الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: الاعتداد بقول المتمذهب في الإجماع
(1)
ممَّا هو معلومٌ أنَّ الحوادثَ والوقائعَ لا تنتهي، واهتمامُ العلماءِ ببيانِ حكمِها لا ينقطعُ، ولا يقتصرُ اهتمامُهم ونظرُهم على الحوادثِ فحسب، بلْ ينظرون في المسائلِ التي اختلفَ فيها أهلُ العصرِ السابقِ.
وليس مِنْ شكَّ في أنَّ للمتمذهبين إسهامًا في معالجةِ أحكامِ المسائل - أصوليةً، أو فقهيةً - وقد ينتهي النظرُ فيها إلى الإجماعِ على حكمِها، إنْ كانت نازلةً، أو الاتفاق على أحد قولي العصر السابق.
والمهمُّ عندنا في هذا المبحثِ: هلْ يُعتدُّ بقولِ المتمذهبِ في الإجماعِ، بحيثُ لا ينعقدُ الإجماعُ إلا بموافقتِه؟
(1)
الإجماع في اللغة: مصدر من الفعل اجمع، يقال: أجمع يجمع إجماعًا، ويطلق على معنيين: المعنى الأول: العزم على الشيء.
المعنى الثاني: الاتفاق على الشيء. انْظر: الصحاح، مادة:(جمع)، (3/ 1198 - 1200)، والقاموس المحيط، مادة:(جمع)، (ص/ 917 - 918).
أما تعريف الإجماع في الاصطلاح، فقد عرِّف بتعريفات كثيرة، منها: تعريف تاج الدين بن السبكي في: جمع الجوامع (3/ 75) مع شرحه تشنيف المسامع: اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم في عصر من الأعصار، على أيِّ أمرٍ مِنْ الأمور.
ولمزيد من التعريفات، انظر: العدة (4/ 1057)، والحدود للباجي (ص/ 63)، وشرح اللمع (2/ 665)، وقواطع الأدلة (3/ 188)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (3/ 224)، والواضح في أصول الفقه (1/ 42)، والمحصول في علم أصول الفقه للرازي (4/ 19)، وروضة الناظر (2/ 439)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (1/ 196)، وشرح تنقيح الفصول (ص/ 322)، وكشف الأسرار للبخاري (3/ 226)، وأصول الفقه لابن مفلح (2/ 365)، والتقرير لأصول فخر الإسلام للبابرتي (5/ 317)، والتحبير (4/ 1522)، وتيسير التحرير (3/ 224)، وفواتح الرحموت (2/ 211).
قبلَ الخوضِ في المسألةِ تحسنُ الإشارةُ إلى الآتي:
أولًا: الحديثُ هنا عند القائلين بحجيةِ الإجماعِ، وإمكانِ انعقادِه.
ثانيًا: لا شك في أن المجتهدين هم أهلُ الإجماعِ، وهذا أمرٌ لا مريةَ فيه، لكنْ أيدخل معهم العوامُّ، فلا ينعقدُ الإجماعُ إلا بموافقتِهم، أم لا؟
اختلفَ الأصوليون في الاعتدادِ بالعوامِّ في انعقادِ الإجماعِ
(1)
، فعلى القولِ بالاعتدادِ بهم، فإنَّ دخولَ المتمذهبين بكافّةِ مراتبِهم مِنْ بابٍ أولى عند القائلين بهذا القولِ
(2)
.
يقولُ الآمديُّ: "مَنْ قالَ بإدخالِ العوام في الإجماعِ، قالَ بإدخالِ الفقيهِ الحافظِ لأحكامِ الفروع فيه، وإنْ لم يكنْ أصوليًا؛ وبادخالِ الأصولي الذي ليس بفقيهٍ؛ بطريقِ الأَولى؛ لما بينهما وبين العامةِ مِن التفاوتِ في الأهليةِ والنظرِ، هذا في الأحكامِ، وهذا في الأصولِ"
(3)
.
(1)
انظر مسألة: (الاعتداد بالعوام في الإجماع) في: الفصول في الأصول للجصاص (3/ 285)، والعدة (4/ 1133)، واحكام الفصول (ص/ 460)، والتبصرة (ص/ 371)، وشرح اللمع (2/ 724)، وقواطع الأدلة (3/ 239)، والمستصفى (1/ 340)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (3/ 250)، والواضح في أصول الفقه (5/ 176)، والمحصول في علم أصول الفقه للرازي (4/ 196)، وروضة الناظر (2/ 451)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (1/ 226)، ولباب المحصول لابن رشيق (1/ 397)، وشرح المعالم لابن التلمساني (2/ 103)، والمسودة (2/ 642)، والكاشف عن المحصول للأصفهاني (5/ 534)، والحاصل من المحصول (2/ 723)، والتحصيل من المحصول (2/ 81)، وشرح تنقيح الفصول (ص/ 341)، ونهاية الوصول للهندي (6/ 2648)، وشرح مختصر الروضة (3/ 31)، وكشف الأسرار للبخاري (3/ 239)، وتقريب الوصول لابن جزي (ص/ 329)، وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 33)، وأصول الفقه لابن مفلح (2/ 398)، والإبهاج في شرح المنهاج (5/ 2121)، ورفع الحاجب (2/ 174)، والتقرير لأصول فخر الإسلام للبابرتي (5/ 338)، والبحر المحيط (4/ 461)، وتشنيف المسامع (3/ 82)، والتحبير (4/ 1551)، ورفع النقاب (4/ 663).
(2)
انظر: شرح تنقيح الفصول (ص/ 342)، ونفائس الأصول (6/ 2868)، ونهاية الوصول للساعاتي (1/ 282)، وشرح مختصر الروضة (3/ 36)، والبحر المحيط (4/ 465)، وتشنيف المسامع (3/ 85)، ورفع النقاب للشوشاوي (4/ 668 - 669).
(3)
الإحكام في أصول الأحكام (1/ 228).
ويقولُ أبو علي الشوشاوي: "يلزمُ على قولِ القاضي
(1)
المتقدِّم - وهو: الاعتدادُ بقولِ العامي في الإجماع - أنْ يعتبرَ أهل كلِّ فنٍّ في غيرِ فنِّه؛ لأنَّ غايتَهم أنْ يكونوا كالعوامِّ بالنسبةِ إلى غيرِ فنِّهم"
(2)
.
وحديثي في هذا المبحثِ عند غيرِ القائلين بالاعتدادِ بالعوام في انعقادِ الإجماعِ.
ثالثًا: ذَكَرَ بعضُ الأصوليين قولًا مفاده: أنَّ أهلَ الإجماعِ هم الأئمةُ المستقلون بالاجتهادِ - كالأئمةِ الأربعةِ ونحوهم - فحسب، أمَّا مَنْ لم يبلغْ هذه الدرجةَ فليس مِنْ أهلِه
(3)
.
وعلى هذا القولُ لا يدخلُ المتمذهبون في أهلِ الإجماعِ.
وحديثي عند غيرِ أربابِ هذا القولِ.
رابعًا: إذا كان المتمذهبُ بالغًا درجةَ الاجتهادِ، ومنتسبًا إلى مذهبِ إمامِه (متمذهبًا بالاسم فقط)، فيُعْتَدُّ بقولِه في انعقادِ الإجماع؛ لأنَّه مجتهدٌ مطلقٌ، وانتسابُه إلى المذهبِ لا يؤثر على آرائِه الاجتهاديةِ.
يقولُ ابنُ الصلاحِ عن المتمذهب البالغِ درجة الاجتهادِ المطلقِ في الشريعةِ: "فتوى المنتسبين في هذه الحالةِ في حُكْمِ فتوى المجتهدِ المستقلِّ المطلقِ، يُعْمَلُ بها، ويُعْتَدُّ بها في الإجماعِ، والخلافِ"
(4)
.
