الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَائِدَة سَبْعَة عشر من الْأَعْمَال يكفر كل وَاحِد مِنْهَا الذُّنُوب الْمُتَقَدّمَة والمتأخرة الْآيَة 22 24) إِلَى آخر السُّورَة وقود الْأَعْمَى أَرْبَعِينَ خطْوَة وَأَن يَقُول عِنْد سَماع الْمُؤَذّن أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبيا ورسولا وَالسَّعْي فِي قَضَاء حَاجَة الْمُسلم وَصَلَاة الضُّحَى وَأَن يَقُول عِنْد لبس الثَّوْب الْحَمد لله الَّذِي كساني هَذَا ورزقنيه من غير حول مني وَلَا قُوَّة وَأَن يَقُول بعد الْأكل الْحَمد لله الَّذِي أَطْعمنِي هَذَا الطَّعَام ورزقنيه من غير حول مني وَلَا قُوَّة والمجيء من بَيت الْمُقَدّس مهلا بِحَجّ أَو بِعُمْرَة وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة وَقل هُوَ الله أحد والمعوذتين كل وَاحِدَة سبعا بعد صَلَاة الْجُمُعَة ومصافحة الْمُسلم غير الْفَاسِق مَعَ ذكر الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَآله
فصل فِي الْجَنَائِز
يتَعَيَّن على كل مُكَلّف الْمُبَادرَة بِالتَّوْبَةِ لِئَلَّا يفجأه الْمَوْت المفوت لَهَا وَالْمَرِيض آكِد من غَيره وَيكرهُ تمني الْمَوْت لغير خوف على دينه وَإِذا دَعَتْهُ نَفسه إِلَى ذَلِك فَلْيقل اللَّهُمَّ أحيني مَا كَانَت الْحَيَاة خيرا لي وتوفني إِذا كَانَت الْوَفَاة خيرا لي وَيسْتَحب لمن أيس من حَيَاته أَن يَقُول اللَّهُمَّ أَعنِي على غَمَرَات الْمَوْت وسكرات الْمَوْت
اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الْأَعْلَى وَأَن يكثر من تِلَاوَة الْقُرْآن والأذكار وَيكرهُ الْجزع وَسُوء الْخلق والمخاصمة والشتم والمنازعة فِي غير الْأُمُور الدِّينِيَّة ويستحضر أَن هَذَا آخر أوقاته من الدُّنْيَا فيجتهد فِي خَتمهَا بِخَير ويبادر إِلَى أَدَاء الْحُقُوق ورد الودائع والعواري وَاسْتِحْلَال أَهله وَولده وغلمانه وجيرانه وأصدقائه وَمن كَانَ بَينه وَبَينه مُعَاملَة أَو لَهُ عَلَيْهِ تباعة من قبل أَن يتَعَذَّر عَلَيْهِ ذَلِك وَيكون شاكرا لله تَعَالَى رَاضِيا حسن الظَّن بِاللَّه أَن يرحمه وَيغْفر لَهُ وَأَن الله غَنِي عَن عَذَابه وَعَن طَاعَته فيطلب مِنْهُ الْعَفو والصفح وَيطْلب أَن تقْرَأ عِنْده آيَات الرَّجَاء وَالْأَحَادِيث فِيهِ وآثار الصَّالِحين فِيهِ وآيات الرَّحْمَة وأحاديثها ويوصي بِأُمُور أَوْلَاده ويحافظ على الصَّلَوَات ويجتنب النَّجَاسَات ويحذر من التساهل فِي ذَلِك فَإِن من أقبح القبائح أَن يكون آخر عَهده من الدُّنْيَا التَّفْرِيط فِي حُقُوق الله تَعَالَى وَلَا يَقُول قَول من يثبط عَن ذَلِك
وَيسْتَحب لَهُ أَن يُوصي أَهله بِالصبرِ عَلَيْهِ فِي مَرضه وَفِي مصيبتهم بِهِ ويجتهد فِي وصيتهم بترك الْبكاء عَلَيْهِ وَيَقُول لَهُم صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ إِن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله فإياكم يَا أحبابي وَالسَّعْي فِي أَسبَاب عَذَابي وَأَن يتعاهدوه بِالدُّعَاءِ لَهُ وَورد أَن المحتضر إِذا بلغت روحه التراقي تعرض عَلَيْهِ الْفِتَن وَذَلِكَ أَن إِبْلِيس لَعنه الله قد أنفذ أعوانه إِلَى هَذَا الْإِنْسَان خَاصَّة واستعملهم عَلَيْهِ ووكلهم بِهِ وأكد عَلَيْهِم بِالِاجْتِهَادِ فِي إغوائه فَيَأْتُونَ الْمَرْء وَهُوَ فِي تِلْكَ الغمرات يمثلون لَهُ فِي صُورَة أحبابه الميتين الَّذين كَانُوا يحبونه فِي دَار الدُّنْيَا كَالْأَبِ وَالأُم وَالْأَخ وَالْأُخْت
وَالصديق الْحَمِيم فَيَقُولُونَ لَهُ أَنْت تَمُوت يَا فلَان وَقد سبقناك فِي هَذَا الشَّأْن فمت يَهُودِيّا فَهُوَ الدّين المقبول عِنْد الله تَعَالَى فَإِذا أَبى جَاءَهُ آخَرُونَ وَقَالُوا لَهُ مت نَصْرَانِيّا فَإِنَّهُ دين الْمَسِيح وَقد نسخ فِيهِ دين مُوسَى ويذكرون لَهُ عقائد كل مِلَّة فَعِنْدَ ذَلِك يزِيغ الله من يُرِيد زيغه فَإِذا أَرَادَ الله بِعَبْد هِدَايَة وتثبيتا جَاءَهُ جِبْرِيل فيطرد عَنهُ الشَّيَاطِين وَيمْسَح الشحوب عَن وَجهه فيبتسم وَكَثِيرًا من يرى مُتَبَسِّمًا فِي هَذَا الْمقَام فَرحا بالبشير الَّذِي جَاءَهُ رَحْمَة من الله تَعَالَى فَيَقُول لَهُ يَا فلَان أما تعرفنِي أَنا جِبْرِيل وَهَؤُلَاء أعداؤك من الشَّيَاطِين مت على الْملَّة الحنيفية والشريعة الجليلة فَمَا شَيْء أحب إِلَى الْإِنْسَان وأفرح مِنْهُ بذلك الْملك ثمَّ يقبض روحه
والمحبوب عِنْد الْمَوْت من صُورَة المحتضر الهدوء والسكون وَمن لِسَانه النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمن قلبه أَن يكون حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى فالمطلوب مِنْهُ فِي هَذِه الْحَالة قُوَّة الرَّجَاء فيرجو من الله الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة والتجاوز عَمَّا مضى وَيكون رَاضِيا منقادا ممتثلا طيب الْقلب بِمَا يرد عَلَيْهِ من السكرات والنزعات مستحضرا أَن عَاقِبَة ذَلِك خير عَظِيم لِأَنَّهُ لَو ضَاقَ صَدره بذلك يخْشَى عَلَيْهِ من سوء الخاتمة وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وَيكون مُسْتَبْشِرًا بالقدوم على الْكَرِيم الَّذِي لَا يخيب من قَصده كَمَا نقل مثل ذَلِك عَن السّلف الصَّالح فقد فتح عبد الله بن الْمُبَارك عَيْنَيْهِ عِنْد الْوَفَاة وَضحك وَقَالَ لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ
وَمن عَلَامَات السَّعَادَة عِنْد الْمَوْت عرق الجبين وذرف الْعين وانتشار المنخر
رُوِيَ عَن سلمَان الْفَارِسِي رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول ارقبوا الْمَيِّت عِنْد مَوته ثَلَاثًا
إِن رشح جَبينه وذرفت عَيناهُ وانتشر منخراه فَهُوَ رَحْمَة من الله قد نزلت بِهِ وَإِن غط غطيط الْبكر المخنوق وأخمد لَونه وأزبد شدقاه فَهُوَ عَذَاب من الله قد حل بِهِ اه
وَقد تظهر العلامات الثَّلَاث وَقد تظهر وَاحِدَة أَو ثِنْتَانِ بِحَسب تفَاوت النَّاس فِي الْأَعْمَال
وَأما عَلامَة ذَلِك فِي حَال الصِّحَّة فتوفيقه للْعَمَل بِالسنةِ على قدر الطَّاقَة
وَحَيْثُ احْتضرَ يُوَجه للْقبْلَة بِمقدم بدنه على جنبه الْأَيْمن إِن أمكن فَإِن تعسر فعلى جنبه الْأَيْسَر فَإِن تعسر فعلى ظَهره وَحِينَئِذٍ يَجْعَل وَجهه وأخمصاه للْقبْلَة وَيقْرَأ عِنْده سُورَة يس جَهرا وَسورَة الرَّعْد سرا وَلَو تعَارض عَلَيْهِ قراءتهما فَيَنْبَغِي أَن يُرَاعى حَال المحتضر فَإِن كَانَ عِنْده شُعُور وتذكر بأحوال الْبَعْث قَرَأَ سُورَة يس وَإِلَّا قَرَأَ سُورَة الرَّعْد فَهِيَ تهون طُلُوع الرّوح وَيكثر المحتضر من قَول لَا إِلَه إِلَّا الله وَيَقُول لَهُم إِذا أهملت فنبهوني قَالَ عليه الصلاة والسلام من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة وَقَالَ لقنوا مَوْتَاكُم لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِن عجز عَن القَوْل لقنه من حَضَره بِرِفْق مَخَافَة أَن يضجر فيردها وَإِذا قَالَهَا مرّة لَا يُعِيدهَا عَلَيْهِ إِلَّا إِذا تكلم بِكَلَام آخر وَيكون الَّذِي يلقنها لَهُ غير مُتَّهم كوارث وعدو وحاسد لِئَلَّا يتهمه المحتضر فِي قَوْلهَا أَي إِن كَانَ ثمَّ غَيره وَإِلَّا لقنه وَإِن اتهمه
وَقد ورد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ أحضروا مَوْتَاكُم ولقنوهم لَا إِلَه إِلَّا الله وبشروهم بِالْجنَّةِ فَإِن الْحَلِيم من الرِّجَال يتحير عِنْد هَذَا المصرع وَإِن الشَّيْطَان أقرب مَا يكون من ابْن آدم عِنْد ذَلِك المصرع وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لمعاينة ملك الْمَوْت أَشد من ألف ضَرْبَة بِالسَّيْفِ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا تخرج نفس عبد من الدُّنْيَا حَتَّى يتألم كل عُضْو مِنْهُ على حياله وَلَا يَقُول أحد من الْحَاضِرين إِلَّا خيرا فَإِن الْمَلَائِكَة يُؤمنُونَ على مَا يَقُولُونَ
وَورد فِي الْخَبَر أَنه إِذا دنت منية الْمُؤمن نزل عَلَيْهِ أَرْبَعَة أَمْلَاك ملك يجذب النَّفس من قدمه الْيُمْنَى وَملك يجذبها من قدمه الْيُسْرَى وَملك يجذبها من يَده الْيُمْنَى وَملك يجذبها من يَده الْيُسْرَى وَالنَّفس تنسل انسلال القذاة من السقاء وهم يجذبونها من أَطْرَاف البنان ورؤوس الْأَصَابِع وَالْكَافِر تنسل روحه كالسفود من الصُّوف المبتل
فَإِذا مَاتَ المحتضر غمض وَيَقُول الَّذِي يغمضه بِسم الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه وارفع دَرَجَته فِي المهديين واخلفه فِي عقبه الغابرين واغفر لنا وَله يَا رب الْعَالمين وافسح لَهُ فِي قَبره وَنور لَهُ فِيهِ
