المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فروع مثل الزنا اللواط - نهاية الزين

[نووي الجاوي]

فهرس الكتاب

- ‌خطْبَة الْكتاب

- ‌بَاب الصَّلَاة

- ‌فصل فِي مسَائِل منثورة

- ‌فرع وَكره كَرَاهَة تَحْرِيم صَلَاة

- ‌فصل فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة الْمُتَعَلّقَة بِوَاجِب

- ‌فرع من سنَن الهيئات

- ‌فَائِدَة السكتات الْمَطْلُوبَة فِي الصَّلَاة سِتّ

- ‌فَائِدَة الْأَحْوَال الَّتِي يجْهر فِيهَا الْمَأْمُوم خلف الإِمَام

- ‌فرع (سنّ دُخُول صَلَاة بنشاط)

- ‌فصل فِي سُجُود السَّهْو

- ‌فرع تسن سَجدَات التِّلَاوَة

- ‌فصل فِي مفسدات الصَّلَاة

- ‌فصل فِي سنَن الصَّلَاة

- ‌فصل فِي صَلَاة النَّفْل

- ‌فصل فِي الْجَمَاعَة فِي الصَّلَاة

- ‌فصل فِي صَلَاة الْجُمُعَة

- ‌فصل فِي الْجَنَائِز

- ‌بَاب مَا يحرم اسْتِعْمَاله من اللبَاس والحلي

- ‌بَاب الزَّكَاة

- ‌فصل فِي أَدَاء الزَّكَاة

- ‌بَاب الصَّوْم

- ‌فصل فِي صَوْم التَّطَوُّع

- ‌بَاب الِاعْتِكَاف

- ‌بَاب الْحَج وَالْعمْرَة

- ‌فصل فِي مَحْظُورَات النّسك

- ‌فرع فِي أَحْكَام النذور

- ‌بَاب البيع

- ‌فصل فِي الْخِيَار

- ‌فصل فِي حكم الْمَبِيع

- ‌فصل فِي بيع الأَرْض وَالشَّجر وَالثِّمَار

- ‌فصل فِي اخْتِلَاف الْعَاقِدين وَفِي التَّحَالُف

- ‌فصل فِي الْقَرْض وَالرَّهْن

- ‌فرع لَو ادّعى كل من اثْنَيْنِ على آخر

- ‌فصل فِي الْحجر

- ‌فصل فِي الْحِوَالَة

- ‌بَاب فِي الْوكَالَة والقراض

- ‌فصل فِي الشُّفْعَة

- ‌بَاب فِي الْإِجَارَة

- ‌فرع لَو أعْطى الْمَالِك للخياط ثوبا

- ‌فرع لَا تصح المخابرة

- ‌بَاب فِي الْعَارِية

- ‌فصل فِي الْغَصْب

- ‌بَاب فِي مُطلق الْهِبَة

- ‌فرع لَو بعث هَدِيَّة فِي ظرف

- ‌بَاب فِي الْوَقْف

- ‌بَاب فِي الْإِقْرَار

- ‌بَاب فِي الْوَصِيَّة

- ‌بَاب الْفَرَائِض

- ‌فصل فِي أصُول الْمسَائِل

- ‌فرع إِذا مَاتَ إِنْسَان ثمَّ مَاتَ وَارِث

- ‌فصل فِي الْوَدِيعَة

- ‌فرع سُئِلَ الزيَادي عَن رجل خطب امْرَأَة وَعقد

- ‌فرع لَو اخْتلطت محرم بِنسَب

- ‌فرع يُزَوّج عتيقه امْرَأَة حَيَّة)

- ‌فصل فِي الْكَفَاءَة

- ‌فصل فِي نِكَاح من فِيهَا رق

- ‌فصل فِي الصَدَاق

- ‌فصل فِي الْقسم والنشوز وَعشرَة النِّسَاء

- ‌فصل فِي الْخلْع

- ‌فصل فِي الطَّلَاق

- ‌فرع لحر طلقات ثَلَاث وَلمن فِيهِ رق

- ‌فصل فِي الرّجْعَة

- ‌فصل فِي الْعدة

- ‌فصل فِي النَّفَقَة وَالْكِسْوَة والإسكان

- ‌فرع فِي فسخ النِّكَاح

- ‌فروع مثل الزِّنَا اللواط

- ‌فصل فِي التَّعْزِير

- ‌فصل فِي الصيال

- ‌فرع يَقع كثيرا فِي الْقرى إِكْرَاه الشاد

- ‌فصل فِي جَوَاب الدَّعْوَى

- ‌فصل فِي بَيَان قدر النّصاب

الفصل: ‌فروع مثل الزنا اللواط

(ثمَّ رَجَعَ) عَن الْإِقْرَار قبل الشُّرُوع فِي الْحَد أَو بعده بِنَحْوِ قَوْله رجعت أَو كذبت أَو مَا زَنَيْت أَي فإقراري بِهِ كذب أَو فاخذت فظننته زنا وَإِن شهد حَاله بكذبه (سقط) أَي الْحَد وَإِن قَالَ بعد رُجُوعه كذبت فِي رجوعي وعَلى قَاتله بعد رُجُوعه الدِّيَة لَا الْقود لاخْتِلَاف الْعلمَاء فِي سُقُوط الْحَد بِالرُّجُوعِ وَلَا يقبل رُجُوعه لإِسْقَاط مهر من قَالَ زَنَيْت بهَا مُكْرَهَة لِأَنَّهُ حق آدَمِيّ بِخِلَاف مَا لَو قَالَ مَا أَقرَرت بِالزِّنَا فَلَا يكون رُجُوعا فَلَا يسْقط بِهِ الْحَد لِأَنَّهُ مُجَرّد تَكْذِيب للبينة الشاهدة بِالْإِقْرَارِ

