الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ يجزىء فِي الْكَفَّارَة أم لَا أَو اخْتَار الْكَفَّارَة وَأَرَادَ عتقه عَنْهَا فَاعْتبر فِيهِ صفة الْإِجْزَاء
وَاعْلَم أَنه لَا يشْتَرط للمنذور لَهُ قبُوله النّذر فِي قسمي النّذر بل الشَّرْط عدم رده وَنذر اللجاج مَكْرُوه بِخِلَاف غَيره
بَاب البيع
وَهُوَ شرعا عقد يَقْتَضِي انْتِقَال الْملك فِي الْمَبِيع للْمُشْتَرِي وَفِي الثّمن للْبَائِع
وأركانه ثَلَاثَة عَاقد ومعقود عَلَيْهِ وَصِيغَة وَقدم الصِّيغَة على الْعَاقِد لِأَنَّهُ لَا يكون عاقدا إِلَّا بعد إِتْيَانه بالصيغة فَقَالَ (يَصح) أَي البيع (بِإِيجَاب) من البَائِع وَهُوَ مَا دلّ على التَّمْلِيك دلَالَة ظَاهِرَة وَله صِيغ (كبعتك) ذَا بِكَذَا وَهَذَا مَبِيع مِنْك وَأَنا بَائِعه لَك بِكَذَا أَو هُوَ لَك بِكَذَا أَو عاوضتك أَو شريتك بِمَعْنى بِعْتُك ذَا بِكَذَا (وملكتك ذَا بِكَذَا) وَأما قَوْله أدخلت هَذَا فِي ملكك فكناية لاحْتِمَاله إِدْخَاله فِي ملكه الْحسي وَكَذَا قَوْله ثامنتك فَهُوَ كِنَايَة على مَا اعْتَمدهُ ابْن حجر (وَقبُول) من المُشْتَرِي وَهُوَ مَا دلّ على التَّمَلُّك دلَالَة ظَاهِرَة (كاشتريت) وَمَا اشتق مِنْهُ (وَقبلت) وابتعت واخترت (هَذَا بِكَذَا) سَوَاء كَانَ الْعَاقِد هازلا أم لَا
وَالْفرق بَين الْهزْل والاستهزاء أَن فِي الْهزْل قصد اللَّفْظ لمعناه إِلَّا أَن الهازل لَيْسَ رَاضِيا وَلَيْسَ فِي الِاسْتِهْزَاء قصد اللَّفْظ لمعناه فَلَا يَصح البيع بِهِ وَلذَا لَا يعْتد بِهِ فِي الْإِقْرَار وَيصِح البيع الضمني بِلَا صِيغَة فِي اللَّفْظ وَهُوَ مَا تضمنه التمَاس الْعتْق وَجَوَابه لِأَن الصِّيغَة مَوْجُودَة تَقْديرا اسْتغْنَاء عَنْهَا بالالتماس وَذَلِكَ كَأَن يَقُول الملتمس بِكَسْر الْمِيم أعتق عَبدك عني بِأَلف فَإِذا قَالَ الملتمس مِنْهُ عتق العَبْد بِفَتْح الْمِيم أَعتَقته عتق من الطَّالِب وَلَزِمَه الْعِوَض فَكَأَنَّهُ قَالَ بعنيه وَأعْتقهُ عني فَأَجَابَهُ الْمَطْلُوب ببعتك وأعتقته عَنْك
وَيشْتَرط فِي الملتمس الِاخْتِيَار وَعدم الْحجر وَلَا يشْتَرط فِي الملتمس عتقه قدرته عَلَيْهِ وَلَا ينْعَقد البيع بالمعاطاة وَهِي أَن يتَّفقَا على ثمن ومثمن وَلم يُوجد من أَحدهمَا لفظ صَرِيح وَلَا كِنَايَة وَاخْتَارَ النَّوَوِيّ كجمع من حَيْثُ الدَّلِيل وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا البيع عَن ترَاض انْعِقَاد البيع بالمعاطاة فِي كل مَا يعده النَّاس بيعا بالمعاطاة سَوَاء كَانَ محقرا أَو غَيره كالخبز وَاللَّحم بِخِلَاف نَحْو الْأَرَاضِي وَالدَّوَاب فعلى اشْتِرَاط الصِّيغَة لَا مُطَالبَة فِي الْآخِرَة من حَيْثُ المَال بِسَبَب المعاطاة أَي بِمَا يَأْخُذهُ كل من الْعَاقِدين بهَا للرضى وللخلاف فِيهَا
أما فِي الدُّنْيَا فَيجب على كل رد مَا أَخذه إِن كَانَ بَاقِيا وبدله إِن تلف بِخِلَاف تعَاطِي البيع الْفَاسِد فَيُطَالب بِهِ
فِي الْآخِرَة إِذا لم يُوجد لَهُ مكفر وَشرط صِحَة الْإِيجَاب وَالْقَبُول كَونهمَا (بِلَا فصل) طَوِيل بَين اللَّفْظَيْنِ أَو الإشارتين أَو الكتابتين أَو بَين لفظ أحد الْعَاقِدين وَكِتَابَة الآخر أَو إِشَارَته أَو بَين كِتَابَة أَحدهمَا وَإِشَارَة الآخر
(و) بِلَا (تخَلّل لفظ أَجْنَبِي) أَي لَا تعلق لَهُ بِالْعقدِ بِأَن لم يكن من مُقْتَضَاهُ وَلَا من مَصَالِحه وَلَا من مستحباته من الْمَطْلُوب جَوَابه وَلَو كلمة إِلَّا نَحْو قد