وبعَد هذا، فقد سَبَقَ وأنْ ذكرتُ أنَّ التمذهبَ يكون في أصولِ الفقه، وفي الفقه، وسأتحدث هنا عن الاعتدادِ بقولِ المتمذهب في الإجماعِ على المسائل الأصوليةِ، وعن الاعتدادِ بقولِه في الإجماعِ على المسائلِ الفقهيةِ، وسأجعلُ الحديثَ في القسمين الآتيين:
(1)
هو: القاضي أبو بكر الباقلاني.
(2)
رفع النقاب (4/ 666 - 667).
(3)
انظر: المستصفى (1/ 342)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (1/ 228)، ولباب المحصول لابن رشيق (1/ 389)، ونفائس الأصول (6/ 2868).
(4)
أدب المفتي والمستفتي (ص/ 94). وانظر: صفة الفتوى (ص/ 18).
القسم الأول: الاعتدادُ بقولِ المتمذهب في الإجماع على المسائلِ الأصوليةِ.
القسم الثاني: الاعتدادُ بقولِ المتمذهبِ في الأجماع على المسائلِ الفقهيةِ.
القسم الأول: الاعتداد بقول المتمذهب في الإجماع على المسائل الأصولية.
إذا كان محلُّ النظرِ مسألةً أصوليةً، فهلْ ينعقدُ الإجماعُ دونَ التفاتٍ إلى موافقةِ المتمذهبين؟
لا شد في أنَّ المعوَّلَ عليه في أهلِ الإجماعِ على المسائل الأصولية هم الأصوليون، وبناءً عليه: إذا كانَ المتمذهبُ عارفًا بأصولِ الفقه، بحيثُ يصدقُ عليه أنَّه أصولي
(1)
، فلا ريبَ في الاعتدادِ بقولِه في الإجماعِ حينئذٍ؛ إذ المعتبرُ في كلِّ علمٍ أهلُه المجتهدون فيه
(2)
، والمتمذهبُ الأصولي مِنْ أهلِ الاجتهادِ والنظرِ في علمِ أصولِ الفقهِ، ويكون شأنُه شأنَ أربابِ العلومِ الأخرى - كالحديثِ والتفسيرِ واللغةِ ونحوها - الذين لا ينعقدُ الإجماعُ في مسائلِ العلمِ الذي ينتمون إليه إلا بهم.
يقولُ بدرُ الدين الزركشي عن الاعتدادِ بقولِ المجمعين: "لا خلافَ في اعتبارِ قولِ
…
الأصولي في الأصولِ"
(3)
.
(1)
انظر: شرح اللمع (2/ 724)، وشرح مختصر الروضة (3/ 37)، وكشف الأسرار للبخاري (3/ 240).
(2)
انظر: المحصول في علم أصول الفقه للرازي (4/ 198)، والحاصل من المحصول (2/ 724)، ومنهاج الوصول للبيضاوي (2/ 831) مع شرحه السراج الوهاج، ونهاية الوصول للهندي (6/ 2651)، وشرح مختصر الروضة (3/ 36)، وتقريب الوصول لابن جزي (ص/ 330)، والإبهاج في شرح المنهاج (5/ 2121)، والبحر المحيط (4/ 465)، وتشنيف المسامع (3/ 84)، ولمع اللوامع لابن رسلان القسم الثاني (1/ 7)، ورفع النقاب للشوشاوي (4/ 666).
(3)
البحر المحيط (4/ 466).
أمَّا إذا كان المتمذهبُ مقتصرًا على حفظِ الفروعِ، ولا معرفةَ له بأصولِ الفقهِ، أو كان يعرفُ أصولَ الفقه معرفةً فيها ضعفٌ، أو دونَ اهتمامِ بأدلة مسائل الأصولِ: فلا يعتدُّ بقولِه في المجمعين على المسائل الأصولية في هذه الحالةِ
(1)
.
ويدلُّ على عدمِ الاعتدادِ بقولِ المتمذهبِ الذي هذا حاله الآتي:
أولًا: أنَّ المتمذهبَ الذي حكيتُ حالَه كالعامي بالنسبةِ إلى أهلِ أصولِ الفقهِ
(2)
.
ثانيًا: سيكون قولُ غيرِ الأصولي في أصولِ الفقه عن غير دليلٍ؛ لأنَّه غيرُ عالمٍ بأدلتِه، والقولُ بلا دليلٍ جهلٌ وخطأٌ
(3)
.
يقولُ الطوفيُّ: "الفقيه الذي لا يعرفُ العربيةَ أو الأصولَ بالنسبةِ إلى النحاةِ والأصوليين، كالفلَّاحِ بالنسبةِ إلى الفقهاءِ"
(4)
.
وأنبّه إلى أنَّ المرداويَّ قد ذَكَرَ قولًا مفاده أنَّ هناك مَنْ قال بالاعتدادِ بقولِ الفروعي في أصولِ الفقهِ
(5)
.
ويظهرُ لي أنَّ المرداويَّ واهمٌ في إطلاقِ القولِ السابقِ؛ إذ لم أقفْ - فيما رجعتُ إليه من مصادر - على مَنْ قالَ أو ذَكَرَ قولًا بالاعتدادِ بقولِ
(1)
انظر: المحصول في علم أصول الفقه للرازي (4/ 198)، والحاصل من المحصول (2/ 724)، ومنهاج الوصول للبيضاوي (2/ 831) مع شرحه السراج الوهاج، ونهاية الوصول للهندي (6/ 2651)، وشرح مختصر الروضة (3/ 36)، وتقريب الوصول لابن جزي (ص/ 330)، والإبهاج في شرح المنهاج (5/ 2121)، والبحر المحيط (4/ 465)، وتشنيف المسامع (3/ 84)، ولمع اللوامع لابن رسلان، القسم الثاني (1/ 7)، ورفع النقاب للشوشاوي (4/ 666).
(2)
انظر: نهاية الوصول للهندي (6/ 2651)، والسراج الوهاج للجاربردي (2/ 831)، وتنشيف المسامع (3/ 84)، ورفع النقاب للشوشاوي (4/ 666)، وسلم الوصول لمحمد المطيعي (3/ 304).
(3)
انظر: نهاية السول للإسنوي (3/ 304 - 305)، والبحر المحيط (4/ 465).
(4)
شرح مختصر الروضة (3/ 36).
(5)
انظر: التحبير (4/ 1557).
الفروعي في أصولِ الفقهِ، إلا إنْ كان قصدُ المرداوي فيما ذَكَرَ بناءً على القولِ بالاعتدادِ بالعامي في الإجماعِ، فعند القائلين بهذا القولِ يُعْتَدُّ بقولِ الفروعي في الإجماعِ على المسائل الأصوليةِ مِنْ بابٍ أولى، وقد سَبَقَت الإشارةُ إلى هذا الأمرِ قبلَ قليلٍ.
القسم الثاني: الاعتداد بقول المتمذهب في الإجماع على المسائل الفقهية.
إذا كان محلُّ النظرِ مسألةً فقهيةً، فهل يُعْتَدُّ بقولِ المتمذهبِ في هذه الحالة، بحيثُ لا ينعقدُ الإجماعُ بدونِه؟
يمكنُ القول: إنَّ للمتمذهبِ في هذا القسم حالتين:
الحالة الأولى: أن يكونَ المتمذهبُ أصوليًا.
الحالة الثانية: أن يكونَ المتمذهبُ فقيهًا
(1)
.
الحالة الأولى: أنْ يكونَ المتمذهبُ أصوليًا.
