المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في صلاة الجمعة - نهاية الزين

[نووي الجاوي]

فهرس الكتاب

- ‌خطْبَة الْكتاب

- ‌بَاب الصَّلَاة

- ‌فصل فِي مسَائِل منثورة

- ‌فرع وَكره كَرَاهَة تَحْرِيم صَلَاة

- ‌فصل فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة الْمُتَعَلّقَة بِوَاجِب

- ‌فرع من سنَن الهيئات

- ‌فَائِدَة السكتات الْمَطْلُوبَة فِي الصَّلَاة سِتّ

- ‌فَائِدَة الْأَحْوَال الَّتِي يجْهر فِيهَا الْمَأْمُوم خلف الإِمَام

- ‌فرع (سنّ دُخُول صَلَاة بنشاط)

- ‌فصل فِي سُجُود السَّهْو

- ‌فرع تسن سَجدَات التِّلَاوَة

- ‌فصل فِي مفسدات الصَّلَاة

- ‌فصل فِي سنَن الصَّلَاة

- ‌فصل فِي صَلَاة النَّفْل

- ‌فصل فِي الْجَمَاعَة فِي الصَّلَاة

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجُمُعَة

- ‌فصل فِي الْجَنَائِز

- ‌بَاب مَا يحرم اسْتِعْمَاله من اللبَاس والحلي

- ‌بَاب الزَّكَاة

- ‌فصل فِي أَدَاء الزَّكَاة

- ‌بَاب الصَّوْم

- ‌فصل فِي صَوْم التَّطَوُّع

- ‌بَاب الِاعْتِكَاف

- ‌بَاب الْحَج وَالْعمْرَة

- ‌فصل فِي مَحْظُورَات النّسك

- ‌فرع فِي أَحْكَام النذور

- ‌بَاب البيع

- ‌فصل فِي الْخِيَار

- ‌فصل فِي حكم الْمَبِيع

- ‌فصل فِي بيع الأَرْض وَالشَّجر وَالثِّمَار

- ‌فصل فِي اخْتِلَاف الْعَاقِدين وَفِي التَّحَالُف

- ‌فصل فِي الْقَرْض وَالرَّهْن

- ‌فرع لَو ادّعى كل من اثْنَيْنِ على آخر

- ‌فصل فِي الْحجر

- ‌فصل فِي الْحِوَالَة

- ‌بَاب فِي الْوكَالَة والقراض

- ‌فصل فِي الشُّفْعَة

- ‌بَاب فِي الْإِجَارَة

- ‌فرع لَو أعْطى الْمَالِك للخياط ثوبا

- ‌فرع لَا تصح المخابرة

- ‌بَاب فِي الْعَارِية

- ‌فصل فِي الْغَصْب

- ‌بَاب فِي مُطلق الْهِبَة

- ‌فرع لَو بعث هَدِيَّة فِي ظرف

- ‌بَاب فِي الْوَقْف

- ‌بَاب فِي الْإِقْرَار

- ‌بَاب فِي الْوَصِيَّة

- ‌بَاب الْفَرَائِض

- ‌فصل فِي أصُول الْمسَائِل

- ‌فرع إِذا مَاتَ إِنْسَان ثمَّ مَاتَ وَارِث

- ‌فصل فِي الْوَدِيعَة

- ‌فرع سُئِلَ الزيَادي عَن رجل خطب امْرَأَة وَعقد

- ‌فرع لَو اخْتلطت محرم بِنسَب

- ‌فرع يُزَوّج عتيقه امْرَأَة حَيَّة)

- ‌فصل فِي الْكَفَاءَة

- ‌فصل فِي نِكَاح من فِيهَا رق

- ‌فصل فِي الصَدَاق

- ‌فصل فِي الْقسم والنشوز وَعشرَة النِّسَاء

- ‌فصل فِي الْخلْع

- ‌فصل فِي الطَّلَاق

- ‌فرع لحر طلقات ثَلَاث وَلمن فِيهِ رق

- ‌فصل فِي الرّجْعَة

- ‌فصل فِي الْعدة

- ‌فصل فِي النَّفَقَة وَالْكِسْوَة والإسكان

- ‌فرع فِي فسخ النِّكَاح

- ‌فروع مثل الزِّنَا اللواط

- ‌فصل فِي التَّعْزِير

- ‌فصل فِي الصيال

- ‌فرع يَقع كثيرا فِي الْقرى إِكْرَاه الشاد

- ‌فصل فِي جَوَاب الدَّعْوَى

- ‌فصل فِي بَيَان قدر النّصاب

الفصل: ‌فصل في صلاة الجمعة

إِن علمُوا بذلك وَأَن يفعل ذَلِك بمصلى بعيد عرفا بِحَيْثُ يأتونه بِمَشَقَّة فِي طريقهم إِلَيْهِ لَكِن يجوز للْإِمَام الرَّاتِب أَن يجمع بالمأمومين وَإِن لم يتأذ بالمطر وَكَذَا من يلْزم من عدم إِمَامَته تَعْطِيل الْجَمَاعَة وَلمن اتّفق لَهُ وجود الْمَطَر وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ أَن يجمع وَإِلَّا لاحتاج إِلَى صَلَاة الْعَصْر أَو الْعشَاء فِي جمَاعَة وَفِيه مشقة فِي رُجُوعه إِلَى بَيته ثمَّ عوده أَو فِي إِقَامَته وَإِذا تخلف شَرط من ذَلِك امْتنع الْجمع الْمَذْكُور

تَنْبِيه قد علم مِمَّا مر أَنه لَا يجمع بِغَيْر سفر وَنَحْو الْمَطَر كَمَرَض وريح وظلمة وَخَوف ووحل وَهُوَ الْمَشْهُور لِأَنَّهُ لم ينْقل وَحكى فِي الْمَجْمُوع عَن جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة جَوَازه بالمذكورات وَهُوَ قوي جدا فِي الْمَرَض والوحل وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بمحاسن الشَّرِيعَة

وَقد قَالَ تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} الْحَج 22 الْآيَة 78 وعَلى ذَلِك فَيسنّ للْمَرِيض أَن يُرَاعِي الأرفق بِنَفسِهِ فَمن يحم فِي وَقت الثَّانِيَة يقدمهَا بشرائط جمع التَّقْدِيم بِالسَّفرِ أَو فِي وَقت الأولى يؤخرها بالشرطين الْمُتَقَدِّمين لجمع التَّأْخِير وَيجْعَل دوَام الْمَرَض هُنَا كدوام السّفر هُنَاكَ

فَائِدَة يخْتَص بِالسَّفرِ الطَّوِيل أَربع الْجمع على الْأَظْهر وَالْقصر وَالْفطر فِي رَمَضَان وَالْمسح على الْخُف ثَلَاثَة أَيَّام وَيجوز فِي الْقصير ترك الْجُمُعَة والتنفل على الرَّاحِلَة ويختصان بِالسَّفرِ

‌فصل فِي صَلَاة الْجُمُعَة

يَوْم الْجُمُعَة أفضل أَيَّام الْأُسْبُوع يعْتق الله فِيهِ سِتّمائَة ألف عَتيق من النَّار وَمن مَاتَ فِيهِ أعطي أجر شَهِيد وَوقى فتْنَة الْقَبْر وَهِي السُّؤَال بِأَن يُخَفف عَنهُ لِأَن عدم السُّؤَال أصلا خَاص بالأنبياء وَنَحْوهم مِمَّن اسْتثْنى وليلتها أفضل اللَّيَالِي بعد لَيْلَة الْقدر وَلَيْلَة الْقدر أفضل من لَيْلَة الْإِسْرَاء بِالنِّسْبَةِ لنا أما بِالنِّسْبَةِ لسيدنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فليلة الْإِسْرَاء أفضل إِذْ وَقع لَهُ فِيهَا رُؤْيَة الْبَارِي بعيني رَأسه وَلَيْلَة المولد الشريف أفضل من لَيْلَة الْإِسْرَاء وَلَيْلَة الْقدر لِأَنَّهَا أَصلهمَا وَالْمرَاد بليلة المولد وَلَيْلَة الْإِسْرَاء الليلتان المعينتان لَا نظيرتهما من كل سنة