أما الْحَد الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يسْقط بِالرُّجُوعِ كَمَا لَا يسْقط هُوَ وَلَا الثَّابِت بِالْإِقْرَارِ بِالتَّوْبَةِ وَلَو شهدُوا على إِقْرَاره بِالزِّنَا فَإِن قَالَ مَا أَقرَرت فَلَا يقبل لِأَن فِيهِ تَكْذِيبًا للشُّهُود بِخِلَاف مَا لَو أكذب نَفسه فَإِنَّهُ يقبل وَيكون رُجُوعا سَوَاء أَكَانَ كل ذَلِك بعد الحكم أَو قبله وَلَو أقرّ وَقَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة بِالزِّنَا ثمَّ رَجَعَ عمل بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ سَوَاء تقدّمت عَلَيْهِ أم تَأَخَّرت لِأَن الْبَيِّنَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى أقوى من الْإِقْرَار عكس حُقُوق الْآدَمِيّين وكالزنا فِي قبُول الرُّجُوع عَمَّا أقرّ بِهِ كل حد لله تَعَالَى كشرب خمر وسرقة بِالنِّسْبَةِ للْقطع أما المَال فيؤخد مِنْهُ وَفهم من ذَلِك أَن الزِّنَا إِذا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ رُجُوع لكنه يتَطَرَّق اليه السُّقُوط بِغَيْر الرُّجُوع كدعوى زَوجته لمن زنى بهَا وَكَانَت متزوجة بِغَيْرِهِ أَو ملك أمة وَظن كَونهَا حليلته فَيصدق فِي ذَلِك وَدَعوى الْإِكْرَاه

‌فروع مثل الزِّنَا اللواط

وَهُوَ الْوَطْء فِي الدبر فيفصل فِيهِ بَين الْمُحصن وَغَيره لَكِن الْمَفْعُول بِهِ يجلد ويغرب إِن كَانَ مُحصنا ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَهَذَا إِن كَانَ مُكَلّفا مُخْتَارًا وَإِلَّا فَلَا شَيْء وَفِي وَطْء الحليلة فِي دبرهَا التَّعْزِير إِن عَاد لَهُ بعد نهي الْحَاكِم لَهُ عَنهُ وَفِي إتْيَان الْبَهِيمَة فِي قبلهَا أَو دبرهَا التَّعْزِير فَقَط سَوَاء كَانَت من المأكولات أَو لَا وَقيل إِنَّه يقتل مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ مُحصنا أَو لَا وَفِي كَيْفيَّة قَتله أَقْوَال أَرْبَعَة قيل بِالسَّيْفِ وَقيل بِالرَّجمِ وَقيل بهدم جِدَار عَلَيْهِ وَقيل بالقائه من شَاهِق جبل وَمثل الْبَهِيمَة الْميتَة فَفِيهَا التَّعْزِير فَقَط

والصلج وَهُوَ دلك الذّكر حرَام فَإِذا استمنى شخص بِيَدِهِ عزّر لِأَنَّهَا مُبَاشرَة مُحرمَة بِغَيْر إيلاج ويفضي إِلَى قطع النَّسْل فَحرم كمباشرة الْأَجْنَبِيَّة فِيمَا دون الْفرج وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث مَلْعُون من نكح يَده

وتساحق النِّسَاء حرَام ويعزرن بذلك لِأَنَّهُ فعل محرم قَالَه القَاضِي أَبُو الطّيب وإثم ذَلِك كإثم الزِّنَا لقَوْله صلى الله عليه وسلم إِذا أَتَت الْمَرْأَة الْمَرْأَة فهما زانيان وَلَو استمنى الرجل بيد امْرَأَته أَو أمته جَازَ لِأَنَّهَا مَحل استمتاعه وَفِي فَتَاوَى القَاضِي لَو غمزت الْمَرْأَة ذكر زَوجهَا أَو سَيِّدهَا بِيَدِهَا كره وَإِن كَانَ بِإِذْنِهِ إِذا أمنى لِأَنَّهُ يشبه الْعَزْل والعزل مَكْرُوه وَالله أعلم

ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ حد الْقَذْف وَهُوَ شرعا الرَّمْي بِالزِّنَا فِي مقَام التوبيخ لَا فِي مقَام الشَّهَادَة وَهُوَ لرجل أَو امْرَأَة من أكبر الْكَبَائِر بعد الْقَتْل وَالزِّنَا

(وحد قَاذف) مُلْتَزم للْأَحْكَام عَالم بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَار غير مَأْذُون فِي قذفه غير أصل (مُحصنا) وَهُوَ هُنَا مُسلم بَالغ عَاقل حر عفيف

ص: 349

عَن زنا وَوَطْء محرم مَمْلُوكَة لَهُ وَعَن وَطْء زَوجته فِي دبرهَا (ثَمَانِينَ) جلدَة إِن كَانَ الْقَاذِف حرا وَأَرْبَعين إِن كَانَ رَقِيقا حَالَة الْقَذْف وعزر مُمَيّز وأصل