إذا كان الغالبُ على المتمذهبِ اعتناؤه بأصولِ الفقهِ، وتحرير مسائلِه، بحيثُ يطغى ذلك على معرفتِه بالفقهِ وبالفروعِ، فهل يُعْتَدُّ بقولِ المتمذهب الذي هذه صفته في انعقادِ الإجماعِ، بحيثُ لا ينعقدُ الإجماع على مسألَةٍ فقهيةٍ إلا بموافقتِه؟
اهتمَّ الأصوليون بالحديثِ عن مسألةِ: الاعتدادِ بقولِ الأصولي في الإجماعِ على المسائل الفقهيةِ، ولم تخلُ مؤلفاتهم عن الحديث عنها، وسأعرض المسألة في ضوء الآتي:
• تحرير محل النزاع:
حكَى الشيخُ محمد بخيت المطيعي الاتفاقَ على الاعتدادِ بقولِ الأصولي إذا كان متمكنًا مِن الاجتهادِ في الفقهِ، وجَعَلَ محلَّ الخلاف في
(1)
ليس المراد بالفقيه في هذا المبحث المجتهد، بل المراد حافظ الفقه، والمجتهد في مذهبه.
الأصولي الذي هو عامي بالنسبةِ للفقه
(1)
.
وما ذكره مِن الاعتدادِ بقولِ الأصولي إذا كان متمكنًا مِن الاجتهادِ في الفقهِ، وجيهٌ، لكنَّ الخلافَ فيما ظَهَرَ لي غيرُ قاصرٍ على الأصولي الذي هو كالعامي في الفقهِ
(2)
، بل يتعداه ليشملَ الأصوليَّ الماهرَ في الفقهِ.
• الأقوال في المسألة:
اختلفَ العلماءُ في الاعتدادِ بقولِ الأصولي في الإجماعِ على المسائلِ الفقهيةِ على أقوالٍ، أشهرها قولان:
القول الأول: لا يُعْتَدُّ بقولِ الأصولي في الإجماعِ على المسائلِ الفقهيةِ.
وهذا القولُ وجهٌ عند الشافعيةِ
(3)
، وهو مذهبُ الحنابلةِ
(4)
. ونَسَبَه إمامُ الحرمين الجويني
(5)
، ومجدُ الدين بنُ تيمية
(6)
، وتاجُ الدين بنُ السبكي
(7)
، وبدرُ الدين الزركشيُّ
(8)
إلى معظمِ الأصوليين. ونسبه ابنُ مفلحٍ
(9)
، وابنُ اللحامِ
(10)
، وأمير باد شاه
(11)
إلى الجمهورِ. ونسبه المرداوي إلى أكثرِ العلماءِ
(12)
.
وهو قولُ الإمامِ أحمدَ
(13)
، واختاره: أبو الحسنِ الكرخي
(14)
،
(1)
انظر: سلم الوصول (2/ 305).
(2)
انظر: تحفة المسؤول للرهوني (2/ 239).
(3)
انظر: البحر المحيط (4/ 466).
(4)
انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 398)، والتحبير (4/ 1556).
(5)
انظر: البرهان (1/ 440).
(6)
انظر: المسودة (2/ 643).
(7)
انظر: الإبهاج في شرح المنهاج (5/ 2126).
(8)
انظر: البحر المحيط (4/ 466).
(9)
انظر: أصول الفقه (2/ 398).
(10)
انظر: المختصر في أصول الفقه (ص/ 75).
(11)
انظر: تيسير التحرير (3/ 224).
(12)
انظر: التحبير (4/ 1556).
(13)
انظر: العدة (4/ 1136)، والمسودة (2/ 643)، وأصول الفقه لابن مفلح (2/ 398)، والتحبير (4/ 1556).
(14)
انظر: مسائل الخلاف للصيمري (ص/ 336).
والقاضي أبو يعلى
(1)
، وأبو إسحاقَ الشيرازي
(2)
، وإمامُ الحرمين الجويني
(3)
، وفخر الإسلام البزدوي
(4)
، وأبو حامدٍ الغزالي في كتابِه:(المنخول)
(5)
، وأبو الخطاب
(6)
، والموفقُ بن قدامة
(7)
، ومجدُ الدين بنُ تيمية
(8)
، وابنُ الحاجب
(9)
، ومالَ إليه شهابُ الدين القرافي
(10)
، وهو قولُ جلالِ الدين السيوطي
(11)
.
القول الثاني: يُعْتَدُّ بقولِ الأصولي في الإجماعِ على المسائلِ الفقهيةِ.
وهذا القول وجهٌ عند الشافعيةِ
(12)
.
وهو قولُ المعتزلة
(13)
.
ونَسَبَه القاضي أبو يعلى
(14)
، وأبو إسحاقَ الشيرازي
(15)
، وأبو المظفرِ السمعاني
(16)
، ومجدُ الدين بنُ تيمية
(17)
إلى قومٍ مِن المتكلمين.
ونَسَبَ أبو إسحاقَ الشيرازي
(18)
، وإمامُ الحرمين الجويني
(19)
، وتاجُ الدين السبكي
(20)
إلى القاضي أبي بكرٍ الباقلاني الاعتدادَ بقولِ الأصولي المبرزِ في الفقهِ.
(1)
انظر: العدة (4/ 1136).
(2)
انظر: التبصرة (ص/ 371)، وشرح اللمع (2/ 724).
(3)
انظر: البرهان (1/ 440).
(4)
انظر: أصول البزدوي (3/ 239) مع شرحه كشف الأسرار.
(5)
انظر: (ص/ 311).
(6)
انظر: التمهيد في أصول الفقه (3/ 250).
(7)
انظر: روضة الناظر (2/ 454).
(8)
انظر: المسودة (2/ 643).
(9)
انظر: مختصر منتهى السول (1/ 443).
(10)
انظر: شرح تنقيح الفصول (ص/ 342)، ونفائس الأصول (6/ 2868).
(11)
انظر: شرح الكوكب الساطع (3/ 278).
(12)
انظر: البحر المحيط (4/ 466).
(13)
انظر: شرح العمد (1/ 166).
(14)
انظر: العدة (4/ 1136).
(15)
انظر: التبصرة (ص/ 371).
(16)
انظر: قواطع الأدلة (3/ 240).
(17)
انظر: المسودة (2/ 643).
(18)
انظر: شرح اللمع (2/ 724).
(19)
انظر: البرهان (1/ 440).
(20)
انظر: الإبهاج في شرح المنهاج (5/ 2126)، ورفع الحاجب (2/ 174).
ونَسَبَ أبو حامدٍ الغزالي إلى القاضي أبي بكر الباقلاني الاعتدادَ بقولِ الأصولي، دون تقييدِه بالمهارةِ والبروزِ في الفقهِ
(1)
.
واختارَ القول الثاني: القاضي عبدُ الجبار المعتزلي
(2)
، والقاضي عبدُ الوهاب المالكي - كما نسبه إليه مجدُ الدين بنُ تيمية
(3)
- وأبو حامد الغزالي في كتابِه: (المستصفى)
(4)
، والفخرُ الرازي
(5)
، وابنُ رشيقٍ المالكي
(6)
، وابنُ التلمساني
(7)
، وتاجُ الدّينِ الأرموي
(8)
، وسراجُ الدّينِ الأرموي
(9)
، وصفيُّ الدين الهندي
(10)
، والطوفيُّ
(11)
، ومحمدٌ الخضري
(12)
.
وقوَّى المرداويُّ هذا القولَ
(13)
.
• أدلة القولين:
أدلةُ أصحابِ القولِ الأولِ: استدل أصحابُ القولِ الأولِ بأدلةٍ، منها:
(1)
انظر: المنخول (ص/ 311).
(2)
انظر: المعتمد (2/ 492)، وشرح العمد (1/ 166).
(3)
انظر: المسودة (2/ 643)، وقارن بشرح تنقيح الفصول (ص/ 342).
(4)
انظر: (1/ 342).
(5)
انظر: المحصول في أصول الفقه (4/ 198).
