الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل الْعلم حَتَّى أخافك اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك مَخَافَة تحجزني عَن مَعَاصِيك حق أعمل بطاعتك عملا أستحق بِهِ رضاك وَحَتَّى أناصحك فِي التَّوْبَة وخوفا مِنْك حَتَّى أخْلص لَك النَّصِيحَة وَحَتَّى أتوكل عَلَيْك فِي الْأُمُور كلهَا وَحَتَّى أكون حسن الظَّن بك سُبْحَانَ خَالق النُّور
وَمَتى كَانَ النَّفْل مُطلقًا أَو ذَا سَبَب مُتَأَخّر يكره كَرَاهَة تَحْرِيم فِي خَمْسَة أَوْقَات وَلَا ينْعَقد
وَالنَّهْي الَّذِي يتَعَلَّق بِالزَّمَانِ ثَلَاثَة أَوْقَات عِنْد طُلُوع الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع وَعند الاسْتوَاء حَتَّى تَزُول إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة وَعند الْغُرُوب
وَالَّذِي يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ وقتان بعد صَلَاة الصُّبْح أَدَاء وَبعد صَلَاة الْعَصْر كَذَلِك وَلَو مَجْمُوعَة مَعَ الظّهْر تَقْدِيمًا وَهَذَا كُله فِي غير حرم مَكَّة أما هُوَ فَلَا تكره الصَّلَاة فِيهِ فِي أَي وَقت كَانَ سَوَاء فِي الْمَسْجِد وَغَيره
أما الْفَرْض وَالنَّفْل الْمُؤَقت أَو ذُو السَّبَب الْمُتَقَدّم فَلَا يكره شَيْء مِنْهَا فِي هَذِه الْأَوْقَات
نعم إِن تحرى إِيقَاع شَيْء من ذَلِك فِي هَذِه الْأَوْقَات بِأَن قصد إِيقَاعه فِيهِ من حَيْثُ إِنَّه وَقت كَرَاهَة حرم وَلَا ينْعَقد وَمثل ذَلِك سَجْدَة التِّلَاوَة وَالشُّكْر
وَنَصّ الْغَزالِيّ على أَن الصَّلَاة ذَات السَّبَب الْمُتَقَدّم إِذا كَانَ سَببهَا ضَعِيفا مثل رَكْعَتي الْوضُوء لَا تجوز فِي أَوْقَات الْكَرَاهَة
وَمعنى كَون رَكْعَتي الْوضُوء سَببهَا ضَعِيف أَنه ضَعِيف من حَيْثُ التَّسَبُّب لِأَن الصَّلَاة سَبَب للْوُضُوء لَا الْعَكْس وَتحرم الصَّلَاة مُطلقًا إِلَّا تَحِيَّة الْمَسْجِد من وَقت صعُود الإِمَام لخطبة الْجُمُعَة وَيكرهُ ابْتِدَاء مُطلق النَّفْل كَرَاهَة تَنْزِيه فِي وَقت إِقَامَة الصَّلَاة فَإِن كَانَ فِيهِ أتمه إِن لم يخْش فَوت الْجَمَاعَة بِسَلام الإِمَام وَإِلَّا قطعه ندبا وَدخل فِيهَا لِأَنَّهَا أولى مِنْهُ
فصل فِي الْجَمَاعَة فِي الصَّلَاة
وَهِي من خَصَائِص هَذِه الْأمة فَإِن أول من صلى جمَاعَة من الْبشر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا كَانُوا يصلونَ قبل ذَلِك فُرَادَى وَمَعْنَاهَا الشَّرْعِيّ ربط صَلَاة الْمَأْمُوم بِصَلَاة الإِمَام ولفظها يصلح لكل من الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَيتَعَيَّن لأَحَدهمَا بِالْقَرِينَةِ وَهِي أفضل من الِانْفِرَاد بِسبع وَعشْرين دَرَجَة وَالْحكمَة فِيهَا أَن الصَّلَاة ضِيَافَة ومائدة بركَة
والكريم لَا يضع مائدته إِلَّا لجَماعَة وأقلها فِي غير الْجُمُعَة إِمَام ومأموم
(صَلَاة الْجَمَاعَة فِي أَدَاء مَكْتُوبَة) غير جُمُعَة (سنة مُؤَكدَة) عِنْد الرَّافِعِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ وَالْمُعْتَمد عِنْد النَّوَوِيّ وَغَيره أَنَّهَا فِي غير الْجُمُعَة فرض كِفَايَة لرجال أَحْرَار مقيمين غير عُرَاة فِي أَدَاء مَكْتُوبَة وَالْوَاجِب فعلهَا على وَجه يظْهر بِهِ الشعار فَيَكْفِي فِي الْقرْيَة الصَّغِيرَة إِقَامَتهَا بِمحل وَاحِد يظْهر بِهِ الشعار وَأما الْقرْيَة الْكَبِيرَة والبلد فَلَا بُد فيهمَا من إِقَامَة الْجَمَاعَة بمواضع بِحَيْثُ يظْهر بِهِ الشعار وَضَابِط ذَلِك أَن لَا تشق الْجَمَاعَة على طالبيها وَلَا يحتشم صَغِير وَلَا كَبِير من دُخُول محلهَا فَإِن أُقِيمَت على وَجه لَا يظْهر بِهِ الشعار كَأَن أُقِيمَت فِي مَحل وَاحِد فِي بلد كَبِير بِحَيْثُ يشق حُضُوره على الْبعيد أَو أُقِيمَت فِي الْبيُوت بِحَيْثُ يستحيا من دُخُولهَا لم يسْقط الْفَرْض وَكَذَا إِذا أُقِيمَت خَارج الْعمرَان بِحَيْثُ تكون فِي مَكَان تقصر فِيهِ الصَّلَاة لَا يَكْفِي فِي سُقُوط الْفَرْض فَلَو امْتَنعُوا من إِقَامَتهَا على هَذَا الْوَجْه قَاتلهم الإِمَام أَو نَائِبه دون آحَاد النَّاس وَكَذَا لَو تَركهَا أهل حارة من الْقرْيَة الْكَبِيرَة أَو الْبَلَد وَلَو فِي بعض الْأَوْقَات كَمَا يَقع فِي غَالب الْقرى وَفِي أَطْرَاف حارات الْبلدَانِ وَيسْقط الْفَرْض بِفعل طَائِفَة من أهل الْبَلَد إِذا كَانُوا ذُكُورا بالغين أحرارا وَظهر بهم الشعار فَلَا يَكْفِي غير أهل الْبَلَد وَلَا النِّسَاء وَلَا الصّبيان وَلَا الأرقاء
وَجَمِيع فروض الْكِفَايَة لَا تسْقط بالصبيان كَصَلَاة الْجِنَازَة وَالْجهَاد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والحرف فَلَا تجب الْجَمَاعَة على النِّسَاء ومثلهن الخناثى وَلَا على من فِيهِ رق لاشتغالهم بِخِدْمَة السَّادة وَلَا على الْمُسَافِرين لَكِن الْجَمَاعَة فِي حَقهم إِذا كَانُوا فِي أَرض فلاة بِخَمْسِينَ دَرَجَة وَلَا على العراة بل هِيَ والانفراد فِي حَقهم سَوَاء إِلَّا أَن يَكُونُوا عميا أَو فِي ظلمَة فتسن لَهُم وَلَا فِي مقضية خلف مقضية من نوعها بل تسن
أما مقضية خلف مُؤَدَّاة أَو بِالْعَكْسِ أَو خلف مقضية لَيست من نوعها فَلَا تسن وَلَا تكره بل خلاف السّنة وَلَا فِي منذورة بل لَا تسن وَلَا تكره وَلَا خلاف الأولى فَتكون مُبَاحَة مَا لم تكن الْمَنْذُورَة من النَّوَافِل الَّتِي تسن فِيهَا الْجَمَاعَة فتستمر على سنيتها وَلَو نذر الْجَمَاعَة فِيهَا حِينَئِذٍ وَجَبت
أما الْجُمُعَة فالجماعة فِيهَا فرض عين لِأَنَّهَا شَرط فِي صِحَّتهَا وَكَذَا الْمُعَادَة والمجموعة تَقْدِيمًا بالمطر
وَالْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد
وَإِن قلت لغير الْمَرْأَة وَالْخُنْثَى أفضل مِنْهَا فِي غير الْمَسْجِد كالبيت وَإِن كثرت لِأَن الْمَسْجِد مُشْتَمل على الشّرف وشأنه ظُهُور الشعار وَكَثْرَة الْجَمَاعَة
أما الْمَرْأَة أَو الْخُنْثَى فجماعتهما فِي الْبَيْت وَإِن قلت أفضل مِنْهَا فِي الْمَسْجِد وَإِن كثرت بل يكره حُضُور الْمَسَاجِد لذوات الهيئات إِذا خرجن بِإِذن الزَّوْج وَلم تكن فتْنَة وَإِلَّا حرم وَتحصل فَضِيلَة الْجَمَاعَة بِصَلَاة الشَّخْص فِي بَيته بِزَوْجَتِهِ أَو ولد أَو رَقِيق أَو غير ذَلِك وَيُؤمر الصَّبِي بِحُضُور الْمَسَاجِد وجماعات الصَّلَاة ليعتادها وَهَذَا فِي غير الْأَمْرَد الْجَمِيل أما هُوَ فَحكمه حكم الْمَرْأَة
(وَهِي) أَي صَلَاة الْجَمَاعَة (بِجمع كثير أفضل) مِنْهَا فِي جَمِيع قَلِيل أَي مَا كثر جمعه من الْمَسَاجِد أفضل مِمَّا قل جمعه مِنْهَا وَمَا كثر جمعه من الْبيُوت أفضل مِمَّا قل جمعه مِنْهَا
وَذهب الْمُتَوَلِي إِلَى أَن الِانْفِرَاد فِي أحد الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد رَسُول الله وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى أفضل من الْجَمَاعَة خَارجه
(إِلَّا
لنَحْو بِدعَة إِمَامه) أَي الْكثير بِمَسْجِد قرب أَو بعيد أَي الْبِدْعَة الَّتِي لَا يكفر بهَا كمعتزلي ورافضي وقدري وَمثله الْفَاسِق وَالْمُتَّهَم بالبدعة أَو الْفسق تُهْمَة قَوِيَّة أَو كَانَ بِالْإِمَامِ وصف آخر يَقْتَضِي كَرَاهَة الِاقْتِدَاء بِهِ
(أَو تعطل مَسْجِد) قريب مِنْهُ أَو بعيد (عَنْهَا) أَي الْجَمَاعَة لغيبته عَنهُ لكَونه إِمَامه أَو يحضر النَّاس بِحُضُورِهِ فَصلَاته فِيهِ مَعَ قلَّة جماعته أفضل مِنْهَا فِي غَيره وَإِن كثر جمعه وَإِذا كَانَ عَلَيْهِ الْإِمَامَة فِي مَسْجِد فَلم يحضر مَعَه أحد يُصَلِّي مَعَه وَجَبت عَلَيْهِ الصَّلَاة فِيهِ وَحده لِأَن عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ الصَّلَاة فِي هَذَا الْمَسْجِد والإمامة فِيهِ فَإِذا فَاتَ أَحدهمَا لَا يسْقط الآخر
(وتدرك جمَاعَة) أَي فضيلتها فِي غير الْجُمُعَة (مَا لم يسلم إِمَام) وَإِن لم يقْعد مَعَه بِأَن سلم عقب تحرمه وَيحرم عَلَيْهِ الْجُلُوس لِأَنَّهُ كَانَ للمتابعة وَقد فَاتَت بِسَلام الإِمَام فَإِن جلس عَامِدًا عَالما بطلت صلَاته أما الْجُمُعَة فَلَا تحصل الْجَمَاعَة فِيهَا إِلَّا بِرَكْعَة يُدْرِكهَا مَعَ الإِمَام محسوبة لَهُ
(و) تحصل فَضِيلَة تَكْبِيرَة (تحرم بِحُضُورِهِ) تَكْبِيرَة إِحْرَام الإِمَام (واشتغال بِهِ) أَي التَّحَرُّم (عقب تحرم إِمَامه) من غير تراخ فإدراك تحرم مَعَ الإِمَام فَضِيلَة أُخْرَى غير فَضِيلَة الْجَمَاعَة لخَبر الْبَزَّار لكل شَيْء صفوة وصفوة الصَّلَاة التَّكْبِيرَة الأولى فحافظوا عَلَيْهَا ويعذر فِي الوسوسة الْخَفِيفَة وَهِي مَا لَا يطول بهَا زمَان عرفا فَلَا تفوت فَضِيلَة التَّحَرُّم بِخِلَاف مَا لَو أَبْطَأَ لغير وَسْوَسَة وَلَو لمصْلحَة الصَّلَاة كالطهارة أَو لوسوسة ظَاهِرَة وَهِي بِحَيْثُ أدَّت إِلَى فَوَات الْقيام أَو معظمه أَو لم يحضر تحرم الإِمَام
