الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب الْحَج وَالْعمْرَة
حَقِيقَة الْحَج شرعا قصد الْكَعْبَة للنسك الْآتِي بَيَانه مَعَ فعل الْأَركان الْآتِيَة
وَقَالَ ابْن الرّفْعَة هُوَ نفس الْأَفْعَال الْآتِيَة وَحَقِيقَة الْعمرَة شرعا قصد الْبَيْت للأفعال الْآتِيَة أَو نفس الْأَفْعَال والنسك آخر أَرْكَان الْإِسْلَام وَمَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ فيكفر جاحده إِلَّا الْجَاهِل الْمَعْذُور بِأَن قرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو نَشأ بَعيدا عَن الْعلمَاء وَهُوَ يكفر الصَّغَائِر والكبائر حَتَّى التَّبعَات على الْمُعْتَمد إِن مَاتَ فِي حجه أَو بعده وَقبل التَّمَكُّن من أَدَائِهَا لَكِن قَالَ الشبراملسي وتكفيره لما ذكر إِنَّمَا هُوَ لإثم الْإِقْدَام لَا لسُقُوط حُقُوق الْآدَمِيّين بِمَعْنى أَنه إِذا غصب مَالا أَو قتل نفسا ظلما وعدوانا غفر الله لَهُ إِثْم الْإِقْدَام على مَا ذكر وَوَجَب عَلَيْهِ الْقود ورد الْمَغْصُوب وَإِلَّا فَأمره إِلَى الله فِي الْآخِرَة وَمثله سَائِر حُقُوق الْآدَمِيّين وَهُوَ مُخَالف لإِطْلَاق غَيره وَهُوَ الْمَشْهُور وتكفير الْحَج للذنوب إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لأمور الْآخِرَة حَتَّى لَو أَرَادَ شَهَادَة بعده فَلَا بُد من التَّوْبَة والاستبراء وَله فَضَائِل لَا تحصى مِنْهَا مَا روى ابْن حبَان عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْحَاج حِين يخرج لم يخط خطْوَة إِلَّا كتب الله لَهُ بهَا حَسَنَة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة فَإِذا وقفُوا بِعَرَفَات باهى الله بهم مَلَائكَته يَقُول انْظُرُوا إِلَى عبَادي أَتَوْنِي شعثا غبرا أشهدكم أَنِّي غفرت لَهُم ذنوبهم وَإِن كَانَت عدد قطر السَّمَاء وَرمل عالج وَإِذا رمى الْجمار لم يدر أحد مَا لَهُ حَتَّى يوفاه يَوْم الْقِيَامَة وَإِذا حلق شعره فَلهُ بِكُل شَعْرَة سَقَطت من رَأسه نور يَوْم الْقِيَامَة فَإِذا قضى آخر طَوَافه بِالْبَيْتِ خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه
(يجبان) أَي الْحَج وَالْعمْرَة (على مُكَلّف حر مستطيع مرّة بتراخ) من حَيْثُ الْأَدَاء فَلِمَنْ وجبا عَلَيْهِ بِنَفسِهِ أَو نَائِبه تأخيرهما بعد سنة الْإِمْكَان لِأَن الْحَج فرض سنة سِتّ من الْهِجْرَة وَلم يحجّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا سنة عشر
وَمَكَّة قد فتحت سنة ثَمَان فَعدم حجه سنة ثَمَان وتسع دلَالَة على عدم وُجُوبه على الْفَوْر وَمحل جَوَاز التَّأْخِير إِن عزم على فعلهمَا فِي الْمُسْتَقْبل كَمَا فِي الصَّلَاة أَي فالنسك فرض عين على المستطيع وَمن الشَّرَائِع الْقَدِيمَة بل مَا من نَبِي إِلَّا وَحج ووجوبه على التَّرَاخِي لَكِن لَو مَاتَ قبل أَدَائِهِ تبين عصيانه من السّنة الْأَخِيرَة من سني الْإِمْكَان حَتَّى لَو شهد فِيهَا شَهَادَة وَلم يحكم بهَا حَتَّى مَاتَ فَلَا يحكم بهَا وَالْمُتَّجه أَن المُرَاد بِالسنةِ الْأَخِيرَة زمن إِمْكَان الْحَج على عَادَة أهل بَلَده وَمثل مَوته فِيمَا ذكر عضبه فيتبين من آخر سني الْإِمْكَان وَفِيمَا بعده إِلَى أَن يحجّ عَنهُ وَيجب عَلَيْهِ الِاسْتِنَابَة فَوْرًا وَيسْتَثْنى من كَونه على التَّرَاخِي مَا لَو خشِي العضب أَو الْمَوْت أَو هَلَاك مَاله وَكَذَا لَو أفسد حجَّة الْإِسْلَام فَيجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا فَوْرًا أَو تضيق بِالنذرِ وَمَعَ كَون الْحَج على التَّرَاخِي فَلَا بُد من الْعَزْم على فعله وَيسن تَعْجِيله
خُرُوجًا من خلاف من أوجب الْفَوْر كَالْإِمَامِ مَالك وَالْإِمَام أَحْمد
وَلَا يجب النّسك بِأَصْل الشَّرْع إِلَّا مرّة وَاحِدَة فِي الْعُمر وَقد يجب أَكثر مِنْهَا لعَارض كنذر وَقَضَاء عِنْد إِفْسَاد التَّطَوُّع وإحياء الْكَعْبَة كل عَام بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة فرض كِفَايَة بِشَرْط الِاسْتِطَاعَة إِن قَامَ بِهِ الْبَعْض سقط الطّلب عَن البَاقِينَ وَإِلَّا أثموا جَمِيعًا
وللنسك شُرُوط وأركان وواجبات وَسنَن ومحظورات ومفسد ومبطل
أما شُرُوطه فَالْكَلَام فِيهَا فِي خمس مقامات الْمقَام الأول للصِّحَّة الْمُطلقَة وشروطها الْإِسْلَام وَالْوَقْت وَهُوَ فِي الْحَج من ابْتِدَاء شَوَّال إِلَى فجر يَوْم النَّحْر وَفِي الْعمرَة جَمِيع السّنة فَلَا يَصح من كَافِر أُصَلِّي أَو مُرْتَد وَلَا يَصح الْإِحْرَام بِالْحَجِّ قبل وقته الْمَذْكُور بل ينْعَقد عمْرَة وَلَا الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ إِذا بَقِي عَلَيْهِ شَيْء من أَعمال الْحَج وَلَا يشْتَرط فِي الصِّحَّة الْمُطلقَة تَكْلِيف وَلَا تَمْيِيز فلولي المَال الْإِحْرَام بالنسك عَن الصَّغِير وَلَو مُمَيّزا وَعَن الْمَجْنُون كَأَن يَقُول جعلت فلَانا محرما بِالْحَجِّ سَوَاء كَانَ قبل الْإِحْرَام عَن نَفسه أَو بعده فَيصير من أحرم عَنهُ محرما بذلك وَلَا يشْتَرط حُضُوره ومواجهته حَال الْإِحْرَام عَنهُ وَلَا يصير الْوَلِيّ بذلك محرما وَيَطوف الْوَلِيّ بِغَيْر الْمُمَيز بِشَرْط طهارتهما وَجعل الْبَيْت عَن يسارهما وَيصلى عَنهُ رَكْعَتي الطّواف وَيسْعَى بِهِ ويحضره المواقف كلهَا وَلَا يَكْفِي حُضُوره بِدُونِهِ وَمِنْهَا المرمى وَهُوَ مَا يقف فِيهِ الرَّامِي وَلَو كَانَ خَارج منى لِأَن الْمدَار على إِيصَال الْحجر للمرمى فَيلْزمهُ إِحْضَاره إِيَّاه حَالَة رميه عَنهُ وَإِن لم يتَصَوَّر مِنْهُ لِأَن الْوَاجِب شَيْئَانِ الْحُضُور وَالرَّمْي فَلَا يسْقط أَحدهمَا بِسُقُوط الآخر ويناوله الْأَحْجَار فيرميها إِن قدر وَإِلَّا رمى عَنهُ من لَا رمي عَلَيْهِ من ولي ومأذونه وَلَا بُد فِي جَمِيع ذَلِك من تقدم فعل الْوَلِيّ أَو مأذونه عَن نَفسه فَلَا بُد من تقدم