الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخصمِ
(1)
.
وقد حذَّر أبو الوفاءِ بنُ عقيل مِنْ إيرادِ بعضِ الاعتراضات التي لا معنى لها سوى قصدِ فَتْلِ المناظر
(2)
، فقالَ: "قلَّ أنْ يُفْلِحَ مَنْ تركَ التحقيقَ تعويلًا على أمثالِ هذه التزاويق
(3)
التي لا بقاءَ لها، وقلَّ أنْ ينتهي مَنَ سَلَكَ ذلك إلى مقاماتِ الأئمةِ، والله يكفي غوائلَ الطِّباعِ، وشرورَ النفسِ، وغلباتِ الأهواءِ بمنّه وكرمِه"
(4)
.
ويقولُ الوزير ابنُ هبيرةَ في الموضوعِ ذاتِه: "أمَّا اجتماعُ الجمعِ منهم - أي: من المتناظرين - متجادلين في مسألةٍ، مع أنَّ كلَّ واحدٍ منهم لا يَطْمَعُ في أنْ يَرْجِعَ خصمُه إليه إنْ ظَهَرَتْ حجّتُه، ولا هو يَرْجِعُ إلى خصمِه إنْ ظَهَرَتْ حجّتُه عليه، ولا فيه عندهم فائدةٌ تَرْجِعُ إلى مؤانسةٍ، ولا إلى استجلاب مَوَدّةٍ، ولا إلى توطِئَةِ القلوب لوعي الحقِّ، بل هو على الضدِّ مِن ذلك: فإنَّه ممَّا قد تكلّمَ فيه العلماءُ، وَأظهروا مِن عوارِه ما أظهروا
…
"
(5)
.
أمثلة لبعضِ المناظراتِ التي جَرَتْ بين أربابِ المذاهبِ
(6)
:
المثال الأول: نَقَلَ ابنُ العربي المالكي مناظرةً حضرها، فقالَ: "وَرَدَ علينا بالمسجد الأقصى سنةَ سبعٍ وثمانين وأربعمائة فقيةٌ مِنْ عظماءِ أصحابِ
(1)
انظر: إحياء علوم الدين (1/ 76 - 80). وقد ساق عدد من المؤلفين الآفات التي ذكرها الغزالي، انظر على سبيل المثال: إتحاف السادة المتقين للزبيدي (1/ 293، 302)، والفكر السامي لمحمد الحجوي (3/ 145)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 338 - 340).
(2)
فتل المناظر: صرفه وليه عن رأيه. انظر: القاموس المحيط، مادة:(فتل)، (ص/ 1345).
(3)
التزاويق: جمع تزويق، وهو: التزيين والتحسين. انظر: المصدر السابق، مادة:(زوق)، (ص/ 1151).
ومن أمثلة التزاويق التي ذكرها ابن عقيل: بعض الألفاظ التي يُقْصَدُ بها قطعُ المناظر في أول وهلةٍ وأول كلمة.
(4)
الواضح في أصول الفقه (1/ 431 - 432).
(5)
نقل كلامَ ابن هبيرة تقيُّ الدين بنُ تيمية في: المسودة (2/ 958 - 959).
(6)
ورد في تراجم علماء المذاهب الفقهية وصفُ بعضهم بالمناظِر، انظر على سبيل المثال: =
أبي حنيفةَ
(1)
…
فحضرنا في حرمِ الصخرةِ المقدسة - طهرها الله - معه، وشهد
(2)
علماءُ البلدِ، فسُئلَ على العادةِ عن قتلِ المسلمِ بالكافرِ؟ فقال: يُقتلُ به قصاصًا. فطولبَ بالدليلِ، فقال: الدليلُ عليه: قولُه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}
(3)
، وهذا عامٌ في كلِّ قتيلٍ.
فانتدبَ معه للكلام فقيهُ الشافعية بها، وإمامهم: عطاءُ المقدسي
(4)
، وقالَ: ما استدلَّ به الشيخُ الإمامُ لا حُجَّةَ له فيه مِنْ ثلاثة أوجه"
(5)
، وساقَ الأوجهَ، ثم ردَّ الفقية الحنفيُّ على استدلالات مخالفه
(6)
.