(6)
انظر: لباب المحصول (1/ 399). وابن رشيق المالكي هو: الحسين بن أبي الفضائل عتيق بن الحسين بن عتيق بن رشيق الربعي، أبو علي جمال الدين، ولد بمدينة الإسكندرية بمصر سنة 549 هـ تلقى العلم عن شيوخ عصره، كان شيخ المالكية في عصره، إمامًا فقيهًا أصوليًا، عالمًا بأصول الدين والخلاف، صلبًا في دينه، ورعًا متقللًا من الدنيا، صبورًا على إلقاء الدروس ونشر العلم، وقد انتفع الناس به، وكان مدار الفتيا عليه في الديار المصرية، من مؤلفاته: لباب المحصول في علم الأصول - مختصر للمستصفى - توفي بمصر سنة 632 هـ انظر ترجمته في: التكملة لوفيات النقلة للمنذري (3/ 387)، وتاريخ الإسلام للذهبي (14/ 68)، والوافي بالوفيات للصفدي (12/ 421)، والديباج المذهب لابن فرحون (1/ 333)، وحسن المحاضرة للسيوطي (1/ 424)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 166).
(7)
انظر: شرح المعالم (2/ 106).
(8)
انظر: الحاصل من المحصول (2/ 724).
(9)
انظر: التحصيل من المحصول (2/ 82).
(10)
انظر: نهاية الوصول (6/ 2652).
(11)
انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 39).
(12)
انظر: أصول الفقه (ص/ 342).
(13)
انظر: التحبير (4/ 1556).
الدليل الأول: أنَّ مَنْ لا معرفةَ له بطُرُقِ الاجتهادِ، وأدلةِ الفقهِ التفصيليةِ، وردِّ الفروعِ إلى أدلتِها، فإنَّه يجري في الفقهِ وأحكامِ الشرعِ مجرى العامي؛ لأنَّهما لا يعرفانِ أدلةَ الأحكام على التفصيلِ، والعامي لا يُعْتَدُّ بقولِه، فكذا الأصولي
(1)
.
يقولُ أبو إسحاقَ الشيرازي: "لأنَّه - أي: الأصولي - يَعْرِفُ أنَّ الأمرَ يقتضي الوجوبَ، وله صيغةٌ، وأنَّه قد يقتضي الندبَ، وكذلك يَعْرِفُ استنباطَ العللِ، وما يصحُّ منها وما لا يصحُّ على طريقِ الإجمالِ، وأمَّا إذا سُئِلَ عن مسألة مِنْ مسائلِ الاجتهادِ مِن الفروعِ، فإنَّه لا يَعْلَمُ دليلَ تلك المسألةِ، لا مِنْ جهةِ النطقِ، ولا مِن جهةِ الاستنباطِ"
(2)
.
مناقشة الدليل الأول: إذا عَرَفَ المتمذهبُ أصولَ الفقه أمكنه ردّ الفروعِ إلى أصولِها
(3)
.
الجواب عن المناقشة: ليس كلُّ مَنْ عَرَفَ أصولَ الفقه أَمْكَنَه أنْ يَرُدَّ الفروعَ إلى أصولِها، بل لا بُدَّ مِنْ معرفةِ معانيها ونظائرِها حتى يقيسَ عليها
(4)
.
الدليل الثاني: أنَّ أهلَ الإجماعِ هم مَنْ كانت معهم آلةُ الاجتهادِ التي يُتَوَصَّلُ بها إلى معرفةِ الحُكْمِ - بأنْ يَعْرِفَ القياسَ وأحكامَ المسائل وعللها حتى يقيس نظائرها عليها - ومَنْ لا يَعْرِفُ أحكامَ الفروعِ، وأدلتها التفصيلية، لا يتمكنُ مِنْ هذا، فلا يكون مِنْ أهلِ الإجماعِ، ويكونُ شأنُه شأنَ مَنْ عَرَفَ اللغةَ والحسابَ وغيرَ هذا مِنْ أنواعِ العلومِ
(5)
.
(1)
انظر: العدة (4/ 1137)، والتبصرة (ص/ 371)، والمنخول (ص/ 311)، والواضح في أصول الفقه (5/ 181)، وشرح المعالم لابن التلمساني (2/ 106).
(2)
شرح اللمع (2/ 724 - 725)
(3)
انظر: العدة (4/ 1137).
(4)
انظر: المصدر السابق.
(5)
انظر: المصدر السابق، وشرح اللمع (2/ 724)، وروضة الناظر (2/ 456)، والبحر المحيط (4/ 466)، وتشنيف المسامع (3/ 84).
الدليل الثالث: لا يجوزُ تقليدُ الأصولي في النوازلِ؛ إذ إنَّه ليس مِن المفتين، بلْ هو مِن المستفتين، وإذا لم يجزْ تقليدُه لم يُعْتَدَّ بقولِه في الإجماعِ
(1)
.
أدلةُ أصحابِ القولِ الثاني: استدلَّ أصحابُ القولِ الثاني بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: أنَّ الأدلةَ الدالةَ على حجيةِ الإجماع تتناول الأصوليَّ بعمومِها
(2)
، كقوله تعالى:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}
(3)
، وقولِه صلى الله عليه وسلم:(لا تجتمع أمتي على ضلالةٍ)
(4)
، وغيرهما من النصوصِ العامّةِ التي لم يدخلْها
(1)
انظر: شرح العمد (1/ 167)، والتبصرة (ص/ 371)، والبرهان (1/ 440)، والمنخول (ص/ 311)، ومختصر منتهى السول لابن الحاجب (1/ 446)، والإبهاج في شرح المنهاج (5/ 2126)، ورفع الحاجب (2/ 175)، والبحر المحيط (4/ 466).
(2)
انظر: المعتمد (2/ 492)، والتلخيص في أصول الفقه للجويني (3/ 42).
(3)
من الآية (115) من سورة النساء.
(4)
جاء الحديث عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، فمن هؤلاء:
أولًا: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، ولفظه:(إنَّ أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم)، وأخرجه: ابن ماجه في: سننه، كتاب: الفتن، باب: السواد الأعظم (ص/ 651)، برقم (3950)؛ وعبد بن حميد في: المنتخب (2/ 243)، برقم (1218)؛ وابن أبي عاصم في: السنة، باب: ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمره بلزوم الجماعة (ص/ 41)، برقم (83، 84)؛ واللالكائي في: شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 117)، برقم (153)؛ والخطيب البغدادي في: الفقيه والمتفقه (1/ 410)، برقم (422).
وضعف ابن مفلح في: أصول الفقه (2/ 378) إسناد الحديث، وضغف الألبانيُّ الحديث في: سلسلة الأحاديث الضعيفة (6/ 435)، وحسَّن في: تعليقه على السنة لابن أبي عاصم (ص/ 41) شطرَ الحديث الأول؛ بشواهده.
وأخرج الحاكم في: المستدرك، كتاب: العلم (1/ 152)، برقم (400) حديثًا عن أنس بمعناه، وضعفه؛ لأنَّ في سنده مبارك بن سحيم، وقال عنه:"فإنَّه ممن لا يمشي في مثل هذا الكتاب، لكني ذكرته اضطرارًا".
ثانيًا: حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، ولفظه: (إنَّ الله أجاركم من ثلاث خلال:
…
ولا تجتمعوا على ضلالة)، وأخرجه: أبو داود في: سننه، كتاب: الفتن والملاحم، باب: ذكر الفتن ودلائلها (ص/ 633)، برقم (4253)؛ وابن أبي عاصم في: السنة، باب: ما ذكر عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= النبي صلى الله عليه وسلم من أمره بلزوم الجماعة (ص/ 44)، برقم (92)؛ والطبراني في: المعجم الكبير (3/ 292)، برقم (3440)؛ والدارقطني في: سننه، كتاب: الأقضية والأحكام، باب: من الشهادات (5/ 440)، برقم (4607)؛ والخطيب البغدادي في: الفقيه والمتفقه (1/ 407)، برقم (418).
والحديث ضعيف؛ وأعله ابنُ القطان في: بيان الوهم والإيهام (2/ 537) بالانقطاع.
ويقول ابن حجر في: التلخيص الحبير (5/ 2225): "في إسناده انقطاع". وانظر: المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج للزركشي (ص/ 58).