ويشد لحياه بِشَيْء لِئَلَّا ينفتح فَمه وتلين مفاصله فَيرد ساعده إِلَى عضده وَسَاقه إِلَى فَخذه وَفَخذه إِلَى بَطْنه ثمَّ تمد وتلين أَصَابِعه كَذَلِك لأجل تسهيل غسله وتكفينه فَإِن فِي الْبدن عقب مُفَارقَة الرّوح حرارة فَإِذا لينت المفاصل حِينَئِذٍ لانت وَإِلَّا فَلَا يُمكن تليينها بعد وتنزع ثِيَابه الَّتِي مَاتَ فِيهَا لِأَنَّهَا تسرع إِلَيْهِ الْفساد ثمَّ يغطى بِشَيْء خَفِيف يَجْعَل طرفاه تَحت رَأسه وَرجلَيْهِ لِئَلَّا ينْكَشف وَيُوجه للْقبْلَة مثل المحتضر ويتولى فعل ذَلِك من يكون لَهُ بِهِ رفق ويعجل بِقَضَاء دينه إِن أمكن وَإِلَّا سَأَلَ وَارثه غرماءه أَن يحللوه أَو يحتالوا بِهِ على الْوَارِث إِكْرَاما للْمَيت وتعجيلا لبراءة ذمَّته ويبادر أَيْضا بتنفيذ وَصيته وبتجهيزه بعد تَيَقّن مَوته بِظُهُور شَيْء من عَلَامَات الْمَوْت كاسترخاء قدمه وميل أَنفه وانخساف صُدْغه فَإِن شكّ فِي مَوته وَجب تَأْخِيره إِلَى الْيَقِين بِتَغَيُّر الرَّائِحَة أَو غَيره
وَاعْلَم أَن الْمُؤمن ينْكَشف لَهُ عقب الْمَوْت من إنعام الله مَا تكون الدُّنْيَا بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ كالسجن والمضيق وَيكون مِثَاله كالمحبوس فِي بَيت مظلم فتح لَهُ بَاب إِلَى بُسْتَان وَاسع الأكناف فِيهِ أَنْوَاع الْأَشْجَار والأزهار وَالثِّمَار والطيور فَلَا يَشْتَهِي الْعود إِلَى السجْن المظلم وَقد ضرب لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثلا فَقَالَ فِي رجل قد مَاتَ أصبح هَذَا مرتحلا عَن الدُّنْيَا وَتركهَا لأَهْلهَا فَإِن كَانَ قد رَضِي فَلَا يسره أَن يرجع إِلَى الدُّنْيَا كَمَا لَا يسر أحدكُم أَن يرجع إِلَى بطن أمه وَقَالَ صلى الله عليه وسلم إِن مثل الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا كَمثل الْجَنِين فِي بطن أمه إِذا خرج من بَطنهَا بَكَى على مخرجه حَتَّى إِذا رأى الضَّوْء لم يحب أَن يرجع إِلَى مَكَانَهُ وَكَذَلِكَ الْمُؤمن يجزع عِنْد الْمَوْت فَإِذا أفْضى إِلَى ربه لم يحب أَن يرجع إِلَى الدُّنْيَا كَمَا لَا يحب الْجَنِين أَن يرجع إِلَى بطن أمه
هَذَا فِي الْمُؤمن المعرض عَن الدُّنْيَا الْمقبل على الْآخِرَة وَأما المتنعم بالدنيا المطمئن إِلَيْهَا المعرض عَن الْآخِرَة فَيكون حَاله كَحال من تنعم فِي غيبَة ملك من الْمُلُوك فِي دَاره وَملكه وحريمه اعْتِمَادًا على أَن الْملك
يتساهل فِي أمره أَو على أَن الْملك لَيْسَ يدْرِي مَا يتعاطاه من قَبِيح أَفعاله فَأَخذه الْملك بَغْتَة وَعرض عَلَيْهِ جَرِيدَة قد دونت فِيهَا جَمِيع فواحشه وجناياته ذرة ذرة وخطوة خطْوَة وَالْملك قاهر متسلط غيور على حريمه ومنتقم من الجناة على ملكه غير ملتفت إِلَى من يتشفع إِلَيْهِ فِي العصاة عَلَيْهِ فَانْظُر إِلَى هَذَا الْمَأْخُوذ كَيفَ يكون حَاله قبل نزُول عَذَاب الْملك بِهِ من حُلُول الْخَوْف والخجلة وَالْحيَاء والتحسر والندم فَهَذَا حَال الْمَيِّت الْفَاجِر المغتر بالدنيا المطمئن إِلَيْهَا قبل نزُول عَذَاب الْقَبْر بِهِ بل عِنْد مَوته نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُ فَهَذِهِ حَال الْمَيِّت عِنْد الْمَوْت شَاهدهَا أَرْبَاب البصائر بمشاهدة باطنة أقوى من مُشَاهدَة الْعين
وَعَن عَمْرو بن دِينَار رضي الله عنه مَا من ميت يَمُوت إِلَّا وَهُوَ يعلم مَا يكون فِي أَهله بعده وَإِنَّهُم ليغسلونه ويكفنونه وَإنَّهُ لينْظر إِلَيْهِم اه
إِذْ الرّوح بَاقِيَة على مَا كَانَ لَهَا قبل مُفَارقَة الْجَسَد من الْعلم والإدراك والفرح والحزن واللذة والألم وَنَحْو ذَلِك وَإِنَّمَا الَّذِي تسبب عَن الْمَوْت انْقِطَاع تصرف الرّوح فِي الْجَوَارِح فَصَارَ فِي جَمِيع الْجَسَد ظَاهرا وَبَاطنا زمانة عَامَّة فتنعدم حواس الْجِسْم وحركاته وَيصير أَهلا للنتن والبلى
(صَلَاة الْمَيِّت فرض كِفَايَة كغسله) وَسَائِر تَجْهِيزه أَي يجب فِي الْمَيِّت الْمُسلم غير شَهِيد المعركة وَغير السقط وَلَو قَاتل نَفسه خَمْسَة أَشْيَاء غسله وتكفينه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَحمله وَدَفنه على سَبِيل فرض الْكِفَايَة إِن علم بِمَوْتِهِ جمَاعَة فَإِن لم يعلم بِهِ إِلَّا وَاحِد تعين عَلَيْهِ وَمَتى قَامَ بذلك وَاحِد سقط الطّلب عَن الْجَمِيع فَإِن لم يعلم بِهِ أحد إِلَّا بعد ظُهُور رَائِحَته فَلَا حُرْمَة على أحد لعدم الْعلم بِهِ نعم يحرم على نَحْو جَاره مِمَّن حَقه السُّؤَال عَنهُ
أما الْكَافِر فَإِن كَانَ ذِمِّيا وَجب تكفينه وَدَفنه وَفَاء بِذِمَّتِهِ وعلينا مُؤَن تَجْهِيزه حَيْثُ لم يكن لَهُ تَرِكَة وَلَا من تجب عَلَيْهِ نَفَقَته وَتحرم الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَا يجب غسله وَإِن كَانَ حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا فَلَا يجب فِيهِ شَيْء بل يجوز إغراء الْكلاب على جيفته نعم إِن تضرر الْمُسلمُونَ برائحته وَجَبت مواراته دفعا للضَّرَر عَنْهُم
الأول من الْخَمْسَة الَّتِي تجب فِي الْمَيِّت الْمُسلم غير الشَّهِيد وَغير السقط غسله فَيَكْفِي الْغسْل من كَافِر وَإِن كَانَ يحرم اطِّلَاعه على بدن الْمُسلم كَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّة وَلَا يَكْفِي الْغَرق وَلذَا قَالَ (وَلَو غريقا) لأَنا مأمورون بِغسْلِهِ فَلَا يسْقط الْفَرْض عَنَّا إِلَّا بفعلنا أَعنِي جنس الْمُكَلّفين وَلَو صَبيا غير مُمَيّز أَو مَجْنُونا أَو من الْجِنّ أَو تغسيل الْمَيِّت نَفسه كَرَامَة كَمَا وَقع من سَيِّدي عبد الله المنوفي وَمن سَيِّدي أَحْمد البدوي نفعنا الله بهما وَلَو مَاتَ موتا حَقِيقِيًّا ثمَّ جهز ثمَّ أحيى حَيَاة حَقِيقِيَّة ثمَّ مَاتَ وَجب تجهيز آخر وَلَا يَكْفِي تغسيل الْمَلَائِكَة لأَنهم لَيْسُوا من جنس الْمُكَلّفين بِخِلَاف التَّكْفِين والدفن لِأَن الْقَصْد مِنْهُمَا المواراة والستر وَقد حصل وَمثلهمَا الْحمل وَالْمَقْصُود من الْغسْل التَّعَبُّد بفعلنا لَهُ بِدَلِيل أَنه لَو مَاتَ عقب اغتساله بِالْمَاءِ يجب غسله وَأَنا لَو عجزنا عَن طَهَارَته بِالْمَاءِ وَجب تيَمّمه مَعَ أَنه لَا نظافة فِيهِ وَلِهَذَا ينبش للْغسْل لَا للتكفين
وَأَقل الْغسْل حَاصِل (بتعميم بدنه بِالْمَاءِ) مرّة وَاحِدَة من غير حَائِل وَلَا تجب فِيهِ نِيَّة لِأَن الْقَصْد بِهِ النَّظَافَة وَهِي لَا تتَوَقَّف على نِيَّة لَكِن تسن وأكمله أَن يغسل فِي خلْوَة لَا يدخلهَا إِلَّا الْغَاسِل وَمن يُعينهُ وَالْأولَى
فِي قَمِيص لِأَنَّهُ أستر لَهُ وَيكون بَالِيًا أَو مهلهل النسج بِحَيْثُ لَا يمْنَع وُصُول المَاء إِلَى بدنه لِأَن الْقوي يحبس المَاء على مُرْتَفع كلوح لِئَلَّا يُصِيبهُ الرشاش وَمِنْه الدكة الْمَعْرُوفَة بِمَاء مالح بَارِد لِأَنَّهُ يشد الْبدن إِلَّا لحَاجَة إِلَى المسخن كوسخ وَبرد لِأَن الْمَيِّت يتَأَذَّى مِمَّا يتَأَذَّى مِنْهُ الْحَيّ وَأَن يجلسه الْغَاسِل على الْمُرْتَفع بِرِفْق مائلا إِلَى وَرَائه وَيَضَع يَمِينه بَين كَتفيهِ وإبهامه فِي نقرة قَفاهُ لِئَلَّا تميل رَأسه ويسند ظَهره بركبته الْيُمْنَى ويمر يسَاره على بَطْنه بتكرار ورفق ليخرج مَا فِيهِ من الفضلات ثمَّ يضجعه على قَفاهُ وَيغسل بِخرقَة ملفوفة على يسَاره سوأتيه ثمَّ يلقيها ويلف خرقَة أُخْرَى على الْيَد بعد غسلهَا إِن تلوثت وينظف أَسْنَانه وَمنْخرَيْهِ بسبابة الْيُسْرَى وَلَا تفتح أَسْنَانه لِئَلَّا يسْبق المَاء إِلَى جَوْفه فيسرع فَسَاده نعم لَو تنجس فَمه بِمَا لَا يُعْفَى عَنهُ وَتوقف طهره على فتح أَسْنَانه اتجه فتحهَا وَإِن علم سبق المَاء إِلَى جَوْفه وَلَا تكسر أَسْنَانه لَو توقفت إِزَالَة النَّجَاسَة على كسرهَا
ثمَّ يوضئه كالحي ثَلَاثًا ثَلَاثًا بمضمضة واستنشاق ويميل رَأسه فيهمَا لِئَلَّا يسْبق المَاء إِلَى جَوْفه وَمن ثمَّ لَا تندب فيهمَا مُبَالغَة وَيتبع بِعُود لين مَا تَحت أَظْفَاره إِن كَانَ شَيْء وَلَا بُد من نِيَّة لهَذَا الْوضُوء كَأَن يَقُول الَّذِي يوضئه نَوَيْت الْوضُوء الْمسنون لهَذَا الْمَيِّت فَلَا يَصح بِلَا نِيَّة مَعَ أَنه مَنْدُوب وَالْغسْل لَا يتَوَقَّف على نِيَّة مَعَ أَنه وَاجِب ثمَّ يغسل رَأسه فلحيته بِنَحْوِ سدر ويسرح شعرهما إِن تلبد بِمشْط وَاسع الْأَسْنَان وَيجب دفن المنتتف من الشّعْر مَعَه وَيسن أَن يكون فِي كَفنه ثمَّ يغسل مقدم شقَّه الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر من عُنُقه إِلَى قدمه ثمَّ يحرفه إِلَى شقَّه الْأَيْسَر فَيغسل شقَّه الْأَيْمن مِمَّا يَلِي قَفاهُ ثمَّ يحرفه إِلَى شقَّه الْأَيْمن فَيغسل الْأَيْسَر كَذَلِك وَيحرم كَبه على وَجهه لما فِيهِ من الإزراء بِهِ مستعينا فِي ذَلِك كُله بِنَحْوِ سدر ثمَّ يُزِيلهُ بِمَاء من فَوْقه إِلَى قدمه ثمَّ يعمه كَذَلِك بِمَاء قراح فِيهِ قَلِيل كافور بِحَيْثُ لَا يُغير المَاء فَهَذِهِ الغسلات الثَّلَاث تحسب وَاحِدَة وَتسن ثَانِيَة وثالثة كَذَلِك أَعنِي الأولى من كل مِنْهُمَا بسدر أَو نَحوه وَالثَّانيَِة مزيلة لَهُ وَالثَّالِثَة مَاء قراح فِيهِ قَلِيل كافور وَلَو خرج بعد الْغسْل نجس وَجَبت إِزَالَته عَنهُ وَينْدب أَن لَا ينظر الْغَاسِل من غير عَوْرَته إِلَّا قدر الْحَاجة أما عَوْرَته وَهِي مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة فَلَا يجوز النّظر إِلَى شَيْء مِنْهَا وَأَن يُغطي وَجه الْمَيِّت من أول وَضعه على المغتسل إِلَى آخر الْغسْل وَأَن يكون الْغَاسِل أَمينا فَإِن رأى خيرا كاستنارة وَجهه وَطيب رَائِحَته سنّ ذكره وَإِن رأى ضِدّه كإظلام وَجه وَتغَير رَائِحَة وانقلاب صُورَة حرم ذكره لِأَنَّهُ غيبَة لمن لَا يَتَأَتَّى الاستحلال مِنْهُ
