الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِخِلَاف الْعِبَادَة فَالْعِبْرَة فِيهَا بِمَا فِي نفس الْأَمر وَظن الْمُكَلف
وَشرط فِي الصِّيغَة لفظ يشْعر بالمراد وتنجيز وَعدم تَوْقِيت وَتحصل الرّجْعَة بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَة فالصريح حَاصِل (براجعت زَوْجَتي) أَو رجعتك أَو ارتجعتك أَو أمسكتك أَو رددتك إِلَيّ فجملة أَلْفَاظ الصَّرِيح خَمْسَة وَفِي مَعْنَاهَا سَائِر مَا اشتق من مصادرها كَأَنْت مُرَاجعَة وَمَا كَانَ بالعجمية وَإِن أحسن الْعَرَبيَّة وَالْإِضَافَة إِلَيْهِ بِنَحْوِ إِلَى أَو إِلَى نِكَاحي فِي الرَّد وَاجِبَة فِي كَونه صَرِيحًا فَإِن لم تُوجد كَانَ كِنَايَة بِخِلَاف غَيره فَإِنَّهَا سنة فَيَقُول راجعت زَوْجَتي لعقد نِكَاحي وأمسكتها على عصمتي أما الْإِضَافَة إِلَيْهَا فَلَا بُد مِنْهَا فِي جَمِيعهَا إِمَّا للاسم الْمظهر أَو للضمير أَو لاسم الْإِشَارَة كراجعت هَذِه فَإِن اقْتصر على راجعت كَانَ لَغوا إِلَّا إِذا وَقع جَوَابا لقَوْل شخص لَهُ التماسا أراجعت زَوجتك وَالْكِنَايَة نَحْو أعدت حلك وَرفعت تحريمك وتزوجتك ونكحتك واخترت حلك أَو اخْتَرْت رجعتك أَو أَنْت زَوْجَتي فَلَا بُد فِي ذَلِك من نِيَّة الرّجْعَة وَإِلَّا فَلَا تصح وترجمة الصَّرِيح صَرِيح وترجمة الْكِنَايَة كِنَايَة وَلَا يشْتَرط لصِحَّة الرّجْعَة الْإِشْهَاد عَلَيْهَا لِأَنَّهَا فِي حكم اسْتِدَامَة النِّكَاح وَمن ثمَّ لم يحْتَج لوَلِيّ وَلَا لرضاء الْمَرْأَة بل ينْدب الْإِشْهَاد قَالَ الزَّرْكَشِيّ فَفِي الْكِنَايَة يشْهد على اللَّفْظ وَيبقى النزاع فِي النِّيَّة لَكِن قَالَ الشبراملسي الْمُصدق الزَّوْج لِأَن النِّيَّة لَا تعرف إِلَّا مِنْهُ فَيقبل قَوْله فِيهَا وَلَو بعد انْقِضَاء الْعدة وَلَا تشْتَرط الشَّهَادَة على الْمَرْأَة مَعَ أَنَّهَا عماد النِّكَاح وَيحرم الِاسْتِمْتَاع بالرجعية وَلَو بِمُجَرَّد النّظر لِأَن النِّكَاح يبيحه فيحرمه الطَّلَاق لِأَنَّهُ ضِدّه فَإِن وطىء فَلَا حد وَإِن اعْتقد حُرْمَة الْوَطْء لِلْقَوْلِ الضَّعِيف فِي إِبَاحَته وَحُصُول الرّجْعَة بِهِ وَيُعَزر على الْوَطْء ومقدماته حَتَّى النّظر مُعْتَقد تَحْرِيمه بِخِلَاف مُعْتَقد حلّه وفاعل جَاهِل بِتَحْرِيمِهِ لإقدامه على مَعْصِيّة عِنْده
