الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: ظهور المناظرات الفقهية
مِن الآثارِ الإِيجابيةِ المهمّةِ للتمذهبِ: ظهورُ المناظراتِ والمساجلاتِ الفقهيةِ والأصوليةِ بين أربابِ المذاهبِ المُختلفةِ؛ بُغْيَةَ الاستدلالِ للمذهبِ والانتصارِ له بإِبرازِ أدلتِه، وإِظهارها
(1)
.
وقد عُرِّفَت المناظرةُ في الاصطلاحِ بعدَّة تعريفات، ساقَ طَرَفًا منها إِمامُ الحرمين الجويني في كتابِه:(الكافية في الجدل)
(2)
، وقد انتهى إِلى تعريفِها بأنَّها:"إِظهارُ المتنازعَينِ مقتضى نظرتِهما على التدافعِ والتنافي في العبارةِ، أو ما يقوم مقامَها مِن الإِشارةِ، والدلالةِ"
(3)
.
وقد يقول قائلٌ: إِنَّ العلماءَ السابقين جَمَعوا الأدلةَ، وما وَرَدَ عليها مِن الاعتراضاتِ، فليس في المناظرةِ مزيدُ فائدةٍ للاتِّساعِ في الاستدلالِ
(4)
.
أجابَ عن هذا السؤالِ الوزيرُ ابنُ هبيرةَ بما مفاده: على فَرْضِ التسليمِ بأنَّ العلماءَ السابقين جمعوا الأدلةَ، فإنَّ لإِقامةِ المناظرةِ فائدةً للمناظِرِ نفسِه في إِعادةِ محفوظِه، ودراسةِ ما عَلِمَه
(5)
.
وللمناظرةِ فوائدُ أخرى متعددةٌ، وليس المقامُ متَّسِعًا للحديثِ عنها
(6)
.
(1)
انظر: المنتخل في الجدل للغزالي (ص/ 360)، والمدخل في الفقه الإِسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ 132)، والاجتهاد في الفقه الإِسلامي لعبد السلام السليماني (ص/ 322).
(2)
انظر: (ص /19 - 21).
(3)
الكافية في الجدل (ص/ 21).
(4)
انظر: المسودة (2/ 958)، وأصول الفقه لابن مفلح (3/ 1413)، والتحبير (7/ 3702).
(5)
انظر: المصادر السابقة.
(6)
انظر بعض فوائد المناظرات في: أصول الجدل والمناظرة للدكتور حمد العثمان (ص/ 165 - 184).
ولا شكَّ في أن المناظراتِ مظنةٌ لبيانِ الأدلةِ، والاعتراضِ على الضعيفِ منها، وهذا الأمرُ يجعلُ المتمذهبَ حريصًا على معرفةِ أدلةِ مذهبِه واستقصائِها، وردِّ الاعتراضاتِ الموجّهةِ إِليها، ومعرفةِ أدلةِ مخالفِه، والاعتراضات الموجهة إِليها.
وقد كانت المناظراتُ قائمةً بين الأئمةِ المجتهدين قَبْلَ استقرارِ المذاهب الفقهيةِ
(1)
، وبَعْدَ استقرارِها سارَ أتباعُ الأئمةِ على مناظرةِ مخالفِيهمَ، فأسهموا في شيوعِ المناظرات وكثرتِها
(2)
.
يقولُ ابنُ خَلدون: "وقاسموا - أيْ: علماء الشافعية - الحنفيةَ في الفتوى والتدريس في جميعِ الأمصارِ، وعَظُمَتْ مجالسُ المناظراتِ بينهم، وشُحِنَتْ كتبُ الخلافيات بأنواعِ استدلالاتِهم"
(3)
.
ويقولُ - أيضًا -: "جَرَتْ بينهم - أيْ: بين أتباعِ المذاهبِ الأربعةِ - المناظراتُ في تصحيحِ كلٍّ منهم مذهبَ إِمامِه، تجري على أصولٍ صحيحةٍ، وطرائقَ قويمةٍ، يحتجُّ بها كلٌّ على مذهبِه الَّذي قلَّده وتمسَّكَ به"
(4)
.