ثالثًا: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ولفظه:(إنَّ الله لا يجمع أمتي - أو أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومَنْ شَذَّ شَذَّ في النار)، وأخرجه: الترمذي في: جامعه، كتاب: الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: ما جاء في لزوم الجماعة (ص/ 490)، برقم (2167)، وقال:"هذا حديث غريب من هذا الوجه .. وفي الباب: عن ابن عباس". وابن أبي عاصم في: السنة، باب: ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمره بلزوم الجماعة (ص/ 39)، برقم (80)؛ والطبراني في: المعجم الكبير (12/ 3402)، برقم (13623)؛ والحاكم في: المستدرك، كتاب: العلم (1/ 150)، برقم (397)، وساق الحاكم الاختلاف الواقع في إسناد الحديث على المعتمر بن سليمان. واللالكائي في: شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 118)، برقم (154)؛ وأبو نعيم في: حلية الأولياء (3/ 37)؛ والبيهقي في: أسماء الله وصفاته، باب: ما جاء في إثبات اليدين (2/ 834)، برقم (707)، وقال:"أبو سفيان المديني، يقال: إنه سليمان بن سفيان، واختلف في كنيته، وليس بمعروف". والخطيب البغدادي في: الفقيه والمتفقه (1/ 408)، برقم (419).
وقال ابن حجر في: التلخيص الحبير (5/ 2225) عن هذا حديث ابن عمر: "فيه سليمان بن سفيان المدني، وهو ضعيف، وأخرج الحاكم شواهد له"، وضعفه ابن حجر في: إتحاف المهرة (8/ 531).
وانظر الاختلاف في إسناد الحديث في: العلل للدارقطني (12/ 392 - 393)، وإتحاف المهرة لابن جحر (8/ 529 - 531).
ثالثًا: حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ولفظه:(لا يجمع الله أمتي على ضلالة أبدًا، ويد الله على الجماعة)، وأخرجه: الحاكم في: المستدرك، كتاب: العلم (1/ 152)، برقم (399)، وقال:"فإبراهيم بن ميمون العدني هذا عدَّله عبدُ الرزاق، وأثنى عليه، وعبد الرزاق إمام أهل اليمن، وتعديله حجة". والبيهقي في: أسماء الله وصفاته، باب: ما جاء في إثبات اليدين (2/ 835)، برقم (707)، وقال:"تفرد به إبراهيم العدني".
وللحديث طرق أخرى عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم ساق بعضَها: ابنُ مفلح في أصول الفقه (2/ 386 - 376)، والزركشي في: المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج (58 - 62)، وختم الزركشيُّ تخريج الحديث بقوله: "واعلم أنَّ طرق هذا الحديث كثيرة، ولا يخلو من علة، وإنما أوردت =
التخصيصُ
(1)
.
مناقشة الدليل الأول: هذه النصوصُ مقصورةٌ على مَنْ هو مِنْ أهل الاجتهاد؛ بدليل: عدمِ إرادةِ العوام
(2)
.
الدليل الثاني: إذا كانَ يُعتبرُ قولُ مَنْ عَرَفَ أصولَ الفرائضِ، وإنْ لم يعرف الغامضَ فيها، فكذلك يُعتبرُ قولُ مَنْ عَرَفَ أصولَ الفقهِ، وإنْ لم يعرف الفقهَ؛ إذ يمكنه ردّ الفرعِ إلى أصلِه
(3)
.
مناقشة الدليل الثاني: لا يصحُّ إلحاقُ مَنْ عَرَفَ أصولَ الفقهِ بمَنْ عَرَفَ أصولَ الفرائضِ؛ وذلك للفرقِ بينهما، ووجه الفرقِ: يمكنُ لمَنْ عَرَفَ أصولَ الفرائضِ بناءُ فروعِها عليها بالحساب ونحوِه، بخلافِ مَنْ عَرَفَ أصولَ الفقهِ، فلا يمكنه بناءُ أحكامِ الفروعِ علَيه؛ لاختصاصِ الفروعِ بأدلةٍ لا يشاركها فيها أصولُ الفقهِ، ولأنَّ مَنْ لا يعرف الأحكامَ والفروعَ لا يمكنه معرفةُ النظيرِ؛ ليقيسَ عليه نظيرَه
(4)
.
الدليل الثالث: أنَّ الأصوليَّ يُضِيءُ لأهلِ الإجماعِ برأيه طُرُقَ
= منها ذلك؛ ليتقوى بعضها ببعض".
وقال ابن حجر في: التلخيص الحبير (5/ 2225) عن الحديث: "هذا حديث مشهور، له طرق كثيرة، لا يخلو واحدٌ منها مِنْ مقالٍ".
(1)
انظر: العدة (4/ 1138)، والتبصرة (ص/ 371)، وشرح اللمع (2/ 725)، وقواطع الأدلة (3/ 240 - 241)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (3/ 251)، والواضح في أصول الفقه (5/ 182)، والمحصول في علم أصول الفقه للرازي (4/ 197)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (1/ 228)، وكشف الأسرار للبخاري (3/ 240)، ونهاية السول (3/ 305).
(2)
انظر: العدة (4/ 1138)، والتبصرة (ص/ 371)، وشرح اللمع (2/ 725)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (3/ 251)، والواضح في أصول الفقه (5/ 183)، وكشف الأسرار للبخاري (3/ 240).
(3)
انظر: العدة (4/ 1138)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (3/ 252)، والواضح في أصول الفقه (5/ 182).
(4)
انظر: المصادر السابقة.
الاجتهادِ، فهم يستهدون بنهجِه، وإذا كان ذلك كذلك، فيعتبرُ رأيُه، فإذا خالفَ غيرَه في حُكْمٍ، فإنَّ خلافَه يُشيرُ إلى رأي معتبرٍ، فيُعتدُّ بخلافِه ووفاقِه
(1)
.
الدليل الرابع: أنَّ الأصوليَّ متمكنٌ مِن الاجتهادِ، الذي هو طريقُ الاستنباطِ، ودَرْكِ الأحكامِ، وكيفيةِ دلالتِها، وكيفيةِ تلقيها مِنْ منطوقِ الدليلِ ومفهومِه، فهو قريب مِنْ مقصودِ الاجتهادِ وإنْ لم يحفظ الفروعَ، فَوَجَبَ اعتبارُ قولِه في أهلِ الإجماع
(2)
.
مناقشة الدليل الرابع: إنَّ مَنْ يعرف كيفيةَ الاستنباطِ، لكنَّه غيرُ عارفٍ بما يستنبطُ منه، فإنَّه غيرُ متمكنٍ مِن الاستنباطِ، ويكونُ حالُه كحالِ مَنْ يعرف النصوصَ، ولا يدري كيفيةَ تلقّي الأحكام منها
(3)
.
ومَنْ لا يعرفُ المسائلَ المتفقَ عليها والمختلفَ فيها، فإنَّه غيرُ متمكنٍ مِن الاجتهادِ؛ إذ مِنْ شرطِه: معرفة المسائلِ المجمعِ عليها
(4)
.
• الموازنة والترجيح:
يُمكنُ القولُ بأنَّه لا يُعتبرُ قولِ الأصولي الذي ليس له اهتمامٌ ولا معرفةٌ بالفقهِ في الإجماعِ على المسائل الفقهية، لأنَّه في هذه الحالةِ أشبه
(1)
انظر: التلخيص في أصول الفقه للجويني (3/ 42)، والبرهان (1/ 440)، والمنخول (ص/ 311)، والإبهاج في شرح المنهاج (5/ 2126).
