المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌خطْبَة الْكتاب

- ‌بَاب الصَّلَاة

- ‌فصل فِي مسَائِل منثورة

- ‌فرع وَكره كَرَاهَة تَحْرِيم صَلَاة

- ‌فصل فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة الْمُتَعَلّقَة بِوَاجِب

- ‌فرع من سنَن الهيئات

- ‌فَائِدَة السكتات الْمَطْلُوبَة فِي الصَّلَاة سِتّ

- ‌فَائِدَة الْأَحْوَال الَّتِي يجْهر فِيهَا الْمَأْمُوم خلف الإِمَام

- ‌فرع (سنّ دُخُول صَلَاة بنشاط)

- ‌فصل فِي سُجُود السَّهْو

- ‌فرع تسن سَجدَات التِّلَاوَة

- ‌فصل فِي مفسدات الصَّلَاة

- ‌فصل فِي سنَن الصَّلَاة

- ‌فصل فِي صَلَاة النَّفْل

- ‌فصل فِي الْجَمَاعَة فِي الصَّلَاة

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجُمُعَة

- ‌فصل فِي الْجَنَائِز

- ‌بَاب مَا يحرم اسْتِعْمَاله من اللبَاس والحلي

- ‌بَاب الزَّكَاة

- ‌فصل فِي أَدَاء الزَّكَاة

- ‌بَاب الصَّوْم

- ‌فصل فِي صَوْم التَّطَوُّع

- ‌بَاب الِاعْتِكَاف

- ‌بَاب الْحَج وَالْعمْرَة

- ‌فصل فِي مَحْظُورَات النّسك

- ‌فرع فِي أَحْكَام النذور

- ‌بَاب البيع

- ‌فصل فِي الْخِيَار

- ‌فصل فِي حكم الْمَبِيع

- ‌فصل فِي بيع الأَرْض وَالشَّجر وَالثِّمَار

- ‌فصل فِي اخْتِلَاف الْعَاقِدين وَفِي التَّحَالُف

- ‌فصل فِي الْقَرْض وَالرَّهْن

- ‌فرع لَو ادّعى كل من اثْنَيْنِ على آخر

- ‌فصل فِي الْحجر

- ‌فصل فِي الْحِوَالَة

- ‌بَاب فِي الْوكَالَة والقراض

- ‌فصل فِي الشُّفْعَة

- ‌بَاب فِي الْإِجَارَة

- ‌فرع لَو أعْطى الْمَالِك للخياط ثوبا

- ‌فرع لَا تصح المخابرة

- ‌بَاب فِي الْعَارِية

- ‌فصل فِي الْغَصْب

- ‌بَاب فِي مُطلق الْهِبَة

- ‌فرع لَو بعث هَدِيَّة فِي ظرف

- ‌بَاب فِي الْوَقْف

- ‌بَاب فِي الْإِقْرَار

- ‌بَاب فِي الْوَصِيَّة

- ‌بَاب الْفَرَائِض

- ‌فصل فِي أصُول الْمسَائِل

- ‌فرع إِذا مَاتَ إِنْسَان ثمَّ مَاتَ وَارِث

- ‌فصل فِي الْوَدِيعَة

- ‌فرع سُئِلَ الزيَادي عَن رجل خطب امْرَأَة وَعقد

- ‌فرع لَو اخْتلطت محرم بِنسَب

- ‌فرع يُزَوّج عتيقه امْرَأَة حَيَّة)