(و) بِلَا (تَعْلِيق) كَأَن مَاتَ أبي فقد بِعْتُك هَذَا إِلَّا فِي التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ من أَحدهمَا كَأَن يَقُول بِعْتُك أَو اشْتريت مِنْك إِن شِئْت أَو أردْت أَو رضيت فَيَقُول اشْتريت أَو بِعْت لَا شِئْت إِلَّا إِن نوى بقوله شِئْت الشِّرَاء وَذَلِكَ لِأَن الْمَشِيئَة من ضَرُورَة العقد (و) بِلَا (تأقيت) كبعتك هَذَا شهرا أَو حياتك أَو ألف سنة وَيشْتَرط فِي الْقبُول أَن يكون مُوَافقا للْإِيجَاب فِي الْمَعْنى وَإِن اخْتلف لَفْظهمَا حَتَّى بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَة فَإِن خَالفه معنى كبعتك بِأَلف فَزَاد أَو نقص أَو بِأَلف حَالَة فأجل أَو عَكسه أَو مُؤَجّلَة كشهرين فنقص لم يَصح البيع للمخالفة وَكَأن قَالَ البَائِع بِأَلف فَقَالَ المُشْتَرِي قبلت نصفه بِخَمْسِمِائَة وَنصفه بِخَمْسِمِائَة وَنوى تعدد العقد أَو أطلق فَإِنَّهُ لَا يَصح بِخِلَاف مَا إِذا نوى تَفْصِيل مَا أجمله البَائِع فَيصح وَيشْتَرط ذكر المبتدىء للْعقد بَائِعا كَانَ أَو مُشْتَريا الثّمن فَلَا تَكْفِي نِيَّته لَا فِي الصَّرِيح وَلَا فِي الْكِنَايَة فالكناية تكون فِي الصِّيغَة وَحدهَا لَا فِي ذكر الثّمن كَمَا قَالَه الرَّمْلِيّ خلافًا لِابْنِ حجر
(وَشرط فِي عَاقد) بَائِعا أَو غَيره إبصار و (تَكْلِيف) وَعدم الْحجر فَيصح البيع مِمَّن جهل رشده ورقه وحريته لِأَن الْغَالِب عدم الْحجر وَمن حجر عَلَيْهِ بفلس إِذا عقد فِي الذِّمَّة بِخِلَاف صبي وَلَو مراهقا وَمَجْنُون ومحجور عَلَيْهِ بِسَفَه مُطلقًا وفلس بِالنِّسْبَةِ لبيع عين مَاله وَإِنَّمَا صَحَّ بيع العَبْد من نَفسه وَلَو سَفِيها لِأَن مَقْصُوده الْعتْق وَيصِح بيع السَّكْرَان الْمُتَعَدِّي مَعَ كَونه غير مُكَلّف
(و) شَرط فِي المتملك عدم حرابة لتملك شَيْء من عدَّة حَرْب كسيف ورمح وخيل فَلَا يَصح نَحْو شِرَاء ذَلِك لحربي لِأَنَّهُ يَسْتَعِين بِهِ على قتالنا بِخِلَاف ذمِّي فِي دَارنَا لِأَنَّهُ فِي قبضتنا إِلَّا إِذا خشِي إرْسَاله إِلَى أهل الْحَرْب
وَشرط فِيهِ (إِسْلَام لتملك) شَيْء من رَقِيق (مُسلم) وَلَو بطرِيق تبعيته لغيره وَلَو بِشَرْط الْعتْق وَالْمرَاد الْمُنْفَصِل فَيصح بيع الْأمة الْحَامِل بِمُسلم عَن شُبْهَة لَا تَقْتَضِي حريَّة الْوَلَد بِأَن ظَنّهَا الْمُسلم زَوجته الْأمة وَمثل الْمُسلم فِي ذَلِك الْمُرْتَد لبَقَاء علقَة الْإِسْلَام فِيهِ إِلَّا أَن يحكم بِعِتْق العَبْد على المتملك بِدُخُولِهِ فِي ملكه كَمَا إِذا قَالَ لمَالِكه أعْتقهُ عني وَإِن لم يذكر عوضا وَلَو اشْترى الْكَافِر ذَلِك لمُسلم صَحَّ
(و) شَرط فِي المتملك إِسْلَام أَيْضا لتملك شَيْء من (مصحف) وَهُوَ مَا فِيهِ قُرْآن فَلَا يَصح تملك الْكَافِر وَلَو مُرْتَدا لنَفسِهِ أَو لمثله بِنَفسِهِ أَو بوكيله وَلَو مُسلما مَا فِيهِ قُرْآن وَإِن قل وَإِن كَانَ فِي ضمن نَحْو علم
نعم يتَسَامَح بتملك الْكَافِر الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير الَّتِي عَلَيْهَا شَيْء من الْقُرْآن وَمثل الْمُصحف الحَدِيث وَلَو ضَعِيفا وَكتب الْعلم الَّتِي بهَا الحكايات المأثورة عَن الصَّالِحين وَخرج الْجلد الْمُنْفَصِل عَن الْمُصحف فَإِنَّهُ وَإِن حرم مَسّه للمحدث يَصح بَيْعه للْكَافِرِ