(و) تدْرك (رَكْعَة) لمسبوق أدْرك الإِمَام رَاكِعا أَو فِي آخر مَحل قِرَاءَته بأمرين (بتكبيرة الْإِحْرَام) فيكبر الْمَسْبُوق للْإِحْرَام وجوبا ثمَّ للرُّكُوع ندبا فَإِن نواهما بتكبيرة وَاحِدَة مُقْتَصرا عَلَيْهَا لم تَنْعَقِد صلَاته لتشريكه بَين فرض وَسنة مَقْصُودَة فَأشبه نِيَّة الظّهْر وسنته
(و) بِإِدْرَاك (رُكُوع مَحْسُوب) للْإِمَام بِأَن يكون الإِمَام متطهرا فِي غير رَكْعَة زَائِدَة سَهَا بهَا (تَامّ) بِأَن يطمئن فِي رُكُوعه قبل ارْتِفَاع إِمَامه عَن أقل الرُّكُوع وَهُوَ بُلُوغ راحتيه رُكْبَتَيْهِ (يَقِينا) وَيحصل الْيَقِين بِرُؤْيَة الإِمَام فِي الْبَصِير مَعَ الضَّوْء أَو بِوَضْع يَده على ظَهره فِي الْأَعْمَى وَمن فِي ظلمَة أَو سَمَاعه تَسْبِيح الإِمَام فِي الرُّكُوع وَلَا يَكْفِي فِي ذَلِك الظَّن وَلَا سَماع صَوت الْمبلغ بِخِلَاف مَا لَو لم يطمئن أَو اطْمَأَن بعد ارْتِفَاع الإِمَام عَن أقل الرُّكُوع أَو شكّ هَل اطْمَأَن قبل ذَلِك الِارْتفَاع لِأَن إِدْرَاك مَا قبل الرُّكُوع بِالرُّكُوعِ رخصَة فَلَا يُصَار إِلَيْهَا إِلَّا بِيَقِين فَلَا يَكْتَفِي بِغَلَبَة الظَّن خلافًا لزركشي وَيسْجد الشاك للسَّهْو لِأَنَّهُ شَاك بعد سَلام الإِمَام فِي عدد ركعاته فَلم يتحمله عَنهُ وَإِذا وجد للْإِمَام هَذِه الشُّرُوط أدْرك الرَّكْعَة وَلَو قصر بِتَأْخِير تحرمه إِلَى رُكُوع الإِمَام من غير عذر لقَوْله صلى الله عليه وسلم من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة قبل أَن يُقيم الإِمَام صلبه فقد أدْركهَا
(و) يجب على الْمَسْبُوق أَن يُوَافق إِمَامه فِي فعل كسجود أدْركهُ مَعَه وَإِن لم يحْسب لَهُ وَإِلَّا بطلت صلَاته إِن علم وتعمد وَيُؤْخَذ من عدم حسبان السُّجُود أَنه لَا يجب عَلَيْهِ وضع الْأَعْضَاء السَّبْعَة وَلَا الطُّمَأْنِينَة فِي هَذَا السُّجُود لِأَنَّهُ لمحض الْمُتَابَعَة كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي وَيَأْتِي الْمَسْبُوق اسْتِحْبَابا بِرَفْع الْيَدَيْنِ عِنْد قيام الإِمَام من التَّشَهُّد الأول وَإِن لم يكن أَولا لَهُ
أما القولي وَلَو وَاجِبا كالتشهد الْأَخير فَلَا تجب مُوَافَقَته فِيهِ بل تسن وَحِينَئِذٍ (يكبر) ندبا (مَسْبُوق انْتقل مَعَه) أَي الإِمَام لانتقاله فَإِذا أدْركهُ معتدلا كبر للهوي وَمَا بعده مُوَافقَة لإمامه فِي تكبيره أَو سَاجِدا مثلا لم يكبر للهوي إِلَى السُّجُود لِأَنَّهُ لم يُتَابِعه فِيهِ وَلَيْسَ السُّجُود محسوبا لَهُ
وَخرج بِهَذَا مَا لَو أدْركهُ فِي سَجْدَة التِّلَاوَة فيكبر لِأَنَّهُ كإدراك الإِمَام فِي الرُّكُوع وَهُوَ مَحْسُوب لَهُ ويوافق الْمَسْبُوق إِمَامه اسْتِحْبَابا فِي أذكار مَا أدْركهُ مَعَه وَإِن لم يحْسب لَهُ كالتحميد وَالدُّعَاء حَتَّى عقب التَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِأَن الصَّلَاة لَا سكُوت فِيهَا
(و) يكبر الْمَسْبُوق ندبا أَيْضا للْقِيَام أَو بدله إِذا سلم الإِمَام (بعد سلاميه) فَيسنّ لَهُ انْتِظَار سَلَامه الثَّانِي لِأَنَّهُ من لواحق الصَّلَاة وَيجب انْتِظَار السَّلَام الأول فقيامه بِلَا نِيَّة مُفَارقَة قبل مِيم عَلَيْكُم مِنْهُ مُبْطل للصَّلَاة من عَالم عَامِد وَلَا يُقَال غَايَته أَنه سبق بِرُكْن والسبق بِرُكْن لَا يبطل لِأَن صَلَاة الإِمَام قد تمت وَإِن كَانَ سَاهِيا أَو جَاهِلا لم يعْتد بِجَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ حَتَّى يجلس وَلَو كَانَ الإِمَام سلم حَتَّى يقوم بعد سَلام الإِمَام وَمَتى علم وَلم يجلس بطلت صلَاته لعدم الْإِتْيَان بِالْجُلُوسِ الْوَاجِب عَلَيْهِ هَذَا (إِن كَانَ) أَي جُلُوسه مَعَ الإِمَام (مَوضِع جُلُوسه) لَو كَانَ مُنْفَردا كَأَن أدْركهُ فِي ثَانِيَة الْمغرب أَو ثَالِثَة الرّبَاعِيّة لِأَنَّهُ مَوضِع تَكْبِير الْمُنْفَرد وَغَيره بِلَا خلاف وَإِن لم يكن ذَلِك مَوضِع جُلُوسه لَو انْفَرد كَأَن أدْركهُ آخر رَكْعَة فَلَا يكبر بل يسكت ندبا فِي انْتِقَاله للْقِيَام أَو مَا قَامَ مقَامه لِأَنَّهُ غير مَحل تكبيره وَلَيْسَ فِيهِ مُوَافقَة لإمامه وَحرم حِينَئِذٍ مكثه بعد تسليمتي الإِمَام فَتبْطل صلَاته بِهِ إِن تَعَمّده وَعلم تَحْرِيمه وَزَاد على قدر جلْسَة الاسْتِرَاحَة وَإِلَّا فَلَا وَيسْجد للسَّهْو فَإِن مكث فِي مَحل جُلُوسه لَو كَانَ مُنْفَردا جَازَ وَإِن طَال وَمَا أدْركهُ الْمَسْبُوق مَعَ الإِمَام مِمَّا يعْتد لَهُ بِهِ فَهُوَ أول صلَاته وَمَا يَأْتِي بِهِ بعد سَلَامه آخرهَا لقَوْله صلى الله عليه وسلم مَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم فَأتمُّوا وإتمام الشَّيْء إِنَّمَا يكون بعد أَوله فَيُعِيد فِي الْبَاقِي الْقُنُوت وَالتَّشَهُّد وَسُجُود السَّهْو
(وَشرط لقدوة) اثْنَا عشر
الأول (نِيَّة اقْتِدَاء أَو جمَاعَة مَعَ تحرم) فَلَو ترك هَذِه النِّيَّة أَو شكّ فِيهَا وَتَابعه فِي فعل أَو سَلام بعد انْتِظَار كثير عرفا للمتابعة بطلت صلَاته لِأَنَّهُ وَقفهَا على صَلَاة غَيره بِلَا رابطة بَينهمَا فَهُوَ متلاعب أَو فِي حكمه وَلَا فرق بَين الْعَالم بِالْمَنْعِ وَالْجَاهِل بِهِ
وَخرج الِانْتِظَار الْيَسِير أَو الْكثير اتِّفَاقًا أَي لَا بِقصد الْمُتَابَعَة فَلَيْسَ مُبْطلًا (وَنِيَّة إِمَامَة) أَو نَحْوهَا مَعَ تحرم وَاجِبَة على الإِمَام اذا كَانَت الْجَمَاعَة شرطا فِي صِحَة صلَاته وَذَلِكَ فِي الْجُمُعَة والمعادة والمجموعة بالمطر
و (سنة لإِمَام فِي غير) مَا ذكر من (جُمُعَة) وتالييها نعم لَو
كَانَ إِمَام الْجُمُعَة زَائِدا على الْأَرْبَعين وَلم يكن من أهل وُجُوبهَا كالرقيق وَكَانَ نَاوِيا غير الْجُمُعَة كالظهر لَا تجب عَلَيْهِ نِيَّة الْجَمَاعَة بل تسن
(و) الثَّانِي (عدم تقدم على إِمَام) فِي الْموقف بِأَن يتَأَخَّر عَنهُ أَو يُسَاوِيه فَإِن تقدم عَلَيْهِ فِي أثْنَاء الصَّلَاة بطلت أَو عِنْد التَّحَرُّم لم تَنْعَقِد كالتقدم بتكبيرة الْإِحْرَام قِيَاسا للمكان على الزَّمَان نعم يسْتَثْنى من ذَلِك صَلَاة شدَّة الْخَوْف فَإِنَّهُ لَا يضر فِيهَا تقدم الْمَأْمُوم على الإِمَام للْعُذْر وَلَو شكّ هَل هُوَ مُتَقَدم أم لَا كَأَن كَانَ فِي ظلمَة صحت صلَاته مُطلقًا أَي سَوَاء جَاءَ من قُدَّام الإِمَام أَو من خَلفه وَالِاعْتِبَار فِي التَّقَدُّم وَغَيره للقائم (بعقب) وَهُوَ مُؤخر الْقدَم فَلَو تَسَاويا فِي الْعقب وَتَقَدَّمت أَصَابِع الْمَأْمُوم لم يضر إِلَّا إِن كَانَ اعْتِمَاده على أَصَابِعه وللقاعد بالألية وَمِنْه الرَّاكِب فالاعتبار فِيهِ بالألية وللساجد برؤوس الْأَصَابِع وللمصلوب بالكتف وللمقطوعة رجله بِمَا اعْتمد عَلَيْهِ وللمضطجع بالجنب وللمستلقي بِالرَّأْسِ
وَالْحَاصِل أَن أَحْوَال الْمَأْمُوم سِتَّة إِمَّا أَن يكون قَائِما أَو قَاعِدا أَو مُضْطَجعا أَو مُسْتَلْقِيا أَو مُعْتَمدًا على خشبتين مثلا أَو مصلوبا
وأحوال الإِمَام خَمْسَة وَهِي مَا عدا المصلوب لِأَن المصلوب تلْزمهُ الْإِعَادَة وَشرط الإِمَام أَلا تلْزمهُ الْإِعَادَة وَسِتَّة فِي خَمْسَة بِثَلَاثِينَ صُورَة
وَالضَّابِط فِيهَا أَن يُقَال لَا يَصح أَن يتَقَدَّم الْمَأْمُوم بِجَمِيعِ مَا اعْتمد عَلَيْهِ على جُزْء مِمَّا اعْتمد عَلَيْهِ الإِمَام (وَندب وقُوف ذكر) وَلَو صَبيا اقْتدى وَحده بمصل (عَن يَمِين الإِمَام مُتَأَخِّرًا) عَنهُ (قَلِيلا) عرفا لِلِاتِّبَاعِ واستعمالا للأدب بِأَن لَا يزِيد مَا بَينهمَا على ثَلَاثَة أَذْرع فَإِن زَاد كره وَكَانَ مفوتا لفضيلة الْجَمَاعَة
قَالَ الشبراملسي وَلَا يتَوَقَّف حُصُول السّنة على زِيَادَة الْقرب بِحَيْثُ يُحَاذِي بعض بدن الْمَأْمُوم بعض بدن الإِمَام فِي الرُّكُوع أَو السُّجُود (فَإِن جَاءَ) ذكر (آخر أحرم عَن يسَاره ثمَّ) تقدم الإِمَام أَو (تأخرا) فِي الْقيام وَمِنْه الِاعْتِدَال لِأَنَّهُ قيام فِي الصُّورَة فَإِن لم يكن بيسار الإِمَام مَحل أحرم خَلفه ثمَّ تَأَخّر إِلَيْهِ من هُوَ على الْيَمين ويصطفان وَرَاءه وتأخرهما أفضل من تقدمه إِن أمكن كل من التَّقَدُّم والتأخر وَإِلَّا فعل الْمُمكن
(و) ندب وقُوف (رجلَيْنِ) أَو صبيين أَو صبي وَبَالغ (أَو رجال) حَضَرُوا ابْتِدَاء (خَلفه) كامرأة فَأكْثر وَيسن أَن يقف خَلفه رجال لفضلهم فصبيان إِن استوعب الرِّجَال الصَّفّ وَإِلَّا كمل بهم أَو ببعضهم فخناثى لاحْتِمَال ذكورتهم فنساء لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِك وَلَا يكمل بالخناثى وَلَا بِالنسَاء صف غَيرهم وَأَن تقف إمامتهن فِي وسطهن من غير تقدم فَلَو أمهن غير امْرَأَة قدم عَلَيْهِنَّ وكالمرأة عَار أَو عُرَاة بصراء فِي ضوء
(و) سنّ للرِّجَال وقوفهم (فِي صف أول) لِأَنَّهُ أفضل صُفُوف الرِّجَال
أما الخناثى وَالنِّسَاء
فأفضل صفوفهم آخرهَا لبعده عَن الرِّجَال وَإِن لم يكن فيهم رجل غير الإِمَام سَوَاء كن إِنَاثًا فَقَط أَو خناثى فَقَط أَو الْبَعْض من هَؤُلَاءِ وَالْبَعْض من هَؤُلَاءِ فالأخير من الخناثى أفضلهم والأخير من النِّسَاء أفضلهن (ثمَّ مَا يَلِيهِ) أَي الصَّفّ الأول فِي حق الرِّجَال والصف الْأَخير فِي حق غَيرهم وَهَكَذَا وَهَذَا فِي غير صَلَاة الْجِنَازَة