رميه عَن نَفسه أَولا والمميز يطوف وَيسْعَى وَيَرْمِي الْأَحْجَار بِنَفسِهِ وَيجب على الْوَلِيّ مَنعه عَن جَمِيع مُحرمَات الْإِحْرَام فَإِن فعل شَيْئا مِنْهَا فَإِن كَانَ غير مُمَيّز فَلَا فديَة عَلَيْهِ وَلَا على وليه وَإِن كَانَ مُمَيّزا فَإِن تطيب أَو لبس نَاسِيا فَلَا فديَة قطعا وَإِن تعمد ذَلِك بنى على الْقَوْلَيْنِ فِي عمد الصَّبِي فَإِن قُلْنَا عمده عمد وَجَبت وَإِن قُلْنَا عمده خطأ فَلَا وَلَو حلق أَو قلم أَو قتل صيدا وَجَبت الْفِدْيَة وَحَيْثُ وَجَبت فَهِيَ فِي مَال الْوَلِيّ وَهِي كالواجبة عَلَيْهِ بِفعل نَفسه فَإِن اقْتَضَت صوما أَو غَيره فعله وَمثل ذَلِك بِالْأولَى مَا لَو طيبه أَو ألبسهُ أَو حلق لَهُ وَإِن كَانَ ذَلِك لحَاجَة الطِّفْل على الْأَصَح وَلَو طيبه أَجْنَبِي فالفدية فِي مَال الْأَجْنَبِيّ وَلَو ترك وَاجِبا كالمبيت بِمُزْدَلِفَة أَو منى أَو غير ذَلِك وَجب الدَّم وَالْمَجْنُون كَالصَّبِيِّ فِيمَا سبق وَالسَّفِيه يكفر بِالصَّوْمِ
وَخرج بِمن ذكر الْمغمى عَلَيْهِ فَلَا يحرم عَنهُ غَيره إِن كَانَ بُرْؤُهُ يُرْجَى عَن قرب لِأَنَّهُ لَيْسَ بزائل الْعقل
الْمقَام الثَّانِي فِي صِحَة الْمُبَاشرَة بِنَفسِهِ اسْتِقْلَالا وشروطها الْإِسْلَام وَالْوَقْت والتمييز وَلَو صَبيا بِإِذن وليه أَو رَقِيقا وَلَكِن لَا يَقع النّسك لَهما عَن فرض الْإِسْلَام إِلَّا إِذا كملا قبل الْوُقُوف وَلَو كَانَا سعيا بعد طواف الْقدوم فَلَا بُد من إِعَادَة السَّعْي وَمِثَال الْوُقُوف طواف الْعمرَة
الْمقَام الثَّالِث صِحَة الْمَنْذُور وَشَرطهَا الْإِسْلَام والتكليف فَيصح من الرَّقِيق وَيكون فِي ذمَّته
الْمقَام الرَّابِع الْوُقُوع عَن فرض الْإِسْلَام وَشَرطه الْوَقْت وَالْإِسْلَام والتكليف وَالْحريَّة فيجزىء ذَلِك من فَقير لَا من صَغِير ورقيق كَمَا مر وَلَو حج أَو اعْتَمر بِمَال حرَام عصى وَسقط فَرْضه
الْمقَام الْخَامِس الْوُجُوب وشروطه مَا ذكر مَا عدا الْوَقْت مَعَ الِاسْتِطَاعَة وَهِي نَوْعَانِ أَحدهمَا استطاعة بِالنَّفسِ وَلَا تتَحَقَّق إِلَّا بِأُمُور سَبْعَة أَحدهَا وجود مُؤنَة السّفر كالزاد وأوعيته وكلفة ذَهَابه إِلَى مَكَّة ورجوعه مِنْهَا إِلَى وَطنه وَإِن لم يكن لَهُ فِيهِ أهل وَلَا عشيرة
ثَانِيهَا وجود الرَّاحِلَة الصَّالِحَة لمثله بشرَاء بِثمن مثل أَو اسْتِئْجَار بِأُجْرَة مثل لمن بَينه وَبَين مَكَّة مرحلتان فَأكْثر قدر على الْمَشْي أَو لَا لَكِن ينْدب للقادر على الْمَشْي الْحَج خُرُوجًا من خلاف من أوجبه حِينَئِذٍ
وَأما من بَينه وَبَين مَكَّة دون مرحلَتَيْنِ فَإِن كَانَ قَادِرًا على الْمَشْي لزمَه الْحَج وَلَا يعْتَبر فِي حَقه الرَّاحِلَة وَلَا يلْزمه الحبو والزحف وَإِن عجز عَن الْمَشْي أَو لحقه بِهِ ضَرَر ظَاهر فكالبعيد عَن مَكَّة فَيشْتَرط فِي حَقه وجود الرَّاحِلَة وَإِن لحقه بالراحلة مشقة شَدِيدَة اشْترط فِي حَقه وجود الْمحمل وَهَذَا فِي الرجل أما الْمَرْأَة وَالْخُنْثَى فَيشْتَرط فِي حَقّهمَا وجود الْمحمل مُطلقًا وَإِن لم يتضررا بالراحلة لِأَنَّهُ أستر لَهما وَيشْتَرط وجود شريك يجلس فِي الشق الآخر لتعذر ركُوب شقّ لَا يعادله شَيْء وَيشْتَرط أَن يَلِيق بِهِ ذَلِك المعادل بِأَن لَا يكون فَاسِقًا وَلَا شَدِيد الْعَدَاوَة وَأَن لَا يكون بِهِ نَحْو برص وَيشْتَرط كَون مَا ذكر من الزَّاد والمحمل وَالشَّرِيك فَاضلا عَن دينه وَلَو مُؤَجّلا وَعَن مُؤنَة من عَلَيْهِ مؤنتهم مُدَّة ذَهَابه وإيابه وَعَن مَسْكَنه اللَّائِق بِهِ الَّذِي لم يزدْ على حَاجته وَعَن عبد يَلِيق بِهِ وَيحْتَاج إِلَيْهِ لخدمته وَيلْزم صرف مَال تِجَارَته إِلَى الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَمَا يتَعَلَّق بهما وَلَا يلْزمه بيع آلَة محترف وَلَا كتب فَقِيه وَلَا بهائم زرع أَو نَحْو ذَلِك
ثَالِثهَا أَمن الطَّرِيق وَلَو ظنا فِي كل مَحل بِحَسب مَا يَلِيق بِهِ نفسا وبضعا ومالا وَلَو يَسِيرا وَيجب ركُوب الْبَحْر إِن تعين طَرِيقا وغلبت السَّلامَة فِي ركُوبه فان غلب الْهَلَاك أَو اسْتَوَى الْأَمْرَانِ أَو جهل الْحَال حرم ركُوبه
رَابِعهَا وجود مَاء وَزَاد وعلف دَابَّة بمحال يعْتَاد حملهَا مِنْهَا بِثمن الْمثل وَهُوَ الْقدر اللَّائِق بهَا زَمَانا ومكانا فَإِن لم يُوجد ذَلِك أَو وجد بِزِيَادَة على ثمن الْمثل لم يجب النّسك
خَامِسهَا أَن يخرج مَعَ الْمَرْأَة زَوجهَا أَو محرمها أَو عَبدهَا أَو مَمْسُوح أَو نسْوَة ثِقَات بِأَن جمعن صِفَات الْعَدَالَة وَإِن كن إِمَاء وَلَو بِأُجْرَة مثل فتلزمها إِذا لم يخرج إِلَّا بهَا وَيشْتَرط فِي وجوب النّسك عَلَيْهَا قدرتها عَلَيْهَا لِأَنَّهَا من أهبة سفرها
سادسها الثُّبُوت على المركوب وَلَو فِي محمل أَو نَحوه بِلَا ضَرَر شَدِيد فَمن لم يثبت عَلَيْهِ أصلا أَو ثَبت بِضَرَر شَدِيد لمَرض أَو غَيره لَا يلْزمه النّسك بِنَفسِهِ
سابعها وجود الزَّمن الَّذِي يسع الْمَعْهُود للنسك من بَلَده إِلَى مَكَّة بِأَن يكون قد بَقِي من الْوَقْت بعد الِاسْتِطَاعَة مَا يتَمَكَّن فِيهِ من السّير الْمُعْتَاد لأَدَاء النّسك وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد فَإِن وجدت الِاسْتِطَاعَة وَالْبَاقِي زمن لَا يسع السّير الْمُعْتَاد لم ينْعَقد الْوُجُوب فِي حَقه فِي هَذَا الْعَام وَيعْتَبر فِي الِاسْتِطَاعَة امتدادها فِي حق كل إِنْسَان من وَقت خُرُوج أهل بَلَده مِنْهُ لِلْحَجِّ إِلَى عودهم فَمَتَى أعْسر فِي جُزْء من ذَلِك فَلَا استطاعة وَلَا عِبْرَة بيساره قبل ذَلِك وَلَا بعده
وَهَذَا فِي حق الْحَيّ أما من مَاتَ بعد الِاسْتِطَاعَة فَإِنَّهُ يحجّ من تركته وَإِن كَانَ مَوته بعد حجتهم وَقبل عودهم وَلَا بُد من وجود رفْقَة يخرج مَعَهم فِي الْوَقْت الَّذِي جرت عَادَة أهل الْبَلَد بِالْخرُوجِ فِيهِ وَأَن يَسِيرُوا السّير الْمُعْتَاد وَهَذَا إِن احْتِيجَ إِلَى الرّفْقَة لدفع الْخَوْف فَإِن أَمن الطَّرِيق بِحَيْثُ لَا يخَاف الْوَاحِد فِيهَا لزمَه النّسك وَلَا حَاجَة للرفقة وَلَا نظر للوحشة لِأَن النّسك لَا بدل لَهُ