(و) شَرط (فِي مَعْقُود عَلَيْهِ) مَبِيعًا كَانَ أَو ثمنا سِتَّة أُمُور أَحدهَا (ملك لَهُ) أَي لمن يصدر مِنْهُ العقد (عَلَيْهِ) أَي الْمَعْقُود عَلَيْهِ ملكا تَاما فَخرج بيع نَحْو الْمَبِيع قبل قَبضه بِأَن يصدر العقد من عَاقد ذِي ولَايَة على الْمَعْقُود عَلَيْهِ بِملك أَو نِيَابَة أَو ولَايَة كولاية الْأَب وَالْوَصِيّ وَالْقَاضِي لمَال الْمُمْتَنع والظافر بِغَيْر جنس حَقه والملتقط لما يخَاف تلفه فَكل من الظافر والملتقط وَكيل عَن الْمَالِك بِإِذن الشَّرْع لَهُ فِي التَّصَرُّف فَخرج الْفُضُولِيّ وَهُوَ من لَيْسَ بوكيل وَلَا ولي للْمَالِك فتصرفه بَاطِل وَإِن أجَازه الْمَالِك وَقيل صِحَة بيع الْفُضُولِيّ مَوْقُوفَة على رضَا الْمَالِك فَإِن أجَاز العقد نفذ وَإِلَّا فَلَا لِأَن حَدِيث عُرْوَة ظَاهر فِي ذَلِك وَهُوَ أَنه صلى الله عليه وسلم وَكله فِي شِرَاء شَاة فَاشْترى لَهُ شَاتين ثمَّ بَاعَ وَاحِدَة مِنْهُمَا وَالْمُعْتَبر إجَازَة من يملك التَّصَرُّف عِنْد العقد فَلَو بَاعَ مَال الطِّفْل فَبلغ وَأَجَازَ لم ينفذ وَمحل الْخلاف مَا لم يحضر الْمَالِك فَلَو بَاعَ مَال غَيره بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ سَاكِت لم يَصح قطعا وَذَلِكَ إِذا تيسرت مُرَاجعَته بِلَا مشقة وَإِلَّا كَانَ كالغائب وَيصِح عقد ذِي الْولَايَة عِنْد العقد كَأَن بَاعَ مَال مُوَرِثه أَو أَبرَأَهُ أَو أعتق رَقِيقه أَو زوج أمته ظَانّا حَيَاته فَبَان مَيتا أَو بَاعَ مَال الْغَيْر ظَانّا عدم إِذْنه لَهُ فَبَان آذنا لَهُ فَيصح ذَلِك لتبين ولَايَته عَلَيْهِ لِأَن الْعبْرَة فِي الْعُقُود بِمَا فِي نفس الْأَمر لَا بِمَا فِي ظن الْعَاقِد لعدم احتياجها لنِيَّة وَالْوَقْف هُنَا وقف تبين لَا وقف صِحَة وَإِنَّمَا لم يَصح تزوج الْخُنْثَى وَإِن بَان وَاضحا وَلَا نِكَاح المشتبهة عَلَيْهِ بمحرمه وَلَو بَانَتْ أَجْنَبِيَّة لوُجُود الشَّك فِي حل الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَهُوَ أولى بِالِاحْتِيَاطِ من الشَّك فِي ولَايَة الْعَاقِد
(و) ثَانِيهَا (طهره) أَي الْمَعْقُود عَلَيْهِ شرعا بالتحقيق أَو بالإمكان وَإِن غلبت النَّجَاسَة فِي مثله فَلَا يَصح بيع نجس الْعين كَجلْد ميتَة وَإِن أمكن طهره بالاندباغ وكلب وَلَو معلما وَلَا بيع أحد مشتبهين قبل الحكم بِطَهَارَة أَحدهمَا وَلَا بيع مُتَنَجّس لَا يطهره غسل كَمَاء تنجس وَإِمْكَان طهر قَلِيله بالمكاثرة وَكَثِيره بِزَوَال التَّغَيُّر كإمكان طهر الْخمر بالتخلل إِذْ طهره من بَاب الإحالة لَا من بَاب التَّطْهِير بِخِلَاف مَا يطهره غسل كَثوب تنجس بِمَا لَا يستر شَيْئا مِنْهُ فَيصح بَيْعه وَيصِح بيع دَار بنيت بالزبل لِأَنَّهُ فِيهَا تَابع لَا مَقْصُود وَأَرْض سمدت بِنَجس ورقيق عَلَيْهِ وشم وَيصِح بيع القز وَفِيه الدُّود وَلَو مَيتا لِأَنَّهُ من مصْلحَته كالحيوان ببطانه النَّجَاسَة وَيُبَاع القز جزَافا ووزنا وَيحل اقتناء السرجين وتربية الزَّرْع بِهِ مَعَ الْكَرَاهَة حَيْثُ صلح نَبَاته بِدُونِهَا أما لَو توقف صَلَاحه عَادَة على التربية بِهِ فَلَا كَرَاهَة واقتناء الْكَلْب لنَحْو حراسة وتربية الجرو لذَلِك وَإِن لم يكن من نسل معلم وَيمْتَنع اقتناء الْخِنْزِير مُطلقًا وَيجوز الصَّدَقَة بالمتنجس وَالْهِبَة وَالْوَصِيَّة بِهِ
(و) ثَالِثهَا (رُؤْيَته) أَي الْمَعْقُود عَلَيْهِ وتكفي معاينته وَإِن جهل المتعاقدان قدره أَو
جنسه أَو صفته وَلَا يشْتَرط الشم والذوق فِي المشموم والمذوق وتكفي رُؤْيَته قبل العقد وَلَو لمن عمي وقته فِيمَا لَا يظنّ أَنه يتَغَيَّر غَالِبا إِلَى وَقت العقد كأرض وحديد ونحاس وآنية اكْتِفَاء بِتِلْكَ الرُّؤْيَة وَالْغَالِب بَقَاؤُهُ على مَا شَاهده عَلَيْهِ نعم يشْتَرط أَن يكون ذَاكِرًا حَال العقد لأوصافه الَّتِي رَآهَا كأعمى اشْترى مَا رَآهُ قبل الْعَمى وَإِلَّا لم يَصح وَلَا يَصح بيع مَا لم يره أحد الْعَاقِدين ثمنا أَو مثمنا وَإِن كَانَ حَاضرا فِي مجْلِس البيع أَو رَآهُ لَيْلًا فِي ضوء إِن ستر الضَّوْء لَونه كورق أَبيض وَفِي قَول وَبِه قَالَ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة يَصح بيع مَا لم ير المتعاقدان إِن ذكر جنسه وَيثبت الْخِيَار لَهما عِنْد الرُّؤْيَة