وَالْقَذْف يكون صَرِيحًا وكناية فالصريح كَقَوْلِه زَنَيْت وزنيت بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا وَيَا زاني وَيَا زَانِيَة وَلَا يضر التَّغْيِير بالتذكير للمؤنث وَعَكسه وزنيت فِي الْجَبَل بِالْيَاءِ وَيَا لائط وَيَا قحبة وَالْكِنَايَة كَقَوْلِه زنأت فِي الْجَبَل أَو السّلم أَو نَحوه بِالْهَمْز وَيَا فَاجر وَيَا فَاسق وَيَا خَبِيث وَيَا فاجرة وَيَا فاسقة وَيَا خبيثة وَأَنت تحبين الْخلْوَة أَو الظلمَة وَأَنت لَا تردين يَد لامس وَهَذَا كِنَايَة عَن سرعَة الْإِجَابَة وَيَا لوطي وَيَا مخنث وَيَا عاهر وَيَا علق فَإِن أنكر شخص فِي الْكِنَايَة إِرَادَة قذف بهَا صدق بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أعرف بمراده فَيحلف أَنه مَا أَرَادَ قذفه ثمَّ عَلَيْهِ التَّعْزِير للايذاء وَهَذَا إِذا كَانَ ذَلِك على وَجه السب والذم أما إِذا كَانَ على وَجه المزح أَو الْهزْل أَو اللّعب فَلَا تَعْزِير

خَاتِمَة إِذا سبّ شخص آخر فللآخر أَن يسبه بِقدر مَا سبه فِي الْعدَد لَا فِي اللَّفْظ إِذا كَانَ فِيهِ قذف أَو كذب أَو سبّ الْأَب أَو الْأُم وَإِنَّمَا يسبه بِمَا لَيْسَ كذبا وَلَا قذفا نَحْو يَا أَحمَق يَا ظَالِم إِذْ لَا يكَاد أحد يَنْفَكّ عَن ذَلِك لِأَن الأحمق هُوَ من وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه وَكَذَلِكَ الظَّالِم

ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّالِث وَهُوَ حد شرب الْخمر فَقَالَ (ويجلد) أَي الإِمَام أَو نَائِبه (مُكَلّفا) مُلْتَزما للْأَحْكَام مُخْتَارًا (عَالما) بِالتَّحْرِيمِ (شرب) من غير ضَرُورَة (خمرًا) وَلَو درديا وَإِن لم يسكر (أَرْبَعِينَ) جلدَة إِن كَانَ حرا وَعشْرين إِن كَانَ غَيره بِدُونِ رفع الضَّارِب يَده فَوق رَأسه مثلا لما فِيهِ من زِيَادَة الإيلام بِأحد أَمريْن إِمَّا (بِإِقْرَارِهِ) أَي الشَّارِب (أَو بِشَهَادَة رجلَيْنِ) أَنه شرب خمرًا أَو شرب مِمَّا شرب مِنْهُ غَيره فَسَكِرَ لِأَن كلا مِنْهُمَا حجَّة شَرْعِيَّة فَلَا يحد بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت منزلَة الْإِقْرَار إِلَّا أَن استمراره على الْإِنْكَار بِمَنْزِلَة رُجُوعه وَهُوَ مَقْبُول

وَصورتهَا أَن يَرْمِي غَيره بِشرب الْخمر فيدعي عَلَيْهِ بِأَنَّهُ رَمَاه بذلك وَيُرِيد تعزيره فيطلب الساب الْيَمين مِمَّن نسب إِلَيْهِ شربهَا فَيمْتَنع ويردها عَلَيْهِ فَيسْقط عَنهُ التَّعْزِير وَلَا يجب الْحَد على الرَّاد للْيَمِين الْمَرْدُودَة وَلَا يحد بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَن الْبَيِّنَة نَاقِصَة وَلَا برِيح خمر وَلَا بسكر وَلَا قيء لاحْتِمَال أَن يكون شرب غالطا أَو مكْرها أَو احتقن أَو استعط بهَا وَالْحَد يدْرَأ بِالشُّبْهَةِ وَلَا يَسْتَوْفِي القَاضِي الْحَد بِعِلْمِهِ فَلَا يقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُود الله تَعَالَى

نعم سيد العَبْد يَسْتَوْفِيه بِعِلْمِهِ لإِصْلَاح ملكه وَلَا يشْتَرط فِي الْإِقْرَار وَالشَّهَادَة تَفْصِيل كَأَن يَقُول كل من الْمقر وَالشَّاهِد إِنَّه شربهَا وَهُوَ عَالم بهَا مُخْتَار لِأَن الأَصْل عدم الْإِكْرَاه وَالْغَالِب من حَال الشَّارِب علمه بِمَا يشربه وَيحد الذّكر قَائِما وَالْأُنْثَى جالسة وَذَلِكَ على سَبِيل النّدب وَيكون جلد الْقوي السَّلِيم بِسَوْط أَو أيد أَو نعال أَو أَطْرَاف ثِيَاب بعد قَتله أَو شده وجوبا حَتَّى يؤلم أما نضو الْخلقَة فيجلد بِنَحْوِ عرجون وَلَا يجوز بِسَوْط فَخرج بالمكلف الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا حد عَلَيْهِمَا لَكِن يعزران

