأخر.
إذا جاءَ عن إمامِ المذهبِ قولانِ مختلفانِ في مسألةٍ واحدةٍ في وقتين، ولم يمكنْ معرفةُ المتقدّمِ منهما مِن المتأخرِ؛ إمَّا للجهل بالتاريخِ، وإمَّا لنسيانِ المتمذهبِ تحديد قولِ إمامِه المتأخر
(2)
، فما القولُ الذي يُنسبُ إلى إمامِ المذهبِ في هذه الحالةِ؟
(1)
انظر: شرح عقود رسم المفتي لابن عابدين (ص/77).
(2)
انظر: سلم الوصول لمحمد المطيعي (4/ 441).
وقبلَ الخوضِ في حكمِ الحالةِ الثانية، أُحِبُّ أنْ أشير إلى أمرين:
الأمر الأول: ظَهَرَ لي أنَّ اهتمامَ العلماءِ بإقامةِ الأدلةِ على الحالةِ الثانيةِ أقلُّ مِن الحالةِ الأولى.
الأمر الثاني: ألحقَ بعضُ العلماءِ بالحالةِ الثانيةِ: ما إذا عُلِمَ تاريخُ أحد القولين، وجُهِلَ تاريخُ القولِ الآخرِ
(1)
، وهذا الإلحاق هو الأصحُّ عند الحنابلةِ
(2)
.
وقبلَ ذكرِ الأقوالِ في الحالةِ الثانية سأذكرُ أمثلةً لها:
المثال الأول: جاءَ عن الإمامِ أحمدَ بن حنبل في نقضِ الوضوءِ بمسِّ الذَّكَرِ ثلاثُ رواياتِ: الرواية الأولى: أنَّ مسَّ الذَّكَرِ ناقضٌ، والرواية الثانية: أنَّ مسَّ الذَّكَرِ غيرُ ناقضٍ، والرواية الثالثة: أنَّ مسَّ الذَّكَرِ ناقضٌ إنْ قَصدَ مسَّه
(3)
.
المثال الثاني: اختلفَ قولُ الإمام مالكٍ في حكمِ المسحِ على الجُرْمُوق
(4)
، فأجازه مرةً، ومنعه مرةُ أخرى
(5)
.
المثال الثالث: جاء في: (المدونة)
(6)
: "وقد اختلفَ قولُ مالكٍ في صعودِ المؤذنِ المعتكفِ المنارةَ، فقالَ مرةً: لا. ومرةً قالَ: نعم".
• الأقوال في المسألة:
اختلفَ العلماءُ في تحديدِ القولِ الذي يُنسبُ إلى إمامِ المذهبِ في
(1)
انظر: شرح الكوكب الساطع للسيوطي (4/ 57)، وحاشية زكريا الأنصاري على شرح المحلي على جمع الجوامع (4/ 51)، والآيات الينات للعبادي (4/ 280).
(2)
انظر: معونة أولي النهى للفتوحي (9/ 575).
(3)
انظر: المغني لابن قدامة (1/ 240)، والإنصاف (1/ 202).
(4)
الجُرْمُوق - كعصفور -: لفظ أعجمي معرَّب، وهو ما يلبس فوق الخف، وجمعه: جراميق.
انظر: المجموع شرح المهذب للنووي (1/ 503)، والمصباح المنير للفيومي، مادة:(جرم)، (ص/ 89)، والقاموس المحيط، مادة:(جرم)، (ص/ 1125).
(5)
انظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي (1/ 175).
(6)
انظر: (1/ 230).
الحالةِ الثانيةِ على أقوال، أشهرها:
القول الأول: ننسبُ إلى إمامِ المذهبِ القولَ الأشبهَ بأصولِه وقواعدِ مذهبِه، ونكون شاكين في قولِه الثاني.
وهذا القولُ هو الصحيحُ في مذهبِ الحنابلةِ
(1)
. وهو قولُ بعضِ المالكيةِ
(2)
، وبعضِ الحنابلةِ
(3)
. ونَسَبَه صدرُ الدّين السلمي إلى بعضِ المحققين
(4)
.