- ‌فصل فِي الْكَفَاءَة

- ‌فصل فِي نِكَاح من فِيهَا رق

- ‌فصل فِي الصَدَاق

- ‌فصل فِي الْقسم والنشوز وَعشرَة النِّسَاء

- ‌فصل فِي الْخلْع

- ‌فصل فِي الطَّلَاق

- ‌فرع لحر طلقات ثَلَاث وَلمن فِيهِ رق

- ‌فصل فِي الرّجْعَة

- ‌فصل فِي الْعدة

- ‌فصل فِي النَّفَقَة وَالْكِسْوَة والإسكان

- ‌فرع فِي فسخ النِّكَاح

- ‌فروع مثل الزِّنَا اللواط

- ‌فصل فِي التَّعْزِير

- ‌فصل فِي الصيال

- ‌فرع يَقع كثيرا فِي الْقرى إِكْرَاه الشاد

- ‌فصل فِي جَوَاب الدَّعْوَى

- ‌فصل فِي بَيَان قدر النّصاب

الفصل: ‌باب في الوقف

الظّرْف أَو اضْطَرَبَتْ الْعَادة فَلَا يكون هَدِيَّة بل أَمَانَة فِي يَد المهدى إِلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ وَيحرم اسْتِعْمَاله لِأَنَّهُ انْتِفَاع بِملك غَيره بِغَيْر إِذْنه إِلَّا فِي أكل الْهَدِيَّة مِنْهُ إِن اقتضته الْعَادة عملا بهَا وَيكون عَارِية حِينَئِذٍ وَيسن رد الْوِعَاء حَالا وَهَذَا فِي مَأْكُول أما غَيره فيختلف رد ظرفه باخْتلَاف عَادَة النواحي فَيعْمل فِي كل نَاحيَة بعرفهم وَيعْمل فِي كل قوم عرفهم باخْتلَاف طبقاتهم

‌بَاب فِي الْوَقْف

وَهُوَ حبس شَيْء ينْتَظر الِانْتِفَاع بِهِ مَعَ بَقَاء عينه بِمَنْع التَّصَرُّف فِي عينه على مصرف مُبَاح وَجهه وَالشَّيْء يَشْمَل الْكَلْب الْمعلم لِأَنَّهُ يَصح وَقفه على وَجه وَالرَّاجِح أَنه لَا يَصح وَقفه كَذَا فِي كِفَايَة الأخيار وَهُوَ قربَة مَنْدُوب إِلَيْهَا

قَالَ الله تَعَالَى {وافعلوا الْخَيْر} 22 الْحَج الْآيَة 77 وَأول من وقف سيدنَا عمر بن الْخطاب بإشارته صلى الله عليه وسلم ثمَّ تتَابع الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم على ذَلِك حَتَّى زادوا على الثَّمَانِينَ

وأركانه أَرْبَعَة الأول الْوَاقِف وَشَرطه صِحَة تبرعه فَحِينَئِذٍ إِنَّمَا (صَحَّ وقف) مَا يَأْتِي من أهل تبرع فِي الْحَيَاة ككافر وَلَو لمَسْجِد نظرا لاعتقادنا أَو مصحف بِأَن كتبه أَو وَرثهُ من أَبِيه وأعمى إِذْ يَصح وقف غير المرئي وَإِمَام من بَيت المَال على معِين أَو جِهَة فَلَا يَصح من صبي وَمَجْنُون وسفيه ومكاتب بِغَيْر إِذن سَيّده ومفلس وَإِن زَاد مَاله على دُيُونه كَأَن طَرَأَ لَهُ مَال بعد الْحجر أَو ارْتَفع سعر مَاله الَّذِي حجر عَلَيْهِ فِيهِ وَولي

الرُّكْن الثَّانِي الْمَوْقُوف فَلَا يرد الْوَقْف إِلَّا فِي (عين) فَلَا يَصح وقف الْمَنْفَعَة وَإِن ملكهَا مُؤَبَّدًا بِالْوَصِيَّةِ وَمن ذَلِك الخلوات فَلَا يَصح وَقفهَا وَلَا وقف الْمُلْتَزم فِي الذِّمَّة لِأَن حَقِيقَة الْوَقْف إِزَالَة ملك عَن عين نعم يجوز الْتِزَامه فِيهَا بِالنذرِ (مَمْلُوكَة) وَلَو لغير الْوَاقِف كوقف الإِمَام نَحْو أَرَاضِي بَيت المَال على جِهَة ومعين بِشَرْط ظُهُور الْمصلحَة فِي ذَلِك إِذْ تصرفه فِيهِ مَنُوط بهَا فَلَا يَصح وقف حر نَفسه لِأَن ذَاته غير مَمْلُوكَة لَهُ وَلَا بُد أَن تكون الْعين مِمَّا يقبل النَّقْل فَلَا يَصح وقف مُسْتَوْلدَة لعدم قبُولهَا للنَّقْل كَالْحرِّ وَلَا وقف مكَاتب كِتَابَة صَحِيحَة (تفِيد) أَي تِلْكَ الْعين فَائِدَة كالفحل للضراب بِخِلَاف إِجَارَته لَهُ فَلَا تصح لِأَنَّهُ يحْتَمل فِي الْقرْبَة مَا لَا يحْتَمل فِي غَيرهَا أَو تفِيد مَنْفَعَة تصح إِجَارَتهَا سَوَاء كَانَت حَالا أَو مَآلًا كالجحش الصَّغِير وَالْمَغْصُوب وَلَو من عَاجز عَن انْتِزَاعه (وَهِي) أَي الْعين (بَاقِيَة) لِأَن الْوَقْف شرع ليَكُون صَدَقَة جَارِيَة فَيصح وقف بِنَاء وغراس فِي أَرض مستأجرة لِأَنَّهُمَا مملوكان ينْتَفع بهما مَعَ بَقَاء عينهما وَإِن استحقا الْقلع بعد انْقِضَاء مُدَّة الْإِجَارَة وَيصِح وقف الْمُدبر وَالْمُعَلّق عتقه بِصفة وَإِن عتقا بِالْمَوْتِ وَوُجُود الصّفة وَبَطل الْوَقْف بهما لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَدُوم نَفعه دواما نسبيا بِخِلَاف المطعوم والمشموم والأثمان فَلَا يَصح وَقفهَا لِأَن المطعوم إِنَّمَا ينْتَفع