ثَانِيهَا استطاعة بِغَيْرِهِ فَتجب الْإِنَابَة عَن غير مُرْتَد مَاتَ وَعَلِيهِ نسك وَلَو بِنَحْوِ نذر من تركته كَمَا تقضى مِنْهَا دُيُونه فَلَو لم تكن لَهُ تَرِكَة سنّ لوَارِثه أَن يَفْعَله عَنهُ وَلَو فعله عَنهُ أَجْنَبِي وَلَو بِلَا إِذن من الْوَارِث جَازَ كَمَا يَصح قَضَاء دُيُونه بِلَا إِذن فَإِن لم يكن عَلَيْهِ نسك بِأَن كَانَ أدّى حجَّة الْإِسْلَام لَا تجوز الْإِنَابَة عَنهُ إِلَّا لَو أوصى بذلك وَإِلَّا جَازَت مُطلقًا قَالَ شَيخنَا يُوسُف إِذا كَانَت الْأُجْرَة من الْمُنِيب لَا من التَّرِكَة جَازَت الْإِنَابَة بِلَا وَصِيَّة
أما الْمُرْتَد فَلَا تجوز الْإِنَابَة عَنهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْعِبَادَة بل لَو خلف مَالا قضى مِنْهُ دينه وَمَا فضل يكون فَيْئا وَتجب الْإِنَابَة عَن المعضوب الَّذِي عَلَيْهِ النّسك وَهُوَ بالضاد الْمُعْجَمَة الْعَاجِز عَن مُبَاشرَة النّسك بِنَفسِهِ إِذا كَانَ بَينه وَبَين مَكَّة مرحلتان فَأكْثر أما لَو كَانَ دون مرحلَتَيْنِ أَو كَانَ بِمَكَّة فَإِنَّهُ يلْزمه مُبَاشرَة النّسك بِنَفسِهِ لقلَّة الْمَشَقَّة نعم إِن أنهاه الضنى إِلَى حَالَة لَا يحْتَمل الْحَرَكَة بِحَال جَازَت النِّيَابَة عَنهُ إِمَّا بِأُجْرَة مثل فاضلة عَمَّا مر غير مُؤنَة عِيَاله سفرا لِأَنَّهُ مُقيم عِنْدهم وَإِمَّا بِوُجُود مُتَطَوّع بالنسك عَنهُ
وَيشْتَرط فِي النَّائِب مُطلقًا أَن يكون غير معضوب موثوقا بِهِ أدّى فَرْضه وَيجوز كَون النَّائِب فِي نسك التَّطَوُّع صَبيا مُمَيّزا أَو عبدا لِأَنَّهُمَا من أهل التَّطَوُّع بالنسك لأنفسهما وَيشْتَرط فِي صِحَة عقد الِاسْتِئْجَار لِلْحَجِّ معرفَة الْعَاقِدين أَعمال الْحَج فرضا ونفلا حَتَّى لَو ترك مِنْهُ أدبا سقط من الْأُجْرَة مَا يُقَابله والاستئجار فِيمَا مر ضَرْبَان أَحدهمَا إِجَارَة عين كاستأجرتك عني أَو عَن ميتي هَذِه السّنة فَإِن عين غير السّنة الأولى لم يَصح العقد وَإِن أطلق صَحَّ وَحمل على السّنة الْحَاضِرَة وَيشْتَرط لصِحَّة العقد قدرَة الْأَجِير على الشُّرُوع فِي الْعَمَل واتساع الْمدَّة لَهُ والمكي وَنَحْوه يسْتَأْجر فِي أشهر الْحَج
الثَّانِي إِجَارَة ذمَّة كَقَوْلِه ألزمت ذِمَّتك تَحْصِيل حجَّة وَيجوز الِاسْتِئْجَار فِي هَذَا الضَّرْب على الْمُسْتَقْبل فَإِن أطلق حمل على الْحَاضِرَة فَتبْطل إِن ضَاقَ الْوَقْت وَلَا يشْتَرط قدرته على السّفر لِإِمْكَان الِاسْتِنَابَة فِي إِجَارَة الذِّمَّة وَلَو قَالَ ألزمت ذِمَّتك لتحج عني بِنَفْسِك بطلت الْإِجَارَة على مَا اعْتَمدهُ الرَّمْلِيّ خلافًا لما نقل عَن الْبَغَوِيّ أَن ذَلِك يَصح وَتَكون تِلْكَ الْإِجَارَة إِجَارَة عين وَلَو اسْتَأْجر للقران فالدم على الْمُسْتَأْجر فَإِن شَرطه على الْأَجِير بطلت الْإِجَارَة وَلَو كَانَ الْمُسْتَأْجر للقران مُعسرا فالصوم الَّذِي هُوَ بدل الدَّم على الْأَجِير لِأَن الصَّوْم يَقع بعضه فِي الْحَج وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى من الْمُسْتَأْجر لِأَن الْفَرْض أَنه معضوب وَأَنه فِي غير مَكَّة وَلَو أفسد الْأَجِير الْحَج بِالْجِمَاعِ لزمَه قَضَاؤُهُ عَن نَفسه فَيَقَع الْقَضَاء لَهُ وَعَلِيهِ الْمُضِيّ فِي فاسده وَالْكَفَّارَة وتنفسخ بِهِ إِجَارَة الْعين وَيلْزمهُ رد مَا أَخذه من الْمُسْتَأْجر وَيبقى عَلَيْهِ الْحَج فِي ذمَّته إِن كَانَت الْإِجَارَة إِجَارَة ذمَّة فَيلْزمهُ فِيهَا أَن يَأْتِي بعد الْقَضَاء عَن نَفسه بِحَجّ
آخر للْمُسْتَأْجر فِي عَام آخر أَو يَسْتَنِيب من يحجّ عَنهُ فِي ذَلِك الْعَام أَو غَيره وَلَو اسْتَأْجر المعضوب من يحجّ عَنهُ فحج عَنهُ ثمَّ شفي لم يَقع عَنهُ فَلَا يسْتَحق الْأَجِير أُجْرَة على الْمُعْتَمد وَيَقَع الْحَج نفلا للْأَجِير وَلَو حضر مَكَّة أَو عَرَفَة فِي سنة حج الْأَجِير لم يَقع حج الْأَجِير عَنهُ لتعين مُبَاشَرَته بِنَفسِهِ وَيلْزمهُ للْأَجِير الْأُجْرَة وَالْفرق بَين هَذِه وَمَا قبلهَا أَنه لَا تَقْصِير مِنْهُ فِي حق الْأَجِير فِي الشِّفَاء بِخِلَاف الْحُضُور فَإِنَّهُ بعد أَن ورط الْأَجِير مقصر بِهِ فَلَزِمته أجرته
(و) أما (أَرْكَانه) أَي الْحَج فستة الأول (إِحْرَام) أَي نِيَّة دُخُول فِي الْحَج فَإِن أحرم بحجتين انْعَقَدت وَاحِدَة وَالْأَفْضَل أَن يعين فِي نِيَّته فَلَو أحرم وَأطلق بِأَن قَالَ نَوَيْت الْإِحْرَام أَو نَوَيْت الْإِحْرَام بالنسك فَإِن كَانَ فِي أشهر الْحَج صرفه إِلَى مَا شَاءَ من النُّسُكَيْنِ أَو أَحدهمَا إِن كَانَ وَقت الصّرْف صَالحا لَهما ثمَّ بعد التَّعْيِين يَأْتِي بِمَا عينه فَلَا يجزىء الْعَمَل قبله وَإِن كَانَ فِي غير أشهر الْحَج انْعَقَد عمْرَة بِمُجَرَّد النِّيَّة الْمُطلقَة فَلَو صابر الْإِحْرَام وَلم يشرع فِي شَيْء من الْأَعْمَال حَتَّى دخلت أشهر الْحَج فَلَيْسَ لَهُ صرفه إِلَى الْحَج لِأَن وَقت النِّيَّة لَا يقبل غير الْعمرَة وَيجوز أَن يَقُول نَوَيْت الْإِحْرَام كإحرام زيد فَإِن كَانَ زيد غير محرم أَو كَانَ إِحْرَامه فَاسِدا انْعَقَد إِحْرَامه مُطلقًا وَإِلَّا فكإحرامه فَإِن تعذر معرفَة إِحْرَامه نوى قرانا ثمَّ أَتَى بِعَمَلِهِ
وَيسن النُّطْق بِالنِّيَّةِ فالتلبية عَقبهَا وَإِذا فرغ من التَّلْبِيَة صلى وَسلم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَسَأَلَ الله تَعَالَى رضوانه وَالْجنَّة واستعاذ بِهِ من النَّار