وذَهَبَ إليه جمعُ مِن العلماءِ، منهم: أبو المظفرِ السمعاني
(5)
، وأبو الخطابِ
(6)
، وابنُ بَرْهان - إذ عمَّم بأنَّ منتحلي مذهب الإمام الشافعي يجتهدون بالأشبهِ مِن أقوالِه عند اختلافِها بمذهبِه
(7)
- والموفقُ بنُ قدامة
(8)
، وابنُ الصلاحِ
(9)
، وابنُ حمدان
(10)
، والطوفيُّ
(11)
، وهو ظاهر قولِ تقيّ الدين بنِ تيمية - إذ نَقَلَ كلامَ ابنِ حمدان
(12)
وابنِ الصلاحِ
(13)
دونَ تعقبهما - وهو قولُ ابنِ مفلحٍ في كتابه: (الفروع)
(14)
، وابنِ فرحون
(15)
، وتقيّ الدين الحصني
(16)
، والمرداوي
(17)
، وجلالٍ الدين السيوطي
(18)
،
(1)
انظر: التحبير (8/ 3959).
(2)
انظر: تبصرة الحكام لابن فرحون (1/ 71)، والمعيار المعرب للونشريسي (11/ 367).
(3)
انظر: المسودة (2/ 941)، وابن حنبل - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ 178).
(4)
انظر: فرائد الفوائد (ص/ 75 - 76).
(5)
انظر: قواطع الأدلة (5/ 76).
(6)
انظر: التمهيد في أصول الفقه (4/ 370).
(7)
انظر: الوصول إلى الأصول (2/ 356).
(8)
انظر: روضة الناظر (3/ 1013).
(9)
انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 123).
(10)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 87).
(11)
انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 647).
(12)
انظر: المسودة (2/ 942 - 943).
(13)
انظر: المصدر السابق (2/ 952 - 954).
(14)
انظر: (1/ 41).
(15)
انظر: تبصرة الحكام (1/ 71).
(16)
انظر: القواعد (3/ 356).
(17)
: التحبير (8/ 3959)، والإنصاف (12/ 242).
(18)
انظر: شرح الكوكب الساطع (4/ 58).
وابنِ النجار
(1)
، وابنِ بدران
(2)
.
وبعضُ أرباب هذا القولِ - كأبي الخطاب، والموفقِ بنِ قدامة، والطوفي - جعلوا مِن المرجحات للقولِ كونَه أقربَ إلى الحجةِ الشرعيةِ مِن الكتابِ والسنةِ.
بلْ إنَّ ابنَ حمدان أكثر مِنْ ذكرِ المرجِّحات، فجَعَلَ منها إضافةً إلى ما سَبَقَ: ما كان أقرب إلى الإجماعِ، أو الآثارِ، أو عوائد إمامِ المذهبِ ومقاصدِه وتصرفاتِه
(3)
.
ونصَّ ابنُ الصلاحِ
(4)
، وابنُ حمدان
(5)
، وجلالُ الدين السيوطي
(6)
على التوقف عند عدمِ إمكانِ الترجيحِ بين قولي إمامِ المذهبِ.
ومقتضى إطلاقِ القائلين بالقولِ الأولِ أنَّهم يوافقونهم على التوقفِ عن الترجيحِ إذا لم يتمكن المتمذهبُ منه.
ولعل مقصدَ أرباب هذا القول بالشكِّ في القولِ الثاني هو الشكّ في بقاءِ إمامِ المذهبِ على القولِ به، لا أنَّهم يشكون في نسبتِه إليه؛ لثبوتِ النقلِ عنه.
ويمكنُ أنْ يُلْحَقَ بأربابِ هذا القولِ مَنْ ذَهَبَ إلى الترجيحِ بين القولين باعتمادِ المتمذهب على ما يشهدُ له به قلبُه باعتبارِ ما ظَهَرَ عنده مِن الأماراتِ الدالةِ على كونِه أقربَ إلى الصوابِ.
(1)
انظر: شرح الكوكب المنير (4/ 495).
(2)
انظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد (ص/ 127).
(3)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 87). ووافق ابنَ حمدان عددٌ من الحنابلة. انظر: المسودة (2/ 943 - 942)، والتحبير (8/ 3959)، والإنصاف (12/ 242)، ومعونة أولي النهى للمرداوي (9/ 574).
(4)
انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 123 - 124).
(5)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 87)، ومعونة أولي النهى للمرداوي (9/ 574).
(6)
انظر: شرح الكوكب الساطع (4/ 58).
وقد ذَهَبَ إلى هذا القولِ: ابنُ الهمام الحنفي
(1)
، وأمير باد شاه
(2)
.
القول الثاني: نَنسبُ القولين إلى إمامِ المذهبِ، ولا نحكمُ برجوعِه عن أحدِهما بعينِه.
