الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَوْقَات فَالْعِبْرَة بغالب قوت السّنة لَا غَالب قوت وَقت الْوُجُوب على الْمُعْتَمد فَأهل الْبَلَد الَّذين يقتاتون الذّرة فِي غَالب السّنة والقمح لَيْلَة الْعِيد مثلا يجب عَلَيْهِم الذّرة فَإِن غلب فِي بعض الْبَلَد جنس وَفِي بَعْضهَا جنس آخر أَجْزَأَ أدناهما فِي ذَلِك الْوَقْت هَكَذَا نصوا عَلَيْهِ وَلَا يجزى الْإِخْرَاج من غير هَذِه الأقوات الْأَرْبَعَة عشر فَلَو كَانَ بعض النواحي يقتاتون بغَيْرهَا كالنرجيل والمتخذ من مَاء عصير الشّجر وكالسمك وَجَبت الْفطْرَة من غَالب قوت أقرب الْبِلَاد إِلَيْهِم مِمَّا يجزى فِيهَا فَإِن كَانَ بقربهم محلان مستويان قربا وَاخْتلف الْغَالِب من الأقوات فيهمَا تخير بَينهمَا
وَلَو اخْتلف مَحل الْمُؤَدِّي والمؤدى عَنهُ فَالْعِبْرَة بغالب قوت مَحل الْمُؤَدى عَنهُ وَيجب صرفهَا إِلَى مستحقي مَحل الْمُؤَدى عَنهُ فَإِن لم يعرف مَحل الْمُؤَدى عَنهُ كَعبد أبق
قَالَ جمَاعَة يحْتَمل اسْتثِْنَاء هَذِه أَي فَيخرج السَّيِّد من غَالب قوت مَحَله وَيحْتَمل أَنه يخرج فطرته من غَالب قوت آخر مَحل عهد وُصُوله إِلَيْهِ لِأَن الأَصْل أَنه فِيهِ ويدفعه للْحَاكِم لِأَن لَهُ نقل الزَّكَاة وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَله أَن يخرج عَن نَفسه من قوت وَاجِب وَعَمن تلْزمهُ فطرته من زَوْجَة ورقيق وَنَحْوهمَا أَو عَمَّن تبرع عَنهُ بِإِذْنِهِ أَعلَى مِنْهُ لِأَنَّهُ زَاد خيرا
والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد
وَالْمدّ رَطْل وَثلث بالعراقي فَيكون الصَّاع خَمْسَة أَرْطَال وَثلثا بِهِ
قَالَ جمَاعَة الصَّاع أَربع حفنات بكفي رجل معتدلهما وَلَا بُد أَن يكون الْحبّ سليما فَلَا يجزى المسوس وَإِن اقتاته وَلَا بُد أَن يكون خَالِصا من التِّبْن والطين وَنَحْو ذَلِك
وَتسن الزِّيَادَة على الصَّاع لاحْتِمَال أَن يكون فِيهِ شَيْء من العفش وَلَا يجزى أقل من صَاع إِلَّا لمن بعضه مكَاتب ولرقيق مُشْتَرك بَين مُوسر ومعسر وَلمن لَا يملك زِيَادَة عَن كِفَايَة يَوْم الْعِيد وَلَيْلَته إِلَّا بعض الصَّاع
تَتِمَّة من أيسر بِبَعْض الْوَاجِب فَعَلَيهِ أَن يقدم نَفسه فزوجته فخادمها فولده الصَّغِير فأباه فأمه الفقيرين فولده الْكَبِير الَّذِي تجب نَفَقَته بِأَن كَانَ فَقِيرا عَاجِزا عَن الْكسْب فَإِن لم يكن كَذَلِك لَا تجب على الْأَب فطرته لعدم وجوب نَفَقَته وفطرة ولد الزِّنَا والمنفي بِاللّعانِ على أمهما لوُجُوب نفقتهما عَلَيْهَا (وَحرم تَأْخِيرهَا عَن يَوْمه) أَي الْفطر
وَالْحَاصِل أَن للفطرة خَمْسَة أَوْقَات وَقت جَوَاز وَهُوَ من ابْتِدَاء رَمَضَان فَإِنَّهُ يجوز تَعْجِيلهَا من ابْتِدَائه وَلَا يجوز إخْرَاجهَا قبله
وَوقت وجوب وَهُوَ بِإِدْرَاك جُزْء من رَمَضَان وجزء من شَوَّال
وَوقت ندب وَهُوَ قبل صَلَاة الْعِيد
وَوقت كَرَاهَة وَهُوَ مَا بعد صَلَاة الْعِيد وَقبل فرَاغ الْيَوْم فَإِنَّهُ يكره تَأْخِيرهَا عَنْهَا مَا لم يكن لعذر من انْتِظَار قريب أَو أحْوج
وَوقت حُرْمَة وَهُوَ مَا بعد يَوْم الْعِيد فَإِنَّهُ يحرم تَأْخِيرهَا عَنهُ وَتَكون قَضَاء يجب على الْفَوْر إِن كَانَ التَّأْخِير بِلَا عذر وَإِلَّا فعلى التَّرَاخِي
فصل فِي أَدَاء الزَّكَاة
وَهُوَ دَفعهَا لمستحقيها (يجب أَدَاؤُهَا فَوْرًا) لِأَن حَاجَة الْمُسْتَحقّين إِلَيْهَا
ناجزة وَلِأَنَّهَا حق لَزِمته وَقدر على أَدَائِهَا (بتمكن) من الْأَدَاء وَذَلِكَ (بِحُضُور مَال) وَإِن عسر الْوُصُول لَهُ لاتساع الْبَلَد مثلا أَو ضيَاع مِفْتَاح أَو نَحوه فَإِن لم يحضر المَال لم يلْزمه الْأَدَاء من مَحل آخر وَإِن جَوَّزنَا نقل الزَّكَاة
(و) بِحُضُور (مستحقيها) لِاسْتِحَالَة الْإِعْطَاء من غير قَابض وَإِن لم يطلبوا