(1)
انظر: ترتيب المدارك للقاضي عياض (2/ 113 - 129)، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/ 953 وما بعدها، 1137)، والقواعد الكبرى للعز بن عبد السلام (2/ 275)، وتنبيه الرجل العاقل لابن تيمية (1/ 4)، وسير أعلام النُّبَلاء (10/ 16 - 17)، و (11/ 197)، وعلم الجَذَل في علم الجدل للطوفي (ص 209/ - 240)، والتحبير (7/ 3698 - 3699)، وتاريخ التشريع الإِسلامي لمحمد الخضري (ص/ 333)، وتاريخ الفقه الإِسلامي لمحمد السايس (ص/ 132)، والمدخل للتشريع الإِسلامي للدكتور محمد النبهان (ص/ 384)، والجديد في تاريخ الفقه للدكتورمحمد مصطفى (ص/ 235 وما بعدها)، والجدل عند الأصوليين للدكتور مسعود فلوسي (ص/ 58 - 79)، والمدخل في التعريف بالفقه للدكتور عبد المجيد مطلوب (ص/ 105)، ومدخل لدراسة الفقه لمحمد محجوبي (ص/ 245).
(2)
انظر: الفكر السامي لمحمد الحجوي (3/ 144، 147)، والمدخل في الفقه الإِسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ 132)، وفقه إِمام الحرمين للدكتور عبد العظيم الديب (ص/ 521).
(3)
مقدمة ابن خلدون (3/ 1053).
(4)
المصدر السابق (3/ 1067).
وقد كان لهذه المناظراتِ تأثيرٌ في حيويةِ الفقهِ، وغزارةِ مسائلِه
(1)
، وإِظهارِ الفروقِ بين ما تشابَه مِنْ مسائلِه الَّتي تختلفُ أحكامُها، وتقييدِ بعضِ الأقوالِ المذهبيةِ أو تخصيصِها
(2)
.
يقولُ بدرُ الدّينِ الزركشي عن أحدِ أنواعِ الفقهِ: "معرفةُ الجمع والفرقِ، وعليه جلُّ مناظراتِ السلفِ، حتى قالَ بعضُهم: الفقهُ: فرقٌ وجمعٌ"
(3)
.
وقد أسهم المتمذهبون في تأصيلِ علمِ الجَدَلِ، وفصّلوا القولَ في مسائلِه، وفي الاعتراضاتِ الموجهةِ إِلى الأدلةِ، وبِمَ يكون الانقطاع؟ بأمرين:
الأمر الأول: ما بثَّه العلماءُ في مؤلفاتِهم الأصوليةِ مِنْ حديثٍ عن الجدلِ، وعن الاعتراضاتِ الواردة على الأدلةِ
(4)
.
الأمر الثاني: ما ألّفه العلمَاءُ مِنْ مدوَّناتٍ في آداب المناظرةِ، وعِلم الجدلِ، والاعتراضاتِ على الأدلةِ
(5)
.
وأسهمَ المتناظرون في مناظراتِهم في بيانِ مآخذِ الأئمةِ، وتحريرِ
(1)
انظر: الفقه الإسلامي ومدارسه لمصطفى الزرقا (ص/ 150).
(2)
انظر: المدخل في الفقه الإِسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ 145).
(3)
المنثور في القواعد (1/ 69). وانظر: عَلَم الجذل للطوفي (ص/ 71).
(4)
لا تخلو أكثر الكتب الأصولية من الحديث عن مسألة: (قوادح القياس)، وهناك من تحدث عن الجدل في كتابه الأصولي، وممن ضمَّن كتابه الأصولي حديثًا عن الجدل ومسائلِه: القاضي أبو يعلى في: العدة (1/ 184)، و (5/ 1535 - 1536)، وأبو الخطاب في: التمهيد في أصول الفقه (1/ 58)، وابنُ عقيل الحنبلي في: الواضح في أصول الفقه (1/ 298 - 432)، وابنُ مفلح في: أصول الفقه (3/ 1417 - 1428)، وأبو الحسن المرداوي في: التحبير (7/ 3694 - 3736).