أما هِيَ فتستوي صفوفها فِي الرُّتْبَة عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس لطلب تعدد الصُّفُوف فِيهَا وَأفضل كل صف يَمِينه ثمَّ يسَاره وَمَتى سبق وَاحِد إِلَى الصَّفّ الأول لم يجز لغيره تَأْخِيره إِلَّا فِي مسَائِل الأولى أَن يكون مِمَّن يتَأَذَّى بِهِ الْقَوْم لرائحة كريهة كصنان وَنَحْوه الثَّانِيَة إِذا حضر العَبْد بِإِذن السَّيِّد إِلَى الصَّفّ الأول فللسيد تَأْخِيره
الثَّالِثَة إِذا تقدم إِلَى الصَّفّ الأول من لَيْسَ من أَهله لَكِن لَو حضر الصّبيان أَولا ثمَّ حضر الرِّجَال لم يؤخروا من مكانهم بِخِلَاف من عداهم
الرَّابِعَة إِذا تقدم خلف الإِمَام من لَا يصلح للاستخلاف فَيَنْبَغِي أَن يُؤَخر ويتقدم خلف الإِمَام من يصلح للْإِمَامَة
(وَكره) لمأموم (انْفِرَاد) عَن صف من جنسه إِن وجد سَعَة بل يدْخل الصَّفّ حِينَئِذٍ وَله أَن يخرق الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ فَمَا فَوْقه لأَجلهَا لأجل تقصيرهم بِتَرْكِهَا وَلَا يتَقَيَّد خرق الصُّفُوف فِي هَذَا بصفين بل يتَقَيَّد بِهِ تخطي الرّقاب الْآتِي فِي الْجُمُعَة فَإِن لم يجد سَعَة أحرم ثمَّ بعد إِحْرَامه إِذا لم يجد من يصطف مَعَه جر إِلَيْهِ شخصا من الصَّفّ ليصطف مَعَه
وَسن لمجروره مساعدته لِأَنَّهُ من بَاب المعاونة على الْبر وَلَا يفوتهُ ثَوَاب الصَّفّ الَّذِي كَانَ فِيهِ لِأَنَّهُ لم يخرج مِنْهُ إِلَّا لعذر شَرْعِي
وسنية الْجَرّ لَهَا شُرُوط خَمْسَة أَن يكون الْمَجْرُور حرا وَأَن يجوز مُوَافَقَته لَهُ وَأَن يكون الصَّفّ الْمَجْرُور مِنْهُ أَكثر من اثْنَيْنِ وَأَن يكون فِي الْقيام وَبعد الْإِحْرَام وَإِلَّا فَلَا يسن الْجَرّ وَلَو أمكنه أَن يصطف مَعَ الإِمَام حِينَئِذٍ فَلهُ أَن يخرق الصَّفّ لذَلِك وَلَو كَانَ الصَّفّ الَّذِي أَمَامه اثْنَيْنِ فَقَط وَالْمَكَان الَّذِي هُوَ فِيهِ وَاسع فَلهُ أَن يجرهما ليصطفا مَعَه والانفراد عَن الصَّفّ مَعَ إِمْكَان الدُّخُول فِيهِ مفوت لفضيلة الْجَمَاعَة لِأَن ارْتِكَاب الْمَكْرُوه من حَيْثُ الْجَمَاعَة يفوتها
(و) حِينَئِذٍ كره (شُرُوع فِي صف قبل إتْمَام مَا قبله) وَفِي فَتَاوَى مُحَمَّد الرَّمْلِيّ أَن الصُّفُوف الْمُقطعَة تحصل لَهُم فَضِيلَة الْجَمَاعَة دون فَضِيلَة الصَّفّ وَالْمُعْتَمد الأول
نعم إِن كَانَ تأخرهم عَن سد الفرجة لعذر كوقت الْحر بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام لم يكره لعدم التَّقْصِير فَلَا تفوتهم الْفَضِيلَة
(و) الثَّالِث (علم بانتقالات إِمَام) بِرُؤْيَتِهِ أَو رُؤْيَة صف أَو بعضه أَو سَماع صَوته أَو صَوت مبلغ ثِقَة أَو برابطة وَهُوَ شخص يقف أَمَام منفذ كالباب ليرى الإِمَام أَو بعض الْمَأْمُومين فيتبعه من بجانبه أَو خَلفه وَإِن لم يعلم بانتقالات الإِمَام اكْتفى بِعِلْمِهِ بانتقالات الرابطة فَيكون الرابطة كَالْإِمَامِ لَهُم فَيشْتَرط أَلا يتقدموا عَلَيْهِ فِي الْموقف وَلَا فِي الْإِحْرَام وَأَن يكون مِمَّن تصح إِمَامَته لَهُم
وَألا يخالفوه فِي أَفعاله وَإِن خَالف الإِمَام حَتَّى لَو كَانَ بطيء الْقِرَاءَة وتخلف بِثَلَاثَة أَرْكَان طَوِيلَة وَجب عَلَيْهِم التَّأَخُّر مَعَه وَإِذا بطلت صلَاته تابعوا الإِمَام الْأَصْلِيّ إِن علمُوا بانتقالاته وَإِلَّا وَجب عَلَيْهِم نِيَّة الْمُفَارقَة وَمَتى كَانَ بَين الإِمَام وَالْمَأْمُوم حَائِل فَلَا بُد من الرابطة بِالْوَجْهِ الْمُتَقَدّم وَبِمَا تقرر علم أَنه لَا يَصح اقْتِدَاء أعمى أَصمّ إِلَّا بهداية ثِقَة لَهُ وَأَنه لَا بُد من كَون الْأَفْعَال فِي صَلَاة الإِمَام ظَاهِرَة
(و) الرَّابِع (اجْتِمَاعهمَا) أَي الإِمَام وَالْمَأْمُوم (بمَكَان) بِأَن لَا تزيد الْمسَافَة بَينهمَا وَلَا بَين كل صفّين أَو شَخْصَيْنِ مِمَّن ائتم بِالْإِمَامِ خَلفه أَو بجانبه على ثَلَاثمِائَة ذِرَاع بِذِرَاع الْآدَمِيّ تَقْرِيبًا فيغتفر زِيَادَة ثَلَاثَة أَذْرع فَأَقل وَهَذَا الشَّرْط عَام فِيمَن وقف فِي علو وإمامه فِي سفل أَو عَكسه على مَا رَجحه النَّوَوِيّ خلافًا لمن قَالَ بِشَرْط الْمُحَاذَاة لمن ذكر بِحَيْثُ تكون رَأس الْأَسْفَل المعتدل الْقَامَة تلاقي قدم الْأَعْلَى لَو ذهب الْمُقدم إِلَى الْخلف وَلَا يجب فِي الفضاء غير ذَلِك فَإِن كَانَا فِي بِنَاء أَو بناءين أَو كَانَ أَحدهمَا فِي فضاء وَالْآخر فِي بِنَاء والجميع غير مَسْجِد اشْترط مَعَ مَا مر آنِفا عدم حَائِل بَينهمَا يمْنَع الرُّؤْيَة أَو الاستطراق العادي بِحَيْثُ لَو أَرَادَ الْوُصُول للْإِمَام لَا يُمكنهُ أَو يستدبر الْقبْلَة وَيُقَال لهَذَا إزورار وانعطاف فَلَا يضر كَونهَا عَن يَمِينه أَو يسَاره على فرض وُصُوله للْإِمَام وَعلم من تَصْوِير منع الْمُرُور العادي بِمَا ذكر أَن اعْتِبَار الْمُرُور العادي فِي كل مَكَان بِحَسبِهِ وَلَو كَانَ الْوُصُول إِلَى الإِمَام بانحناء مثلا فالمدار على إِمْكَان الْوُصُول إِلَى الإِمَام من غير استدبار الْقبْلَة فَلَو حَال بَينهمَا جِدَار لَا بَاب فِيهِ أَو بَاب مسمر أَو مغلق أَو مَرْدُود أَو شباك منع صِحَة الِاقْتِدَاء وَلَيْسَ من الْحَائِل النَّهر وَلَو أحْوج إِلَى سباحة وَلَا الشَّارِع وَإِن كثر طروقه فَلَو كَانَ أَحدهمَا بدكان وَالْآخر بِأُخْرَى فِي الصَّفّ الْمُقَابل لَهُ صَحَّ وَلَو وقف أَحدهمَا بسطح وَالْآخر بسطح آخر فِي صف ثَان صَحَّ إِن كَانَ يُمكن الْوُصُول من أحد السطحين إِلَى الآخر كَأَن يَجْعَل بَينهمَا نَحْو إسقالة
(فَإِن كَانَا بِمَسْجِد) فالمدار على الْعلم بالانتقالات بطرِيق من الطّرق الْمُتَقَدّمَة وَحِينَئِذٍ (صَحَّ الِاقْتِدَاء) وَإِن بَعدت الْمسَافَة بَينهمَا وزادت على ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وَلَا بُد من إِمْكَان الْوُصُول إِلَى الإِمَام وَلَو بازورار وانعطاف نعم لَا يضر الْبَاب المغلق وَلَا الْمَرْدُود من غير إغلاق بِالْأولَى وَالْبَاب المسمر يضر فِي الِابْتِدَاء دون الدَّوَام وَمثله مَا لَو كَانَ بسطح أَو دكة لَا مرقى لَهَا فَيضر ابْتِدَاء لَا دواما لِأَنَّهُ يغْتَفر فِي الدَّوَام مَا لَا يغْتَفر فِي الِابْتِدَاء فَلَو حَال بَينهمَا جِدَار لَا بَاب فِيهِ أَو شباك ضرّ لعدم إِمْكَان الْوُصُول وَلَو كَانَ أَحدهمَا بعلو كسطح الْمَسْجِد أَو منارته وَالْآخر بسفل كسردابه أَو بِئْر فِيهِ لَا يضر وَلَو حَال بَينهمَا نهر أَو طَرِيق قديم بِأَن سبقا وجود الْمَسْجِد بل أَو قارناه كَانَ كَمَا لَو كَانَ أَحدهمَا فِي مَسْجِد وَالْآخر فِي غَيره وَسَيَأْتِي حكمه بِخِلَاف مَا لَو كَانَ النَّهر طارئا بعد المسجدية فَلَا عِبْرَة بِهِ والمساجد المتلاصقة الَّتِي تفتح أَبْوَاب بَعْضهَا إِلَى بعض كمسجد وَاحِد
(وَلَو كَانَ أَحدهمَا فِيهِ وَالْآخر خَارجه) كَأَن كَانَ الإِمَام فِي الْمَسْجِد وَالْمَأْمُوم خَارجه اعْتبرت الْمسَافَة الْمُتَقَدّمَة من آخر الْمَسْجِد لِأَن الْمَسْجِد مَبْنِيّ للصَّلَاة فَلَا يدْخل فِي الْحَد الْفَاصِل وَمن آخر صف خَارج عَن الْمَسْجِد إِذا خرجت الصُّفُوف عَن الْمَسْجِد وَفِي الْحَائِل مَا مر فِي غير الْمَسْجِد
فَلَو كَانَ الْمَأْمُوم فِي الْمَسْجِد وَالْإِمَام خَارجه اعْتبرت الْمسَافَة من طرفه الَّذِي يَلِي الإِمَام (شَرط عدم حَائِل) كَمَا مر (أَو) حَال بَينهمَا حَائِل فِيهِ بَاب نَافِذ شَرط (وقُوف وَاحِد) مثلا (حذاء منفذ) وَهَذَا الْوَاقِف كَالْإِمَامِ بِالنِّسْبَةِ لمن خَلفه لَا يحرمُونَ قبله وَلَا يَرْكَعُونَ قبل رُكُوعه وَلَا يسلمُونَ قبل سَلَامه وَلَا يتَقَدَّم المقتدى عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مُتَأَخِّرًا عَن الإِمَام وَمَعَ ذَلِك لَو سمع قنوت الرابطة لَا يُؤمن عَلَيْهِ لِأَن الْعبْرَة فِي ذَلِك بِالْإِمَامِ الْأَصْلِيّ كَذَا قَالَ الشبراملسي
(و) الْخَامِس (مُوَافقَة) للْإِمَام (فِي سنَن تفحش مُخَالفَة فِيهَا) فعلا وتركا كسجدة تِلَاوَة وَتشهد أول على تَفْصِيل فِيهِ تقدم بِخِلَاف مَا لَا تفحش الْمُخَالفَة فِيهِ كجلسة الاسْتِرَاحَة فَلَا تضر مُخَالفَة الإِمَام فِي ذَلِك فعلا وتركا
وَالسَّادِس تَبَعِيَّة الإِمَام فِي الْأَفْعَال والأقوال وَهُوَ تَأَخّر ابْتِدَاء تحرم الْمَأْمُوم عَن انْتِهَاء تحرم الإِمَام يَقِينا فَلَو قارنه فِي حرف من التَّكْبِير لم تَنْعَقِد صلَاته وَمحل هَذَا الشَّرْط فِيمَا لَو كَانَ الْمَأْمُوم مقتديا من ابْتِدَاء صلَاته أما لَو نوى الِاقْتِدَاء فِي أثْنَاء صلَاته فَلَا يشْتَرط تَأَخّر تحرمه عَن تحرم الإِمَام الَّذِي نوى الِاقْتِدَاء بِهِ فِي الْأَثْنَاء بل يَصح تقدمه عَلَيْهِ وَكَذَا لَو كبر الْمَأْمُوم عقب تَكْبِير الإِمَام ثمَّ طَرَأَ للْإِمَام شكّ فِي تكبيره فَكبر ثَانِيًا خُفْيَة وَلم يعلم بِهِ الْمَأْمُوم لَا يضر على الْمُعْتَمد وَصَلَاة الْمَأْمُوم حِينَئِذٍ فُرَادَى وَعدم سبقه على إِمَامه بركنين فعليين وَلَو غير طويلين