وَالْفرق بَين هَذَا وَبَين دين الْآدَمِيّ حَيْثُ لَا يجب دَفعه إِلَّا بِالطَّلَبِ أَن الدّين لزم ذمَّة الْمَدِين بِاخْتِيَارِهِ وَرضَاهُ فتوقف وجوب دَفعه على طلبه بِخِلَاف مَا هُنَا فَإِنَّهُ وَجب لَهُ بِحكم الشَّارِع فَلم يتَوَقَّف وجوب دَفعه على طلب
(وحلول دين مَعَ قدرَة) على اسْتِيفَائه بِأَن كَانَ على ملىء حَاضر باذل أَو جَاحد عَلَيْهِ بَيِّنَة أَو يُعلمهُ القَاضِي أَو على غَيره وَقَبضه وبحصول جفاف فِي الثِّمَار وتنقية من نَحْو تبن فِي حب وتراب فِي مَعْدن وبخلو مَالك من مُهِمّ ديني أَو دُنْيَوِيّ كَمَا فِي رد الْوَدِيعَة وبزوال حجر فلس لِأَن الْحجر بِهِ مَانع من التَّصَرُّف وبعود مَغْصُوب وضال فَيخرج الزَّكَاة حِينَئِذٍ عَن الْأَحْوَال الْمَاضِيَة فَإِن تلف قبل التَّمَكُّن فَلَا زَكَاة
وَشرط لوُجُوب الْأَدَاء عَن التَّمَكُّن بِهَذِهِ الْأُمُور تقرر أُجْرَة قبضت قبل مُضِيّ الْمدَّة الْمَعْقُود عَلَيْهَا فَلَو أجر دَارا أَربع سِنِين بِمِائَة دِينَار مُعينَة أَو فِي الذِّمَّة وتسلمها لم يلْزمه كل سنة أَن يخرج إِلَّا زَكَاة مَا اسْتَقر عَلَيْهِ ملكه لضعف الْملك فِي غَيره بتعرضه للزوال بِتَلف الْعين الْمُؤجرَة بِخِلَاف الصَدَاق فَلَا يشْتَرط تقرره بتشطير أَو موت أَو وَطْء وَلذَا قَالَ (وَلَو أصدقهَا) أَي الْمَرْأَة (نِصَاب نقد زكته) لِأَنَّهَا ملكته بِالْعقدِ ملكا تَاما إِذْ لَا يسْقط بموتها قبل وَطْء وَإِن لم تسلم الْمَنَافِع للزَّوْج وَإِنَّمَا يثبت تشطيره بِتَصَرُّف مُبْتَدأ من الزَّوْج من طَلَاق وَنَحْوه وَبِذَلِك فَارق الْأُجْرَة فَإِذا أصدقهَا نِصَاب سَائِمَة مُعينَة وَمضى حول من الإصداق زكته وَإِن لم تقبضه وَلَا وَطئهَا وَخرج بمعينة مَا فِي الذِّمَّة لِأَن السّوم لَا يثبت فِيهَا بِخِلَاف إصداق النَّقْد فَإِنَّهُ يزكّى إِذا تمّ الْحول من الإصداق وَإِن كَانَ فِي الذِّمَّة وَقبل التَّمَكُّن وَبعده
(وَشرط لَهُ) أَي أَدَاء الزَّكَاة شَرْطَانِ أَحدهمَا (نِيَّة)
قَالَ ابْن حجر فِي (فتح الْجواد) وَالنِّيَّة فِي الزَّكَاة ركن وَلَا يشْتَرط النُّطْق بهَا وَلَا يَكْفِي وَحده اه
(كَهَذا زَكَاة) أَو زَكَاة المَال فتجزىء هَذِه النِّيَّة وَلَو بِدُونِ الْفَرْضِيَّة إِذْ الزَّكَاة لَا تكون إِلَّا فرضا
(أَو صَدَقَة مَفْرُوضَة) أَو وَاجِبَة وَكَذَا هَذَا فرض الصَّدَقَة وَلَا يضر شُمُوله لصدقة الْفطر أَلا ترى أَن نِيَّة الزَّكَاة تشملها وَذَلِكَ لدلَالَة مَا ذكر على الْمَقْصُود كَمَا اتّفق عَلَيْهِ الرَّمْلِيّ وَابْن حجر بِخِلَاف صَدَقَة مَالِي فَلَا يَكْفِي لشمولها النَّفْل وَفرض مَالِي لشُمُوله الْكَفَّارَة وَالنّذر وَصدقَة فَقَط لصدقها بِصَدقَة التَّطَوُّع
(لَا) يشْتَرط (مقارنتها) أَي النِّيَّة (للدَّفْع بل يَكْفِي) وجود النِّيَّة قبل الْأَدَاء إِن وجدت (عِنْد عزل أَو) عِنْد (إِعْطَاء وَكيل) أَو إِمَام
وَالْأَفْضَل لَهما أَن ينويا عِنْد التَّفْرِيق على الْمُسْتَحقّين أَيْضا أَو بعد أَحدهمَا
وَقبل التَّفْرِيق لعسر اقتران النِّيَّة بأَدَاء كل مُسْتَحقّ
(أَو) وجدت النِّيَّة (بعد أَحدهمَا) أَي الْعَزْل وَالتَّوْكِيل
(وَقبل التَّفْرِقَة) فَلَو دفع مَالا إِلَى وَكيله ليفرقه تَطَوّعا ثمَّ نوى بِهِ الْفَرْض ثمَّ فرقه الْوَكِيل وَقع عَن الْفَرْض إِن كَانَ الْقَابِض مُسْتَحقّا أما تَقْدِيم النِّيَّة على الْعَزْل أَو إِعْطَاء الْوَكِيل فَلَا يجزى كأداء الزَّكَاة بعد الْحول من غير نِيَّة وَلَو نوى الزَّكَاة مَعَ الْإِفْرَاز فَأَخذهَا صبي أَو كَافِر وَدفعهَا لمستحقها أَو أَخذهَا الْمُسْتَحق لنَفسِهِ ثمَّ علم الْمَالِك بذلك أَجْزَأَ وبرئت ذمَّته مِنْهَا لوُجُود النِّيَّة من الْمُخَاطب بِالزَّكَاةِ مُقَارنَة لفعله ويملكها الْمُسْتَحق لَكِن إِذا لم يعلم الْمَالِك بِإِعْطَاء الصَّبِي أَو الْكَافِر لمستحقها وَجب عَلَيْهِ إخْرَاجهَا وَتَقَع الأولى تَطَوّعا وَلَو أفرز قدرهَا ونواها لم يتَعَيَّن ذَلِك الْقدر المفرز لِلزَّكَاةِ إِلَّا بِقَبض الْمُسْتَحق لَهُ سَوَاء أَكَانَت زَكَاة مَال أم بدن وَالْفرق بَين ذَلِك وَالشَّاة الْمعينَة للتضحية أَن الْمُسْتَحقّين لِلزَّكَاةِ شُرَكَاء لِلْمَالِ بِقَدرِهَا فَلَا تَنْقَطِع شركتهم إِلَّا بِقَبض مُعْتَبر