وَالرَّابِع الْعلم بالمعقود عَلَيْهِ عينا فِي الْعين وَقدرا وَصفَة فِيمَا فِي الذِّمَّة كَمَا يعلم مِمَّا يَأْتِي فَيصح بيع جُزْء مشَاع كبعتك الأَرْض إِلَّا ربعهَا مشَاعا وَلَو يجزىء آخر من مثله كَبيع حِصَّته من دَار بِحِصَّة شَرِيكه وَفَائِدَته عِنْد اسْتِوَاء الحصتين سُقُوط الرُّجُوع بِهِ فِي نَحْو هبة الْوَالِد وَمنع الرَّد بِنَحْوِ عيب وَلَا يَصح بيع اثْنَيْنِ عبديهما لثالث بِثمن وَاحِد من غير بَيَان مَا لكل مِنْهُ وَبيع أحد الثَّوْبَيْنِ أَو الْعَبْدَيْنِ مثلا وَإِن اسْتَوَت قيمتهمَا كَمَا لَا يَصح البيع بِأَحَدِهِمَا للْجَهْل بِعَين الْمَبِيع أَو الثّمن وَقد تكون الْإِشَارَة وَالْإِضَافَة كَافِيَة عَن التَّعْيِين كداري وَلم يكن لَهُ غَيرهَا وكهذه الدَّار وَإِن غلط فِي حُدُودهَا
وَالْخَامِس النَّفْع بالمعقود عَلَيْهِ شرعا حَالا كَالْمَاءِ فِي شط النَّهر وَالْعَبْد الزَّمن فَيصح بَيْعه لمَنْفَعَة عتقه أَو مَآلًا كالجحش الصَّغِير الَّذِي مَاتَت أمه فَلَا يَصح بيع حبتي الْحِنْطَة وَنَحْوهمَا وَلَو فِي زمن الغلاء لانْتِفَاء النَّفْع بذلك لقلته وَمن الْمَنَافِع شرعا حق الْمَمَر بِأَرْض أَو على سقف وَجَاز تملكه بِالْعِوَضِ على التَّأْبِيد بِلَفْظ البيع مَعَ أَنه مَحْض مَنْفَعَة إِذْ لَا تملك بِهِ عين للْحَاجة إِلَيْهِ على التَّأْبِيد وَلذَا جَازَ ذَلِك بِلَفْظ الْإِجَارَة أَيْضا دون ذكر مُدَّة
وَالسَّادِس قدرَة كل من الْعَاقِدين على تَسْلِيم مَا بذله للْآخر حسا وَشرعا من غير كثير مُؤنَة ومشقة وَذَلِكَ لِأَن الْقَصْد وُصُول المُشْتَرِي إِلَى الْمَبِيع وَالْبَائِع إِلَى الثّمن فَالشَّرْط قدرَة التسلم
إِمَّا لقدرة الْآخِذ أَو الْبَاذِل وَهَذَا فِي غير البيع الضمني وَفِي غير من يحكم بِعِتْقِهِ على المُشْتَرِي أما بيع ذَلِك فَلَا تشْتَرط فِيهِ الْقُدْرَة على ذَلِك فَلَا يَصح بيع نصف معِين من الْإِنَاء وَلَو حَقِيرًا لبُطْلَان نَفعه بكسره فَخرج الشَّائِع لانْتِفَاء إِضَاعَة المَال عَنهُ وكالإناء نَحوه مِمَّا تنقص قِيمَته أَو قيمَة الْبَاقِي بكسره نقصا يهتم بِمثلِهِ
(و) الرِّبَا حرَام اتِّفَاقًا وَهُوَ إِمَّا رَبًّا فضل بِأَن يزِيد أحد الْعِوَضَيْنِ وَمِنْه رَبًّا الْقَرْض بِأَن يشْتَرط فِيهِ مَا فِيهِ نفع للمقرض غير الرَّهْن وَالْكَفَالَة وَالشَّهَادَة وَإِنَّمَا جعل رَبًّا الْقَرْض من رَبًّا الْفضل مَعَ أَنه لَيْسَ من هَذَا الْبَاب لِأَنَّهُ لما شَرط نفعا للمقرض كَانَ بِمَنْزِلَة أَنه بَاعَ مَا أقْرضهُ بِمَا يزِيد عَلَيْهِ من جنسه فَهُوَ مِنْهُ حكما وَمن شَرط النَّفْع مَا لَو أقْرضهُ بِمصْر وَأذن لَهُ فِي دَفعه لوَكِيله بِمَكَّة مثلا
وَإِمَّا رَبًّا يَد بِأَن يُفَارق أَحدهمَا مجْلِس العقد قبل التَّقَابُض وَإِمَّا رَبًّا نسَاء بِأَن يشرط أجل فِي أحد الْعِوَضَيْنِ وَكلهَا مجمع على بُطْلَانهَا وَالْقَصْد هُنَا بَيَان مَا (شَرط فِي بيع) رِبَوِيّ زِيَادَة
على مَا مر ثمَّ العوضان الربويان وَغَيرهمَا إِن اتفقَا جِنْسا اشْترط ثَلَاثَة شُرُوط أَو عِلّة وَهِي الطّعْم أَو النقدية اشْترط شَرْطَانِ وَإِلَّا كَبيع طَعَام بِنَقْد أَو ثوب أَو حَيَوَان بحيوان وَنَحْوه لم يشْتَرط شَيْء من تِلْكَ الثَّلَاثَة