(و) الثَّانِي (وقُوف بِعَرَفَة) وَيجب فِيهِ حُضُوره بِجُزْء من أرْضهَا أَو على غُصْن شَجَرَة فِيهَا بِخِلَاف مَا إِذا ركب على طَائِر فِي هوائها أَو ركب على سَحَاب فِيهِ أَو طَار هُوَ فِيهِ فَلَا يَكْفِي لِأَن هَوَاء عَرَفَات لَيْسَ لَهُ حكمهَا وَيَكْفِي الْحُضُور بأرضها وَإِن كَانَ مارا فِي طلب آبق وَإِن لم يدر أَنَّهَا عَرَفَات وَعلم من ذَلِك أَن صرف الْوُقُوف إِلَى غَيره لَا يُؤثر بِخِلَاف الطّواف وَالسَّعْي وَرمي الْجمار فَإِنَّهَا يضر فِيهَا الصَّارِف
وَيشْتَرط فِي الْوَاقِف كَونه محرما أَهلا لِلْعِبَادَةِ لَا مغمى عَلَيْهِ جَمِيع وَقت الْوُقُوف وَلَا يضر النّوم وَوَقته (بَين زَوَال) ليَوْم تَاسِع ذِي الْحجَّة (وفجر نحر) فَفِي أَي وَقت من ذَلِك وقف أَجزَأَهُ وَيسْتَحب أَن يجمع فِي الْوُقُوف بَين اللَّيْل وَالنَّهَار
وَيسن فِي الْوُقُوف أَن يكون على طَهَارَة وإكثار الذّكر والتهليل وَالدُّعَاء والتلبية وَقِرَاءَة الْقُرْآن وإكثار التضرع والذلة والإلحاح فِي الدُّعَاء فيستقبل الْبَيْت الْحَرَام ويبسط كفيه وَيَقُول الْحَمد لله رب الْعَالمين ثمَّ يُلَبِّي ثَلَاثًا وَيَقُول الله أكبر وَللَّه الْحَمد ثَلَاثًا ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ انقلني من ذل الْمعْصِيَة إِلَى عز الطَّاعَة واكفني بحلالك عَن حرامك وأغنني بِفَضْلِك عَمَّن سواك وَنور قلبِي وقبري واهدني وأعذني من الشَّرّ كُله واجمع لي الْخَيْر كُله
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْهدى والتقى والعفاف والغنى
اللَّهُمَّ آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا كَبِيرا وَإنَّهُ لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك وارحمني إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم
اللَّهُمَّ اغْفِر لي مغْفرَة تصلح بهَا شأني فِي الدَّاريْنِ وارحمني
رَحْمَة وَاسِعَة أسعد بهَا فِي الدَّاريْنِ وَتب عَليّ تَوْبَة نصُوحًا لَا أنكثها أبدا وألزمني سَبِيل الاسْتقَامَة لَا أزيغ عَنْهَا أبدا
وروى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ خير الدُّعَاء دُعَاء يَوْم عَرَفَة وَخير مَا قلت أَنا والنبيون من قبلي لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير فَيسنّ الْإِكْثَار من ذَلِك حَتَّى قَالَ بَعضهم إِن اسْتَطَاعَ أَن يَأْتِي بهَا مائَة ألف مرّة فَلْيفْعَل وَمن فَاتَهُ الْوُقُوف بِعَرَفَة بِأَن طلع فجر يَوْم النَّحْر وَلم يحضر بِجُزْء مِنْهَا بعد زَوَال يَوْم التَّاسِع فِي لَحْظَة من ليل أَو نَهَار فَاتَهُ الْحَج وَيجب عَلَيْهِ الْإِتْيَان بِمَا بَقِي من أَرْكَانه وَهُوَ الطّواف الْمَتْبُوع بالسعي إِن لم يكن سعى بعد طواف الْقدوم وَالْحلق وَيَنْوِي عِنْد كل مِنْهُمَا التَّحَلُّل من حجه وبفراغها يصير حَلَالا وَهَذَا معنى قَوْلهم تحلل بِعَمَل عمْرَة
وَأما الْمبيت بِمُزْدَلِفَة وَمنى وَرمي الْجمار فقد سقط عَنهُ بِفَوَات الْحَج وَلَا يُغْنِيه ذَلِك عَن عمْرَة الْإِسْلَام وَيجب عَلَيْهِ الْقَضَاء فَوْرًا من عَام قَابل لهَذَا الْحَج الَّذِي فَاتَهُ سَوَاء كَانَ فرضا أَو نفلا وَسَوَاء كَانَ الْفَوات بِعُذْر أَو لَا وَلَا تشْتَرط الِاسْتِطَاعَة بل يجب عَلَيْهِ وَلَو مَاشِيا إِن أطاقه وَلَو كَانَ بَينه وَبَين مَكَّة مرحلتان فَأكْثر وَلَو استدام الْإِحْرَام حَتَّى حج بِهِ من قَابل لَا يجوز بِخِلَاف مَا لَو وقف فَإِنَّهُ يجوز لَهُ مصابرة الْإِحْرَام للطَّواف وَالسَّعْي وَالْحلق وَلَو سِنِين لِأَنَّهُ لَا آخر لوَقْتهَا مَعَ تبعيتها للوقوف وَلَيْسَ لِلْحَجِّ ركن يفوت بِفَوَات وقته إِلَّا الْوُقُوف وَأما بَاقِي الْأَركان فَلَا آخر لوَقْتهَا كَمَا مر وَإِنَّمَا يجب الْقَضَاء فِي فَوَات لم ينشأ عَن حصر فَإِن نَشأ عَنهُ بِأَن أحْصر فسلك طَرِيقا آخر ففاته الْحَج وتحلل بِعَمَل عمْرَة فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بذل مَا فِي وَسعه وَمحل ذَلِك إِن كَانَ الطَّرِيق الَّذِي سلكه أطول من الأول
أما لَو سلك طَرِيقا آخر مُسَاوِيا للْأولِ أَو أقرب مِنْهُ أَو صابر إِحْرَامه غير متوقع زَوَال الْإِحْصَار ففاته الْوُقُوف فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَمحله أَيْضا غير الْفَرْض
أما هُوَ فَفِي ذمَّته إِن اسْتَقر عَلَيْهِ كحجة الْإِسْلَام بعد السّنة الأولى من سني الْإِمْكَان فَإِن لم يسْتَقرّ كحجة الْإِسْلَام فِي السّنة الأولى من سني الْإِمْكَان اعْتبرت استطاعة جَدِيدَة بعد زَوَال الْحصْر إِن وجدت وَجب وَإِلَّا فَلَا
(و) الثَّالِث (طواف إفَاضَة) وَهُوَ الْوَاقِع بعد الْوُقُوف
وأنواع الطّواف من حَيْثُ هُوَ سَبْعَة طواف الْقدوم وَطواف الْإِفَاضَة وَطواف الْوَدَاع وَطواف التَّحَلُّل وَطواف الْعمرَة والمنذور والمتطوع بِهِ
(و) الرَّابِع (سعي) بَين الصَّفَا والمروة (سبعا) لخَبر الدَّارَقُطْنِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم اسْتقْبل النَّاس فِي الْمَسْعَى وَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس اسْعوا فَإِن السَّعْي قد كتب عَلَيْكُم
وشروطه سَبْعَة الأول أَن تكون بعد طواف وَاجِب كطواف الْإِفَاضَة فَيمْتَنع حِينَئِذٍ أَن يسْعَى بعد طواف نفل وَفعله بعد طواف الْقدوم أفضل تعجيلا لبراءة الذِّمَّة وَلَا يسْتَحبّ لَهُ إِعَادَته بعد طواف الْإِفَاضَة بل يكره وَيسْتَثْنى من ذَلِك مَا لَو سعى الصَّبِي
بعد طواف الْقدوم ثمَّ بلغ فِي أثْنَاء الْوُقُوف أَو قبله فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ إِعَادَة السَّعْي وَعتق الرَّقِيق فِي ذَلِك كبلوغ الصَّبِي وَلَا تشْتَرط الْمُوَالَاة بَين الطّواف وَالسَّعْي
وَظَاهر كَلَام الْجُمْهُور أَنه لَا يجوز السَّعْي إِلَّا بعد طواف قدوم أَو ركن
وَقَالَ بَعضهم الشَّرْط وُقُوعه بعد طواف صَحِيح فرض أَو نفل
الرَّابِع قطع الْمسَافَة بَين الصَّفَا والمروة بِحَيْثُ يلصق عقبه بِمَا ذهب مِنْهُ وأصابع رجلَيْهِ بِمَا ذهب إِلَيْهِ