(وَعدم تخلف عَن إِمَام بركنين فعليين) تامين وَإِن لم يَكُونَا طويلين (بِلَا عذر مَعَ تعمد وَعلم) بِالْمَنْعِ كَأَن يهوي الإِمَام للسُّجُود وَالْمَأْمُوم فِي قيام الْقِرَاءَة فَلَا يتَحَقَّق السَّبق والتخلف بركنين إِلَّا إِذا انْفَصل عَن الثَّانِي مِنْهُمَا فَإِن خَالف فِي السَّبق أَو التَّخَلُّف بهما لغير عذر بطلت صلَاته لفحش الْمُخَالفَة بِلَا عذر بِخِلَاف سبقه بهما نَاسِيا أَو جَاهِلا وَمَتى تذكر أَو علم وَجب عَلَيْهِ الْعود لموافقة الإِمَام فَإِن لم يعد بطلت صلَاته فَإِن اسْتمرّ سَهْوه أَو جَهله فَلَا بطلَان لَكِن لَا يعْتد بِتِلْكَ الرَّكْعَة فَيَأْتِي بعد سَلام إِمَامه بِرَكْعَة وَبِخِلَاف سبقه بِرُكْن كَأَن ركع قبله وابتدأ رفع الِاعْتِدَال وَحِينَئِذٍ يتَحَقَّق سبقه بِرُكْن وَأما إِذا اسْتمرّ فِي الرُّكُوع وَلم يبتدىء رفع الِاعْتِدَال فَلَا يُقَال سبقه بِرُكْن بل يُقَال سبقه بِبَعْض ركن وكل مِنْهُمَا لَا تبطل بِهِ الصَّلَاة لِأَنَّهُ يسير لكنه فِي الْفعْلِيّ بِلَا عذر حرَام وَهُوَ كَبِيرَة إِن كَانَ بِرُكْن وصغيرة إِن كَانَ بِبَعْضِه وَقيل كَبِيرَة أَيْضا
وَأما مُجَرّد رفع الرَّأْس من الرُّكْن كالركوع من غير وُصُول للركن الَّذِي بعده فمكروه كَرَاهَة تَنْزِيه وَمثل رفع الرَّأْس من الرُّكْن الْهَوِي مِنْهُ إِلَى ركن آخر كالهوي من الِاعْتِدَال من غير وُصُول للسُّجُود وَبِخِلَاف سبقه بركنين غير فعليين كَقِرَاءَة وركوع أَو تشهد وَصَلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَا تجب إِعَادَة ذَلِك وَبِخِلَاف تخلفه بفعلي مُطلقًا أَو بفعليين بِعُذْر وَبِخِلَاف الْمُقَارنَة فِي غير التَّحَرُّم لَكِنَّهَا فِي الْأَفْعَال مَكْرُوهَة مفوتة لفضيلة الْجَمَاعَة فِيمَا قَارن فِيهِ لَا فِي جَمِيع الصَّلَاة
وَأما ثَوَاب الصَّلَاة فَلَا يفوت بذلك فقد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إِذا صلى فِي أَرض مَغْصُوبَة أَن الْمُحَقِّقين على حُصُول الثَّوَاب فالمكروه أولى
(و) عدم تخلف عَن الإِمَام (بِأَكْثَرَ من ثَلَاثَة
أَرْكَان طَوِيلَة) وَهِي الْمَقْصُودَة فِي نَفسهَا فَلَا يحْسب مِنْهَا الْقصير وَهُوَ الِاعْتِدَال وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ بِأَن يَنْتَهِي الإِمَام إِلَى الْجُلُوس للتَّشَهُّد أَو الْقيام وَالْمَأْمُوم فِي الْقيام (بِعُذْر أوجبه) أَي اقْتضى وجوب ذَلِك التَّخَلُّف (كإسراع إِمَام قِرَاءَة) وحركة مَعَ بطء الْمَأْمُوم فِي حركاته أَو فِي قِرَاءَته الْوَاجِبَة لنَحْو عجز لِسَانه بِخِلَاف قِرَاءَة السُّورَة فَإِنَّهُ لَا يتَأَخَّر لَهَا وَإِلَّا بطلت صلَاته بِتمَام ركنين فعليين كالتخلف لوسوسة بِأَن كَانَ يردد الْكَلِمَات من غير مُوجب (وانتظار مَأْمُوم سكتته) أَي الإِمَام فَإِذا سبق بِثَلَاثَة طَوِيلَة كالركوع والسجدتين فِي التَّخَلُّف لإتمام الْفَاتِحَة (فليوافق) إِمَامه وجوبا إِن لم ينْو مُفَارقَته (فِي) الرُّكْن (الرَّابِع) وَهُوَ الْقيام أَو الْجُلُوس للتَّشَهُّد فِي هَذِه الصُّورَة وَيتْرك تَرْتِيب نَفسه (ثمَّ يتدارك) بعد سَلام الإِمَام مَا بَقِي عَلَيْهِ
وَالْحَاصِل أَنه قد يعرض للْمَأْمُوم أعذار تجوز لَهُ أَن يتَخَلَّف عَن إِمَامه بِثَلَاثَة أَرْكَان طَوِيلَة وَذَلِكَ فِي أَربع عشرَة مَسْأَلَة الأولى أَن يكون الْمَأْمُوم بطيء الْقِرَاءَة لعجز خلقي كثقل لِسَانه أَو للترتيل لَا للوسوسة وَالْإِمَام معتدلها وَكَانَ الْمَأْمُوم مُوَافقا بِأَن أحرم وَأدْركَ مَعَ الإِمَام زَمنا يسع الْفَاتِحَة بِالنِّسْبَةِ للوسط المعتدل لَا بِالنِّسْبَةِ لقرَاءَته وَلَا لقِرَاءَة إِمَامه فَأَتمَّ الإِمَام فاتحته وَركع قبل أَن يتم الْمَأْمُوم فَيجب على الْمَأْمُوم حِينَئِذٍ التَّخَلُّف لإتمام فاتحته لكَونه مُوَافقا وَيغْتَفر لَهُ التَّخَلُّف بِثَلَاثَة أَرْكَان طَوِيلَة وَهِي الرُّكُوع والسجودان فَلَا يحْسب مِنْهَا الِاعْتِدَال وَلَا الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا ركنان قصيران ثمَّ إِن أتم الْمَأْمُوم فاتحته قبل أَن يتلبس الإِمَام بالركن الرَّابِع وَهُوَ الْقيام أَو قبل أَن يجلس للتَّشَهُّد الأول أَو الْأَخير جرى على نظم صَلَاة نَفسه فيركع ويعتدل وَيسْجد السجودين فَإِذا فرغ من ذَلِك وَقَامَ فَوجدَ الإِمَام رَاكِعا فِي الثَّانِيَة ركع مَعَه وَسَقَطت عَنهُ الْفَاتِحَة فَإِن اطْمَأَن فِي الثَّانِيَة يَقِينا قبل رفع الإِمَام عَن أقل الرُّكُوع أدْرك الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَإِلَّا فَاتَتْهُ فيتدارك رَكْعَة بعد سَلام الإِمَام وَإِن وجد الإِمَام فِي الْقيام قبل أَن يرْكَع وقف مَعَه فَإِن أدْرك مَعَه قبل الرُّكُوع زَمنا يسع الْفَاتِحَة بِالنِّسْبَةِ للوسط المعتدل فَهُوَ مُوَافق فَيجب عَلَيْهِ إتْمَام الْفَاتِحَة وَيغْتَفر لَهُ التَّخَلُّف بِثَلَاثَة أَرْكَان طَوِيلَة كَمَا تقدم
وَإِن لم يدْرك مَعَ الإِمَام زَمنا يسع الْفَاتِحَة فَهُوَ مَسْبُوق يقْرَأ مَا أمكنه من الْفَاتِحَة وَمَتى ركع الإِمَام وَجب عَلَيْهِ الرُّكُوع مَعَه وَإِن وجد الإِمَام فِيمَا بعد الرُّكُوع وَافقه فِيمَا هُوَ فِيهِ وتدارك بعد سَلام الإِمَام مَا فَاتَهُ وَإِن لم يتم الْمَأْمُوم فاتحته حَتَّى تلبس الإِمَام بالركن الرَّابِع وَهُوَ الْقيام وَافقه وَبنى على مَا تقدم من قِرَاءَته وَلَا يجْرِي على نظم صَلَاة نَفسه فَإِن جرى على ذَلِك عَامِدًا عَالما بطلت صلَاته وَإِن كَانَ نَاسِيا أَو جَاهِلا فَلَا بطلَان لَكِن لَا يعْتد بِمَا أَتَى بِهِ ثمَّ إِذا أَرَادَ الإِمَام الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة وَكَانَ الْمَأْمُوم أتم فاتحته ركع مَعَه وحسبت للْمَأْمُوم رَكْعَة ملفقة من قيام الأولى وقراءتها وَمن رُكُوع الثَّانِيَة واعتدالها وسجودها وَإِذا لم يكن الْمَأْمُوم أتم فاتحته عِنْد إِرَادَة الإِمَام الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة وَجب عَلَيْهِ نِيَّة الْمُفَارقَة فَإِن تخلف بِلَا نِيَّة مُفَارقَة عَامِدًا عَالما بطلت صلَاته
هَذَا إِن كَانَ تخلف الْمَأْمُوم فِي رَكْعَة أولى أَو ثَالِثَة من الرّبَاعِيّة
فَلَو كَانَ
تخلفه فِي رَكْعَة ثَانِيَة أَو ثَالِثَة من الثلاثية أَو رَابِعَة من الرّبَاعِيّة وَجلسَ الإِمَام للتَّشَهُّد الأول أَو الْأَخير وَالْمَأْمُوم فِي قيام الْقِرَاءَة وَجب عَلَيْهِ قطع الْقيام وَالْجُلُوس مَعَ الإِمَام ثمَّ إِذا قَامَ بعد التَّشَهُّد وَجب عَلَيْهِ اسْتِئْنَاف الْقِرَاءَة وَلَا يَبْنِي على مَا تقدم وَيجْرِي فِيهِ مَا سبق حَيْثُ كَانَت الْقدْوَة بَاقِيَة
أما الوسوسة فَلَيْسَتْ عذرا فَلَو ركع إِمَامه قبل أَن يتم هُوَ فاتحته بِسَبَب الوسوسة وَجب عَلَيْهِ التَّخَلُّف لإتمامها وَلَا يضر ذَلِك فِي صِحَة صلَاته مَا لم يسْبق بركنين
فَمَتَى أَرَادَ إِمَامه الْهَوِي للسُّجُود قبل أَن يتم فاتحته وَجَبت عَلَيْهِ نِيَّة الْمُفَارقَة فَإِن لم ينْو الْمُفَارقَة عَامِدًا عَالما وَهوى الإِمَام للسُّجُود بطلت صلَاته
الثَّانِيَة من شكّ قبل رُكُوعه وَبعد رُكُوع إِمَامه هَل قَرَأَ الْفَاتِحَة أم لَا فَيجب عَلَيْهِ التَّخَلُّف لقراءتها وَيغْتَفر لَهُ ثَلَاثَة أَرْكَان طَوِيلَة وَيَأْتِي فِيهَا وَفِيمَا يَأْتِي من بَقِيَّة الْمسَائِل جَمِيع مَا تقدم وَمثل الشَّك الْعلم بِالْأولَى فَإِن كَانَ ذَلِك بعد رُكُوعه وركوع إِمَامه لم يجز لَهُ الْعود إِلَى الْقيام بل يُوَافق إِمَامه ويتدارك بعد سَلام الإِمَام مَا فَاتَهُ
الثَّالِثَة من نسي أَنه فِي الصَّلَاة وَلم يقْرَأ حَتَّى ركع إِمَامه فيتخلف كَمَا تقدم
الرَّابِعَة من ذهل عَن الْفَاتِحَة حَتَّى ركع إِمَامه ثمَّ تذكر قبل أَن يرْكَع مَعَ إِمَامه فَإِن تذكر بعد أَن ركع مَعَه وَافق إِمَامه كَمَا تقدم ويتدارك بعد سَلام الإِمَام مَا فَاتَهُ
الْخَامِسَة لَو عدل الْمُوَافق عَن الْفَاتِحَة وأتى بِسنة كدعاء افْتِتَاح أَو تعوذ وَكَانَ يظنّ إِدْرَاك الْفَاتِحَة مَعَ ذَلِك فَإِن تحقق فَوت الْفَاتِحَة لَو اشْتغل بِالسنةِ فَلَا عذر فِي التَّخَلُّف بل إِن أتم الْفَاتِحَة وَأدْركَ الإِمَام فِي الرُّكُوع أدْرك الرَّكْعَة وَإِلَّا فَاتَتْهُ الرَّكْعَة ويوافق الإِمَام فِيمَا هُوَ فِيهِ وَلَا يجْرِي على نظم صَلَاة نَفسه فَإِن فَاتَهُ الإِمَام بركنين فعليين وَلم ينْو الْمُفَارقَة بطلت صلَاته
السَّادِسَة إِذا انْتظر الْمَأْمُوم سكُوت الإِمَام بعد الْفَاتِحَة ليقْرَأ هُوَ فِيهِ فَرَكَعَ عَقبهَا
السَّابِعَة إِذا أسْرع الإِمَام فِي التَّشَهُّد الأول وَقَامَ وتخلف الْمَأْمُوم لإتمامه وَبعد أَن أتمه قَامَ وَلم يدْرك مَعَ الإِمَام زَمنا يسع الْفَاتِحَة