وفرضت صَلَاة الْجُمُعَة بِمَكَّة لَيْلَة الْإِسْرَاء وَلم تقم بهَا لقلَّة الْمُسلمين أَو لخفاء الْإِسْلَام إِذْ ذَاك فَإِن شعارها الْإِظْهَار وَأول من أَقَامَهَا بِجِهَة الْمَدِينَة قبل الْهِجْرَة أسعد بن زُرَارَة بقرية على ميل من الْمَدِينَة وَاسْمهَا نَقِيع الخضمان وَهِي أفضل الصَّلَوَات وَمن خَصَائِص هَذِه الْأمة وَلَيْسَت ظهرا مَقْصُورا لِأَنَّهُ لَا يغنى عَنْهَا وَإِن كَانَ وَقتهَا وقته وتتدارك بِهِ بل صَلَاة مُسْتَقلَّة وَمَعْلُوم أَنَّهَا رَكْعَتَانِ وتختص بِشُرُوط لوُجُوبهَا وشروط لصحتها وآداب كَمَا قَالَ (تجب جُمُعَة) وجوب عين (على) كل مُسلم (مُكَلّف) أَي بَالغ عَاقل وَألْحق بِهِ فِي انْعِقَاد السَّبَب لَا فِي التَّكْلِيف مُتَعَدٍّ بمزيل عقله فَيلْزمهُ قَضَاؤُهَا ظهرا (ذكر حر متوطن) بِبَلَد الْجُمُعَة بِأَن لَا يُسَافر عَن وَطنه

ص: 135

صيفا وَلَا شتاء إِلَّا لحَاجَة كتجارة (غير مَعْذُور) بمجوز لترك الْجَمَاعَة

(و) تجب الْجُمُعَة أَيْضا (على مُقيم) بِمحل إِقَامَة الْجُمُعَة أَو بِمحل يسمع فِيهِ نداءها وَإِن لم يستوطنه وكالمقيم بذلك الْمحل الْمُسَافِر إِلَيْهِ من مَحل الْجُمُعَة كَذَا قَالَ ابْن حجر فِي فتح الْجواد

(وَلَا تَنْعَقِد) الْجُمُعَة (بِهِ) أَي بمقيم فِي ذَلِك الْمحل على عزم الْعود إِلَى بَلَده بعد مُدَّة وَلَو طَوِيلَة كالمتفقهة والتجار وَمثله متوطن خَارج بلد الْجُمُعَة فَلَا تَنْعَقِد بِهِ (وَلَا بِمن بِهِ رق) وَإِن قل (وصبا)

وَحَاصِل مَا فِي هَذَا الْبَاب أَن صَلَاة الْجُمُعَة كَغَيْرِهَا من الْخمس فِي الْأَركان والشروط والآداب لَكِنَّهَا تزيد عَلَيْهِ بِشُرُوط للزومها وبشروط لصحتها وبآداب أخر

أما شُرُوط لُزُومهَا المختصة بهَا فَأَرْبَعَة الْحُرِّيَّة والذكورة وَعدم الْعذر المجوز لترك الْجَمَاعَة وَالْإِقَامَة فَلَا جُمُعَة على رَقِيق وَلَا أُنْثَى وَلَا مُسَافر وَلَا مَعْذُور بمجوز لترك الْجَمَاعَة وَمِنْه الِاشْتِغَال بتجهيز الْمَيِّت والإسهال الَّذِي لَا يضْبط نَفسه مَعَه ويخشى مِنْهُ تلويث الْمَسْجِد وَالْحَبْس عَنهُ إِذا لم يكن مقصرا فِيهِ فَإِذا رأى القَاضِي الْمصلحَة فِي مَنعه مَنعه وَإِلَّا أطلقهُ لفعل الْجُمُعَة وَتلْزم الشَّيْخ الْهَرم والزمن وَهُوَ من بِهِ عاهة أبطلت حركته إِن وجدا مركبا ملكا أَو إِجَارَة أَو إِعَارَة وَلَو آدَمِيًّا إِذا لم يزر بهما وَلم يشق الرّكُوب عَلَيْهِمَا كمشقة الْمَشْي فِي الوحل وَتلْزم الْأَعْمَى إِن وجد قائدا وَلَو بِأُجْرَة مثل يجدهَا زَائِدَة على مَا يَأْتِي فِي الْفطْرَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَو مُتَبَرعا أَو ملكا فَإِن لم يجده لم يلْزمه الْحُضُور وَإِن أحسن الْمَشْي بالعصى على الْمُعْتَمد لما فِيهِ من التَّعَرُّض للضَّرَر نعم إِن كَانَ قَرِيبا من الْجَامِع لَا يتَضَرَّر بذلك وَجب عَلَيْهِ الْحُضُور لعدم الضَّرَر وَمن صحت ظَهره مِمَّن لَا تلْزمهُ جُمُعَة صحت جمعته وتغني عَن ظَهره كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة وَالْمُسَافر وَله أَن ينْصَرف من الْمصلى قبل إِحْرَامه بهَا وَلَو بعد دُخُول وَقتهَا إِلَّا الْمَرِيض وَنَحْوه مِمَّن ألحق بِهِ كالأعمى لَا يجد قائدا فَلَا يجوز لَهُ الِانْصِرَاف بعد دُخُول الْوَقْت إِلَّا إِن زَاد ضَرَره بانتظاره فعلهَا وَإِلَّا فَلهُ الِانْصِرَاف مَا لم تكن قد أُقِيمَت وَإِلَّا فَلَا ينْصَرف

وَالْحَاصِل أَن نَحْو الْمَرِيض لَهُ الِانْصِرَاف قبل دُخُول الْوَقْت وَهُوَ الزَّوَال مُطلقًا مَا لم يحصل لَهُ مشقة لَا تحْتَمل وَأما بعد دُخُول الْوَقْت وَقبل الْإِحْرَام فَإِن زَاد ضَرَره بانتظاره فعلهَا وَلم تقم جَازَ لَهُ الِانْصِرَاف وَإِن لم يزدْ ضَرَره أَو أُقِيمَت فَلَا

ثمَّ حَاصِل مَا ذكره المُصَنّف أَن النَّاس فِي الْجُمُعَة سِتَّة أَقسَام قسم تلْزمهُ وتنعقد بِهِ وَهُوَ كل مُسلم مُكَلّف متوطن حر ذكر لَا عذر لَهُ يرخص فِي ترك الْجَمَاعَة

وَقسم لَا تلْزمهُ وتنعقد بِهِ وَهُوَ الْمَعْذُور بمسقط لوُجُوبهَا غير الْمُسَافِر

وَمن الْأَعْذَار مَا لَو حلف بِالطَّلَاق أَنه لَا يُصَلِّي خلف زيد فولى زيد الْمَذْكُور إِمَامَة الْجُمُعَة وَلم يكن فِي الْمحل غَيرهَا فَتسقط عَنهُ على الْمُعْتَمد وَقيل هُوَ مكره شرعا فَيصَلي وَلَا حنث

وَقسم تلْزمهُ وَتَصِح مِنْهُ وَلَا تَنْعَقِد بِهِ وَهُوَ الْمُقِيم غير المتوطن والمتوطن بِمحل يسمع مِنْهُ النداء وَلم يبلغ أَهله أَرْبَعِينَ فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ السَّعْي إِلَى بلد الْجُمُعَة وَلَا يحْسب من عَددهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ من المتوطنين ببلدها فَإِن بلغُوا أَرْبَعِينَ لَزِمَهُم إِقَامَتهَا فِي محلهم وَحرم

ص: 136

عَلَيْهِم تعطيله وَإِن فَعَلُوهَا فِي غَيره

وَقسم تلْزمهُ وَلَا تَنْعَقِد بِهِ وَلَا تصح مِنْهُ وَهُوَ الْمُرْتَد

وَقسم لَا تلْزمهُ وَلَا تَنْعَقِد بِهِ وَتَصِح مِنْهُ وَهُوَ من بِهِ رق وَالصَّبِيّ الْمُمَيز وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَالْمُسَافر والمقيم بِمحل لَا يسمع مِنْهُ النداء وَلم يبلغ أَهله أَرْبَعِينَ أَو كَانُوا أهل خيام

وَقسم لَا تلْزمهُ وَلَا تَنْعَقِد بِهِ وَلَا تصح مِنْهُ وَهُوَ الْمَجْنُون والمغمى عَلَيْهِ والسكران وَالصَّبِيّ غير الْمُمَيز وَالْكَافِر الْأَصْلِيّ

(و) أما شُرُوط صِحَة الْجُمُعَة فستة وَهِي مَا (شَرط) زَائِدا على مَا يشْتَرط لغَيْرهَا

الأول (وُقُوعهَا جمَاعَة) إِجْمَاعًا فَلَا تصح فُرَادَى إِذْ لم ينْقل فعلهَا كَذَلِك وَالْجَمَاعَة شَرط (فِي الرَّكْعَة الأولى) فَقَط أما الْعدَد فَشرط فِي جَمِيع الْجُمُعَة فَيشْتَرط أَن يستمروا مَعَ الإِمَام إِلَى سجودها الثَّانِي فَلَو نووا كلهم الْمُفَارقَة بعد الرَّكْعَة الأولى وَأَتمُّوا صلَاتهم فُرَادَى صحت جمعتهم وجمعة الإِمَام