(وَلَو تزوج) أَي شخص حر أَو رَقِيق (مُفَارقَته بِدُونِ ثَلَاث) للْحرّ وَبِدُون ثِنْتَيْنِ للرقيق (وَلَو بعد زوج آخر) قبل الْإِصَابَة أَو بعْدهَا (عَادَتْ) لَهُ (ببقيته) أَي بَقِيَّة مَاله من عدد الطَّلَاق وَلَا يهدم الزَّوْج الثَّانِي مَا وَقع من الطَّلَاق وَاحْتج أَصْحَاب الشَّافِعِي بِمَا رُوِيَ عَن عمر رضي الله عنه أَنه سُئِلَ عَمَّن طلق امْرَأَته طَلْقَتَيْنِ وَانْقَضَت عدتهَا فَتزوّجت غَيره وفارقها ثمَّ تزَوجهَا الأول فَقَالَ هِيَ عِنْده بِمَا بَقِي من الطَّلَاق وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن عَليّ وَزيد ومعاذ وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهم وَبِذَلِك قَالَ عُبَيْدَة السَّلمَانِي وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَأَيْضًا أَن الطَّلقَة والطلقتين لَا يؤثران فِي التَّحْرِيم المحوج إِلَى زوج آخر فَالنِّكَاح الثَّانِي وَالدُّخُول فِيهِ لَا يهدمان الطَّلَاق كَوَطْء السَّيِّد الْأمة الْمُطلقَة وَهَذَا عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة فِي قَوْله إِن النِّكَاح يهدم مَا وَقع فتعود لَهُ بِمَالِه وَهُوَ الثَّلَاث فِي الْحرَّة والثنتان فِي الْأمة لِأَن الْعبْرَة عِنْده بِالزَّوْجَةِ لَا بِالزَّوْجِ
فصل فِي الْعدة
وَهِي لُغَة مَأْخُوذَة من الْعدَد لاشتمالها عَلَيْهِ غَالِبا فَمن
غير الْغَالِب مَا لَو كَانَت الْمَرْأَة حَامِلا عِنْد الطَّلَاق أَو موت الزَّوْج فَوضعت حَالا بعد ذَلِك فَحِينَئِذٍ لم تشْتَمل الْعدة على الْعدَد وَشرعا مُدَّة تَتَرَبَّص فِيهَا الْمَرْأَة لبراءة رَحمهَا من الْحمل فِيمَن تحبل وَكَانَ زَوجهَا يُولد لَهُ وَكَانَت فرقة حَيَاة أَو للتعبد فِي صَغِيرَة أَو آيسة وَكَانَ زَوجهَا لَا يُولد لَهُ وَكَانَت فرقة حَيَاة أَو لتحزنها فِي فرقة الْمَوْت
(تجب عدَّة لفرقة زوج حَيّ) بِطَلَاق أَو فسخ بِنَحْوِ عيب أَو انْفِسَاخ بِنَحْوِ لعان (وطىء) بِذكر مُتَّصِل وَلَو فِي دبر وَلَو من نَحْو صبي تهَيَّأ للْوَطْء وَلَا بُد من مَوْطُوءَة كَذَلِك وَلَو من خصي وَإِن كَانَ الذّكر أشل وَفِي معنى الطَّلَاق وَنَحْوه مَا لَو مسخ الزَّوْج حَيَوَانا فَتعْتَد عدَّة الطَّلَاق وَمثل الْوَطْء استدخال الْمَنِيّ الْمُحْتَرَم وَقت إنزاله وَهُوَ الَّذِي خرج على وَجه جَائِز كَأَن خرج بالاحتلام وَإِن دخل على وَجه محرم كَأَن أدخلته زَوجته على ظن أَنه مني الْغَيْر أما قبل الْوَطْء فَلَا عدَّة كَزَوْجَة مجبوب لم تستدخل منيه إِذا علم ذَلِك أما إِذا ساحقها وَنزل منيه وَلم يعلم هَل دخل فرجهَا أَو لَا فَتجب بِهِ الْعدة وَيلْحق بِهِ الْوَلَد وتنقضي عدتهَا بِالْحملِ الْحَاصِل مِنْهُ وكزوجة مَمْسُوح سَوَاء استدخلت مَاءَهُ أَو لَا وَإِن ساحقها حَتَّى نزل مَاؤُهُ فِي فرجهَا إِذْ لَا يلْحقهُ الْوَلَد