الثَّامِنَة إِذا نَام الْمَأْمُوم فِي التَّشَهُّد الأول مُتَمَكنًا فَلَمَّا أَفَاق قَامَ وَلم يدْرك مَعَه زَمنا يسع الْفَاتِحَة
التَّاسِعَة لَو رفع الإِمَام رَأسه من السُّجُود الثَّانِي فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة مكبرا فَظن الْمَأْمُوم أَنه جلس للتَّشَهُّد الأول فَجَلَسَ هُوَ فَإِذا الإِمَام قَامَ وَترك التَّشَهُّد الأول
الْعَاشِرَة لَو سمع الْمَأْمُوم تَكْبِيرا وَهُوَ فِي أثْنَاء الْفَاتِحَة فَظَنهُ تَكْبِيرَة الإِمَام للرُّكُوع فَترك بَاقِي الْفَاتِحَة وَركع ثمَّ تبين لَهُ أَن الإِمَام بَاقٍ فِي قِيَامه فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْعود لتكميل الْفَاتِحَة
الْحَادِيَة عشرَة كَانَ فِي السُّجُود فنسي أَنه مقتد بِالْإِمَامِ وَاسْتمرّ نسيانه حَتَّى ركع إِمَامه
الثَّانِيَة عشرَة من شكّ فِي الزَّمَان الَّذِي أدْركهُ مَعَ الإِمَام بعد الْإِحْرَام هَل يسع الْفَاتِحَة أم لَا
الثَّالِثَة عشرَة من نذر على نَفسه قِرَاءَة سُورَة فِي الصَّلَاة عقب الْفَاتِحَة فَرَكَعَ الإِمَام قبل قرَاءَتهَا فَلهُ التَّخَلُّف ليَأْتِي بهَا
الرَّابِعَة عشرَة من شكّ قبل رُكُوعه وَبعد رُكُوع إِمَامه فِي حُرُوف الْفَاتِحَة فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمَا شكّ فِيهِ وَبَعْضهمْ يَجْعَل التَّخَلُّف للترتيل مَسْأَلَة مُسْتَقلَّة فيعد الْمسَائِل خمس عشرَة وَفِي جَمِيع هَذِه الْمسَائِل يغْتَفر لَهُ التَّخَلُّف بِثَلَاثَة أَرْكَان
طَوِيلَة هَذَا كُله فِي الْمَأْمُوم الْمُوَافق
(و) أما الْمَسْبُوق وَهُوَ ضد الْمُوَافق فَإِذا ركع الإِمَام قطع الْفَاتِحَة ليركع مَعَه وَسقط عَنهُ بقيتها فَإِن قَرَأَ الْفَاتِحَة ففاته الرُّكُوع مَعَ الإِمَام بِأَن لم يطمئن قبل ارْتِفَاع الإِمَام عَن أَقَله لغت ركعته إِذْ لم يدْرك مَعَ الإِمَام ركوعها فيوافقه فِيمَا هُوَ فِيهِ بعد فَلَو ركع عَامِدًا عَالما بِالتَّحْرِيمِ بطلت صلَاته وَحِينَئِذٍ كَانَ تخلفه بعد قِرَاءَة مَا أدْركهُ من الْفَاتِحَة لإتمامها بِلَا عذر وَكَانَ تخلفه بِلَا عذر بِأَن كَانَ عَامِدًا عَالما فَيكون مَكْرُوها بل تبطل صلَاته على وَجه ضَعِيف وَتبطل على الْمَذْهَب إِن سبقه الإِمَام بِتمَام ركنين فعليين هَذَا كُله إِن لم يشْتَغل الْمَسْبُوق بِسنة فَأَما (لَو اشْتغل مَسْبُوق بِسنة) كالتعوذ والافتتاح أَو سكت أَو اسْتمع قِرَاءَة الإِمَام أَو غَيره (قَرَأَ) وجوبا من الْفَاتِحَة بعد رُكُوع الإِمَام (قدرهَا) أَي قدر حُرُوف السّنة فِي ظَنّه فَيجب أَن يعد أَو يحْتَاط وَيصرف قدر الزَّمن الَّذِي سكته إِلَى قِرَاءَة مَا يَسعهُ من الْفَاتِحَة لتَقْصِيره بعدوله عَن فرض إِلَى غَيره (وَعذر) أَي من تخلف لسنة فَمَتَى ركع قبل وَفَاء مَا لزمَه عَامِدًا عَالما بطلت صلَاته وَإِلَّا لم يعْتد بِمَا فعله فَيَأْتِي بِرَكْعَة بعد سَلام إِمَامه وَمَتى ركع إِمَامه وَهُوَ متخلف لما لزمَه وَقَامَ من رُكُوعه فَاتَتْهُ الرَّكْعَة وَوَجَب مُوَافقَة الإِمَام فِي هويه للسُّجُود فَلَا يرْكَع وَإِلَّا بطلت صلَاته إِن علم وتعمد وَالْمرَاد بِكَوْنِهِ مَعْذُورًا أَنه لَا كَرَاهَة وَلَا بطلَان بتخلفه قطعا وَأَنه مُلْزم بِالْقِرَاءَةِ فَيكون مَحل بطلَان صلَاته بهوي الإِمَام للسُّجُود إِذا لم يُفَارِقهُ فِي غير هَذِه الصُّورَة لَكِن تفوته الرَّكْعَة وَلَيْسَ معنى كَونه مُتَخَلِّفًا بِعُذْر أَنه يعْطى حكم الْمَعْذُور من كل وَجه أما من تخلف لغير سنة كمن أَتَى بتسبيح بعد تحرم فَهُوَ مقصر فَإِذا فَاتَهُ الرُّكُوع فَاتَتْهُ الرَّكْعَة اتِّفَاقًا
(وَسَبقه على إِمَام بركنين فعليين) تامين متواليين سَوَاء كَانَا طويلين أم قصيرين كَأَن ركع واعتدل وَالْإِمَام لم يرْكَع (مُبْطل) للصَّلَاة إِذا كَانَ عَامِدًا عَالما بِتَحْرِيمِهِ للمخالفة الْفَاحِشَة بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ سَاهِيا أَو جَاهِلا فَإِنَّهُ لَا يضر إِلَّا أَنه لَا يعْتد لَهُ بهما فَإِن لم يعد للإتيان بهما مَعَ إِمَامه لسَهْوه أَو جَهله أَتَى بعد سَلام الإِمَام بِرَكْعَة وَإِلَّا أعَاد الصَّلَاة
(و) سبقه (بِرُكْن فعلي) تَامّ عمدا كَأَن ركع وَرفع وَالْإِمَام قَائِم (حرَام) وَهُوَ كَبِيرَة لقَوْله صلى الله عليه وسلم أما يخْشَى الَّذِي يرفع رَأسه قبل رَأس الإِمَام أَن يحول الله رَأسه رَأس حمَار
وَيُؤْخَذ من هَذَا الحَدِيث
أَن السَّبق بِبَعْض ركن كَأَن ركع قبل الإِمَام ولحقه الإِمَام فِي الرُّكُوع كالسبق بِرُكْن فَهُوَ كَبِيرَة أَيْضا فِي قَول (ومقارنته) أَي الْمَأْمُوم للْإِمَام (فِي أَفعَال مَكْرُوهَة كتخلف عَنهُ) أَي الإِمَام (إِلَى فرَاغ ركن)
وَالْحَاصِل أَن الْمُقَارنَة على خَمْسَة أَقسَام حرَام مَانِعَة من الِانْعِقَاد وَهِي الْمُقَارنَة فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام ومندوبة وَهِي الْمُقَارنَة فِي التَّأْمِين ومكروهة مفوتة لفضيلة الْجَمَاعَة فِيمَا قَارن فِيهِ مَعَ الْعمد وَهِي الْمُقَارنَة فِي الْأَفْعَال وَفِي السَّلَام وواجبة إِذا علم أَنه إِن لم يقْرَأ الْفَاتِحَة مَعَ الإِمَام لم يُدْرِكهَا ومباحة فِيمَا عدا ذَلِك
(و) السَّابِع أَن لَا يقْتَدى بِمن يعْتَقد بطلَان صلَاته فَإِذا كَانَ هَذَا شرطا لصِحَّة الْقدْوَة فَحِينَئِذٍ (لَا يَصح قدوة بِمن اعْتقد بطلَان صلَاته) وَالْمرَاد بالاعتقاد مَا يَشْمَل غَلَبَة الظَّن كشافعي اقْتدى بحنفي مس فرجه وكمجتهدين اخْتلفَا فِي إناءين من المَاء طَاهِر ومتنجس وكل مِنْهُمَا تَوَضَّأ بِمَا ظَنّه الطَّاهِر فَلَا يَقْتَدِي أَحدهمَا بِالْآخرِ لظَنّه بطلَان صلَاته بِمُقْتَضى اجْتِهَاده
(و) الثَّامِن أَن لَا يقْتَدى بِمن يجوز كَونه مَأْمُوما فَحِينَئِذٍ (لَا) يَصح قدوة (بمقتد) وَلَا بِمن شكّ فِي كَونه مقتديا وَلَو اقْتدى مَسْبُوق بعد سَلام إِمَامه بمسبوق آخر صَحَّ فِي غير الْجُمُعَة لَكِن لَا ثَوَاب فِيهِ لِأَن فِيهِ نِيَّة الْقدْوَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَيُؤْخَذ من ذَلِك أَنه لَو اقْتدى بِهِ إِنْسَان من أول صلَاته كَانَ فِيهِ الثَّوَاب أما فِي الْجُمُعَة فَلَا يَصح إِذْ لَا يجوز إنْشَاء جُمُعَة بعد أُخْرَى
(و) التَّاسِع أَن لَا يكون الْمَأْمُوم قَارِئًا وَالْإِمَام أُمِّيا سَوَاء أمكنه التَّعَلُّم أَو لَا فَحِينَئِذٍ (لَا) يَصح قدوة (قارىء بأمي) وَهُوَ من يخل بِحرف من الْفَاتِحَة كأرت بمثناة فوقية وَهُوَ من يدغم بإبدال فِي غير مَحل الْإِدْغَام بِخِلَاف الْإِدْغَام بِلَا إِبْدَال كتشديد اللَّام أَو الْكَاف من مَالك
أَو ألثغ بمثلثة وَهُوَ من يُبدل حرفا بِغَيْرِهِ كَأَن يَأْتِي بِالْمُثَلثَةِ بدل السِّين فَيَقُول المثتقيم أَو بِالْهَمْزَةِ بدل الْقَاف فِي الْمُسْتَقيم أَو بالزاي أَو الدَّال الْمُهْملَة بدل الذَّال الْمُعْجَمَة فِي الَّذين وَمن الْإِخْلَال بِحرف تَخْفيف مشدد من الْفَاتِحَة وَمثل الْإِبْدَال اللّحن الَّذِي يُغير الْمَعْنى كضم تَاء أَنْعَمت أَو كسرهَا ثمَّ إِن كَانَ فَاعل ذَلِك قَادِرًا على التَّعَلُّم فَصلَاته بَاطِلَة فَلَا يَصح أَن يكون إِمَامًا لأحد مُطلقًا وَإِن كَانَ عَاجز عَن التَّعَلُّم فَصلَاته فِي نَفسه صَحِيحَة كاقتداء مثله بِهِ وَلَا بُد من الْمُمَاثلَة فِي الْحَرْف المعجوز عَنهُ وَفِي مَحَله فَلَو اخْتلفَا فِي ذَلِك لَا يَصح اقْتِدَاء أَحدهمَا بِالْآخرِ لِأَن كلا يحسن مَا لَا يُحسنهُ الآخر وَمن ذَلِك يُؤْخَذ أَنه لَا يَصح اقْتِدَاء أخرس بأخرس أصليين أَو عارضين فَإِن كَانَ أَحدهمَا أَصْلِيًّا وَالْآخر عارضا صَحَّ اقْتِدَاء الْأَصْلِيّ بالعارض دون عَكسه وَلَو كَانَت اللثغة يسيرَة بِأَن لم تمنع أصل مخرج الْحُرُوف بل كَانَ غير صَاف لم تُؤثر لِأَنَّهُ لم يحصل إِبْدَال
وَلَو تردد الْمَأْمُوم
فِي حَال الإِمَام فَإِن كَانَ فِي سَرِيَّة فَلَا ضَرَر وَإِن كَانَ فِي جهرية وَأسر الإِمَام تَابعه الْمَأْمُوم وَوَجَب عَلَيْهِ الْبَحْث عَن حَاله بعد السَّلَام فَإِن تبين أَنه غير قارىء أعَاد وَإِن تبين أَنه قارىء وَلَو بقوله نسيت الْجَهْر أَو أسررت لكَونه جَائِزا وَصدق الْمَأْمُوم لم يعد وَإِن لم يتَبَيَّن حَاله كَأَن تعذر عَلَيْهِ الْبَحْث أَو بحث مَعَه فَلم يجبهُ قيل تجب الْإِعَادَة وَقيل لَا وَلَو طَرَأَ للْإِمَام الْعَجز فِي أثْنَاء صلَاته كخرسه لزم الْمَأْمُوم مُفَارقَته فَإِن لم يعلم بِحَالهِ إِلَّا بعد السَّلَام لَزِمته الْإِعَادَة لِأَن ذَلِك نَادِر فَإِن كَانَ اللّحن لَا يُغير الْمَعْنى كضم هَاء لله وَكسر بَاء نعْبد أَو فتحهَا وَضم صَاد الصِّرَاط لَا يضر فِي صِحَة الصَّلَاة وَلَا الْقدْوَة وَإِن كَانَ الْمُتَعَمد لذَلِك آثِما