وَيشْتَرط أَن لَا تبطل صَلَاة وَاحِد من الْأَرْبَعين قبل سَلام نَفسه وَإِلَّا بطلت صَلَاة الْكل وَإِن كَانَ هُوَ الْأَخير وَإِن ذهب الْأَولونَ إِلَى مكانهم ويلغز بذلك وَيُقَال رجل أحدث فِي الْمَسْجِد فبطلت صَلَاة من فِي الْبَيْت وَلَو كَانَ من جملَة الْأَرْبَعين شخص مالكي فَترك الْبَسْمَلَة بطلت صَلَاة الْجَمِيع بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ زَائِدا على الْأَرْبَعين

(و) الثَّانِي أَن يكون عدد جمَاعَة المجمعين أَرْبَعِينَ مِنْهُم الإِمَام وَإِن كَانَ بَعضهم صلاهَا فِي قَرْيَة أُخْرَى وَلَا نظر لكَونهَا تقع لَهُ نَافِلَة فَلَا تَنْعَقِد بِأَقَلّ مِنْهُم وَذَلِكَ بِأَن تُقَام (بِأَرْبَعِينَ) من أهل الْجُمُعَة وهم الذُّكُور الْأَحْرَار المكلفون المستوطنون بمحلها لَا يظعنون عَنهُ شتاء وَلَا صيفا إِلَّا لحَاجَة

قَالَ بَعضهم وَلَا بُد من صِحَة إِمَامَة كل وَاحِد مِنْهُم بالباقين وَقَالَ بَعضهم الْمدَار على صِحَة صَلَاة كل مِنْهُم فِي نَفسه حَيْثُ كَانَ إمَامهمْ تصح إِمَامَته لَهُم وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بمحاسن الشَّرِيعَة وَلَا بُد من وجود هَذَا الْعدَد كَامِلا من ابْتِدَاء الْخطْبَة إِلَى انْتِهَاء الصَّلَاة وَتَصِح الْجُمُعَة خلف عبد وَصبي مُمَيّز ومسافر وَمن بَان مُحدثا وَلَو حَدثا أكبر إِن تمّ الْعدَد بغيرهم وَلَو كَانُوا ناوين ظهرا بِخِلَاف مَا إِذا لم يتم الْعدَد إِلَّا بهم لأَنهم لَا يحسبون من عدد الْجُمُعَة وَلَا تَنْعَقِد بِأَرْبَعِينَ فَقَط وَفِيهِمْ أُمِّي لارتباط صِحَة صَلَاة بَعضهم بِبَعْض فَصَارَ كاقتداء القارىء بالأمي وَمحله إِذا قصر الْأُمِّي فِي التَّعَلُّم وَإِلَّا فَتَصِح الْجُمُعَة إِن كَانَ الإِمَام قَارِئًا وَعلم من ذَلِك أَن عِلّة بطلَان صلَاتهم تقصيرهم لَا ارتباط صَلَاة بَعضهم بِبَعْض وَمَعْلُوم أَن الْأُمِّيين إِذا لم يَكُونُوا فِي دَرَجَة وَاحِدَة لَا يَصح اقْتِدَاء بَعضهم بِبَعْض فَلَا تصح جمعتهم لِأَن الْجَمَاعَة المشترطة هُنَا للصِّحَّة صيرت بَينهم ارتباطا كالارتباط بَين صَلَاة الإِمَام وَالْمَأْمُوم فَصَارَ كاقتداء قارىء بأمي

وَعلم مِمَّا ذكر أَنه لَا بُد لصِحَّة الْجُمُعَة من اغناء صلَاتهم عَن الْقَضَاء وَلَو كَانَ بقرية أَرْبَعُونَ كاملون حرم عَلَيْهِم أَن يصلوها فِي الْمصر على الْمُعْتَمد سمعُوا النداء أم لَا لتعطيلهم الْجُمُعَة فِي محلهم وَتسقط عَنْهُم الْجُمُعَة بِفِعْلِهَا فِي الْمصر وَإِن قُلْنَا بِعَدَمِ الْجَوَاز إِذْ الْإِسَاءَة لَا تنَافِي الصِّحَّة وَيجب على الْحَاكِم مَنعهم من ذَلِك وَلَا يكون قصدهم البيع وَالشِّرَاء فِي الْمصر عذرا فِي تَركهم الْجُمُعَة فِي قريتهم إِلَّا إِذا ترَتّب عَلَيْهِ فَسَاد شَيْء من أَمْوَالهم أَو احتاجوا إِلَى مَا يصرفونه فِي نَفَقَة ذَلِك الْيَوْم الضرورية وَلَا يكلفون الِاقْتِرَاض

ص: 137

وَلَو تقاربت قَرْيَتَانِ فِي كل مِنْهُمَا دون أَرْبَعِينَ بِصفة الْكَمَال وَلَو اجْتَمعُوا لبلغوا أَرْبَعِينَ فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِد بهم وَإِن سَمِعت كل وَاحِدَة نِدَاء الْأُخْرَى لِأَن الْأَرْبَعين غير متوطنين فِي مَوضِع الْجُمُعَة وَلَو كَانَ لَهُ زوجتان كل وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي بَلْدَة يُقيم عِنْد كل يَوْمًا مثلا انْعَقَدت بِهِ الْجُمُعَة فِي الْبَلدة الَّتِي إِقَامَته فِيهَا أَكثر دون الْأُخْرَى فَإِن اسْتَويَا فِي الْإِقَامَة انْعَقَدت بهم فِي الْبَلدة الَّتِي مَاله فِيهَا أَكثر دون الْأُخْرَى فَإِن اسْتَويَا فِي المَال اعْتبرت نِيَّته فِي الْمُسْتَقْبل فَإِن لم تكن نِيَّة اعْتبر الْموضع الَّذِي هُوَ فِيهِ

(و) الثَّالِث أَن تُقَام (بِمحل مَعْدُود من الْبَلَد) أَي فِي خطة أبنية أوطان الْمُصَلِّين للْجُمُعَة سَوَاء الرحاب المسقفة والساحات والمساجد فَتجوز فِي الفضاء الْمَعْدُود من خطة الْبَلَد بِأَن كَانَ فِي مَحل لَا تقصر فِيهِ الصَّلَاة بِخِلَاف غير الْمَعْدُود مِنْهَا وَلَا فرق فِي الْمَعْدُود مِنْهَا بَين الْمُتَّصِل بالأبنية والمنفصل عَنْهَا وَلَو انْهَدَمت الْأَبْنِيَة وَأقَام أَهلهَا قَاصِدين عمارتها صحت مِنْهُم الْجُمُعَة وَإِن لم يَكُونُوا فِي مظال لِأَنَّهَا وطنهم وَلَا تَنْعَقِد فِي غير بِنَاء إِلَّا فِي هَذِه الصُّورَة فَلَا تجوز إِقَامَتهَا خَارج الْأَبْنِيَة حَيْثُ أُقِيمَت فِي مَحل تقصر فِيهِ الصَّلَاة وَلَا جُمُعَة على أهل الْخيام

نعم إِن كَانَت خيامهم فِي خلال الْأَبْنِيَة وهم مقيمون لزمتهم الْجُمُعَة وَلَو كَانُوا متوطنين بِمحل من الْبَادِيَة قريب من بلد الْجُمُعَة بِحَيْثُ يسمعُونَ النداء من بلد الْجُمُعَة لزمتهم وَوَجَب السَّعْي إِلَيْهَا وَالْمرَاد سَماع من يكون بِطرف محلتهم الَّذِي يَلِي بلد الْجُمُعَة أَي من أصغى مِنْهُم وَلَو وَاحِدًا وَهُوَ معتدل السّمع مِمَّن بِطرف بلد الْجُمُعَة الَّذِي يَلِي محلتهم ويفرض عدم الْمَانِع وَالْمُعْتَبر أَن يكون الْمُؤَذّن على الأَرْض لَا على مَوضِع عَال إِلَّا أَن تكون الْبَلدة فِي أَرض بَين أَشجَار فَيعْتَبر فِيهَا الْعُلُوّ على مَا يُسَاوِي الْأَشْجَار وَلَو كَانَ بقرية مَسْجِد ثمَّ خرب مَا حوله فَصَارَ مُنْفَردا وَلم يهجر بل اسْتمرّ النَّاس يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ فِي الصَّلَوَات وَغَيرهَا صحت الْجُمُعَة فِيهِ وَلَو بعد الْعمرَان عَنهُ إِذْ بَقَاء التَّرَدُّد اليه يصيره معدودا من الْبَلَد أفتى بِهِ البُلْقِينِيّ وَغَيره

قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَأكْثر أهل الْقرى يؤخرون الْمَسْجِد عَن جِدَار الْقرْيَة قَلِيلا صِيَانة لَهُ عَن نَجَاسَة الْبَهَائِم وَعدم انْعِقَاد الْجُمُعَة فِيهِ بعد وَالضَّابِط أَن الْمَسْجِد الْخَارِج عَن الْأَبْنِيَة إِن كَانَ بِحَيْثُ تقصر الصَّلَاة قبل مجاوزته لَا تجوز إِقَامَة الْجُمُعَة فِيهِ وَإِلَّا جَازَت

(و) الرَّابِع وُقُوع الصَّلَاة كلهَا فِي الْوَقْت يَقِينا لِأَن الْوَقْت شَرط لافتتاحها فَكَانَ شرطا لتمامها وَلِأَنَّهُمَا فرضا وَقت وَاحِد فَلم يخْتَلف وقتهما

أما بَقِيَّة الصَّلَوَات فَلَيْسَ الْوَقْت شرطا لافتتاحها بِدَلِيل الْقَضَاء خَارجه فَلَا بُد من وُقُوع الصَّلَاة كلهَا مَعَ الْخطْبَة (فِي وَقت ظهر) فَلَو خرج الْوَقْت قبل التَّلَبُّس بهَا أَو كَانُوا فِيهَا أَو ضَاقَ عَنْهَا وَعَن خطبتها أَو شكّ فِي ذَلِك صليت ظهرا فِي الْجَمِيع وَلَو مد الرَّكْعَة الأولى بِأَن أحرم بِالْجمعَةِ فِي وَقت يَسعهَا لكنه طول حَتَّى تحقق أَنه لم يبْق مَا يسع الثَّانِيَة انقلبت ظهرا الْآن عِنْد ابْن حجر كالروياني أَو انقلبت ظهرا عِنْد خُرُوج الْوَقْت على مَا اعْتَمدهُ الرَّمْلِيّ فيسر بِالْقِرَاءَةِ من وَقت الانقلاب وَلَو سلم الإِمَام التسليمة

ص: 138

الأولى وَتِسْعَة وَثَلَاثُونَ فِي الْوَقْت وَسلمهَا الْبَاقُونَ خَارجه صحت جُمُعَة الإِمَام وَمن مَعَه أما الْمُسلمُونَ خَارجه فَلَا تصح جمعتهم وَكَذَا لَو كَانَ الْمُسلمُونَ فِيهِ أقل من أَرْبَعِينَ

وَالْخَامِس أَن لَا يسبقها وَلَا يقارنها جُمُعَة فِي محلهَا وَلَو عظم

نعم إِذا كبر الْمحل وعسر اجْتِمَاعهم فِي مَكَان وَاحِد بِأَن لم يكن فِي مَحل الْجُمُعَة مَكَان يسعهم بِلَا مشقة وَلَو غير مَسْجِد جَازَ التَّعَدُّد على قدر الْحَاجة وَالظَّاهِر أَن الْعبْرَة فِي الْعسر بِمن يُصَلِّي فِي ذَلِك الْمحل غَالِبا وَإِن لم يكن من أهل الْبَلَد وَلَو كَانَ الْغَالِب يخْتَلف باخْتلَاف الْأَزْمِنَة اعْتبرنَا كل زمَان بِحَسبِهِ لَا بِمن تلْزمهُ وَلَو لم يحضر وَلَا بِجَمِيعِ أهل الْبَلَد كَمَا قيل بذلك وَالْقَوْل الْأَخير يُفِيد أَن التَّعَدُّد فِي مصر كُله لحَاجَة فَعَلَيهِ لَا تجب الظّهْر ثمَّ عسر الِاجْتِمَاع إِمَّا لكثرتهم كَمَا مر أَو لقِتَال بَينهم أَو لبعد أَطْرَاف الْبَلَد بِحَيْثُ كَانَ من بطرفها لَو سعى إِلَيْهَا بعد الْفجْر لَا يُدْرِكهَا فَإِن اجْتمع من أهل الْمحل الْبعيد أَرْبَعُونَ أَقَامُوا الْجُمُعَة وَإِلَّا صلوها ظهرا

وَحَاصِل مَا يُقَال فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِن التَّعَدُّد ان كَانَ لحَاجَة جَازَ بِقَدرِهَا على الْأَصَح وَصحت صَلَاة الْجَمِيع سَوَاء وَقع إِحْرَام الْأَئِمَّة مَعًا أَو مُرَتبا

وَتسن الظّهْر مُرَاعَاة لِلْقَوْلِ الْمَانِع من التَّعَدُّد مُطلقًا أَو لغير حَاجَة فِي جَمِيعهَا أَو بَعْضهَا أَو لم يدر هَل هُوَ لحَاجَة أم لَا كَمَا فِي بعض الْأَمْصَار فلهَا خَمْسَة أَحْوَال لِأَنَّهَا إِمَّا أَن يَقع سبق وَتعلم عين السَّابِقَة وَلم تنس أَو تعلم وتنسى أَو يعلم سبق وَاحِدَة لَا بِعَينهَا أَو يعلم وقوعهما مَعًا أَو يشك فِي الْمَعِيَّة والسبق فَفِي الأولى تجب الظّهْر على المسبوقة لبُطْلَان جمعتها وَفِي الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة يجب على الْجَمِيع فعل الظّهْر لوُجُود جُمُعَة صَحِيحَة لأحد الْفَرِيقَيْنِ فَلَا تتأتى إِقَامَة جُمُعَة بعْدهَا لَكِن لما كَانَت مُبْهمَة وَجب على الْجَمِيع فعل الظّهْر لتبرأ ذمتهم بِيَقِين

وَفِي الرَّابِعَة وَالْخَامِسَة يجب على الْجَمِيع أَن يجتمعوا بِمحل أَو بمحال بِقدر الْحَاجة ويقيموا جُمُعَة أُخْرَى وَهل يجب مَعَ ذَلِك فِي الْخَامِسَة فعل الظّهْر لِأَن احْتِمَال السَّبق فِي احداهما يَقْتَضِي وجوب الظّهْر على الْأُخْرَى أَو ينْدب فَقَط لِأَن الأَصْل عدم جُمُعَة مجزئة فِي حق كل مِنْهُمَا قَالَ الإِمَام بِالْأولِ وَالْمُعْتَمد الثَّانِي فَإِن ضَاقَ الْوَقْت أَو لم يتَّفق اجْتِمَاعهم كَمَا هُوَ جَار الْآن وَجب الظّهْر

تَنْبِيه صَلَاة الظّهْر بعد الْجُمُعَة إِمَّا وَاجِبَة أَو مُسْتَحبَّة ويعلمان مِمَّا تقدم أَو حرَام وَلَا تَنْعَقِد إِذا لم يكن بِالْبَلَدِ إِلَّا جُمُعَة وَاحِدَة

فَائِدَة الْجُمُعَة الْمُحْتَاج إِلَيْهَا مَعَ الزَّائِد على قدر الْحَاجة كالجمعتين الْمُحْتَاج إِلَى إِحْدَاهمَا فَفِي ذَلِك التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم

(و) السَّادِس تقدم خطبتين على صَلَاة الْجُمُعَة فَلَا بُد من وُقُوعهَا (بعد خطبتين) لَهَا متلبستين (بأركانهما) وَقد نظمها بَعضهم فَقَالَ وخطبة أَرْكَانهَا قد تعلم خمس تعد يَا أخي وتفهم حمد الْإِلَه وَالصَّلَاة الثَّانِي على نَبِي جَاءَ بِالْقُرْآنِ

ص: 139

وَصِيَّة ثمَّ الدعا للْمُؤْمِنين وَآيَة من الْكتاب المستبين (وَهِي) خَمْسَة إِجْمَالا ثَمَانِيَة تَفْصِيلًا أَولهَا (حمد الله) تَعَالَى

(و) ثَانِيهَا (صَلَاة على النَّبِي) رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (بلفظهما)