ص: 268

بِأَكْلِهِ ولسرعة فَسَاد المشموم المحصود بِخِلَاف المزروع فَيصح وَقفه للشم لبَقَاء مدَّته وَإِن لم يطلّ زَمَنه وَلِأَن الْأَثْمَان إِنَّمَا ينْتَفع بإخراجها

الرُّكْن الثَّالِث الصِّيغَة بِاللَّفْظِ كَالْعِتْقِ أَو بِإِشَارَة أخرس مفهمة أَو بكتابته أَو كِتَابَة النَّاطِق مَعَ نِيَّته وصريحه يحصل (بوقفت) هَذَا على كَذَا (وسبلت كَذَا على كَذَا) فَلَا بُد من بَيَان الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَلَو قَالَ وقفت هَذَا الْكتاب لله تَعَالَى لم يكف بل لَا بُد أَن يَقُول على كَذَا بِخِلَاف الْوَصِيَّة كأوصيت بِثلث مَالِي لله تَعَالَى فَإِنَّهُ يَصح (وَجعلت هَذَا) الْمحل أَو مَكَان كَذَا (مَسْجِدا) فَيصير بذلك مَسْجِدا وَإِن لم يقل لله وَلم ينْو لِأَن الْمَسْجِد لَا يكون إِلَّا وَقفا ووقفته للاعتكاف صَرِيح فِي المسجدية وللصلاة صَرِيح فِي مُطلق الوقفية

وَقَوله أَذِنت للصَّلَاة كِنَايَة فِي المسجدية فَإِن نَوَاهَا صَار مَسْجِدا وَإِلَّا صَار وَقفا على الصَّلَاة وَإِن لم يكن مَسْجِدا كالمدرسة وَذَلِكَ لِأَن الِاعْتِكَاف لَا يَصح إِلَّا فِي مَسْجِد بِخِلَاف الصَّلَاة وَمثل الِاعْتِكَاف صَلَاة التَّحِيَّة فَلَو قَالَ أَذِنت فِي صَلَاة التَّحِيَّة فِي هَذَا الْمحل صَار مَسْجِدا لِأَنَّهَا لَا تكون إِلَّا فِي الْمَسْجِد وَلَو بنى الْبقْعَة على هَيْئَة الْمَسْجِد لَا يكون الْبناء كِنَايَة وَإِن أذن فِي الصَّلَاة فِيهِ إِلَّا فِي موَات فَيصير مَسْجِدا بِمُجَرَّد الْبناء مَعَ النِّيَّة لِأَن اللَّفْظ إِنَّمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ لإِخْرَاج مَا كَانَ فِي ملكه عَنهُ وَهَذَا لَا يدْخل فِي ملك من أَحْيَاهُ مَسْجِدا فَلم يحْتَج للفظ وَصَارَ للْبِنَاء حكم الْمَسْجِد تبعا وَيجْرِي ذَلِك فِي بِنَاء مدرسة أَو رِبَاط وحفر بِئْر وإحياء مَقْبرَة فِي الْموَات بِقصد السَّبِيل