المثال الثاني: ما ذكره ابن العربي - أيضًا - مِنْ مناظراتِه للظاهريةِ في دفاعِه عن موطأِ إمامِه الإمامِ مالكٍ، بقوله: "إنَّما حَمَلَني على جمعِ هذا المجموعِ - أي: كتابه: (المسالك في شرح موطأ مالك) - بما فيه إنْ
= ترتيب المدارك للقاضي عياض (3/ 312)، و (5/ 2، 34، 257، 265)، و (6/ 268)، و (7/ 249)، و (8/ 164)، وسير أعلام النبلاء (17/ 193)، و (18/ 550)، و (19/ 116)، و (21/ 208)، و (22/ 170)، وطبقات الشافعية للإسنوي (1/ 239، 450)، والجواهر المضية للقرشي (1/ 96)، و (3/ 548)، وطبقات الشافعية لابن كثير (1/ 130)، و (2/ 509، 608، 625، 647، 771)، والذيل على طبقات الحنابلة (1/ 326، 364، 388، 428، 448)، و (4/ 150، 311، 323، 498)، والديباج المذهب لابن فرحون (1/ 158)، وطبقات الفقهاء الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 347، 365)، و (2/ 77، 159، 178)، وحسن المحاضرة للسيوطي (1/ 445)، والمنهج الأحمد للعليمي (3/ 75، 126، 166، 174)، و (4/ 98، 246، 262)، والسحب الوابلة لابن حميد (3/ 933)، والفوائد البهية لعبد الحي الكنوي (ص/ 227، 236).
(1)
هو: الزوزني.
(2)
شَهِدَ بمعنى: حضر. انظر: القاموس المحيط، مادة:(شهد)، (ص/ 372).
(3)
من الآية (178) من سورة البقرة.
(4)
هو: عطاء المقدسي أبو الفضل، يقول عنه جمال الدين الإسنوي في: طبقات الشافعية (2/ 413): "ذكره أبو بكر بن العربي في كتابه: (النفيس)، فقال: كان شيخَ الشافعية بالمسجد الأقصى فقهًا وعلمًا، وشيخَ الصوفية طريقةً، وكان موجودًا في حياة الشيخ نصر المقدسي". ونصر المقدسي كان حيًا سنة 480 هـ. انظر: المصدر السابق (2/ 390).
(5)
أحكام القرآن (1/ 63).
(6)
المصدر السابق (1/ 63 - 64).
شاءَ الله كفايةٌ وقنوعٌ، أمورٌ ثلاثةٌ؛ وذلك أنَّه ناظرتُ يومًا جماعةً مِنْ أهلِ الظاهرِ الحزمية - الجهلةِ بالعلمِ والعلماءِ، وقلة الفهم: - على موطأِ مالك بن أنس، فكلٌّ عابه، وهَزَأَ به. فقلت لهم: ما السبب الذي عِبْتُمُوه مِنْ أجلِه؟ فقالوا: أمورٌ كثيرةٌ: أحدها: أنَّه خَلَطَ الحديثَ بالرأي. والثاني: أنَّه أدخلَ أحاديثَ كثيرةً صحاحًا، وقال: ليس العملُ على هذه الأحاديثِ.
والثالث: أنَّه لم يفرِّق بين المرسلِ مِن الموقوفِ
(1)
، والمقطوعِ
(2)
مِن البلاغ
(3)
، وهذا مِنْ إمامٍ - قد صحتْ عندكم إمامته في الفقه والحديث - نقيصةٌ!
…
"
(4)
.
المثال الثالث: ذَكَرَ عبدُ الله العلوي مناظرةً جَرَتْ لابنِ رشدٍ مع أحدِ
(1)
الموقوف: ما أُسند إلى الصحابي مِنْ قوله، أو فعله، أو تقريره، ولا يوجد ما يدلُّ على رفعه.
انظر: الاقتراح في بيان الاصطلاح لابن دقيق العيد (ص/ 209)، والمعيار في الأحاديث الضعيفة والموضوعة لتاج الدين التبريزي (1/ 18)، ونزهة النظر لابن حجر (ص/ 148)، وفتح المغيث للسخاوي (1/ 187)، وتوضيح الأفكار للصنعاني (1/ 126).
(2)
المقطوع: ما أُسند إلى التابعي من قوله، أو فعله، أو تقريره. انظر: الاقتراح في بيان الاصطلاح لابن دقيق العيد (ص/ 209)، والمعيار في الأحاديث الضعيفة والموضوعة لتاج الدين التبريزي (1/ 17)، ونزهة النظر لابن حجر (ص/ 152)، وفتح المغيث للسخاوي (1/ 191)، وتوضيح الأفكار للصنعاني (1/ 265).
(3)
البلاغ: عبارة يستعملها بعضُ العلماء - ومن أشهرهم: الإمام مالك - في نقلِ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو آثار الصحابة والتابعين، بأنْ يقول مثلًا: بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا، بحذف الإسناد. انظر: مناهج المحدثين للدكتور محمد التركي (ص/ 19 - 20).
والبلاغ من قبيل المعضل، إنَّ كان الساقط راويين، وإلا فهو منقطع. والمعضل: الحديث الذي سقط من إسناده اثنان على التوالي. انظر: الاقتراح في بيان الاصطلاح لابن دقيق العيد (ص/ 209)، والمعيار في الأحاديث الضعيفة والموضوعة لتاج الدين التبريزي (1/ 17)، ونزهة النظر لابن حجر (ص/ 112)، وفتح المغيث للسخاوي (1/ 280)، وتوضيح الأفكار للصنعاني (1/ 326).