وَالْحَاصِل أَن مَادَّة الْحَمد وَالصَّلَاة متعينة فَلَا يجزىء الشُّكْر وَالثنَاء وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَنَحْو ذَلِك وَلَا يتَعَيَّن لفظ الْحَمد لله بل يجزىء نحمد الله أَو لله الْحَمد أَو نَحْو ذَلِك وَيتَعَيَّن لفظ الْجَلالَة فَلَا يجزىء الْحَمد للرحمن أَو نَحوه وَلَا يتَعَيَّن لفظ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد بل يجزىء نصلي أَو أُصَلِّي أَو نَحْو ذَلِك وَلَا يتَعَيَّن لفظ مُحَمَّد بل يَكْفِي أَحْمد أَو النَّبِي أَو الماحي أَو الحاشر أَو نَحْو ذَلِك وَلَا يَكْفِي الضَّمِير نَحْو صلى الله عَلَيْهِ وَلَا يَكْفِي رحم الله مُحَمَّدًا

(و) ثَالِثهَا (وَصِيَّة بتقوى) وَلَا يتَعَيَّن لفظ الْوَصِيَّة وَلَا مادتها لِأَن الْمَقْصُود الْوَعْظ والحث على طَاعَة الله فَيَكْفِي أطِيعُوا الله وراقبوه وَهَذِه الثَّلَاثَة أَرْكَان (فيهمَا) أَي فِي كل من الْخطْبَتَيْنِ فَتكون سِتَّة تَفْصِيلًا

(و) رَابِعهَا (قِرَاءَة آيَة فِي إِحْدَاهمَا) سَوَاء أَتَى بهَا فِي خلال الْأَركان أَو قبل الشُّرُوع فِيهَا أَو بعد فراغها وَالسّنة أَن تكون فِي آخر الْخطْبَة الأولى لتَكون فِي مُقَابلَة الدُّعَاء للْمُؤْمِنين فِي الثَّانِيَة

(و) خَامِسهَا (دُعَاء) أَي مَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم دُعَاء للْمُؤْمِنين وَيجب أَن يكون بأخروي فَلَا يَكْفِي الدنيوي وَالْأولَى فِي الدُّعَاء التَّعْمِيم (وَلَو) خص بِهِ الْحَاضِرين أَو أَرْبَعِينَ مِنْهُم كَقَوْلِه (رحمكم الله) أَو يَرْحَمكُمْ الله فَيَكْفِي ذَلِك إِذْ الْقَصْد مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الدُّعَاء وَلَا بُد من عدم صرفه فَلَو صرف ذَلِك للرحمة الدُّنْيَوِيَّة لم يكف كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي أما لَو خص بِهِ الغائبين فَلَا يَكْفِي وَيكون (فِي ثَانِيَة) لِأَن الدُّعَاء بالخواتيم أليق وَيُبَاح الدُّعَاء للسُّلْطَان بِخُصُوصِهِ وَيحرم وَصفه بِالصِّفَاتِ الكاذبة إِن لم يخْش من تَركه فتْنَة وَإِلَّا وَجب كَمَا فِي قيام بعض النَّاس لبَعض وَيسن الدُّعَاء لأئمة الْمُسلمين وولاة أُمُورهم عُمُوما بالصلاح وَالْهِدَايَة وَالْعدْل

(وَشرط فيهمَا) أَي الْخطْبَتَيْنِ أُمُور سَبْعَة (إسماع أَرْبَعِينَ) مِمَّن تَنْعَقِد بهم الْجُمُعَة (الْأَركان) أَي أَرْكَان الْخطْبَتَيْنِ لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُمَا وعظهم وَهُوَ لَا يحصل إِلَّا بذلك فَإِن كَانَ الْخَطِيب مِمَّن تَنْعَقِد بِهِ الْجُمُعَة فَلَا يشْتَرط أَن يسمع نَفسه فَيَكْفِي كَونه أَصمّ لِأَنَّهُ يعلم مَا يَقُول فَلَا بُد من إسماع تِسْعَة وَثَلَاثِينَ مِمَّن تَنْعَقِد بهم الْجُمُعَة وَالْمرَاد إسماعهم بِالْفِعْلِ بِأَن يرفع الْخَطِيب صَوته بِحَيْثُ يسمعهُ الْحَاضِرُونَ لَو أصغوا وَأما السماع مِنْهُم فبالقوة وَإِن لم يسمعوا بِالْفِعْلِ لوُجُود لغط أَو نوم خَفِيف بِخِلَافِهِ لصمم أَو بعد أَو نوم ثقيل وَلَا يضر عدم فهم مَعْنَاهُمَا حَتَّى فِي حق الْخَطِيب كمن يؤم الْقَوْم وَلَا يعرف معنى الْفَاتِحَة

(وعربية) بِأَن تكون أَرْكَان الْخطْبَتَيْنِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِن لم يكن ثمَّ من يحسن الْعَرَبيَّة وَلم يُمكن تعلمهَا خطب بغَيْرهَا فَإِن أمكن وَجب على الْجَمِيع على سَبِيل فرض الْكِفَايَة فَيَكْفِي فِي ذَلِك وَاحِد

فَلَو تركُوا التَّعَلُّم

ص: 140

مَعَ امكانه عصوا وَلَا جُمُعَة لَهُم فيصلون الظّهْر

(وَقيام قَادر) فيهمَا جَمِيعًا فَإِن عجز عَنهُ خطب جَالِسا وَلَو مَعَ وجود الْقَادِر وَالْأولَى للعاجز الِاسْتِنَابَة

(وطهر) عَن الْحَدث الْأَكْبَر والأصغر وَعَن نجس غير مَعْفُو عَنهُ فِي بدنه وثوبه ومكانه كَمَا فِي شُرُوط الصَّلَاة (وَستر) أَي ستر الْعَوْرَة فَلَو أحدث فِي أثْنَاء الْخطْبَة استأنفها وَإِن سبقه الْحَدث وَقصر الْفَصْل لِأَنَّهَا عبَادَة وَاحِدَة فَلَا تُؤَدّى بطهارتين كَالصَّلَاةِ

وَمن ثمَّ لَو أحدث بَين الْخطْبَة وَالصَّلَاة وتطهر عَن قرب لم يضر وَلَا يشْتَرط طهر السامعين وَلَا سترهم (وجلوس بَينهمَا) بطمأنينة فِي جُلُوسه وجوبا

وَمن خطب قَاعِدا لعذر أَو قَائِما وَعجز عَن الْجُلُوس أَو مُضْطَجعا للعجز فصل بَينهمَا بسكتة وجوبا فَوق سكتة التنفس والعي وَيسن أَن تكون الجلسة أَو السُّكُوت بِقدر سُورَة الْإِخْلَاص وَأَن يَقْرَأها فِي ذَلِك

(وَوَلَاء) بَين الْخطْبَتَيْنِ وَبَين أركانهما وَبَعضهَا وَبَينهمَا وَبَين الصَّلَاة وَضَابِط الْمُوَالَاة أَن لَا يَتَخَلَّل مَا يسع رَكْعَتَيْنِ بأخف مُمكن وَلَا يضر تخَلّل الْوَعْظ بَين الْأَركان وَإِن طَال وَأفْتى الْعَلامَة الرَّمْلِيّ فِيمَا لَو ابْتَدَأَ الْخَطِيب فسردها أَي ذكرهَا متتابعة ثمَّ أَعَادَهَا كَمَا اُعْتِيدَ الْآن كَأَن قَالَ الْحَمد لله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُول الله أوصيكم بتقوى الله وطاعته لقَوْله تَعَالَى {من عمل صَالحا فلنفسه} 41 فصلت الْآيَة 46 الْآيَة الْحَمد لله الَّذِي إِلَى آخِره بِأَن الْأَركان هُوَ مَا أَتَى بِهِ أَولا وَمَا أَتَى بِهِ ثَانِيًا بِمَنْزِلَة التوكيد فَهُوَ بِمَنْزِلَة تَكْرِير الرُّكْن القولي وَذَلِكَ لَا يضر

وَمن شُرُوط الْخطْبَة للْجُمُعَة تَقْدِيمهَا على صلَاتهَا وَأَن تكون بعد الزَّوَال لجَرَيَان أهل الْأَعْصَار والأمصار عَلَيْهِ وَلَو جَازَ تَقْدِيمهَا لقدمها النَّبِي صلى الله عليه وسلم تَخْفِيفًا على المبكرين وإيقاعا للصَّلَاة فِي أول الْوَقْت

وَيسن تَرْتِيب الْأَركان بِأَن يبْدَأ بِالْحَمْد ثمَّ الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ الْوَصِيَّة ثمَّ الْقِرَاءَة ثمَّ الدُّعَاء