(وَشرط لَهُ) أَي الْوَقْف (تأبيد) فَلَو قَالَ وقفت هَذَا على الْفُقَرَاء أَو على مَسْجِد مثلا سنة مثلا فَوَقفهُ بَاطِل لفساد الصِّيغَة إِذْ وَضعه على التَّأْبِيد سَوَاء فِي ذَلِك طَوِيل الْمدَّة وقصيرها نعم إِن أشبه التَّأْقِيت التَّحْرِير كَقَوْلِه جعلت هَذَا مَسْجِدا سنة صَحَّ مُؤَبَّدًا وَيَنْبَغِي أَن يُقَال لَو وقف على فُقَرَاء ألف سنة أَو نَحْوهَا مِمَّا يبعد بَقَاء الدُّنْيَا إِلَيْهِ صَحَّ نظرا لمقصود اللَّفْظ وَهُوَ التَّأْبِيد دون مَدْلُوله وَهُوَ التَّأْقِيت فَإِن الْمَقْصُود من الْوَقْف قربَة مَحْضَة بِخِلَاف البيع وَالنِّكَاح

(وتنجيز) فَلَا يَصح تَعْلِيق الْوَقْف فِيمَا لَا يضاهي التَّحْرِير كَقَوْلِه إِذا جَاءَ زيد فقد وقفت كَذَا على كَذَا لِأَن الْوَقْف عقد يَقْتَضِي نقل الْملك إِلَى الله تَعَالَى أَو للْمَوْقُوف عَلَيْهِ حَالا كَالْبيع وَالْهِبَة

نعم يَصح تَعْلِيقه بِالْمَوْتِ كَقَوْلِه إِذا مت فداري وقف على كَذَا أَو فقد وقفتها إِذْ الْمَعْنى فاعلموا أَنِّي قد وقفتها بِخِلَاف قَوْله إِذا مت وقفتها وَالْفرق أَن الأول إنْشَاء تَعْلِيق وَالثَّانِي تَعْلِيق إنْشَاء وَهُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ وعد مَحْض

قَالَ السَّيِّد عمر الْبَصْرِيّ

وَالْحَاصِل أَنه إِذا علق الْوَقْف بِمَوْت نَفسه صَحَّ لِأَنَّهُ وَصِيَّة سَوَاء قَالَ إِذا مت فداري وقف أَو فقد وقفتها بِخِلَاف مَا إِذا علقه بِمَوْت غَيره فَلَا يَصح لِأَنَّهُ تَعْلِيق وَلَيْسَ بِوَصِيَّة حَتَّى يغْتَفر فِيهَا التَّعْلِيق لِأَن مَا لَا يقبل التَّعْلِيق من التَّمْلِيك كَالْهِبَةِ إِذا علق بِالْمَوْتِ صَحَّ لِأَنَّهُ وَصِيَّة انْتهى

أما مَا يضاهي التَّحْرِير كَقَوْلِه إِذا جَاءَ رَمَضَان فقد وقفت هَذَا مَسْجِدا فَإِن الْوَقْف يَصح مُؤَبَّدًا كَمَا لَو ذكر فِيهِ شرطا فَاسِدا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْعِتْقِ

الرُّكْن الرَّابِع الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَشَرطه إِن كَانَ معينا وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا عدم الْمعْصِيَة

ص: 269

وتعيينه (وَإِمْكَان تمْلِيك) من الْوَاقِف فِي الْحَال لِأَن حَقِيقَة الْوَقْف نقل ملك الْمَنَافِع إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ

وَإِن كَانَ الْملك لله تَعَالَى وتمليك مَا لَا يملك بَاطِل كتمليك الْمَعْدُوم فَلَا يَصح الْوَقْف على حمل لِأَن الْوَقْف تسليط فِي الْحَال وَلَا على نَفسه لتعذر تمْلِيك الْإِنْسَان ملكه لنَفسِهِ لِأَنَّهُ حَاصِل وَيمْتَنع تَحْصِيل الْحَاصِل وَله حيل وأحسنها أَن يُؤجر الْعين مُدَّة طَوِيلَة مَعْلُومَة بِأُجْرَة منجمة ثمَّ يستأجرها لنَفسِهِ تِلْكَ الْمدَّة وَلَا يَصح الْوَقْف على جَمِيع النَّاس وَلَا على بَهِيمَة غير مَوْقُوفَة أما الْمَوْقُوفَة أَو المرصدة فِي سَبِيل الله فَيصح الْوَقْف على عَلفهَا وَكَذَا على حمام مَكَّة وَلَا على العَبْد نَفسه لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا للْملك