ص: 350

إِذا كَانَ لَهما نوع تَمْيِيز وبالملتزم للْأَحْكَام الْحَرْبِيّ وَالْمُؤمن والمعاهد وَالذِّمِّيّ لعدم التزامهم وبالمختار المصبوب فِي حلقه قهرا وَالْمكْره على شربه فَلَا حد وَلَا حُرْمَة وَخرج بالعالم بِالتَّحْرِيمِ من جهل الْحُرْمَة وَكَانَ مَعْذُورًا فَلَا حد وَلَا يلْزمه قَضَاء الصَّلَوَات الْفَائِتَة مُدَّة السكر وَلَو قَالَ السَّكْرَان بعد الاصحاء كنت مكْرها أَو لم أعلم أَن الَّذِي شربته مُسكر صدق بِيَمِينِهِ وَلَو قرب إِسْلَامه فَقَالَ جهلت تَحْرِيمهَا لم يحد لِأَنَّهُ قد يخفى عَلَيْهِ ذَلِك وَالْحَد يدْرَأ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين من نَشأ فِي بِلَاد الْإِسْلَام أم لَا وَخرج بالشرب الحقنة بِالْخمرِ بِأَن أدخلها فِي دبره والسعوط بِأَن أدخلها فِي أَنفه فَلَا حد بذلك وَيحرم لِأَنَّهُ تلطخ بِالنَّجَاسَةِ بِلَا ضَرُورَة وَخرج بِالْخمرِ مَا حرم من الجامدات غير الْخمر المنعقدة فَلَا حد فِيهَا وَإِن أذيبت حرمت وأسكرت وَذَلِكَ ككثير البنج والزعفران والعنبر والحوزة والأفيون والحشيش الَّذِي يَأْكُلهُ الأراذل فَأكل الْكثير مِنْهَا حرَام دون الْقَلِيل وَالْمرَاد بالكثير من ذَلِك مَا يغيب الْعقل بِالنّظرِ لغالب النَّاس وَإِن لم يُؤثر فِي المتناول لَهُ لاعتياد تنَاوله وَخرج بِغَيْر ضَرُورَة مَا لَو غص بلقمة وَلم يجد غير الْخمر فأساغها بِالْخمرِ فَلَا حد عَلَيْهِ لوُجُوب شربهَا عَلَيْهِ حَيْثُ خشِي الْهَلَاك من تِلْكَ اللُّقْمَة إِن لم تنزل جَوْفه وَلم يتَمَكَّن من إخْرَاجهَا ولومات بِشرب الْخمر حِينَئِذٍ مَاتَ شَهِيدا لوُجُوب تنَاوله لَهَا حِينَئِذٍ أما لَو وجد غَيرهَا وَلَو بَوْل الْكَلْب مثلا حرم إساغة اللُّقْمَة بِالْخمرِ وَوَجَب حَده وَلَا يحد بِشرب السكر فِيمَا اسْتهْلك فِيهِ وَلم يبْق لَهُ طعم وَلَا لون وَلَا ريح وَإِلَّا حد وَحرم وَلَا بِأَكْل خبز عجن دقيقه بِهِ وَلَا بِأَكْل لحم طبخ بِهِ بِخِلَاف مرق اللَّحْم الْمَطْبُوخ بِهِ إِذا شربه أَو غمس فِيهِ أَو ثرد بِهِ فَإِنَّهُ يحد لبَقَاء عينه وَيحرم تنَاول الْخمر الصرفة لدواء إِن وجد غَيرهَا أَو لعطش وَإِن لم يجد غَيرهَا وَلَا يحد لذَلِك وَإِن وجد غَيرهَا لشُبْهَة قصد التَّدَاوِي وَمحل حُرْمَة شربهَا للعطش مَا لم تتَعَيَّن لدفع الْهَلَاك وَإِلَّا جَازَ بل وَجب وَيلْحق بِالْهَلَاكِ نخو تلف عُضْو أَو مَنْفَعَة وَيجوز سقيها للصَّغِير إِذا شم رائحتها وَخيف عَلَيْهِ إِذا لم يسق مِنْهَا مرض تحصل مَعَه مشقة وَإِن لم يخف مِنْهُ الْهَلَاك وَكَذَا لَو تعذر عَلَيْهِ افتضاض الْبكر إِلَّا بإطعامها مَا يغيب عقلهَا من بنج أَو غَيره فَيجوز ذَلِك لِأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى تمكن الزَّوْج من الْوُصُول إِلَى حَقه وَمحل جَوَاز وَطئهَا مَا لم يحصل لَهَا بِهِ أَذَى لَا يحْتَمل مَعَه فِي إِزَالَة الْبكارَة وَيجوز التَّدَاوِي بِصَرْف النَّجس غير صرف الْخمر

وَالْحَاصِل أَن شرب الْخمر تَارَة يَقْتَضِي الْحُرْمَة وَالْحَد وَذَلِكَ إِذا شربه عَبَثا مَعَ الْعمد وَالْعلم وَالِاخْتِيَار وَتارَة يَقْتَضِي الْحُرْمَة دون الْحَد إِذا شربه لعطش أَو تداو وَلم ينْتَه بِهِ الْأَمر للهلاك وَكَذَا لَو شربهَا الْكَافِر فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ وَلَا يحد لِأَنَّهُ مُكَلّف بِفُرُوع الشَّرِيعَة لَكِن الذِّمِّيّ لَا يلْتَزم بِالذِّمةِ إِلَّا مَا يتَعَلَّق بالذميين وَتارَة لَا يَقْتَضِي حُرْمَة وَلَا حدا إِذا غض بلقمة أَو انْتهى بِهِ الْعَطش للهلاك وَلم يجد غَيره فيهمَا وَإِن كَانَ ذَلِك الْغَيْر بولا من مغلظ وَإِذا سكر بِمَا شربه لتداو أَو عَطش أَو إساغة قضى مَا فَاتَهُ من الصَّلَوَات لِأَنَّهُ تعمد الشّرْب لمصْلحَة نَفسه بِخِلَاف الْجَاهِل

ص: 351

الْمَعْذُور وَهُوَ من جهل بِالتَّحْرِيمِ لقرب عَهده وَنَحْوه أَو جهل كَون المشروب خمرًا فَإِنَّهُ لَا يحد وَلَا يلْزمه قَضَاء الصَّلَوَات مُدَّة السكر

