الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَقْدِيمهَا على غَيرهَا كَذَا قَالَ الشبراملسي
(ثمَّ) يَقُول عقب ذَلِك (اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة إِلَى آخِره) وَهُوَ التَّامَّة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة آتٍ سيدنَا مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة والفضيلة وابعثه مقَاما مَحْمُودًا الَّذِي وعدته إِنَّك لَا تخلف الميعاد وأوردنا حَوْضه واسقنا من يَده الشَّرِيفَة شربة هنيئة مريئة لَا نظمأ بعْدهَا أبدا إِنَّك على كل شَيْء قدير
وَيسن أَن يَقُول الْمُؤَذّن وَمن سَمعه بعد أَذَان الْمغرب اللَّهُمَّ هَذَا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فَاغْفِر لي
وَيَقُول كل مِنْهُمَا بعد أَذَان الصُّبْح اللَّهُمَّ هَذَا إقبال نهارك وإدبار ليلك وأصوات دعاتك فَاغْفِر لي
وَيسن الدُّعَاء بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَإِن طَال مَا بَينهمَا وَيحصل أصل السّنة بِمُجَرَّد الدُّعَاء وَالْأولَى شغل الزَّمَان بِتَمَامِهِ بِالدُّعَاءِ إِلَّا وَقت فعل الرَّاتِبَة فالدعاء فِي نَحْو سجودها كَاف وَلَا يطْلب الدُّعَاء بعد الْإِقَامَة وَقبل التَّحَرُّم
وَالْمَطْلُوب من الْمُصَلِّي الْمُبَادرَة إِلَى التَّحَرُّم لتحصل لَهُ الْفَضِيلَة التَّامَّة وآكد الدُّعَاء سُؤال الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كَأَن يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيسن لغير الْمُقِيم الْقيام بعد الْفَرَاغ من كَلِمَات الْإِقَامَة كلهَا
ومكروهات الْأَذَان وَالْإِقَامَة وقوعهما من الْمُحدث وَالْكَرَاهَة للْجنب أَشد وَفِي الْإِقَامَة أغْلظ والتغني بهما أَي الِانْتِقَال من نغم إِلَى نغم آخر فَالسنة أَن يسْتَمر على نغم وَاحِد والتمطيط أَي مد الْحُرُوف وَلَو بنغم وَاحِد وَمحل كَرَاهَته مَا لم يتَغَيَّر الْمَعْنى بِهِ وَإِلَّا حرم كمد بَاء أكبر وهمزته وهمزة أشهد وهمزة الله وَمد الْهَاء من أشهد وإبدالها حاء وَإِسْقَاط همزَة التَّكَلُّم مِنْهَا وَأَن يَقُول فِي مُحَمَّد محامد وَأَن يَقُول حاي على الصَّلَاة أَو حاي على الْفَلاح وَإِسْقَاط شدَّة الله وَعدم النُّطْق بهاء الصَّلَاة وَنَحْو ذَلِك بل بعض ذَلِك مكفر فَيَنْبَغِي التَّحَرُّز من ذَلِك وَالْكَلَام لغير مصلحَة فيهمَا وَالْقعُود فيهمَا للقادر على الْقيام والاضطجاع أَشد كَرَاهَة وَأَن يُقَال فيهمَا حَيّ على خير الْعَمَل كَمَا قد يَقع ذَلِك بعد الحيعلتين لِأَنَّهُ شعار الزيدية
وَأما إِذا أَتَى بذلك عوضا عَن الحيعلتين فَلَا يَصح الْأَذَان وَلَا الْإِقَامَة لِأَن ترك كلمة مِنْهُمَا مُبْطل لَهما ووقوعهما من فَاسق أَو صبي مُمَيّز وَمثلهمَا الْأَعْمَى بِالنِّسْبَةِ للأذان إِذا كَانَ وَحده
أما إِذا كَانَ مَعَه بَصِير يعرف الْوَقْت فَلَا كَرَاهَة
ومبطلاتهما الرِّدَّة وَالْعِيَاذ بِاللَّه مِنْهَا وَالْجُنُون وَالسكر وقطعهما بسكوت أَو كَلَام إِن طَال الْفَصْل بِحَيْثُ لَا يعد الْبَاقِي مَعَ الأول أذانا وَلَا إِقَامَة بِخِلَاف الْيَسِير وَترك كلمة مِنْهُمَا فَإِن عَاد عَن قرب وأتى بهَا وَأعَاد مَا بعْدهَا صَحَّ وَهَذَا فِي الْكَلِمَات الَّتِي لَا بُد مِنْهَا للصِّحَّة فَلَا يضر ترك الترجيع وَلَا التثويب وَلَا يعود إِلَيْهِ لَو تَركه
فصل فِي صَلَاة النَّفْل
وَهُوَ لُغَة الزِّيَادَة وَاصْطِلَاحا مَا عدا الْفَرَائِض من الصَّلَاة وَغَيرهَا
وَهُوَ مَا طلبه الشَّارِع طلبا غير جازم
ويعبر عَنهُ بِالسنةِ وَالْمَنْدُوب وَالْحسن والمرغب فِيهِ وَالْمُسْتَحب والتطوع وَالْإِحْسَان وَالْأولَى بِفِعْلِهِ من تَركه
وثواب الْفَرْض يفضله بسبعين دَرَجَة وَهُوَ أَرْبَعَة أَنْوَاع مُؤَقّت وَذُو سَبَب مُتَقَدم وَذُو سَبَب مُتَأَخّر وَمُطلق وَهُوَ الَّذِي لَا يتَقَيَّد بِوَقْت وَلَا سَبَب
وأفراد النَّوَافِل لَا تَنْحَصِر أما الْمُؤَقت فَهُوَ قِسْمَانِ قسم تسن فِيهِ الْجَمَاعَة وَسَيَأْتِي
وَقسم لَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة فَهِيَ فِيهِ خلاف الأولى وَإِن حصل ثَوَابهَا على الْمُعْتَمد كَمَا نَقله الونائي عَن ابْن قَاسم وَهُوَ مَا ذكره بقوله (يسن أَربع رَكْعَات قبل عصر) لقَوْله صلى الله عليه وسلم رحم الله امْرَءًا صلى قبل الْعَصْر أَرْبعا فَيَنْبَغِي الْمُحَافظَة عَلَيْهَا رَجَاء الدُّخُول فِي دَعوته صلى الله عليه وسلم
(و) أَربع قبل (ظهر) لعدم تَركه صلى الله عليه وسلم لَهَا كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ
(و) أَربع (بعده) لقَوْله صلى الله عليه وسلم من حَافظ على أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر وَأَرْبع بعْدهَا حرمه الله على النَّار وَالْجُمُعَة كالظهر فلهَا أَربع قبلية وَأَرْبع بعدية إِن كَانَت مغنية عَن الظّهْر فَإِن وَجب الظّهْر بعْدهَا فَلَا بعدية لَهَا
وللظهر بعْدهَا أَربع قبلية وَأَرْبع بعدية وَحِينَئِذٍ تقع الْقبلية الَّتِي صلاهَا قبل الْجُمُعَة نفلا مُطلقًا وَلَا تغني عَن قبلية الظّهْر
(وركعتان بعد مغرب) لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عليه وسلم صلى رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْجُمُعَة
وَينْدب فِي رَكْعَتي الْمغرب بعْدهَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاص وَيسن تطويلهما حَتَّى ينْصَرف أهل الْمَسْجِد فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي إِذا أَرَادَ الْأَكْمَل أَن يقدم الْكَافِرُونَ لورودها بخصوصها ثمَّ يضم إِلَيْهَا مَا شَاءَ وَمثله يُقَال فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة من أَنه يقدم الْإِخْلَاص لذَلِك وَالْأولَى فِيمَا يضمه رِعَايَة تَرْتِيب الْمُصحف فَإِن لم يَتَيَسَّر لَهُ تَطْوِيل برعاية ذَلِك ضم إِلَى ذَلِك مَا شَاءَ وَإِن خَالف تَرْتِيب الْمُصحف
(و) رَكْعَتَانِ بعد (عشَاء) للْخَبَر الْمَار
(و) رَكْعَتَانِ خفيفتان (قبلهمَا) أَي الْمغرب وَالْعشَاء لقَوْله صلى الله عليه وسلم صلوا قبل صَلَاة الْمغرب قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الْمرة الثَّالِثَة لمن شَاءَ
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك كَرَاهَة أَن يَتَّخِذهُ النَّاس طَريقَة لَازِمَة وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم بَين كل أذانين أَي أَذَان وَإِقَامَة صَلَاة وَيسْتَحب فعل الرَّوَاتِب الْقبلية بعد إِجَابَة الْمُؤَذّن فَإِن تَعَارَضَت هِيَ وفضيلة التَّحَرُّم لإسراع الإِمَام بِالْفَرْضِ عقب الْأَذَان أَخّرهَا إِلَى مَا بعْدهَا وَيكون ذَلِك عذرا فِي التَّأْخِير وَلَا يقدمهَا على الْإِجَابَة لِأَنَّهَا تفوت بِالتَّأْخِيرِ وللخلاف فِي وُجُوبهَا كَمَا قَالَه الشبراملسي
(و) رَكْعَتَانِ قبل (صبح) لمواظبته صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمَا وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم رَكعَتَا الْفجْر خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَله فِي نِيَّتهَا كيفيات سنة الصُّبْح سنة الْفجْر سنة الْبرد سنة الْوُسْطَى بِنَاء على القَوْل الْمَرْجُوح أَنَّهَا الْوُسْطَى سنة الْغَدَاة وَله أَن يحذف لفظ السّنة كَأَن يَقُول أُصَلِّي الْغَدَاة أَو أُصَلِّي رَكْعَتي الْبرد وَيسْتَحب تخفيفهما بِأَن لَا يطولهما تَطْوِيلًا يخرج بِهِ عَن حد السّنة والاتباع لِأَنَّهُ يطْلب
أَن يقْرَأ فِيهَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاص وَآيَة الْبَقَرَة وَهِي قَوْله تَعَالَى {قُولُوا آمنا بِاللَّه} إِلَى قَوْله {مُسلمُونَ} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 136 وَآيَة آل عمرَان وَهِي قَوْله تَعَالَى {قل يَا أهل الْكتاب} إِلَى قَوْله أَيْضا {مُسلمُونَ} 3 آل عمرَان الْآيَة 64 و {ألم نشرح} 94 الشَّرْح الْآيَة 1 و {ألم تَرَ كَيفَ} 105 الْفِيل الْآيَة 1
وروى أَبُو دَاوُد أَنه صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الثَّانِيَة {رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين} 3 آل عمرَان الْآيَة 53 و {إِنَّا أَرْسَلْنَاك بِالْحَقِّ بشيرا وَنَذِيرا وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 119 فَيسنّ الْجمع بَين ذَلِك ليتَحَقَّق الْإِتْيَان بالوارد وَهَاتَانِ فِي الْأَفْضَلِيَّة بعد الْوتر وهما أفضل من بَقِيَّة الرَّوَاتِب الْمُؤَكّدَة وَيَقُول بعدهمَا وَقبل صَلَاة الْفَرْض يَا حَيّ يَا قيوم لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أَرْبَعِينَ مرّة و {قل هُوَ الله أحد} 112 الْإِخْلَاص الْآيَة 1 إِحْدَى عشرَة مرّة والمعوذتين مرّة مرّة وَسُبْحَان الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم أسْتَغْفر الله مائَة مرّة