(وَإِن تَيَقّن بَرَاءَة رحم) كَمَا فِي الصَّغِيرَة الَّتِي يُمكن وَطْؤُهَا والآيسة وكما فِي الْمُعَلق طَلاقهَا على يَقِين الْبَرَاءَة فَإِذا مضى لَهَا بعد وضع الْحمل سِتَّة أشهر طلقت وَعَلَيْهَا الْعدة تعبدا (و) تجب عدَّة (لوطء شُبْهَة) وَهُوَ كل مَا لم يُوجب حدا على الواطىء وَإِن أوجبه على الْمَوْطُوءَة كَوَطْء مَجْنُون أَو مراهق أَو مكره عَاقِلَة بَالِغَة وَلَو زنا مِنْهَا فتلزمها الْعدة لاحترام المَاء فِي الْمَجْنُون حَقِيقَة وَفِي الْمُرَاهق حكما لكَونه مَظَنَّة الْإِنْزَال وَلعدم وجوب الْحَد على الْمُكْره وَمَا دَامَت الْمَرْأَة فِي عدَّة الشُّبْهَة لَا يسْتَمْتع بهَا الزَّوْج بِوَطْء جزما وَبِغَيْرِهِ على الْمَذْهَب لِأَنَّهَا مُعْتَدَّة عَن غَيره حملا كَانَ أَو غَيره حَتَّى تقضيها بِوَضْع أَو غَيره لاختلال النِّكَاح بتعلق حق الْغَيْر بهَا وَيُؤْخَذ من هَذَا التَّعْلِيل حُرْمَة نظره إِلَيْهَا وَلَو بِلَا شَهْوَة وَالْخلْوَة بهَا وَتَكون الْعدة (بِثَلَاثَة قُرُوء) وَإِن اخْتلف وتطاول مَا بَينهَا وَإِن استجلبتها بدواء (على حرَّة تحيض) وَكَذَا لَو كَانَت حَامِلا من زنا فَإِنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة قُرُوء إِذْ حمل الزِّنَا لَا حُرْمَة لَهُ وَلَو جهل حَال الْحمل وَلم يكن لُحُوقه بِالزَّوْجِ بِأَن ولد فِي وَقت أَكثر من أَربع سِنِين من وَقت إِمْكَان وَطْء الزَّوْج لَهَا كَأَن كَانَ مُسَافِرًا بِمحل بعيد حمل أَنه زنا وَأما لَو أمكن لُحُوقه بِهِ بِأَن وَلدته فِي وَقت دون سِتَّة أشهر من نِكَاح الثَّانِي وَدون أَربع سِنِين من طَلَاق الأول حكم بلحوقه للْأولِ وَيبْطل بِهِ نِكَاح الثَّانِي والقرء هُوَ الطُّهْر المحتوش بدمين فَإِن طلقت طَاهِرا وَقد بَقِي من الطُّهْر لَحْظَة انْقَضتْ الْعدة بالطعن فِي حَيْضَة ثَالِثَة أَو طلقت حَائِضًا وَإِن لم يبْق من زمن الْحيض شَيْء فتنقضي عدتهَا بالطعن فِي حَيْضَة رَابِعَة إِذْ مَا بَقِي من الْحيض لَا يحْسب قرءا قطعا وَلَو طلقت فِي النّفاس فَلَا بُد من ثَلَاثَة أَقراء بعده لِأَن النّفاس لَا يحْسب من الْعدة وَلَو طلقت من لم تَحض أصلا لم تنقض عدتهَا إِلَّا بالطعن فِي الْحَيْضَة الرَّابِعَة كمن طلقت فِي الْحيض