(5)
يقول إِمام الحرمين الجويني في فاتحة كتابه: الكافية في الجدل (ص/ 1): "سألتَ - وفقك الله لطلبِ الحسنات، وأعانك على سبيل الخيرات - أنْ أجمع طَرَفًا من الكلام في النظر لا يُستغنى عنه في مناظرة أهل الزمان
…
". وانظر: مقدمة ابن خلدون (3/ 1068)، وتاريخ الجدل لمحمد أبو زهرة (ص/ 299)، وآداب البحث والمناظرة للشنقيطي (ص/ 3 - 4)، وآثار اختلاف الفقهاء لأحمد الأنصاري (ص/ 235)، وتاريخ التشريع الإِسلامي لمحمد الخضري (ص/ 334)، والمدخل للفقه الإِسلامي للدكتور حسن الشاذلي (ص / 312 - 313)، وبلوغ =
مواطنِ اتفاقِهم، ومواقع اجتهادِهم
(1)
.
ولمَّا كانَ كلُّ واحدٍ مِن المتناظرين يُرْسِلُ عِنَانَه في الاحتجاجِ والجواب احتاجوا في مناظراتِهم إِلى معرفةِ القواعدِ الأصوليةِ؛ لإِقامةِ دليلِ المسألةِ عَلى الوجهِ الصحيحِ، والإِجابةِ عن الاعتراضاتِ الموجهةِ إِليها
(2)
.
وقد تكونُ المناظرةُ بين شخصين على الحقيقةِ، وقد تكون كتابيةً، بأنْ يُدوِّنَ المؤلِّفُ قولَه وأدلتَه واعتراضاتِ المخالفِ على هيئةِ المناظرةِ
(3)
.
ويتحدث الشيخُ محمدٌ أبو زهرة عن أثرِ المناظراتِ في علمِ أصولِ الفقهِ بكلامٍ جيّدٍ، فيقولُ:"إِنَّ علمَ أصولِ الفقهِ الَّذي غَرَسَ غرسَه الإِمامُ الشَّافعي، لم يضعفْ بَعْدَه، حتى في عصورِ التقليدِ الَّتي غُلِّقَ فيها بابُ الاجتهادِ، بلْ نَمَا وترعرع! وإِنَّ الشّغفَ بالجدلِ والمناظرةِ في الفقهِ - وقد قُيِّدَ بالمذهبِ عند المقلِّدين في الفروعِ - وَجَدَ مُتَنَفّسًا في أصولِ الفقهِ في تحقيقِ نظرياتِه، وتحريرِ قواعدِه، وتشعيبِ مسائلِه، وكأنَّما الفقهاءُ إِذ قيَّدوا أنفسَهم في الفروعِ، قد أطلقوا لها الحريةَ في الأصولِ"
(4)
.
= الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 165)، والفقه الإِسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 115).
وهناك كتب متعددة تحدثت عن المناظرة، والجدل والاعتراض على الأدلة، منها: التقريب لحد المنطق لابن حزم (في آخره حديثٌ عن المناظر، ص/ 586 وما بعدها)، والمنهاج في ترتيب الحجاج لأبي الوليد الباجي، والمعونة في الجدل لأبي إِسحاق الشيرازي، والملخص في الجدل له، والمنتخل في الجدل لأبي حامد الغزالي، والجدل لابن عقيل الحنبلي، والإِيضاح لقوانين الاصطلاح لأبي محمد بن الجوزي، وعلم الجَذَل في علم الجدل للطوفي، وآداب البحث والمناظرة للشنقيطي.
(1)
انظر: مقدمة ابن خلدون (3/ 1067).
(2)
انظر: المصدر السابق (3/ 1067 - 1068)، والمدرسة الفقهية المالكية بالعراق للدكتور عبد المنعم التمسماني، بحوث الملتقى الأول: القاضي عبد الوهاب المالكي (1/ 459).
(3)
انظر: تاريخ الفقه الإِسلامي للدكتور ناصر الطريفي (ص/ 87).
(4)
الشافعي حياته وعصره (ص/ 306). وانظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 209).