وروى ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه صلى الله عليه وسلم لما صلى رَكْعَتي الْفجْر قَالَ قبل صَلَاة الْفَرْض اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك رَحْمَة من عنْدك تهدي بهَا قلبِي وَتجمع بهَا شملي وتلم بهَا شعثي وَترد بهَا ألفتي وَتصْلح بهَا ديني وَتحفظ بهَا غائبي وترفع بهَا شَاهِدي وتزكي بهَا عَمَلي وتبيض بهَا وَجْهي وتلهمني بهَا رشدي وتعصمني بهَا من كل سوء
اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إِيمَانًا صَادِقا ويقينا لَيْسَ بعده كفر وَرَحْمَة أنال بهَا شرف كرامتك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْفَوْز عِنْد الْقَضَاء ومنازل الشُّهَدَاء وعيش السُّعَدَاء والنصر على الْأَعْدَاء ومرافقة الْأَنْبِيَاء
اللَّهُمَّ إِنِّي أنزل حَاجَتي وَإِن ضعف رَأْيِي وَقلت حيلتي وَقصر أَهلِي وافتقرت إِلَى رحمتك فأسألك يَا قَاضِي الْأُمُور وَيَا شافي الصُّدُور كَمَا تجير بَين البحور أَن تجيرني من عَذَاب السعير وَمن دَعْوَة الثبور وَمن فتْنَة الْقُبُور
اللَّهُمَّ مَا قصر عَنهُ رَأْيِي وَضعف عَنهُ أملي وَلم تبلغه نيتي وأمنيتي من خير وعدته أحدا من عِبَادك أَو خير أَنْت معطيه أحدا من خلقك فَإِنِّي أَرغب إِلَيْك فِيهِ وَأَسْأَلك يَا رب الْعَالمين
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هادين مهتدين غير ضَالِّينَ وَلَا مضلين حَربًا لأعدائك وسلما لأوليائك نحب بحبك من أطاعك من خلقك
اللَّهُمَّ هَذَا الدُّعَاء وَعَلَيْك الْإِجَابَة
وَهَذَا الْجهد وَعَلَيْك التكلان وَإِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم ذِي الْحَبل الشَّديد وَالْأَمر الرشيد أَسأَلك الْأَمْن يَوْم الْوَعيد وَالْجنَّة يَوْم الخلود مَعَ المقربين الشُّهُود والركع السُّجُود الْمُوفينَ بالعهود إِنَّك رَحِيم ودود وَأَنت تفعل مَا تُرِيدُ سُبْحَانَ الَّذِي لبس الْعِزّ وَقَالَ بِهِ سُبْحَانَ من تعطف بالمجد وتكرم بِهِ سُبْحَانَ الَّذِي لَا يَنْبَغِي التَّسْبِيح إِلَّا لَهُ سُبْحَانَ ذِي الْفضل وَالنعَم سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّة وَالْكَرم سُبْحَانَ الَّذِي أحصى كل شَيْء بِعِلْمِهِ
اللَّهُمَّ اجْعَل لي نورا فِي قلبِي ونورا فِي قَبْرِي ونورا فِي سَمْعِي ونورا من بَين يَدي ونورا من خَلْفي ونورا عَن يَمِيني ونورا عَن شمَالي ونورا من فَوقِي ونورا من تحتي
اللَّهُمَّ زِدْنِي نورا وَأَعْطِنِي نورا
وَمِمَّا ثَبت لَهُ فضل عَظِيم بَين سنة الصُّبْح وفرضه سُبْحَانَ من تعزز بالعظمة سُبْحَانَ من تردى بالكبرياء سُبْحَانَ من تفرد بالوحدانية سُبْحَانَ من احتجب بِالنورِ سُبْحَانَ من قهر الْعباد بِالْمَوْتِ سُبْحَانَ من لَا يفوتهُ فَوت سُبْحَانَ الأول المبدىء سُبْحَانَ الآخر المفني سُبْحَانَ
من تسمى قبل أَن يُسمى سُبْحَانَ من علم آدم الْأَسْمَاء سُبْحَانَ من كَانَ عَرْشه على المَاء سُبْحَانَ من لَا يعلم قدره غَيره وَيَقُول سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم ثَلَاثًا سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
وَيسن قبل الْقيام لصَلَاة الْفَرْض ضجعة لَطِيفَة وَيحصل أصل السّنة بِأَيّ كَيْفيَّة فعلت وَالْأولَى أَن تكون على الْجنب الْأَيْمن مَعَ اسْتِقْبَال الْقبْلَة بِمقدم الْبدن يتَذَكَّر بهَا ضجعة الْقَبْر فَإِن لم تتيسر لَهُ تِلْكَ الْحَالة فِي مَحَله انْتقل إِلَى غَيره مِمَّا يسهل فعلهَا فِيهِ يَقُول فِيهَا اللَّهُمَّ رب جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وعزائيل وَرب سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أجرني من النَّار ثَلَاثًا
وَجُمْلَة الرَّوَاتِب وَهِي السّنَن التابعة للفرائض ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ رَكْعَة والمؤكد من ذَلِك عشر رَكْعَات وَهِي رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح وركعتان قبل الظّهْر وركعتان بعده وركعتان بعد الْمغرب وركعتان بعد الْعشَاء
وَمَتى كَانَت الصَّلَاة لَهَا قبلية وبعدية فَلَا بُد فِي رواتبها من نِيَّة الْقبلية أَو البعدية لأجل التَّمْيِيز فَلَو أخر الْقبلية بعد الْفَرْض وَصلهَا مَعَ البعدية بِإِحْرَام وَاحِد يَنْوِي الْقبلية والبعدية مَعًا وَلَو أحرم بِرَكْعَتَيْنِ قبلية فَقَط انصرفتا للمؤكدتين وَإِن لم يقصدهما وَكَذَا يُقَال فِي البعدية وَلَو لم يصل شَيْئا قبل الْفَرْض وَأحرم بعده بِأَرْبَع رَكْعَات قبلية وبعدية انصرفت للمؤكدة وَإِن لم يقصدها وَيدخل وَقت الرَّوَاتِب الَّتِي قبل الْفَرْض بِدُخُول وَقت الْفَرْض والرواتب الَّتِي بعد الْفَرْض يدْخل وَقتهَا بِفعل الْفَرْض
وَشرط البعدية صِحَة الْفَرْض يَقِينا فَمن ثمَّ لَو تعدّدت الْجُمُعَة زِيَادَة على قدر الْحَاجة لَا بعدية لَهَا إِذا لم يتَيَقَّن سبقها لما عَداهَا وَيخرج وَقت النَّوْعَيْنِ بِخُرُوج وَقت الْفَرْض وَلَو قبل فعل الْفَرْض وَحِينَئِذٍ يلغز بالبعدية
فَيُقَال لنا صَلَاة خرج وَقتهَا وَلم يدْخل
وَلَو فَاتَت الرَّوَاتِب ندب قَضَاؤُهَا (و) من الْقسم الَّذِي لَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة (وتر) فِي غير رَمَضَان (وَأقله رَكْعَة) وَلَا كَرَاهَة فِي الِاقْتِصَار عَلَيْهَا على الْمُعْتَمد بل خلاف الأولى وَأدنى الْكَمَال ثَلَاث وأكمل مِنْهُ خمس ثمَّ سبع ثمَّ تسع (وَأَكْثَره إِحْدَى عشرَة) وَهِي غَايَة الْكَمَال فَلَا تصح الزِّيَادَة عَلَيْهَا فَلَو أحرم بِثَلَاث عشرَة دفْعَة وَكَانَ عَامِدًا عَالما بَطل الْجمع
وَإِن كَانَ نَاسِيا أَو جَاهِلا وَقعت نفلا مُطلقًا
وَإِن أحرم بِرَكْعَتَيْنِ بعد أَن صلى الإحدى عشرَة لم تَنْعَقِد هَذِه الصَّلَاة إِن كَانَ عَامِدًا عَالما وَإِلَّا وقعتا نفلا مُطلقًا
وَلمن زَاد على رَكْعَة الْفَصْل بَين الرَّكْعَات بِالسَّلَامِ بِأَن يحرم بالوتر رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يحرم بالأخيرة وَيَنْوِي بالأخيرة الْوتر وَيتَخَيَّر فِي غَيرهَا بَين نِيَّة صَلَاة اللَّيْل ومقدمة الْوتر وسنته وَرَكْعَتَيْنِ من الْوتر لِأَنَّهُمَا بعضه
وَلَا يَصح أَن يَنْوِي بالركعتين وترا لِأَنَّهُمَا شفع لَا وتر وَيجوز فِي الْأَخِيرَة أَن يَقُول رَكْعَة من الْوتر لِأَنَّهَا بعضه أَيْضا
وَله الْوَصْل بتشهد فِي الْأَخِيرَة أَو تشهدين فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْوَصْل غير ذَلِك إِن أحرم
بِهِ دفْعَة وَاحِدَة
أما لَو أَرَادَ أَن يُصَلِّي إِحْدَى عشرَة مثلا وَأَرَادَ تَأْخِير ثَلَاثَة مِنْهَا يحرم بهَا دفْعَة وَأحرم بالثمانية قبلهَا بِإِحْرَام وَاحِد جَازَ لَهُ التَّشَهُّد فِي كل شفع فقد زَاد فِي الْوَصْل على تشهدين لِأَنَّهُ لم يحرم بِهِ دفْعَة وَاحِدَة
والوصل بتشهد أفضل مِنْهُ بتشهدين فرقا بَينه وَبَين الْمغرب وَهَذَا جَازَ فِيمَا لَو أحرم بِزِيَادَة على ثَلَاث دفْعَة لما فِي الْإِتْيَان بتشهدين من مشابهته للمغرب فِي الْجُمْلَة والفصل أفضل من الْوَصْل لزِيَادَة الْأَعْمَال فِيهِ وَلَو أحرم بالوتر وَأطلق أَي لم يُقَيِّدهُ بِعَدَد يُخَيّر بَين رَكْعَة وَثَلَاث وَخمْس وَهَكَذَا عِنْد الْخَطِيب وَاعْتمد الشَّمْس الرَّمْلِيّ الِاقْتِصَار على ثَلَاث لِأَنَّهَا أدنى الْكَمَال فَيحمل عَلَيْهَا عِنْد الْإِطْلَاق فِي الْإِحْرَام وَكَذَا فِي النّذر
وَمَتى صلى الرَّكْعَة المفردة سَوَاء كَانَت وَحدهَا أَو مَعَ غَيرهَا وَبَقِي مِنْهُ شَيْء لم يجز الْإِتْيَان بِهِ لفواته
وَإِذا صلى الْوتر رَكْعَة فَقَط قَرَأَ فِيهَا بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْإِخْلَاص {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} 113 الفلق الْآيَة 1 {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} 114 النَّاس الْآيَة 1 وَإِن صَلَاة ثَلَاثًا قَرَأَ فِي الأولى سُورَة {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} 87 الْأَعْلَى الْآيَة 1 وَفِي الثَّانِيَة سُورَة الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَة السُّور الثَّلَاث الْمُتَقَدّمَة
وَإِن صَلَاة زِيَادَة على الثَّلَاث قَرَأَ فِي الأولى من كل الرَّكْعَتَيْنِ سُورَة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} 97 الْقدر الْآيَة 1 وَفِي الثَّانِيَة سُورَة الْكَافِرُونَ مَا عدا الْأَخِيرَتَيْنِ وَمَا عدا رَكْعَة الْوتر
أما هَذِه فَيقْرَأ فِيهَا مَا تقدم
وَيسن أَن يَقُول بعد الْوتر سُبْحَانَ الْملك القدوس ثَلَاثًا
اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عُقُوبَتك وَبِك مِنْك أَي أستجير بك من غضبك لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك وَوَقته من صَلَاة الْعشَاء وَلَو تَقْدِيمًا إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي فَعلم أَن صِحَّته متوقفة على فعل الْعشَاء لَكِن لَا يَفْعَله إِذا صَار مُقيما فعله وَبعد فعل الْعشَاء كَأَن وصلت سفينته دَار إِقَامَته بعد فعل الْعشَاء أَو نوى الْإِقَامَة بل يُؤَخِّرهُ حَتَّى يدْخل وقته الْحَقِيقِيّ لِأَن كَونه فِي وَقت الْعشَاء انْتَفَى بِالْإِقَامَةِ كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي
وَيسن جعله آخر صَلَاة اللَّيْل فَإِن كَانَ لَهُ تهجد أخر الْوتر بعده هَذَا إِن وثق بيقظته آخر اللَّيْل وَإِلَّا فَالْأَفْضَل تَعْجِيله بعد فَرِيضَة وراتبها وَلَو أوتر أول اللَّيْل ثمَّ اسْتَيْقَظَ آخِره لاتصح إِعَادَة الْوتر لحَدِيث لَا وتران فِي لَيْلَة
(و) من هَذَا الْقسم (الضُّحَى) وَمن فوائدها أَنَّهَا تجزىء عَن الصَّدَقَة الَّتِي تصبح على مفاصل الانسان الثلاثمائة وَسِتِّينَ مفصلا كَمَا أخرجه مُسلم (وأقلها رَكْعَتَانِ) وَأدنى الْكَمَال أَربع وأكمل مِنْهُ سِتّ
(و) أفضلهَا و (أَكْثَرهَا ثَمَان) على الْمُعْتَمد ووقتها من ارْتِفَاع الشَّمْس إِلَى الزَّوَال وَالِاخْتِيَار فعلهَا عِنْد مُضِيّ ربع النَّهَار ليَكُون فِي كل ربع مِنْهُ صَلَاة فَفِي الرّبع الأول صبح وَفِي الثَّانِي ضحى وَفِي الثَّالِث ظهر وَفِي الرَّابِع عصر
وَيسن أَن يحرم بهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيجوز أَن يحرم بهَا دفْعَة وَاحِدَة إِمَّا بتشهد فِي الْأَخِيرَة فَقَط أَو فِي كل شفع وَيَنْوِي بهَا سنة الضُّحَى وَيقْرَأ فِي الأولى من الرَّكْعَتَيْنِ الأولتين بعد الْفَاتِحَة سُورَة {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} 91 الشَّمْس الْآيَة 1 وَسورَة الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَة مِنْهَا سُورَة الضُّحَى وَسورَة الْإِخْلَاص ثمَّ فِي بَاقِي الرَّكْعَات يقْتَصر فِي الأولى على الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَة على الْإِخْلَاص
وَلَو أحرم بِزِيَادَة على الثَّمَانِية وَكَانَ الْجَمِيع بِإِحْرَام وَاحِد لم ينْعَقد إِن كَانَ عَامِدًا عَالما
وَإِلَّا وَقعت نفلا مُطلقًا فَإِن أحرم بِالزِّيَادَةِ وَحدهَا بعد أَن فرغ من الثَّمَانِية لم تَنْعَقِد الزِّيَادَة إِن كَانَ عَامِدًا عَالما وَإِلَّا وَقعت نفلا مُطلقًا
فَفِي دُعَاء الضُّحَى رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا عَن ابْن علوان وَهِي اللَّهُمَّ فك أقفال قُلُوبنَا بمشيئتك وَأحسن توفيقنا بدوام الصدْق فِي إرادتك وانشر علينا فِي هَذِه السَّاعَة راية هدايتك وقلدنا بسيوف ولايتك وتوجنا بتيجان معرفتك وأمطر علينا من سحائب رحمتك واسقنا من شراب محبتك وأثبتنا فِي ديوَان خاصتك وأوقفنا فِي ميدان ملاحظتك وصف سرائرنا وَنور أبصارنا واجمعنا فِي حظائر قدسك وآنسنا بلطيف أنسك وَلَا تقطعنا بغيرك عَن نَفسك
اللَّهُمَّ مَا كَانَ منا من إقبال إِلَى غَيْرك وإعراض عَنْك تعمدا أَو خطأ أَو نِسْيَانا فأزله عَنَّا إِنَّك على كل شَيْء قدير
وثانيتهما عَن سَيِّدي مُحَمَّد الْبكْرِيّ رحمه الله وَهِي إِن الضحا ضحاؤك والبهاء بهاؤك والنور نورك وَالْعَظَمَة عظمتك أَسأَلك بِحَق ضحائك وبهائك وَعزَّتك وجلالك أَن تسخر لي رزقا حَلَالا طيبا يكون عصمَة لي فِي ديني ودنياي وعونا لي على آخرتي اللَّهُمَّ أَحَي روحي ببارقة تسري بِي فِي أَي صُورَة أحببتها بك وَأَرِنِي بَدَائِع حكمتك فِي صنعك حَتَّى أحكم بصنعة كل مَصْنُوع فأقابل كلا بِمَا يجب لَهُ عَليّ حَتَّى يحيا لي كل قلب ميت وتنقاد لي كل نفس أبيَّة
إِن شَأْنك الْعدْل والإصلاح وَإِلَيْك تنقاد النُّفُوس والأرواح إِنَّك على كل شَيْء قدير
وَمن ذَلِك صَلَاة الْإِشْرَاق وَهِي رَكْعَتَانِ بعد شروق الشَّمْس وارتفاعها يَنْوِي بهما سنة الْإِشْرَاق يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة سُورَة {وَالضُّحَى} 93 الضُّحَى الْآيَة 1 وَفِي الثَّانِيَة بعد الْفَاتِحَة {ألم نشرح} 94 الشَّرْح الْآيَة 1 وتفوت بعلق النَّهَار وَلَا تمتد إِلَى الزَّوَال ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ يَا نور النُّور بِالطورِ وَكتاب مسطور فِي رق منشور وَالْبَيْت الْمَعْمُور أَسأَلك أَن ترزقني نورا أستهدي بِهِ إِلَيْك وأدل بِهِ عَلَيْك ويصحبني فِي حَياتِي وَبعد الِانْتِقَال من ظلام مشكاتي وَأَسْأَلك بالشمس وَضُحَاهَا وَنَفس مَا سواهَا أَن تجْعَل شمس معرفتك مشرقة بِي لَا يحجبها غيم الأوهام وَلَا يعتريها كسوف قمر الواحدية عِنْد التَّمام بل أَدَم لَهَا الْإِشْرَاق والظهور على ممر الْأَيَّام والدهور وصل اللَّهُمَّ على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين اللَّهُمَّ اغْفِر لنا ولوالدينا وَلِإِخْوَانِنَا فِي الله أَحيَاء وأمواتا أَجْمَعِينَ
وَمن النَّفْل الْمُؤَقت الَّذِي لَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة صَلَاة الزَّوَال وَهِي رَكْعَتَانِ أَو أَربع بعد الزَّوَال وَقيل هِيَ سنة الظّهْر يَنْوِي بهَا سنة الزَّوَال وَمِنْه صَلَاة الْأَوَّابِينَ وَتسَمى صَلَاة الْغَفْلَة ووقتها بعد صَلَاة الْمغرب إِلَى مغيب الشَّفق الْأَحْمَر وَلَو جمع الْعشَاء مَعَ الْمغرب تَقْدِيمًا أَخّرهَا عَن فعل الْعشَاء لوُجُوب الْمُوَالَاة فِي جمع التَّقْدِيم وأقلها رَكْعَتَانِ وأوسطها سِتّ وأكثرها عشرُون وتفوت بِخُرُوج وَقت الْمغرب وَينْدب قَضَاؤُهَا
إِذا فَاتَت وَيَنْوِي بهَا سنة صَلَاة الْأَوَّابِينَ أَو سنة صَلَاة الْغَفْلَة وَلَا بَأْس لَو نوى بالركعتين الأولتين من السِّت صَلَاة الْأَوَّابِينَ وَحفظ الْإِيمَان كَأَن يَقُول نَوَيْت أُصَلِّي من صَلَاة الْأَوَّابِينَ لحفظ الْإِيمَان وَإِذا فَاتَ شَيْء من هَذَا النَّوْع ندب
قَضَاؤُهُ ثمَّ يَقُول بعد السَّلَام مِنْهَا اللَّهُمَّ سددني بِالْإِيمَان واحفظه عَليّ فِي حَياتِي وَعند وفاتي وَبعد مماتي
(و) أما النَّفْل ذُو السَّبَب الْمُتَقَدّم فَهُوَ قِسْمَانِ قسم تسن فِيهِ الْجَمَاعَة وَسَيَأْتِي
وَقسم لَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة فَمِنْهُ (رَكعَتَا تَحِيَّة) لِلْمَسْجِدِ وَلَو كَانَ مشَاعا أَي بعضه مَسْجِد وَبَعضه غير مَسْجِد على الشُّيُوع وَإِن قل الْبَعْض جعل مَسْجِدا بِخِلَاف الِاعْتِكَاف فَإِنَّهُ لَا يَصح فِي الْمشَاع وَلَا يشْتَرط تحقق الْمَسْجِد بل تَكْفِي غَلَبَة الظَّن فتطلب التَّحِيَّة لما هُوَ على صُورَة الْمَسْجِد كالزوايا فِي الْقرى مَا لم تقم الْقَرِينَة على عدم المسجدية وَلَيْسَ من علاماته المنارة وَلَا الْمِنْبَر
وَخرج بِالْمَسْجِدِ الْمدَارِس والرباطات وَمَا فِي الأَرْض المحكرة وَمَا فِي سواحل الْأَنْهَار وَمَا فِي الأَرْض الْمَوْقُوفَة أَو المسبلة وَهِي رَكْعَتَانِ قبل الْجُلُوس لكل دَاخل متطهر مُرِيد الْجُلُوس فِيهِ لم يشْتَغل بهَا عَن الْجَمَاعَة وَلم يخف فَوت راتبة وَلَا تسن للخطيب إِذا خرج للخطبة وَلَا لمن دخل آخر الْخطْبَة بِحَيْثُ لَو فعل التَّحِيَّة فَاتَهُ أول الْجُمُعَة مَعَ الإِمَام وَلَو أحرم بهَا زِيَادَة على رَكْعَتَيْنِ صحت لَكِن الْأَفْضَل الِاقْتِصَار على رَكْعَتَيْنِ هَذَا إِن أحرم بِالْجَمِيعِ مرّة وَاحِدَة فَلَو أحرم بِرَكْعَتَيْنِ بنية التَّحِيَّة ثمَّ بعد الْفَرَاغ مِنْهُمَا أحرم بِرَكْعَتَيْنِ غَيرهمَا بنية التَّحِيَّة لم تَنْعَقِد الثَّانِيَة وَتحصل بِفَرْض وَنفل آخر سَوَاء نَوَيْت مَعَ ذَلِك أَو لَا نعم إِن نفاها فَاتَ فَضلهَا وَإِن سقط الطّلب
وَالْحَاصِل أَنه إِن نَوَاهَا حصل الثَّوَاب اتِّفَاقًا وَإِن نفاها فَاتَهُ الثَّوَاب اتِّفَاقًا وَإِن أطلق حصل الثَّوَاب على الْمُعْتَمد وَفِي الْجَمِيع يسْقط الطّلب وتتكرر بِتَكَرُّر الدُّخُول وَلَو على قرب وتفوت بِالْجُلُوسِ عمدا وَلَو قَصِيرا كالجلوس للشُّرْب إِن ألصق مقعدته بِالْأَرْضِ أما إِذا جلس للشُّرْب على قَدَمَيْهِ وَلم يلصق مقعدته بِالْأَرْضِ وَلم يطلّ الْفَصْل فَلَا تفوت
أما الْجُلُوس سَهوا أَو جهلا مَعَ الْقصر فَلَا تفوت بِهِ وتفوت بطول الْوُقُوف وَلَو سَهوا أَو جهلا وَضَابِط الطول أَن يكون زَائِدا على مَا يسع رَكْعَتَيْنِ بِخِلَاف مَا إِذا قصر الْوُقُوف فَلَا تفوت بِهِ وَلَو عمدا
وَالْحَاصِل أَنَّهَا تفوت بِالْجُلُوسِ الطَّوِيل وبالوقوف كَذَلِك مُطلقًا فيهمَا وبالجلوس الْقصير عمدا وَلَا تفوت بسجود التِّلَاوَة وَالشُّكْر وَلَا بِصَلَاة الْجِنَازَة وَلَو جلس وَترك التَّحِيَّة يسن لَهُ أَن يَقُول سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم مرّة
وَقيل أَربع مَرَّات فَإِن ذَلِك يقوم مقَام التَّحِيَّة وَمن دخل الْمَسْجِد الْمَكِّيّ بَدَأَ بِالطّوافِ لِأَنَّهُ تَحِيَّة الْبَيْت ثمَّ بعد ذَلِك يُصَلِّي التَّحِيَّة فَإِذا أَتَى بِرَكْعَتَيْنِ سنة الطّواف حصلت بهما سنة التَّحِيَّة أَي سقط الطّلب