الْخَامِس أَن يكون بِبَطن الْوَادي فَلَا يجزىء السَّعْي مَعَ الْخُرُوج عَنهُ
السَّادِس فقد الصَّارِف فَلَو سعى فِي طلب غَرِيم لَهُ لم يجز
السَّابِع أَن لَا يكون منكوسا وَلَا مُعْتَرضًا وَلَا طائرا فِي الْهَوَاء كَمَا فِي الْوُقُوف وَالطّواف
(و) الْخَامِس (إِزَالَة شعر) من الرَّأْس بحلق أَو قصّ أَو نتف أَو غَيرهَا وَالْحلق للذّكر أفضل وَالتَّقْصِير لغيره
وَيسن التَّيَامُن فِي إِزَالَته واستقبال صَاحب الشّعْر الْقبْلَة وَالتَّكْبِير بعد الْفَرَاغ مِنْهُ وَأقله إِزَالَة ثَلَاث شَعرَات من رَأسه وَيسن لمن لَا شعر بِرَأْسِهِ إمرار الموسى عَلَيْهِ وَيدخل وَقت طواف الْإِفَاضَة وَإِزَالَة الشّعْر بِنصْف لَيْلَة النَّحْر لمن وقف قبل ذَلِك وَلَا آخر لوقتهما كَمَا مر وَلَا تَرْتِيب بَينهمَا
(و) السَّادِس (تَرْتِيب) لمعظم الْأَركان بِأَن يبْدَأ بِالنِّيَّةِ ثمَّ الْوُقُوف ثمَّ الطّواف وَالْحلق ثمَّ السَّعْي إِن لم يكن سعى بعد طواف الْقدوم وَتقدم قَرِيبا أَنه لَا تَرْتِيب بَين الطّواف وَإِزَالَة الشّعْر (وَلَا تجبر) أَي تِلْكَ الْأَركان إِذا ترك وَاحِدًا مِنْهَا (بِدَم) وَلَا بِغَيْرِهِ بل لَا بُد من فعلهَا (وَغير وقُوف) بِعَرَفَة (أَرْكَان لعمرة) لَكِن لَا بُد من تَرْتِيب جَمِيع أَرْكَانهَا بِأَن يفعل الطّواف بعد الْإِحْرَام بهَا ثمَّ السَّعْي ثمَّ إِزَالَة الشّعْر
(وَشرط الطّواف) بأنواعه تِسْعَة الأول (طهر) عَن الْحَدث الْأَصْغَر والأكبر وَعَن النَّجس فِي ثَوْبه وبدنه ومكانه وَمن الْحَدث الْحيض فَيمْتَنع أَن تَطوف الْحَائِض حَتَّى تطهر فَإِن رحلت الْقَافِلَة قبل أَن تَطوف طواف الرُّكْن وخافت من التَّخَلُّف فلهَا الرحيل مَعَهم بِلَا طواف فَإِذا وصلت إِلَى مَحل يتَعَذَّر عَلَيْهَا الرُّجُوع مِنْهُ إِلَى مَكَّة جَازَ لَهَا أَن تتحلل بِذبح فحلق أَو تَقْصِير مَعَ نِيَّة التَّحَلُّل كالمحصر وَتحل حِينَئِذٍ من إحرامها وَيبقى الطّواف فِي ذمَّتهَا إِلَى أَن تعود وَالْأَقْرَب أَن الْعود على التَّرَاخِي وَإِذا مَاتَت وَلم تعد وَجب الإحجاج عَنْهَا بِشَرْطِهِ وتحتاج عِنْد فعل الطّواف إِلَى إِحْرَام للإتيان بِالطّوافِ فَقَط دون مَا فعلته قبله من أَرْكَان الْحَج كالوقوف وَإِنَّمَا احْتَاجَت إِلَى إِحْرَام جَدِيد لخروجها من الْحَج بالتحلل ويعفى عَمَّا يشق الِاحْتِرَاز عَنهُ من نَجَاسَة المطاف مَا لم تكن رطبَة أَو يتَعَمَّد الْمَشْي عَلَيْهَا
(و) الثَّانِي (ستر) للعورة السَّابِقَة فِي الصَّلَاة مَعَ الْقُدْرَة وَإِن حرم اللّبْس لكَون السَّاتِر محيطا فيبني الطَّائِف على مَا مضى من طَوَافه إِن فقد بعض شُرُوطه فِي أَثْنَائِهِ كَأَن أحدث أَو
تنجس بدنه أَو ثَوْبه أَو مطافه بِغَيْر مَعْفُو عَنهُ أَو عري وَلم يستر حَالا مَعَ الْقُدْرَة على السّتْر وَإِن تعمد ذَلِك وَطَالَ الْفَصْل إِذْ لَا يشْتَرط الْمُوَالَاة فِي الطّواف بعد أَن تطهر واستتر
نعم يسن لَهُ الِاسْتِئْنَاف خُرُوجًا من الْخلاف هَذَا فِي غير الْإِغْمَاء وَالْجُنُون وَالسكر
أما من اتّصف بذلك فِي أثْنَاء الطّواف فَيجب الِاسْتِئْنَاف للْوُضُوء وَالطّواف لزوَال التَّكْلِيف
(و) الثَّالِث (نِيَّته) أَي الطّواف (إِن اسْتَقل) بِأَن كَانَ الطّواف لَيْسَ فِي ضمن نسك كطواف النَّفْل والمنذور من الْحَلَال وكطواف الْوَدَاع فَلَا بُد لَهُ من نِيَّة لوُقُوعه بعد التَّحَلُّل بِخِلَاف طواف الرُّكْن والقدوم للْحَاج فَلَا يحْتَاج إِلَى نِيَّة لشمُول نِيَّة النّسك لَهُ
(و) الرَّابِع (بدؤه بِالْحجرِ الْأسود محاذيا لَهُ) أَي الْحجر أَو لجزئه فِي مروره عَلَيْهِ ابْتِدَاء (بِبدنِهِ) أَي بِجَمِيعِ مَنْكِبه فَلَو تقدم شَيْء من مَنْكِبه عَنهُ لم يحْسب مَا طافه فَإِذا انْتهى إِلَيْهِ ابْتَدَأَ مِنْهُ وَلَو أزيل الْحجر وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وَجب محاذاة مَحَله وَصفَة الْمُحَاذَاة أَن يسْتَقْبل الْبَيْت وَيقف بِجَانِب الْحجر من جِهَة الرُّكْن الْيَمَانِيّ بِحَيْثُ يصير جَمِيع الْحجر عَن يَمِينه ومنكبه الْأَيْمن عِنْد طرفه ثمَّ يَنْوِي الطّواف ثمَّ يمشي مُسْتَقْبل الْحجر مارا إِلَى جِهَة يَمِينه حَتَّى يُجَاوِزهُ فَإِذا جاوزه انْفَتَلَ وَجعل يسَاره إِلَى الْبَيْت وَلَو فعل هَذَا من الأول وَترك اسْتِقْبَال الْحجر جَازَ لَكِن فَاتَتْهُ الْفَضِيلَة وَلَيْسَ شَيْء من الطّواف يجوز مَعَ اسْتِقْبَال الْبَيْت إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ من مروره فِي الِابْتِدَاء وَذَلِكَ سنة فِي الطوفة الأولى لَا غير بل هُوَ مَمْنُوع فِي غَيرهَا وَهَذَا غير الِاسْتِقْبَال الْمُسْتَحبّ عِنْد لِقَاء الْحجر قبل أَن يبْدَأ بِالطّوافِ فَإِن ذَلِك مُسْتَحبّ قطعا وَسنة مُسْتَقلَّة أَي فَيسنّ لمن أَرَادَ الطّواف أَن يلمس الْحجر الْأسود بِيَدِهِ بعد استقباله أول طَوَافه ويقبله ثَلَاثًا وَيَضَع بعد ذَلِك جَبهته ثَلَاثًا ثمَّ يتَأَخَّر بِحَيْثُ يكون طرف مَنْكِبه الْأَيْمن عِنْد طرف الْحجر ثمَّ يمر إِلَى أَن يُجَاوِزهُ فينفتل وَحكى الْأَذْرَعِيّ وَجها أَنه يجب استقباله بِالْوَجْهِ عِنْد ابْتِدَاء الطّواف وانتهائه قَالَ فالاحتياط التَّام فعل ذَلِك
(و) الْخَامِس (جعل الْبَيْت عَن يسَاره) مارا تِلْقَاء وَجهه
وَالسَّادِس أَن يكون الطَّائِف خَارِجا بِكُل بدنه وثوبه عَن الْبَيْت فَلَو أَدخل جُزْءا من ذَلِك فِي هَوَاء الشاذروان أَو هَوَاء غَيره من أَجزَاء الْبَيْت أَو دخل من إِحْدَى فتحتي الْحجر المحوط بَين الرُّكْنَيْنِ الشاميين لم يَصح بعض طوفته وَمِمَّا يطْلب التفطن لَهُ فِي حَال تَقْبِيل الْحجر الْأسود أَنه يَنْبَغِي أَن يقر قَدَمَيْهِ فِي حَال التَّقْبِيل فِي مَحلهمَا حَتَّى يرفع قامته لأجل أَن يخرج عَن محاذاة الشاذروان ثمَّ يمشي وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا انحنى للتقبيل يصير جُزْء من بدنه فِي هَوَاء الشاذروان فَلَو مَشى قبل رفع قامته لم يَصح بعض طوفته وَيُقَاس بِمن يقبل الْحجر الْأسود فِيمَا ذكر من يسْتَلم الرُّكْن الْيَمَانِيّ