وَعنهُ صلى الله عليه وسلم من ستر على مُسلم ستره الله فِي الدُّنْيَا
وَعنهُ أَيْضا من غسل مَيتا وكتم عَلَيْهِ غفر الله لَهُ أَرْبَعِينَ سَيِّئَة نعم إِذا رأى من المبتدع أَمارَة خير يكتمها لِئَلَّا يغري النَّاس على الْوُقُوع فِي مثل بدعته وضلاله بل لَا يبعد وجوب الكتمان عِنْد ظن الإغراء بهَا والوقوع فِيهَا وَلَو كَانَ الْمَيِّت مبتدعا مظهر الْبِدْعَة ورؤي بِهِ أَمارَة سوء لَا يجب ستره بل يجوز التحدث بِهِ لينزجر النَّاس عَنْهَا وَكَذَا لَو كَانَ مستترا ببدعته وَظهر عَلَيْهِ أَمارَة سوء فَيجوز التحدث بهَا عِنْد المطلعين عَلَيْهَا المائلين اليها لَعَلَّهُم ينزجرون
وَمن
تعذر غسله لفقد مَاء أَو نَحوه كاحتراق وَلَو غسل لتهرى يمم وتندب النِّيَّة فِي التَّيَمُّم كالغسل وَلَا تجب على الْمُعْتَمد وَيشْتَرط فِي صِحَة التَّيَمُّم أَن لَا يكون على بدنه نَجَاسَة فَإِن كَانَ على بدنه نَجَاسَة وتعذرت إِزَالَتهَا كالأقلف دفن بِلَا صَلَاة عَلَيْهِ على مَا اعْتَمدهُ الرَّمْلِيّ وَالَّذِي اعْتَمدهُ ابْن حجر أَنه ييمم عَمَّا تحتهَا ويعفى عَن هَذِه النَّجَاسَة وَيغسل بَاقِي بدنه مَا عدا مَحل القلفة إِن لم يُمكن فَسخهَا وَيصلى عَلَيْهِ
وَيجوز للرجل غسل حليلته من زَوْجَة وَأمة وَلَو كِتَابِيَّة وَيجوز للْمَرْأَة غسل زَوجهَا وَيجوز لكل مِنْهُمَا النّظر والمس للْآخر بِدُونِ شَهْوَة وَلَو لما بَين السُّرَّة وَالركبَة وَلَا بُد من اتِّحَاد الْجِنْس فِي الْغَاسِل وَالْمَيِّت إِلَّا فِي الحليل وَالْمحرم فَإِذا لم يُوجد إِلَّا أَجْنَبِي فِي الْمَيِّت الْمَرْأَة أَو أَجْنَبِيَّة فِي الْمَيِّت الرجل يمم والأمرد الْجَمِيل يغسلهُ الرِّجَال بِلَا مس لَهُ إِذْ مَسّه حرَام وَلَو بعد مَوته إِن لم تخش فتْنَة وَإِلَّا يمم
نعم لَو كَانَ من ذكر فِي ثِيَاب سابغة بِحَضْرَة نهر مثلا وَأمكن التَّعْمِيم بِالْمَاءِ من غير مس وَلَا نظر وَجب وَالصَّغِير الَّذِي لم يبلغ حد الشَّهْوَة يغسلهُ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَمثله الْخُنْثَى الْكَبِير عِنْد فقد الْمحرم وَيكون فِي ثوب سابغ ويحتاط الْغَاسِل فِي غض الْبَصَر والمس ويقتصر فِيهِ على غسلة وَاحِدَة لِأَن الضَّرُورَة تقدر بِقَدرِهَا وَيجوز لأهل الْمَيِّت تقبيله مَا لم يحملهم التَّقْبِيل على جزع كَمَا هُوَ الْغَالِب من حَال النِّسَاء وَإِلَّا حرم وَيجوز ذَلِك أَيْضا لغير أَهله لَكِن لَا بُد من اتِّحَاد الْجِنْس وَانْتِفَاء المرودة عِنْد عدم الْمَحْرَمِيَّة وَلَا بَأْس بالإعلام بِمَوْتِهِ بل يسْتَحبّ إِذا قصد كَثْرَة الْمُصَلِّين عَلَيْهِ بِخِلَاف نعي الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ النداء بِمَوْت الشَّخْص وَذكر مآثره ومفاخره
وَمن أقبح الْمُنْكَرَات مَا يَفْعَله النِّسَاء الْآن فِي الاعلام بِمَوْتِهِ من دورانهن فِي الْأَزِقَّة صارخات جازعات فَيجب إِنْكَار ذَلِك عَلَيْهِنَّ وَمن قدر على إِزَالَة ذَلِك وَجَبت عَلَيْهِ
الثَّانِي فِي تكفينه بعد غسله أَو تيَمّمه احتراما فَلَا يجوز تَقْدِيم تكفينه على غسله وَلَا بُد من (تكفينه) بِمَا يجوز لَهُ لبسه حَيا وَأَقل الْكَفَن بِالنِّسْبَةِ لحق الله تَعَالَى مُخْتَصّ (بساتر عَورَة) فَقَط وَيخْتَلف بذكورة الْمَيِّت وأنوثته فالرجل مَا يستر مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَالْمَرْأَة حرَّة كَانَت أَو أمة وَمثلهَا الْخُنْثَى مَا يستر بدنهَا غير الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَوُجُوب سترهما فِي الْحَيَاة لخوف الْفِتْنَة لَا لكَونهَا عَورَة وبالنسبة للْغُرَمَاء ثوب يستر جَمِيع الْبدن تكريما لَهُ إِلَّا رَأس الْمحرم وَوجه الْمُحرمَة فللغريم منع مَا زَاد عَلَيْهِ وبالنسبة للْوَرَثَة وَحقّ الْمَيِّت ثَلَاثَة فَلَيْسَ للْوَارِث الْمَنْع مِنْهَا هَذَا إِذا كَانَ تكفينه من تركته أما إِذا كَانَ تكفينه من الْغَيْر كَالزَّوْجَةِ وَالرَّقِيق وَمن لَا شَيْء لَهُ يُكفن مِنْهُ فَلَا يلْزم من يجهزه من زوج وَسيد وَبَيت مَال إِلَّا ثوب وَاحِد سَاتِر لجَمِيع الْبدن بل لَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِ من بَيت المَال وَكَذَا إِذا كفن مِمَّا وقف للتكفين
وأكمله فِي حق الذّكر ثَلَاثَة أَثوَاب بيض كلهَا لفائف لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة وَالْأَفْضَل الِاقْتِصَار عَلَيْهَا لخَبر الشَّيْخَيْنِ عَن عَائِشَة قَالَت كفن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي ثَلَاثَة أَثوَاب يَمَانِية بيض لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة وَتجوز الزِّيَادَة فيزاد قَمِيص وعمامة تَحت اللفائف إِن لم يكن محرما لِأَن عبد الله بن عمر كفن ابْنا لَهُ فِي خَمْسَة أَثوَاب ثَلَاث لفائف وقميص
وعمامة وهما خلاف الأولى حَيْثُ كَانَت الزِّيَادَة بِرِضا الْوَرَثَة المطلقين التَّصَرُّف وَإِلَّا حرمت وأكمله فِي حق الْمَرْأَة وَمثلهَا الْخُنْثَى خَمْسَة إِزَار فقميص فخمار وَهُوَ مَا يغطى بِهِ الرَّأْس فلفافتان لزِيَادَة السّتْر فِيهَا وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كفن فِيهَا ابْنَته أم كُلْثُوم رضي الله عنها وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالزِّيَادَة على الْخَمْسَة للْمَرْأَة وَغَيرهَا مَكْرُوه بل قيل حرَام وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيّ نعم ينْدب شدّ سادس على صدر الْمَرْأَة فَوق الأكفان ليجمعها عَن انتشارها باضطراب ثديها عِنْد الْحمل وَيحل عَنْهَا فِي الْقَبْر كَبَقِيَّة الشدادات وَينْدب تبخير الْكَفَن ثَلَاثًا بِعُود إِذا كَانَ لغير محرم وَلَو محدة لِلْأَمْرِ بذلك وَيسن المغسول لِأَنَّهُ للصديد وَأَن يبسط أحسن اللفائف وأوسعها أَولا ليَكُون فَوق الْجَمِيع عِنْد لفها على الْمَيِّت ثمَّ الْبَاقِي فَوْقهَا
وَأَن يذر على كل مِنْهَا وعَلى الْمَيِّت حنوط وَهُوَ الطّيب من كافور وَغَيره إِذا لم يكن محرما
أما الْمحرم فَلَا يطيب لَا فِي بدنه وَلَا فِي كَفنه وَلَا فِي مَاء غسله وَأَن يوضع الْمَيِّت فَوْقهَا مُسْتَلْقِيا على ظَهره وَتجْعَل يَدَاهُ على صَدره ويمناه على يسراه أَو يرسلان فِي جنبه وَأَن يَجْعَل على منافذه قطن عَلَيْهِ حنوط كعينيه وَأُذُنَيْهِ وَمنْخرَيْهِ وَغَيرهَا وَكَذَا على جَبهته وَأَن تشد ألياه بِخرقَة ثمَّ تلف عَلَيْهِ اللفائف وتشد اللفائف بشداد خوف الانتشار عِنْد الْحمل إِلَّا أَن يكون محرما وَيحل الشداد فِي الْقَبْر إِلَّا شَدَّاد الألية تفاؤلا بِحل الشدائد عَنهُ وَلِأَنَّهُ يكره أَن يكون مَعَه فِي الْقَبْر شَيْء وَسَوَاء فِي ذَلِك الْكَبِير وَالصَّغِير وَتكره المغالاة فِي الْكَفَن بِأَن يكون من الثِّيَاب المثمنة إِن لم يكن فِي الْوَرَثَة مَحْجُور عَلَيْهِ أَو غَائِب وَلم يكن الْمَيِّت مُفلسًا وَإِلَّا حرمت
وَنقل عَن الشَّيْخ سُلْطَان وَغَيره أَنه يجوز تكفين الْمَرْأَة ودفنها فِي ثِيَابهَا المثمنة أَي وَلَو مِمَّا يُسَاوِي ألوفا من الذَّهَب كالبشت المزركش بِالذَّهَب وَفِي صيغتها كَذَلِك وَلَا يحرم من جِهَة إِضَاعَة المَال لِأَن مَحل الْحُرْمَة إِذا لم يكن لغَرَض وَهُوَ هُنَا إكرام الْمَيِّت وَأَيْضًا فِيهِ تسكين للحزن لِأَن الْمَرْأَة مثلا إِذا رَأَتْ مَتَاع بنتهَا بعد مَوتهَا يشْتَد حزنها وَيشْتَرط أَن لَا يكون فِي الْوَرَثَة قَاصِر وَأَن تتفق الْوَرَثَة على ذَلِك وَأَن لَا يكون عَلَيْهَا دين مُسْتَغْرق وَيكرهُ أَن يكون فِي الْكَفَن مَا يُخَالف لون الْبيَاض لَا فرق بَين الذّكر وَالْأُنْثَى
فَائِدَة تحرم كِتَابَة شَيْء من الْقُرْآن على الْكَفَن صِيَانة لَهُ عَن صديد الْمَوْتَى وَمثله كل اسْم مُعظم وَيكرهُ اتِّخَاذ الْكَفَن إِلَّا من حل أَو من أثر صَالح بِخِلَاف اتِّخَاذ الْقَبْر فَإِنَّهُ يسْتَحبّ