وَيسن كَونهمَا على مِنْبَر فَإِن لم يكن فعلى مُرْتَفع وَأَن يسلم الْخَطِيب على من عِنْد الْمِنْبَر وَأَن يقبل عَلَيْهِم إِذا صعد الْمِنْبَر أَو نَحوه وانْتهى إِلَى الدرجَة الَّتِي يجلس عَلَيْهَا الْمُسَمَّاة بالمستراح وَأَن يسلم عَلَيْهِم وَيجب رد السَّلَام عَلَيْهِ فِي الْحَالين وَهُوَ فرض كِفَايَة كالسلام فِي بَاقِي الْمَوَاضِع ثمَّ يجلس ندبا بعد سَلَامه على المستراح ليستريح من تَعب الصعُود فَلَو لم يَأْتِ بِالسَّلَامِ قبل الْجُلُوس فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يَأْتِي بِهِ بعده وَيحصل لَهُ أصل السّنة كَمَا قَالَه الشبراملسي فَيُؤذن وَاحِد أما اتِّخَاذ المرقي فبدعة لِأَنَّهُ لم يكن فِي زَمَنه صلى الله عليه وسلم لَكِنَّهَا حَسَنَة إِذْ فِي تِلَاوَة الْآيَة ترغيب فِي الْإِتْيَان بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْيَوْم الْعَظِيم الْمَطْلُوب فِيهِ إكثارها وَفِي قِرَاءَة الحَدِيث بعد الْأَذَان وَقبل الْخطْبَة تيقيظ للمكلف لاجتناب الْكَلَام الْمحرم أَو الْمَكْرُوه على اخْتِلَاف الْعلمَاء وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول هَذَا الْخَبَر على المبنر وَهُوَ حَدِيث صَحِيح وَلَعَلَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ بقوله فِي ابْتِدَاء الْخطْبَة لكَونه مُشْتَمِلًا على الْأَمر بالإنصات وَكَذَا الْأَذَان الَّذِي فَوق المنارة قبل الْأَذَان الَّذِي بَين يَدي الْخَطِيب بِدعَة حَسَنَة أحدثها عُثْمَان رضي الله عنه وَقيل مُعَاوِيَة لما كثر النَّاس

وَيسن أَن تكون الْخطْبَة فصيحة جزلة لَا مبتدلة وَلَا ركيكة قريبَة للفهم لَا غَرِيبَة وحشية إِذْ لَا ينْتَفع بهَا أَكثر

ص: 141

النَّاس متوسطة لِأَن الطَّوِيل يمل والقصير يخل

قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَحسن أَن يخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف أَحْوَال وأزمان وَأَسْبَاب وَقد يَقْتَضِي الْحَال الإسهاب كالحث على الْجِهَاد إِذا طرق الْعَدو الْبِلَاد وَغير ذَلِك من النَّهْي عَن الْخمر وَالْفَوَاحِش وَالزِّنَا وَالظُّلم إِذا تتَابع النَّاس فِيهَا اه

وَأَن لَا يلْتَفت فِي شَيْء مِنْهَا بل يسْتَمر مُقبلا عَلَيْهِم إِلَى فراغها وَأَن يقبلُوا عَلَيْهِ مُسْتَمِعِينَ لَهُ وَأَن يشغل يسراه بِسيف أَو عَصا أَو قَوس أَو رمح أَي تَارَة على هَذَا وَتارَة على هَذَا وحكمته الْإِشَارَة إِلَى أَن هَذَا الدّين قَامَ بِالسِّلَاحِ ويشغل يمناه بِحرف الْمِنْبَر إِن لم تكن فِيهَا نَجَاسَة وَأَن يُقيم بعد فَرَاغه من الْخطْبَة مُؤذن وَأَن يُبَادر ليبلغ الْمِحْرَاب بعد فَرَاغه من الْإِقَامَة وَأَن يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْجُمُعَة وَفِي الثَّانِيَة سُورَة الْمُنَافِقين جَهرا أَو سبح وَهل أَتَاك

(و) أما آدَاب الْجُمُعَة فكثيرة مِنْهَا أَنه (سنّ لمريدها) أَي لمن أَرَادَ حُضُور الْجُمُعَة (غسل) وَإِن لم تجب عَلَيْهِ بل وَإِن حرم عَلَيْهِ الْحُضُور كامرأة بِغَيْر إِذن حَلِيلهَا على الْمُعْتَمد وَوَقته (بعد فجر) أَي من طُلُوع الْفجْر الصَّادِق إِلَى صعُود الْخَطِيب على الْمِنْبَر أَو إِلَى فرَاغ الصَّلَاة وتقريبه من ذَهَابه إِلَى الْجُمُعَة أفضل لِأَنَّهُ أفْضى إِلَى الْمَقْصُود من انْتِفَاء الروائح الكريهة وَلَو تعَارض الْغسْل والتبكير فمراعاة الْغسْل أولى لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِي وُجُوبه ولتعدى أَثَره إِلَى الْغَيْر وَلَا يُبطلهُ حدث وَلَا جَنَابَة فَإِن عجز عَن المَاء تيَمّم بَدَلا عَنهُ بِأَن يَنْوِي التَّيَمُّم بَدَلا عَن غسل الْجُمُعَة

(و) مِنْهَا (بكور) وَهُوَ الْمُبَادرَة إِلَى الْجَامِع والساعة الأولى أفضل مِمَّا بعْدهَا ثمَّ الثَّانِيَة وَهَكَذَا إِلَى السَّادِسَة وَابْتِدَاء ذَلِك من طُلُوع الْفجْر فَمن جَاءَ فِي السَّاعَة الأولى نَاوِيا التبكير ثمَّ عرض لَهُ عذر فَخرج على نِيَّة الْعود لَا تفوته فَضِيلَة التبكير وَيجب السَّعْي على بعيد الدَّار إِلَى الْجُمُعَة قبل الزَّوَال بِمِقْدَار يتَوَقَّف فعلهَا عَلَيْهِ وَيسْتَحب الْإِتْيَان اليها مَاشِيا لقَوْله صلى الله عليه وسلم من غسل يَوْم الْجُمُعَة واغتسل وَبكر وابتكر وَمَشى وَلم يركب ودنا من الإِمَام واستمع وَلم يلغ كَانَ لَهُ بِكُل خطْوَة عمل سنة أجر صيامها وقيامها وَالْمعْنَى من غسل ثِيَابه وَرَأسه ثمَّ اغْتسل للْجُمُعَة ثمَّ خرج من بَيته باكرا وَأدْركَ أَوَان الْخطْبَة وَمَشى من غير ركُوب وَلَو فِي بعض الطَّرِيق كَانَ لَهُ ذَلِك

(و) مِنْهَا (تزين بِأَحْسَن ثِيَابه) وَأفضل ثِيَابه الْبيض لخَبر البسوا من ثيابكم الْبيَاض فَإِنَّهُ خير ثيابكم وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم وَيسن للْإِمَام أَن يزِيد فِي حسن الْهَيْئَة والعمة والارتداء لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ مَنْظُور إِلَيْهِ وَبحث بَعضهم تَخْصِيص الْبيَاض بِغَيْر زمَان الشتَاء والوحل فَإِن لبس مصبوغا فِيمَا صبغ غزله قبل النسج لَا مَا صبغ منسوجا فَإِنَّهُ يكره

قَالَ ابْن حجر فِي تَنْبِيه الأخيار وَقد أمرنَا صلى الله عليه وسلم بِلبْس أَجود مَا نجد وَأَن نتطيب بأجود مَا نجد وَأَن نلبس الْبيَاض

نعم فِي يَوْم الْعِيد يقدم الْأَحْسَن غير الْأَبْيَض على الْأَبْيَض غير الْأَحْسَن فَيسنّ فِي يَوْم الْعِيد تَقْدِيم الْأَخْضَر على الْأَبْيَض لَكِن لَا خُصُوصِيَّة للأخضر بل كل ذِي لون كَذَلِك فَإِن الخضرة أفضل الألوان بعد الْأَبْيَض اه

ص: 142

وَيسن أَن تكون الثِّيَاب جَدِيدَة إِن تيسرت لَهُ وَإِلَّا فَمَا قرب من الجديدة أولى من غَيره

وَلَو كَانَ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم عيد فيرجح مُرَاعَاة الْعِيد فَيقدم الْأَعْلَى مُطلقًا أَي سَوَاء وَقت إِقَامَة الْجُمُعَة أَو بَقِيَّة الْيَوْم إِذْ الزِّينَة فِيهِ آكِد مِنْهَا فِي الْجُمُعَة وَلِهَذَا سنّ الْغسْل وَغَيره فِيهِ لكل أحد وَإِن لم يحضر كَذَا نَقله الشبراملسي عَن ابْن قَاسم