وَفِي حُصُول الثَّوَاب مَا تقدم فَإِن دخل غير مُرِيد للطَّواف صلى التَّحِيَّة ابْتِدَاء وَلَو ابْتَدَأَ مُرِيد الطّواف بالتحية صَحَّ لكنه ترك الْأَفْضَل وَمِنْه صَلَاة سنة الْوضُوء عقب الْفَرَاغ مِنْهُ وَقبل طول الْفَصْل والإعراض وَتحصل بِمَا تحصل بِهِ تَحِيَّة الْمَسْجِد فَلَو أَتَى بِصَلَاة غَيرهَا عقب الْوضُوء من فرض أَو نفل فَفِيهَا مَا تقدم فِي تَحِيَّة الْمَسْجِد من جِهَة حُصُول الثَّوَاب وَسُقُوط الطّلب وَمثل الْوضُوء الْغسْل وَالتَّيَمُّم وَلَو تَوَضَّأ خَارج الْمَسْجِد ثمَّ دخل فِي الْحَال
فَهَل لَهُ إِفْرَاد كل من التَّحِيَّة وَسنة الْوضُوء عَن الْأُخْرَى وَلَا تفوت المؤخرة بالمقدمة مُطلقًا أَو بِشَرْط قصر الْفَصْل أَو لَا يطْلب الْإِفْرَاد بل الْمَطْلُوب رَكْعَتَانِ يَنْوِي بهما كلا مِنْهُمَا
فَقَالَ الْعَلامَة الشَّوْبَرِيّ الْأَخير أوجه لِأَنَّهُ مَتى اشْتغل بِإِحْدَاهُمَا سقط عَنهُ طلب الْأُخْرَى
وَمِنْه صَلَاة بعد الْأَذَان وَهِي رَكْعَتَانِ يَنْوِي بهما سنة الْأَذَان
وَمِنْه رَكْعَتَانِ عقب الْخُرُوج من الْحمام فِي الْمَسْجِد أَو فِي أَي مَحل كَانَ غير الْحمام لكَرَاهَة الصَّلَاة فِيهِ وَمِنْه رَكعَتَا الزفاف تسن هَذِه الصَّلَاة لكل من الزَّوْج وَالزَّوْجَة يَنْوِي بهَا سنة الزفاف وركعتان بعد الْخُرُوج من الْكَعْبَة يفعلهما فِي مواجهتها وركعتان عِنْد حفظ الْقُرْآن الْعَظِيم وَبعد نتف الْإِبِط وقص الشَّارِب وَحلق الْعَانَة وَحلق الرَّأْس وَعند حُصُوله فِي أَرض لم يمر بهَا قطّ أَو فِي أَرض لم يعبد الله فِيهَا
وَمِنْه صَلَاة الْحَاجة فَمن ضَاقَ عَلَيْهِ الْأَمر ومسته حَاجَة فِي صَلَاح دينه ودنياه وتعسر عَلَيْهِ ذَلِك فَليصل هَذِه الصَّلَاة الْآتِيَة
رُوِيَ عَن وهيب بن الْورْد أَنه قَالَ إِن من الدُّعَاء الَّذِي لَا يرد أَن يُصَلِّي العَبْد ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِفَاتِحَة الْكتاب وَآيَة الْكُرْسِيّ وَقل هُوَ الله أحد فَإِذا فرغ قَالَ سُبْحَانَ الَّذِي لبس الْعِزّ وَقَالَ بِهِ سُبْحَانَ الَّذِي تعطف بالمجد وتكرم بِهِ سُبْحَانَ ذِي الْعِزّ وَالْكَرم سُبْحَانَ ذِي الطول أَسأَلك بمعاقد الْعِزّ من عرشك ومنتهى الرَّحْمَة من كتابك وباسمك الْأَعْظَم وَجدك الْأَعْلَى وكلماتك التامات العامات الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر أَن تصلي على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آل سيدنَا مُحَمَّد ثمَّ يسْأَل حَاجته الَّتِي لَا مَعْصِيّة فِيهَا فيجاب إِن شَاءَ الله عز وجل
قَالَ بلغنَا أَنه كَانَ يُقَال لَا تعلموها لسفهائكم فيتعاونوا بهَا على مَعْصِيّة الله عز وجل وَتحصل بِرَكْعَتَيْنِ يَنْوِي بهما قَضَاء حَاجته وتندرجان فِي الْفَرْض وَالنَّفْل كتحية الْمَسْجِد وَيُصلي بعدهمَا على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم لَا إِلَه إِلَّا الله الْعلي الْعَظِيم سُبْحَانَ الله رب الْعَرْش الْعَظِيم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك وَالْغنيمَة من كل بر والسلامة من كل إِثْم لَا تدع لي ذَنبا إِلَّا غفرته وَلَا هما إِلَّا فرجته وَلَا حَاجَة هِيَ لَك رِضَاء إِلَّا قضيتها
فَائِدَة يسن لكل أحد أَن يتَضَرَّع بِالدُّعَاءِ وَنَحْوه عِنْد الزلازل وَنَحْوهَا كالصواعق وَالرِّيح الشَّديد والخسف وَأَن يُصَلِّي فِي بَيته مُنْفَردا كَمَا قَالَه ابْن الْمقري لِئَلَّا يكون غافلا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا عصفت الرّيح قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خَيرهَا وَخير مَا فِيهَا وَخير مَا أرْسلت بِهِ وَأَعُوذ بك من شَرها وَشر مَا فِيهَا وَشر مَا أرْسلت بِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رياحا ولاتجعلها ريحًا
(و) أما ذُو السَّبَب الْمُتَأَخر فَلَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة فَمِنْهُ صَلَاة (استخارة) فِي كل أَمر مُبَاح وَتَكون فِي
الْمَنْدُوب إِذا تعَارض عَلَيْهِ مندوبان أَيهمَا يبْدَأ بِهِ أَو يقْتَصر عَلَيْهِ وَمثل ذَلِك الْوَاجِب الْمُخَير كخصال كَفَّارَة الْيَمين أَو الموسع كَالْحَجِّ فِي هَذَا الْعَام وَتَكون فِي الْعَظِيم والحقير وَتحرم فِي الْحَرَام وَالْمَكْرُوه
وَكَيْفِيَّة الاستخارة أَنه إِذا عزم على أَمر يتَوَضَّأ وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ بنية استخارة وَيقْرَأ فِي الأولى الْفَاتِحَة والكافرون وَفِي الثَّانِيَة الْفَاتِحَة وَالْإِخْلَاص ثمَّ بعد سَلَامه يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء وَهُوَ اللَّهُمَّ إِنِّي أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وَأَسْأَلك من فضلك الْعَظِيم فَإنَّك تقدر وَلَا أقدر وَتعلم وَلَا أعلم وَأَنت علام الغيوب اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر خير لي فِي ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أَمْرِي وعاجل أَمْرِي وآجله فاقدره لي ويسره لي ثمَّ بَارك لي فِيهِ وَإِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر شَرّ لي فِي ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أَمْرِي وعاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عَنهُ واقدر لي الْخَيْر حَيْثُ كَانَ ثمَّ رضني بِهِ
ويسمي حَاجته فَلَيْسَ المُرَاد أَنه يَأْتِي بِلَفْظ قَوْله هَذَا الْأَمر بل يُسَمِّي حَاجته كَالْبيع وَالشِّرَاء والزواج فيسمي الزَّوْجَة ثمَّ يفعل مَا ينشرح لَهُ صَدره فَإِن لم يظْهر لَهُ الْحَال فِي أول مرّة كرر مَا عدا الصَّلَاة فَإِن لم يظْهر لَهُ شَيْء توكل على الله وَمضى لما هُوَ عازم فَيكون الْخَيْر فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَمِنْه صَلَاة التَّوْبَة وَهِي رَكْعَتَانِ قبل التَّوْبَة يَنْوِي بهما سنة التَّوْبَة وتصحان بعْدهَا وَالتَّوْبَة وَاجِبَة على الْفَوْر وَلَو من صَغِيرَة وتأخيرها ذَنْب تجب التَّوْبَة مِنْهُ وَلَا يعد تَأْخِير التَّوْبَة بإتيان الرَّكْعَتَيْنِ لأَجلهَا لِأَنَّهُمَا من وسائلها وَفَائِدَة التَّوْبَة أَنَّهَا حَيْثُ صحت كفرت الذَّنب وَلَو كَبِيرَة قطعا فِي الْكفْر وَغَيره وَقيل قطعا فِي الْكفْر وظنا فِي غَيره وَهِي من أفضل الطَّاعَات
وَمِنْه صَلَاة سنة الْإِحْرَام قبيله بِحَيْثُ تنْسب إِلَيْهِ عرفا
وَمِنْه رَكْعَتَانِ عِنْد الْقَتْل وَلَو ظلما إِن أمكن وَعند الْخُرُوج من الْمنزل أَو معقله وَعند الْخُرُوج من مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم للسَّفر وركعتان قبل عقد النِّكَاح
وَمِنْه صَلَاة الاستخارة الْمَعْرُوفَة عِنْد الصُّوفِيَّة وَهِي الاستخارة الْمُطلقَة الَّتِي يعملها أهل الله كل يَوْم وَهِي رَكْعَتَانِ غير الاستخارة الْمَشْهُورَة يقْصد بهما أَن تكون حركاته وسكناته من هَذَا الْوَقْت إِلَى مثله من الْيَوْم الآخر خيرا فِي حَقه وَحقّ غَيره وَأَن تكون حركات غَيره وسكناته فِي تِلْكَ الْمدَّة خيرا فِي حَقه هُوَ
قَالَ بعض العارفين وَقد جرب ذَلِك فشوهد نَفعه يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى بعد الْفَاتِحَة قَوْله تَعَالَى {وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار} إِلَى {يعلنون} 28 الْقَصَص الْآيَة 68 أَو {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} 109 الْكَافِرُونَ الْآيَة 1 وَفِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة بعد الْفَاتِحَة قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة} إِلَى {مُبينًا} 33 الْأَحْزَاب الْآيَة 36 أَو {قل هُوَ الله أحد} 112 الْإِخْلَاص الْآيَة 1
وَله فعلهَا فِي أَي وَقت أَرَادَ من ليل أَو نَهَار مَا عدا أَوْقَات الْكَرَاهَة الْمُتَقَدّم ذكرهَا لَكِن الأولى أَن يَفْعَلهَا بعد صَلَاة الْإِشْرَاق وَقبل صَلَاة الضُّحَى ثمَّ يَدْعُو بِدُعَاء الاستخارة وَهُوَ اللَّهُمَّ إِنِّي أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وَأَسْأَلك من فضلك الْعَظِيم فَإنَّك تقدر وَلَا أقدر وَتعلم وَلَا أعلم وَأَنت علام الغيوب اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن جَمِيع مَا أتحرك فِيهِ أَو أسكن فِي حَقي وَفِي حق غَيْرِي وَجَمِيع مَا يَتَحَرَّك فِيهِ غَيْرِي أَو يسكن فِي حَقي وَفِي حق أَهلِي وَوَلَدي وَمَا ملكت يَمِيني من سَاعَتِي هَذِه
إِلَى مثلهَا من الْيَوْم الآخر خير لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي وعاجله وآجله فاقدره لي ويسره لي يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ وَإِن كنت تعلم أَن جَمِيع مَا أتحرك فِيهِ أَو أسكن فِي حَقي وَفِي حق غَيْرِي وَجَمِيع مَا يَتَحَرَّك فِيهِ غَيْرِي أَو يسكن فِي حَقي وَحقّ أَهلِي وَوَلَدي وَمَا ملكت يَمِيني من سَاعَتِي هَذِه إِلَى مثلهَا من الْيَوْم الآخر شَرّ لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي وعاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عَنهُ واقدر لي الْخَيْر حَيْثُ كنت وتول بلطفك أَمْرِي دنيا وَأُخْرَى إِنَّك على كل شَيْء قدير وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم
وَمِنْه صَلَاة رَكْعَتَيْنِ لَيْلَة الْجُمُعَة بعد الْمغرب لتسهيل الْمَوْت وَمَا بعده من الْأَهْوَال كَمَا ذكره السنوسي وَغَيره يقْرَأ فِي كل رَكْعَة مِنْهُمَا بعد الْفَاتِحَة سُورَة الزلزلة خمس عشر مرّة
وَمِنْه رَكْعَتَانِ بعد الْمغرب أَيْضا لحفظ الْإِيمَان يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْقدر مرّة وَسورَة الْإِخْلَاص سِتا والمعوذتين مرّة مرّة وَيَقُول فِي السُّجُود اللَّهُمَّ إِنِّي أستودعك ديني وإيماني فاحفظهما عَليّ فِي حَياتِي وَعند مماتي وَبعد وفاتي وَيَقُول بعد السَّلَام سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم
وَمِنْه صَلَاة رَكْعَتَيْنِ للأنس فِي الْقَبْر رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لَا يَأْتِي على الْمَيِّت أَشد من اللَّيْلَة الأولى فارحموا بِالصَّدَقَةِ من يَمُوت فَمن لم يجد فَليصل رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فيهمَا أَي فِي كل رَكْعَة مِنْهُمَا فَاتِحَة الْكتاب مرّة وَآيَة الْكُرْسِيّ مرّة و {أَلْهَاكُم التكاثر} 102 التكاثر الْآيَة 1 مرّة و {قل هُوَ الله أحد} 112 الْإِخْلَاص الْآيَة 1 عشر مَرَّات وَيَقُول بعد السَّلَام اللَّهُمَّ إِنِّي صليت هَذِه الصَّلَاة وَتعلم مَا أُرِيد اللَّهُمَّ ابْعَثْ ثَوَابهَا إِلَى قبر فلَان ابْن فلَان فيبعث الله من سَاعَته إِلَى قَبره ألف ملك مَعَ كل ملك نور وهدية يؤنسونه إِلَى يَوْم ينْفخ فِي الصُّور اه
وَفِي الحَدِيث أَن فَاعل ذَلِك لَهُ ثَوَاب جسيم
مِنْهُ أَنه لَا يخرج من الدُّنْيَا حَتَّى يرى مَكَانَهُ فِي الْجنَّة قَالَ بَعضهم فطوبى لعبد واظب على هَذِه الصَّلَاة كل لَيْلَة وَأهْدى ثَوَابهَا لكل ميت من الْمُسلمين وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
وَمِنْه صَلَاة الإستعاذة وَهِي رَكْعَتَانِ بعد صَلَاة الضُّحَى يَنْوِي بهما سنة الِاسْتِعَاذَة يقْصد بهما أَن الله يعيذه من شَرّ يَوْمه وَلَيْلَته يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة سُورَة {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} 113 الفلق الْآيَة 1 وَفِي الثَّانِيَة بعد الْفَاتِحَة سُورَة {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} 114 النَّاس الْآيَة 1 ثمَّ يَدْعُو بِدُعَاء الِاسْتِعَاذَة وَهُوَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آله وَصَحبه وَسلم اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من خَلِيل ماكر عَيناهُ ترياني وَقَلبه يرعاني إِن رأى حَسَنَة دَفنهَا وَإِن رأى سَيِّئَة أذاعها اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من يَوْم السوء وَأَعُوذ بك من لَيْلَة السوء وَأَعُوذ بك من سَاعَة السوء وَأَعُوذ بك من صَاحب السوء وَأَعُوذ بك من جَار السوء فِي دَار الْمقَام وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم
وَمِنْه صَلَاة السّفر وَهِي رَكْعَتَانِ عِنْد إِرَادَة الْخُرُوج للسَّفر يَنْوِي بهما سنة السّفر رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ مَا اسْتخْلف عبد عِنْد أَهله من خَليفَة أحب إِلَى الله من أَربع رَكْعَات يصليهن فِي بَيته إِذا شدّ عَلَيْهِ ثِيَاب سَفَره يقْرَأ فِيهِنَّ بِفَاتِحَة الْكتاب و {قل هُوَ الله أحد} 112 الْإِخْلَاص الْآيَة 1 ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّب
بِهن إِلَيْك فَاخْلُفْنِي بِهن فِي أَهلِي وَمَالِي فَهِيَ خَلِيفَته فِي أَهله وَمَاله وحرز حول دَاره حَتَّى يرجع إِلَى أَهله
وَإِذا فَاتَ النَّفْل الْمُؤَقت ندب قَضَاؤُهُ كَمَا تقدم
وَأما ذُو السَّبَب فَلَا يقْضِي إِذا فَاتَ
تَنْبِيه مَتى كَانَت النَّافِلَة غير مَقْصُودَة لذاتها كفى عَنْهَا صَلَاة أُخْرَى من فرض أَو نفل وَفِي حُصُول الثَّوَاب وَسُقُوط الطّلب مَا تقدم فِي تَحِيَّة الْمَسْجِد وَسنة الْوضُوء
(و) الْقسم الثَّانِي من النَّفْل الْمُؤَقت وَهُوَ مَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة (صَلَاة الْعِيدَيْنِ) الْأَصْغَر والأكبر وَهِي من خَصَائِص هَذِه الْأمة وَصَلَاة الْأَضْحَى أفضل من صَلَاة الْفطر لثبوتها بِنَصّ الْقُرْآن وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فصل لِرَبِّك وانحر} 108 الْكَوْثَر الْآيَة 2 وَمحل سنّ الْجَمَاعَة فِي صَلَاة الْأَضْحَى لغير الْحَاج أما هُوَ فتسن لَهُ فُرَادَى سَوَاء كَانَ بمنى أَو غَيرهَا وَلَو فِي طَرِيقه إِلَى مَكَّة وَصَلَاة الْعِيدَيْنِ سنة مُؤَكدَة ووقتها مَا بَين طُلُوع الشَّمْس يَوْم الْعِيد وزوالها وَيسن تَأْخِيرهَا عَن طُلُوع الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع كرمح فِي رَأْي الْعين لَكِن لَو فعلهَا قبل الِارْتفَاع وَبعد الطُّلُوع صحت من غير كَرَاهَة على الْمُعْتَمد وَهِي رَكْعَتَانِ كَغَيْرِهَا فِي الْأَركان والشروط وأقلها أَن يحرم بالركعتين بنية صَلَاة عيد الْفطر أَو الْأَضْحَى ويصليهما كراتبة الظّهْر مثلا وأكملها أَن يكبر فِي الرَّكْعَة الأولى سبع تَكْبِيرَات بعد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَبعد دُعَاء الِافْتِتَاح وَقبل التَّعَوُّذ وَيرْفَع يَدَيْهِ فِي كل تَكْبِيرَة كَمَا فِي التَّحَرُّم
وَيسن أَن يفصل بَين كل اثْنَيْنِ مِنْهَا بِقدر آيَة معتدلة يهلل وَيكبر ويمجد وَيحسن فِي ذَلِك أَن يَقُول سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر لِأَنَّهُ لَائِق بِالْحَال
وَيسن أَن يضع يمناه على يسراه تَحت صَدره بَين كل تكبيرتين وَلَو شكّ فِي عدد التَّكْبِيرَات أَخذ بِالْأَقَلِّ وَهِي من الهيئات كالتعوذ وَدُعَاء الِافْتِتَاح فَلَا يسْجد لترك شَيْء مِنْهَا وَإِن كَانَ التّرْك مَكْرُوها وَلَو نسي التَّكْبِيرَات أَو شَيْئا مِنْهَا وَشرع فِي الْقِرَاءَة لم يتداركها وَلَو لم يتم الْفَاتِحَة بِخِلَاف مَا لَو نَسِيَهَا وَشرع فِي التَّعَوُّذ ثمَّ تذكرها فَإِنَّهُ يعود إِلَيْهَا وَلَا يفوت بهَا دُعَاء الِافْتِتَاح ويفوت بالتعوذ ويفوت الْكل بِالْقِرَاءَةِ وَلَو نَاسِيا ثمَّ يتَعَوَّذ بعد التَّكْبِيرَة الْأَخِيرَة وَيقْرَأ الْفَاتِحَة كَغَيْرِهَا من الصَّلَوَات وَينْدب أَن يقْرَأ بعد الْفَاتِحَة فِي الرَّكْعَة الأولى {ق} 50 ق الْآيَة 1 وَفِي الثَّانِيَة {اقْتَرَبت السَّاعَة} 54 الْقَمَر الْآيَة 1 أَو (50) ق {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} 87 الْأَعْلَى الْآيَة 1 فِي الأولى والغاشية فِي الثَّانِيَة وَهِي صَلَاة جهرية ثمَّ إِذا قَامَ للركعة الثَّانِيَة يكبر خمْسا بِالصّفةِ الْمُتَقَدّمَة بعد تَكْبِيرَة الْقيام وَقبل التَّعَوُّذ
وَيسن الْغسْل للعيدين وَإِن لم يرد الْحُضُور لِأَنَّهُ يَوْم زِينَة وَيدخل وقته بِنصْف اللَّيْل وَلَكِن الْأَفْضَل فعله بعد الْفجْر وَيخرج بالغروب وَيسن البكور بعد الصُّبْح لغير الإِمَام وَأَن يحضر الإِمَام وَقت صلَاته وَأَن يعجل الْحُضُور فِي الْأَضْحَى ويؤخره فِي الْفطر قَلِيلا وحكمته اتساع وَقت الْأُضْحِية وَالْأَفْضَل فِي صَدَقَة الْفطر أَن تكون قبل الصَّلَاة وَينْدب التَّطَيُّب للذّكر بِأَحْسَن مَا يجده عِنْده من الطّيب والتزين بِأَحْسَن ثِيَابه وأفضلها الْبيض إِلَّا أَن يكون غَيرهَا أحسن فَهُوَ أفضل مِنْهَا هُنَا لَا فِي الْجُمُعَة وَالْفرق أَن المُرَاد هُنَا إِظْهَار النعم وَثمّ التَّوَاضُع وفعلها بِالْمَسْجِدِ أفضل لشرفه وَأَن يذهب للصَّلَاة فِي طَرِيق طَوِيل مَاشِيا بسكينة وَيرجع فِي آخر قصير كَالْجُمُعَةِ وَأَن يَأْكُل قبلهَا فِي عيد الْفطر
وَالْأولَى أَن يكون تَمرا وترا وَأَن يمسك عَن الْأكل فِي الْأَضْحَى وَلَا يكره لغير الإِمَام التَّنَفُّل قبلهَا بعد ارْتِفَاع الشَّمْس وَلَا بعْدهَا إِن لم يسمع الْخطْبَة وَإِلَّا كره أما الإِمَام فَيكْرَه لَهُ التَّنَفُّل قبلهَا وَبعدهَا
وَيسْتَحب إِزَالَة الشّعْر وَالظفر وَالرِّيح الكريهة وَمن لَهُ ثوب وَاحِد يغسلهُ ندبا لكل جُمُعَة وَعِيد وَيكبر ندبا كل أحد من غرُوب الشَّمْس من لَيْلَتي عيد الْفطر والأضحى بِرَفْع الصَّوْت فِي الْمنَازل والأسواق وَغَيرهمَا وَاسْتثنى الرَّافِعِيّ من رفع الصَّوْت الْمَرْأَة إِذا حضرت مَعَ غير محارمها وَنَحْوهم وَمثلهَا الْخُنْثَى وَيسْتَمر ذَلِك إِلَى أَن يدْخل الإِمَام فِي صَلَاة الْعِيد فَإِن صلى مُنْفَردا فَالْعِبْرَة بإحرامه هُوَ وَلَو تَأَخّر إِحْرَام من ذكر إِلَى الزَّوَال وَمن لم يرد الصَّلَاة أصلا يسْتَمر تكبيره إِلَى الزَّوَال وَهَذَا يُسمى التَّكْبِير الْمُرْسل وَيكبر فِي عيد الْأَضْحَى خلف صَلَاة الْفَرَائِض والنوافل وَلَو فَائِتَة وَصَلَاة جَنَازَة من فجر يَوْم عَرَفَة إِلَى الْغُرُوب من آخر أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لغير الْحَاج فجملة مَا يكبر عقبه من المكتوبات المؤداة فِي هَذِه الْأَيَّام ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ وَلَو تعَارض عَلَيْهِ التَّكْبِير وأذكار الصَّلَوَات قدم عَلَيْهَا لِأَنَّهُ شعار الْوَقْت وَإِن كَانَ لَا يفوت بهَا