وَالثَّالِث حمله وَلَا يحمل الْجِنَازَة وَلَو أُنْثَى إِلَّا الرِّجَال فَيكْرَه للنِّسَاء حملهَا لضعفهن عَن ذَلِك وَحملهَا بَين العمودين بِأَن يضع مُقَدّمَة النعش رجل على عَاتِقيهِ وَرَأسه بَينهمَا وَيحمل المؤخرتين رجلَانِ أفضل من التربيع بِأَن يتَقَدَّم رجلَانِ ويتأخر آخرَانِ وَقيل التربيع أفضل بل حُكيَ وُجُوبه وَالْأَفْضَل الْجمع بَينهمَا بِأَن تحمل تَارَة بهيئة الْحمل بَين العمودين وَتارَة بهيئة التربيع وَالْحمل فِي حد ذَاته وَاجِب وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي الْكَيْفِيَّة الَّتِي هِيَ أفضل من غَيرهَا وَلَيْسَ فِي الْحمل دناءة وَلَا سُقُوط مُرُوءَة بل هُوَ بر وإكرام وَقد فعله بعض الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَيحرم حملهَا على هَيْئَة مزرية كحملها فِي قفة أَو على هَيْئَة يخْشَى مِنْهَا سُقُوطهَا وَيَنْبَغِي لواضعها فِي النعش أَن
يَقُول باسم الله وَيسن تشييعها وَمكث إِلَى فرَاغ من الدّفن بِأَن يوارى الْمَيِّت ويهال التُّرَاب جَمِيعه عَلَيْهِ كَذَا قَالَ ابْن حجر فقد ورد فِي الحَدِيث من شيع جَنَازَة إِلَى الْمَسْجِد فَلهُ قِيرَاط من الْأجر فَإِن وقف حَتَّى تدفن فَلهُ قيراطان والقيراط مثل جبل أحد ثمَّ إِن المشيع لَهُ أَحْوَال إِمَّا رَاكب أَو ماش وَإِمَّا أمامها أَو خلفهَا وَإِمَّا قريب أَو بعيد
وَالْأَفْضَل الْمَشْي وبأمامها وقربها بِحَيْثُ لَو الْتفت لرآها والماشي أمامها أَو خلفهَا أفضل من الرَّاكِب مُطلقًا والراكب الْقَرِيب أفضل من الرَّاكِب الْبعيد والأمام أفضل من الْخلف
وَلَا يكره الرّكُوب فِي رُجُوعه مِنْهَا وَيسْتَحب لمن رَآهَا أَن يَقُول عِنْد رؤيتها الله أكبر ثَلَاثًا {هَذَا مَا وعدنا الله وَرَسُوله وَصدق الله وَرَسُوله وَمَا زادهم إِلَّا إِيمَانًا وتسليما} 33 الْأَحْزَاب الْآيَة 22 أَو يَقُول اللَّهُمَّ ارْفَعْ دَرَجَته فِي المهديين واخلفه فِي عقبه الغابرين واغفر لنا وَله إِلَى يَوْم الدّين أَو يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق سيدنَا مُحَمَّد وَآل سيدنَا مُحَمَّد أَن لَا تعذب هَذَا الْمَيِّت ثَلَاثًا أَو يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه واعف عَنهُ وعافه ووسع مدخله واغسله بِمَاء وثلج وَبرد ونقه من الْخَطَايَا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس وأبدله دَارا خيرا من دَاره وَأهلا خيرا من أَهله وزوجا خيرا من زوجه وقه فتْنَة الْقَبْر وَعَذَاب النَّار وَإِذا جمع بَين ذَلِك كَانَ أفضل
ورؤي الإِمَام فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ غفر لي بِكَلِمَة كنت أقولها عِنْد رُؤْيَة الْجِنَازَة وَكَانَ يَقُولهَا عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه وَهِي سُبْحَانَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت
وَيسن الْإِسْرَاع بهَا إِن أَمن تغير الْمَيِّت وَإِلَّا فيتأنى بهَا فَإِن خيف تغيرها بالتأني أَيْضا زيد فِي الْإِسْرَاع وَيسن لغير الذّكر مَا يستره كقبة
وَيكرهُ اللَّغط فِي الْجِنَازَة بل الْمُسْتَحبّ التفكر فِي الْمَوْت وَمَا بعده
قَالَ القليوبي وَيكرهُ رفع الصَّوْت بِالْقُرْآنِ وَالذكر وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم
قَالَ المدابغي وَهَذَا بِاعْتِبَار مَا كَانَ فِي الصَّدْر الأول
وَأما الْآن فَلَا بَأْس بذلك لِأَنَّهُ شعار للْمَيت وَتَركه مزرأة وَلَو قيل بِوُجُوبِهِ لم يبعد اه
وَيكرهُ اتباعها بِنَار فِي مجمرة أَو غَيرهَا إِلَّا لحَاجَة كبخور لدفع نَتن أَو فَتِيلَة لرؤية دَفنه لَيْلًا فَلَا كَرَاهَة وَفِي كَلَام بَعضهم ينْدب البخور عِنْد الْمَيِّت من وَقت مَوته إِلَى تَمام دَفنه
(و) الرَّابِع دَفنه فِي قبر بعد الصَّلَاة عَلَيْهِ فَيحرم قبلهَا وَإِن أَجْزَأت بعده لِأَن فِي الدّفن قبل الصَّلَاة عَلَيْهِ إزراء بِالْمَيتِ وَلَا بُد من (دَفنه فِي حُفْرَة تمنع) بعد ردمها (رَائِحَة) أَي ظُهُور رَائِحَة مِنْهُ فتؤذي الْحَيّ وَإِن كَانَ الْمحل لَا يدْخلهُ من يتَأَذَّى بذلك بل وَإِن كَانَ لَا رَائِحَة لَهُ أصلا كَأَن جف (وَسبعا) أَي وتمنع نبش سبع لَهَا فيأكل الْمَيِّت فتنتهك حرمته وَإِن كَانَ فِي مَحل لَا تصله السبَاع أصلا إِذْ حِكْمَة الدّفن صونه عَن انتهاك جِسْمه وانتشار رِيحه فَلَا بُد من حُفْرَة تمنع ذَيْنك
أما لَو وضع الْمَيِّت على وَجه الأَرْض ثمَّ جعل عَلَيْهِ مَا يمْنَع عَنهُ ذَلِك كبناء مثل مَا يَفْعَله بعض أهل الْقرى فَلَا يَكْفِي حَيْثُ لم يتَعَذَّر الْحفر وَرُبمَا يبنون فسقية على ظهر أُخْرَى ويضعون فِيهَا الْمَيِّت وَقد علمت أَنه لَا يَكْفِي فِي الدّفن
وأكمل الدّفن حُفْرَة يكون عمقها قامة
وبسطة من رجل معتدلهما أَي قدر قامة رجل رفع يَدَيْهِ مبسوطتين فَوق رَأسه وَذَلِكَ أَرْبَعَة أَذْرع وَنصف على الْمُعْتَمد ثمَّ إِن كَانَت الأَرْض صلبة فَالْأَفْضَل أَن يَجْعَل لَهُ فِيهَا لحد بِأَن يحْفر فِي أَسْفَل الْجَانِب القبلي مِنْهَا قدر مَا يسع الْمَيِّت ويستره وَإِن كَانَت الأَرْض رخوة فَالْأَفْضَل أَن يَجْعَل لَهُ فِيهَا شقّ خشيَة الانهيار وَهُوَ أَن يحْفر فِي قعرها مثل النَّهر وَيَبْنِي جانباه بِلَبن أَو غَيره غير مَا مسته النَّار وَيجْعَل الْمَيِّت بَينهمَا وَينْدب رش الْقَبْر بِمَاء بَارِد تفاؤلا ببرودة المضجع وَلَا بَأْس بِقَلِيل من مَاء الْورْد لِأَن الْمَلَائِكَة تحب الرَّائِحَة الطّيبَة وَيكرهُ أَن يَجْعَل لَهُ فرش ومخدة وصندوق لم يحْتَج إِلَيْهِ لِأَن فِي ذَلِك إِضَاعَة مَال وَمحل الْكَرَاهَة مَا لم يكن من مَال مَحْجُور عَلَيْهِ وَإِلَّا حرم
وَمن خصوصيات الْأَنْبِيَاء جَوَاز الْفرش لَهُم فِي قُبُورهم بِلَا كَرَاهَة لأَنهم أَحيَاء فِي الْقُبُور أما إِذا احْتِيجَ إِلَى الصندوق لنداوة أَو نَحْوهَا فَلَا يكره وَلَا تنفذ وَصيته بِهِ إِلَّا حِينَئِذٍ وَيدخل من قبل رَأسه بِرِفْق وَيُقَال عِنْد إِدْخَاله اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَاب السَّمَاء لروحه وَأكْرم منزله ووسع لَهُ فِي قَبره لما فِي ذَلِك من الثَّمَرَة الْعَظِيمَة
وَيَقُول الَّذِي يلحده باسم الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ أسلمه إِلَيْك الْأَشْخَاص من وَالِده وَأَهله وقرابته وإخوانه وَفَارق من كَانَ يحب قربه وَخرج من سَعَة الدُّنْيَا والحياة إِلَى ظلمَة الْقَبْر وضيقه وَنزل بك وَأَنت غير منزل بِهِ إِن عاقبته فبذنب وَإِن عَفَوْت عَنهُ فَأَنت أهل الْعَفو أَنْت غَنِي عَن عَذَابه وَهُوَ فَقير إِلَى رحمتك اللَّهُمَّ اشكر حسنته واغفر سيئته وأعذه من عَذَاب الْقَبْر واجمع لَهُ بِرَحْمَتك الْأَمْن من عذابك واكفه كل هول دون الْجنَّة اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فِي الفائزين وارفعه فِي عليين وعد عَلَيْهِ بِفضل رحمتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ
وَإِذا حثا عَلَيْهِ التُّرَاب يَقُول فِي الأولى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} 20 طه الْآيَة 55
وَفِي الثَّانِيَة {وفيهَا نعيدكم} 20 طه الْآيَة 55
وَفِي الثَّالِثَة {وَمِنْهَا نخرجكم تَارَة أُخْرَى} 20 طه الْآيَة 55 وَيُوضَع الْمَيِّت فِي اللَّحْد أَو غَيره على جنبه وجوبا مُسْتَقْبل الْقبْلَة بِمقدم بدنه وجوبا فَلَو وَجه لغَيْرهَا نبش وَوجه إِن لم يتَغَيَّر وَإِلَّا فَلَا ينبش وَالْأَفْضَل أَن يكون على الْيَمين وَيكرهُ على الْيَسَار وَلَا ينبش لذَلِك وَينْدب أَن يُفْضِي بخده إِلَى الأَرْض وَأَن يسند وَجهه وَرجلَاهُ إِلَى جِدَار الْقَبْر وظهره بِنَحْوِ لبنة كحجر حَتَّى لَا ينكب وَلَا يستلقي وَلَا يكره دَفنه بِاللَّيْلِ مُطلقًا وَلَا وَقت الْكَرَاهَة إِلَّا إِذا تحراه فَيكْرَه كَرَاهَة تَنْزِيه وَتحرم إهالة التُّرَاب عَلَيْهِ فَلَا بُد من سد اللَّحْد أَو الشق بعد إضجاع الْمَيِّت فِيهِ ثمَّ إهالة التُّرَاب فَإِذا سوي عَلَيْهِ قَبره دَعَا لَهُ شخص من الْحَاضِرين يَقُول اللَّهُمَّ عَبدك رد إِلَيْك فارأف بِهِ وارحمه اللَّهُمَّ جَاف الأَرْض عَن جَنْبَيْهِ وَافْتَحْ أَبْوَاب السَّمَاء لروحه وتقبله مِنْك بِقبُول حسن اللَّهُمَّ إِن كَانَ محسنا فضاعف لَهُ فِي إحسانه وَإِن كَانَ مسيئا فَتَجَاوز عَنهُ
وَيسن أَن يقف جمَاعَة بعد دَفنه عِنْد قَبره سَاعَة يسْأَلُون لَهُ التثبيت
(و) إِن كَانَت الأَرْض مَمْلُوكَة أَو مُبَاحَة كالموات (كره بِنَاء لَهُ) أَي الْقَبْر (أَو عَلَيْهِ) أَو تجصيصه أَي تبييضه بالنورة الْبَيْضَاء وَلَا بَأْس بتطيينه وَتكره الْكِتَابَة عَلَيْهِ سَوَاء كتب اسْم صَاحبه أَو غَيره نعم إِن كتب اسْم صَاحبه وَنسبه بِقصد أَن يعرف فيزار فَلَا كَرَاهَة بِشَرْط الِاقْتِصَار على قدر
الْحَاجة لَا سِيمَا قُبُور الْأَوْلِيَاء وَالْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهَا لَا تعرف إِلَّا بذلك عِنْد تطاول السنين وَيكرهُ أَن يَجْعَل على الْقَبْر مظلة كقبة لِأَن عمر رضي الله عنه رأى قبَّة فنحاها وَقَالَ دَعوه يظله عمله وَإِن كَانَت الأَرْض مسبلة للدفن وَهِي الَّتِي جرت عَادَة أهل الْبَلَد بالدفن فِيهَا حرم الْبناء وَهدم