(و) تكون الْعدة (بِثَلَاثَة أشهر) بِالْأَهِلَّةِ (إِن لم تَحض) أَي الْحرَّة لصغرها أَو لعِلَّة أَو جبلة منعتها رُؤْيَة الدَّم أصلا أَو ولدت
وَلم تَرَ دَمًا قبل الْحمل
(أَو يئست) من الْحيض بعد أَن رَأَتْهُ وَالْمُعْتَبر فِي الْيَأْس يأس كل النِّسَاء فِي كل الْأَزْمِنَة بِاعْتِبَار مَا يبلغنَا خَبره وَهُوَ اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سنة بِاعْتِبَار الْغَالِب فَإِن طلقت فِي أثْنَاء شهر فبعده هلالان ويكمل الأول المنكسر ثَلَاثِينَ يَوْمًا من الرَّابِع وَإِن نقص فَإِن حَاضَت من لم تَحض أَو آيسة فِي أثْنَاء الْأَشْهر فَتعْتَد بِالْأَقْرَاءِ وجوبا إِجْمَاعًا لِأَنَّهَا الأَصْل فِي الْعدة وَقد قدرت عَلَيْهَا قبل الْفَرَاغ من بدلهَا فتنتقل إِلَيْهَا كالمتيمم إِذا وجد المَاء فِي أثْنَاء التَّيَمُّم أَو حَاضَت من لم تَحض بعد تَمام الْأَشْهر لم تنْتَقل إِلَى الْأَقْرَاء بِخِلَاف الآيسة فَإِنَّهَا إِن حَاضَت بعد تَمام الْأَشْهر وَلم تنْكح زوجا آخر فَإِنَّهَا تَعْتَد بِالْأَقْرَاءِ لتبين أَنَّهَا لَيست آيسة فَإِن نكحت آخر فَلَا شَيْء عَلَيْهَا لانقضاء عدتهَا ظَاهرا مَعَ تعلق حق الزَّوْج بهَا وللشروع فِي الْمَقْصُود كَمَا إِذا قدر الْمُتَيَمم على المَاء بعد الشُّرُوع فِي الصَّلَاة
(وَمن انْقَطع حَيْضهَا) من حرَّة أَو غَيرهَا قبل الطَّلَاق أَو بعده فِي الْعدة لعِلَّة تعرف عِنْد الْأَطِبَّاء كرضاع ونفاس وَمرض وَإِن لم يرج بُرْؤُهُ تصبر اتِّفَاقًا حَتَّى تحيض فَتعْتَد بِالْأَقْرَاءِ أَو حَتَّى تيأس فَتعْتَد بِالْأَشْهرِ وَإِن طَالَتْ الْمدَّة وَطَالَ ضررها بالانتظار ويمتد زمن الرّجْعَة إِلَى الْيَأْس وَمثلهَا النَّفَقَة لِأَنَّهَا تَابِعَة للعدة وَقد قُلْنَا ببقائها
وَطَرِيقه فِي الْخَلَاص من ذَلِك أَن يطلقهَا بَقِيَّة الطلقات الثَّلَاث أما من انْقَطع دَمهَا (بِلَا عِلّة) تعرف عِنْد الْأَطِبَّاء فَفِيهَا خلاف فَفِي القَوْل الْجَدِيد الْمُعْتَمد أَنَّهَا (لم تتَزَوَّج حَتَّى تحيض أَو تيأس) ببلوغها إِلَى سنّ الْيَأْس وَفِي الْقَدِيم تَتَرَبَّص تِسْعَة أشهر إِذْ هِيَ مُدَّة الْحمل غَالِبا ليعرف فرَاغ الرَّحِم وَبعدهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر وَهَذَا مُوَافق لقَوْل الإِمَام مَالك تصبر سنة بَيْضَاء أَي خَالِيَة عَن الدَّم