أما الْحَاج فيكبر عقب كل صَلَاة من ظهر يَوْم النَّحْر لِأَنَّهَا أول صلواته بعد انْتِهَاء وَقت التَّلْبِيَة إِلَى الْغُرُوب من آخر أَيَّام التَّشْرِيق فجملة مَا يكبر عقبه من المكتوبات المؤداة فِي هَذِه الْأَيَّام سَبْعَة عشر وَهَذَا يُسمى التَّكْبِير الْمُقَيد
فَعلم أَن الْمُرْسل لكل من الْفطر والأضحى وَأَن الْمُقَيد للأضحى فَقَط وَأَن صَلَاة عيد الْفطر لَا تَكْبِير عَقبهَا
لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُقَيّد بِخِلَاف صَلَاة عيد الْأَضْحَى ومرسل الْفطر أفضل من مُرْسل الْأَضْحَى ومقيد الْأَضْحَى أفضل من الْمُرْسلين وَالْمحرم بِالْحَجِّ لَا يكبر لَيْلَة الْأَضْحَى لِأَن شعاره التَّلْبِيَة وَكَذَا لَو أحرم بِالْحَجِّ عِنْد ابْتِدَاء أول لَيْلَة من شَوَّال لَا يكبر بل يُلَبِّي
وَصِيغَة التَّكْبِير المحبوبة الله أكبر الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر الله أكبر وَللَّه الْحَمد الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا نعْبد إِلَّا إِيَّاه مُخلصين لَهُ الدّين وَلَو كره الْكَافِرُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده صدق وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده
وَيسْتَحب بعد ذَلِك الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم لقَوْله تَعَالَى {ورفعنا لَك ذكرك} 94 الشَّرْح الْآيَة 4 أَي لَا أذكر إِلَّا وتذكر معي والمعتاد فِي ذَلِك أَن يَقُول اللَّهُمَّ صل على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آل سيدنَا مُحَمَّد وعَلى أَصْحَاب سيدنَا مُحَمَّد وعَلى أَزوَاج سيدنَا مُحَمَّد وعَلى ذُرِّيَّة سيدنَا مُحَمَّد وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
(و) الْقسم الثَّانِي من النَّفْل ذِي السَّبَب الْمُتَقَدّم وَهُوَ مَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة صَلَاة (الكسوفين) أَي صَلَاة كسوف الشَّمْس وَصَلَاة خُسُوف الْقَمَر
وَهِي سنة مُؤَكدَة وأقلها رَكْعَتَانِ كراتبة الظّهْر مثلا يحرم بهما بنية صَلَاة الْكُسُوف أَو الخسوف وأوسطها رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَة قيامان وركوعان فَيحرم بهما بنية مَا ذكر ثمَّ بعد الِافْتِتَاح والتعوذ يقْرَأ الْفَاتِحَة ويركع ثمَّ يعتدل وَيقْرَأ الْفَاتِحَة ثَانِيًا ويركع ثَانِيًا ثمَّ يعتدل ثَانِيًا
ثمَّ يسْجد السَّجْدَتَيْنِ وَيَأْتِي بالطمأنينة فِي محلهَا
فَهَذِهِ رَكْعَة ثمَّ يَأْتِي بِرَكْعَة أُخْرَى كَذَلِك وأكملها رَكْعَتَانِ يحرم بهما بنية مَا ذكر فِي كل رَكْعَة قيامان
يُطِيل الْقِرَاءَة فيهمَا فَيقْرَأ فِي الْقيام الأول بعد الْفَاتِحَة وسوابقها من افْتِتَاح وتعوذ الْبَقَرَة بكمالها إِن أحْسنهَا وَإِلَّا فقدرها وَيقْرَأ فِي الْقيام الثَّانِي مِقْدَار مِائَتي آيَة مِنْهَا وَفِي الْقيام الثَّالِث مِقْدَار مِائَتَيْنِ وَخمسين مِنْهَا وَفِي الْقيام الرَّابِع مِقْدَار مائَة مِنْهَا تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيع وَيقْرَأ فِي الْقيام الثَّانِي آل عمرَان أَو قدرهَا وَفِي الثَّالِث النِّسَاء أَو قدرهَا وَفِي الرَّابِع الْمَائِدَة أَو قدرهَا وَفِي كل رَكْعَة ركوعان يُطِيل التَّسْبِيح فيهمَا فيسبح فِي الرُّكُوع الأول قدر مائَة آيَة من الْبَقَرَة وَفِي الثَّانِي قدر ثَمَانِينَ مِنْهَا وَفِي الثَّالِث قدر سبعين مِنْهَا بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة وَفِي الرَّابِع قدر خمسين مِنْهَا تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيع وَالْمُعْتَمد أَنه يُطِيل السُّجُود الأول من كل رَكْعَة نَحْو الرُّكُوع الأول مِنْهَا وَالسُّجُود الثَّانِي نَحْو الرُّكُوع الثَّانِي وَأما الأعتدال الثَّانِي من كل رَكْعَة وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ من كل رَكْعَة فَلَا يطيلهما وَلَا بُد فِي النِّيَّة من تعْيين كَون هَذِه الصَّلَاة لكسوف الشَّمْس أَو لخسوف الْقَمَر وَإِن أحرم بهَا بِقصد أَن يَفْعَلهَا كَسنة الظّهْر فَعَن لَهُ بعد الْإِحْرَام أَن يزِيد على ذَلِك لم يجز على الْمُعْتَمد وَإِن أحرم بهَا بِقصد أَن يَفْعَلهَا بقيامين وركوعين فَعَن لَهُ أَن يَفْعَلهَا كَسنة الظّهْر أَيْضا وَإِن أحرم بهَا وَأطلق تخير بَين الْأَقَل وَغَيره
وَيسن فعلهَا فِي الْجَامِع وَيسن للنِّسَاء غير ذَوَات الهيئات أَن يصلينها مَعَ الإِمَام فِي الْجَامِع وَذَوَات الهيئات يصلين فِي بُيُوتهنَّ منفردات فَإِن اجْتَمعْنَ مَعَ الإِمَام فَلَا بَأْس وَيدخل وَقتهَا بابتداء التَّغَيُّر يَقِينا وتفوت صَلَاة كسوف الشَّمْس بالانجلاء التَّام يَقِينا وبغروبها كاسفة وَصَلَاة خُسُوف الْقَمَر بالانجلاء التَّام يَقِينا وبطلوع الشَّمْس لَا بِطُلُوع الْفجْر وَلَا بغروب الْقَمَر خاسفا وَلَو حصل الانجلاء أَو الْغُرُوب أَو طُلُوع الشَّمْس فِي أثْنَاء الصَّلَاة لَا تبطل بِلَا خلاف
وَيسن الْإِسْرَار فِي صَلَاة كسوف الشَّمْس لِأَنَّهَا نهارية والجهر فِي صَلَاة خُسُوف الْقَمَر لِأَنَّهَا صَلَاة ليل أَو مُلْحقَة بهَا
وَيسن للْإِمَام أَن يخْطب (بخطبتين) للْجَمَاعَة دون الْمُنْفَرد (بعدهمَا) أَي بعد السَّلَام من صَلَاة الْعِيدَيْنِ والكسوفين وَتَكون خطبتا الْعِيدَيْنِ كخطبتي الْجُمُعَة فِي الْأَركان وَالسّنَن لَا فِي الشُّرُوط كالقيام والستر وَالطَّهَارَة وَالْجُلُوس بَينهمَا وَيسن الْجُلُوس قبلهمَا للاستراحة
نعم لَا بُد فِي أَدَاء السّنة وَصِحَّة الْخطْبَة من الإسماع بِالْفِعْلِ وَالسَّمَاع وَلَو بِالْقُوَّةِ كَمَا تقدم فِي الْجُمُعَة وَكَون الْخطْبَة عَرَبِيَّة وَكَون الْخَطِيب ذكرا على الْمُعْتَمد
وَيسن للخطيب أَن يعلمهُمْ فِي عيد فطر الْفطْرَة وَعِيد أضحى الْأُضْحِية وَيسن أَن يكبر فِي افْتِتَاح الْخطْبَة الأولى تسعا بِتَقْدِيم الْمُثَنَّاة على السِّين وَفِي افْتِتَاح الثَّانِيَة سبعا بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة مَعَ الْمُوَالَاة وإفراد كل تَكْبِيرَة بِنَفس ويفوت هَذَا التَّكْبِير بِالشُّرُوعِ فِي أَرْكَان الْخطْبَة كَمَا يفوت تَكْبِير الصَّلَاة بِالشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَة ويخطب الإِمَام فِي الكسوفين وَلَو بعد الانجلاء كخطبتي الْعِيد لَكِن لَا يكبر فيهمَا
قَالَ بَعضهم وَيحسن أَن يسْتَغْفر لِأَنَّهُ لَائِق بِالْحَال لِأَن الْكُسُوف مِمَّا يخوف الله بِهِ عباده وَلَا يشْتَرط فيهمَا شُرُوط خطْبَة
الْجُمُعَة بل تسن كَمَا فِي خطْبَة الْعِيد وَلَا يَكْفِي خطْبَة وَاحِدَة ويحث فيهمَا السامعين على فعل الْخَيْر من تَوْبَة وَصدقَة وَعتق وَنَحْوهَا
فَائِدَة الْخطب الْمَشْرُوعَة عشر خطْبَة الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ والكسوفين وَالِاسْتِسْقَاء وَأَرْبع فِي الْحَج وَكلهَا بعد الصَّلَاة إِلَّا خطْبَة الْجُمُعَة وعرفة فقبلها وكل مِنْهَا ثِنْتَانِ إِلَّا الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة فِي الْحَج ففرادى وَلَو اجْتمع على الشَّخْص فرض وَصَلَاة كسوف أَو خُسُوف فَإِن كَانَ وَقت الْفَرْض وَاسِعًا قدم الْكُسُوف أَو الخسوف لِأَنَّهُ يخَاف فَوتهَا وَإِن كَانَ وَقت الْفَرْض ضيقا قدمه ثمَّ الْكُسُوف أَو الخسوف إِن لم يفت وَلَو اجْتمع عيد وجنازة أَو كسوف وجنازة قدمت الْجِنَازَة فيهمَا خوفًا من تغير الْمَيِّت لِأَنَّهُ مَظَنَّة للتغير هَذَا إِذا حضرت وَحضر الْوَلِيّ وَإِلَّا أفرد الإِمَام جمَاعَة ينتظرونها واشتغل مَعَ البَاقِينَ بغَيْرهَا والعيد مَعَ الْكُسُوف كالفرض مَعَه لِأَن الْعِيد أفضل مِنْهُ وَلَو اجْتمع فرض وجنازة وَلم يخف تغير الْمَيِّت فَإِن كَانَ وَقت الْفَرْض وَاسِعًا وَجب تَقْدِيم الْجِنَازَة وَإِن كَانَ وَقت الْفَرْض ضيقا وَجب تَقْدِيم الْفَرْض فَلَو خيف تغير الْمَيِّت وَجب تَقْدِيم الْجِنَازَة على الْفَرْض وَإِن خيف فَوت وقته
تَتِمَّة قد جعل الله الشَّمْس قدر الأَرْض اثْنَتَيْ عشرَة مرّة وَجعل سَيرهَا فِي البروج من السّنة إِلَى السّنة وَهِي تسير كل شهر فِي برج مِنْهَا فَبعد تَمام السّنة ترجع إِلَى البرج الَّذِي ابتدأت مِنْهُ السّير وَتَكون فِي الشتَاء فِي أَسْفَل البروج وَفِي الصَّيف فِي أَعلَى البروج وَلَا تَجْتَمِع مَعَ الْقَمَر فِي سُلْطَانه لِئَلَّا يبطل كل وَاحِد مِنْهُمَا خاصية صَاحبه إِذْ فِي الشَّمْس خَصَائِص لَا تُوجد فِي الْقَمَر وَبِالْعَكْسِ لِأَن الله تَعَالَى جعل الشَّمْس طباخة للثمار والفواكه ولولاها مَا نبت زرع وَلَا خرجت فَاكِهَة وَلها خَصَائِص أخر وَجعل الله الْقَمَر صباغا لسَائِر أَنْوَاع الْفَوَاكِه وَفِيه خَصَائِص أخر