(2)
انظر: المحصول في علم أصول الفقه للرازي (4/ 198)، وروضة الناظر (2/ 454 - 455)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدى (1/ 228)، وشرح المعالم لابن التلمساني (2/ 106)، والحاصل من المحصول (2/ 724)، والتحصيل من المحصول (2/ 82)، ونهاية الوصول للساعاتي (1/ 283)، ونهاية الوصول للهندي (6/ 2652)، وشرح مختصر الروضة (3/ 39)، وكشف الأسرار للبخاري (3/ 240)، والتقرير لأصول فخر الإسلام للبابرتي (5/ 342)، والبحر المحيط (4/ 466)، وتشنيف المسامع (3/ 84)، ورفع النقاب للشوشاوي (4/ 668).
(3)
انظر: روضة الناظر (2/ 456).
(4)
انظر: نفائس الأصول (6/ 2868).
بالعامي، ويكون شأنُه كغيرِ الأصولي لا يُعتدّ بقولِه في الإجماعِ على المسائلِ الأصوليةِ.
يقولُ الطوفيُّ واصفًا حالَ بعضِ الأصوليين: "ككثيرٍ مِن الأعاجمِ تتوفر دواعيهم على المنطقِ والفلسفةِ
(1)
والكلامِ، فيتسلطون به على أصولِ الفقهِ، إمَّا عن قصدٍ، أو استتباعٍ لتلك العلومِ العقليةِ، ولهذا جاءَ كلامُهم فيه عريًّا عن الشواهدِ الفقهيةِ المقرِّبةِ للفهمِ على المشتغلين، ممزوجًا بالفلسفةِ"
(2)
.
أمَّا إذا كانَ للأصولي اهتمامٌ وبَصرٌ بالفقهِ، لكنَّه غيرُ عالمٍ بتفاصيلِ الفروعِ والأحكامِ، فالأقربُ عندي هو الاعتدادُ بقولِه في الإجماعِ على المسائلِ الفقهيةِ؛ وذلك للآتي:
(1)
الفلسفة: لفظ يدل في الأصل اليوناني على محب الحكمة. انظر: الملل والنحل للشهرستاني (2/ 795)، وإغاثة اللهفان لابن القيم (2/ 1001)، والمعجم الفلسفي (ص/138).
وفي الاصطلاح: عرفت بعدَّة تعريفات، منها:
التعريف الأول: دراسة المبادئ الأولى، وتفسير المعرفة عقليًا. انظر: المعجم الفلسفي (ص/ 138).
التعريف الثاني: التشبه بالإله بحسب الطاقة البشرية؛ لتحصيل السعادة الأبدية. وهذا تعريف الجرجانيُّ في كتابه: التعريفات (ص/ 237)، وتبعه عبدُ الرؤوف المناوي في كتابه: التوقيف على مهمات التعاريف (ص/ 564).
التعريف الثالث: البحث عن العلل والمبادئ الأولى للموجودات، وإدراك الحقائق الثابتة للأشياء بقدر الطاقة البشرية. وهذا تعريف الدكتور محمد خليل هراس في كتابه: شرح القصيدة النونية (1/ 152).
ويقول ابن القيم في كتابه: إغاثة اللهفان (2/ 1002): "الفلاسفة اسم جنس لمن يُحب الحكمة ويؤثرها. وأخص من ذلك: أنه في عُرْف المتأخرين: اسم لأتباع أرسطو، وهم المشَّاؤون خاصة، وهم الذين هذَّب ابنُ سينا طريقتهم وبسطها وقررها، وهي التي يعرفها - ولا يعرف سواها - المتأخرون من المتكلمين".
وللاستزادة من التعريفات انظر: الملل والنحل للشهرستاني (2/ 795 وما بعدها)، وموقف شيخ الإسلام ابن تيمية من آراء الفلاسفة للدكتور صالح الغامدي (ص/ 60 وما بعدها)، وجناية التأويل الفاسد على العقيدة للدكتور محمد لوح (ص/ 399 وما بعدها)، والنفي في باب صفات الله عز وجل لأزرقي سعداني (ص/ 423 وما بعدها).
(2)
شرح مختصر الروضة (3/ 37).
أولًا: أن الأصوليَّ يَتَمَلّكُ أهمّ شرطٍ مِنْ شروطِ الاجتهادِ في الفقه، وهو معرفةُ أصولِ الفقهِ، إضافة إلى معرفتِه بالأحكامِ والفروعِ.
ثانيًا: لا يُخْشَى مِن وقوعِ الأصولي في هذه الحالةِ في مخالفةِ الإجماعِ السابقِ، ولا إتيانه بأقوال غريبةٍ.
يقولُ الطوفيُّ مبينًا أثرَ معرفةِ أصول الفقهِ في عقليةِ الأصولي وفهمِه: "إنَّ مباحثَ الأصولِ والعربيةِ عقليةٌ، وفيهما مِن القواطع كثيرٌ، فَيَتَنَقّح بها الذهنُ، ويقوى بها استعدادُ النفسِ لإدراكِ التصورات، والتصديقات
(1)
حتى يصير لها ذلك ملكةٌ، فإذا توجهتْ إلى الأحكامِ الفقهيةِ أدركتها؛ إذ هي في الغالبِ لا تخالف الأصولَ العقلية إلا بعارضٍ بعيدٍ، أو تخصيصِ علةٍ، ومع ذلك فهو لا يخفى على مَنْ مارسَ المباحثَ الأصوليةَ"
(2)
.
الحالة الثانية: أن يكون المتمذهب فقيهًا.
إذا كان المتمذهبُ مشتغلًا بالفقهِ والفروعِ - سواءٌ أبلغ درجةَ الاجتهادِ في المذهبِ، أو كان حافظًا لفروعِ مذهبِه - فهل يُعْتَدُّ بقولِه في الإجماعِ على المسائلِ الفقهيةِ، بحيثُ لا ينعقدُ الإجماعُ دونَ موافقتِه؟
ليس مِن الممكنِ إطلاقُ حُكْمٍ واحدٍ على المتمذهبين بالاعتدادِ بهم في الإجماعِ، أو عدمِه، بلْ لكلِّ طبقةٍ ما يخصها، وسأذكر الطبقةَ، وحكمَ الاعتدادِ بأهلِها في الإجماعِ:
(1)
التصديقات: جمع تصديق، والصديق: إدراك الماهية مع الحكم عليها بنفي أو إثبات. أو هو: إدراك النسبة بين مفردين فأكثر (إدراك معه حكم). انظر: التذهيب للخبيصي (ص/ 29)، وتحرير القواعد المنطقية لقطب الدين الرازي (ص/ 7)، ولقطة العجلان وبلة الظمآن للزركشي (ص/ 92)، والتعريفات للجرجاني (ص/ 123)، والتوقيف على مهمات التعريف للمناوي (ص/ 180)، وشرح الكوكب المنير (1/ 58)، وضوابط المعرفة لعبد الرحمن الميداني (ص/ 18)، وطرق الاستدلال ومقدماتها للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 33).
(2)
شرح مختصر الروضة (3/ 39).
أولًا: المجتهدُ المقيّدُ في مذهبِ إمامٍ معيّنٍ (المخرِّج):
إذا كانَ المتمذهبُ بالغًا درجةَ الاجتهادِ المقيدِ في مذهبِه، قادرًا على تخريجِ أقوالٍ لإمامِه فيما لم يَرِدْ عنه فيها قولٌ، فهلْ يُعْتَدُّ بقولِه في الإجماعِ على المسائلِ الفقهيةِ، بحيث لا ينعقدُ الإجماعُ دونَ موافقتِه؟
يمكن تفصيلُ القولِ في ضوءِ الآتي:
- إنْ تحققَ للمتمذهب وصفُ الاجتهادِ الجزئي في الشريعةِ في بعضِ المسائلِ، فيُعتدُّ بقولِه فيهَا، ولا ينعقدُ الإجماعُ بدونه؛ ويكون ملحقًا بالمجتهدِ المطلقِ
(1)
.
يقولُ ابنُ رشيق المالكي: "كلُّ مَنْ كان متمكنًا مِن النظرِ في الواقعةِ، إمَّا بمتقدمِ حفظِه لأدلتِها، وإمَّا باطلاعِه الآن على مآخذِها، وتصحيحِ الصحيحِ منها، وإبطالِ الباطلِ: فيُعتدُّ بقولِه، ولا ينعقدُ الإجماعُ دونَه"
(2)
.