لِأَن ضم الثَّلَاثَة أشهر للتسعة سنة كَامِلَة وَفِي قَول من الْقَدِيم تَتَرَبَّص أَربع سِنِين لِأَنَّهَا أَكثر مُدَّة الْحمل فتتيقن بَرَاءَة الرَّحِم ثمَّ إِن لم يظْهر حمل تَعْتَد بِالْأَشْهرِ كَمَا تَعْتَد بِالْأَقْرَاءِ الْمُعَلق طَلاقهَا بِالْولادَةِ مَعَ تَيَقّن بَرَاءَة رَحمهَا ولهذه الْمَرْأَة وَلمن لم تَحض أصلا استعجال الْحيض بدواء
(و) تجب عدَّة (لوفاة زوج حَتَّى على رَجْعِيَّة وَغير مَوْطُوءَة بأَرْبعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام) بلياليها بعد وضع الْحمل إِن كَانَت حَامِلا من غير زنا بِأَن كَانَ من شُبْهَة لِأَن عدَّة الْحمل مُقَدّمَة تقدّمت أَو تَأَخَّرت عَن الْمَوْت بِأَن وطِئت بِشُبْهَة فِي أثْنَاء الْعدة وحملت فَإِنَّهَا تقدم عدَّة الشُّبْهَة وَبعد وضع الْحمل تبنى على مَا مضى من عدَّة الْوَفَاة يَعْنِي أَن عدَّة الْحرَّة الْمُعْتَدَّة عَن وَفَاة إِن كَانَت حَائِلا أَو حَامِلا من غير الزَّوْج أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام بلياليها وَإِن كَانَت ذَات أَقراء وَإِن لم تُوطأ أَو كَانَت صَغِيرَة أَو زَوْجَة مَمْسُوح ذكره وأنثياه أَو زَوْجَة صبي لم يبلغ تسع سِنِين بِخِلَاف مَا إِذا بلغ أَوَان الِاحْتِلَام فَتعْتَد الْحَامِل بِالْوَضْعِ وَلَو مَاتَ شخص عَن مُطلقَة رَجْعِيَّة انْتَقَلت إِلَى عدَّة وَفَاة مَعَ عدم حسبان مَا مضى وَسَقَطت بَقِيَّة عدَّة الطَّلَاق وَتسقط نَفَقَتهَا أَو مَاتَ عَن مُطلقَة بَائِن كمفسوخ نِكَاحهَا فَلَا تنْتَقل إِلَى عدَّة الْوَفَاة بل تكمل عدَّة الطَّلَاق وَلها النَّفَقَة إِن كَانَت حَامِلا (مَعَ إحداد) أَي يجب الْإِحْدَاد على مُعْتَدَّة وَفَاة وَلَا فرق فِي وُجُوبه بَين الْمسلمَة والذمية وَلَو كَانَ زَوجهَا ذِمِّيا وَلَا بَين الْحرَّة وَالْأمة وَلَا بَين المكلفة وَغَيرهَا وَالْوَلِيّ يمْنَع
الصَّغِيرَة والمجنونة مِمَّا تمْتَنع مِنْهُ المكلفة
وَيسْتَحب الْإِحْدَاد لبائن بخلع أَو اسْتِيفَاء عدد الطَّلَاق لِئَلَّا تفضى زينتها لفسادها وَفِي قَول قديم يجب عَلَيْهَا وَأما المفسوخ نِكَاحهَا بِعَيْب وَنَحْوه فَفِيهَا طَرِيقَانِ أَحدهمَا على القَوْل فِي الْبَائِن بِالطَّلَاق وَقيل لَا يجب قطعا وَأما الرَّجْعِيَّة فقد نَص الشَّافِعِي على أَن الْإِحْدَاد مُسْتَحبّ لَهَا وَذهب بعض الْأَصْحَاب إِلَى أَن الأولى أَن تتزين بِمَا يَدعُوهُ إِلَى رَجعتهَا وَذَلِكَ حَيْثُ رجت عوده بالتزين وَلم يتَوَهَّم أَنه لفرحها بطلاقه