(وَجَاز) كَمَا قَالَ الْجِرْجَانِيّ (لكل) من أحد الشَّرِيكَيْنِ (إِخْرَاج زَكَاة الْمُشْتَرك بِغَيْر إِذن) شَرِيكه (الآخر) وَمن ذَلِك يُؤْخَذ أَن نِيَّة أَحدهمَا تغني عَن نِيَّة الآخر وَذَلِكَ إِذا أخرج من الْمُشْتَرك (و) جَازَ التَّوْكِيل فِي أَدَاء الزَّكَاة لِأَنَّهَا حق مَالِي فَجَاز أَن يُوكل فِيهِ كديون الْآدَمِيّين وَلذَلِك جَازَ (تَوْكِيل كَافِر وَصبي) أَي مُمَيّز (فِي إعطائها لمُعين) أَي يشْتَرط لجَوَاز تَوْكِيل دفع الزَّكَاة إِلَى من ذكر تعْيين الْمَدْفُوع إِلَيْهِ وَيشْتَرط لبراءة ذمَّة الْمُوكل الْعلم بوصولها للْمُسْتَحقّ وَمثل الصَّبِي الْمُمَيز السَّفِيه وَالرَّقِيق فِي ذَلِك (و) جَازَ لمَالِك النّصاب (تَعْجِيلهَا) أَي الزَّكَاة فِي المَال الحولي (قبل) تَمام (حول) فِيمَا انْعَقَد حوله وَوجد النّصاب فِيهِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أرخص فِي التَّعْجِيل للْعَبَّاس رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَلِأَنَّهُ وَجب بسببين فَجَاز تَقْدِيمه على أَحدهمَا كتقديم الْكَفَّارَة على الْحِنْث وَمحل جَوَاز التَّعْجِيل فِي غير الْوَلِيّ أما هُوَ فَلَا يجوز لَهُ التَّعْجِيل عَن موليه سَوَاء الْفطْرَة وَغَيرهَا
نعم إِن عجل من مَاله جَازَ وَلَا يرجع بِهِ على الصَّبِي وَإِن نوى الرُّجُوع لِأَنَّهُ إِنَّمَا يرجع عَلَيْهِ فِيمَا يصرفهُ عَنهُ عِنْد الِاحْتِيَاج وَلَا يَصح تَعْجِيل الزَّكَاة على ملك النّصاب فِي زَكَاة عَيْنِيَّة كَأَن ملك مائَة دِرْهَم فَعجل خَمْسَة دَرَاهِم لتَكون زَكَاة إِذا تمّ النّصاب وَحَال الْحول عَلَيْهِ وَاتفقَ ذَلِك فَلَا يُجزئهُ إِذْ لم يُوجد سَبَب وُجُوبهَا لعدم المَال الزكوي فَأشبه أَدَاء الثّمن قبل البيع وَالدية قبل الْقَتْل وَالْكَفَّارَة قبل الْيَمين
وَخرج بِالزَّكَاةِ العينية زَكَاة التِّجَارَة فَيجوز التَّعْجِيل فِيهَا بِنَاء على مَا مر من أَن النّصاب فِيهَا مُعْتَبر بآخر الْحول فَلَو اشْترى عرضا قِيمَته مائَة فَعجل زَكَاة مِائَتَيْنِ مثلا أَو قِيمَته مِائَتَان فَعجل زَكَاة أَرْبَعمِائَة وَحَال الْحول وَهُوَ يُسَاوِي ذَلِك أَجزَأَهُ وَكَأَنَّهُم اغتفروا لَهُ التَّرَدُّد فِي النِّيَّة إِذْ الأَصْل عدم الزِّيَادَة لضَرُورَة التَّعْجِيل وَإِلَّا لم يجز تَعْجِيل أصلا لِأَنَّهُ لَا يدْرِي مَا حَاله عِنْد آخر الْحول
(لَا) يجوز تَعْجِيل الزَّكَاة (لعامين) وَلَا لأكْثر مِنْهُمَا إِذْ زَكَاة غير الأول لم ينْعَقد حوله والتعجيل قبل انْعِقَاد الْحول مُمْتَنع فَإِن عجل لأكْثر من عَام أَجزَأَهُ عَن الأول مُطلقًا أَي ميز مَا لكل عَام أَو لَا دون غَيره سَوَاء أَكَانَ قد ميز حِصَّة كل عَام أم لَا
وَشرط وُقُوع الْمُعَجل زَكَاة بَقَاء الْمَالِك بِصفة الْوُجُوب عِنْد آخر الْحول والقابض بِصفة الِاسْتِحْقَاق وَالْمَال إِلَى تَمام الْحول فَإِن مَاتَ مَالك أَو قَابض قبله أَو ارْتَدَّ قَابض أَو غَابَ وَلم تجز نقل الزَّكَاة أَو اسْتغنى بمحض غير الْمُعَجل كمعجل آخر أَخذه بعد الأول أَو نقص نِصَاب أَو زَالَ عَن ملكه وَلَيْسَ مَال تِجَارَة لم تُجزئه لِخُرُوجِهِ عِنْد الْوُجُوب عَن الْأَهْلِيَّة فِي الطَّرفَيْنِ وَلَا يضر غناهُ بالمعجل وَحده أَو مَعَ غَيره وَلَا عرُوض مَانع فِيهِ قبل الْحول كردة وَكَذَا لَو لم يعلم اسْتِحْقَاقه أَو حَيَاته