- إنْ لم يتحققْ للمتمذهبِ وصفُ الاجتهادِ الجزئي في المسألةِ محلِّ النظرِ، فهلْ يُعتدُّ بقولِه في انعقادِ الإجماع على المسائلِ الفقهيةِ؟
بتأمّلِ هذه المسألةِ وأحوالِ أهلِ طبقةِ المخرجين، ظَهَرَ لي أنَّه يُعتدُّ بأربابها في انعقادِ الإجماع؛ وذلك لاجتماعِ شروطِ الاجتهادِ الرئيسة فيهم
(3)
، ومِنْ أهمِّها: معرفةُ أصولِ الفقهِ.
ولأنَّ هناك من قال: إنَّ القولَ التي يتوصلُ إليه المخرِّج هو قولٌ مخرَّج لإمامِه المجتهدِ، فكأنَّ الإمامَ هو مَنْ أفصحَ بالقولِ في المسألةِ
(4)
.
يقول ابن حمدان: "ثمَّ إنَّ المستفتي فيما يفتيه - أي: المخرِّج - مقلِّدٌ لإمامِه، لا له.
(1)
انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 96)، وصفة الفتوى (ص/ 18).
(2)
لباب المحصول (1/ 399).
(3)
انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 94 - 95).
(4)
انظر: المصدر السابق (ص/ 95).
وقيل: ما يخرِّجه أصحابُ الإمامِ على مذهبِه، هل يجوزُ أنْ يُنسبَ إليه، وأنَّه مذهبُه؟
فيه - لنا ولغيرنا - خلافٌ وتفصيلٌ"
(1)
.
ولعلَّ في قولِ مَنْ قال بتأدي فرضِ الكفايةِ في الفتوى بالمخرِّجِ
(2)
إشارةً إلى الاعتدادِ بالقولِ الذي توصّلَ إليه.
ويُؤكّدُ الاعتداد بقولِ المتمذهب في هذه الحالة: أنَّ العلماءَ ما زالوا على مرِّ العصورِ يُبَيّنون خلافَ المذاهبِ في المسائلِ الفرعيةِ اعتمادًا على الكتبِ المذهبيةِ التي ألّفها مجتهدو المذهبِ.
ولأبي المظفرِ السمعاني كلامٌ محررٌ يمثلُ خُلاصةً جيّدةً يُبَيّنُها بقولِه: "مَنْ يكونُ حافظًا للأحكامِ والفروعِ بدلائلِها وعللِها، مُشْرِفًا على الأصولِ في ترتيبِها ولوازمِها، عارفًا سُبُلَها، وأدلتها وعللها: فهذا أكملُ الفقهاءِ عِلْمًا، وأصحِّهم اجتهادًا، وهذه الطبقةُ هم الذين يُرجعُ إليهم في الإجماعِ، والاختلافِ.
وأمَّا مَنْ يكونُ حافظًا للأحكامِ والفروعِ بدلائلِها وعللِها، غير عارفٍ بالأصولِ وترتيبها ولوازمها: فيصحُّ اجتهادُه فيما يقتضيه التعليلُ والشبهُ، ولا يصحُّ اجتهادُه فيما تقتضيه دلائلُ الأصولِ، فما يصحُّ اجتهاده فيه ارتفع الإجماعُ بخلافِه، وما لا يصح اجتهادُه فيه لم يرتفع الإجماعُ بخلافِه"
(3)
.
ثانيًا: مجتهد الترجيح (أو مجتهد الفتيا)، والحافظ لمذهب إمامه
(4)
:
هلْ يُعْتَدُّ بقولِ مجتهدِ الترجيح، وبقولِ الحافظِ لمذهبِ إمامِه في
(1)
صفة الفتوى (ص/ 20).
(2)
كما ذهب إليه: ابنُ الصلاح في: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 95)، وابنُ حمدان في: صفة الفتوى (ص/ 19).
(3)
قواطع الأدلة (3/ 244 - 245).
(4)
جعلت الحديث عن مجتهد الترجيح والحافظ لمذهب إمامه في سياق واحد؛ لاتفاقهما في الأحكام في هذه المسألة.
الإجماعِ على المسائلِ الفقهيةِ، بحيثُ لا ينعقدُ الإجماعُ إلا بموافقتِهما فيما لو ذكرا قولًا في المسألةِ؟
يمكنُ بيانُ حالِ مجتهدِ الترجيحِ، والحافظِ لمذهبِ إمامِه في ضوءِ التفصيلِ الآتي:
- إنْ تحقّقَ لمجتهدِ الترجيحِ، أو لحافظِ المذهب وصفُ الاجتهادِ المقيَّدِ بالتخريجِ على أصولِ مذهبِه وفروعِه في بعضِ المسَائل: فلهما حُكْمُ المجتهدِ المقيَّد فيها؛ والذي يظهرُ لي أنَّه يعتدُّ بقولِهما في الإجماعِ على المسائل التي تحققَ لهما فيها وصفُ الاجتهادِ المقيَّدِ.
- إنْ لم يتحققْ لمجتهدِ الترجيحِ، أو لحافظِ المذهب وصفُ الاجتهادِ المقيَّدِ، واقتصر مجتهدُ الترجيحِ على الترجيحِ، والحافظُ عَلى حفظِ مذهبِه، مع بروزِهما في الفقهِ، وعدمِ معرفتِهما بأصولِ الفقهِ: فما ذكره الأصوليون في مسألةِ: (الاعتداد بقولِ الفقيه الذي لا معرفةَ له بأصولِ الفقهِ في الإجماعِ على المسائلِ الفقهيةِ)، صادقٌ على حالتهما هنا.
وقد اختلف الأصوليون في الاعتدادِ بقولِ الفقيه الذي لا معرفةَ له بأصولِ الفقهِ في الإجماعِ على قولين:
القول الأول: لا يُعْتَدُّ بقولِ الفقيهِ في الإجماعِ على المسائل الفقهيةِ.
وهذا القولُ هو مذهبُ الحنابلةِ
(1)
. ونَسَبَه ابنُ مفلحٍ
(2)
، وابنُ اللحامِ
(3)
، وأمير باد شاه
(4)
إلى الجمهورِ.
واختاره جمعٌ مِنْ محققي أصول الفقه، منهم: إمامُ الحرمين الجويني
(5)
، وفخرُ الإسلام البزدوي
(6)
، وأبو المظفرِ السمعاني
(7)
، والفخرُ
(1)
انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 398)، والتحبير (4/ 1556).
(2)
انظر: أصول الفقه (2/ 398).
(3)
انظر: المختصر في أصول الفقه (ص/ 75).
(4)
انظر: تيسير التحرير (3/ 224).
(5)
انظر: البرهان (1/ 441).
(6)
انظر: أصول البزدوي (3/ 239) مع شرحه كشف الأسرار.
(7)
انظر: قواطع الأدلة (3/ 244).
الرازي
(1)
، والموفقُ بن قدامة
(2)
، وابنُ الحاجبِ
(3)
، وسراجُ الدين الأرموي
(4)
، والطوفيُّ
(5)
.
القول الثاني: يُعْتَدُّ بقولِ الفقيهِ في الإجماعِ على المسائل الفقهية.
وهذا قولُ بعضِ الحنابلةِ
(6)
. واختاره: أبو حامد الغزالي
(7)
.
وذَكَرَ القولَ دون نسبةٍ إلى أحدٍ جمعٌ مِن الأصوليين، منهم: إمامُ الحرمين الجويني
(8)
، وأبو حامدٍ الغزالي
(9)
، والموفقُ بن قدامة
(10)
، والآمديُّ
(11)
، وابنُ التلمساني
(12)
، وابنُ الحاجبِ
(13)
، وصفيُّ الدين الهندي
(14)
، والطوفيُّ
(15)
، وعبدُ العزيز البخاري
(16)
، وعضدُ الدين الإيجي
(17)
، وابنُ مفلح
(18)
، وأبو زكريا الرهوني
(19)
، ومحمدٌ البابرتي
(20)
، وأبو علي الشوشاوي
(21)
.