والإحداد هُوَ ترك لبس مصبوغ بِمَا يقْصد لزينة لَيْلًا وَنَهَارًا وَترك تحل بحب يتحلى بِهِ نَهَارا كلؤلؤ ومصنوع من ذهب أَو فضَّة أَو غَيرهمَا كنحاس إِن كَانَت الْمَرْأَة مِمَّن تتحلى بِهِ وَذَلِكَ كخلخال وسوار وَخَاتم وَترك تطيب فِي بدن وثوب وَطَعَام وكحل وَترك دهن شعر لرأسها وَترك اكتحال بِكُل زِينَة إِلَّا لحَاجَة كرمد فتكتحل بِهِ لَيْلًا وتمسحه نَهَارا وَيجوز للضَّرُورَة نَهَارا وَترك إسفيذاج وَهُوَ مَا يطلى بِهِ الْوَجْه وَترك دمام وَهِي حمرَة يُورد بهَا الخد وَترك خضاب مَا ظهر من الْبدن كالوجه وَالْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ بِنَحْوِ حناء وَحل تجميل فرَاش وأثاث وَحل لَهَا تنظف بِغسْل رَأس وامتشاط بِلَا ترجيل بدهن وقلم ظفر وَإِزَالَة نَحْو شعر عانة وَإِزَالَة وسخ بسدر أَو نَحوه لِأَنَّهَا لَيست من الزِّينَة الداعية إِلَى الْجِمَاع وَلَو تركت المحدة المكلفة الْإِحْدَاد الْوَاجِب عَلَيْهَا كل الْمدَّة أَو بَعْضهَا عَصَتْ إِن علمت حُرْمَة ذَلِك وَانْقَضَت الْعدة مَعَ الْعِصْيَان وَإِن نشأت بَين الْعلمَاء وَلَو تركت التزين وَكَانَت على صُورَة المحدة لم تأثم لعدم قَصده
(وَتعْتَد غَيرهَا) أَي الْحرَّة (بِنصْف) من الْحرَّة فَتعْتَد عَن الْوَفَاة بشهرين هلاليين وَخَمْسَة أَيَّام بلياليها مَا لم يَطَأهَا ظَانّا أَنَّهَا زَوجته الْحرَّة وَإِلَّا اعْتدت بأَرْبعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام صِحَاح وَإِن كَانَت عدَّة الْوَفَاة لَا تتَوَقَّف على الْوَطْء
وَبَيَان ذَلِك أَن يطَأ زَوجته الْأمة ظَانّا أَنَّهَا زَوجته الْحرَّة وَيسْتَمر ظَنّه إِلَى مَوته فَتعْتَد للوفاة عدَّة حرَّة إِذْ الظَّن كَمَا نقلهَا من الْأَقَل إِلَى الْأَكْثَر فِي الْحَيَاة فَكَذَا فِي الْمَوْت وَتعْتَد ذَوَات الْأَشْهر عَن الطَّلَاق وَمَا فِي مَعْنَاهُ من الْفَسْخ والانفساخ بِشَهْر هلالي وَنصف شهر لِإِمْكَان التنصيف فِي الْأَشْهر بِخِلَاف ذَات الْأَقْرَاء فَتعْتَد عَن ذَلِك بقرأين