وَإِنَّمَا صَحَّ على الأرقاء الموقوفين لخدمة نَحْو الْكَعْبَة لِأَن الْقَصْد ثمَّ الْجِهَة وَالْكَلَام هُنَا فِي الْوَقْف على الْمعِين وَلَا يَصح على أحد هذَيْن وَلَا على عمَارَة الْمَسْجِد إِذا لم يُبينهُ وَلَا على مُرْتَد وحربي وَلَو غير آلَة حَرْب لانْتِفَاء قصد الْقرْبَة لِأَنَّهُ لَا بَقَاء لَهما لِأَنَّهُمَا مقتولان بكفرهما

وَلَا يَصح على ميت إِلَّا إِذا كَانَ الْمَيِّت صحابيا أَو وليا فَيصح الْوَقْف إِذا اطرد الْعرف بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ بِقصد الصّرْف فِي مصَالح ضريحه أَو زواره فَإِن إطراد الْعرف قرينَة مُعينَة لإِرَادَة الْوَاقِف بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ تِلْكَ الْجِهَة لَا تَمْلِيكه الْمُمْتَنع كَذَا قَالَه عمر الْبَصْرِيّ وَلَا يَصح الْوَقْف على مَسْجِد سيبنى أَو على وَلَده وَلَا ولد لَهُ أَو على فُقَرَاء أَوْلَاده وَلَا فَقير فيهم وَلَا على الْقِرَاءَة على رَأس قَبره أَو قبر أَبِيه الْحَيّ لانْقِطَاع الأول

وَيصِح الْوَقْف على الْمَعْدُوم تبعا كوقفته على وَلَدي ثمَّ على ولد وَلَدي وَلَا ولد ولد لَهُ وكوقفته على مَسْجِد كَذَا وكل مَسْجِد سيبنى فِي تِلْكَ الْمحلة

وَيصِح الْوَقْف على جِهَة قربَة والفقراء وَالْعُلَمَاء والمساجد والمدارس والكعبة والقناطر وتجهيز الْمَوْتَى فَيخْتَص الْفُقَرَاء بفقراء الزَّكَاة نعم المكتسب كِفَايَته وَلَا مَال لَهُ يجوز أَن يَأْخُذ من ذَلِك الْمَوْقُوف وَيخْتَص الْعلمَاء بأصحاب عُلُوم الشَّرْع كَالْوَصِيَّةِ وَيخْتَص بتجهيز الْمَوْتَى من لَا تَرِكَة لَهُ وَلَا منفق وَيصِح على جِهَة لَا تظهر فِيهَا الْقرْبَة كالأغنياء وَالْمُعْتَمد عِنْد الرَّمْلِيّ أَنه يشْتَرط قبُول فَوْرًا من بطن أول مَوْقُوف عَلَيْهِ معِين لِأَن الْوَقْف تمْلِيك إِن كَانَ أَهلا للقبول وَكَانَ حَاضرا وَإِلَّا فقبول وليه عقب الْإِيجَاب ومتراخيا وَإِن طَال الزَّمن حَيْثُ كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ غَائِبا فَلم يبلغهُ الْخَبَر إِلَّا بعد الطول وَلَا يشْتَرط قبُول من بعد الْبَطن الأول بل الشَّرْط عدم الرَّد فَإِن ردوا بَطل الْوَقْف فِيمَا يخصهم وانتقل لمن بعدهمْ وَيكون كمنقطع الْوسط وَإِن رد الأول بَطل الْوَقْف وَخرج بالمعين الْجِهَة الْعَامَّة وجهة التَّحْرِير كالمسجد فَلَا قبُول فِيهِ جزما

وَلَا يشْتَرط قبُول نَاظر الْمَسْجِد مَا وقف عَلَيْهِ بِخِلَاف مَا وهب لَهُ

وَمثل الْمَسْجِد الرِّبَاط والمدرسة والمقبرة لمشابهتها لِلْمَسْجِدِ فِي كَون الْحق فِيهَا لله تَعَالَى كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي

وَالْمُعْتَمد عِنْد ابْن حجر أَنه (لَا) يشْتَرط (قبُول وَلَو من معِين) نظرا إِلَى أَن الْوَقْف بِالْقربِ أشبه مِنْهُ بِالْعُقُودِ بل الشَّرْط عدم الرَّد

نعم لَو وقف على وَرَثَة الْحَائِز شَيْئا يخرج من الثُّلُث لزم وَإِن رده

لِأَن الْقَصْد من الْوَقْف دوَام الثَّوَاب للْوَاقِف فَلم يملك الْوَارِث رده وَبَطل وقف مُنْقَطع الِابْتِدَاء كَقَوْلِه

ص: 270

وقفت على من سيولد لي بِخِلَاف مُنْقَطع الْوسط كوقفت على زيد ثمَّ رجل ثمَّ الْفُقَرَاء

ومنقطع الآخر كوقفت على زيد ثمَّ بكر ثمَّ رجل فَإِنَّهُمَا يصحان

(وَلَو انقرض) أَي الْمَوْقُوف عَلَيْهِم أَو جهلت أَرْبَاب الْوَقْف فِي (مُنْقَطع آخر) فالوقف بَاقٍ لِأَن وَضعه على الدَّوَام كَالْعِتْقِ (فمصرفه) أَي الْوَقْف (الْأَقْرَب) أَي أقرب النَّاس (إِلَى الْوَاقِف) حِين الانقراض وَالْمُعْتَبر الْقرب رحما لَا إِرْثا فَيقدم وجوبا ابْن بنت على ابْن عَم وَيعْتَبر فِي أقَارِب الْوَاقِف الْمَذْكُورين الْفقر وَلَا يفضل الذّكر على غَيره فَإِن فقدوا أَو كَانُوا كلهم أَغْنِيَاء صرف الرّيع لمصَالح الْمُسلمين أَو إِلَى الْفُقَرَاء أَو الْمَسَاكِين وَلَا يخْتَص بفقراء بلد الْوَاقِف وَكَذَا لَو كَانَ الْوَاقِف الإِمَام فَيصْرف وَقفه إِذا انْقَطع الآخر للْمصَالح لَا لأقاربه

وَلَو انْقَطع الأول فِي مُنْقَطع الْوسط فمصرفه من ذكر بعد الْوسط إِن لم يعرف أمد انْقِطَاعه كَرجل مُبْهَم

فَيصْرف الْوَقْف بعد موت الأول لمن ذكر بعد الرجل بِخِلَاف مَا لَو عرف أمد انْقِطَاعه بِأَن كَانَ الْمُتَوَسّط معينا كَعبد زيد نَفسه أَو دَابَّته نَفسهَا ثمَّ الْفُقَرَاء فَإِنَّهُ يكون كمنقطع الآخر فَيَنْصَرِف بعد موت الأول لأَقْرَب رحم الْوَاقِف فَإِن لم يُوجد فَإلَى الأهم من الْمصَالح أَو الْفُقَرَاء

(وَلَو شَرط) أَي الْوَاقِف لملكه (شَيْئا) كَأَن شَرط أَن لَا يُؤجر الْوَقْف أصلا أَو سنة أَو أَن لَا يُؤجر من ذِي شَوْكَة أَو أَن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ يسكن فِيهِ بِنَفسِهِ (اتبع) شَرطه فِي غير حَالَة الضَّرُورَة كَسَائِر شُرُوطه الَّتِي لم تخَالف الشَّرْع وَذَلِكَ لما فِيهِ من وجود الْمصلحَة

وَخرج بِغَيْر حَالَة الضَّرُورَة مَا لَو لم يُوجد إِلَّا من لَا يرغب فِيهِ إِلَّا على وَجه مُخَالف لذَلِك فَيجوز لِأَن الظَّاهِر أَنه لَا يُرِيد تَعْطِيل وَقفه