ثمَّ شرع فِي الْقسم الرَّابِع وَهُوَ حد السّرقَة فَقَالَ (وَيقطع) أَي الإِمَام بعد طلب الْمَالِك المَال وَثُبُوت السّرقَة بشروطها (كوع يَمِين بَالغ سرق) نِصَابا يَقِينا بِأَن أخرج (ربع دِينَار) ذَهَبا خَالِصا مَضْرُوبا (أَو) فضَّة أَو غَيرهَا يُسَاوِي (قِيمَته من حرز) وَقت الْإِخْرَاج مِنْهُ وَإِن لم يَأْخُذ ذَلِك كَمَا لَو قطع الجيب فانصب مَا فِيهِ شَيْئا فَشَيْئًا فَلَو نقصت قيمَة الْمخْرج بعد ذَلِك لم يسْقط الْقطع فَلَا قطع بِسَرِقَة مَا لَيْسَ محرزا

وَحَاصِل الْحِرْز أَن الْمحل إِن كَانَ حصينا مُنْفَصِلا عَن الْعِمَارَة فَلَا يشْتَرط دوَام الملاحظة بل الشَّرْط كَون الملاحظ يقظانا قَوِيا سَوَاء كَانَ الْبَاب مَفْتُوحًا أَو مغلوفا أَو نَائِما مَعَ إغلاق الْبَاب وَإِن كَانَ الْمحل فِي الْعِمَارَة فَلَا يشْتَرط قُوَّة الملاحظ وَلَا تيقظه بل الشَّرْط كَون الْبَاب مغلوقا مَعَ وجود هَذَا الملاحظ أَو قفله مَعَ يقظته زمن أَمن نَهَارا وَأما إِن كَانَ الْبَاب مَفْتُوحًا فَإِن كَانَ الملاحظ متيقظا كَانَ الْمحل محرزا وَإِلَّا فَلَا فَعلم من ذَلِك أَن الْإِحْرَاز قد تَكْفِي فِيهِ الحصانة وَحدهَا وَقد تَكْفِي فِيهِ الملاحظة وَحدهَا وَقد تجتمعان وَقد يمثل لانفراد الحصانة بالراقد على الْمَتَاع وبالمقابر الْمُتَّصِلَة بالعمارة فَإِنَّهَا حرز للكفن

وَالْحَاصِل أَن أَرْكَان السّرقَة الْمُوجبَة ثَلَاثَة سَرقَة فالسرقة الثَّانِيَة مُطلق الْأَخْذ خُفْيَة وَالْأولَى الْأَخْذ خُفْيَة من حرز وسارق ومسروق فالسرقة أَخذ مَال خُفْيَة من حرز مثله فَلَا يقطع مختلس ومنتهب وحاجد لنَحْو وَدِيعَة وَشرط فِي السَّارِق كَونه مُلْتَزما للْأَحْكَام عَالما بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا بِغَيْر إِذن فِي دُخُول دَار وأصالة وَشرط فِي الْمَسْرُوق أَرْبَعَة شُرُوط الأول كَونه ربع دِينَار خَالِصا أَو مُتَقَوّما مَعَ وَزنه إِن كَانَ ذَهَبا فَإِن لم يعرف قِيمَته بِالدَّنَانِيرِ قوم بالدارهم ثمَّ هِيَ بِالدَّنَانِيرِ فَإِن لم يكن بِمحل السّرقَة دَنَانِير انْتقل لأَقْرَب مَحل إِلَيْهَا فِيهِ ذَلِك وَتعْتَبر قيمَة مَا يُسَاوِي ربع دِينَار حَالَة السّرقَة

وَالثَّانِي كَونه ملكا لغير السَّارِق فَلَا قطع بِسَرِقَة مَاله من يَد غَيره وَلَو مَرْهُونا أَو مكتري أَو ملكه قبل إِخْرَاجه من الْحِرْز بِإِرْث أَو غَيره أَو بعده وَقبل الرّفْع إِلَى الْحَاكِم أما بعده فَلَا يُفِيد وَلَو قبل الثُّبُوت لِأَن الْقطع إِنَّمَا يتَوَقَّف على الدَّعْوَى وَقد وجدت وَلَو ادّعى السَّارِق ملك الْمَسْرُوق أَو بعضه لم يقطع لاحْتِمَال صدقه فَصَارَ شُبْهَة مسقطة للْقطع وَكَذَا لَو ادّعى أَنه أَخذه من الْحِرْز بِإِذْنِهِ أَو أَن الْحِرْز مَفْتُوح أَو أَن الْمَسْرُوق دون النّصاب وَإِن ثَبت كذبه وَهَذِه من الْحِيَل الْمُحرمَة بِخِلَاف دَعْوَى الزَّوْجِيَّة فِي الزِّنَا فَمن الْحِيَل الْمُبَاحَة وَالْفرق أَن دَعْوَى الْملك هُنَا بتربت عَلَيْهَا الِاسْتِيلَاء على مَال الْغَيْر وَدَعوى الزَّوْجِيَّة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا إِسْقَاط الْحَد

وَالثَّالِث كَونه لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ سَوَاء فِي ذَلِك شُبْهَة الْملك كمن سرق مَالا مُشْتَركا بَينه وَبَين غَيره

ص: 352

أَو شُبْهَة الْفَاعِل كمن أَخذ مَالا خُفْيَة من حرز مثله يظنّ أَنه ملكه أَو ملك أَصله أَو فَرعه أَو شُبْهَة الْمحل كسرقة الابْن مَال أحد الْأُصُول أَو سَرقَة أحد الْأُصُول مَال فَرعه وَإِن سفل فَلَا يقطع لما بَينهمَا من الِاتِّحَاد وَإِن اخْتلف دينهما وَلِأَن مَال كل مِنْهُمَا مرصد لحَاجَة الآخر كَمَا فِي الحَدِيث أَنْت وَمَالك لأَبِيك بِخِلَاف سَائِر الْأَقَارِب وَسَوَاء كَانَ السَّارِق من الأَصْل أَو الْفَرْع حرا أم رَقِيقا وَلَو سرق طَعَاما زمن قحط وَهُوَ لَا يقدر على ثمنه فَلَا يقطع لشُبْهَة وجوب حفظ نَفسه عَلَيْهِ