إِذا علمت ذَلِك علمت أَنه لَا يَصح بيع (مطعوم وَنقد بِجِنْسِهِ) أَي الْمَذْكُور من المطعوم والنقد إِلَّا إِذا وجد فِيهِ ثَلَاثَة شُرُوط (حُلُول) للعوضين من الْجَانِبَيْنِ فَمَتَى اقْترن بِأَحَدِهِمَا تَأْجِيل وَإِن قل زَمَنه كدرجتين مثلا وَحل قبل تفرقهما لم يَصح البيع (وتقابض قبل تفرق) وَلَا بُد من قبض حَقِيقِيّ وَلَو بِقَبض وَكيل قبل مُفَارقَة الْمُوكل الْمجْلس فَلَا تَكْفِي حِوَالَة وإبراء وَضَمان وَيبْطل العقد بالحوالة وَالْإِبْرَاء لتضمنهما الْإِجَازَة وَهِي قبل التَّقَابُض مبطلة للْعقد أما الضَّمَان فَلَا يبطل العقد بِمُجَرَّدِهِ بل إِن حصل التَّقَابُض من الْعَاقِدين فِي الْمجْلس فَذَاك وَإِلَّا بَطل بالتفرق وَلَو قبضا بعض الْعِوَضَيْنِ صَحَّ فِي ذَلِك تفريقا للصفقة (ومماثلة) بَين الْعِوَضَيْنِ مَعَ الْعلم بهَا حَال العقد
وَاعْلَم أَن ضَابِط الْجِنْس هُوَ بِأَن جمع الثّمن والمثمن اسْم خَاص من أول دخولهما فِي الرِّبَا واشتركا فِيهِ اشتراكا معنويا بِأَن يوضع اسْم لحقيقة وَاحِدَة تحتهَا أَفْرَاد كَثِيرَة كالقمح مثلا أما الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ فَهُوَ مَا وضع فِيهِ اللَّفْظ لكل من الْمعَانِي بِخُصُوصِهِ فيتعدد الْوَضع فِيهِ بِتَعَدُّد مَعَانِيه كالقرء فَإِنَّهُ وضع لكل من الطُّهْر وَالْحيض وَخرج بالخاص الْعَام كالحب وبقولنا من أول دخولهما فِي الرِّبَا الأدقة فَإِنَّهَا دخلت فِي الرِّبَا قبل طرُو اسْم الدَّقِيق لَهَا فَكَانَت أجناسا كأصولها وبقولنا واشتركا فِيهِ اشتراكا معنويا الْبِطِّيخ الْهِنْدِيّ والأصفر فَإِنَّهُمَا جِنْسَانِ كالجوز الْهِنْدِيّ والجوز الْمَعْرُوف إِذْ إِطْلَاق الِاسْم عَلَيْهِمَا لَيْسَ لقدر مُشْتَرك بَينهمَا أَي لَيْسَ مَوْضُوعا لحقيقة وَاحِدَة بل لحقيقتين مختلفتين
(و) لَا يَصح بيع مطعوم أَو نقد (بِغَيْر جنسه) إِلَّا إِن وجد فِيهِ شَرْطَانِ (حُلُول) من الْجَانِبَيْنِ (وتقابض) وَالْمرَاد بِهِ مَا يعم الْقَبْض فَيَكْفِي الِاسْتِقْلَال بِقَبض الْعِوَض الْمعِين وَإِن كَانَ للْبَائِع حق الْحَبْس وَإِن لم يفد صِحَة التَّصَرُّف وَجَاز التَّفَاضُل فِي هَذَا بَين الْعِوَضَيْنِ
(و) شَرط (فِي) صِحَة سلم سِتَّة أُخْرَى اخْتصَّ بهَا وَهُوَ بيع شَيْء (مَوْصُوف) فِي ذمَّة بِبَدَل يجب تَعْجِيله بِمَجْلِس البيع بِلَفْظ السّلم أَو السّلف
الأول (قبض رَأس مَال) وَهُوَ الثّمن وَيجوز الاستبداد بِقَبض رَأس المَال إِذا كَانَ معينا إِمَّا إِذا كَانَ فِي الذِّمَّة فَلَا مَا لم يعين فِي الْمجْلس فَإِن عين فِيهِ جَازَ الاستبداد بِقَبْضِهِ (قبل تفرق) أَو قبل لُزُوم عقد فَلَو قاما وتماشيا منَازِل حَتَّى حصل الْقَبْض قبل التَّفَرُّق لم يضر
(و) الثَّانِي (كَون مُسلم فِيهِ دينا) فَلَو قَالَ أسلمت إِلَيْك هَذَا الثَّوْب أَو دِينَارا فِي ذِمَّتِي فِي سُكْنى هَذِه سنة لم يَصح السّلم أَو قَالَ فِي هَذَا العَبْد فَلَيْسَ بسلم قطعا لاختلال رُكْنه وَهُوَ الدِّينِيَّة وَلَا ينْعَقد بيعا حِينَئِذٍ وَمَتى وضع يَده عَلَيْهِ ضمنه الغصوب وَلَا عِبْرَة بِإِذْنِهِ لَهُ فِي قَبضه لِأَنَّهُ لَيْسَ إِذْنا شَرْعِيًّا بل هُوَ لاغ
(و) الثَّالِث كَونه (مَقْدُورًا) على تَسْلِيمه من غير مشقة كَبِيرَة (فِي مَحَله) بِكَسْر الْحَاء أَي فِي وَقت حُلُوله أَي وَقت وجوب التَّسْلِيم وَذَلِكَ بِالْعقدِ إِن كَانَ السّلم حَالا وبالحلول إِن كَانَ مُؤَجّلا فَإِن أسلم فِي مُنْقَطع عِنْد العقد أَو الْحُلُول كرطب فِي الشتَاء لم يَصح وَكَذَا لَو ظن حُصُوله عِنْد الْوُجُوب لَكِن بِمَشَقَّة عَظِيمَة كَقدْر كثير من الباكورة فَإِنَّهُ لَا يَصح وَذكر هَذَا الشَّرْط مَعَ علمه مِمَّا مر فِي البيع لبَيَان مَحل الْقُدْرَة المشترطة وَهُوَ حَالَة وجوب التَّسْلِيم الْمُقَارنَة للْعقد فِي الْحَال والمتأخرة عَنهُ إِلَى وَقت الْحُلُول فِي الْمُؤَجل بِخِلَاف بيع الْمعِين فَإِن الْمُعْتَبر فِيهِ اقتران الْقُدْرَة بِالْعقدِ