وَيُؤْخَذ من ذَلِك أَنه لَو وجد من يَأْخُذ بِأُجْرَة الْمثل ويستأجر على مَا يُوَافق شَرط الْوَاقِف وَمن يَطْلُبهُ بِزِيَادَة على أُجْرَة الْمثل فِي إِجَارَة تخَالف شَرط الْوَاقِف عدم الْجَوَاز وَأَنه لَو وجد من يَأْخُذ بِدُونِ أُجْرَة الْمثل ويوافق شَرط الْوَاقِف فِي الْمدَّة وَمن يَأْخُذ بِأُجْرَة الْمثل وَيُخَالف شَرط الْوَاقِف عدم الْجَوَاز أَيْضا رِعَايَة لشرط الْوَاقِف فيهمَا وَالْملك فِي الْمَوْقُوف على جِهَة أَو معِين ينْتَقل إِلَى الله تَعَالَى أَي يَنْفَكّ عَن اخْتِصَاص الْخلق كَالْعِتْقِ فَلَا يكون للْوَاقِف خلافًا للْإِمَام مَالك وَلَا للْمَوْقُوف عَلَيْهِ خلافًا للْإِمَام أَحْمد

وَإِنَّمَا ثَبت الْوَقْف بِشَاهِد وَيَمِين دون بَقِيَّة حُقُوقه تَعَالَى لِأَن الْمَقْصُود ريعه وَهُوَ حق آدَمِيّ كَمَا قَالَ

(ولموقوف عَلَيْهِ ريع) وَهُوَ فَوَائِد الْمَوْقُوف الْحَادِثَة بعد الْوَقْف كَأُجْرَة وَثَمَرَة وَولد وَمهر بِوَطْء أَو نِكَاح فَإِنَّهَا ملك للْمَوْقُوف عَلَيْهِ يتَصَرَّف فِيهَا تصرف الْملاك لِأَن ذَلِك هُوَ الْمَقْصُود من الْوَقْف وَعَلِيهِ زَكَاتهَا فيستوفي مَنَافِعه بِنَفسِهِ وَبِغَيْرِهِ بإعارة أَو إِجَارَة إِن كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ نَاظرا وَإِلَّا امْتنع عَلَيْهِ نَحْو الْإِجَارَة لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يتعاطى ذَلِك إِلَّا النَّاظر أَو نَائِبه وَذَلِكَ كَسَائِر الْأَمْلَاك وَالثَّمَرَة الْمَوْجُودَة حَال الْوَقْف للْوَاقِف إِن كَانَت مؤبرة وَإِلَّا فَهِيَ مَوْقُوفَة كالحمل الْمُقَارن لحالة الْوَقْف وَولد الْأمة من شُبْهَة حر فعلى أَبِيه قِيمَته ويملكها الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَلَا يطَأ الْمَوْقُوفَة إِلَّا زوج

ص: 271

فَإِن وَطئهَا الْوَاقِف أَو الْمَوْقُوف عَلَيْهِ حدا بِخِلَاف الْمُوصى لَهُ بمنفعتها والمزوج للموقوفة هُوَ الْحَاكِم بِإِذن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَلَا يُزَوّجهَا لَهُ وَلَا للْوَاقِف وَولد الْمحبس فِي سَبِيل الله وقف كَأَصْلِهِ من غير إنْشَاء وقف وَهَذَا إِن أطلق أَو شَرط ذَلِك للْمَوْقُوف عَلَيْهِ فالموقوفة على ركُوب إِنْسَان فوائدها من لبن وصوف وَشعر ووبر للْوَاقِف ومؤنها عَلَيْهِ أَيْضا لِأَنَّهُ لم يَجْعَل مِنْهَا للْمُسْتَحقّ إِلَّا الرّكُوب فَكَأَنَّهَا بَاقِيَة على ملكه وَلَا يملك الْمَوْقُوف عَلَيْهِ قيمَة الْمَوْقُوف إِذا أتْلفه وَاقِف أَو أَجْنَبِي أَو مَوْقُوف عَلَيْهِ بِالتَّعَدِّي بل يَشْتَرِي بهَا مثله سنا وجنسا وَغَيرهمَا ليَكُون وَقفا مَكَانَهُ مُرَاعَاة لغَرَض الْوَاقِف وَبَقِيَّة الْبُطُون وَالْمُشْتَرِي لذَلِك هُوَ الْحَاكِم وَإِن كَانَ للْوَقْف نَاظر خَاص