(و) السَّابِع (كَونه) أَي الطّواف (سبعا) يَقِينا وَلَو فِي الْأَوْقَات الْمنْهِي عَن الصَّلَاة فِيهَا وَإِن كَانَ رَاكِبًا لغير عذر فَلَو ترك مِنْهَا شَيْئا وَإِن قل لم يُجزئهُ
وَالثَّامِن كَونه فِي الْمَسْجِد وَإِن وسع مَا لم يبلغ الْحل بِحَيْثُ تصير حَاشِيَته فِي الْحل بِسَبَب التَّوسعَة وَإِلَّا فَلَا يَصح الطّواف فِي الْحَاشِيَة الَّتِي فِي الْحل بل لَا بُد أَن يكون فِي أَرض الْحرم وَلَو كَانَ على سطح الْمَسْجِد وَلَو مرتفعا عَن الْبَيْت وَلَو حَال بَينه وَبَين الْبَيْت حَائِل كزمزم والسواري وَنَحْوهَا فَلَو طَاف خَارج الْمَسْجِد وَلَو بِالْحرم لم يَصح
وَالتَّاسِع عدم صرفه لغيره كَطَلَب غَرِيم فَإِن صرفه لنَحْو طلب الْغَرِيم انْقَطع
(وَسن) للطائف أُمُور عشرَة الأول (أَن يفْتَتح) أَي الطَّائِف (باستلام الْحجر) الْأسود بعد استقباله أَي بلمسه بِيَدِهِ وَتَقْبِيله مَعَ تَخْفيف الْقبْلَة بِحَيْثُ لَا يسمع لَهَا صَوت وَوضع جَبهته عَلَيْهِ ثَلَاثًا فِي الْجَمِيع
(و) يسن أَن (يستلمه) أَي الْحجر (فِي كل طوفة) من الطوفات السَّبع وَهُوَ فِي الأوتار آكِد وَيسْتَحب أَن يكون الاستلام بِالْيَمِينِ فَإِن عجز عَن الاستلام بِيَدِهِ اسْتَلم بِنَحْوِ عَصا ثمَّ يقبل مَا اسْتَلم بِهِ فَإِن عجز أَشَارَ بِيَدِهِ أَو بِمَا فِيهَا ثمَّ قبل مَا أَشَارَ بِهِ وَلَا يسن للنِّسَاء استلام وَلَا تَقْبِيل وَلَا قرب من الْبَيْت إِلَّا عِنْد خلو المطاف (و) سنّ أَن يسْتَلم (الرُّكْن الْيَمَانِيّ) فِي كل طوفة وَلَا يقبله لعدم نَقله وَيقبل يَده بعد استلامه بهَا وَلَا يسْتَلم الرُّكْنَيْنِ الشاميين وَلَا يقبلهما
(و) الثَّانِي أَن (يرمل ذكر) وَهُوَ أَن يُقَارب الخطا بِسُرْعَة من غير عَدو وَلَا وثب وَذَلِكَ (فِي) الطوفات (الثَّلَاث الأول من) السَّبع لَا فِي جَمِيعهَا مستوعبا بالرمل الْبَيْت وَإِنَّمَا يسن ذَلِك فِي (طواف بعده سعي) مَطْلُوب فِي حج أَو عمْرَة
وَالثَّالِث أَن يضطبع وَهُوَ أَن يَجْعَل وسط رِدَائه تَحت مَنْكِبه الْأَيْمن ويكشفه وطرفيه على عَاتِقه الْأَيْسَر وَإِنَّمَا يسن للذّكر فِي طواف فِيهِ رمل
وَالرَّابِع أَن يقرب من الْبَيْت
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالِاحْتِيَاط الإبعاد عَن الْبَيْت بِقدر ذِرَاع وَقَالَ الْكرْمَانِي بِقدر ثَلَاث خطوَات ليأمن الطّواف على الشاذروان وَمحل اسْتِحْبَاب الْقرب من الْبَيْت مَا لم يتأذ أَو يؤذ بالزحام وَإِلَّا فالبعد أولى
وَمن ثمَّ ندب لَهُ ترك الِاسْتِقْبَال والتقبيل حِينَئِذٍ
وَالْخَامِس أَن يطوف حافيا فَلَو طَاف فِي نعل طَاهِر أَسَاءَ لإخلاله بالتعظيم إِلَّا أَن يشق عَلَيْهِ مُبَاشرَة الأَرْض بباطن الْقدَم لشدَّة الْحر فَلَا يكره
وَالسَّادِس أَن يَأْتِي بِالطّوافِ بتؤدة وسكينة ووقار
وَالسَّابِع أَن يوالي بَين الطوفات
وَالثَّامِن أَن يَأْتِي بالدعوات المأثورة فِيهِ
وَالتَّاسِع أَن يَنْوِي الطّواف الَّذِي فِي ضمن النّسك وَإِلَّا وَجَبت كَمَا مر
والعاشر أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعده يَنْوِي بهما سنة الطّواف وَيَدْعُو بعدهمَا بِمَا أحب من أَمر الْآخِرَة وَالدُّنْيَا ثمَّ بعد ذَلِك يَأْتِي الْحجر فيقبله وَيَضَع جَبهته عَلَيْهِ
(وواجباته) أَي الْحَج خَمْسَة أَولهَا (إِحْرَام من مِيقَات) أَي كَون الْإِحْرَام من الْمِيقَات المكاني
وَاعْلَم أَن قَاصد النّسك إِمَّا أَن يكون مكيا وَهُوَ من بِمَكَّة سَوَاء كَانَ من أَهلهَا أَو غَرِيبا مُقيما بهَا أَو عَابِر سَبِيل وَإِمَّا أَن يكون آفاقيا وَهُوَ من بَلَده وَرَاء الْمَوَاقِيت الْخَمْسَة الَّتِي نظمها بعض الْفُضَلَاء بقوله عرق الْعرَاق يَلَمْلَم الْيمن وبذي الحليفة يحرم الْمدنِي وَالشَّام جحفة إِن مَرَرْت بهَا وَلأَهل نجد قرن فاستبن وَأما أَن يكون لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَهُوَ من مَسْكَنه بَين مَكَّة وَأحد الْمَوَاقِيت الْخَمْسَة فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَحْوَال الْحَال الأولى أَن يكون مكيا فميقاته لِلْحَجِّ نفس مَكَّة فَلَا يجوز الْإِحْرَام بعد مجاوزتها إِلَى جِهَة عَرَفَة وَمن فعل ذَلِك لزمَه دم
أما لَو كَانَ الْحَاج مِنْهَا فِي محاذاتها فَلَا حُرْمَة وَلَا دم وَالْأَفْضَل للمكي إِذا أَرَادَ الْإِحْرَام أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيته سنة الْإِحْرَام ثمَّ يخرج فَيحرم من بَاب دَاره ثمَّ يَأْتِي الْمَسْجِد فيطوف للوداع ثمَّ يتَوَجَّه جِهَة مقْصده
الْحَال الثَّانِيَة أَن يكون آفاقيا وَفِي طَرِيقه أحد الْمَوَاقِيت الْخَمْسَة حِين سلكه أَو كَانَ فِي طَرِيقه مَوضِع جعل ميقاتا وَإِن لم يكن ميقاتا أَصْلِيًّا وَحكمه حِينَئِذٍ أَنه يحرم قبل مجاوزته فَإِن جاوزه غير محرم أَسَاءَ وَلَزِمَه دم وَيجوز مُجَاوزَة الْمِيقَات إِلَى جِهَة اليمنة أَو اليسرة وَيحرم من مثل مِيقَات بَلَده أَو أبعد وَمن لَا مِيقَات بطريقه فميقاته محاذاته فِي بر أَو بَحر هَذَا إِن سامت وَاحِدًا من الْمَوَاقِيت الْخَمْسَة يمنة أَو يسرة فَيَكْفِي الْإِحْرَام من محاذاتها يمنة أَو يسرة وَلَا عِبْرَة بالمسامتة خلفا وأماما فَإِن كَانَ فِي طَرِيقه يُحَاذِي ميقاتين فَإِن حاذاهما دفْعَة كَأَن يكون أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله فميقاته مَكَان الْمُحَاذَاة وَإِن حاذاهما على التَّرْتِيب كَأَن يكون كل مِنْهُمَا عَن يَمِينه أَو عَن شِمَاله أَو أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله فميقاته محاذاة الأول مِنْهُمَا إِن كَانَ أقرب إِلَيْهِ وَأبْعد إِلَى مَكَّة وَلَا يجوز لَهُ انْتِظَار الْوُصُول إِلَى محاذاة الْأَقْرَب إِلَى مَكَّة كَمَا لَيْسَ للآتي من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة أَن يُجَاوز ذَا الحليفة ليحرم من الْجحْفَة فَإِن اسْتَويَا فِي الْقرب إِلَيْهِ عِنْد الْمُحَاذَاة وَكَانَ أَحدهمَا أبعد إِلَى مَكَّة لزمَه الْإِحْرَام من محاذاة الْأَبْعَد عَن مَكَّة على الْأَصَح وَقيل إِنَّه يتَخَيَّر فَإِن شَاءَ أحرم من الْموضع المحاذي لأبعدهما وَإِن شَاءَ لأقربهما فَإِن كَانَ الْأَبْعَد إِلَى مَكَّة بَعيدا عَنهُ أَيْضا أحرم من محاذاة أقربهما إِلَيْهِ وَإِن كَانَ أقرب إِلَى مَكَّة وَمن لم يحاذ ميقاتا