وَاسْتثنى بَعضهم قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَنَحْوهم وَلَو كَانَ بقبة لإحياء الزِّيَارَة والتبرك بهم وَأفْتى بِهِ الْحلَبِي وَقَالَ أَمر بِهِ الشَّيْخ الزيَادي مَعَ ولَايَته وكل ذَلِك لم يرتضه الْعَلامَة الشَّوْبَرِيّ وَقَالَ الْحق خِلَافه وقبة الإِمَام الشَّافِعِي رضي الله عنه لَيست فِي الأَرْض المسبلة بل هِيَ فِي دَار ابْن عبد الْحَكِيم وَلَو وجد بِنَاء فِي أَرض مسبلة وَلم يعلم أصل وَضعه هَل هُوَ بِحَق أَو لَا ترك لاحْتِمَال أَنه وضع بِحَق نعم لَو كَانَ الْبناء فِي المسبلة لخوف نبش سَارِق أَو سبع أَو تخرق سيل جَازَ وَلَا يهدم
(و) كره جُلُوس على الْقَبْر الْمُحْتَرَم واتكاء عَلَيْهِ واستناد إِلَيْهِ و (وَطْء عَلَيْهِ إِلَّا لضَرُورَة) أَي حَاجَة بِأَن حَال الْقَبْر عَمَّن يزوره وَلَو أَجْنَبِيّا بِأَن لَا يصل إِلَيْهِ إِلَّا بِوَطْئِهِ فَلَا يكره وَفهم بِالْأولَى عدم الْكَرَاهَة لضَرُورَة الدّفن
وَالْحكمَة فِي عدم الْجُلُوس وَنَحْوه توقير الْمَيِّت واحترامه
وَأما خبر مُسلم أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَن يجلس أحدكُم على جَمْرَة فتخلص إِلَى جلده خير لَهُ من أَن يجلس على قبر ففسر الْجُلُوس عَلَيْهِ بِالْجُلُوسِ للبول وَالْغَائِط وَهُوَ حرَام بِالْإِجْمَاع
أما غير الْمُحْتَرَم كقبر مُرْتَد وحربي فَلَا كَرَاهَة فِي الْجُلُوس وَنَحْوه وَلَا يحرم الْبَوْل والتغوط على قبورهما
(و) لَا يجوز نبش الْقَبْر بعد دفن الْمَيِّت وَقبل البلى عِنْد أهل الْخِبْرَة بِتِلْكَ الأَرْض للنَّقْل وَلَو لنَحْو مَكَّة أَو غَيره كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وتكفينه إِلَّا لوَاحِد من خَمْسَة الأول مَا إِذا دفن بِلَا غسل وَلَا تيَمّم بِشَرْطِهِ وَهُوَ مِمَّن يجب غسله فَحِينَئِذٍ (نبش) وجوبا (لغسل) تداركا للطهر الْوَاجِب مَا لم يتَغَيَّر ثمَّ يصلى عَلَيْهِ
الثَّانِي مَا إِذا دفن بِأَرْض أَو ثوب مغصوبين وطالب بهما مالكهما فَيجب نبشه وَإِن تغير إِذا وجد مَا يُكفن فِيهِ غير الثَّوْب الْمَغْصُوب وَإِلَّا فَلَا يجوز
الثَّالِث مَا إِذا وَقع فِي الْقَبْر مَال وَإِن قل كخاتم وَطَلَبه مَالِكه فَيجب النبش وَإِن تغير
الرَّابِع مَا لَو بلع مَالا لغيره وَطَلَبه مَالِكه وَلم يضمن مثله أَو قِيمَته أحد من الْوَرَثَة أَو غَيرهم ينبش ويشق جَوْفه وَيخرج مِنْهُ وَيرد لصَاحبه
الْخَامِس إِذا دفن لغير الْقبْلَة يجب نبشه وَيُوجه للْقبْلَة مَا لم يتَغَيَّر أما بعد البلى فَإِن مَضَت مُدَّة قَالَ فِيهَا أهل الْخِبْرَة بِتِلْكَ الأَرْض إِن الْمَيِّت لم يبْق لَهُ أثر فَيجوز نبش الْقَبْر وَدفن غَيره فِيهِ وَمن ذَلِك يعلم حُرْمَة اتِّخَاذ الفساقي الْمَعْرُوفَة لوَجْهَيْنِ الْبناء فِي الأَرْض المسبلة والتحجير على الْبقْعَة
(و) ينبش الْقَبْر أَيْضا فِيمَا لَو دفنت امْرَأَة حَامِل بجنين ترجى حَيَاته بِأَن يكون لَهُ سِتَّة أشهر فَأكْثر فَيشق جوفها والشق فِي الْقَبْر أولى لِأَنَّهُ أستر
نعم لَا يجوز تَأْخِيره إِلَيْهِ إِلَّا إِن غلب على الظَّن بقول الخبراء بسلامة الْجَنِين لَو أخر إِلَيْهِ فَإِن لم ترج حَيَاته حرم الشق لَكِن (لَا تدفن امْرَأَة فِي بَطنهَا جَنِين حَتَّى يتَحَقَّق مَوته) وَلَو تَغَيَّرت لِئَلَّا يدْفن الْحمل حَيا وَقَول التَّنْبِيه ترك عَلَيْهِ شَيْء حَتَّى يَمُوت ضَعِيف بل غلط فَاحش فليحذر وَمَعَ ذَلِك لَا ضَمَان فِيهِ مُطلقًا بلغ سِتَّة أشهر
أَو لَا لعدم تَيَقّن حَيَاته
(و) أما السقط وَهُوَ الْوَلَد النَّازِل قبل تَمام الْأَشْهر فَفِيهِ تَفْصِيل حَاصله أَنه إِن لم تظهر حَيَاته وَلَا أماراتها وَلَا خلقه لَا تجوز الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَا يجب غسله وَيسن ستره بِخرقَة وَدَفنه وَكَذَا غسله كَمَا قَالَ ابْن حجر إِذا سنّ غسله سنّ ستره بِخرقَة وَدَفنه وَإِذا وَجب وجبا وَإِن لم تظهر حَيَاته وَلَا أماراتها لَكِن ظهر خلقه وَجب مَا عدا الصَّلَاة فَحِينَئِذٍ (ووري) أَي ستر بِخرقَة (سقط) مَوْصُوف بِمَا ذكر (وَدفن) أَي وَغسل وجوبا فِي هَذِه الثَّلَاثَة وَحرمت الصَّلَاة عَلَيْهِ
(فَإِن) ظَهرت حَيَاته بصياح أَو غَيره أَو ظَهرت أمارتها كَأَن (اختلج) أَي اضْطربَ أَو تحرّك بعد انْفِصَاله فَهُوَ كالكبير وَلَو دون أَرْبَعَة أشهر إِن فرض كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي وَحِينَئِذٍ كفن وَدفن وَغسل وجوبا قطعا و (صلي عَلَيْهِ) وجوبا على الْأَظْهر فِي مَسْأَلَة عدم ظُهُور الْحَيَاة كالبكاء مَعَ ظُهُور أمارتها كالتحرك لاحْتِمَال حَيَاته بِهَذِهِ الْقَرِينَة الدَّالَّة عَلَيْهَا وللاحتياط
وَقد نظم بَعضهم هَذِه الْأَحْوَال فَقَالَ والسقط كالكبير فِي الْوَفَاة إِن ظَهرت أَمارَة الْحَيَاة أَو خفيت وخلقه قد ظهرا فامنع صَلَاة وسواها اعتبرا أَو اختفى أَيْضا فَفِيهِ لم يجب شَيْء وَستر ثمَّ دفن قد ندب أما النَّازِل بعد تَمام الْأَشْهر وَهُوَ سِتَّة أشهر فكالكبير مُطلقًا وَإِن نزل مَيتا وَلم يعلم لَهُ سبق حَيَاة
وَقَالَ الشبراملسي وَإِن لم يظْهر فِيهِ تخطيط وَلَا غَيره حَيْثُ علم أَنه آدَمِيّ إِذْ هُوَ خَارج من تَعْرِيف السقط
وَخرج بِالسقطِ الْعلقَة والمضغة لِأَنَّهُمَا لَا يسميان ولدا فيدفنان ندبا من غير ستر
وَالْخَامِس الصَّلَاة عَلَيْهِ وَيجب تَقْدِيمهَا على الدّفن وتأخيرها عَن الْغسْل أَو التَّيَمُّم عِنْد وجود مسوغه فَلَو دفن بِلَا صَلَاة أَثم الدافنون والراضون بدفنه قبلهَا لوُجُوب تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ إِن لم يكن ثمَّ عذر وَيصلى على قَبره لِأَنَّهُ لَا ينبش للصَّلَاة عَلَيْهِ
(وأركانها) أَي الصَّلَاة على الْمَيِّت سَبْعَة الأول (نِيَّة) كنية غَيرهَا من الصَّلَوَات وَلَا بُد فِيهَا من نِيَّة الْفَرْضِيَّة وَإِن لم يقل كِفَايَة وَلَو فِي صَلَاة امْرَأَة مَعَ رجال وَلَو فِي صَلَاة الصَّبِي وَحده أَو مَعَ الرِّجَال فَلَا بُد فِي صلَاته من نِيَّة الْفَرْضِيَّة وَلَا يجب فِي الْمَيِّت الْحَاضِر تَعْيِينه باسمه أَو نَحوه وَلَا مَعْرفَته بل يَكْفِي تَمْيِيزه نوع تَمْيِيز كنويت الصَّلَاة على هَذَا الْمَيِّت أَو على من يُصَلِّي عَلَيْهِ الإِمَام وَكَذَا لَو صلاهَا آخر النَّهَار وَقَالَ نَوَيْت الصَّلَاة على من توفّي من أقطار الأَرْض مِمَّن تصح الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَو حضر موتى نوى الصَّلَاة عَلَيْهِم وَإِن لم يعرف عَددهمْ وَلَو أحرم بِالصَّلَاةِ على جَنَازَة ثمَّ حضرت أُخْرَى وَهُوَ فِي الصَّلَاة تركت حَتَّى يفرغ ثمَّ يُصَلِّي على الثَّانِيَة لِأَنَّهُ لم ينوها أَولا وَيجب على الْمَأْمُوم نِيَّة الِاقْتِدَاء أَو نَحْوهَا
(و) الثَّانِي (قيام) للقادر عَلَيْهِ كَغَيْرِهَا من الْفَرَائِض وَلَو معادة وإلحاقها بالنفل فِي التَّيَمُّم
لَا يلْزم مِنْهُ ذَلِك هُنَا لِأَن الْقيام هُوَ الْمُقَوّم لصورتها فَفِي عَدمه محو لصورتها بِالْكُلِّيَّةِ وَشَمل ذَلِك الصَّبِي وَالْمَرْأَة إِذا صليا مَعَ الرِّجَال فَإِن عجز صلى على حسب حَاله
(و) الثَّالِث (أَربع تَكْبِيرَات) بتكبيرة التَّحَرُّم وَلَو زَاد عَلَيْهَا لم تبطل صلَاته سَوَاء كَانَ سَهوا أَو عمدا لِأَنَّهُ إِنَّمَا زَاد ذكرا مَا لم يعْتَقد الْبطلَان أَو يوال رفع يَده عِنْد الزِّيَادَة ثَلَاث مَرَّات وَإِلَّا بطلت وَلَو زَاد إِمَامه عَلَيْهَا لَا تسن لَهُ مُتَابَعَته فِي الزَّائِد بل تكره وَلَو تَابعه لم تبطل على مَا تقدم وَيسن رفع يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَات الْأَرْبَع حَذْو مَنْكِبَيْه وَوَضعهمَا بعد كل تَكْبِيرَة تَحت صَدره كَغَيْرِهَا من الصَّلَوَات
(و) الرَّابِع (فَاتِحَة) بعد أَي تَكْبِيرَة مِنْهَا وَالْأولَى أفضل فَلهُ أَن يجمع بَين الْفَاتِحَة وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعد التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة وَبَينهَا وَبَين الدُّعَاء للْمَيت بعد التَّكْبِيرَة الثَّالِثَة وَلَا يشْتَرط التَّرْتِيب بَينهَا وَبَين الْوَاجِب بعد هَذِه التَّكْبِيرَة من صَلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو دُعَاء للْمَيت فَيجوز إخلاء التَّكْبِيرَة الأولى من الْقِرَاءَة وَلَا يجوز أَن يقْرَأ بعض الْفَاتِحَة فِي ركن وَبَعضهَا فِي ركن آخر وَيسن إسرار الْفَاتِحَة وَلَو لَيْلًا كثالثة الْمغرب فِي أَن كلا لَا يشرع فِيهِ السُّورَة وَيسن جهر الإِمَام أَو الْمبلغ بِالتَّكْبِيرِ وَالسَّلَام
(و) الْخَامِس (صَلَاة على النَّبِي) صلى الله عليه وسلم (بعد) تَكْبِيرَة (ثَانِيَة) وأقلها اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَتسن الصَّلَاة على الْآل وَالدُّعَاء للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات عَقبهَا بِنَحْوِ اللَّهُمَّ اغْفِر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَالْحَمْد لله قبلهَا بِأَيّ صِيغَة من صيغه