(و) إِنَّمَا (كمل الطُّهْر الثَّانِي) لتعذر تنصيفه كَالطَّلَاقِ إِذْ لَا يظْهر نصفه إِلَّا بِظُهُور كُله فَلَا بُد من الِانْتِظَار إِلَى أَن يعود الدَّم فَإِن عتقت فِي عدَّة رَجْعَة فكحرة فتكمل ثَلَاثَة أَقراء لِأَن الرَّجْعِيَّة كَالزَّوْجَةِ فِي كثير من الْأَحْكَام فَكَأَنَّهَا عتقت قبل الطَّلَاق بِخِلَاف مَا إِذا عتقت فِي عدَّة بينونة أَو وَفَاة لِأَنَّهَا كالأجنبية فَكَأَنَّهَا عتقت بعد انْقِضَاء الْعدة (وتعتدان) أَي الْحرَّة وَمن فِيهَا رق عَن فرقة الْحَيَاة وَفرْقَة الْمَوْت (بِوَضْع) جَمِيع (حمل) بِشَرْط نِسْبَة إِلَى ذِي الْعدة حَيا كَانَ أَو مَيتا أَو مُضْغَة وَلَو على غير صُورَة الْآدَمِيّ وَلَو مَعَ وَطْء غير الْآدَمِيّ لتِلْك الْمَرْأَة الْمُعْتَدَّة وَاحْتمل كَونه من الزَّوْج لِأَن الشَّرْط نسبته إِلَى ذِي الْعدة وَلَو احْتِمَالا وَهُوَ مَوْجُود هُنَا
أما الْعلقَة وَهِي مني يصير دَمًا غليظا فَإِن لم يكن فِيهَا صُورَة خُفْيَة فَلَا تَنْقَضِي بهَا الْعدة لِأَنَّهَا لَا تسمى حملا وَإِلَّا فتنقضي بهَا كَمَا قَالَه ابْن حجر فِي شَرحه على الْمِنْهَاج قبيل كتاب الصَّلَاة
(و) حَلَفت الْمَرْأَة فِي انْقِضَاء الْعدة بِغَيْر أشهر من أَقراء أَو وضع وَإِن استعجلته بدواء
وَيحرم الاستعجال إِن نفخت فِيهِ الرّوح وَإِلَّا فَيكْرَه إِذا أنكرهُ الزَّوْج وَلَا يجوز لَهَا النِّكَاح وَلها النَّفَقَة عملا بإنكاره فيهمَا ف (تصدق)
بِيَمِينِهَا (فِي انْقِضَاء عدَّة) بِغَيْر أشهر (أمكن) وَإِن خَالَفت عَادَتهَا فِي الْحيض بِأَن كَانَت عَادَتهَا فِي كل شَهْرَيْن حَيْضَة فادعت أَنَّهَا حَاضَت فِي شهر حَيْضَة لِأَن النِّسَاء مؤتمنات على أرحامهن حيضا وحملا والمؤتمن على الشَّيْء يصدق فِيهِ بِيَمِينِهِ وَكَذَا تصدق الْمَرْأَة فِي بَقَاء الْعدة وَإِن وصلت إِلَى سنّ الْيَأْس وَلها النَّفَقَة وَخرج بِانْقِضَاء الْعدة غَيره كنسب كَأَن تدعى أَن هَذَا الْحمل من وَطْء فلَان لَهَا بِشُبْهَة فَلَا يقبل قَوْلهَا إِلَّا بِبَيِّنَة على الْولادَة بعد مُضِيّ مُدَّة من إِمْكَان الْوَطْء يُمكن فِيهَا ذَلِك وَخرج بِغَيْر الْأَشْهر انقضاؤها بِالْأَشْهرِ فَيصدق الزَّوْج بِيَمِينِهِ وَلَو انعكست الصُّورَة فَادّعى الِانْقِضَاء وَقَالَ طَلقتك فِي رَمَضَان فَقَالَت بل فِي شَوَّال صدقت بِيَمِينِهَا لِأَنَّهَا غلظت على نَفسهَا وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لتطويل الْعدة خَاصَّة وَأما النَّفَقَة فَإِنَّهَا لَا تستحقها فِي الْمدَّة الزَّائِدَة على مَا يَقُوله الزَّوْج وَله أَن يتَزَوَّج أُخْتهَا وَخرج بِإِمْكَان الِانْقِضَاء مَا إِذا لم يُمكن كقرب الزَّمن من الطَّلَاق فَيصدق بِيَمِينِهِ أما فِي حق الصَّغِيرَة فَكَانَ يَنْبَغِي الزَّوْج بِلَا يَمِين وَأما فِي حق الآيسة فَيصدق الرجل تَقْوِيَة لجانبه لِأَن الْمَرْأَة مَا دَامَت حَيَّة فحيضها مُمكن