(و) مِنْهَا (تعمم) لقَوْله صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَانِ بعمامة خير من سبعين رَكْعَة بِلَا عِمَامَة رَوَاهُ الديلمي عَن جَابر وَفِي الحَدِيث أَيْضا قَالَ صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُم بالعمائم فَإِنَّهَا سِيمَا الْمَلَائِكَة وتيجان الْعَرَب وأرخوها من خلف ظهوركم إِلَى الْجِهَة الْيُسْرَى مِقْدَار أَرْبَعَة أَصَابِع وَفِي تَنْبِيه الأخيار كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يُفَارق الطيلسان وَكَانَ طول طيلسانه سِتَّة أَذْرع وَعرضه ثَلَاثَة أَذْرع اه

وَهُوَ شبه الأردية يوضع على الرَّأْس والكتفين وَالظّهْر كَمَا نقل عَن السُّيُوطِيّ

(و) مِنْهَا (تطيب) لحَدِيث من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة وَلبس من أحسن ثِيَابه وَمَسّ من طيب إِن كَانَ عِنْده ثمَّ أَتَى الْجُمُعَة وَلم يتخط أَعْنَاق النَّاس ثمَّ صلى مَا كتب الله لَهُ صلَاته كالتحية ثمَّ أنصت إِذا خرج إِمَامه حَتَّى يفرغ من صلَاته كَانَ كَفَّارَة لما بَينهَا وَبَين الْجُمُعَة الَّتِي قبلهَا قَالَ الشبراملسي وَلَعَلَّ مَا فِي هَذَا الحَدِيث بَيَان للأكمل وَمِنْهَا تنظيف الْجَسَد من الروائح الكريهة كالصنان فيزال بِالْمَاءِ أَو غَيره

وَمِنْهَا أَخذ الظفر إِن طَال وَالشعر كَذَلِك فينتف إبطه ويقص شَاربه ويحلق عانته

وَأما حلق الرَّأْس فَلَا يطْلب إِلَّا فِي نسك وَفِي الْمَوْلُود فِي سَابِع وِلَادَته وَفِي الْكَافِر إِذا أسلم

وَأما فِي غير ذَلِك فَهُوَ مُبَاح

ومعظم هَذِه الْآدَاب لَا يخْتَص بِالْجمعَةِ بل يسن لكل من أَرَادَ حُضُور مجمع لَكِن ذَلِك فِي الْجُمُعَة أَشد اسْتِحْبَابا

(و) سنّ لمن يسمع الْخطْبَتَيْنِ (إنصات) أَي سكُوت مَعَ الإصغاء (لخطبة) وَيكرهُ الْكَلَام من المستمعين حَال الْخطْبَة وَقَالَ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة بحرمته نعم إِن دعت إِلَيْهِ حَاجَة وَجب أَو سنّ كالتعليم لواجب وَالنَّهْي عَن محرم وَلَا يكره قبل الْخطْبَة وَلَا بعْدهَا وَلَا بَينهمَا وَلَو لغير حَاجَة وَيجب رد السَّلَام وَإِن كره ابتداؤه فِي هَذِه الْحَالة وَيسن تشميت الْعَاطِس وَالرَّدّ على المشمت وَرفع الصَّوْت بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عليه وسلم عِنْد ذكره لَكِن المُرَاد الرّفْع الَّذِي لَيْسَ ببليغ أما البليغ كَمَا يَفْعَله بعض الْعَوام فبدعة أما من لم يسمع الْخطْبَة فيسكت أَو يشْتَغل بِالذكر أَو الْقِرَاءَة وَذَلِكَ أولى من السُّكُوت

(و) سنّ (قِرَاءَة) سُورَة (كَهْف) يَوْم الْجُمُعَة وليلتها وَيسْتَحب الْإِكْثَار من ذَلِك وَأقله ثَلَاثَة لما صَحَّ فِي الحَدِيث أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ من قَرَأَهَا يَوْم الْجُمُعَة أَضَاء لَهُ من النُّور مَا بَين الجمعتين أَي وَإِن لم يَقْرَأها فِي الْجُمُعَة الْأُخْرَى

وَورد من قَرَأَهَا لَيْلَتهَا أَضَاء لَهُ من النُّور مَا بَينه وَبَين الْبَيْت الْعَتِيق وقراءتها نَهَارا آكِد وأولاها بعد الصُّبْح مسارعة للخير مَا أمكن

وَحِكْمَة ذَلِك أَن الله ذكر فِيهَا أهوال يَوْم الْقِيَامَة وَالْجُمُعَة تشبهها لما فِيهِ من اجْتِمَاع الْخلق لِأَن الْقِيَامَة تقوم يَوْم الْجُمُعَة

(وإكثار صَلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأقله ثَلَاثمِائَة بِاللَّيْلِ وَمثله بِالنَّهَارِ وَمَعْلُوم أَن أفضل الصِّيَغ الصِّيغَة الإبراهيمية

ثمَّ نقل الشبراملسي عَن فَتَاوَى

ص: 143

ابْن حجر نقلا عَن ابْن الْهمام أَن أفضل الصِّيَغ من الكيفيات الْوَارِدَة فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ صل أبدا أفضل صلواتك على سيدنَا عَبدك وَنَبِيك وَرَسُولك مُحَمَّد وَآله وَسلم عَلَيْهِ تَسْلِيمًا كثيرا وزده تَشْرِيفًا وتكريما وأنزله الْمنزل المقرب عنْدك يَوْم الْقِيَامَة (يَوْمهَا وليلتها) لخَبر إِن من أفضل أيامكم يَوْم الْجُمُعَة فَأَكْثرُوا عَليّ من الصَّلَاة فِيهِ فَإِن صَلَاتكُمْ معروضة عَليّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

وَلخَبَر أَكْثرُوا من الصَّلَاة عَليّ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة وَيَوْم الْجُمُعَة فَمن صلى عَليّ صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا (وَدُعَاء) أَي إكثار دُعَاء فِي يَوْمهَا وليلتها أما فِي يَوْمهَا فلرجاء أَن يُصَادف سَاعَة الْإِجَابَة

وَالصَّحِيح فِيهَا مَا ورد أَنَّهَا مَا بَين أَن يجلس الإِمَام للخطبة إِلَى أَن تَنْقَضِي الصَّلَاة وَلَيْسَ المُرَاد أَنَّهَا مستغرقة لهَذَا الزَّمن بل المُرَاد أَنَّهَا لَحْظَة لَطِيفَة لَا تخرج عَن هَذَا الْوَقْت وَأما لَيْلَتهَا فلقول الشَّافِعِي رضي الله عنه بَلغنِي أَن الدُّعَاء يُسْتَجَاب فِي لَيْلَة الْجُمُعَة وللقياس على يَوْمهَا وَيسن كَثْرَة الصَّدَقَة وَفعل الْخَيْر فِي يَوْمهَا وليلتها

(وَحرم تخط) للرقاب أَي الْقَرِيب مِنْهَا وَهُوَ المناكب (لَا لمن وجد فُرْجَة قدامه) وَهَذَا كَمَا نقل عَن نَص الشَّافِعِي وَالْمُعْتَمد عِنْد الرَّمْلِيّ وَابْن حجر أَن التخطي مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه

وَقَالَ الشبراملسي نقلا عَن ابْن قَاسم فَإِن قلت مَا وَجه تَرْجِيح الْكَرَاهَة على الْحُرْمَة مَعَ أَن الْإِيذَاء حرَام وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم اجْلِسْ فقد آذيت وَهُوَ يخْطب وَقد رأى رجلا يتخطى رِقَاب النَّاس

قلت لَيْسَ كل إِيذَاء حَرَامًا وللمتخطي هُنَا غَرَض فَإِن التَّقَدُّم أفضل اه

وَمن التخطي الْمَكْرُوه مَا جرت بِهِ الْعَادة من التخطي لتفرقة الْأَجْزَاء أَو تبخير الْمَسْجِد أَو سقِِي المَاء أَو السُّؤَال لمن يقْرَأ فِي الْمَسْجِد أَو نَحْو ذَلِك

أما مُجَرّد السُّؤَال من غير تخط فَلَا كَرَاهَة فِيهِ بل هُوَ سعي فِي خير وإعانة عَلَيْهِ مَا لم يرغب الْحَاضِرُونَ الَّذين يَتَخَطَّاهُمْ فِي ذَلِك وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَة

وَيُؤْخَذ من التَّعْبِير بالتخطي أَنه يرفع رجله بِحَيْثُ تحاذي أَعلَى منْكب الْجَالِس