وَالْمَشْهُور مِنْهَا الْحَمد لله رب الْعَالمين وأكمل الصَّلَاة مَا فِي التَّشَهُّد الْأَخير وَلَا يشْتَرط تَرْتِيب بَين ذَلِك بل هُوَ أولى
(و) السَّادِس (دُعَاء لمَيت) بِخُصُوصِهِ فَلَا يَكْفِي الدُّعَاء للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات ويجزىء كل مَطْلُوب أخروي كانظر إِلَيْهِ (بعد ثَالِثَة) وَهُوَ الْمَقْصُود الْأَعْظَم من الصَّلَاة على الْمَيِّت وَأقله مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الدُّعَاء وَيسن أَن يكثر من الدُّعَاء لَهُ وأكمله اللَّهُمَّ هَذَا عَبدك وَابْن عبديك خرج من روح الدُّنْيَا وسعتها ومحبوبه وأحبائه فِيهَا إِلَى ظلمَة الْقَبْر وَمَا هُوَ لاقيه كَانَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك وَأَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك وَأَنت أعلم بِهِ اللَّهُمَّ إِنَّه نزل بك وَأَنت خير منزول بِهِ وَأصْبح فَقِيرا إِلَى رحمتك وَأَنت غَنِي عَن عَذَابه وَقد جئْنَاك راغبين إِلَيْك شُفَعَاء لَهُ اللَّهُمَّ إِن كَانَ محسنا فزد فِي إحسانه وَإِن كَانَ مسيئا فَتَجَاوز عَنهُ ولقه بِرَحْمَتك رضاك وقه فتْنَة الْقَبْر وعذابه وافسح لَهُ فِي قَبره وجاف الأَرْض عَن جَنْبَيْهِ ولقه بِرَحْمَتك الْأَمْن من عذابك حَتَّى تبعثه آمنا إِلَى جنتك بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ
وَهَذَا فِي الْبَالِغ الذّكر فَإِن كَانَ أُنْثَى عبر بالأمة وأنث مَا يعود إِلَيْهَا من الضمائر فَخرج قَوْله وَأَنت خير منزول بِهِ فَلَا يؤنث ذَلِك الضَّمِير لِأَنَّهُ رَاجع إِلَى الله تَعَالَى وَلَو ذكرهَا بِقصد الشَّخْص جَازَ
وَإِن كَانَ خُنْثَى عبر بالمملوك وَنَحْوه وَكَذَا إِذا لم يعرف أَن الْمَيِّت ذكر أَو أُنْثَى وَيجوز أَن يَأْتِي بالضمائر مذكرة على إِرَادَة الشَّخْص أَو الْمَيِّت ومؤنثة على إِرَادَة الْجِنَازَة وَلَو صلى على جمع مَعًا يَأْتِي فِيهِ بِمَا يُنَاسِبه فَلَو قَالَ فِي ذَلِك اللَّهُمَّ هَذَا عَبدك بتوحيد الْمُضَاف وَاسم الْإِشَارَة صحت صلَاته إِذْ لَا اختلال فِي صِيغَة الدُّعَاء أما اسْم الْإِشَارَة فَلِأَنَّهُ قد يشار بِمَا للْوَاحِد إِلَى الْجمع
وَأما لفظ العَبْد فَلِأَنَّهُ مُفْرد مُضَاف إِلَى معرفَة فَيعم أَفْرَاد من أُشير إِلَيْهِ وَلَو صلى على من مَاتَ فِي يَوْمه أَو سنته فِي أقطار الأَرْض يَنْبَغِي أَن يَقُول فِي الدُّعَاء لَهُم اللَّهُمَّ من كَانَ مِنْهُم محسنا فزد فِي إحسانه وَمن كَانَ مِنْهُم مسيئا فَتَجَاوز عَن سيئاته دون أَن يَقُول محسنين وَلَا مسيئين لِأَن الظَّاهِر فِي الْجَمِيع أَنهم لَيْسُوا كلهم محسنين وَلَا مسيئين
وروى مُسلم عَن عَوْف بن مَالك أَنه قَالَ صلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم على جَنَازَة فَسَمعته يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه واعف عَنهُ وعافه وَأكْرم نزله ووسع مدخله واغسله بِمَاء وثلج وَبرد ونقه من الْخَطَايَا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس وأبدله دَارا خيرا من دَاره وَأهلا خيرا من أَهله وزوجا خيرا من زوجه وقه فتْنَة الْقَبْر وَعَذَاب النَّار
قَالَ عَوْف فتمنيت أَن أكون أَنا ذَلِك الْمَيِّت وَلَو جمع بَين هذَيْن الدعاءين فَالْأَفْضَل تَقْدِيم هَذَا الْأَخير لِأَن حَدِيثه أصح
وَأما الصَّغِير فَيَقُول فِيهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فرطا لِأَبَوَيْهِ وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وَثقل بِهِ موازينهما وأفرغ الصَّبْر على قلوبهما وَلَا تفتنهما بعده وَلَا تحرمهما أجره وَيَكْفِي الدُّعَاء بِالرَّحْمَةِ كَأَن يَقُول اللَّهُمَّ ارحمه وَيُؤَنث الضمائر إِذا كَانَ الصَّغِير أُنْثَى وَيَأْتِي فِي الْخُنْثَى والمجهول حَاله مَا مر
قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَهَذَا فِي الْأَبَوَيْنِ الْحَيَّيْنِ الْمُسلمين فَإِن لم يَكُونَا كَذَلِك أَتَى بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَال وَلَو علم كفرهما كتبعية الصَّغِير للسابي حرم الدُّعَاء لَهما بالمغفرة والشفاعة وَنَحْوهمَا وَإِذا تردد فِي بُلُوغ الْمُرَاهق دَعَا لَهُ بِالرَّحْمَةِ وَالْأَفْضَل الْجمع بَينهمَا
وَيسْتَحب أَن يقدم على تِلْكَ الدَّعْوَات الثَّلَاث اللَّهُمَّ اغْفِر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وَكَبِيرنَا وَذكرنَا وأنثانا اللَّهُمَّ من أحييته منا فأحيه على الْإِسْلَام وَمن توفيته منا فتوفه على الْإِيمَان وَلَو اقْتصر على هَذَا الدُّعَاء لم يكف لِأَنَّهُ يجب الدُّعَاء للْمَيت بِخُصُوصِهِ بِخِلَاف دُعَاء الطِّفْل وَهُوَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فرطا لِأَبَوَيْهِ إِلَى آخِره فَإِنَّهُ يَكْفِي لثُبُوته بِالنَّصِّ بِخُصُوصِهِ على أَن مَعْنَاهُ أَي سَابِقًا مهيئا لمصالحهما فِي الْآخِرَة فَذَلِك دُعَاء للطفل بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ لَا يكون كَذَلِك إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ شرف عِنْد الله يتَقَدَّم بِسَبَبِهِ كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي
(و) السَّابِع (سَلام بعد رَابِعَة) كسلام غَيرهَا من الصَّلَوَات فِي كيفيته وتعدده وَتسن الصَّلَاة على الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد جمَاعَة بِثَلَاثَة صُفُوف فَأكْثر وَيسن التَّعَوُّذ قبل الْقِرَاءَة لَا دُعَاء الِافْتِتَاح وَأَن يَقُول بعد التَّكْبِيرَة الرَّابِعَة وَقبل السَّلَام اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجره وَلَا تفتنا بعده واغفر لنا وَله وَأَن يطول بعد الرَّابِعَة بِقدر مَا قبلهَا من التَّكْبِيرَات الثَّلَاث وَمَا فِيهَا من الْقِرَاءَة وَالصَّلَاة على النَّبِي وَآله وَالدُّعَاء
وَنقل بَعضهم أَنه يقْرَأ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {الَّذين يحملون الْعَرْش وَمن حوله} إِلَى قَوْله {الْعَظِيم} 40 غَافِر الْآيَة 7 9 نعم لَو خيف تغير الْمَيِّت وانفجاره لَو أَتَى بالسنن وَجب الِاقْتِصَار
على الْأَركان وَأَن يلْتَفت فِي السَّلَام يَمِينا وَشمَالًا خلافًا لمن قَالَ يقْتَصر على تَسْلِيمَة يَجْعَلهَا تِلْقَاء وَجهه وَأَن يَجْعَل رَأس الذّكر عَن يسَار الإِمَام وَيقف الإِمَام قَرِيبا من رَأسه وَمثله الْمُنْفَرد وَرَأس الْأُنْثَى عَن يَمِينه وَيقف عِنْد عجزها وَتكره الصَّلَاة عَلَيْهِ قبل تكفينه لما فِيهَا من الإزراء بِالْمَيتِ وَلَو تخلف الْمَأْمُوم عَن إِمَامه بِلَا عذر بتكبيرة حَتَّى شرع إِمَامه فِي أُخْرَى بطلت صلَاته إِذْ الِاقْتِدَاء هُنَا إِنَّمَا يظْهر فِي التَّكْبِيرَات وَهُوَ تخلف فَاحش يشبه التَّخَلُّف بِرَكْعَة
وَلَا شكّ أَن التَّقَدُّم كالتخلف بل أولى فَإِن كَانَ هُنَاكَ عذر كبطء الْقِرَاءَة أَو نسيانها فَلَا تبطل إِلَّا بتخلفه بتكبيرتين أما لَو نسي الصَّلَاة أَو الِاقْتِدَاء فَلَا يضر تخلفه مَا دَامَ نَاسِيا وَلَو بِجَمِيعِ التَّكْبِيرَات وَمن جَاءَ بعد أَن فعل الإِمَام بعض الْأَركان يكبر وَيقْرَأ الْفَاتِحَة وَإِن كَانَ الإِمَام فِي غَيرهَا كالدعاء لِأَن مَا أدْركهُ لمسبوق أول صلَاته وَلَو كبر الإِمَام أُخْرَى قبل قِرَاءَته كبر مَعَه وَسَقَطت عَنهُ الْفَاتِحَة أَو بَعْضهَا لكَونه مَسْبُوقا وَإِذا سلم الإِمَام تدارك لمسبوق حتما بَاقِي التَّكْبِيرَات بأذكارها وجوبا فِي الْوَاجِب وندبا فِي الْمَنْدُوب وَيسن أَن لَا ترفع الْجِنَازَة حَتَّى يتم الْمَسْبُوق صلَاته وَلَا يضر رَفعهَا قبل إِتْمَامه وَيجوز لمن حضر بعد الصَّلَاة على الْمَيِّت فعلهَا جمَاعَة وفرادى وَالْأولَى التَّأْخِير إِلَى الدّفن مسارعة إِلَى دَفنه وَيَنْوِي الْفَرْض لوقوعها مِنْهُ فرضا
(وَشرط لَهَا) أَي لصِحَّة الصَّلَاة على الْمَيِّت شُرُوط غَيرهَا من الصَّلَوَات مِمَّا يَتَأَتَّى فِيهَا و (تقدم طهره) أَي الْمَيِّت فَلَو تعذر كَأَن وَقع فِي حُفْرَة وَتعذر إِخْرَاجه وطهره لم يصل عَلَيْهِ وَلَو لم يُوجد مَاء وَلَا تُرَاب صلي عَلَيْهِ فَإِن وجد كَاف للْمَيت أَو الْمُصَلِّي عَلَيْهِ تعين الْمَيِّت
(وَأَن لَا يتَقَدَّم) أَي الْمُصَلِّي (عَلَيْهِ) حَالَة كَون الْمَيِّت حَاضرا وَلَو فِي قبر وَيشْتَرط أَيْضا أَن لَا يزِيد مَا بَينهمَا فِي غير الْمَسْجِد على ثَلَاثمِائَة ذِرَاع تَقْرِيبًا وَأَن لَا يكون بَينهمَا حَائِل وَمحل هذَيْن الشَّرْطَيْنِ فِي الِابْتِدَاء