وهذا القولُ هو ظاهرُ إطلاقِ الحسنِ بن حامد
(3)
، وهو قولُ القاضي أبي يعلى
(4)
، والفخرِ الرازي
(5)
، وتاجِ الدين الأرموي
(6)
، وسراجِ الدين الأرموي
(7)
، والقاضي البيضاوي
(8)
، وشهابِ الدين القرافي - ونصَّ على عدمِ جوازِ العملِ بأحدِ القولين
(9)
- وصفيّ الدين الهندي - ونصَّ على عدمِ جوازِ العملِ بأحدِ القولين حتى يتبينَ التاريخُ
(10)
- وابنِ جزي المالكي
(11)
، وابنِ مفلحٍ في كتابِه:(أصول الفقه)
(12)
، وتاجِ الدين بنِ السبكي
(13)
، وجمالِ الدين الإسنوي
(14)
، وبدرِ الدين الزركشيّ - ونصَّ على عدمِ جوازِ العملِ بأحدِ القولين حتى يتبيّن التاريخُ
(15)
- وابنِ رسلان الرملي
(16)
، وابنِ أمير الحاج
(17)
، وأبي علي الشوشاوي
(18)
، ومحمد بخيت المطيعي
(19)
.
ومحصّل هذا القول هو التوقف عن تعيينِ القولِ الذي رَجَعَ عنه إمامُ المذهبِ
(20)
.
(1)
انظر: التحرير (4/ 232) مع شرحه تيسير التحرير.
(2)
انظر: تيسير التحرير (4/ 232).
(3)
انظر: تهذيب الأجوبة (1/ 551).
(4)
انظر: العدة (5/ 1617)، وابن حنبل - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ 177).
(5)
انظر: المحصول في علم وأصول الفقه (5/ 391).
(6)
انظر: الحاصل من المحصول (2/ 966).
(7)
انظر: التحصيل من المحصول (2/ 255).
(8)
انظر: منهاج الوصول (7/ 2705) مع الإبهاج.
(9)
انظر: شرح تنقيح الفصول (ص/418 - 419).
(10)
انظر: نهاية الوصول (8/ 3634).
(11)
انظر: تقريب الوصول (ص/ 424).
(12)
انظر: (4/ 1507).
(13)
انظر: الإبهاج في شرح المنهاج (7/ 2708).
(14)
انظر: نهاية السول (4/ 440).
(15)
انظر: تشنيف المسامع (4/ 479)، والبحر المحيط (6/ 124).
(16)
انظر: لمع اللوامع، القسم الثاني (2/ 466).
(17)
انظر: التقرير والتحبير (3/ 334).
(18)
انظر: رفع النقاب (5/ 480).
(19)
انظر: سلم الوصول (4/ 441).
(20)
انظر: البحر المحيط (6/ 124).
ومَنْ قالَ في الحالةِ الأولى: (إذا علم تاريخ قولي الإمام) بنسبةِ كلا القولين إلى إمامِ المذهبِ، فمِنْ بابٍ أولى أنْ يقولَ بنسبةِ كلا القولين إلى إمامِ المذهبِ في الحالةِ الثانيةِ
(1)
.
القول الثالث: نعتقدُ نسبةَ أحدِ القولين إلى إمامِ المذهب، ورجوعه عن القولِ الآخر، دونَ تعيين أحدِهما.
وهذا قولُ الآمدي
(2)
، ونصَّ على امتناع العملِ بأحدِ القولين
(3)
، وتَبعَ أبو زكريا الرهوني الآمديَّ في منعِ العملِ بأحدِ قولي إمامِ المذهبِ
(4)
. واختارَ هذا القولَ الدكتور عياضٌ السلمي
(5)
.
ومحصّل القول الثالث هو التوقّفُ في نسبةِ أحدِ القولين إلى إمامِ المذهبِ، ورجوعه عن الآخر.
• أدلة الأقوال:
أدلةُ أصحابِ القولِ الأولِ: استدلَّ أصحابُ القولِ الأولِ بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: قياسُ أقوالِ إمامِ المذهبِ إذا تعارضتْ، فلم يُعْرَفْ المتقدِّمُ منها على أقوالِ النبي صلى الله عليه وسلم، فكما أنَّ المجتهدَ يجتهدُ في أقوالِ النبي صلى الله عليه وسلم إذا تعارضتْ، ولم يَعْلم المتقدِّمَ منها، فإنَّه يأخذُ بأقربِها إلى شرعِ الله ودينه، فكذا أتباعُ إمامِ المذهبِ، يجتهدون في معرفةِ الراجحِ مِنْ أقوالِه المتعارضةِ بترجيحِ ما كان أقرب منها إلى أصولِ إمامِ المذهبِ وقواعدِه
(6)
.
(1)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 87)، والإنصاف (12/ 242).
(2)
انظر: الإحكام في أصول الإحكام (4/ 201).
(3)
انظر: المصدر السابق.