وَالرَّابِع كَونه محرزا ويتحقق الْإِحْرَاز بملاحظة للمسروق من قوي متيقظ أَو حصانة مَوْضِعه (لَا) يقطع إِن سرق (مَغْصُوبًا) وَإِن أَخذه بِغَيْر نِيَّة الرَّد على الْمَالِك لِأَن مَالِكه لم يرض بإحرازه بحرز الْغَاصِب فَكَأَنَّهُ غير مُحرز

(أَو فِيهِ) أَي أَو سرق من حرز مَغْصُوب وَلَو غير مَالِكه لِأَنَّهُ لَيْسَ حرز للْغَاصِب لقَوْله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لعرق ظَالِم حق وَفسّر الْعرق بِأَن يَجِيء الرجل إِلَى أَرض قد أَحْيَاهَا غَيره فيغرس فِيهَا أَو يحدث شَيْئا ليستوجب الأَرْض وَكَذَا لَو سرق مَالا أَو اختصاصا وأحرزه بحرزه فَسرق الْمَالِك مِنْهُ مَال السَّارِق فَلَا قطع عَلَيْهِ لِأَن لَهُ دُخُول الْحِرْز وهتكه لأخذ مَاله أَو اخْتِصَاصه فَلم يكن حرْزا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَلم يفْتَرق الْحَال بَين المتميز عَن مَاله والمخلوط بِهِ

(وَيقطع بِمَال وقف) أَي بِسَرِقَة مَال مَوْقُوف على غَيره مِمَّن لَيْسَ نَحْو أَصله وَلَا فَرعه وَلَا مشاركا لَهُ فِي صفة من صِفَاته الْمُعْتَبرَة فِي الْوَقْف إِذْ لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ حِينَئِذٍ وَمن ثمَّ لم يقطع بِسَرِقَة مَوْقُوف على جِهَة عَامَّة كبكرة بِئْر مسبلة للشُّرْب وَإِن كَانَ السَّارِق ذِمِّيا لِأَن لَهُ فِيهَا حَقًا

(و) يقطع غير البواب والمجاورين فِي الْمَسْجِد مَا يتَعَلَّق بتحصين (مَسْجِد) وعمارته وأبهته كبابه وجذعه وَهُوَ السهْم الَّذِي يقف عَلَيْهِ وساريته وسقوفه وشبابيكه وقناديله الَّتِي للزِّينَة والرخام الْمُثبت للجدران لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يقْصد بِوَضْعِهِ صِيَانة الْمَسْجِد لانتفاع النَّاس (لَا) بِمَا يتَعَلَّق بانتفاعنا من (حصره) أَي الْمَسْجِد والقناديل الَّتِي تسرج فِيهِ وَإِن لم تكن فِي حَالَة الْأَخْذ تسرج والبلاط والرخام الَّذِي فِي أرضه والمنبر ودكة الْمُؤَذّن وكرسي الْوَاعِظ فَلَا يقطع بهَا وَإِن كَانَ السَّارِق لَهَا غير خطيب وَلَا مُؤذن وَلَا واعظ

وَالْحَاصِل أَن كل مَا كَانَ لتحصين الْمَسْجِد وَحفظه كعواميده وأبوابه وَمَا كَانَ للزِّينَة كحصر الزِّينَة الَّتِي تفرش فِي الأعياد وَنَحْوهَا يقطع بسرقته وَمَا كَانَ للِانْتِفَاع بِهِ كالمنبر لَا قطع بسرقته وَيقطع بِأَبْوَاب الأخلية لِأَنَّهَا تتَّخذ للستر بهَا عَن أعين النَّاس حَيْثُ كَانَ السَّارِق مُسلما لَهُ فِيهَا حق بِخِلَاف الذِّمِّيّ وَالْمُسلم الَّذِي لَا حق لَهُ فِي ذَلِك بِأَن اخْتصّت بطَائفَة لَيْسَ مِنْهُم

(وَلَا) يقطع (بِمَال صَدَقَة) أَي زَكَاة أفرزت (وَهُوَ مُسْتَحقّ) لَهَا بِوَصْف فقر أَو غَيره فَلَا يقطع للشُّبْهَة وَإِن أَخذ زِيَادَة على مَا يسْتَحقّهُ وَإِن لم يُوجد فِيهَا مَا يجوز الْأَخْذ بالظفر وَإِن لم يكن لَهُ فِيهَا حق كغني أَخذ صَدَقَة وَاجِبَة وَلَيْسَ غارما لإِصْلَاح الْفساد بَين الْقَوْم وَلَا غازيا قطع لانْتِفَاء الشُّبْهَة وَمثل الْغَنِيّ من