وتحدّثَ الشيخُ محمدٌ الطاهرُ بنُ عاشور عن أثرِ المناظراتِ والجدلِ على نشأةِ عِلْمِ أصولِ الفقهِ، فقالَ: "إِن علومَ الشريعةِ لما دُوِّنتْ وهُذِّبَتْ، وظَهَرَ المجتهدون الذين دُوِّنَتْ مذاهبُهم، نَشَأَ الخلافُ والجدلُ في الاحتجاجِ والمناظرةِ بين الفقهاءِ، فتولَّدَ مِن العقولِ قواعدُ نظريةٌ في الجدلِ تفرّعت تدريجيًا حتى صارتْ عِلْمًا يُعَبّرُ عنه بعلمِ أصولِ الفقهِ
…
"
(1)
.
وبعدَ استقرارِ قواعدِ أصولِ الفقهِ صارت هذه القواعدُ عمدةً لأصحابِ المناظراتِ" ليصحّح كلٌّ مِن المتناظرين مذهبَ إِمامِه، وليُثْبِتْ بناءَه على أصولٍ صحيحةٍ، وطرائق قويمةٍ
(2)
.
ولم يُؤَثِّر القولُ بإِغلاقِ بابِ الاجتهادِ على شيوعِ المناظراتِ، بلْ إِنَّ الأمرَ سارَ على العكسِ؛ إِذ إِنَّ المناظراتِ قد شاعتْ وانتشرتْ في العصورِ الَّتي قيل فيها بإغلاقِ بابِ الاجتهادِ شيوعًا كبيرًا
(3)
.
وكانت العلومُ الَّتي يتناظرُ فيها العلماءُ متعددة، ويأتي على رأسها: علمُ الفقهِ وعلمُ أصولِ الفقهِ، بمختلفِ مسائل هذين العلمين
(4)
.
وإِذا كان الأصلُ في المناظراتِ أنْ تقومَ بين أرباب المذاهب الفقهيةِ المختلفةِ؛ لأنَّ الدافعَ لها تباينُ المذاهبِ
(5)
، فإِنَّ هذا الأمرَ لم يكَن مانعًا
(1)
أليس الصبح بقريب (ص/ 40). وانظر: ظاهرة الانتصار للمذهب عند القاضي عبد الوهاب للدكتور محمد المصلح، بحوث الملتقى الأول: القاضي عبد الوهاب المالكي (5/ 359).
(2)
انظر: بلوغ السول لمحمد مخلوف (ص/ 9).
(3)
انظر: تاريخ الجدل لمحمد أبو زهرة (ص/ 298)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 334).
(4)
انظر: المعيار المعرب للونشريسي (6/ 387 وما بعدها)، وتاريخ الفقه الإِسلامي لمحمد السايس (ص/ 132)، وتاريخ الفقه الإِسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 211)، ومقدمة تحقيق القواعد للمقري (1/ 38)، والمدرسة الفقهية المالكية بالعراق للدكتور عبد المنعم التمسماني، بحوث الملتقى الأول: القاضي عبد الوهاب المالكي (1/ 459)، والمدخل للفقه الإسلامي للدكتور حسن الشاذلي (ص/ 290)، وتاريخ التشريع للدكتور أحمد العلياني (ص/ 211).
(5)
انظر: المدرسة الظاهرية بالمغرب للدكتور توفيق الإِدريسي (ص/ 848).
مِنْ قيامِ متمذهبي المذهبِ الواحدِ بالمناظرةِ في بعض المسائلِ المبثوثةِ في مذهبِهم، سواءٌ أكانت في الفقهِ، أم في أصولِه
(1)
؛ ولعلَ مِن الدوافعِ لهم تحقيقَ القولِ في مذهبِهم.
وبَلَغَ مِن اهتمامِ أتباعِ المذاهب بإِقامةِ المناظراتِ بينهم أنَّهم كانوا يعقدونها في المساجدِ والبيوتِ، ومجَالسِ الخلفاءِ، وكانوا يُحْيُونَ مواسمَ الحجِّ، وأيامَ العزاءِ بالمناظراتِ الَّتي تدورُ عادةً في الاستدلالِ والدفاعِ عن المذهبِ وإمامِه
(2)
.