والمنقطع: الحديث الذي لم يتصل إسناده. انظر: الاقتراح في بيان الاصطلاح لابن دقيق العيد (ص/ 209)، والمعيار في الأحاديث الضعيفة والموضوعة لتاج الدين التبريزي (1/ 17)، ونزهة النظر لابن حجر (ص / 112)، وفتح المغيث للسخاوي (1/ 276)، وتوضيح الأفكار للصنعاني (1/ 323).
(4)
المسالك في شرح موطأ مالك (1/ 330).
علماءِ الحنفية: لمَّا حَضَرَ ابنُ رشدٍ درسَ العالمِ الحنفي، قال المدرسُ الحنفيُّ: الدليل لنا على مالكٍ في المسحِ على العمامةِ: أنَّه مَسْحٌ على حائلٍ أصلُه الشّعر، فإنَّه حائل. فأجابه ابنُ رشدٍ: بأنَّ الحقيقةَ إذا تعذرتْ، انتُقِلَ إلى المجازِ إنْ لم يتعددْ، وإلى الأقرب منه إنْ تعددَ، والشَّعرُ هنا أقربُ، والعمامةُ أَبْعَد، فيتعين الحملُ على الشَعرِ.
فلم يجد الحنفيُّ جوابًا
(1)
.
المثال الرابع: أوردَ تاجُ الدين السبكي مناظرةً جرت بين القاضي أبي الطيب
(2)
، وأحدِ علماءِ الحنفيةِ
(3)
عن مسألةِ: تقديم الكفارةِ على الحنثِ؟ يقولُ تاجُ الدين: "فأجابَ - أي: العالم الحنفى - بأنَّ ذلك لا يُجزئُ، وهو مذهبُهم. فسُئِلَ الدليل؟ فاستدلَّ بأنَّه أدَّى الكفارةَ قبل وجوبِها، وقبلَ وجودِ سببِ وجوبِها، فَوَجَبَ ألا تجزِئَه، كما لو أخرجَ كفارةَ الجماعِ بعدَ الصومِ، وقبلَ الجماعِ، وأخرجَ كفارةَ الطّيب واللباسِ بعدَ الإحرامِ، وقبلَ ارتكابِ أسبابِها.
فكلّمه القاضي أبو الطيبِ، ناصرًا جوازَ ذلك - كما هو مذهبُ الشافعي - وأوردَ عليه فصلين: أحدهما: مانعةُ الوصفِ، فقالَ: لا أُسلّم أنَّه لم يُوْجَد سببُ وجوبِ الكفارة؛ فإنَّ اليمينَ عندي سببٌ؛ فاليمينيةُ مُثْبَتَةٌ في الحالين على هذا الأصلِ.
(1)
انظر: نشر البنود (1/ 131). ويقول عبد الله العلوي في: المصدر السابق موضحًا المناظرة: "فالحقيقة هي جلد الرأس، وقول الحنفي: "أصله الشَّعر"، يريد أنَّه مقيس عليه؛ بجامع كون كل منهما حائلًا بين المسح والجلد".
ويقول الشيخ محمد الشنقيطي في: نثر الورود (1/ 133): "قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [من الآية (6) من سورة المائدة] قالوا - أي: المالكية -: حقيقة المأمور بمسحه جلد الرأس، ولهذه الحقيقة مجازان: أحدهما: أبعد، وهو العمامة. والثاني: أقرب للحقيقة، وهو شعر الرأس. فيجب الأقرب، فيمسح على الشعر، لا على العمامة".
(2)
هو: القاضي أبو الطيب الطبري.
(3)
هو: القاضي أبو الحسن الطالقاني، قاضي بلخ.
والثاني: أنَّه يبطلُ بما إذا أخرجَ كفارةَ القتلِ بعد الجُرحِ وقبل الموتِ، فإنَّه أخرجَها قبلَ وجوبِها، وقبلَ وجودِ سببِ وجوبِها، ثم يجزئه
…
" إلى آخر ما جرى في المناظرةِ
(1)
.
* * *
(1)
طبقات الشافعية الكبرى (5/ 24 - 25). وقد ذكر تاج الدين السبكي في: المصدر السابق عددًا من المناظرات التي جرت بين العلماء، انظر مثلًا: مناظرة أبي إسحاق الشيرازي، وأبي عبد الله الدامغاني، وبعضها جرت في عزاء ببغداد (4/ 237 وما بعدها، 245 وما بعدها)، ومناظرة أبي الحسين القدوري الحنفي، والقاضي أبي الطيب الطبري (5/ 36 وما بعدها)، ومناظرة أبي إسحاق الشيرازي وإمام الحرمين الجويني الشافعيين (5/ 209 وما بعدها، 214 وما بعدها).