أصلا كالجائي من الْبَحْر من جِهَة سواكن فميقاته على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة إِذْ لَا مِيقَات أقل مَسَافَة من هَذَا الْقدر وَتحصل معرفَة ذَلِك بِأَن كَانَ عِنْده من يعرف تِلْكَ الْمسَافَة أَو بِأَن يجْتَهد فِيهَا وَيفهم من ذَلِك أَن جدة إِن كَانَت مسافتها إِلَى مَكَّة لَا تنقص عَن مرحلَتَيْنِ يَكْفِي أَن تكون ميقاتا
للجائي من الْبَحْر من جِهَة الْيمن وَإِلَّا فَلَا بُد أَن يحرم قبل وُصُول جدة بِحَيْثُ تبلغ الْمسَافَة إِلَى مَكَّة مرحلَتَيْنِ وَذَلِكَ أَن جِهَة جدة من مَكَّة غربي وجهة يَلَمْلَم مِنْهَا جنوبي شَرْقي فَصَارَت أَمَام الجائي بِخِلَافِهِ الْمَار على ذِي الحليفة فَلَا يجوز أَن يُؤَخر إِحْرَامه إِلَى الْجحْفَة لِأَن جهتهما من مَكَّة متحدة
الْحَال الثَّالِثَة أَن يكون مَسْكَنه بَين مَكَّة والميقات فميقاته مَسْكَنه فَإِن كَانَ سَاكِنا فِي قَرْيَة أَو خيام أَو وَاد فميقاته ذَلِك وَلَو ترك منزله وَقصد الْمِيقَات وَرَاءه وَأحرم مِنْهُ جَازَ وَلَا دم عَلَيْهِ كالمكي إِذا خرج إِلَى الْمِيقَات وَأحرم مِنْهُ فَلَو جَاوز مَسْكَنه إِلَى جِهَة مَكَّة فكمجاوزة الْمِيقَات الشَّرْعِيّ وَمثل من ذكر الآفاقي الَّذِي جَاوز الْمِيقَات غير مُرِيد للنسك ثمَّ أَرَادَهُ فميقاته مَحَله وَلَا يُكَلف الْعود إِلَى الْمِيقَات
(و) ثَانِيهَا (مبيت بِمُزْدَلِفَة) وَالْوَاجِب فِيهِ لَحْظَة من النّصْف الثَّانِي من اللَّيْل فَإِن دفع مِنْهَا قبل النّصْف الثَّانِي لزمَه الْعود فَإِن لم يعد حَتَّى طلع الْفجْر لزمَه دم
وَيسن أَن يَأْخُذ مِنْهَا حَصى رمي يَوْم النَّحْر وَهُوَ سبع حَصَيَات
وَأما حَصى رمي أَيَّام التَّشْرِيق فَيَأْخذهُ من بطن محسر أَو من منى فَتحصل السّنة بِالْأَخْذِ من كل مِنْهُمَا وَيكرهُ أَخذ الْحَصَى من المرمى لما قيل إِن المقبول يرفع والمردود يتْرك وَلَوْلَا ذَلِك لسد مَا بَين الجبلين
(و) ثَالِثهَا مبيت (بمنى) ليَالِي أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة وَالْوَاجِب فِيهِ مُعظم اللَّيْل وَهَذَا يتَحَقَّق بِمَا زَاد على النّصْف وَلَو بلحظة وَيحْتَمل أَن المُرَاد مَا يُسمى مُعظما فِي الْعرف فَلَا يَكْفِي ذَلِك وَمحل وجوب مبيت اللَّيْلَة الثَّالِثَة إِن لم ينفر النَّفر الأول وَإِلَّا سقط عَنهُ مبيت اللَّيْلَة الثَّالِثَة كَمَا سقط عَنهُ رمي يَوْمهَا
وَاعْلَم أَنه قد اخْتصّت منى بِخمْس فَضَائِل رفع مَا يقبل من الْأَحْجَار وكف الحدأة عَن اللَّحْم المنثور والذباب عَن الحلو وَقلة البعوض فِيهَا واتساعها للْحَاج كاتساع الْفرج للْوَلَد
(و) رَابِعهَا (طواف الْوَدَاع) وَإِنَّمَا يجب ذَلِك على مُرِيد السّفر من مَكَّة إِلَى مَسَافَة الْقصر مكيا كَانَ أَو غَيره وعَلى مُرِيد الْخُرُوج لمنزله أَو لمحل يُقيم بِهِ وَيلْزم الْأَجِير فعله ويحط عِنْد تَركه من الْأُجْرَة مَا يُقَابله لِأَنَّهُ وَجب بِمُجَرَّد إِحْرَامه وَلِأَنَّهُ وَإِن لم يكن من الْمَنَاسِك هُوَ من توابعها الْمَقْصُودَة وَمن ثمَّ لم ينْدَرج فِي غَيره كَذَا قَالَ ابْن حجر وعَلى هَذَا القَوْل يجب على الْوَلِيّ أَن يطوف بِالْوَلَدِ الصَّغِير إِن خرج الْوَلِيّ بالصغير عقب النّسك وَإِلَّا فَلَا يجب
أما على القَوْل بِأَنَّهُ من الْمَنَاسِك فَيلْزم الْوَلِيّ أَن يطوف بالصغير مُطلقًا إِذا أحرم بِهِ وَلَا يلْزم على الْوَلِيّ ذَلِك مُطلقًا على القَوْل بِأَنَّهُ وَاجِب مُسْتَقل لَيْسَ من وَاجِبَات الْحَج وعد بَعضهم من وَاجِبَات الْحَج بدل هَذَا اجْتِنَاب مُحرمَات الْإِحْرَام
(و) خَامِسهَا (رمي) إِلَى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر وَإِلَى الْجمار الثَّلَاث كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق فَيدْخل وَقت رمي يَوْم النَّحْر بانتصاف لَيْلَة النَّحْر
وَأما رمي أَيَّام التَّشْرِيق فَيدْخل وَقت رمي كل يَوْم بِزَوَال شمسه وَيبقى وَقت الِاخْتِيَار فِي الْجَمِيع إِلَى غرُوب يَوْمه وَوقت الْجَوَاز فِيهَا إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق
وَشرط رمي الْجمار مُطلقًا خَمْسَة الأول أَن يكون سبع مَرَّات لكل جَمْرَة فَلَو رمى سبع حَصَيَات مرّة وَاحِدَة أَو حصاتين كَذَلِك إِحْدَاهمَا بِيَمِينِهِ وَالْأُخْرَى بيساره لم يحْسب إِلَّا وَاحِدَة وَلَو رمى حَصَاة وَاحِدَة سبع مَرَّات كفى وَلَا يَكْفِي وضع الْحَصَى فِي المرمى لِأَنَّهُ لَا يُسمى رميا
الثَّانِي أَن يكون بِالْيَدِ فَلَا يَكْفِي بِرَجُل وَلَا بِفَم وَلَا بمقلاع
الثَّالِث كَونه (بِحجر) فَإِن الرَّمْي يجزىء بأنواع الْحجر وَمِنْه الزبرجد والعقيق وَلَيْسَ مِنْهُ اللُّؤْلُؤ وَلَا الخزف وَلَا النورة وَهُوَ المحرق من الكذان
نعم إِن ترَتّب على الرَّمْي بالياقوت وَنَحْوه كسر أَو إِضَاعَة مَال حرم وَإِن أَجْزَأَ وَلَا يشْتَرط فِي حجر الرَّمْي طَهَارَته