قَالَ الإِمَام السُّيُوطِيّ الْحِكْمَة فِي كسوف الشَّمْس وخسوف الْقَمَر أَنه لما سبق فِي علمه سبحانه وتعالى أَن الْكَوَاكِب تعبد من دون الله خُصُوصا الشَّمْس وَالْقَمَر قضى عَلَيْهِمَا بالخسوف والكسوف وَجعل ذَلِك دلَالَة على أَنَّهُمَا مَعَ إشراق نورهما وَمَا يظْهر من حسن آثارهما مأموران وَفِي مصَالح الْعباد مسيران فسبحان الْحَكِيم
وَقَالَ ابْن الْعِمَاد سَبَب كسوف الشَّمْس وخسوف الْقَمَر تخويف الْعباد بِحَبْس ضوئهما ليرجعوا إِلَى الطَّاعَة لِأَن هَذِه النِّعْمَة إِذا حبست لم ينْبت زرع وَلم يجِف ثَمَر وَلم يحصل لَهُ نضج وَقيل سَببه أَن الْمَلَائِكَة تجرها وَفِي السَّمَاء بَحر فَإِذا وَقعت فِيهِ استتر ضوؤها
(و) من ذِي السَّبَب الْمُتَقَدّم الَّذِي تسن فِيهِ الْجَمَاعَة صَلَاة (استسقاء) وَهُوَ شرعا طلب سقيا الْعباد من الله تَعَالَى عِنْد حَاجتهم إِلَيْهَا
وَالِاسْتِسْقَاء ثَلَاثَة أَنْوَاع أدناها أَن يكون بِالدُّعَاءِ مُطلقًا فُرَادَى ومجتمعين وأوسطها يكون بِالدُّعَاءِ خلف الصَّلَوَات فَرضهَا ونفلها وَفِي خطْبَة الْجُمُعَة وخطبة الْعِيدَيْنِ وَنَحْو ذَلِك وأكملها يكون بِالصَّلَاةِ على الْوَجْه الْآتِي وَإِنَّمَا يفعل الاسْتِسْقَاء عِنْد الْحَاجة بِسَبَب انْقِطَاع المَاء أَو قلته بِحَيْثُ لَا يَكْفِي أَو ملوحته ولاستزادة نفع وَشَمل مَا ذكر
مَا لَو انْقَطع المَاء عَن طَائِفَة من الْمُسلمين واحتاجت إِلَيْهِ يسن لغَيرهم أَن يستسقوا لَهُم ويسألوا الزِّيَادَة النافعة لأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرَادَ صَلَاة الاسْتِسْقَاء جمَاعَة يسن للْإِمَام أَو نَائِبه أَن يخرج بهم إِلَى الصَّحرَاء لَا عذر تأسيا بِهِ صلى الله عليه وسلم وَلِأَن النَّاس يكثرون فَلَا يسعهم الْمَسْجِد غَالِبا وَقبل الْخُرُوج يسن للْإِمَام أَو نَائِبه أَن يَأْمُرهُم بأَشْيَاء مِنْهَا التَّوْبَة من جَمِيع الْمعاصِي القولية والفعلية مِنْهَا الْمُبَادرَة إِلَى مصالحة الْأَعْدَاء المتشاحنين لأمر دُنْيَوِيّ أَو لحظ نفس وَإِذا كَانَ الهجران لله تَعَالَى بِأَن كَانَ لأمر ديني فَلَا
وَمِنْهَا الْمُبَادرَة إِلَى صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام متتابعة قبل ميعاد يَوْم الْخُرُوج فَهِيَ بِهِ أَرْبَعَة أَيَّام
وَمِنْهَا امْتِثَال أَمر الإِمَام فِي جَمِيع مَا ذكر وَلَو مسافرين وَلَو فِي النّصْف الثَّانِي من شعْبَان لِأَن هَذَا الصَّوْم لسَبَب وَإِنَّمَا وَجب امْتِثَال أمره فِي ذَلِك لِأَنَّهُ إِذا أَمر بِوَاجِب تَأَكد وُجُوبه وَإِذا أَمر بمندوب وَجب وَإِن أَمر بمباح فَإِن كَانَ فِيهِ مصلحَة عَامَّة كَتَرْكِ شرب الدُّخان وَجب بِخِلَاف مَا إِذا أَمر بِمحرم أَو مَكْرُوه أَو مُبَاح لَا مصلحَة فِيهِ عَامَّة وَيجب تبييت النِّيَّة فِي هَذَا الصَّوْم لِأَنَّهُ وَاجِب
نعم لَا تجب الصَّدَقَة بِأَمْر الإِمَام بهَا إِلَّا على من تجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر لَا مُطلقًا وَيَكْفِي فِي التَّصَدُّق أقل مُتَمَوّل إِن لم يعين الإِمَام قدرا وَإِلَّا تعين إِلَّا إِذا زَاد ذَلِك الْقدر على مَا يجب فِي زَكَاة الْفطر فَلَا يجب إِلَّا إِذا فضل ذَلِك الْقدر عَن كِفَايَة الْعُمر الْغَالِب وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ الْمُعْتَمد ثمَّ يخرج الإِمَام أَو نَائِبه بِالنَّاسِ فِي الْيَوْم الرَّابِع من صِيَامهمْ إِلَى الصَّحرَاء وهم صِيَام غير متطيبين وَلَا متزينين بل فِي ثِيَاب بذلة وَفِي استكانة أَي خشوع وَفِي تضرع
وَيسن لَهُم التَّوَاضُع فِي مشيهم وَكَلَامهم وجلوسهم لَا حُفَاة وَلَا مكشوفي الرؤوس ويتنظفون بِالسِّوَاكِ وَالْغسْل وَقطع الروائح الكريهة وَيخرجُونَ من طَرِيق ويعودون من آخر وَيخرج ندبا مَعَهم الصّبيان وَلَو غير مميزين والشيوخ والعجائز وَمن لَا هَيْئَة لَهُ من النِّسَاء لِأَن دعاءهم أقرب إِلَى الْإِجَابَة إِذْ الْكَبِيرَة أرق قلبا وَالصَّغِير لَا ذَنْب عَلَيْهِ وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم هَل ترزقون وتنصرون إِلَّا بضعفائكم
وَيسن إِخْرَاج الْبَهَائِم لِأَن الجدب قد أَصَابَهَا أَيْضا وتقف الْبَهَائِم معزولة عَن النَّاس وَيفرق بَين الْأُمَّهَات وَالْأَوْلَاد حَتَّى يكثر الصياح والضجة والرقة فَيكون ذَلِك أقرب إِلَى الْإِجَابَة ثمَّ بعد خروح الإِمَام بِالنَّاسِ إِلَى الصَّحرَاء يُصَلِّي بهم رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاة الْعِيدَيْنِ فِي كيفيتهما من التَّكْبِير بعد الِافْتِتَاح وَقبل التَّعَوُّذ سبعا فِي الأولى وخمسا فِي الثَّانِيَة مَعَ رفع الْيَدَيْنِ فِي كل تَكْبِيرَة وَهَذِه الصَّلَاة جهرية سَببهَا الْحَاجة ينوى بهما سنة صَلَاة الاسْتِسْقَاء يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة سُورَة {ق} 05 ق الْآيَة 1 وَفِي الثَّانِيَة {اقْتَرَبت السَّاعَة} 54 الْقَمَر الْآيَة 1 أَو {سبح} 87 الْأَعْلَى الْآيَة 1 و {الغاشية} 88 الغاشية الْآيَة 1 وَلَا توقت بِوَقْت عيد وَلَا غَيره بل تصلى فِي أَي وَقت كَانَ من ليل أَو نَهَار لِأَنَّهَا ذَات سَبَب فدارت مَعَ سَببهَا
ثمَّ يخْطب الإِمَام بعدهمَا خطبتين ويبدل التَّكْبِير بالاستغفار أَولهمَا فَيَقُول أسْتَغْفر الله الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم وَأَتُوب إِلَيْهِ بدل كل تَكْبِيرَة وَيكثر فِي أثنائهما من قَول اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين وَيجْعَل لكم جنَّات وَيجْعَل لكم أَنهَارًا
وَمن دُعَاء الكرب وَهُوَ لَا إِلَه إِلَّا الله
الْعَظِيم الْحَلِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب الْعَرْش الْعَظِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب السَّمَوَات وَرب الأَرْض وَرب الْعَرْش الْكَرِيم
وَيتَوَجَّهُ الْقبْلَة من نَحْو ثلث الْخطْبَة الثَّانِيَة ويحول رِدَاءَهُ عِنْد اسْتِقْبَال الْقبْلَة بِأَن يَجْعَل يَمِين الرِّدَاء يسَاره وَعَكسه وَيجْعَل أَعْلَاهُ أَسْفَله وَهَذَا يُسمى تنكيسا وَلَيْسَ التَّحْوِيل والتنكيس خاصين بِالْإِمَامِ بل مثله الذُّكُور الْحَاضِرُونَ بِخِلَاف النِّسَاء والخناثى وَحِكْمَة التَّحْوِيل التفاؤل بِتَغَيُّر الْحَال من شدَّة إِلَى رخاء فيغيرون بواطنهم بِالتَّوْبَةِ وظواهرهم بتحويل أرديتهم وتنكيسها وَيتْرك الرِّدَاء محولا مُنَكسًا حَتَّى تنْزع الثِّيَاب
والرداء هُوَ مَا يوضع على الْكَتِفَيْنِ والطيلسان مَا يوضع على الرَّأْس ويغطي بِهِ بعض الْوَجْه
والإزار مَا يوضع فِي الْوسط
وَكَانَ طول إزَاره صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَة أَذْرع وَعرضه ذِرَاع وَطول عمَامَته سَبْعَة أَذْرع وعرضها ذِرَاع
وَيكثر الْخَطِيب فِي الْخطْبَتَيْنِ من الدُّعَاء سرا وجهرا وَيرْفَع الْحَاضِرُونَ أَيْديهم عِنْد دُعَائِهِ جاعلين ظُهُور أكفهم إِلَى السَّمَاء لِأَن الْقَصْد رفع الْبلَاء بِخِلَاف من يَدْعُو قَاصِدا تَحْصِيل شَيْء فَإِنَّهُ يَدْعُو وبطن كَفه إِلَى السَّمَاء
وَمُقْتَضى مَا ذكر أَنه فِي الاسْتِسْقَاء تجْعَل ظُهُور الأكف إِلَى السَّمَاء وَلَو كَانَت صِيغَة الدُّعَاء بِطَلَب تَحْصِيل شَيْء نَحْو اللَّهُمَّ اسقنا الْغَيْث اعْتِبَارا بِقصد المستسقين فَإِنَّهُم قاصدون رفع الْبلَاء وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْعَلامَة الْخَطِيب
وَاخْتَارَ بَعضهم أَن الْعبْرَة بالصيغة فَإِن كَانَ فِيهَا طلب رفع شَيْء جعلت ظُهُور الأكف إِلَى السَّمَاء وَإِن كَانَ فِيهَا طلب حُصُول شَيْء جعلت بطُون الأكف إِلَى السَّمَاء وَلَيْسَ هَذَا خَاصّا بالاستسقاء بل يَأْتِي فِي كل دُعَاء
وَيكثر أَيْضا فِي الْخطْبَتَيْنِ من الاسْتِغْفَار وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِأَن ذَلِك أَرْجَى لحُصُول الْمَقْصُود وَيَدْعُو فِي الْخطْبَة الأولى بِدُعَاء سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
وَهُوَ اللَّهُمَّ سقيا رَحْمَة وَلَا سقيا عَذَاب وَلَا محق وَلَا بلَاء وَلَا هدم اللَّهُمَّ اسقنا غيثا هَنِيئًا مريئا مريعا غدقا مجللا سَحا طبقًا دَائِما اللَّهُمَّ اسقنا الْغَيْث وَلَا تجعلنا من القانطين اللَّهُمَّ إِن بالعباد والبلاد من الْجهد والجوع والضنك مَا لَا نشكو إِلَّا إِلَيْك اللَّهُمَّ أنبت لنا الزَّرْع وأدر لنا الضَّرع وَأنزل علينا من بَرَكَات السَّمَاء وَأنْبت لنا من بَرَكَات الأَرْض واكشف عَنَّا من الْبلَاء مَا لَا يكشفه غَيْرك اللَّهُمَّ إِنَّا نستغفرك إِنَّك كنت غفارًا فَأرْسل السَّمَاء علينا مدرارا