أما فِي الدَّوَام كَأَن رفعت الْجِنَازَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَزَاد مَا بَينهمَا على مَا ذكر أَو حَال حَائِل فَلَا يضر لِأَنَّهُ يغْتَفر فِي الدَّوَام مَا لَا يغْتَفر فِي الِابْتِدَاء نعم لَو كَانَ الْمَيِّت فِي صندوق لَا يضر وَلَو أحرم على الْجِنَازَة وَهِي سائرة صَحَّ بِشُرُوط ثَلَاثَة أَن تكون إِلَى جِهَة الْقبْلَة وَقت التَّحَرُّم وَأَن لَا يكون هُنَاكَ حَائِل حَال التَّحَرُّم وَلَا تشْتَرط الْمُحَاذَاة على الْمُعْتَمد وَأَن لَا تبعد عَنهُ بِأَكْثَرَ من ثَلَاثمِائَة ذِرَاع إِلَى تَمام الصَّلَاة بِخِلَاف مَا إِذا أحرم عَلَيْهَا وَهِي قارة ثمَّ رفعت قبل تَمام الصَّلَاة فَإِن ذَلِك لَا يضر كَمَا تقدم
(وَتَصِح) الصَّلَاة (على غَائِب عَن بلد) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صلى على النَّجَاشِيّ رضي الله عنه بِالْمَدِينَةِ يَوْم مَوته بِالْحَبَشَةِ
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَذَلِكَ فِي رَجَب سنة تسع وَقد أجمع كل من أجَاز الصَّلَاة على الْغَائِب بِأَن ذَلِك يسْقط فرض الْكِفَايَة عَن الْحَاضِرين إِلَّا مَا حُكيَ عَن ابْن الْقطَّان وَمحل السُّقُوط بهَا حَيْثُ علم بهَا الْحَاضِرُونَ وَلَا تجوز الصَّلَاة على الْغَائِب حَتَّى يعلم أَو يظنّ أَنه قد غسل أَو يمم نعم إِن علق النِّيَّة على طهره بِأَن نوى الصَّلَاة إِن كَانَ قد طهر صحت الصَّلَاة عَلَيْهِ
(لَا) تصح الصَّلَاة على الْمَيِّت الَّذِي (فِيهَا) أَي الْبَلَد الَّتِي كَانَ الْمُصَلِّي حَاضرا فِيهَا وَلم يحضر فِي ذَلِك الْمَيِّت وَإِن كَبرت الْبَلَد لتيسر الْحُضُور غَالِبا وَالْمُتَّجه أَن الْمُعْتَبر الْمَشَقَّة
وَعدمهَا فَحَيْثُ شقّ الْحُضُور وَلَو فِي الْبَلَد لكبرها وَنَحْوه صحت وَحَيْثُ لَا وَلَو خَارج السُّور لم تصح كَمَا نَقله الشبراملسي عنابن قَاسم فَلَو كَانَ الْمَيِّت خَارج السُّور قَرِيبا مِنْهُ فَهُوَ كداخله وَالْمرَاد بِالْقربِ هُنَا حد الْغَوْث وَهُوَ مَا يجب طلب المَاء مِنْهُ فِي التَّيَمُّم لَا حد الْقرب كَمَا أَفَادَهُ الشبراملسي وَلَو تعذر على من فِي الْبَلَد الْحُضُور لحبس أَو مرض جَازَ ذَلِك وَمثل ذَلِك مَا إِذا قتل إِنْسَان بِبَلَد وأخفى قَبره عَن النَّاس وَلَو نوى الإِمَام مَيتا حَاضرا أَو غَائِبا وَنوى الْمَأْمُوم آخر كَذَلِك جَازَ لِأَن اخْتِلَاف نيتهما لَا يضر
(و) تصح الصَّلَاة على حَاضر (مدفون) فِي قبر وَلَو بعد البلى والاندراس وَيسْقط الْفَرْض بِالصَّلَاةِ على الْقَبْر على الصَّحِيح (غير نَبِي) أما الصَّلَاة على نَبِي فَلَا تجوز لخَبر الصَّحِيحَيْنِ لعن الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد وَالأَصَح تَخْصِيص صِحَة الصَّلَاة على الْغَائِب والقبر بِمن كَانَ (من أهل) أَدَاء (فَرضهَا) أَي الصَّلَاة (وَقت مَوته) دون غَيره فَلَا تصح من كَافِر وحائض يَوْم مَوته كمن بلغ أَو أَفَاق بعد الْمَوْت وَقبل الْغسْل
(وَسقط الْفَرْض) فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة (بِذكر) وَاحِد كصبي مُمَيّز وَلَو مَعَ وجود الرِّجَال لِأَنَّهُ من جنسهم مَعَ حُصُول الْفَرْض بِصَلَاتِهِ وَإِن كَانَت نفلا وَلِأَن الْجَمَاعَة لَا تشْتَرط فِيهَا فَكَذَا الْعدَد وَلَا تَكْفِي فِي إِسْقَاط فَرضهَا امْرَأَة وَخُنْثَى مَعَ وجود الذّكر
(و) أما الشَّهِيد فَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام لِأَنَّهُ إِمَّا شَهِيد الْآخِرَة فَقَط فَهُوَ كَغَيْر الشَّهِيد وَذَلِكَ كالمبطون وَهُوَ من قَتله بَطْنه بالاستسقاء أَي اجْتِمَاع مَاء أصفر فِيهِ أَو بالإسهال والغريق وَإِن عصي فِي الْغَرق بِنَحْوِ شرب خمر دون الغريق بسير سفينة فِي وَقت هيجان الرّيح فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيد والمطعون وَلَو فِي غير زمن الطَّاعُون أَو بِغَيْرِهِ فِي زَمَنه أَو بعده حَيْثُ كَانَ صَابِرًا محتسبا وَالْمَيِّت عشقا بِشَرْط الْكَفّ عَن الْمَحَارِم حَتَّى عَن النّظر بِحَيْثُ لَو اختلى بمحبوبه لم يتَجَاوَز الشَّرْع وبشرط الكتمان حَتَّى عَن معشوقه وَالْميتَة طلقا وَلَو من زنا إِذا لم تتسبب فِي إِسْقَاط الْوَلَد
والمقتول ظلما وَلَو بِحَسب الْهَيْئَة كمن اسْتحق الْقَتْل بِقطع الرَّأْس فَقتل بالتوسط مثلا والغريب وَإِن عصي بغربته كآبق وناشزة وَالْمَيِّت فِي طلب الْعلم وَلَو على فرَاشه والحريق وَالْمَيِّت بهدم وَكَذَا من مَاتَ فَجْأَة أَو فِي دَار الْحَرْب قَالَه ابْن الرّفْعَة وَكَذَا الْمَحْدُود سَوَاء زيد على الْحَد الْمَشْرُوع أم لَا وَسَوَاء سلم نَفسه لِاسْتِيفَاء الْحَد مِنْهُ تَائِبًا أم لَا قَالَه الشبراملسي
وَمعنى الشَّهَادَة لَهُم أَنهم {أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} 3 آل عمرَان الْآيَة 169 قَالَه الحصني وَالْأَوْجه فِي ذَلِك أَن يُقَال إِن كَانَ الْمَوْت مَعْصِيّة كَأَن تسببت الْمَرْأَة فِي إِلْقَاء الْحمل فَمَاتَتْ أَو ركب شخص الْبَحْر وسير السَّفِينَة فِي وَقت لَا تسير فِيهِ السفن فغرق لم تحصل لَهُ الشَّهَادَة للعصيان بِالسَّبَبِ المستلزم للعصيان بالمسبب وَإِن لم يكن السَّبَب مَعْصِيّة حصلت الشَّهَادَة وَإِن قارنها مَعْصِيّة لِأَنَّهُ لَا تلازم بَينهمَا وَمن ذَلِك مَا لَو صَاد حَيَّة وَهُوَ لَيْسَ حاذقا فِي صيدها أَو صنع نَحْو البهلوان وَلم يكن حاذقا فِي صَنعته فَمَاتَ فَلَيْسَ بِشَهِيد بِخِلَاف الحاذق فيهمَا فَإِنَّهُ شَهِيد لعدم تسببه فِي هَلَاك نَفسه
قَالَ صلى الله عليه وسلم إِن أَكثر شُهَدَاء أمتِي لأَصْحَاب الْفرش أَي الَّذين يألفون النّوم على الْفرش وَلَا يهاجرون الْفرش ويقصدون للغزو
وَقَالَ الْحَكِيم هَؤُلَاءِ قوم اطمأنت
نُفُوسهم إِلَى رَبهم وشغلوا بِهِ عَن الدُّنْيَا وتمنوا لقاءه فَإِذا حضرهم الْمَوْت جادوا بِأَنْفسِهِم طَوْعًا وبذلوها لَهُ إيثارا لمحبته على محبتها فهم وَمن قتل فِي معركة الْمُشْركين سَوَاء فينالون منَازِل الشُّهَدَاء لِأَن الشُّهَدَاء بذلوا أنفسهم سَاعَة من نَهَار وَهَؤُلَاء بذلوها طول الْعُمر
وَأما شَهِيد الدُّنْيَا فَقَط فَهُوَ من قتل فِي قتال الْكفَّار بِسَبَبِهِ وَقد غل فِي الْغَنِيمَة أَو قتل مُدبرا على وَجه غير مرضِي شرعا أَو قَاتل رِيَاء أَو نَحوه
وَأما شَهِيد الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مَعًا فَهُوَ من قتل كَذَلِك لَكِن قَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا وَمُرَاد الْفُقَهَاء أحد هذَيْن الْأَخيرينِ وحكمهما أَنه يجب الدّفن
و (تحرم صَلَاة على شَهِيد) أَي شَهِيد المعركة (كغسله) لخَبر البُخَارِيّ عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمر فِي قَتْلَى أحد بدفنهم بدمائهم وَلم يغسلهم وَلم يصل عَلَيْهِم وَلَو كَانَ جنبا وحائضا ونفساء لِأَن حَنْظَلَة بن الراهب قتل يَوْم أحد وَهُوَ جنب وَلم يغسلهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالَ رَأَيْت الْمَلَائِكَة تغسله
وتزال وجوبا نَجَاسَة غير دم مُطلقًا كبول خرج بِسَبَب الْقَتْل وَدم حصل بِغَيْر سَبَب الشَّهَادَة وَإِن زَالَ بِسَبَبِهِ دَمهَا
وَلَا يزَال النَّجس المعفو عَنهُ فَتحرم إِزَالَته إِن أدَّت إِلَى إِزَالَة دم الشَّهَادَة وَهُوَ الْخَارِج من الْمَقْتُول نَفسه وَهَذَا تحرم إِزَالَته
(وَهُوَ) أَي شَهِيد المعركة الَّذِي يحرم غسله وَالصَّلَاة عَلَيْهِ ضابطه أَنه (من) كل شخص (مَاتَ) وَلَو امْرَأَة أَو رَقِيقا أَو غير مُكَلّف (فِي قتال) كَافِر وَاحِد أَو (كفار) وَلَو كَانَ الْقَاتِل مُسلما لاستعانتهم بِهِ بِخِلَاف مَا لَو اسْتَعَانَ بغاة كفار علينا فالمقتول منا لَا يكون شَهِيدا إِلَّا من قَتله كَافِر أَو من لم تبْق فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة قبل انْقِضَاء حَرْب الْكفَّار الْجَائِز (بِسَبَبِهِ) أَي الْقِتَال كَأَن قَتله كَافِر أَو أَصَابَهُ سلَاح مُسلم خطأ أَو عَاد عَلَيْهِ سلاحه أَو رمحته دَابَّته أَو سقط عَنْهَا أَو تردى حَال الْقِتَال فِي بِئْر أَو انْكَشَفَ عَنهُ الْحَرْب وَهُوَ ميت وَلم يعلم سَبَب مَوته وَإِن لم ير عَلَيْهِ أثر دم لِأَن الظَّاهِر أَن مَوته بِسَبَب الْحَرْب بِخِلَاف مَا إِذا انْقَضتْ الْحَرْب وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَلَو كَانَ إِصَابَته فِيهَا جِرَاحَة يقطع بِمَوْتِهِ بِسَبَبِهَا ثمَّ مَاتَ بهَا
وَالْحَاصِل أَن الْمَجْرُوح إِمَّا أَن تكون حركته حَرَكَة مَذْبُوح فَهُوَ شَهِيد جزما وَإِمَّا أَن تكون فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة ثمَّ هَذَا إِمَّا أَن يقطع بِمَوْتِهِ من الْجراحَة كَأَن قطعت أمعاؤه فَهُوَ غير شَهِيد فِي الْأَظْهر سَوَاء أَطَالَ الزَّمن أم قصر لِحَيَاتِهِ بعد انْقِضَاء الْقِتَال فَأشبه مَوته بِسَبَب آخر وَإِمَّا أَن لَا يقطع بِمَوْتِهِ مِنْهَا بل تتَوَقَّع حَيَاته فَغير شَهِيد جزما وَمن ذَلِك يفهم قَوْله (لَا أَسِير قتل صبرا) فَإِنَّهُ إِن قتل صبرا بعد انْقِضَاء الْحَرْب فَغير شَهِيد وَإِن قتل صبرا فِي بطن المعركة قبل انْقِضَائِهَا فشهيد وَبِخِلَاف من مَاتَ قبل انْقِضَاء الْحَرْب لَا بِسَبَبِهَا كَأَن مَاتَ بِمَرَض أَو فَجْأَة أَو قَتله مُسلم عمدا وَكَذَا لَو مَاتَ فِي قتال الْبُغَاة أَو فِي قتال الذميين من غير مجوز لَهُ فَلَيْسَ لَهُ حكم شَهِيد المعركة كمن اغتاله مُسلم مُطلقًا أَو كَافِر فِي غير قتال