(4)
انظر: تحفة المسؤول (4/ 275).
(5)
انظر: تحرير المقال (ص/ 85).
(6)
انظر: الوصول إلى الأصول لابن برهان (2/ 356 - 357)، وصفة الفتوى (ص/ 87)، والقواعد للحصني (3/ 357).
مناقشة الدليل الأولك لا يصحُّ إلحاقُ أقوالِ إمامِ المذهبِ بأقوالِ النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ هناك فرقٌ بينهما، وإذا كان ثمّةَ فرقٌ لم يصحّ القياسُ، وبيانُ الفرقِ: أنَّ الشرعَ أَذِنَ في الاجتهادِ في أقوالِ النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا جازَ الترجيحُ بينها إذا تعارضتْ، ومِنْ أينَ لكم أنَّ إمامَ المذهبِ قد أَذِنَ في الاجتهادِ في أقوالِه إذا تعارضتْ؟ !
(1)
.
الجواب عن المناقشة: إذا بيَّنَ إمامُ المذهبِ أصولَه وقواعدَه، فإنَّ في هذا إذنًا في التفريعِ عليها، إذ الإمام ألزمَ نفسَه بما تقتضيه هذه الأصولُ والقواعدُ
(2)
، والظاهرُ مِنْ حالِه أنَّه يَطْرُدُها في جميعِ المسائلِ
(3)
.
الدليل الثاني: إذا تعارضتْ أقوالُ إمامِ المذهبِ في المسألةِ الواحدةِ، ولم يُعْلَم المتقدِّم منها، فإنَّنا نرجّحُ القولَ الأشبهَ بَأصولِ الإمامِ؛ لاقترانِه بدليل مِنْ مذهبِ الإمامِ نفسِه - وهو موافقة أصل مِنْ أصولِه - فكان هو المرجَّح منها
(4)
.
ومِنْ جهةٍ أخرى: يغلبُ على الظنِّ أنَّ القولَ الأشبهَ بأصولِ إمامِ المذهبِ وقواعدِه، قولُه المتأخر
(5)
.
أدلةُ أصحابِ القول الثاني: استدلَّ أصحابُ القولِ الثاني بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: ليس تقديمُ أحدِ قولي إمامِ المذهبِ أولى مِنْ تقديمِ القولِ الآخر؛ ولا يسوغُ إهمالُ كلا القولين، فقلنا بإثباتِهما - وجعلنا الحُكْمَ مختلفًا فيه عنده
(6)
- إلى أنْ يَتَبَّينَ لنا أيُّ القولين هو المتأخر؟ فنأخذ به.
(1)
انظر: الوصول إلى الأصول لابن برهان (2/ 357).
(2)
انظر: المصدر السابق.
(3)
انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 647).
(4)
انظر: قواطع الأدلة (5/ 76 - 77).
(5)
انظر: تبصرة الحكام لابن فرحون (1/ 71).
(6)
انظر: العدة (5/ 1617).
الدليل الثاني: أنَّ كلا القولينِ المختلفينِ في المسألةِ قولٌ ثابتٌ لإمامِ المذهبِ، فنُثْبِتُهما دونَ إبطالٍ لهما؛ لأنَّ الاجتهادَ لا يُنْقَضُ بالاجتهادِ، والقولانِ قالهما إمامُ المذهبِ باجتهادين، فلا ينقض أحدُهما بالآخر
(1)
.
مناقشة الدليل الثاني: سبقتْ مناقشةُ الدليلِ الثاني في الحالةِ الأولى.
الدليل الثالث: إجماعُ العلماءِ على نقلِ أقوالِ السلفِ، وإن اختلفتْ عنهم
(2)
، وليس لنقلِها فائدةٌ إلا نسبتها إليهم، وجواز العملِ بها.
ويمكن أن يناقش الدليل الثالث: بمثلِ مناقشةِ الدليلِ الثاني لأصحابِ القولِ الثاني في الحالةِ الأولى.
دليل أصحاب القول الثالث: إنَّ تعيينَ أحدِ القولين مذهبًا لإمامِ المذهب ترجيحٌ مِنْ غيرِ مرجِّحٍ، وإذا عمل المتمذهبُ بأحدِ القولين، فيحتمل أنَّه أخَذَ بالقولِ المرجوعِ عنه؛ إذ إنَّنا نجزمُ بأنَّ أحدَ القولين مرجوعٌ عنه. ويؤكّدُ هذا الأمر: أنَّه إذا وَجَدَ المجتهدُ نصين مِن النصوصِ الشرعيةِ، وعَلِمَ أنَّ احدَهما ناسخٌ للآخرِ، ولم يتبينْ له الناسخُ مِن المنسوخِ، فإنَّه يمتنعُ عليه العملُ بكلِّ واحدٍ منهما؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ ما عَمِلَ به هو المنسوخ
(3)
.