أما مَا يَقع من الْمُرُور بَين يَدي النَّاس ليصل إِلَى نَحْو الصَّفّ الأول فَلَيْسَ من التخطي أصلا بل من خرق الصُّفُوف إِذا لم يكن بَين النَّاس فرج يمشى فِيهَا وَإِلَّا فَلَا خرق أَيْضا وَيسْتَثْنى من كَرَاهَة التخطي صور مِنْهَا الإِمَام إِذا لم يبلغ الْمِنْبَر أَو الْمِحْرَاب إِلَّا بالتخطي فَلَا يكره لَهُ لاضطراره

وَمِنْهَا مَا إِذا وجد فِي الصُّفُوف الَّتِي بَين يَدَيْهِ فُرْجَة لَا يبلغهَا إِلَّا بتخطي رجل أَو رجلَيْنِ فَلَا يكره لَهُ وَإِن وجد غَيرهَا لتقصير الْقَوْم بإخلاء فُرْجَة لَكِن يسن إِذا وجد غَيرهَا أَن لَا يتخطى فَإِن زَاد فِي التخطي عَلَيْهِمَا وَرَجا أَن يتقدموا إِلَى الفرجة إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة اسْتحبَّ ترك التخطي

وَمِنْهَا إِذا سبق من لَا تَنْعَقِد بهم إِلَى الْجَامِع فَإِنَّهُ يجب على الكاملين إِذا حَضَرُوا التخطي لسَمَاع الْخطْبَة إِذا كَانُوا لَا يسمعونها مَعَ الْبعد

وَمِنْهَا الرجل الْمُعظم فِي نفوس النَّاس لصلاح أَو ولَايَة لِأَن النَّاس يتبركون بِهِ ويسرون بتخطيه سَوَاء ألف موضعا أَو لَا فَإِن لم يكن مُعظما لم يتخط وَإِن كَانَ لَهُ مَحل مألوف وَمن جلس فِي ممر النَّاس لَا يكره تخطيه

وَالْحَاصِل أَن التخطي يُوجد فِيهِ سِتَّة أَحْكَام فَيجب إِن توقفت الصِّحَّة عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيحرم مَعَ

ص: 144

التأذي وَيكرهُ مَعَ عدم الفرجة أَمَامه وَينْدب فِي الفرجة الْقَرِيبَة إِذا لم يجد موضعا وَفِي الْبَعِيدَة لمن لَا يَرْجُو سدها وَلم يجد موضعا وَيكون خلاف الأولى فِي الْقَرِيبَة لمن وجد موضعا وَفِي الْبَعِيدَة لمن رجا سدها وَوجد موضعا وَيُبَاح فِي هَذِه لمن لم يجد لَهُ موضعا وَيحرم أَن يُقيم غَيره ليجلس فِي مَكَانَهُ فَإِن قَامَ الْجَالِس بِاخْتِيَارِهِ وَأَجْلسهُ فَلَا حُرْمَة وَلَا كَرَاهَة فِي حَقه وَأما الَّذِي قَامَ من مَكَانَهُ فَإِن انْتقل إِلَى مَكَان أقرب إِلَى الإِمَام أَو مثله لم يكره وَإِلَّا كره إِن لم يكن لَهُ عذر لِأَن الإيثار بِالْقربِ مَكْرُوه

وَأما قَوْله تَعَالَى {ويؤثرون على أنفسهم} 59 الْحَشْر الْآيَة 9 فَالْمُرَاد الإيثار فِي حظوظ النَّفس

نعم إِن آثر قَارِئًا أَو عَالما ليعلم الإِمَام أَو يرد عَلَيْهِ إِذا غلط فَالْمُتَّجه أَنه لَا كَرَاهَة لكَونه مصلحَة عَامَّة

(و) حرم على من تلْزمهُ الْجُمُعَة (نَحْو مبايعة) أَي فَيحرم عَلَيْهِ التشاغل عَن الْجُمُعَة بِأَن يتْرك السَّعْي إِلَيْهَا بِالْبيعِ أَو غَيره من سَائِر الْعُقُود والصنائع وَغير ذَلِك (بعد) الشُّرُوع فِي (أَذَان خطْبَة) أَي فِي الْأَذَان بَين يَدي الْخَطِيب حَال جُلُوسه على الْمِنْبَر لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع} 62 الْجُمُعَة الْآيَة 9

فورد النَّص فِي البيع وَقيس عَلَيْهِ غَيره مِمَّا شَأْنه أَن يشغل فِي كَون كل مفوتا وَشَمل ذَلِك مَا لَو قطع بِعَدَمِ فَوَاتهَا لَكِن إِن بَاعَ صَحَّ بَيْعه لِأَن النَّهْي لِمَعْنى خَارج عَن العقد وَيكرهُ ذَلِك قبل الْأَذَان الْمَذْكُور بعد الزَّوَال لدُخُول وَقت الْوُجُوب وَلَو تبَايع اثْنَان أَحدهمَا تلْزمهُ فَقَط وَالْآخر لَا تلْزمهُ أثما لارتكاب الأول النَّهْي وإعانة الثَّانِي لَهُ عَلَيْهِ

وَيحرم على الْحَاضِرين بالجامع إنْشَاء صَلَاة سَوَاء كَانَت فرضا أَو نفلا وَلَو كَانَ قَضَاؤُهَا فوريا من وَقت صعُود الْخَطِيب على الْمِنْبَر وَلَو قبل الشُّرُوع فِي الْخطْبَة إِلَى فراغها فَلَو فعلهَا لم تَنْعَقِد وَلَو فِي حَال الدُّعَاء للسُّلْطَان أَو الترضي عَن الصَّحَابَة وَلَو كَانَ أَتَى بِجَمِيعِ الْأَركان على الْمُعْتَمد

وَأما من دخل الْمَسْجِد فِي هَذَا الْوَقْت فَيجوز لَهُ أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خفيفتين تَحِيَّة الْمَسْجِد ثمَّ يجلس فَإِن لم يكن صلى سنة الْجُمُعَة نَوَاهَا رَكْعَتَيْنِ وَحصل بهما تَحِيَّة الْمَسْجِد وَلَا تجوز الزِّيَادَة على رَكْعَتَيْنِ وَلَا يجوز لَهُ غير تَحِيَّة الْمَسْجِد وَسنة الْجُمُعَة من فرض وَنفل وَلَو جلس قبل التَّحِيَّة عمدا أَو طَال الْفَصْل فَاتَت فَلَا تصح مِنْهُ بعد ذَلِك وَلَو كَانَ الْجَامِع غير مَسْجِد لم يجز أَن يُصَلِّي فِيهِ فِي هَذَا الْوَقْت شَيْئا بِالْإِجْمَاع وَهَذَا مِمَّا غلب فِيهِ الْجَهْل على الْعَوام

(و) حرم على من تلْزمهُ الْجُمُعَة بِأَن كَانَ من أَهلهَا وَإِن لم تَنْعَقِد بِهِ كمقيم لَا يجوز لَهُ الْقصر (سفر) مفوت لَهَا (بعد فجرها) أَي بعد طُلُوع فجر يَوْمهَا فَإِن سَافر كَانَ عَاصِيا بِالسَّفرِ فتمتنع عَلَيْهِ الرُّخص حَتَّى ييأس من إِدْرَاكهَا وَخرج بِالسَّفرِ النّوم قبل الزَّوَال فَلَا يحرم وَإِن علم فَوت الْجُمُعَة بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ من شَأْن النّوم الْفَوات أما السّفر الَّذِي لَا يفوتها كَأَن غلب على ظَنّه أَنه يُدْرِكهَا فِي مقْصده أَو طَرِيقه فَلَا إِثْم عَلَيْهِ بِهِ وَلَو تبين خلاف ظَنّه لَا يكون سَفَره حِينَئِذٍ مَعْصِيّة وَيكرهُ لَهُ السّفر لَيْلَة الْجُمُعَة

وَذكر فِي الْإِحْيَاء أَن من سَافر لَيْلَة الْجُمُعَة دَعَا عَلَيْهِ ملكاه لَكِن قَالَ ابْن حجر هَذَا السَّنَد ضَعِيف جدا

وَهِي الْحَج المبرور وَالْوُضُوء مَعَ الإسباغ وَقيام لَيْلَة الْقدر وَقيام شهر رَمَضَان وصيامه وَصَوْم يَوْم عَرَفَة ومقارنة الإِمَام فِي التَّأْمِين وَقِرَاءَة أَوَاخِر سُورَة الْحَشْر من قَوْله تَعَالَى {هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} 59 {الْحَشْر}

ص: 145