ص: 353

حرمت عَلَيْهِ لشرفه

(و) لَا يقطع بِسَرِقَة مَال (مصَالح) وَإِن كَانَ غَنِيا لِأَن لَهُ فِيهِ حَقًا لِأَن ذَلِك قد يصرف فِي عمَارَة الْمَسَاجِد والرباطات والقناطر فينتفع بهَا الْغَنِيّ وَالْفَقِير من الْمُسلمين لِأَن ذَلِك مَخْصُوص بهم بِخِلَاف الذِّمِّيّ فَيقطع بِسَرِقَة مَا فِي بَيت المَال وَلَا نظر إِلَى إِنْفَاق الإِمَام عَلَيْهِ عِنْد الْحَاجة لِأَنَّهُ إِنَّمَا ينْفق عَلَيْهِ للضَّرُورَة وبشرط الضَّمَان بِأَن يَقُول لَهُ الإِمَام أنْفق عَلَيْك وأرجع إِذا قدرت كَمَا ينْفق الْأَغْنِيَاء على الْمُضْطَر بِشَرْط الرُّجُوع عَلَيْهِ إِذا قدر وَهَذَا إِذا كَانَ غَنِيا لَكِن مَاله غَائِب مثلا وَإِلَّا فَلَا رُجُوع وانتفاع الذِّمِّيّ بالقناطر والرباطات بالتبعية من حَيْثُ إِنَّه قاطن بدار الْإِسْلَام لَا لاختصاصه بِحَق فِيهَا فَلَا نظر إِلَى ذَلِك الِانْتِفَاع فِي دفع الْحَد

(و) لَا بِسَرِقَة مَال (بعض) من أصل أَو فرع (وَسيد) وأصل سيد أَو فَرعه فَلَا قطع لشُبْهَة اسْتِحْقَاق نَفَقَته عَلَيْهِم فِي بعض الْأَحْوَال وَكَذَا لَو سرق السَّيِّد مَا ملكه عَبده بِبَعْضِه الْحر فَلَا قطع للشُّبْهَة وَذَلِكَ أَن مَا ملكه بِبَعْضِه الْحر يصير ملكا لجملة العَبْد وَللسَّيِّد فِيهَا حق وَهُوَ جزؤه الرَّقِيق

(وَالْأَظْهَر قطع أحد الزَّوْجَيْنِ بِالْآخرِ) أَي بِسَرِقَة مَاله المحرز عَنهُ فَخرج بِهِ مَا إِذا لم يكن محرزا كَأَن كَانَ لَهُ مَتَاع فِي صندوقها مثلا ففتحه وَأخذ متاعها بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن لَهُ فِيهِ شَيْء وفتحه فَيقطع فَإِن أَخذه من الْمَكَان بِدُونِ فتح فَلَا قطع لِأَنَّهُ غير مُحرز عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَمن المحرز عَلَيْهِ الخلخال الَّذِي فِي رجلهَا والسوار الَّذِي فِي يَدهَا والطوق الَّذِي فِي عُنُقهَا فَإِذا سرق ذَلِك مِنْهَا حَال نومها مثلا قطع لِأَن رجلهَا ويدها وعنقها حرز لذَلِك وشبهة اسْتِحْقَاقهَا النَّفَقَة وَالْكِسْوَة فِي مَاله لَا أثر لَهَا لِأَنَّهَا مقدرَة محدودة وَفرض الْمَسْأَلَة أَنه لَيْسَ لَهَا عِنْده شَيْء مِنْهُمَا فَإِن فرض أَن لَهَا شَيْئا من ذَلِك حَال السّرقَة وأخذته بِقصد الِاسْتِيفَاء لم تقطع كدائن سرق مَال مدينه بِقصد ذَلِك أَي فَإِن الدَّائِن إِذا سرق مَال غَرِيمه الجاحد للدّين الْحَال أَو المماطل وَأَخذه بِقصد الِاسْتِيفَاء لم يقطع لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَأْذُون لَهُ فِي أَخذه شرعا وَغير جنس حَقه كجنس حَقه وَلَا يقطع بزائد على قدر حَقه مَعَه وَإِن بلغ الزَّائِد نِصَابا بِخِلَاف مَا إِذا سرق مَال غَرِيمه الجاحد للدّين الْمُؤَجل فَيقطع وَكَذَا مَال غَرِيمه غير المماطل

(فَإِن) كَانَت يَده الْيُمْنَى مفقودة بعد السّرقَة فَلَا قطع أَو قبلهَا انْتقل للرجل الْيُسْرَى كَمَا لَو (عَاد) أَي سرق ثَانِيًا بعد قطع يمناه واندمالها (فرجله الْيُسْرَى) هِيَ الَّتِي تقطع بِخِلَاف مَا إِذا سرق مرَارًا وَلم تقطع يَده الْيُمْنَى فَإِنَّهُ لَا تقطع إِلَّا هِيَ لِاتِّحَاد السَّبَب مَعَ كَون الْقطع حَقًا لله تَعَالَى كَحَد الزِّنَا وَشرب الْخمر

(ف) إِن سرق ثَالِثا قطعت (يَده الْيُسْرَى ف) إِن سرق رَابِعا قطعت (رجله الْيُمْنَى) وَالْمرَاد الْقطع من الْكُوع فِي الْيَد وَمن الكعب فِي الرجل وَالْحكمَة فِي قطع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ أَنَّهَا آلَات السّرقَة بِالْأَخْذِ وَالْمَشْي وقدمت الْيَد لقُوَّة بطشها وقدمت الْيُمْنَى لِأَن الْغَالِب كَون السّرقَة بهَا لِأَنَّهَا أقوى فَكَانَ الْبدَاءَة بهَا أردع وَإِنَّمَا لم يقطع ذكر الزَّانِي لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مثله وبالقطع يفوت النَّسْل الْمَطْلُوب بَقَاؤُهُ وَلم يقطع لِسَان الْقَاذِف إبْقَاء للعبادات وَغَيرهَا

(ثمَّ) إِن سرق بعد قطع الْأَرْبَع (عزّر) وَحبس حَتَّى يَمُوت على مَا نَقله الشبراملسي عَن الْعباب وَنقل الحصني عَن