(وَحرم تَأْخِيرهَا) أَي تَأْخِير الْمَالِك أَدَاء الزَّكَاة بعد التَّمَكُّن (وَضمن) أَي الْمَالِك (إِن) أخر الْأَدَاء (وَتلف) أَي المَال (بعد تمكن) وَقد مر لتَقْصِيره وَمن ثمَّ لَو أتْلفه بعد الْحول وَلَو قبل التَّمَكُّن ضمنه بِأَن يُؤَدِّي مَا كَانَ يُؤَدِّيه قبل التّلف فَإِن أتْلفه أَجْنَبِي تعلّقت الزَّكَاة بِالْقيمَةِ وَيجوز التَّأْخِير لطلب الْأَفْضَل لتفريقه أَو لطلب الإِمَام حَيْثُ كَانَ تفريقه أفضل ولانتظار قرَابَة وَإِن بَعدت وجار أَو أحْوج أَو أصلح لِأَنَّهُ تَأْخِير لغَرَض ظَاهر هَذَا إِذا لم يكن هُنَاكَ مُضْطَر أما إِذا كَانَ ثمَّ من يتَضَرَّر بِالْجُوعِ أَو العري مثلا ضَرَرا يُبِيح التَّيَمُّم فَيحرم التَّأْخِير مُطلقًا وَيضمن مَا تلف فِي مُدَّة التَّأْخِير فَيخرج قدر الزَّكَاة لمستحقيه وَإِن لم يَأْثَم كَأَن أخر ذَلِك لحُصُول الْإِمْكَان وَإِذا أخر لغَرَض نَفسه فيتقيد جَوَاز التَّأْخِير بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة أما مَا تلف قبل التَّمَكُّن من غير تَقْصِير فَلَا ضَمَان سَوَاء كَانَ تلفه بعد الْحول أم قبله فَإِذا كَانَ من نِصَاب لَا وقص سقط قسطه وَبَقِي قسط الْبَاقِي فَيتَعَلَّق الْفَرْض بالنصاب فَقَط وَذَلِكَ لانْتِفَاء تَقْصِيره فَإِن قصر كَأَن وَضعه فِي غير حرز مثله كَانَ ضَامِنا وَخرج بالتلف قبل التَّمَكُّن مَا لَو مَاتَ الْمَالِك قبل التَّمَكُّن فَلَا يسْقط الضَّمَان بل يتَعَلَّق الْوَاجِب بِتركَتِهِ
(و) ثَانِيهمَا (إعطاؤها) أَي الزَّكَاة (لمستحقيها) فَلَا تصرف الزكوات إِلَّا إِلَى الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الْمَذْكُورين فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والعاملين عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم وَفِي الرّقاب والغارمين وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل} 9 التَّوْبَة الْآيَة 60
وَبَيَان هَذِه الْأَصْنَاف على تَرْتِيب الْآيَة الْكَرِيمَة أَن نقُول الْفَقِير هُوَ من لَا مَال لَهُ وَلَا كسب لَائِق بِهِ يَقع كل مِنْهُمَا أَو مجموعهما موقعا من كِفَايَته مطعما وملبسا ومسكنا وَغَيرهَا مِمَّا لَا بُد لَهُ مِنْهُ على مَا يَلِيق بِحَالهِ وَحَال ممونه كمن يحْتَاج إِلَى عشرَة فِي كل يَوْم وَلَا يملك أَو لَا يكْتَسب إِلَّا أقل من خَمْسَة وَالْمرَاد باللائق أَن يكون حَلَالا يَلِيق بِهِ فالكسب الْحَرَام لَا يمْنَع الْفقر وَلَو كَانَ فِي سَعَة مِنْهُ فَيحل لَهُ الْأَخْذ من الزَّكَاة وَعلم من ذَلِك أَن أهل الْبيُوت الَّذين لَا يعتادون الْكسْب بِأَيْدِيهِم لَهُم أَخذ الزَّكَاة وَهُوَ الْمُعْتَمد
والكسوب غير فَقير وَإِن لم يكْتَسب بِالْفِعْلِ إِن وجد من يَسْتَعْمِلهُ وَقدر عَلَيْهِ ولاق بِهِ وَحل لَهُ تعاطيه
والمسكين هُوَ من لَهُ مَال أَو كسب لَائِق بِهِ يَقع موقعا من كِفَايَته إِن قتر وَلَا يَكْفِيهِ لَو توَسط كمن لَا يَكْفِيهِ إِلَّا عشرَة وَلَا يملك أَو يكْتَسب إِلَّا خَمْسَة فَمَا فَوْقهَا إِلَى دون مَا يَكْفِيهِ وَيمْنَع فقر الشَّخْص ومسكنته كِفَايَة بِنَفَقَة وَاجِبَة إِن تيسرت لَهُ أما إِذا تعسرت كَأَن كَانَ الزَّوْج مُعسرا بِالنَّفَقَةِ أَو بِتَمَامِهَا فللزوجة أَن تَأْخُذ كفايتها من الزَّكَاة وَمن لم يكفها مَا وَجب لَهَا على زَوجهَا لكَونهَا أكولة تَأْخُذ تَمام كفايتها من الزَّكَاة وَلَو من زَوجهَا
وَلَو كَانَ لَهُ كسب لَائِق بِهِ لكنه كَانَ مشتغلا بِالْعلمِ الشَّرْعِيّ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنْهُ تَحْصِيله وَالْكَسْب يمنعهُ جَازَ لَهُ الْأَخْذ من الزَّكَاة قَالَ بَعضهم
وَحِينَئِذٍ تجب نَفَقَته على وَالِده