(1)
انظر: المحصول في علم أصول الفقه (4/ 198).
(2)
انظر: روضة الناظر (2/ 454).
(3)
انظر: مختصر منتهى السول (1/ 443).
(4)
انظر: الحاصل من المحصول (2/ 724).
(5)
انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 39).
(6)
انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 399).
(7)
انظر: المنخول (ص/ 311)، والمستصفى (2/ 342).
(8)
انظر: التلخيص في أصول الفقه (3/ 41).
(9)
انظر: المستصفى (2/ 342).
(10)
انظر: روضة الناظر (2/ 454).
(11)
انظر: الإحكام في أصول الأحكام (1/ 228).
(12)
انظر: شرح المعالم (2/ 106).
(13)
انظر: مختصر منتهى السول (1/ 443).
(14)
انظر: نهاية الوصول (6/ 2652).
(15)
انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 39).
(16)
انظر: كشف الأسرار (3/ 240).
(17)
انظر: شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 33).
(18)
انظر: أصول الفقه (2/ 398).
(19)
انظر: تحفة المسؤول (2/ 239).
(20)
انظر: التقرير لأصول فخر الإسلام (5/ 342).
(21)
انظر: رفع النقاب (4/ 668).
• أدلة القولين:
أدلةُ أصحابِ القولِ الأولِ: استدلَّ أصحابُ القولِ الأول بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: مِنْ شرطِ الاجتهادِ معرفةُ أصولِ الفقهِ، وإذا عُدِمَتْ معرفة الأصول فُقِدَ الاجتهادُ، وإذا فُقِدَ الاجتهادُ عُدِمُ الإجماعُ
(1)
، ويكون حكمُ الفقيه في هذه الحالةِ حكمَ العامي
(2)
.
الدليل الثاني: أنَّ الحافظَ للأحكامِ غيرُ قادرٍ على إقامةِ الدليلِ
(3)
، فلا يُعْتَدُّ بقولِه؛ وبيان ذلك: أنَّ الحافظَ للأحكامِ؛ لجهلِه بأصولِ الفقهِ لا يمكنُه التمييزُ بين الصواب والخطأِ في الاستدلالِ بالأدلةِ، فكيفَ يُعتبرُ قولُه؟ ! وهو فاقدٌ لأهليةِ التمييزِ بين دلالةِ الأدلةِ
(4)
.
الدليل الثالث: لا يجوز تقليدُ الحافظِ للأحكامِ في النوازلِ، إذ إنَّه ليس من المفتين، بلْ هو من المستفتين، وإذا لم يجزْ تقليدُه لم يُعْتَدَّ بقولِه
(5)
.
أدلةُ أصحابِ القولِ الثاني: استدلَّ أصحابُ القولِ الثاني بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: أنَّ الفقيهَ العارفَ بالفقهِ عالمٌ بتفاصيلِ الأحكامِ
(1)
انظر: البرهان (1/ 441)، ورفع النقاب (4/ 669).
(2)
انظر: المحصول في علم أصول الفقه للرازي (4/ 198)، ونهاية الوصول للهندي (6/ 2652).
(3)
انظر: أصول الفقه لابن مفلح (2/ 399).
(4)
انظر: التحصيل من المحصول (2/ 82)، ونهاية الوصول للساعاتي (1/ 282).
(5)
انظر: شرح العمد (1/ 167)، والتبصرة (ص/ 371)، والبرهان (1/ 440)، والمنخول (ص/ 311)، ومختصر منتهى السول لابن الحاجب (1/ 446)، والإبهاج في شرح المنهاج (5/ 2126)، ورفع الحاجب (2/ 175)، وتحفة المسؤول للرهوني (2/ 239) والتقرير لأصول فخر الإسلام للبابرتي (5/ 342).
والفروعِ، فيُعْتَبُر قولُه في الإجماعِ
(1)
.
الدليل الثاني: أنَّ للفقيهِ العارفِ بالفقه والفروِعِ أهليةً في العِلْم، ومعرفةً بالأحكامِ، وهذه لا وجودَ لها في العامي، فوَجَبَ اعتبارُها
(2)
، ليحصلَ الفرقُ بينه وبين العامي.
الدليل الثالث: أنَّ الحافظَ للأحكامِ يَعْرِفُ مواقعَ الاتفاقِ والاختلافِ، فمخالفتُه في المسألةِ تدل على تقدم الخلافِ فيها؛ إذ لو كان متّفَقًا على حكمِها لما خَالَف
(3)
.
مناقشة الدليل الثالث: لا نُسلّم ما ذكرتموه في دليلِكم، فقد تكونُ المسألةُ محلُّ النظرِ نازلةً في العصرِ غيرَ واقعةٍ في العصرِ السابقِ، حتى نقول بالحاجةِ إلى موافقةِ الحافظِ للفروعِ.
ثم لو وَقَعَتْ في العصرِ الأول، فقد لا يَعْرِفُ الحافظ للفروعِ الأقوالَ فيها؛ لعدم وصولِها إليه، فلا تدلُّ عدمُ موافقتِه على تقدّمِ الخلافِ، ولذا لا تُعتبرُ موافقتُه في الإجماعِ
(4)
.
ويمكنُ أنْ يُستدلَّ لأصحاب القولِ الثاني بالدليلِ الأولِ لأصحاب القولِ الثاني في مسألةِ: (الاعتداد بقول الأصولي).
• الموازنة والترجيح:
بالنظرِ في القولين وما استدلوا به، يظهرُ لي رجحانُ القولِ الأولِ القائلِ بعدمِ الاعتدادِ بقولِ الفقيهِ العارفِ لأحكامِ الفروعِ في الإجماعِ على
(1)
انظر: كشف الأسرار للبخاري (3/ 240)، ورفع النقاب للشوشاوي (4/ 669).
(2)
انظر: الإحكام في أصول الأحكام (1/ 228)، ونهاية الوصول للهندي (6/ 2652)، وكشف الأسرار للبخاري (3/ 240)، والتقرير لأصول فخر الإسلام للبابرتي (5/ 342).
(3)
انظر: نهاية الوصول للهندي (6/ 2652)، وتشنيف المسامع (3/ 85)، وشرح الكوكب الساطع للسيوطي (3/ 279).
(4)
انظر: نهاية الوصول للهندي (6/ 2652 - 2653).
المسائلِ الفقهيةِ؛ إذ معرفةُ القولِ الراجحِ في المسائلِ الفقهيةِ التي تكلّم عنها أهلُ العصرِ السابقِ، ومعرفةُ حُكْمِ النازلةِ التي وَقَعَتْ في عصرِ الفقيهِ الحافظِ للفروعِ، متوقفةٌ على معرفةِ أصولِ الفقه، فالجاهلُ بهذا العلمِ ليس أهلًا للاعتدادِ بقولِه.
يقولُ أبو المظفرِ السمعاني عن حالِ المقتصرِ على حفظِ مذهبِ إمامِه: "إنَّ مَنْ يَعْرِفُ الفروعَ والأحكامَ، ولا يَعْرِفُ دلائلَها وعللَها، فهذا ناقلٌ يُرْجَعُ إلى حفظِه، ولا يعوَّل على اجتهادِه، فلا يَرْتَفِعُ الإجماعُ بخلافِه"
(1)
.
أمَّا لو كان عنده معرفةٌ بأصولِ الفقهِ، بحيثُ يُكسبُه الأصولُ القدرةَ على التمييزِ بين الأدلةِ ودلالتها، فالظاهر الاعتدادُ بقولِه في هذه الحالةِ.
* * *
(1)
قواطع الأدلة (3/ 244).