الرَّابِع قصد المرمى وَضَبطه بعض الْمُتَأَخِّرين بِثَلَاثَة أَذْرع من كل جَانب إِلَّا جَمْرَة الْعقبَة فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا وَجه وَاحِد فَلَو قصد الرَّمْي إِلَى الْعلم الْمَنْصُوب أَو إِلَى الْحَائِط الَّتِي لجمرة الْعقبَة فَأَصَابَهُ ثمَّ وَقع فِي المرمى أَجْزَأَ على مَا استقربه الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمد خلافًا لما اسْتَظْهرهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ من عدم الْإِجْزَاء
الْخَامِس تحقق إِصَابَة المرمى بِالْحجرِ وَيُزَاد شَرط سادس فِي رمي أَيَّام التَّشْرِيق وَهُوَ التَّرْتِيب فَيبْدَأ بالجمرة الَّتِي تلِي مَسْجِد الْخيف ثمَّ الْوُسْطَى ثمَّ الْعقبَة وَهَذِه الْأَخِيرَة لَيست من منى بل منى تَنْتَهِي إِلَيْهَا فَلَا بُد أَن يَسْتَوْفِي الرَّمْي للجمرة الأولى قبل الثَّانِيَة وللثانية قبل الثَّالِثَة فَلَو ترك حَصَاة من الأولى أَو شكّ فِيهَا هَل هِيَ من الأولى أَو من غَيرهَا جعلهَا من الأولى فَيَرْمِي بهَا إِلَيْهَا وَيُعِيد رمي الْجَمْرَتَيْن بعْدهَا وَلَو ترك وَاحِدَة من سَبْعَة يَوْم النَّحْر وَرمي الجمرات الثَّلَاث فِي أول أَيَّام التَّشْرِيق حسبت رمية من جَمْرَة الْعقبَة عَن المتروكة وَيَلْغُو الْبَاقِي وَيُعِيد الثَّلَاث وَلَا بُد أَن يكون رميه عَن يَوْمه بعد رميه عَن أمسه وَأَن يكون رميه عَن غَيره بعد رميه عَن نَفسه وَمن عجز عَن الرَّمْي بِنَفسِهِ أناب من يَرْمِي عَنهُ بِأَن يَرْمِي النَّائِب الجمرات الثَّلَاث عَن نَفسه ثمَّ يرميها عَن المستنيب فَلَو رمى عَنهُ قبل أَن يرميها عَن نَفسه وَقعت الرميات عَن نَفسه وَلَو زَالَ عذر المستنيب بعد رمي النَّائِب عَنهُ وَالْوَقْت بَاقٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَة الرَّمْي وَيسن أَن يكون الْحَصَى بِقدر الباقلاء وَأَن يرفع الذّكر يَده بِالرَّمْي حَتَّى يرى بَيَاض إبطه وَأَن يكون الرَّمْي بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَأَن يَدْعُو وَيذكر الله تَعَالَى ويهلل ويسبح بعد رمي الْجَمْرَة الأولى وَالثَّانيَِة لَا الثَّالِثَة بل يذهب بعد رميها (وتجبر) أَي هَذِه الْخَمْسَة أَي وَاحِدَة من وَاجِبَات الْحَج الْخَمْسَة بِدَم
(وسننه) أَي الْحَج ثنتا عشرَة الأولى الْإِفْرَاد وَهُوَ أَن يحرم بِالْحَجِّ وَحده ثمَّ بعد فَرَاغه من أَعماله يحرم بِالْعُمْرَةِ ويليه فِي الْفَضِيلَة التَّمَتُّع وَهُوَ عكس الْإِفْرَاد ويليه الْقرَان وَهُوَ أَن يحرم بِحَجّ وَعمرَة مَعًا أَو بِعُمْرَة فحج قبل الشُّرُوع فِي طواف الْعمرَة ويكتفي للنسكين
بِطواف وَاحِد وسعي وَاحِد وَحلق وَاحِد وكل من الْإِفْرَاد وَالْقرَان لَا يتَصَوَّر إِلَّا فِي أشهر الْحَج أما إِذا وصل إِلَى الْمِيقَات فِي غير أشهر الْحَج وَهُوَ مُرِيد الْعمرَة مُطلقًا أَو مُرِيد الْحَج فِي تِلْكَ السّنة وَجب الْإِحْرَام مِنْهُ بِعُمْرَة بِخِلَاف مَا إِذا قصد الْحرم لنَحْو زِيَارَة أَو تِجَارَة فَيُسْتَحَب لَهُ الْإِحْرَام بالنسك وَفِي قَول يجب وعَلى هَذَا لَو دخل غير محرم لم يلْزمه قَضَاء إِذْ الْإِحْرَام تَحِيَّة الْبقْعَة فَلَا تقضى كتحية الْمَسْجِد وَلَا يجْبر بِالدَّمِ بِخِلَاف مَا لَو أحرم بعد مُجَاوزَة الْمِيقَات فَعَلَيهِ دم
وثانيتها الأغسال المسنونة فِي الْحَج وَذَلِكَ (غسل لإحرام) بِحَجّ وَكَذَا بِعُمْرَة ولدخول الْحرم (وَدخُول مَكَّة ووقوف) بِعَرَفَة بعد الزَّوَال وللمبيت بِمُزْدَلِفَة وللوقوف بالمشعر الْحَرَام غَدَاة النَّحْر إِن لم يكن اغْتسل للوقوف بِعَرَفَة ولرمي الْجمار فِي كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة
(و) ثالثتها (تطيب) فِي الْبدن (قبيله) أَي الْإِحْرَام سَوَاء كَانَ الْمحرم ذكرا أم غَيره شَابة أم عجوزا خلية أم لَا وَمحل نَدبه بعد غسله وَيحصل بِأَيّ طيب كَانَ وَالْأَفْضَل الْمسك وَأَن يخلطه بِمَاء الْورْد وَنَحْوه وَلَا بَأْس باستدامة الطّيب فِي الْبدن بعد الْإِحْرَام لَكِن إِذا لزم الْمَرْأَة الْإِحْدَاد بعد الْإِحْرَام لَزِمَهَا إِزَالَته أما التَّطَيُّب فِي الثَّوْب فمباح لَا مَنْدُوب على الْمُعْتَمد لَكِن لَو نزع ثَوْبه المطيب ورائحة الطّيب مَوْجُودَة فِيهِ ثمَّ لبسه لزمَه الْفِدْيَة
(و) رابعتها (تَلْبِيَة) وَهِي أَن يَقُول لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك
وَيسن وَقْفَة لَطِيفَة على لبيْك الثَّالِثَة
وعَلى لبيْك بعد لَا شريك لَك وعَلى الْملك قبل لَا شريك لَك وليحذر الملبي فِي حَال تلبيته من أُمُور يَفْعَلهَا بعض الغافلين من الضحك واللعب وَليكن مُقبلا على مَا هُوَ بصدده بسكينة ووقار وليشعر نَفسه أَنه يُجيب البارىء تَعَالَى فَإِن أقبل على الله تَعَالَى بِقَلْبِه أقبل عَلَيْهِ وَإِن أعرض أعرض عَنهُ وَمن لم يحسنها بِالْعَرَبِيَّةِ يَأْتِي بهَا بلغته وَيسن للْمحرمِ إكثار التَّلْبِيَة فِي دوَام إِحْرَامه وَيرْفَع الذّكر صَوته بهَا وتتأكد عِنْد تغاير الْأَحْوَال كركوب ونزول وصعود وهبوط واختلاط رفْقَة وافتراقهم وإقبال ليل أَو نَهَار
(و) خامستها (طواف قدوم) إِذا دخل مَكَّة قبل الْوُقُوف أَو بعده وَقبل انتصاف لَيْلَة النَّحْر والحلال مثل الْحَاج فِي طلب طواف الْقدوم مِنْهُ
أما إِذا دخل الْحَاج مَكَّة بعد الْوُقُوف وَبعد نصف اللَّيْل فَلَا يطوف طواف الْقدوم بل يطوف طواف الْإِفَاضَة لدُخُول وقته كالمعتمر فَإِنَّهُ لَا يسن لَهُ طواف الْقدوم لِأَنَّهُ يشْتَغل بِطواف الْعمرَة
(و) سادستها (مبيت بمنى لَيْلَة) التَّاسِع فِي حَال الذّهاب إِلَى (عَرَفَة) لِأَنَّهُ للاستراحة لَا للنسك
(و) سابعتها (وقُوف) بالمشعر الْحَرَام بعد صَلَاة الصُّبْح فِي وَقت ظلام إِلَى الْإِسْفَار أَي الإضاءة وَذَلِكَ بعد حُصُوله فِي مُزْدَلِفَة لَحْظَة من النّصْف الثَّانِي من اللَّيْل وَهُوَ جبل صَغِير فِي آخر الْمزْدَلِفَة اسْمه قزَح بِضَم الْقَاف وَفتح الزَّاي وَالْأولَى أَن يكون الْوُقُوف فَوق ذَلِك الْجَبَل