وَالْحَاصِل أَن اللّحن حرَام على الْعَامِد الْعَالم الْقَادِر مُطلقًا ثمَّ إِن كَانَ يُغير الْمَعْنى فَإِن كَانَ قَادِرًا على الصَّوَاب أَو أمكنه التَّعَلُّم فَسدتْ صلَاته والقدوة بِهِ مُطلقًا وَإِلَّا فَصلَاته صَحِيحَة وقدوة مثله بِهِ صَحِيحَة دون غير مثله هَذَا بِالنِّسْبَةِ للفاتحة وَمثلهَا بدلهَا
أما تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَإِن كَانَ يخل بِهِ مَعَ الْقُدْرَة وائتم بِهِ غَيره فَإِن دخل فِي الصَّلَاة عَالما بِأَن إِمَامه يخل بِالتَّكْبِيرِ لم تَنْعَقِد وَإِن لم يعلم إِلَّا بعد فرَاغ الصَّلَاة وَجَبت الْإِعَادَة وَإِن علم فِي الْأَثْنَاء وَجب الِاسْتِئْنَاف وَلَا تَنْفَعهُ نِيَّة الْمُفَارقَة وَأما مَعَ الْعَجز فَلَا ضَرَر
وَأما الْإِخْلَال فِي التَّشَهُّد فَإِن دخل الْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة مَعَه عَالما بذلك لم تَنْعَقِد صلَاته فَإِن لم يعلم إِلَّا بعد أَن سلم لَا إِعَادَة وَإِن كَانَ قبل سَلَامه سجد للسَّهْو وَسلم وَلَا إِعَادَة أَيْضا وَإِن كَانَ فِي أثْنَاء التَّشَهُّد انتظره لَعَلَّه يُعِيدهُ على الصَّوَاب فَإِذا سلم وَلم يعده سجد الْمَأْمُوم للسَّهْو وَسلم وَإِنَّمَا سجد للسَّهْو حملا على أَنه أخل بذلك سَهوا وَمَا يبطل عمده يسن السُّجُود لسَهْوه وَحكم السَّلَام كالتشهد وَجَمِيع مَا تقرر إِنَّمَا هُوَ فِي إِبْدَال حرف بآخر أَو لحن يُغير الْمَعْنى أما مَا لَا يُغير الْمَعْنى فَلَا يضر فِي صِحَة الصَّلَاة وَلَا الْقدْوَة وَبحث الْأَذْرَعِيّ صِحَة اقْتِدَاء من يحسن نَحْو التَّكْبِير أَو التَّشَهُّد بِالْعَرَبِيَّةِ بِمن لَا يحسنها بهَا وَوَجهه أَن هَذِه لَا مدْخل لتحمل الإِمَام فِيهَا فَلم ينظر لعَجزه عَنْهَا
وَأما السُّورَة فَإِن كَانَ اللّحن لَا يُغير الْمَعْنى صحت صلَاته والقدوة بِهِ لكنه مَعَ التعمد وَالْعلم حرَام وَإِن كَانَ يُغير الْمَعْنى فَإِن عجز عَن التَّعَلُّم أَو كَانَ نَاسِيا أَو جَاهِلا صحت صلَاته والقدوة بِهِ مُطلقًا مَعَ الْكَرَاهَة وَلَو قيل بِحرْمَة قِرَاءَة غير الْفَاتِحَة على مثل هَذَا لم يكن بَعيدا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى ذَلِك فَإِن كَانَ قَادِرًا على التَّعَلُّم وَكَانَ عَامِدًا عَالما لَا تصح صلَاته وَلَا الْقدْوَة بِهِ للْعَالم بِحَالهِ وَلَا يَصح اقْتِدَاء من يحسن الْفَاتِحَة بِمن لَا يحسن إِلَّا بدلهَا
والعاشر أَن لَا يكون الإِمَام أنقص من الْمَأْمُوم بِصفة ذاتية فَلَا يجوز أَن يَقْتَدِي ذكر بأنثى أَو خُنْثَى وَلَا خُنْثَى بأنثى أَو خُنْثَى لاحْتِمَال أَن يكون الْخُنْثَى الإِمَام أُنْثَى وَالْخُنْثَى الْمَأْمُوم ذكرا فَهَذِهِ أَربع بَاطِلَة وَيصِح اقْتِدَاء أُنْثَى بأنثى وبخنثى كَمَا يَصح اقْتِدَاء أُنْثَى بِذكر وَخُنْثَى بِذكر وَذكر بِذكر وَهَذِه خمس صَحِيحَة فالمجموع تسع صور أَربع بَاطِلَة وَخمْس صَحِيحَة كَمَا سَمِعت
وَالْحَادِي عشر أَن لَا يَقْتَدِي بِمن تلْزمهُ الْإِعَادَة كالمتيمم للبرد أَو لفقد المَاء بِمحل يغلب فِيهِ وجود المَاء وفاقد الطهُورَيْنِ وَلَو كَانَ الْمَأْمُوم مثله فِي ذَلِك لَكِن مَحل ذَلِك إِن علم الْمَأْمُوم بِحَالهِ وَلَو نسي
بعد ذَلِك بِخِلَاف مَا إِذا لم يعلم بِحَالهِ إِلَّا بعد فرَاغ الْقدْوَة فَإِنَّهُ لَا يضر لِأَن غَايَة مَا فِيهِ أَن الإِمَام إِمَّا مُحدث أَو بِمَنْزِلَتِهِ وَتبين حدث الإِمَام بعد الصَّلَاة لَا يُوجب الْإِعَادَة
وَالثَّانِي عشر توَافق نظم صَلَاة الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي الْأَفْعَال الظَّاهِرَة فَلَا يَصح الِاقْتِدَاء مَعَ اختلافه كمكتوبة وكسوف أَو جَنَازَة لتعذر الْمُتَابَعَة حِينَئِذٍ وَيصِح اقْتِدَاء مؤد بقاض ومفترض بمتنفل وَفِي طَوِيلَة بقصيرة كَظهر بصبح وبالعكوس وَلَا يضر اخْتِلَاف نِيَّة الإِمَام وَالْمَأْمُوم بِمثل ذَلِك والمقتدى فِي نَحْو ظهر بصبح أَو مغرب كمسبوق فَيتم صلَاته بعد سَلام إِمَامه وَالْأَفْضَل مُتَابَعَته فِي قنوت الصُّبْح وَفِي تشهد آخر الْمغرب وَله فِرَاقه بِالنِّيَّةِ إِذا اشْتغل بهما والمقتدى فِي صبح أَو مغرب بِنَحْوِ ظهر إِذا أتم صلَاته لَهُ مُفَارقَة الإِمَام بِالنِّيَّةِ وَالْأَفْضَل انْتِظَاره فِي الصُّبْح ليسلم مَعَه بِخِلَافِهِ فِي الْمغرب لَيْسَ لَهُ انْتِظَاره لِأَنَّهُ يحدث جُلُوس تشهد لم يَفْعَله الإِمَام وَله أَن يقنت فِي الصُّبْح إِن أمكنه الْقُنُوت بِأَن كَانَ يدْرك الإِمَام قبل هويه للسجدة الثَّانِيَة وَإِلَّا تَركه وجوبا إِن لم ينْو الْمُفَارقَة وَلَا سُجُود عَلَيْهِ لتحمل الإِمَام لَهُ وَنِيَّة الْمُفَارقَة فِي ذَلِك لعذر فَلَا تفوت فَضِيلَة الْجَمَاعَة وَتجوز صَلَاة الْعشَاء خلف من يُصَلِّي التَّرَاوِيح فَإِذا سلم الإِمَام من الرَّكْعَتَيْنِ قَامَ الْمَأْمُوم إِلَى بَاقِي صلَاته وأتمها مُنْفَردا وَيصِح الِاقْتِدَاء فِي الْفَرْض خلف صَلَاة الْعِيد أَو الاسْتِسْقَاء وَإِذا أَتَى الإِمَام بتكبيرات الْعِيد ندب للْمَأْمُوم أَن لَا يُتَابِعه فِيهَا فَإِن تَابعه فِيهَا لَا يضر
وَمَا عدا هَذِه الاثْنَي عشر مِمَّا يذكرُونَهُ فِي الشُّرُوط إِمَّا دَاخل فِيمَا ذكر أَو جَار على مَرْجُوح وَكره الِاقْتِدَاء فِي أثْنَاء صلَاته وَلَا تحصل لَهُ فَضِيلَة الْجَمَاعَة وَيتبع الإِمَام فِيمَا هُوَ فِيهِ فَإِن فرغ إِمَامه أَولا فَهُوَ كمسبوق أَو فرغ هُوَ أَولا فانتظاره أفضل من مُفَارقَته ليسلم مَعَه مَا لم يحدث جُلُوسًا لم يَفْعَله الإِمَام كَأَن نوى الِاقْتِدَاء فِي رَابِعَة الرّبَاعِيّة بِإِمَام فِي أَولهَا فتتعين عَلَيْهِ نِيَّة الْمُفَارقَة حِينَئِذٍ قبل رفع رَأسه من السَّجْدَة الثَّانِيَة بل لَو نوى الِاقْتِدَاء وَهُوَ فِي السَّجْدَة الثَّانِيَة من الرَّكْعَة الْأَخِيرَة بِإِمَام فِي الْقيام لم يجز لَهُ رفع رَأسه مِنْهَا بل ينتظره فِيهَا أَو يَنْوِي الْمُفَارقَة وَكَذَا لَو كَانَ فِي التَّشَهُّد الْأَخير وَنوى الِاقْتِدَاء بِإِمَام فِي الْقيام لم يجز مُتَابَعَته بل ينتظره أَو يَنْوِي الْمُفَارقَة وَلَا يضر الِانْتِظَار فِي هَذَا الْجُلُوس وَإِن كَانَ لم يَفْعَله الإِمَام لِأَن هَذَا لَيْسَ إِحْدَاث جُلُوس بل دَوَامه وَيغْتَفر فِي الدَّوَام مَا لَا يغْتَفر فِي الِابْتِدَاء وَنِيَّة الْمُفَارقَة بِلَا عذر مَكْرُوهَة مفوتة لفضيلة الْجَمَاعَة فَلَا يحرم عَلَيْهِ قطع الْقدْوَة بنية الْمُفَارقَة
وَإِن قُلْنَا إِن الْجَمَاعَة فرض كِفَايَة لِأَن فرض الْكِفَايَة لَا يلْزم بِالشُّرُوعِ فِيهِ إِلَّا فِي الْجِهَاد وَصَلَاة الْجِنَازَة وَالْحج وَالْعمْرَة وَمحل جَوَاز ذَلِك مَا لم يَتَرَتَّب على ذَلِك تَعْطِيل الْجَمَاعَة كَأَن لم يكن هُنَاكَ إِلَّا إِمَام ومأموم وَإِلَّا حرم لِأَن فرض الْكِفَايَة إِذا انحصر تعين فَإِن كَانَت الْمُفَارقَة لعذر كَمَرَض وَتَطْوِيل إِمَام وَتَركه سنة مَقْصُودَة وَهِي مَا جبر بسجود السَّهْو أَو قوي الْخلاف فِي وُجُوبهَا أَو وَردت الْأَدِلَّة بعظيم فَضلهَا فَلَا كَرَاهَة وَلَا تَفْوِيت وَمِمَّا وَردت الْأَدِلَّة بعظيم فَضلهَا التسبيحات خُصُوصا وَقد نقل عَن الإِمَام أَحْمد بطلَان الصَّلَاة بِتَرْكِهَا عمدا وَوُجُوب سُجُود السَّهْو بِتَرْكِهَا نِسْيَانا بِخِلَاف تَكْبِير الِانْتِقَالَات وجلسة الاسْتِرَاحَة
وَرفع الْيَدَيْنِ من قيام التَّشَهُّد الأول لِأَنَّهُ لَا يفوت على الْمَأْمُوم بترك الإِمَام لَهَا شَيْء لِأَنَّهُ يُمكنهُ الْإِتْيَان بِهِ وَإِن تَركه إِمَامه وتنقطع الْقدْوَة بِخُرُوج إِمَامه من صلابة بِحَدَث أَو غَيره كموت أَو وُقُوع نَجَاسَة عَلَيْهِ وَلم يزلها حَالا وَإِذا انْقَطَعت الْقدْوَة بذلك صَار الْمَأْمُوم مُسْتقِلّا فَلهُ أَن يَقْتَدِي بِغَيْر هَذَا وَلغيره أَن يَقْتَدِي بِهِ وَإِذا حصل مِنْهُ سَهْو بعد انقطاعها وَلم يقتد بِغَيْرِهِ لَا يتحمله عَنهُ أحد بِخِلَاف السَّهْو الْحَاصِل مِنْهُ قبل انقطاعها وَقد تجب نِيَّة الْمُفَارقَة مَعَ انْقِطَاع الْقدْوَة لوُجُود الْمُتَابَعَة الصورية بِبَقَاء الإِمَام على صُورَة الْمُصَلِّين أما لَو ترك الصَّلَاة وَانْصَرف أَو جلس على غير هَيْئَة الْمُصَلِّين أَو مَاتَ فَلَا يحْتَاج لنِيَّة الْمُفَارقَة
وَالْجَمَاعَة فِي الْجُمُعَة ثمَّ صبح الْجُمُعَة ثمَّ صبح غَيرهَا ثمَّ الْعشَاء ثمَّ الْعَصْر أفضل ثمَّ الظّهْر وَالْمغْرب
(وَلَو اقْتدى مِمَّن ظَنّه أَهلا) أَي متصفا بِصفة الْإِمَامَة (فَبَان) بعد الصَّلَاة كَون الإِمَام (خِلَافه) أَي على خلاف ظَنّه (أعَاد) صلَاته لتَقْصِيره بترك الْبَحْث إِذْ أَمارَة الْمُبْطل من أنوثة أَو كفر ظَاهِرَة لَا تخفى وَالْخُنْثَى ينتشر أمره غَالِبا وَالْمرَاد بِالظَّنِّ مَا قَابل الْعلم فَيدْخل فِيهِ من جهل إِسْلَامه أَو قِرَاءَته فَتَصِح الْقدْوَة بِهِ حَيْثُ لم يتَبَيَّن بِهِ نقص يُوجب الْإِعَادَة وَلَيْسَ المُرَاد أَنه لَو لم يظنّ ذكورته وَلَا إِسْلَامه لم تصح الْقدْوَة بِهِ لِأَنَّهُ قد يُقَال جهل الْإِسْلَام يُفِيد الظَّن بِالنّظرِ للْغَالِب على من يُصَلِّي أَنه مُسلم