وإِذا كان الدافعُ في كثيرٍ مِنْ مناظراتِ أربابِ المذاهبِ ومساجلاتِهم الرغبةَ في إِظهارِ أدلةِ المذهب وحُجَجِه، وبيانِ صحتِها، وتزييفِ أدلةِ المخالفين، مع قصدِ الوصولَ إِلى القول الراجحِ
(3)
، وردِّ المخالفِ إِلى
(1)
جاء في: ترتيب المدارك للقاضي عياض (5/ 4) في ترجمة القاضي أبي عمر محمد بن يوسف أنَّه "كان يتناظر بين يديه أئمة المذهب".
وانظر في الموضوع ذاته: المصدر السابق (6/ 181)، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (5/ 209)، وطبقات الفقهاء الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 365)، والمعيار المعرب للونشريسي (6/ 387)، والفكر السامي لمحمد الحجوي (3/ 247 - 248)، وتطور المذهب المالكي في الغرب لمحمد بن حسن شرحبيلي (ص/ 262 - 263)، والمذهب المالكي لمحمد المامي (ص/ 81 - 82).
(2)
انظر: أبو حنيفة - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص / 10)، وتاريخ المذاهب الإِسلامية له (ص/ 465)، وتاريخ الجدل له (ص/298)، وتاريخ التشريع الإِسلامي لمحمد الخضري (ص/ 334)، وضحى الإِسلام لأحمد أمين (3/ 131)، والمدخل في الفقه الإِسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ 132)، وتاريخ الفقه الإِسلامي لمحمد السايس (ص/ 132)، وبدعة التعصب المذهبي لمحمد عبَّاسي (ص/ 210)، والمدخل للفقه الإِسلامي للدكتور حسن الشاذلي (ص/ 290)، وتاريخ الفقه الإِسلامي للدكتور أحمد حسين (ص/ 131، 149).
(3)
انظر: شرح ابن ملك على المنار (ص/ 825)، وظاهر الانتصار للمذهب عند القاضي عبد الوهاب للدكتور محمد المصلح، بحوث الملتقى الأول: القاضي عبد الوهاب المالكي (5/ 359)، والاجتهاد في الفقه الإِسلامي لعبد السلام السليماني (ص/ 322)، والمدخل إِلى الفقه الإِسلامي للدكتور محمود الطنطاوي (ص/ 153)، وتاريخ الفقه الإِسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 211)، والمدخل إِلى دراسة الفقه لعبد المجيد الديباني (ص/ 167)، والجديد في تاريخ الفقه للدكتور محمد مصطفى (ص/ 235).
الصوابِ بطريقِ ودليل يعرفه
(1)
: فإِنَّ هذا لا يَعْني خلوَّ المناظراتِ مِنْ بعضِ التصرفاتِ السلبيةِ
(2)
، فلقد كان يتخلل بعضَها شيءٌ مِن الجمودِ على المذهبِ، والتعصّب له، والقدحِ في المخالفِ، والتمسّكِ بالمذهبِ وإِنْ خالفَ الدليلَ، والمَناظرة في موضوعاتِ قيمتها العلميةُ قليلةٌ، فشوّتْ هذه التصرفاتُ المقصدَ العلميّ مِن المناظراتِ
(3)
.
وكذلك قد يقومُ بالمناظرةِ مَنْ لا يُحْسِن شيئًا في العلمِ
(4)
، وفي دخولِ أمثالِ هؤلاءِ في بابِ المناظرةِ سلبٌ للمناظرةِ مِنْ كثيرٍ مِنْ فوائدِها.
يقولُ أبو عبدِ الله المقّري: "لا يجوزُ التعصّبُ إِلى المذاهبِ بالانتصاب للانتصارِ بوضعِ الحِجَاجِ، وتقريبِها على الطُّرُقِ الجدليةِ، مع اعتقادِ الخطأِ، أو المرجوحيةِ عند المجيبِ، كما يفعله أهلُ الخلافِ
…
"
(5)
.
(1)
انظر: الموافقات (5/ 415)، وأدب الدنيا والدين للماوردي (ص/ 68).