(وكفن شَهِيد) وجوبا وَيسن أَن يكون تكفينه
(فِي ثِيَابه) الَّتِي مَاتَ فِيهَا إِن اُعْتِيدَ لبسهَا غَالِبا وَإِن لم تكن بيضًا وَإِن لم تكن ملطخة بِالدَّمِ والملطخة بِهِ أولى فَإِن لم تكف وَجب تتميمها (لَا) يجوز تكفينه فِي (حَرِير) اضْطر إِلَيْهِ لِلْقِتَالِ بل ينْزع وجوبا كمحيط لبسه محرم للْحَاجة
وَيسن نزع آلَة الْحَرْب عَنهُ كدرع وَكَذَا مَا لَا يعْتَاد التَّكْفِين فِيهِ كفروة وجبة محشوة وَلَو اخْتَلَط من يصلى عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ وَلم يتَمَيَّز كمسلم بِكَافِر وَغير شَهِيد بِشَهِيد وَسقط يصلى عَلَيْهِ بسقط لَا يصلى عَلَيْهِ وَجب تجهيز كل إِذْ لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بذلك وَيصلى على الْجَمِيع وَهُوَ أفضل أَو على وَاحِد فواحد بِقصد من يصلى عَلَيْهِ فِي الكيفيتين وَيغْتَفر التَّرَدُّد فِي النِّيَّة للضَّرُورَة وَيَقُول فِي الْمِثَال الأول وَهُوَ اخْتِلَاط مُسلم بِكَافِر اللَّهُمَّ اغْفِر للْمُسلمِ مِنْهُمَا فِي الْكَيْفِيَّة الأولى وَيَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ إِن كَانَ مُسلما فِي الْكَيْفِيَّة الثَّانِيَة وَلَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك فِي الْمِثَال الثَّانِي وَالثَّالِث لانْتِفَاء الْمَحْذُور وَهُوَ الدُّعَاء بالمغفرة للْكَافِرِ
(وَينْدب تلقين) ميت (بَالغ وَلَو شَهِيدا) خلافًا لِلشِّهَابِ الرَّمْلِيّ (بعد دفن) لاحتياجه إِلَى التَّذْكِير فِي هَذَا الْوَقْت وَأَن يقْعد الملقن عِنْد رَأس الْقَبْر
قَالَ صلى الله عليه وسلم إِذا مَاتَ أحدكُم فسويتم عَلَيْهِ التُّرَاب فَليقمْ أحدكُم على رَأس قَبره ثمَّ ليقل يَا فلَان ابْن فُلَانَة فَإِنَّهُ يسمع وَلَا يُجيب ثمَّ ليقل يَا فلَان ابْن فُلَانَة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدا ثمَّ ليقل يَا فلَان ابْن فُلَانَة الثَّالِثَة فَإِنَّهُ يَقُول أرشدنا يَرْحَمك الله وَلَكِن لَا تَسْمَعُونَ فَيَقُول لَهُ اذكر مَا خرجت عَلَيْهِ من الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَنَّك رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا فَإِن مُنْكرا ونكيرا يتَأَخَّر كل وَاحِد مِنْهُمَا فَيَقُول انْطلق بِنَا مَا يقعدنا عِنْد هَذَا وَقد لقن حجَّته وَيكون الله عز وجل حجيجه دونهمَا فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله فَإِن لم يعرف اسْم أمه قَالَ فلينسبه إِلَى حَوَّاء
أما طِفْل وَلَو مراهقا وَمَجْنُون لم يتقدمه تَكْلِيف فَلَا يسن تلقينهما لِأَنَّهُمَا لَا يفتنان وَيسن أَن يقْرَأ عِنْده شَيْء من الْقُرْآن وَإِن ختم كَانَ أفضل
(و) ينْدب (زِيَارَة قُبُور) أَي قُبُور الْمُسلمين (لرجل) أَي ويتأكد ندب ذَلِك فِي حق الْأَقَارِب خُصُوصا الْأَبَوَيْنِ وَلَو كَانُوا بِبَلَد آخر غير بلد الزائر وَيسن أَن يكون الزائر على طَهَارَة وَتكره زيارتها للنِّسَاء والخناثى هَذَا فِي غير زِيَارَة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أما هِيَ فَلَا تكره بل تكون من أعظم القربات للذكور وَالْإِنَاث وَيَنْبَغِي أَن تكون قُبُور سَائِر الْأَنْبِيَاء والأولياء كَذَلِك كَمَا قَالَه ابْن الرّفْعَة والقمولي وَمحل ذَلِك إِذا أذن لَهَا الزَّوْج أَو السَّيِّد أَو الْوَلِيّ
(وَسَلام) ندبا حَالَة كَون الزائر مُسْتَقْبلا وَجه الْقُبُور قَائِلا مَا علمه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لعَائِشَة رضي الله عنها وَهُوَ السَّلَام على أهل الدَّار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين وَيرْحَم الله الْمُسْتَقْدِمِينَ والمستأخرين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون
أَو مَا علمه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابه وَهُوَ السَّلَام على أهل الدَّار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون أسأَل الله لنا وَلكم الْعَافِيَة
رَوَاهُ مُسلم زَاد أَبُو دَاوُد بِسَنَد ضَعِيف اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجرهم وَلَا تفتنا بعدهمْ
وَيقْرَأ وَيَدْعُو عقب قِرَاءَته وَالدُّعَاء ينفع الْمَيِّت وَهُوَ عقب الْقِرَاءَة أقرب للإجابة
وَينْدب وضع الشَّيْء الرطب على الْقَبْر كالجريد الْأَخْضَر وَالريحَان لِأَنَّهُ يسْتَغْفر للْمَيت مَا دَامَ رطبا وَلَا يجوز للْغَيْر أَخذه قبل يبسه وَأما بعد اليبس فَيجوز لَهُ أَخذه لِأَن وَاضعه أعرض عَنهُ حِينَئِذٍ كَمَا علم هَذَا فِي غير وَاضعه أما هُوَ فَإِن كَانَ الشَّيْء الْأَخْضَر قَلِيلا كخوصة أَو خوصتين فَلَا يجوز لَهُ أَخذه قبل يبسه لِأَنَّهُ صَار حَقًا للْمَيت أما إِذا كَانَ كثيرا فَإِنَّهُ يجوز لَهُ الْأَخْذ مِنْهُ ليضعه على قبر آخر مثلا وَينْدب جمع الْأَقَارِب فِي مَوضِع من الْمقْبرَة لِأَنَّهُ أسهل على الزائر وَالْأَفْضَل أَن يكون بجوار أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح وَلَو انْهَدم الْقَبْر على الْمَيِّت فالوارث مُخَيّر بَين ثَلَاثَة أُمُور إِصْلَاحه وَتَركه وَنقل الْمَيِّت مِنْهُ إِلَى غَيره وَمثل ذَلِك انهيار التُّرَاب عَلَيْهِ عقب دَفنه وَمَعْلُوم أَن الْكَلَام حَيْثُ لم يخْش عَلَيْهِ نَحْو سبع أَو ظُهُور رَائِحَة وَإِلَّا وَجب إِصْلَاحه قطعا
وَكَذَا لَو أفْضى انهدام الْقَبْر إِلَى ظُهُور شَيْء من الْمَيِّت والدفن فِي الْمقْبرَة أفضل من غَيره لينال الْمَيِّت دُعَاء الزائرين وَيكرهُ الْمبيت بهَا لما فِيهِ من الوحشة
وَلَا يجوز جمع اثْنَيْنِ فِي قبر وَاحِد بل يفرد كل وَاحِد بِقَبْر وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ بِالْكَرَاهَةِ عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس أَو الْمَحْرَمِيَّة أَو الزَّوْجِيَّة أَو عدم بُلُوغ حد الشَّهْوَة وَيكرهُ عِنْد شيخ الْإِسْلَام وَإِن اخْتلف الْجِنْس وَاخْتلفت الْمَحْرَمِيَّة لَكِن يَجْعَل بَينهمَا مَا يمْنَع التمَاس كتراب وَنَحْوه وَالْمُعْتَمد الأول
نعم يسْتَثْنى من حُرْمَة الْجمع مَا لَو أوصى كل من الميتين بذلك فَيجوز لِأَن الْحق لَهُ وَمن ذَلِك إِدْخَال ميت على آخر قبل ذهَاب أَثَره وَيحرم جمع عِظَام الْمَوْتَى لدفن غَيرهم وَكَذَا وَضعه فَوْقهَا نعم إِن دعت الضَّرُورَة إِلَى ذَلِك كَأَن كثرت الْمَوْتَى وعسر إِفْرَاد كل ميت بِقَبْر لضيق الأَرْض فَيجمع بَين الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة وَالْأَكْثَر فِي قبر بِحَسب الضَّرُورَة وَيحرم نقل الْمَيِّت قبل دَفنه من مَحل مَوته إِلَى مَحل أبعد من مَقْبرَة مَحل مَوته ليدفن فِيهِ إِلَّا أَن يكون بِقرب مَكَّة أَو الْمَدِينَة أَو بَيت الْمُقَدّس بِحَيْثُ تكون الْمسَافَة لَا يتَغَيَّر فِيهَا الْمَيِّت فَيجوز حِينَئِذٍ نَقله إِلَيْهَا بعد غسله وتكفينه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ فِي مَحل مَوته لتوجه الْفَرْض
قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَيَنْبَغِي أَن يكون مثل ذَلِك مَا لَو كَانَ بِقرب مَقَابِر أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح لِأَن الشَّخْص يقْصد الْجَار الْحسن
فَائِدَة من مَاتَ فِي سفينة وَتعذر دَفنه فِي الْبر يجب أَن يوضع بعد غسله وتكفينه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ بَين لوحين مثلا ويرمى فِي الْبَحْر وَإِن ثقل بِحجر ليصل إِلَى الْقَرار فَهُوَ أولى
تَنْبِيه مَحل تجهيز الْمَيِّت تركته ويراعى فِيهِ حَالَة سَعَة وضيق وَإِن كَانَ مقترا على نَفسه فِي حَيَاته إِلَّا زَوجته وخادمها الْمَمْلُوك لَهَا أَو الْمُكْتَرِي بالانفاق عَلَيْهِ فعلى زَوجهَا الْغَنِيّ وَلَو كَانَ غناهُ بِمَا يَخُصُّهُ من التَّرِكَة وَالْمرَاد بِهِ من يملك زِيَادَة على التَّجْهِيز مَا يَكْفِي مُؤنَة يَوْم وَلَيْلَة وَإِن امْتنع الزَّوْج من تجهيزها أَو كَانَ غَائِبا فجهزها الْوَرَثَة أَو غَيرهم من مَالهَا أَو غَيره رجعُوا عَلَيْهِ بذلك إِن فَعَلُوهُ بِإِذن حَاكم يرى ذَلِك وَإِلَّا فَلَا نعم إِن لم يُوجد الْحَاكِم كفى المجهز الْإِشْهَاد على أَنه جهز من مَال نَفسه ليرْجع وَخرج بِالزَّوْجِ ابْنه فَلَا يلْزم تجهيز زَوْجَة أَبِيه وَإِن لَزِمته نَفَقَتهَا فِي الْحَيَاة
وَلَو أوصت الزَّوْجَة بتجهيزها من مَالهَا توقف على إجَازَة الْوَرَثَة لِأَنَّهَا وَصِيَّة لوَارث وَهُوَ