وَالْحَاصِل أَنه لَو بَان إِمَامه كَافِرًا وَلَو مخفيا كفره كزنديق أَو خُنْثَى أَو مَجْنُونا أَو أُمِّيا قَادِرًا على التَّعَلُّم أَو تَارِكًا للفاتحة أَو الْبَسْمَلَة فِي الجهرية أَو تجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة أَو سَاجِدا على كمه الَّذِي يَتَحَرَّك بحركته أَو تَارِكًا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام أَو قَادِرًا على الْقيام أَو الستْرَة وَكَانَ يُصَلِّي من قعُود أَو عَارِيا وَجَبت الْإِعَادَة إِن بَان بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة فَإِن بَان فِي أَثْنَائِهَا وَجب استئنافها لكَون الإِمَام لَيْسَ من أهل الْإِمَامَة فِي ذَاته (لَا) إِن بَان إِمَامه (ذَا حدث) وَلَو أكبر (أَو خبث) أَي ذَا نَجَاسَة خُفْيَة وَهِي الْحكمِيَّة الَّتِي لَا يدْرك لَهَا طعم وَلَا لون وَلَا ريح وَمثل ذَلِك كل مَا يخفى على الْمَأْمُوم عَادَة كَعَدم النِّيَّة وكتيممه بِمحل يغلب فِيهِ وجود المَاء وَكَونه تَارِكًا للفاتحة أَو للبسملة فِي السّريَّة أَو للتَّشَهُّد مُطلقًا وَلَو أحرم الْمَأْمُوم بِإِحْرَام الإِمَام ثمَّ كبر الإِمَام ثَانِيًا بنية سرا لكَونه شكّ فِي التَّكْبِير الأول لَا يضر فِي صِحَة صَلَاة الْمَأْمُوم لِأَن هَذَا مِمَّا يخفى وَلَا أَمارَة عَلَيْهِ أما لَو بَان إِمَامه ذَا نَجَاسَة ظَاهِرَة وَهِي العينية فَإِنَّهُ تلْزمهُ الْإِعَادَة وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْقَرِيب والبعيد وَلَا بَين الْقَائِم والقاعد وَلَا بَين الْأَعْمَى والبصير وَلَا بَين بَاطِن الثَّوْب وَظَاهره نظرا للشأن
(وَصَحَّ اقْتِدَاء سليم بسلس) وطاهر بمستحاضة غير متحيرة وحافظ قُرْآن بحافظ القاتحة فَقَط وكامل اللبَاس بساتر عَوْرَته فَقَط وَلَو بالطين ومتوضىء بالجامع بَين التُّرَاب وَالْمَاء ولابس بِمن عجز عَن الستْرَة ومتوضىء بماسح الْخُف أَو الْجَبِيرَة حَيْثُ لَا تلْزمهُ الْإِعَادَة وبالمتيمم الَّذِي لَا تلْزمهُ الْإِعَادَة وَيصِح اقْتِدَاء الْبَالِغ بِالصَّبِيِّ وَالْحر بِمن فِيهِ رق
نعم الْبَالِغ أولى من الصَّبِي وَالْحر أولى من الرَّقِيق وَيصِح اقْتِدَاء الْقَائِم بالقاعد وبالمضطجع وَإِن كَانَ موميا حَيْثُ كَانَ يَأْتِي بالأركان فَأَما من يُشِير إِلَيْهَا بجفنه أَو يجْرِي أَفعَال الصَّلَاة على قلبه فَلَا يَصح الِاقْتِدَاء بِهِ لعدم الْعلم بانتقالاته كَمَا مر
نعم يَصح اقْتِدَاء
الْقَائِم بالمستلقي وَلَو موميا حَيْثُ علم بانتقالات الإِمَام وَلَو بطرِيق الْكَشْف لِأَن الْمدَار على علمه بذلك وَهُوَ مَوْجُود فِيهِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَإِنَّمَا اغتفر ذَلِك فِي حَقه لعلمه بِحَقِيقَة الْحَال وَمحل كَون الخوارق لَا يعْتد بهَا قبل وُقُوعهَا أما بعد وُقُوعهَا فيعتد بهَا فِي حق من قَامَت بِهِ كَذَا قَالَ الشبراملسي
(وَكره) الِاقْتِدَاء (بفاسق ومبتدع) لَا يكفر ببدعته وبالتأتاء والفأفاء والوأواء وَمن تغلب على الْإِمَامَة وَلَا يَسْتَحِقهَا وَمن لَا يحْتَرز عَن النَّجَاسَة أَو يمحق هيئات الصَّلَاة أَو يتعاطى معيشة مذمومة أَو يعاشر أهل الْفسق وَنَحْوهم أَو لاحن بِمَا لَا يُغير الْمَعْنى أَو يكرههُ أَكثر الْقَوْم لأمر مَذْمُوم فِيهِ كإكثار الضحك والحكايات المضحكة تصنعا لَا طبعا فَإِن كرهه كلهم حرمت إِمَامَته وإمامة ولد الزِّنَا وَولد الْمُلَاعنَة وَمن لَا يعرف لَهُ أَب خلاف الأولى وَالْأَعْمَى والبصير فِي الْإِمَامَة سَوَاء كَعبد أفقه وحر غير أفقه
ثمَّ إِذا اجْتمع جمَاعَة مِمَّن فِيهِ أَهْلِيَّة الْإِمَامَة يقدم مِنْهُم الأفقه فِي الصَّلَاة فَالْأَصَحّ قِرَاءَة فالأكثر قُرْآنًا فالأزهد فالأورع فالمهاجر فالأقدم هِجْرَة فالأسن فِي الْإِسْلَام فالأشرف نسبا فَالْأَحْسَن ذكرا فالأنظف ثوبا فبدنا فصنعة أَي كسبا فَيقدم الزَّارِع والتاجر على غَيرهمَا فَالْأَحْسَن صَوتا فَالْأَحْسَن خلقا بِفَتْح الْخَاء بِأَن يكون سليم الْأَعْضَاء من الآفة مُسْتَقِيمًا فَالْأَحْسَن وَجها أَي الأجمل صُورَة فَهُوَ غير الْأَحْسَن خلقا كَمَا سَمِعت فَالْأَحْسَن زَوْجَة فالأبيض ثوبا فَيقدم على لابس غير الْأَبْيَض وَيقدم الْأَبْيَض وَجها على غَيره فَإِن اسْتَويَا وتشاحا أَقرع بَينهمَا
هَذَا كُله إِن لم يكن هُنَاكَ إِمَام راتب وَلَا إِمَام أعظم وَلَا نَائِبه وَلَا رب منزل وَإِلَّا قدم الْوَالِي فِي مَحل ولَايَته على غَيره وَلَو على رب الْمنزل وَالْإِمَام الرَّاتِب وَإِن اخْتصَّ ذَلِك الْغَيْر بِصِفَات مرجحة من فقه وَغَيره
وَيقدم من الْوُلَاة الْأَعْلَى فالأعلى فَيقدم السُّلْطَان على غَيره والباشا على القَاضِي وَنَحْو ذَلِك وَبعده الإِمَام الرَّاتِب وَهُوَ من ولاه النَّاظر تَوْلِيَة صَحِيحَة أَو كَانَ بِشَرْط الْوَاقِف فَإِن لم يحضر اسْتحبَّ أَن يبْعَث إِلَيْهِ ليحضر فَإِن خيف فَوَات الْوَقْت اسْتحبَّ أَن يتَقَدَّم غَيره إِلَّا أَن يخَاف فتْنَة فيصلوا فُرَادَى وَيقدم السَّاكِن بِحَق وَلَو غير مَالك على غَيره وَلَو مَالِكًا فَيقدم الْمُسْتَأْجر على الْمُؤَجّر وَيقدم الْمُوصى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ على مَالك الْعين
نعم لَا يقدم الْمُسْتَعِير على الْمُعير وَلَا غير الْمكَاتب على سَيّده الَّذِي أذن لَهُ فِي السُّكْنَى بل يقدم سَيّده عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا الْإِذْن إِعَارَة لِأَن الْإِعَارَة تَقْتَضِي ملك الِانْتِفَاع وَالرَّقِيق لَا يملك وَلَو بِتَمْلِيك سَيّده أما الْمكَاتب إِذا كَانَ سَاكِنا بِحقِّهِ فَلَا يقدم عَلَيْهِ سَيّده بل الْمكَاتب هُوَ الْمُقدم لاستقلاله فَإِذا أذن لسَيِّده فِي دُخُوله دَارا اشْتَرَاهَا مثلا فَهُوَ الْمُقدم لَا سَيّده فَإِن كَانَ سَيّده هُوَ الْمُعير لَهُ الدَّار فالسيد هُوَ الْمُقدم وَيُؤْخَذ مِمَّا تقدم بِالْأولَى عدم تَقْدِيمه على قنه الْمبعض فِيمَا ملكه بِبَعْضِه الْحر فَإِن لم يكن السَّاكِن أَهلا للْإِمَامَة كامرأة قدم من هُوَ أهل
وَينْدب فِي الْجَمَاعَة أَشْيَاء مِنْهَا أَنه يسن للْإِمَام التَّخْفِيف مَعَ فعل الأبعاض والهيئات إِلَّا أَن يُرْضِي المحصورون بتطويله وَيسن لَهُ نِيَّة الْجَمَاعَة فِي غير الْجُمُعَة وَتَصِح مِنْهُ نِيَّة الْإِمَامَة وَإِن لم
يكن إِمَامًا فِي الْحَال لِأَنَّهُ سيصير إِمَامًا وَإِذا لم يحضر عِنْده فِي هَذِه الْحَالة أحد لَكِن وثق بِالْجَمَاعَة صحت مِنْهُ نِيَّة الْإِمَامَة فَلَو فرغ من صلَاته وَلم يَأْتِ أحد فَصلَاته صَحِيحَة وَلَو أَتَى بِهَذِهِ النِّيَّة فِي أثْنَاء صلَاته جَازَ وَحَازَ الْفَضِيلَة من حِين النِّيَّة وَلَا تنعطف نِيَّته على مَا قبلهَا وَفهم مِمَّا تقدم أَنه لَو نوى الْمَأْمُوم الْجَمَاعَة وَلم ينوها الإِمَام حصلت الْفَضِيلَة للْمَأْمُوم دون الإِمَام وَثَبت لَهُ أَحْكَام الْقدْوَة كتحمل سَهْوه وفاتحته وَنَحْو ذَلِك
وَيسن للْإِمَام أَن يقف قُدَّام الْمقَام عِنْد الْكَعْبَة بِحَيْثُ يكون الْمقَام بَينه وَبَين الْكَعْبَة وَأَن يستدير المأمومون حولهَا وَلَا يضر كَونهم أقرب إِلَيْهَا فِي غير جِهَة الإِمَام مِنْهُ إِلَيْهَا فِي جِهَته كَمَا لَو وَقفا فِي الْكَعْبَة وَاخْتلفَا جِهَة فَإِنَّهُ إِذا اجْتمعَا فِيهَا يجوز أَن يكون وَجهه إِلَى وَجه الإِمَام أَو جنبه وَأَن يكون ظَهره إِلَى ظهر الإِمَام أَو جنبه وَلَا يجوز أَن يكون ظَهره إِلَى وَجه الإِمَام لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَقَدم عَلَيْهِ فِي جِهَته وَلَو وقف الإِمَام فِيهَا وَالْمَأْمُوم خَارِجهَا جَازَ وَله التَّوَجُّه إِلَى أَي جِهَة شَاءَ وَلَو وَقفا بِالْعَكْسِ جَازَ أَيْضا لَكِن لَا يتَوَجَّه الْمَأْمُوم إِلَى الْجِهَة الَّتِي توجه إِلَيْهَا الإِمَام بِحَيْثُ يكون ظَهره فِي وَجه الإِمَام لتقدمه عَلَيْهِ حِينَئِذٍ فِي جِهَته وَلَو وقف الإِمَام فِي ركن من أَرْكَانهَا فجهته مَجْمُوع جهتي جانبيه مَعَ الرُّكْنَيْنِ المتصلين بهما فَلَا يتَقَدَّم عَلَيْهِ الْمَأْمُوم فِي ذَلِك
وَحَاصِل مَا ذكر صور أَربع لِأَنَّهُمَا إِمَّا أَن يَكُونَا دَاخل الْكَعْبَة أَو خَارِجهَا أَو أَحدهمَا داخلها وَالْآخر خَارِجهَا وَقد علمت أَحْكَامهَا
وَيسن تَسْوِيَة الصُّفُوف وَأَن لَا يزِيد مَا بَين كل صفّين أَو شَخْصَيْنِ على ثَلَاثَة أَذْرع وَإِلَّا فَاتَ ثَوَاب الْجَمَاعَة من تَأَخّر بذلك
وَيكرهُ فِيهَا أُمُور مِنْهَا أَنه يكره للْإِمَام التَّطْوِيل وَلَو ليلحق آخَرُونَ وَلَو كَانَ من عَادَتهم الْحُضُور نعم لَو أحس فِي رُكُوع غير ثَان من صَلَاة الْكُسُوف أَو فِي تشهد أخير بداخل مَحل الصَّلَاة يَقْتَدِي بِهِ سنّ لَهُ انْتِظَاره لله تَعَالَى إِن لم يُبَالغ فِي الِانْتِظَار وَلم يُمَيّز بَين الداخلين وَإِلَّا كره