وَالْعلم الشَّرْعِيّ الْفِقْه وَالتَّفْسِير والْحَدِيث وآلاتها وَلَا يمْنَع فقره مَسْكَنه الَّذِي يَحْتَاجهُ ويليق بِهِ وَلَا ثِيَابه وَلَو للتجمل وَلَا كتب لَهُ يحتاجها وَإِن تعدّدت بِتَعَدُّد الْفُنُون فَإِن تعدّدت من فن وَاحِد بيع مَا زَاد إِلَّا لمدرس فَتبقى لَهُ كلهَا وَيبقى الْمَبْسُوط لغيره وَلَا مَال غَائِب بمرحلتين أَو حَاضر حيل بَينه وَبَينه أَو مُؤَجل فَيعْطى إِلَى أَن يصل إِلَى مَاله أَو يتَمَكَّن مِنْهُ أَو يحل الْأَجَل لِأَنَّهُ الْآن فَقير أَو مِسْكين وَعلم مِمَّا مر أَن الْفَقِير أَسْوَأ حَالا من الْمِسْكِين
وَالْعَامِل على الزَّكَاة مثل السَّاعِي الَّذِي يجبيها وَالْكَاتِب الَّذِي يكْتب مَا أعطَاهُ أَرْبَاب الْأَمْوَال وَالقَاسِم الَّذِي يقسم الزكوات بَين الْمُسْتَحقّين والحاشر الَّذِي يجمع أَرْبَاب الْأَمْوَال أَو الْمُسْتَحقّين والحافظ لَهَا والحاسب للأموال لَا قَاض ووال بل رزقهما فِي خمس الْخمس المرصد للْمصَالح
والمؤلفة قُلُوبهم أَرْبَعَة أَقسَام من أسلم وَنِيَّته ضَعِيفَة فِي الْإِسْلَام أَو أَهله
وَمن أسلم وَنِيَّته قَوِيَّة فيهمَا وَلَكِن لَهُ شرف فِي قومه يتَوَقَّع بإعطائه إِسْلَام غَيره
وَمن أسلم وَنِيَّته كَذَلِك لَكِن هُوَ كَاف لنا شَرّ من يَلِيهِ من كفار أَو مانعي زَكَاة وَهَذَا تَحْتَهُ قِسْمَانِ فيعطي كل من الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة لَكِن إِنَّمَا يعْطى الأخيران إِذا كَانَ إعطاؤهما أَهْون علينا من تجهيز جَيش يبْعَث لذَلِك
والرقاب هم المكاتبون كِتَابَة صَحِيحَة لغير المزكى فيعطون مَا يعينهم على الْعتْق إِن لم يكن مَعَهم مَا يَفِي بنجوم الْكِتَابَة وَلَو بِغَيْر إِذن ساداتهم أَو قبل حُلُول النُّجُوم وَإِن كَانَ كسوبا أما مكَاتب المزكى فَلَا يُعْطي من زَكَاته شَيْئا لعود الْفَائِدَة عَلَيْهِ مَعَ كَونه ملكه
والغارم ثَلَاثَة أَقسَام الأول من تداين لنَفسِهِ فِي مُبَاح طَاعَة كَانَ أَو لَا وَإِن صرفه فِي مَعْصِيّة أَو فِي غير مُبَاح كخمر وَصَرفه فِيهِ وَتَابَ وَظن صدقه أَو فِي غير مُبَاح وَصَرفه فِي مُبَاح هَذَا كُله قسم أول من أَقسَام الْغَارِم الثَّلَاثَة فَيعْطى مَعَ الْحَاجة بِأَن يحل الدّين وَلَا يقدر على وفائه بِخِلَاف من تداين لمعصية وَصَرفه فِيهَا وَلم يتب وَمن لم يحْتَج فَلَا يعْطى شَيْئا
الثَّانِي من تداين لإِصْلَاح ذَات الْبَين أَي الْحَال بَين الْقَوْم كَأَن وجد قَتِيل بَين قبيلتين وَلم يظْهر قَاتله وتنازعا فِي ذَلِك فَتحمل دِيَته تسكينا للفتنة فَيعْطى وَلَو غَنِيا ترغيبا فِي هَذِه المكرمة
الثَّالِث من تداين لضمان فَيعْطى إِن حل الدّين وأعسر مَعَ الْأَصِيل أَو وَحده وَكَانَ مُتَبَرعا بِالضَّمَانِ بِأَن ضمن بِلَا إِذن بِخِلَاف مَا لَو ضمن بِالْإِذْنِ وَكَانَ الْأَصِيل مُوسِرًا فَلَا يعْطى الضَّامِن لِأَنَّهُ يرجع على الْأَصِيل بِمَا أَدَّاهُ
وَفِي سَبِيل الله الْمُجَاهِد المتطوع بِالْجِهَادِ فَيعْطى وَلَو غَنِيا إِعَانَة لَهُ على الْغَزْو
وَابْن السَّبِيل هُوَ منشىء السّفر من بلد مَال الزَّكَاة أَو مجتاز بِهِ فِي سَفَره فَيعْطى إِن احْتَاجَ وَلَا مَعْصِيّة بِسَفَرِهِ وَمن علم أَو ظن الدَّافِع حَاله من اسْتِحْقَاق الزَّكَاة وَعَدَمه عمل بِمُقْتَضى ذَلِك وَمن لم يعلم أَو يظنّ حَاله فَإِن ادّعى ضعف إِسْلَام أَو فقرا أَو مسكنة أَو كَونه غازيا أَو ابْن سَبِيل صدق بِلَا يَمِين وَإِن ادّعى عيالا أَو تلف مَال عرف أَنه لَهُ أَو عَاملا أَو مكَاتبا أَو غارما أَو بَقِيَّة الْمُؤَلّفَة كلف
