الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مذهبِهم في الاستنباط، ولو صُرِفَ شيءٌ مِنْ هذا الجهدِ إِلى طَلَبِ حكمِ النازلةِ بالنظرِ في النصوصِ الشرعيةِ، لكانَ أفضل
(1)
.
أمثلة تخريج النازلة على فروع المذهب
(2)
:
المثال الأول: سُئِلَ تقيُّ الدين السبكي عن حكمِ السَلَمِ في الفحمِ؟ فأجابَ: "قد نصَّ الشافعيُّ رحمه الله على جوازِ السَلَمِ في الطوبِ الأحمرِ الآجر - وهو الصحيحُ عند الأصحابِ - والفحمُ يشبهُه
…
"
(3)
.
المثال الثاني: سُئِلَ ابنُ حجر الهيتمي عمّن جَلَسَ هو وإِمامُه للتشهدِ الأول، فقام إِمامُه وهو في أثنائِه، هل له أنْ يكملَه، وإِذا أكمله وقامَ، فركعَ الإِمامُ في أثناءِ فاتحتِه، أيكونُ مسبوقًا، أم موافقًا؟ فأجابَ بقولِه: "قياسُ كلامِهم - أي: علماء الشافعية - في مسألةِ: (ما لو ترك إِمامُه القنوتَ)، حيثُ قالوا: يُسَنّ له الإِتيانُ به إِنْ أدركه قبلَ فراغِه من السجدةِ الأُولى، وفي (المسبوقِ)، حيثُ قالوا: يُسَنُّ له الاشتغالُ بالافتتاحِ إِنْ ظنَّ إِدراكَ الفاتحةِ لو أكمله ولحق الإِمامَ.
وحينئذٍ: فإِذا أدركَ الإِمامَ في أثناءِ فاتحتِه: فالقياس أنَّه كمسبوقٍ اشتغلَ بنحوِ الافتتاحِ، فركعَ إِمامُه في أثناءِ فاتحته، وحكمُه: أنَّه يجبُ عليه أنْ يتخلفَ بقدرِ ما فوَّتَ، فإِذا قَرَأَ بقدرِه: فإِنْ لم يرفع الإِمامُ مِن الركوعِ رَكَعَ معه، وكان مدركًا للركعةِ، وإلا
…
يتابعُه فيما هوفيه، وتفوته الركعةُ
…
"
(4)
.
(1)
انظر: إِتحات السادة المتقين للزبيدي (1/ 285 وما بعدها)، والمصفى في أصول الفقه لأحمد الوزير (ص/ 45).
(2)
الأمثلة الَّتي ذكرتها في مصطلحات نقل المذهب مما خرِّج على فروع المذهب كان النظرُ فيها منصبًّا إِلى ورود المصطلح بلفظه في المثال، أمَّا هنا فأذكر ما يصح - أو يمكن - جعله تخريجًا للنازلة على فروع المذهب بغض النظر عن تسمية الحكم الَّذي توصَّل إِليه المتمذهب في مذهبه، وورود المصطلح.
(3)
قضاء الأرب (ص/349 - 350).
(4)
الفتاوى الكبرى الفقهية (1/ 225).
المثال الثالث: صحةُ إِجراءِ العقودِ بآلات الاتصال الحديثةِ.
إِذا أبرمَ شخصانِ عقدًا مِن العقودِ الماليةِ عن طريقِ آلةِ اتصالٍ حديثةٍ، كالهاتفِ مثلًا، فهل يصحُّ عقدُهما؟
ذَهَبَ الدكتورُ عليّ القره داغي إِلى صحةِ العقدِ؛ لأنَّ الهاتفَ ينقلُ الصوتَ بوضوحٍ، ولا يختلفُ الكلام مِنْ خلالِه عن الكلامِ بدون واسطةٍ سوى عدمِ رؤيةِ أحدِهما الآخر، ووجود فاصل بينهما، وخرَّجَ حكمَ المسألةِ ممَّا ذكره محيي الدين النوويُّ، إِذ قررَ أنَّ المتعاقدين لو تناديا وهما متباعدان، وتبايعا، صحَّ البيعُ بلا خلافٍ
(1)
.
المثال الرابع؛ هلْ يجوزُ التعاملُ في المطاعمِ بالإِطعامِ حتى الإِشباع بمبلغٍ محدَّدٍ، دون تحديدٍ لمقدارِ الطعامِ؟
أشارَ الدكتورُ محمد الجيزاني إِلى إِمكانيةِ تخريج حكمِ المسألة على الحماماتِ الَّتي أجازها العلماءُ؛ استحسانًا
(2)
، عِلْمًا أنَّ الناسَ يتفاوتون في استهلاكِ المياه، مع كونِ الأجرةِ مقدرةً على الجميعِ
(3)
.
* * **
(1)
انظر: حكم إِجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، بحث منشور في: مجلة مجمع الفقه الإِسلامي، العدد: السادس، (2/ 928 - 929). وانظر قول النووي في: المجموع شرح المهذب (9/ 181).
(2)
انظر مسألة: (دخول الحمام) في: الفصول في الأصول للجصاص (2/ 40)، والمبسوط للسرخسي (12/ 193)، والمغني لابن قدامة (1/ 305)، و (8/ 24)، والإنصاف (6/ 17)، وحاشية العطار على شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 395).
(3)
انظر: فقه النوازل (1/ 51).