وَحَاصِل هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه يسن للْإِمَام انْتِظَار من يُرِيد الِاقْتِدَاء بِهِ بِشُرُوط تِسْعَة أَن يكون ذَلِك الِانْتِظَار فِي رُكُوع غير ثَان من صَلَاة الْكُسُوف أَو فِي تشهد أخير وَأَن لَا يخْشَى فَوت الْوَقْت وَأَن يكون الَّذِي ينتظره دَاخل مَحل الصَّلَاة دون من هُوَ خَارجه وَأَن ينتظره لله تَعَالَى لَا لتودد وَإِلَّا كره وَأَن لَا يُبَالغ فِي الِانْتِظَار وَلَو بِضَم انْتِظَار مَأْمُوم إِلَى آخر وَإِلَّا كره وَأَن لَا يُمَيّز بَين الداخلين فينتظر بَعْضًا دون بعض وَأَن يظنّ أَن يَقْتَدِي بِهِ ذَلِك الدَّاخِل وَأَن يظنّ أَنه يرى إِدْرَاك الرَّكْعَة بِالرُّكُوعِ وَأَن يظنّ أَنه يَأْتِي بِالْإِحْرَامِ على الْوَجْه الْمَطْلُوب من كَونه فِي الْقيام وَالْإِمَام لَيْسَ بِقَيْد بل مثله الْمُنْفَرد وَإِن كَانَ لَا يَأْتِي فِيهِ جَمِيع الشُّرُوط
وَيكرهُ ارْتِفَاع الْمَأْمُوم على إِمَامه وَعَكسه حَيْثُ أمكن وقوفهما على مستو إِلَّا لحَاجَة كتعليم الإِمَام الْمَأْمُومين صفة الصَّلَاة وكتبليغ الْمَأْمُوم تَكْبِيرَة الإِمَام فَيسنّ ارتفاعهما لذَلِك وَحَيْثُ لم تكن حَاجَة ثبتَتْ الْكَرَاهَة وفاتت فَضِيلَة الْجَمَاعَة مَا لم يكن وضع الْمَكَان مُشْتَمِلًا على انخفاض وارتفاع وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَة
وَلَو تعَارض عَلَيْهِ إِكْمَال الصَّفّ الأول لَكِن مَعَ ارْتِفَاع أَو انخفاض وَالْوُقُوف فِي الصَّفّ الثَّانِي بِدُونِ ذَلِك وقف فِي الصَّفّ الثَّانِي وَترك تَكْمِيل الأول لِأَن كَرَاهَة الأول أَشد فَإِنَّهَا تفوت فَضِيلَة الْجَمَاعَة اتِّفَاقًا بِخِلَاف تقطيع الصُّفُوف فَفِيهِ خلاف كَمَا تقدم
تَتِمَّة وَرخّص فِي ترك الْجَمَاعَة بِعُذْر عَام أَو خَاص كمشقة مطر وَمثله تقاطر السقوف على المارين بعد فرَاغ الْمَطَر وَشدَّة ريح بلَيْل أَو وَقت صبح وَمثل الرّيح الشَّدِيدَة الظلمَة الشَّدِيدَة وَالرِّيح الْبَارِدَة وَشدَّة وَحل وَشدَّة حر وَشدَّة برد وَشدَّة جوع وَشدَّة عَطش بِحَضْرَة طَعَام مَأْكُول أَو مشروب وَمَا قرب حُضُوره كالحاضر ومشقة مرض ومدافعة حدث وَخَوف على مَعْصُوم من نفس أَو عُضْو أَو مَنْفَعَة أَو مَال كخبز فِي تنور أَو قدر على نَار لَو ذهب للْجَمَاعَة وَتَركه تلف وَخَوف من غَرِيم لَهُ وبالخائف إعسار يعسر عَلَيْهِ إثْبَاته وَخَوف من عُقُوبَة يَرْجُو الْخَائِف الْعَفو بغيبته وَخَوف من تخلف عَن رفْقَة وفقد لِبَاس لَائِق وَأكل ذِي ريح كريهة تعسر إِزَالَتهَا لَا بِقصد إِسْقَاط الْجَمَاعَة وَإِلَّا لم يكن عذرا وَحُضُور مَرِيض بِلَا متعهد سواهُ أَو كَانَ لَهُ متعهد لَكِن كَانَ الْمَرِيض نَحْو قريب محتضر الرّوح أَي ويأنس بِهِ
وَمن الْأَعْذَار زَلْزَلَة وَغَلَبَة نُعَاس وَسمن مفرط وسعي فِي اسْتِرْدَاد مَال يَرْجُو حُصُوله لَهُ أَو لغيره وعمى حَيْثُ كَانَ الْأَعْمَى لَا يجد قائدا وَلَو بِأُجْرَة مثل قدر عَلَيْهَا وَلَا أثر لإحسانه الْمَشْي بالعصا والاشتغال بتجهيز ميت وَحمله وَدَفنه وَوُجُود من يُؤْذِيه فِي طَرِيقه بشتم أَو نَحوه مَا لم يُمكن دَفعه من غير مشقة وَالنِّسْيَان وَالْإِكْرَاه وَتَطْوِيل الإِمَام فَوق الْمَشْرُوع وَتَركه سنة مَقْصُودَة وَكَون الإِمَام مِمَّن يكره الِاقْتِدَاء بِهِ أَو كَانَ يخْشَى من الافتتان بِجَمَال أَمْرَد أَو كَانَ هُوَ مِمَّن يخْشَى الافتتان بِهِ وَمعنى كَون هَذِه أعذارا سُقُوط الطّلب بِسَبَبِهَا لَا حُصُول فَضِيلَة الْجَمَاعَة وَجزم الرَّوْيَانِيّ بِأَنَّهُ يكون محصلا لثواب الْجَمَاعَة إِذا صلى مُنْفَردا وَكَانَ قَصده الْجَمَاعَة لَوْلَا الْعذر وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد بِشَرْط أَن يكون ملازما لَهَا قبل الْعذر وَلم يتعاط السَّبَب بِاخْتِيَارِهِ وَلم يتأت لَهُ إِقَامَة الْجَمَاعَة فِي بَيته لَكِن الْفَضِيلَة الَّتِي تحصل لَهُ دون فَضِيلَة من فعلهَا
تَكْمِيل اعْلَم أَن الصَّلَوَات الْخمس بِالنِّسْبَةِ للقصر وَالْجمع ثَلَاثَة أَقسَام
قسم يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ وَهُوَ الرباعيات الثَّلَاث
وَقسم يجوز فِيهِ الْجمع دون الْقصر وَهُوَ الْمغرب
وَقسم لَا يجوز فِيهِ هَذَا وَلَا هَذَا وَهُوَ الصُّبْح
وَيجوز للْمُسَافِر قصر الصَّلَاة بِأَن يُصليهَا رَكْعَتَيْنِ بِشُرُوط اثنى عشر أَن تكون الصَّلَاة ربَاعِية مَكْتُوبَة أَصَالَة مُؤَدَّاة أَو فَائِتَة سفر قصر كالظهر وَالْعصر وَالْعشَاء وَأَن يكون الْمُسَافِر فِي سفر طَوِيل وَهُوَ سِتَّة عشر فرسخا وَهِي مرحلتان وَأَن لَا يكون عَاصِيا بِالسَّفرِ وَأَن يكون سَفَره لغَرَض صَحِيح ديني أَو دُنْيَوِيّ وَأَن يقْصد محلا مَعْلُوما فِي أول سَفَره
وَلَو بالجهة وَأَن لَا يرْبط صلَاته بِمن جهل سَفَره أَو بمتم وَلَو فِي نفس الْأَمر وَلَو فِي جُزْء من صلَاته وَلَو فِي صبح وَأَن يَنْوِي الْقصر مَعَ التَّحَرُّم كَأَن يَقُول مَقْصُورَة أَو رَكْعَتَيْنِ أَو صَلَاة السّفر وَأَن يتحرز عَن منافي نِيَّة الْقصر فِي دوَام الصَّلَاة ودوام السّفر فِي جَمِيع الصَّلَاة يَقِينا وَأَن يعلم بِجَوَاز الْقصر وَأَن يعلم الْكَيْفِيَّة وَأَن يُجَاوز مَحل الْإِقَامَة ويصل إِلَى مَحل يعد فِيهِ مُسَافِرًا وَيجوز للْمُسَافِر السّفر الْمَذْكُور أَن يجمع بَين الظّهْر وَالْعصر أَو بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي وَقت أَيهمَا شَاءَ تَقْدِيمًا فِي وَقت الأولى مِنْهُمَا أَو تَأْخِيرا فِي وَقت الثَّانِيَة مِنْهُمَا وَالْجُمُعَة كالظهر فِي جمع التَّقْدِيم فَقَط
وَيشْتَرط لجمع التَّقْدِيم سِتَّة شُرُوط الأول التَّرْتِيب بِأَن يبْدَأ بصاحبة الْوَقْت لِأَن الْوَقْت لَهَا فَلَو عكس التَّرْتِيب صحت صَاحِبَة الْوَقْت فَقَط الثَّانِي نِيَّة الْجمع فِي الأولى وَلَو مَعَ التَّحَلُّل مِنْهَا
الثَّالِث الْوَلَاء بَين الصَّلَاتَيْنِ بِأَن لَا يَتَخَلَّل بَين الصَّلَاتَيْنِ زمن يسع رَكْعَتَيْنِ بأخف مُمكن وَحِينَئِذٍ لَا يجوز أَن يُصَلِّي الرَّاتِبَة بَينهمَا
الرَّابِع دوَام السّفر إِلَى عقد الثَّانِيَة وَإِن أَقَامَ فِي أَثْنَائِهَا وَلَا يشْتَرط وجود السّفر عِنْد عقد الأولى
الْخَامِس بَقَاء وَقت الأولى يَقِينا إِلَى تَمام الثَّانِيَة فَيبْطل الْجمع وَالصَّلَاة إِذا خرج الْوَقْت فِي أثْنَاء الثَّانِيَة أَو شكّ فِي خُرُوجه
السَّادِس ظن صِحَة الأولى لتخرج الْمُتَحَيِّرَة فَلَيْسَ لَهَا جمع التَّقْدِيم وَكَذَا لَو كَانَت الأولى جُمُعَة فِي مَكَان تعدّدت فِيهِ لغير حَاجَة وَشك فِي السَّبق والمعية وَمثل ذَلِك كل من تلْزمهُ الْإِعَادَة كفاقد الطهُورَيْنِ والمتيمم للبرد أَو لفقد المَاء بِمحل يغلب فِيهِ الْوُجُود أَو نَحْو ذَلِك
وَيشْتَرط لجمع التَّأْخِير شَرْطَانِ الأول نِيَّة التَّأْخِير فِي وَقت الأولى مَا بَقِي مِنْهُ قدر يَسعهَا تَامَّة أَو مَقْصُورَة إِن أَرَادَ قصرهَا فَإِن لم ينْو التَّأْخِير أصلا أَو نَوَاه وَالْبَاقِي من الْوَقْت قدر لَا يَسعهَا عصى وَكَانَت قَضَاء مَا لم يُوقع مِنْهَا رَكْعَة أَو أَكثر فِي وَقتهَا وَإِلَّا فأداء مَعَ الْحُرْمَة
الثَّانِي دوَام السّفر إِلَى تَمام الصَّلَاتَيْنِ فَلَو أَقَامَ قبل ذَلِك صَارَت الَّتِي نوى تَأْخِيرهَا قَضَاء سَوَاء رتب بَين الصَّلَاتَيْنِ أَولا لَكِن لَا إِثْم فِيهِ وَلَو كَانَ انْتِهَاء السّفر فِي أثْنَاء الظّهْر الَّتِي نوى تَأْخِيرهَا فَائِتَة حضر فَلَا يجوز قصرهَا وَترك الْجمع أفضل وَإِذا أَرَادَ الْجمع فَإِن كَانَ نازلا فِي وَقت الأولى سائرا فِي وَقت الثَّانِيَة فَالْأَفْضَل جمع التَّقْدِيم وَإِن كَانَ نازلا فيهمَا أَو سائرا فيهمَا أَو سائرا فِي الأولى نازلا فِي الثَّانِيَة فَالْأَفْضَل جمع التَّأْخِير
وَيجوز للمقيم أَن يجمع مَا يجمع بِالسَّفرِ وَلَو عصرا مَعَ الْجُمُعَة تَقْدِيمًا فِي وَقت الأولى بِسَبَب الْمَطَر وَلَو كَانَ الْمَطَر قَلِيلا لَكِن كَانَ يبل الثَّوْب وَمثل الْمَطَر ثلج وَبرد ذائبان وشفان بِفَتْح الشين وَتَشْديد الْفَاء وَهُوَ ريح بَارِدَة يصحبها مطر قَلِيل وَلَا بُد أَن يكون كل وَاحِد مِنْهَا يبل الثَّوْب
وَلِهَذَا الْجمع شُرُوط ثَمَانِيَة أَن يُوجد نَحْو الْمَطَر عِنْد تحرمه بهما وَعند تحلله من الأولى ليتصل بِأول الثَّانِيَة وَيُؤْخَذ من ذَلِك اعْتِبَار امتداده بَينهمَا وَهُوَ الْمُعْتَمد وَلَا يضر انْقِطَاعه فِي أثْنَاء الأولى أَو الثَّانِيَة أَو بعدهمَا وَالتَّرْتِيب وَالْوَلَاء وَنِيَّة الْجمع كَمَا تقدم وَأَن تصلى الثَّانِيَة جمَاعَة وَإِن انفردوا قبل تَمام ركعتها الأولى وَلَو قبل ركوعها وَإِن لم يحصل ثَوَاب الْجَمَاعَة كَأَن كَانَت مَكْرُوهَة وَلَا بُد من نِيَّة الْجَمَاعَة أَو الْإِمَامَة وَإِلَّا لم تَنْعَقِد صلَاته وَلَا صلَاتهم