(2)
انظر: أدب الدنيا والدين للماوردي (ص/ 72).
(3)
انظر: أبو حنيفة - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ 10)، والمدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 209)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ 222)، وفقه إِمام الحرمين للدكتور عبد العظيم الديب (ص/ 521)، والمدخل إِلى دراسة الفقه لعبد المجيد الديباني (ص/ 169)، وتاريخ الفقه الإِسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص / 211 - 212)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريفي (ص/ 305)، وظاهر الانتصار للمذهب عند القاضي عبد الوهاب للدكتور محمد المصلح، بحوث الملتقى الأول: القاضي عبد الوهاب المالكي (5/ 359)، والجديد في تاريخ الفقه للدكتورمحمد مصطفى (ص/ 239)، والمدخل في التعريف بالفقه للدكتور عبد المجيد مطلوب (ص/ 122)، والمدخل لدراسة الفقه للدكتور شوقي الساهي (ص/ 111)، ومدخل لدراسة الفقه لمحمد محجوبي (ص/ 245)، وتاريخ الفقه الإِسلامي للدكتور عمر الأشقر (ص/ 170)، والفقه الإِسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 115).
ولمعرفة هل يثاب المناظر في مناظرته، انظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام (1/ 196 - 197).
(4)
يقول أبو الحسن الماوردي في: أدب الدنيا والدين (ص/ 109): "رأيتُ رجلًا يناظرُ في مجلسِ حفلٍ، وقد استدل الخصمُ عليه بدلالةٍ صحيحةٍ، فكان جوابُه عنها أنْ قال: إِنَّ هذه دلالةٌ فاسدةٌ؛ ووجه فسادها: أنَّ شيخي لم يذكرْها، وما لم يذكرْه الشيخُ فلا خيرَ فيه! فأمسك عنه المستدل تعجبًا
…
".
(5)
القواعد (2/ 397). وانظر: الفكر السامي لمحمد الحجوي (3/ 145).
ولم تخلُ بعضُ المناظراتِ التي لم تَسْلَمْ مِنْ داءِ التعصبِ مِنْ فوائد المناظرةِ الأخرى، ومِنْ بعضِ الطرائفِ الفقهيةِ، واللطائفِ العلميةِ
(1)
.
يقولُ تاجُ الدين بنُ السبكي: "إنَّ ما يقعُ في المغالطاتِ والمغالباتِ في مجالسِ النظرِ، يحصلُ به مِنْ تعليمِ إقامةِ الحُجّةِ، ونشرِ العِلْمِ، وبعثِ الهِمَمِ على طلبِه ما يعظم في نظرِ أهلِ الحقِّ"
(2)
.
ويقولُ الشيحُ محمدٌ السايس عن حالِ بعضِ المناظراتِ: "بَعْدَ أنْ كانَ الجدلُ يُقْصَدُ للوصولِ إلى الحقِّ فحسب، أصبحَ يُستخدم لمجرّدِ التغلبِ على الغير
(3)
، ومعولًا يَهْدِمُ به كلُّ فريقٍ ما يخالفُ مذهبَه، فانحرفَ عن طريقتِه الأُوْلى، وحُشِرَ فيه ما لا يتّصلُ بجوهرِ الموضوعاتِ"
(4)
.
ويمكنُ القولُ: إنَّ الحكمَ على المناظرةِ مدحًا، أو ذمًّا تابعٌ لغَرَضِ المناظِرِ منها:
• إنْ كان غرضُ المناظِرِ مِن المناظرةِ: إثراءَ الاستدلالِ، وردَّ الاعتراضاتِ عن أدلةِ مذهبِه السالمة منها، وإظهارَ ما ترجّح عنده، فهي ممدوحةٌ.