وَلَو نزل الْمَطَر وَكثر وتضرروا بكثرته فَالسنة أَن يسْأَلُوا الله رَفعه بِأَن يَقُولُوا اللَّهُمَّ على الآكام والظراب ومنابت الْأَشْجَار وبطون الأودية اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا
وَيسن الِاغْتِسَال فِي الْوَادي إِذا سَالَ وَالْأَفْضَل أَن يجمع بَين الْغسْل وَالْوُضُوء ثمَّ الِاقْتِصَار على الْغسْل ثمَّ على الْوضُوء
قَالَ الْعَلامَة الْخَطِيب وَهَذَا الْغسْل وَالْوُضُوء لَا يشْتَرط فيهمَا نِيَّة لِأَن الْغَرَض إمساس المَاء لهَذِهِ الْأَعْضَاء كَمَا يسن البروز للمطر وَهَذَا لَا يحْتَاج لنِيَّة وَمثله فِي شرح الرَّمْلِيّ إِلَّا إِن أَرَادَ بهما الْغسْل وَالْوُضُوء الشرعيين فَلَا بُد من النِّيَّة كَمَا هُوَ ظَاهر
وَيسن أَن يَقُول عِنْد سَماع الرَّعْد سُبْحَانَ من يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته وَكَذَا عِنْد رُؤْيَة الْبَرْق وَالْمُنَاسِب عِنْدهَا أَيْضا
أَن يَقُول سُبْحَانَ من يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا وَيَقُول عِنْد ذَلِك لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ سبوح قدوس وَينْدب أَن لَا يتبع بَصَره الْبَرْق لِأَنَّهُ يُضعفهُ وَينْدب أَن يَقُول عِنْد نزُول الْمَطَر اللَّهُمَّ صيبا نَافِعًا وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ فَإِن الدُّعَاء يُسْتَجَاب عِنْد نزُول الْغَيْث وَإِقَامَة الصَّلَاة ورؤية الْكَعْبَة وَينْدب أَن يَقُول عقب الْمَطَر مُطِرْنَا بِفضل الله وَرَحمته
(و) من النَّفْل الْمُؤَقت الَّذِي تسن فِيهِ الْجَمَاعَة صَلَاة (التَّرَاوِيح) وَهِي عشرُون رَكْعَة مجمع على سنيتها وَيجوز لأهل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة دون غَيرهم فعلهَا سِتا وَثَلَاثِينَ رَكْعَة وَمَعَ ذَلِك الْأَفْضَل لَهُم الِاقْتِصَار على عشْرين وَالْمرَاد بِأَهْل الْمَدِينَة من كَانَ بهَا وَقت الْأَدَاء وَإِن لم يكن متوطنا وَلَا مُقيما وَالْعبْرَة فِي قَضَائهَا بِمحل الْأَدَاء فَلَو فَاتَتْهُ فِي الْمَدِينَة قَضَاهَا سِتا وَثَلَاثِينَ وَلَو فِي غَيرهَا بِخِلَاف مَا لَو فَاتَتْهُ فِي غَيرهَا فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا عشْرين وَلَو فِي الْمَدِينَة وَلَا تصح بنية مُطلقَة بل يَنْوِي رَكْعَتَيْنِ من التَّرَاوِيح أَو من قيام رَمَضَان أَو سنة التَّرَاوِيح وَلَا يَصح أَن يُصَلِّي أَرْبعا مِنْهَا بِسَلام بل لَا بُد أَن يكون كل رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا بِسَلام لِأَنَّهَا وَردت كَذَلِك وفعلها بِالْقُرْآنِ فِي جَمِيع الشَّهْر أفضل من تكْرَار سُورَة الْإِخْلَاص ووقتها من صَلَاة الْعشَاء وَلَو تَقْدِيمًا إِلَى طُلُوع الْفجْر الصَّادِق فَعلم أَن صِحَّتهَا متوقفة على فعل الْعشَاء وَمِنْه الْوتر فِي رَمَضَان وَلَا بُد أَن يكون بعد فعل الْعشَاء سَوَاء صلى التَّرَاوِيح أَو لَا وَتقدم الْكَلَام على الْوتر فِي الْقسم الَّذِي لَا تسن فِيهِ الْجَمَاعَة من النَّفْل الْمُؤَقت
وَأما النَّفْل الْمُطلق فَهُوَ مَا لَا يتَقَيَّد بِوَقْت وَلَا سَبَب قَالَ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاة خير مَوْضُوع استكثر أَو أقل فَإِن نوى فَوق رَكْعَة وَلم يعين قدرا فَلهُ الِاقْتِصَار على رَكْعَتَيْنِ وَله الزِّيَادَة عَلَيْهِمَا مَا شَاءَ وَإِذا عين قدرا فَلهُ الزِّيَادَة عَلَيْهِ وَله النَّقْص عَنهُ بِالنِّيَّةِ فيهمَا وَإِلَّا بَطل فَلَو قَامَ لزِيَادَة سَهوا ثمَّ تذكر قعد ثمَّ إِن أَرَادَ الزِّيَادَة قَامَ لَهَا بِالنِّيَّةِ وَلَو أَرَادَ النَّقْص فَلَا بُد من نِيَّة الْخُرُوج حِينَئِذٍ عِنْد السَّلَام على الْمُعْتَمد وَلَيْسَ لنا صُورَة يجب فِيهَا نِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة على القَوْل الْمُعْتَمد إِلَّا هَذِه وَمَتى زَاد على الرَّكْعَتَيْنِ فَلهُ أَن يتَشَهَّد آخرا فَقَط أَو آخر كل رَكْعَتَيْنِ أَو كل ثَلَاث أَو كل أَربع وَهَكَذَا سَوَاء الأوتار والأشفاع وَلَا يشْتَرط تَسَاوِي الْأَعْدَاد بَين التشهدات فَلهُ أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ويتشهد ثمَّ ثَلَاثًا ويتشهد ثمَّ أَرْبعا ويتشهد وَهَكَذَا والممتنع أَن يُوقع رَكْعَة غير الْأَخِيرَة بَين تشهدين إِذا قصد ذَلِك ابْتِدَاء أما لَو نوى رَكْعَة وَتشهد ثمَّ عَن لَهُ أَن يَأْتِي بثانية فَأتى بهَا وَتشهد ثمَّ عَن لَهُ أَن يَأْتِي بثالثة فَأتى بهَا وَتشهد ثمَّ عَن لَهُ أَن يَأْتِي برابعة وَهَكَذَا فَلَا يمْتَنع مَا لم يكن متلاعبا
وَالْأَفْضَل السَّلَام من كل رَكْعَتَيْنِ
وَالنَّفْل الْمُطلق بِاللَّيْلِ أفضل مِنْهُ بِالنَّهَارِ
وَمن النَّفْل الْمُطلق قيام اللَّيْل وَإِذا كَانَ بعد نوم وَلَو فِي وَقت الْمغرب وَبعد فعل الْعشَاء تَقْدِيمًا يُسمى تهجدا وَلَو قسم اللَّيْل أنصافا أَو أَثلَاثًا أَو أَربَاعًا على نِيَّة أَن يقوم نصفا أَو ثلثا أَو ربعا فَقَط فَالْأَفْضَل الْأَخير من جَمِيع ذَلِك وَلَو قسم اللَّيْل
أسداسا فَالْأَفْضَل السُّدس الرَّابِع وَالْخَامِس لينام فِي السُّدس السَّادِس فَيكون أنشط لصَلَاة الصُّبْح وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم أحب الصَّلَاة إِلَى الله صَلَاة دَاوُد كَانَ ينَام نصف اللَّيْل الأول وَيقوم ثلثه وينام سدسه وَيحصل قيام اللَّيْل بالنفل وَلَو مؤقتا وَلَو سنة الْعشَاء أَو الْوتر وبالفرض وَلَو قَضَاء أَو نذرا
وَيسن للمتهجد القيلولة وَهِي النّوم قبل الزَّوَال وَهِي للمتهجد بِمَنْزِلَة السّحُور للصَّائِم وَيكرهُ ترك التَّهَجُّد لمعتاده بِلَا عذر
وَرُوِيَ عَن ثَابت رضي الله عنه أَنه قَالَ كَانَ أبي من القوامين لله فِي سَواد اللَّيْل قَالَ رَأَيْت ذَات لَيْلَة فِي مَنَامِي امْرَأَة لَا تشبه نسَاء الدُّنْيَا فَقلت لَهَا من أَنْت فَقَالَت أَنا حوراء أمة الله فَقلت لَهَا زوجيني نَفسك قَالَت اخطبني من عِنْد رَبِّي وأمهرني فَقلت لَهَا وَمَا مهرك فَقَالَت طول التَّهَجُّد
وَورد أَن المتهجد يشفع فِي أهل بَيته
وَيكرهُ قيام بلَيْل يضر بِهِ
أما إِذا كَانَ لَا يضرّهُ فَلَا يكره وَلَو فِي لَيَال كَامِلَة فقد كَانَ صلى الله عليه وسلم إِذا دخل الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان أَحْيَا اللَّيْل كُله
وَيكرهُ تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام من بَين اللَّيَالِي
أما إحياؤها بِغَيْر صَلَاة فَلَا يكره خُصُوصا بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَإِن ذَلِك مَطْلُوب فِيهَا ويتأكد الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار فِي جَمِيع سَاعَات اللَّيْل وَفِي النّصْف الْأَخير آكِد وَعند السحر أفضل
وَمِنْه صَلَاة التسابيح
وَهِي أَربع رَكْعَات بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة وَهُوَ الْأَحْسَن نَهَارا أَو بتسليمتين وَهُوَ الْأَحْسَن لَيْلًا لحَدِيث صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى وصفتها أَن تحرم بهَا وتقرأ دُعَاء الِافْتِتَاح والفاتحة وشيئا من الْقُرْآن إِن أردْت وَالْأولَى فِي ذَلِك أَوَائِل سُورَة الْحَدِيد والحشر والصف والتغابن للمناسبة فِي ذَلِك فَإِن لم يكن فسورة الزلزلة وَالْعَادِيات وألهاكم وَالْإِخْلَاص ثمَّ تَقول بعد ذَلِك وَقبل الرُّكُوع سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم خمس عشرَة مرّة وَفِي الرُّكُوع عشرا وَفِي الِاعْتِدَال عشرا وَفِي السُّجُود الأول عشرا وَفِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ عشرا وَفِي السُّجُود الثَّانِي عشرا وَفِي جلْسَة الاسْتِرَاحَة أَو بعد التَّشَهُّد عشرا فَتلك خَمْسَة وَسَبْعُونَ فِي كل رَكْعَة مِنْهَا فَأَرْبَعَة فِي خَمْسَة وَسبعين بثلاثمائة وَيَأْتِي قبل هَذِه التسبيحات بِالذكر الْوَارِد فِي هَذِه الْأَركان وَهَذِه رِوَايَة ابْن عَبَّاس وَهِي أرجح من رِوَايَة ابْن مَسْعُود وَهِي بعد التَّحَرُّم وَقبل الْقِرَاءَة خمس عشرَة مرّة وَبعد الْقِرَاءَة وَقبل الرُّكُوع عشرا وَفِي الرُّكُوع عشرا وَفِي الِاعْتِدَال عشرا وَفِي السُّجُود الأول عشرا وَفِي الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ عشرا وَفِي السُّجُود الثَّانِي عشرا وَلَا شَيْء فِي جُلُوس الاسْتِرَاحَة وَلَا بعد التَّشَهُّد وَفِيمَا عدا الرَّكْعَة الأولى يَقُول الْخَمْسَة عشر بعد الْقيام وَقبل الْقِرَاءَة فَإِن اسْتَطَعْت أَن تصليها فِي كل يَوْم فافعل فَإِن لم تستطع فَفِي كل شهر مرّة فَإِن لم تستطع فَفِي كل سنة مرّة فَإِن لم تستطع فَفِي عمرك مرّة فَإِن لم يَفْعَلهَا أصلا دلّ ذَلِك على تكاسله فِي الدّين
وَيَدْعُو بعد التَّشَهُّد الْأَخير بِهَذَا الدُّعَاء اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك توفيق أهل الْهدى وأعمال أهل الْيَقِين ومناصحة أهل التَّوْبَة وعزم أهل الصَّبْر ووجل أهل الخشية وَطلب أهل الرَّغْبَة وَتعبد أهل الْوَرع وعرفان