(و) الرَّابِع كَونه (مَعْلُوم قدر) بكيل فِي مَكِيل أَو وزن فِي مَوْزُون أَو ذرع فِي مذروع أَو عد فِي مَعْدُود وَيجوز التَّقْدِير بِوَزْن فِي جَمِيع ذَلِك وَبِه أَو كيل لَا بهما مَعًا فَلَا يَصح وَمحل جَوَاز كيل الْمَوْزُون إِن عد الْكَيْل فِي مثله ضابطا وَإِلَّا كفتات الْمُسلم والعنبر تعين وَزنه لِأَن ليسيره الْمُخْتَلف بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن مَالِيَّة كَثِيرَة بِخِلَاف اللآلىء الصغار لقلَّة تفاوتها كالقمح والفول
وخامسها معرفَة الْأَوْصَاف الْمُتَعَلّقَة بِالْمُسلمِ فِيهِ للعاقدين مَعَ شَاهِدين عَدْلَيْنِ الَّتِي يَنْضَبِط الْمُسلم فِيهِ بهَا وَيخْتَلف الْغَرَض بهَا اخْتِلَافا ظَاهرا وَلَيْسَ الأَصْل عدمهَا لِأَن الْقيمَة تخْتَلف بِسَبَبِهَا إِذْ لَا يخرج عَن الْجَهْل بِهِ إِلَّا بِذكر الْأَوْصَاف الَّتِي يخْتَلف بهَا الْغَرَض بِخِلَاف مَا يتَسَامَح عَادَة بإهماله كالسمن وَمَعَ ذَلِك لَو شَرطه وَجب الْعَمَل بِهِ وَمَا الأَصْل عَدمه ككتابة الرَّقِيق وَزِيَادَة قوته على الْعَمَل وَلَو شَرط كَون الرَّقِيق سَارِقا أَو زَانيا مثلا صَحَّ فَلَو أَتَى لَهُ بِغَيْر سَارِق وزان وَجب قبُوله لِأَنَّهُ خير مِمَّا شَرطه
وسادسها بَيَان مَحل تَسْلِيم مُسلم فِيهِ على تَفْصِيل فِيهِ حَاصله أَنه إِن لم يصلح الْموضع للتسليم وَجب الْبَيَان مُطلقًا وَإِن صلح وَلَيْسَ لحمله مُؤنَة لم يجب الْبَيَان مُطلقًا وَإِن صلح ولحمله مُؤنَة وَجب الْبَيَان فِي الْمُؤَجل دون الْحَال وَإِذا لم يشْتَرط الْبَيَان تعين مَحل العقد للتسليم فَإِن عينا غَيره تعين (وَحرم رَبًّا) فِي سَائِر أَنْوَاعه بِاتِّفَاق الْعلمَاء قيل مُطلقًا وَقيل حَيْثُ لم يُوجد حِيلَة شَرْعِيَّة مخلصة من الرِّبَا وَقَالَ الرَّمْلِيّ وَابْن حجر وَالْحِيلَة المخلصة من صور الرِّبَا بِسَائِر أَنْوَاعه مَكْرُوهَة خلافًا لمن خص الْكَرَاهَة بالتخلص من رَبًّا الْفضل وَلَو قَالَ لصيرفي اصرف لي بِنصْف هَذَا الدِّرْهَم فضَّة وبالنصف الآخر فُلُوسًا جَازَ لِأَنَّهُ جعل نصفا فِي مُقَابلَة الْفضة وَنصفا فِي مُقَابلَة الْفُلُوس بِخِلَاف مَا لَو قَالَ اصرف لي بِهَذَا الدِّرْهَم نصف فضَّة وَنصف فلوس لَا يجوز لِأَنَّهُ إِذا قسط عَلَيْهِمَا ذَلِك احْتمل التَّفَاضُل وَيجوز بيع الْجَوْز بالجوز واللوز باللوز كَيْلا وَإِن اخْتلفت القشور وَبيع لب كل بِمثلِهِ وَإِنَّمَا امْتنع بيع مَا نزع نَوَاه من التَّمْر لبُطْلَان كَمَاله وَسُرْعَة فَسَاده بِخِلَاف لب الْجَوْز واللوز وَيجوز بيع الْبيض مَعَ قشره ببيض كَذَلِك وزنا إِن اتَّحد الْجِنْس فَإِن اخْتلف جَازَ مُتَفَاضلا
(و) حرم على من ملك آدمية وَوَلدهَا (تَفْرِيق بَين أمة) وَإِن رضيت أَو كَانَت كَافِرَة أَو مَجْنُونَة لَهَا شُعُور تتضرر مَعَه بِالتَّفْرِيقِ أَو آبقة مَا لم يحصل الْيَأْس من عودهَا
وَفرع وَلَو من زنا (لم يُمَيّز) بِأَن يصير الْوَلَد بِحَيْثُ يَأْكُل وَحده وَيشْرب وَحده ويستنجي وَحده
وَلَا يقدر هُنَا بِسبع سِنِين وَمن غير الْمُمَيز الْمَجْنُون قبل إِفَاقَته (بِنَحْوِ بيع) كَهِبَة وقرض وَقِسْمَة وَيجوز التَّفْرِيق إِن اخْتلف الْمَالِك أَو كَانَ أَحدهمَا حرا كَمَا يجوز بِعِتْق وَوَصِيَّة إِذْ الْمُعْتق محسن وَالْوَصِيَّة لَا تَقْتَضِي التَّفْرِيق بوضعها وَيصِح بيع أَحدهمَا لمن يحكم بِعِتْقِهِ عَلَيْهِ دون بَيْعه بِشَرْط عتقه كَمَا يَصح لمن أقرّ بحريَّته أَو شهد بهَا وَردت شَهَادَته وَيجوز التَّفْرِيق بِالْوَقْفِ مُحَافظَة على تَحْصِيل الْقرْبَة كَالْعِتْقِ كَمَا اعْتَمدهُ الرَّمْلِيّ خلافًا لِابْنِ حجر (و) التَّفْرِيق كَبِيرَة فَإِذا فرق بَينهمَا بِبيع أَو غَيره مِمَّا مر تَفْصِيله (بَطل) البيع (فيهمَا) أَي الْأُم وَالْولد على الْأَظْهر لانْتِفَاء الْقُدْرَة على التَّسْلِيم شرعا وَبيع الْوَلَد قبل سقيه اللبأ بَاطِل قطعا