ثمَّ بعد شِرَائِهِ لَا بُد من إنْشَاء وَقفه

أما مَا اشْتَرَاهُ النَّاظر من مَاله أَو من ريع الْوَقْف أَو يعمره من ذَلِك مُسْتقِلّا كبناء بَيت لِلْمَسْجِدِ فالمنشىء لوقفه النَّاظر

أما إِذا لم يَتَعَدَّ الْمَوْقُوف بِإِتْلَاف الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَلَا يكون ضَامِنا كَمَا لَو وَقع مِنْهُ كوز سَبِيل على حَوْض فانكسر من غير تَقْصِير

(وَلَا يُبَاع مَوْقُوف وَإِن خرب) كشجرة جَفتْ أَو قلعتها نَحْو ريح ودابة زمنت وَمَسْجِد انْهَدم وتعذرت إِعَادَته إدامة للْوَقْف فِي عينه وَلِأَنَّهُ يُمكن الِانْتِفَاع بِأَرْض الْمَسْجِد كَصَلَاة واعتكاف وبجذع الشَّجَرَة بِإِجَارَة وَغَيرهَا وبلحم الدَّابَّة إِن أكلت وَلَو مَاتَت ودبغ جلدهَا عَاد وَقفا

فَلَو لم يكن الِانْتِفَاع بجذع الشَّجَرَة إِلَّا باستهلاكها بإحراق وَنَحْوه صَارَت ملكا للْمَوْقُوف عَلَيْهِ لَكِنَّهَا لَا تبَاع وَلَا توهب بل ينْتَفع بِعَينهَا

وَالْحَاصِل من هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه حَيْثُ تعذر الِانْتِفَاع بهَا من الْجِهَة الَّتِي وقفت عَلَيْهَا صَارَت ملكا للْمَوْقُوف عَلَيْهِ بِمَعْنى أَنه ينْتَفع بهَا كانتفاع الْملاك بِغَيْر البيع وَالْهِبَة وَإِن لم يتَعَذَّر الِانْتِفَاع بهَا من الْجِهَة الَّتِي قصدت بِالْوَقْفِ لَا ينْتَفع بهَا الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لنَفسِهِ بل ينْتَفع بهَا من الْجِهَة الْمَذْكُورَة وَإِن لم يكن على الْوَجْه الْأَكْمَل وَهَذَا بِخِلَاف حصر الْمَسْجِد الْمَوْقُوفَة البالية وجذوعه المنكسرة أَو الْقَرِيبَة الانكسار فَإِنَّهُ يجوز بيعهمَا لِئَلَّا يضيعا وَيَشْتَرِي بثمنهما مثلهمَا

أما الْحصْر الْمَوْهُوبَة لِلْمَسْجِدِ أَو الْمُشْتَرَاة لَهُ من غير وقف لَهَا فتباع جزما للْحَاجة وَتصرف على مصَالح الْمَسْجِد وَلَا يتَعَيَّن صرفهَا فِي شِرَاء حصر بدلهَا وَلَا يجوز استبدال الْمَوْقُوف عندنَا وَإِن خرب خلافًا للحنفية

وَصورته عِنْدهم أَن يكون الْمحل قد آل إِلَى السُّقُوط فيبدل بِمحل آخر أحسن مِنْهُ بعد حكم حَاكم يرى صِحَّته وَعمارَة الْوَقْف مُقَدّمَة على الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَيصرف ريع مَا وقف على الْمَسْجِد وَقفا مُطلقًا أَو على عِمَارَته فِي بِنَاء وتجصيص مُحكم وَسلم ومكانس ومساح لنقل التُّرَاب وظلة تمنع إِفْسَاد خشب بَاب وَنَحْوه بمطر وَنَحْوه إِن لم يضر بالمارة وَأُجْرَة قيم وَكَذَا يصرف ذَلِك الرّيع للمؤذن وَالْإِمَام والحصر والدهن إِذا كَانَ الْوَقْف وَقفا مُطلقًا وَلأَهل الْوَقْف الْمُهَايَأَة لَا قسمته إِن حصل بهَا تَغْيِير لما كَانَ عَلَيْهِ الْوَقْف وَلَا تَغْيِير هَيئته كجعل الْبُسْتَان دَارا عَكسه مَا لم يشرط الْوَاقِف الْعَمَل بِالْمَصْلَحَةِ وَإِلَّا فَيجوز تَغْيِير الْوَقْف

ص: 272