• الموازنة والترجيح:
بالنظرِ في الأقوالِ وما استدلوا به، يظهرُ لي الآتي:
الأول: مِنْ جهةِ نسبةِ أحدِ القولين إلى إمامِ المذهبِ، فإنَّ الأرجحَ هو القولُ الثالث؛ إذ لا مُرجّحَ بين القولين.
الثاني: مِنْ جهةِ عملِ المتمذهبِ، فالقولُ الأولُ وجيهٌ في المسألة؛ لأنَّ المتمذهبَ لا بُدَّ له من العملِ والإفتاءِ، فإذا أفتى بالقولِ الأشبهِ بأصولِ إمامِه الذي تعضده الأدلةُ، فقد أدَّى ما عليه.
(1)
انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 647)، والإنصاف (1/ 299).
(2)
انظر: أصول الفقه لابن مفلح (4/ 1507)، والتحبير (8/ 3960).
(3)
انظر: الإحكام في أصول الإحكام للآمدي (4/ 201)، وشرح تنقيح الفصول (ص/ 419)، ورفع النقاب للشوشاوي (5/ 480).
الثالث: لا يبعدُ القولُ عندي أنَّ عملَ كثيرٍ مِن الفقهاءِ ولا سيما علماء الحنابلة على حكايةِ القولين عن إمامِ المذهبِ، ولا يُغْفِلون شيئًا منها، ثم يبقى نظرُ محققيهم في الترجيحِ بينها.
• نوع الخلاف:
الخلافُ بين الأقوال خلافٌ معنوي، ويمكنُ القولُ: إنَّ القولَ الثالثَ يقتربُ مِن بعضِ أصحابِ القولِ الثاني ممَّنْ نصَّ على امتناعِ العملِ بأحدِ القولين إلى أنْ يَتبيّنَ المتقَدّم مِن المتأخرِ، بلْ أكادُ أقولُ: إنَّ الخلاف بينهما خلافٌ في العبارةِ فحسب؛ إذ كلا الفريقين ذاهبٌ إلى المنعِ مِن العملِ بقولِه إمامِ المذهبِ، وهذا الحكمُ يُقرِّبُ بينهما في المعنى
(1)
.
ومِنْ جهةٍ أخرى: فإنَّ أصحابَ القولِ الثاني توقّفوا في تعيينِ القولِ الذي رَجَعَ عنه إمامُ المذهبِ، وأصحابُ القول الثالث توقفوا عن نسبةِ أحدِ القولين إلى إمامِ المذهبِ، ورجوعه عن الآخرِ، فالتقاربُ بين القولين كبيرٌ.
ولا يبعدُ عندي أنْ يكونَ المانعُ مِن العملِ بقولِ إمامِ المذهبِ في هذه الحالة قد وجَّه منعَه إلى رتبةِ المقلِّدين مِن المتمذهبين وغيرِهم، بخلافِ المتمذهبِ الذي بَلَغَ رتبةَ الاجتهادِ المقيَّد في المذهبِ، فلهم أنْ يعملوا باجتهادِهم في أقوالِ إمامِهم
(2)
؛ لأنَّ المجتهدَ المذهبيَّ متأهلٌ للترجيحِ بين أقوالِ إمامِه، بخلافِ المقلِّدين.
وقد أشارَ بعضُ الأصوليين إلى أثرٍ من آثارِ الخلاف في المسألةِ، فيظهر في مسألةِ: هل يسوغُ العملُ بأحدِ قولي إمامِ المذهبِ في هذه الحالةِ؟
(3)
.
(1)
قارن بسلم الوصول لمحمد المطيعي (4/ 441).
(2)
انظر: جامع مسائل الأحكام للبرزلي (1/ 105)، والمعيار المعرب للونشريسي (11/ 369)، وإتحاف السادة المتقين للزبيدي (1/ 286).
(3)
انظر: الإحكام في أصول الإحكام للآمدي (4/ 201).
فعند أصحابِ القولِ الأول يسوغُ العملُ بالقولِ الأشبه بأصولِ الإمامِ وقواعدِه.
وأمَّا عند أصحابِ القول الثاني: فمنعَ بعضُهم العملَ، ومقتضى إطلاقِ الآخرين هو تجويز العملِ بكلا القولين.
وعند أصحابِ القول الثالثِ لا يسوغُ العملُ بأحدِ القولين حتى يتبين الأمرُ.
* * *