(و) حرم (بيع نَحْو عِنَب) كرطب وتمر وزبيب (مِمَّن) من بِمَعْنى اللَّام أَي لمن (ظن أَنه يَتَّخِذهُ مُسكرا) وَمثل ذَلِك كل تصرف يُفْضِي إِلَى مَعْصِيّة كَبيع أَمْرَد لمن عرف بِالْفُجُورِ وَأمة لمن يتخذها لغناء محرم وخشب لمن يَتَّخِذهُ آلَة لَهو ودابة لمن يكلفها فَوق طاقتها وورق مُشْتَمل على نَحْو اسْم الله تَعَالَى لمن يَتَّخِذهُ كاغدا للدراهم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا فِيهِ امتهان وثوب حَرِير للبس رجل بِلَا نَحْو ضَرُورَة وَسلَاح لنَحْو بَاغ وقاطع طَرِيق وديك للمهارشة وكبش للمناطحة وَالْحُرْمَة ثَابِتَة وَإِن كَانَ الْمَبِيع لنَحْو صبي وَلم يُوجد من يرغب فِيهِ بذلك غير الْمُتَّخذ الْمَذْكُور
(و) حرم مَعَ علم التَّحْرِيم (احتكار قوت) كتمر وزبيب وكل مجزىء فِي الْفطْرَة بِأَن يمسك مَا اشْتَرَاهُ من الْقُوت فِي وَقت الغلاء عرفا ليَبِيعهُ بِأَكْثَرَ عِنْد اشتداد حَاجَة أهل مَحَله أَو غَيرهم إِلَيْهِ وَإِن لم يشتره بِقصد ذَلِك لقَوْله صلى الله عليه وسلم لَا يحتكر إِلَّا خاطىء أَي آثم
أما احتكار طَعَام غير قوت واحتكار قوت لم يشتره كغلة ضيعته أَو اشْتَرَاهُ وَقت الرُّخص أَو وَقت الغلاء لنَفسِهِ وَعِيَاله أَو ليَبِيعهُ لَا بِأَكْثَرَ أَو ليَبِيعهُ بِأَكْثَرَ وَهُوَ جَاهِل بِالنَّهْي فَلَا يحرم ذَلِك الاحتكار وَالْأولَى بيع مَا فضل عَن كِفَايَة ممونه سنة فَإِن خَافَ المحتكر جَائِحَة فِي زرع السّنة الثَّانِيَة فَلهُ بِلَا كَرَاهَة إمْسَاك كفايتها وَذَلِكَ إِن لم يشْتَد حَاجَة النَّاس لما عِنْده وَإِلَّا أجبر على بيع مَا فَوق كِفَايَة سنة وَهَذَا حَيْثُ لم يتَحَقَّق إضطرار نَاس معِين وَإِلَّا لم يبْق لَهُ شَيْء وكما يحرم الاحتكار يحرم صد جالب مَا تكْثر حَاجَة أهل الْبَلَد إِلَيْهِ عَن تَعْجِيل بيع وَلَو كَانَ نَقْدا أَو اختصاصا بِأَن يَقُول إِنْسَان ابْتِدَاء لمن جلبه اتركه عِنْدِي أَو عنْدك لأبيعه لَك على التدريج بأغلى أَو بِنَوْع أرفع أَو ليَبِيعهُ فلَان معي سَوَاء كَانَ الجالب بدويا وصاده حضريا أم لَا وَإِن كَانَ الجالب قادما لوطنه على مَا اعْتَمدهُ ابْن حجر فِي فتح الْجواد
وَقَالَ فِي التُّحْفَة إِن بعض أهل الْبَلَد لَو كَانَ عِنْده مَتَاع مخزون فَأخْرجهُ ليَبِيعهُ بِسعْر يَوْمه فتعرض لَهُ من يفوضه لَهُ ليَبِيعهُ تدريجا بأغلى حرم أَيْضا لَكِن اعْتمد الشبراملسي نقلا عَن بَعضهم عدم الْحُرْمَة لِأَن النُّفُوس لَهَا تشوف لما يقدم بِهِ بِخِلَاف الْحَاضِر وَيخْتَص التَّحْرِيم بالصَّاد
أما الجالب فقد دفع الْإِثْم عَنهُ غَرَضه الرِّبْح لإباحته لقَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 198 وإعانة الجالب على الْمعْصِيَة غير مُحَققَة لانقضائها بِانْقِضَاء كَلَام الصَّاد إِذْ يحرم عَلَيْهِ ذَلِك الصد وَإِن لم يجبهُ الجالب وَالْعلَّة فِي تَحْرِيم الصد التَّضْيِيق على النَّاس