ص: 354

بَعضهم أَنه حبس حَتَّى يَتُوب وَعَن بعض آخر حبس حَتَّى تظهر تَوْبَته وَيجب على السَّارِق مَعَ الْحَد الْمَذْكُور رد الْمَسْرُوق إِلَى صَاحبه إِن بقى وَإِلَّا فبدله من مثل أَو قيمَة لِأَن الْحَد حَقه تَعَالَى وَالْغُرْم حق الْآدَمِيّ فَلَا يسْقط أَحدهمَا الآخر وَتجب أَيْضا أجرته مُدَّة وضع يَد السَّارِق عَلَيْهِ

(وَتثبت) أَي السّرقَة وقطعها (برجلَيْن) كَسَائِر الْعُقُوبَات غير الزِّنَا فَلَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ أَو رجل وَحلف الْمَالِك يَمِينا فَلَا قطع وَثَبت المَال إِن كَانَت الشَّهَادَة بعد دَعْوَى الْمَالِك أَو وَكيله وَإِلَّا لم يثبت المَال أَيْضا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ شَهَادَة حسبَة وَالْمَال لَا يثبت بهَا (وَإِقْرَار) من السَّارِق فَيقطع مُؤَاخذَة لَهُ بقوله وَلَا يشْتَرط تكَرر الْإِقْرَار وَثُبُوت الْقطع بِالْإِقْرَارِ بِشَرْطَيْنِ الأول أَن يكون بعد الدَّعْوَى عَلَيْهِ فَلَو أقرّ قبلهَا لم يثبت الْقطع فِي الْحَال بل يُوقف على حُضُور الْمَالِك وَطَلَبه لِلْمَالِ أما المَال فَيثبت

وَالثَّانِي أَن يفصل الْإِقْرَار وَلَو كَانَ فَقِيها مُوَافقا كَمَا فِي الشَّهَادَة فيبين السّرقَة والمسروق مِنْهُ خوفًا من أَن يكون أصلا أَو فرعا أَو سيدا وَقدر الْمَسْرُوق وَيبين الْحِرْز بِتَعْيِين أَو وصف

(و) تثبت السّرقَة (بِيَمِين رد) من الْمُدعى عَلَيْهِ على الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ وَذَلِكَ كَأَن يَدعِي على شخص سَرقَة نِصَاب فينكل ذَلِك الشَّخْص عَن الْيَمين فَترد على الْمُدَّعِي فَيحلف فَيثبت الْقطع وَالْمُعْتَمد عِنْد أَكثر الْعلمَاء لَا قطع كَمَا لَا يثبت بهَا حد الزِّنَا لِأَن الْقطع حق الله تَعَالَى وَهُوَ لَا يثبت بهَا وَلِأَنَّهَا وَإِن كَانَ كَالْإِقْرَارِ إِلَّا أَن استمراره على الْإِنْكَار بِمَنْزِلَة رُجُوعه عَن الْإِقْرَار ورجوعه عَنهُ مَقْبُول بِالنِّسْبَةِ للْقطع وَأما المَال فَيثبت بِلَا خلاف

وَالْحَاصِل أَن الْيَمين الْمَرْدُودَة لَا يثبت بهَا الْقطع وَيثبت بهَا المَال

(وَقبل رُجُوع مقرّ) عَن إِقْرَاره بِالسَّرقَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقطع وَلَو فِي أَثْنَائِهِ لِأَنَّهُ حق الله تَعَالَى أما المَال فَلَا يقبل رُجُوعه فِيهِ لِأَنَّهُ حق آدَمِيّ وَلَو أقرّ بِالسَّرقَةِ ثمَّ رَجَعَ ثمَّ كذب رُجُوعه فَلَا يقطع كَمَا قَالَه الدَّمِيرِيّ وَلَو أقرّ بهَا ثمَّ أُقِيمَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة ثمَّ رَجَعَ سقط عَنهُ الْقطع لِأَن الثُّبُوت كَانَ بِالْإِقْرَارِ

(وَمن أقرّ بعقوبة لله) أَي بمقتضيها كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر (فلقاض تَعْرِيض) لَهُ (بِرُجُوع) عَمَّا أقرّ بِهِ وبإنكاره أَيْضا إِذا لم يكن بَيِّنَة مَا لم يخْش أَن ذَلِك يحملهُ على إِنْكَار المَال أَيْضا كَأَن يَقُول لَهُ فِي الزِّنَا لَعَلَّك اخذت أَو لمست أَو باشرت

وَفِي السّرقَة لَعَلَّك أخذت من غير حرز

وَفِي الشّرْب لَعَلَّك لم تعلم أَن مَا شربته مُسكر فَلَا يُصَرح بذلك كَأَن يَقُول لَهُ ارْجع عَن الْإِقْرَار أَو اجحده فيأثم بِهِ لِأَنَّهُ أَمر بِالْكَذِبِ أَي يُبَاح للْقَاضِي تَعْرِيض إِذا كَانَ بعد الْإِقْرَار وَينْدب لَهُ ذَلِك إِذا كَانَ قبله وَكَذَا لَهُ أَن يعرض للشُّهُود ليمتنعوا من الشَّهَادَة أَو يراجعوا عَنْهَا وَمثل القَاضِي غَيره بل أولى من القَاضِي بِالْجَوَازِ لِامْتِنَاع التَّلْقِين على الْحَاكِم دون غَيره فَلَا يمْتَنع إِذا لم يحمل على إِنْكَار المَال وَلَا يجوز التَّعْرِيض إِذا ثَبت ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ وَلَا يحل التَّعْرِيض بِالرُّجُوعِ عَن حق الْآدَمِيّ وَإِن كَانَ رُجُوعه لَا يقبل لِأَن فِي ذَلِك حملا على محرم إِذْ هُوَ كمتعاطي العقد الْفَاسِد

ص: 355