بِبَيِّنَة وَهِي عَدْلَانِ أَو عدل وَامْرَأَتَانِ يخبران بذلك وَإِن لم يكن بِلَفْظ الشَّهَادَة وَإِن لم يتَقَدَّم دَعْوَى عِنْد حَاكم وَلَا استشهاد ويغني عَن الْبَيِّنَة الاستفاضة بَين النَّاس أَي الإشاعة من قوم يُؤمن تواطؤهم على الْكَذِب وَيَكْفِي أَيْضا تَصْدِيق دائن للغارم وَسيد للْمكَاتب وَلَو تخلف الْغَازِي وَابْن السَّبِيل عَمَّا أخذا لأَجله بِأَن مضى ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يترصدا لِلْخُرُوجِ وَلم ينتظرا رفْقَة اسْتردَّ مِنْهُمَا مَا أخذاه وَكَذَا لَو فضل عَن حَاجَة الْغَازِي شَيْء لَهُ وَقع وَلم يكن قتر على نَفسه أما مَا لَا وَقع لَهُ فَلَا يسْتَردّ مُطلقًا وَكَذَا لَو قتر على نَفسه وَفضل شَيْء بِسَبَب ذَلِك فَلَا يسْتَردّ بِخِلَاف ابْن السَّبِيل فَإِنَّهُ يسْتَردّ مِنْهُ الْفَاضِل مُطلقًا وَمثله الْمكَاتب إِذا عتق بِغَيْر مَا أَخذه والغارم إِذا برىء أَو اسْتغنى بِغَيْر مَا أَخذه
وَيَنْبَغِي للآخذ أَن يَدْعُو للمعطي لقَوْله صلى الله عليه وسلم من أسدى إِلَيْكُم مَعْرُوفا فكافئوه فَإِن لم تقدروا على مكافأته فَادعوا لَهُ أَي من أحسن إِلَيْكُم أَي إِحْسَان فكافئوه بِمثلِهِ فَإِن لم تَجدوا فبالغوا فِي الدُّعَاء لَهُ جهدكم حَتَّى تحصل المثلية وَالْأولَى أَن يَقُول فِي دُعَائِهِ طهر الله قَلْبك فِي قُلُوب الْأَبْرَار وزكى عَمَلك فِي عمل الأخيار وَصلى على روحك فِي أَرْوَاح الشُّهَدَاء
وَإِذا قسم الإِمَام وَجب عَلَيْهِ أَرْبَعَة أَشْيَاء تَعْمِيم الْأَصْنَاف الثَّمَانِية إِن وجدوا وتعميم آحَاد كل صنف إِن وفى بهم المَال وَإِلَّا بِأَن كَانَ قدرا لَو وزع عَلَيْهِم لم يسد مسدا لم يجب التَّعْمِيم بل يقدم الأحوج فالأحوج مِنْهُم والتسوية بَين الْأَصْنَاف مُطلقًا غير الْعَامِل أما هُوَ فَيعْطى أُجْرَة مثله والتسوية بَين آحَاد الْأَصْنَاف إِن اسْتَوَت الْحَاجَات فَإِن لم يُوجد جَمِيع الْأَصْنَاف وَجب تَعْمِيم من وجد مِنْهُم وَإِن لم تتساو الْحَاجَات دفع إِلَيْهِم بحسبها فَيعْطى الْفَقِير والمسكين كِفَايَة بَقِيَّة الْعُمر الْغَالِب وَهُوَ اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سنة فيشتريان بِمَا يعطيانه عقارا يستغلانه وَللْإِمَام أَن يَشْتَرِي لَهما ذَلِك هَذَا فِيمَن لَا يحسن الْكسْب بحرفة وَلَا تِجَارَة أما من يحسن الْكسْب بحرفة فَيعْطى مَا يشترى بِهِ آلتها وَأما من يحسن التِّجَارَة فَيعْطى مَا يشترى بِهِ مَا يحسن التِّجَارَة فِيهِ مِمَّا يَفِي ربحه بكفايته غَالِبا وَيُعْطى مكَاتب وغارم لغير إصْلَاح ذَات الْبَين مَا عَجزا عَنهُ من وَفَاء دينهما وَيُعْطى ابْن السَّبِيل مَا يوصله مقْصده أَو مَاله إِن كَانَ لَهُ فِي طَرِيقه مَال وَيُعْطى الْغَازِي حَاجته فِي غَزوه ذَهَابًا وإيابا وَإِقَامَة لَهُ ولعياله ويهيأ لَهُ مركوب إِن لم يطق الْمَشْي أَو طَال سَفَره وَمَا يحمل زَاده ومتاعه إِن لم يعْتد مثله حملهما كَابْن السَّبِيل وَيُعْطى الْمُؤَلّفَة مَا يرَاهُ وَيُعْطى كل فَرد من أَفْرَاد الْعَامِل أُجْرَة مثله وَمن فِيهِ صفتا اسْتِحْقَاق كفقير غَارِم يَأْخُذ بِإِحْدَاهُمَا وَمثل الإِمَام فِيمَا ذكر الْمَالِك إِن انحصروا فِي الْبَلَد ووفى بهم المَال فَيجب عَلَيْهِ تَعْمِيم الْأَصْنَاف حَيْثُ وجدوا والتسوية بَينهم وَإِن تفاوتت الْحَاجَات وتعميم آحَاد كل صنف لَكِن لَا تجب التَّسْوِيَة بَين آحَاد الصِّنْف إِلَّا إِن قسم الإِمَام وتساوت الْحَاجَات كَمَا مر فَإِن لم ينحصروا أَو لم يوف بهم المَال لم يجز الِاقْتِصَار على أقل من ثَلَاثَة من كل صنف وَمَعْلُوم أَنه لَا عَامل حَيْثُ قسم الْمَالِك
تَنْبِيه مَا تقرر من أَنه لَا بُد من تَعْمِيم الْأَصْنَاف هُوَ مُعْتَمد الْمَذْهَب لِأَن معنى الْحصْر
الْمَذْكُور فِي الْآيَة عِنْد الإِمَام الشَّافِعِي رضي الله عنه إِنَّمَا تصرف لهَؤُلَاء لَا لغَيرهم وَلَا لبَعْضهِم فَقَط بل يجب استيعابهم وَلَا يخفى مَا فِي هَذَا من الصعوبة سِيمَا فِي زَكَاة الْفطر وَالْمعْنَى عِنْد الإِمَام مَالك وَأبي حنيفَة رضي الله عنهما إِنَّمَا تصرف لهَؤُلَاء لَا لغَيرهم وَهَذَا يصدق بِعَدَمِ استيعابهم فَيجوز دَفعهَا لصنف مِنْهُم وَلَا يجب التَّعْمِيم