فَإِن التمس الجالب من الْحَاضِر بِأَن قَالَ لَهُ ابتداءا أترك هَذَا عنْدك لتبيعه بالتدريج أَو انْتَفَى عُمُوم حَاجَة أهل الْبَلَد إِلَى ذَلِك المجلوب بِأَن لم يحْتَج إِلَيْهِ أصلا أَو إِلَّا نَادرا أَو عَمت وَقصد الجالب بَيْعه بالتدريج فَسَأَلَهُ الحضري أَن يفوضه إِلَيْهِ أَو قصد بَيْعه بِسعْر يَوْمه فَقَالَ لَهُ اتركه عِنْدِي لأبيعه كَذَلِك لم يحرم لِأَنَّهُ لم يضر بِالنَّاسِ وَمثل البيع فِي ذَلِك الحكم الْإِجَارَة فَلَو أَرَادَ شخص أَن يُؤجر محلا حَالا فأرشده شخص إِلَى تَأْخِير الْإِجَارَة لوقت كَذَا حرم ذَلِك لما فِيهِ من إِيذَاء الْمُسْتَأْجر وكما يحرم صد الجالب يحرم اشْتِرَاء مَتَاعه من غير طلب مِنْهُ حَال كَونه خَارِجا عَن الْبَلَد مثلا قبل علمه بِسعْر الْمَتَاع وَإِن لم يقْصد المُشْتَرِي التلقي وَإِن لم يكن المجلوب مِمَّا تعم الْحَاجة إِلَيْهِ وَلم يكن الجالب غَرِيبا فيعصي بِالشِّرَاءِ وَيصِح وللجالب الْخِيَار فَوْرًا إِذا عرف الْغبن وَلَو قبل قدومه الْبَلَد وَالْعلَّة فِي التَّحْرِيم غبن الجالب سَوَاء أخبر كَاذِبًا أم لم يخبر وَقيل خشيَة حبس المُشْتَرِي لما يَشْتَرِيهِ مِنْهُ فيضيق على أهل الْبَلَد وَلَا إِثْم للْمُشْتَرِي وَلَا خِيَار للجالب بتلقيه فِي الْبَلَد قبل الدُّخُول للسوق لتَقْصِيره حِينَئِذٍ وَلَو اشْترى مِنْهُ قبل التَّمَكُّن من معرفَة السّعر حرم وَثَبت الْخِيَار لعدم تَقْصِيره فَأشبه مَا لَو اشْترى مِنْهُ قبل دُخُوله الْبَلَد وَلَا خِيَار أَيْضا فِيمَا لَو عرف الجالب سعر الْبَلَد الْمَقْصُود وَلَو بِخَبَر المُشْتَرِي إِن صدقه فِيهِ فَاشْترى مِنْهُ بِهِ أَو بِدُونِهِ وَلَو قبل قدومه الْبَلَد لانْتِفَاء الْغبن وَلَا فِيمَا إِذا اشْترى مِنْهُ بِطَلَبِهِ وَلَو غبنه وَفِيمَا إِذا لم يعرف السّعر وَلَكِن اشْترى بِهِ أَو بِأَكْثَرَ لَا خِيَار على مَا اعْتَمدهُ الرَّمْلِيّ وَابْن حجر وَلَا إِثْم إِذْ لَا تغرير
(و) حرم مَعَ علم التَّحْرِيم أَيْضا (سوم على سوم) بِأَن يزِيد على آخر فِي ثمن مَا يُرِيد أَو يخرج لَهُ أرخص مِنْهُ أَو يرغب الْمَالِك فِي اسْتِرْدَاد الْمَبِيع ليشتريه بأغلى وَإِنَّمَا يحرم ذَلِك (بعد تقرر ثمن) بِأَن يكون الْمُتَبَايعَانِ قد صرحا بالتوافق على شَيْء معِين وَإِن كَانَ أنقص من قِيمَته بِخِلَاف مَا لَو انْتَفَى ذَلِك الِاسْتِقْرَار أَو كَانَ الْمَبِيع يُطَاف بِهِ طلبا للزِّيَادَة فَتجوز الزِّيَادَة فِيهِ إِذا كَانَت بِقصد الشِّرَاء وَإِلَّا حرمت لِأَنَّهَا من النجش بل يحرم على من لم يرد الشِّرَاء أَخذ الْمَتَاع الَّذِي يُطَاف بِهِ لمُجَرّد التفرج عَلَيْهِ لِأَن صَاحبه إِنَّمَا يَأْذَن عَادَة فِي تقليبه لمريد الشِّرَاء وَيدخل فِي ضَمَانه بِمُجَرَّد ذَلِك حَتَّى لَو تلف فِي يَد غَيره كَانَ طَرِيقا فِي الضَّمَان لِأَنَّهُ غَاصِب بِوَضْع يَده عَلَيْهِ فليتنبه لَهُ فَإِنَّهُ يَقع كثيرا أما لَو زَاد الثّمن لَا على نِيَّة الْأَخْذ بل لمُجَرّد إِضْرَار الْغَيْر فَهُوَ حرَام لِأَن ذَلِك نجش وَلَو زَاد على نِيَّة الْأَخْذ لَا لغَرَض بل لإضرار غَيره حرم وَمَعَ ذَلِك لَا يحرم على الْمَالِك بيع الطَّالِب بِتِلْكَ الزِّيَادَة كَذَا قَالَ الشبراملسي
وَحُرْمَة السّوم بعد عقد وَقبل لُزُومه بِأَن يكون الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي زمن خِيَار مجْلِس أَو شَرط أَشد من الْحُرْمَة قبل العقد وَبعد التَّرَاضِي بِالثّمن لِأَن الْإِيذَاء هُنَا أَكثر وَذَلِكَ بِأَن يَبِيع على بيع الْغَيْر بِأَن يرغب المُشْتَرِي فِي الْفَسْخ ليَبِيعهُ خيرا من ذَلِك الْمَبِيع بِمثل ثمنه أَو مثل ذَلِك بِأَقَلّ أَو يَشْتَرِي على شِرَائِهِ بِأَن يرغب البَائِع فِي الْفَسْخ ليَشْتَرِي السّلْعَة مِنْهُ بِأَكْثَرَ وَمن ذَلِك أَن يَبِيع بِحَضْرَة مُشْتَر مثل الْمَبِيع بأرخص وَأَن يطْلب السّلْعَة من المُشْتَرِي بِأَكْثَرَ وَالْبَائِع حَاضر قبل لُزُوم العقد فَيحرم ذَلِك لأدائه إِلَى الْفَسْخ أَو النَّدَم
(و) حرم (نجش) أَي إثارة