(1)
انظر: أبو حنيفة - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ 10)، والمدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 209)، والمدخل في الفقه الإسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ 140)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ 222)، ومقدمة في دراسة الفقه له (ص/ 230)، وفقه إمام الحرمين للدكتور عبد العظيم الديب (ص/ 521)، والمدخل إلى دراسة الفقه لعبد المجيد الديباني (ص/ 169)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 212 - 211)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 305)، وظاهر الانتصار للمذهب عند القاضي عبد الوهاب للدكتور محمد المصلح، بحوث الملتقى الأول: القاضي عبد الوهاب المالكي (5/ 359)، والجديد في تاريخ الفقه للدكتور محمد مصطفى (ص/ 239)، والمدخل في التعريف بالفقه للدكتور عبد المجيد مطلوب (ص/ 122)، والمدخل لدراسة الفقه للدكتور شوقي الساهي (ص/ 111)، ومدخل لدراسة الفقه لمحمد محجوبي (ص/ 245)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عمر الأشقر (ص/ 170).
(2)
طبقات الشافعية الكبرى (4/ 62).
(3)
في المطبوع من تاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 132): "التغير"، وهو خطأ مطبعي، ولعل الصواب المثبت.
(4)
المصدر السابق (ص/ 132 - 133).
• وإنْ كان غرضُه مِنْ مناظرتِه نصرةَ المذهبِ، وإفحامَ المناظِر، بغضِّ النظرِ عمَّا أيّده الدليلُ ورجَّحه، فهي مذمومةٌ
(1)
.
ويتحدثُ أبو حامدٍ الغزالي (ت: 505 هـ) عن حالِ بعضِ المتناظرِين في مناظراتِهم في عصرِه، فيقول: "تَرَكَ الناسُ
…
فنونَ العلمِ، وانثالوا
(2)
على المسائلِ الخلافيةِ بين الشافعي وأبي حنيفةَ على وجهِ الخصوصِ، وتساهلوا في الخلافِ مع مالكٍ وسفيانَ وأحمدَ - رحمهم الله تعالى - وغيرِهم، وزعموا أنَّ غرضَهم استنباطُ دقائقِ الشرعِ، وتقريرُ عللِ المذاهبِ، وتمهيدُ أصولِ الفتاوى، وأكئروا فيها التصانيفَ والاستنباطاتِ، ورتّبوا فيها أنواعَ المجادلاتِ والتصنيفاتِ - وهم مستمرون عليه إلى الآن، ولسنا ندري ما الذي يُحْدِثُ اللهُ فيما بعدنا مِن الأعصار؟ ! - فهذا الباعثُ على الإكبابِ على الخلافياتِ والمناظراتِ لا غير
…
"
(3)
.
ثمَّ ساقَ أبو حامدٍ ثمانيةَ شروط للحُكمِ على المناظرةِ بأنَّها جائزة
(4)
، وساقَ أيضًا الآفاتِ المترتبة عليها إنْ كان قصدُ المتناظرين الغلبةَ، وإفحامَ
(1)
انظر: الكافية في الجدل لإمام الحرمين (ص/ 22 - 23).
(2)
انثالوا: انصبّوا. انظر: لسان العرب، مادو:(نثل)، (11/ 645).
(3)
إحياء علوم الدين (1/ 71). وانظر: الدر النضيد في أدب المفيد للغزي (ص/ 226)، وحجة الله البالغة للدهلوي (1/ 469 - 475)، وإتحاف السادة المتقين للزبيدي (1/ 278، 281)، والفكر السامي لمحمد الحجوي (3/ 145)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 334 - 335).
(4)
انظر: إحياء علوم الدين (1/ 72 - 75). وقد ساق عدد من المؤلفين الشروط التي ذكرها الغزالي، انظر على سبيل المثال: إتحاف السادة المتقين للزبيدي (1/ 282 - 292)، والفكر السامي لمحمد الحجوي (3/ 145 - 147)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 335 - 338)، وبدعة التعصب المذهبي لمحمد عباس (ص / 210 - 211)، والمذاهب الفقهية الإسلامية لمحمد تاجا (ص/ 182 - 183)، والمدخل للتشريع الإسلامي للدكتور محمد النبهان (ص/ 348 - 349)، والجديد في تاريخ الفقه للدكتور محمد مصطفى (ص/ 239)، والمدخل للفقه الإسلامي للدكتور حسن الشاذلي (ص / 312)، والمدخل لدراسة الفقه للدكتور شوقي الساهي (ص/ 125)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 166)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عمر الأشقر (ص/ 170).