قَالَ ابْن عجيل اليمني ثَلَاث مسَائِل فِي الزَّكَاة يُفْتى فِيهَا على خلاف الْمَذْهَب نقل الزَّكَاة وَدفع زَكَاة وَاحِد لوَاحِد وَدفعهَا إِلَى صنف وَاحِد
قَالَ وَلَو كَانَ الشَّافِعِي حَيا لأفتى بذلك وَاخْتَارَ جمع جَوَاز دفع زَكَاة الْفطر إِلَى ثَلَاثَة فُقَرَاء أَو مَسَاكِين وَآخَرُونَ جَوَازه لوَاحِد وَأطَال بَعضهم فِي الِانْتِصَار لَهُ وَفهم من ذَلِك أَن مُقْتَضى الْمَذْهَب حُرْمَة نقل الزَّكَاة من مَحل وُجُوبهَا مَعَ وجود الْمُسْتَحقّين بِهِ إِلَى مَحل آخر وَالْمرَاد بالمستحقين من كَانُوا فِيهَا فِي ذَلِك الْوَقْت وَإِن لم يَكُونُوا من أَهلهَا دون غَيرهم وَمحل الْوُجُوب شَامِل للبلد والقرية وَالْبَحْر وَالْبر حَتَّى لَو حَال الْحول وَالْمَال فِي الْبَحْر حرم نَقله إِلَى الْبر وَالْمرَاد بِمحل الْوُجُوب الْمحل الَّذِي حَال الْحول وَالْمَال فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لزكاة المَال أما زَكَاة الْفطر فَمحل الْوُجُوب هُوَ الَّذِي غربت شمس آخر يَوْم من رَمَضَان والشخص فِيهِ وَالْمرَاد بِالْمحل الآخر الَّذِي يحرم نقل الزَّكَاة إِلَيْهِ الْمحل الَّذِي بالوصول اليه يجوز الْقصر للْمُسَافِر وَلَو خَارج السُّور فَإِن عدمت الْأَصْنَاف فِي مَحل وُجُوبهَا أَو فضل عَنْهُم شَيْء وَجب نقلهَا أَو الْفَاضِل إِلَى مثلهم بأقرب بلد إِلَيْهِ فَإِن عدم بَعضهم أَو فضل عَنهُ شَيْء رد نصيب الْبَعْض أَو الْفَاضِل عَنهُ على البَاقِينَ إِن نقص نصِيبهم عَن كفايتهم فَإِن لم ينقص نقل ذَلِك إِلَى ذَلِك الصِّنْف بأقرب بلد إِلَيْهِ وَهَذَا كُله بِالنِّسْبَةِ للْمَالِك أما الإِمَام فَلهُ وَلَو بنائبه نقل الزَّكَاة مُطلقًا
فَائِدَة لَو كَانَ لَهُ دين على آخر فَقَالَ الْمَدِين لصَاحب الدّين ادْفَعْ لي من زكاتك حَتَّى أقضيك دينك فَفعل أَجْزَأَ عَن الزَّكَاة وَلَا يلْزم الْمَدِين قَضَاء الدّين مِمَّا أَخذه بل لَهُ دفع غَيره وَلَو قَالَ صَاحب الدّين للْمَدِين
اقْضِ مَا عَلَيْك لأرده إِلَيْك من زكاتي فَفعل صَحَّ الْقَضَاء وَلَا يلْزم رده إِلَيْهِ وَلَو كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين فَقَالَ جعلته عَن زكاتي لم يُجزئهُ على الصَّحِيح حَتَّى يقبضهُ ثمَّ يردهُ إِلَيْهِ وَقيل يُجزئهُ كَمَا لَو كَانَ وَدِيعَة
وَشرط آخذ الزَّكَاة من هَذِه الْأَصْنَاف أَن لَا يكون فِيهِ رق إِلَّا الْمكَاتب وَأَن لَا يكون كَافِرًا وَلَا من بني هَاشم وَبني الْمطلب ومواليهم
(و) حِينَئِذٍ (لَو أَعْطَاهَا) أَي الزَّكَاة (لكَافِر أَو من بِهِ رق) غير مكَاتب (أَو هاشمي أَو مطلبي أَو غَنِي) بِمَال أَو كسب يَلِيق بِحَالهِ ومروءته (أَو مكفي بِنَفَقَة قريب) أَو زوج (لم يجزىء) أَي ذَلِك الْمُعْطى عَن الزَّكَاة نعم يجوز أَن يكون الْحمال والكيال والوزان والحافظ كَافِرًا وهاشميا ومطلبيا ورقيقا لِأَن مَا يأخذونه أُجْرَة فِي الْحَقِيقَة
أما الْكَافِر فللإجماع فِيمَا عدا زَكَاة الْفطر وَترك الْمُسلم الصَّلَاة لَا يُؤثر فِي إِعْطَائِهِ نعم إِن بلغ كَذَلِك أَخذ لَهُ وليه
وَأما الرَّقِيق فَلِأَنَّهُ غَنِي بِنَفَقَة سَيّده وَلِأَنَّهُ لَو ملك لم يملك وَأما بَنو
هَاشم وَبَنُو الْمطلب فلحديث الْحَاكِم عَن عَليّ أَن الْعَبَّاس سَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يَسْتَعْمِلهُ على الصَّدَقَة فَقَالَ مَا كنت أستعملك على غسالة الْأَيْدِي
وروى مُسلم أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن هَذِه الصَّدَقَة إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس وَإِنَّهَا لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد
وروى الطَّبَرَانِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا أحل لكم أهل الْبَيْت من الصَّدقَات شَيْئا وَلَا غسالة الْأَيْدِي إِن لكم فِي خمس الْخمس مَا يكفيكم أَو يغنيكم أَي بل يغنيكم
وَفِي موَالِي بني هَاشم وَبني الْمطلب خلاف قيل يجوز الدّفع إِلَيْهِم لِأَن منع ذَوي الْقُرْبَى لشرفهم وَهُوَ مَفْقُود فيهم وَالأَصَح أَنَّهَا لَا تحل لَهُم أَيْضا لخَبر مولى الْقَوْم مِنْهُم
وَأما الْغَنِيّ فَلقَوْله صلى الله عليه وسلم لَا حق فِيهَا لَغَنِيّ وَلَا لقوي مكتسب
وَلَو غَابَ الزَّوْج أَو الْمُنفق وَلم يتْرك منفقا وَلَا مَالا يُمكن الْوُصُول إِلَيْهِ أَعْطَيْت الزَّوْجَة أَو الْقَرِيب بالفقر والمسكنة وَخرج بذلك المكفي بِنَفَقَة مُتَبَرّع فَلهُ الْأَخْذ من الزَّكَاة وَيسن للزَّوْجَة أَن تُعْطِي زَوجهَا من زَكَاتهَا إِن كَانَ من أهل اسْتِحْقَاق الزَّكَاة وَإِن أنفقها عَلَيْهَا
تَنْبِيه مثل الزَّكَاة الْكَفَّارَة وَالنّذر لِأَنَّهُ يسْلك بِهِ مَسْلَك وَاجِب الشَّرْع هَذَا إِذا كَانَ النّذر على جِهَة عَامَّة كَهَذا عَليّ الْفُقَرَاء أما إِذا نذر لشخص معِين مِمَّن تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة الْوَاجِبَة فَينْعَقد فَإِن كَانَ النّذر بِمعين كَهَذا الدِّينَار ملكه بِنَفس النّذر وَلَا يتأثر بِالرَّدِّ كإعراض الغانم بعد اخْتِيَار التَّمَلُّك أَو بِشَيْء فِي الذِّمَّة ملكه بِالْقَبْضِ الصَّحِيح وَالشّرط عدم الرَّد وَينْعَقد النّذر للغني وَالْكَافِر على التَّعْيِين بِخِلَاف الْكَفَّارَة فَلَا يحل إعطاؤها لَهما وَلَيْسَ كل حكم من الْأَحْكَام مَنْصُوصا عَلَيْهِ بل مَا دخل تَحت إِطْلَاق الْأَصْحَاب منزل منزلَة تصريحهم كَذَا نقل عَن (زَاد الْغَرِيب شرح أَلْفَاظ التَّقْرِيب) للشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ
(وَيسن صَدَقَة تطوع كل يَوْم) أَي كل وَقت لَيْلًا وَنَهَارًا لَا سِيمَا أَيَّام الجدب والضيق ليحوز بذلك الْعَافِيَة فِي الْجِسْم وَالْمَال والأهل وَالْخلف السَّرِيع فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَاب الجزيل فِي الْآخِرَة وَلَا تتقيد الصَّدَقَة بِمِقْدَار بل تحصل (بِمَا تيَسّر) وَلَو شَيْئا يَسِيرا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة
وَالْمعْنَى اجعلوا بَيْنكُم وَبَين نَار جَهَنَّم وقاية من الصَّدَقَة وأعمال الْبر وَلَو كَانَ الاتقاء الْمَذْكُور بِجَانِب التمرة أَو نصفهَا فَإِنَّهُ قد يسد الرمق سِيمَا للطفل فَلَا يحتقر الْمُصدق ذَلِك وَقَالَ تَعَالَى {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} 99 الزلزلة الْآيَة 7 وَدِرْهَم الصَّدَقَة أفضل من دِرْهَم الْقَرْض على الْمُعْتَمد وَيسن أَن يتَصَدَّق بِمَا يُحِبهُ لقَوْله تَعَالَى {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} 3 آل عمرَان الْآيَة 92
وَيحرم الْمَنّ بِالصَّدَقَةِ وَيبْطل بِهِ ثَوَابهَا وتباح على الْغَنِيّ وَالْكَافِر غير الْحَرْبِيّ وَقد يعرض لَهَا مَا يحرمها كَأَن يُعْطِيهَا لمن يعلم مِنْهُ أَنه يصرفهَا فِي مَعْصِيّة
(وإعطاؤها) أَي الصَّدَقَة المندوبة (سرا وبرمضان ولقريب) وَنَحْوه كَزَوْجَة وصديق (وجار) أقرب فأقرب (أفضل) من غير ذَلِك وَيسن الْإِكْثَار من الصَّدَقَة فِي رَمَضَان لَا سِيمَا فِي عشره الْأَوَاخِر وأمام الْحَاجَات وَعند كسوف وَمرض وَحج وَجِهَاد وَفِي أزمنة وأمكنة فاضلة كعشر ذِي الْحجَّة وَأَيَّام الْعِيد وَالْجُمُعَة والمحتاجين (لَا) يطْلب شرعا التَّصَدُّق (بِمَا يَحْتَاجهُ) لنفقة ممونه من نَفسه وَغَيره فَإِنَّهُ حرَام إِن لم يصبر على الإضاقة وَإِلَّا فَلَا حُرْمَة لقَوْله تَعَالَى {ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة} 59 الْحَشْر الْآيَة وعاشوراء