(وَلَا يقبل دَعْوَاهَا) أَي الْمَرْأَة (عدم انْقِضَائِهَا) أَي الْعدة (بعد تزوج) لرجل آخر (وتنقطع عدَّة) بِالْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهر (بمخالطة رَجْعِيَّة وَلَا رَجْعَة بعْدهَا) أَي الْعدة الْأَصْلِيَّة ويلحقها الطَّلَاق إِلَى انْقِضَاء الْعدة احْتِيَاطًا وتغليظا عَلَيْهِ لتَقْصِيره وَلَا يَصح مِنْهَا إِيلَاء وَلَا ظِهَار وَلَا لعان وَلَا نَفَقَة وَلَا كسْوَة لَهَا وَيجب لَهَا السُّكْنَى وَلَا يحد بِوَطْئِهَا وَله أَن يتَزَوَّج برابعة وَالْمرَاد بالمخالطة أَن يَدُوم على حَالَته الَّتِي كَانَ مَعهَا قبل الطَّلَاق من النّوم مَعهَا لَيْلًا أَو نَهَارا وَالْخلْوَة بهَا كَذَلِك وَغير ذَلِك
وَالْحَاصِل أَنه إِن عَاشرهَا بِغَيْر وَطْء كخلوة أَو بِوَطْء فَإِن كَانَت رَجْعِيَّة لم تنقض عدتهَا بِالْأَقْرَاءِ لَا بِالْأَشْهرِ بِالنِّسْبَةِ للحوق الطَّلَاق وَانْقَضَت بِالنِّسْبَةِ للرجعة فَلَا رَجْعَة بعد الْأَقْرَاء أَو الْأَشْهر وللتوارث فَلَا توارث بَينهمَا فَإِذا زَالَت المعاشرة بِأَن نوى أَنه لَا يعود إِلَيْهَا أتمت على مَا مضى من عدتهَا قبل المعاشرة إِن كَانَ وَإِلَّا فَلَا معاشرة بِأَن استمرت المعاشرة من حِين الطَّلَاق فتستأنف الْعدة من حِين زَوَال المعاشرة وَإِن كَانَت بَائِنا فَلَا عِبْرَة بالمعاشرة بِغَيْر وَطْء وَلَا بِوَطْء بِلَا شُبْهَة أما إِن عَاشرهَا بِوَطْء بِشُبْهَة فكالرجعية فِي أَنَّهَا لَا تتَزَوَّج حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا من انْقِطَاع المعاشرة وَلَيْسَت كالرجعية مُطلقًا فَلَا يلْحقهَا الطَّلَاق وَله أَن يتَزَوَّج نَحْو أُخْتهَا أما عدَّة الْحمل فَلَا أثر للمعاشرة فِيهَا وَلَو مَعَ الْوَطْء فتنقضي بِوَضْعِهِ
فرع فِي الِاسْتِبْرَاء وَهُوَ التَّرَبُّص بِالْمَرْأَةِ مِنْهَا أَو من سَيِّدهَا مُدَّة بِسَبَب حُدُوث الْملك أَو زَوَاله أَو بِسَبَب تجدّد حل الْوَطْء لبراءة الرَّحِم فِيمَن تحبل أَو للتعبد فِي الصَّغِيرَة والآيسة والمشتراة من امْرَأَة أَو صبي بِعقد وليه فَالْأول كَمَا فِي المسبية والمشتراة والموروثة
وَالثَّانِي كَمَا فِي الْأمة الَّتِي أعْتقهَا سَيِّدهَا بعد وَطئهَا وَأَرَادَ تَزْوِيجهَا لغيره
وَالثَّالِث كَمَا فِي الْمُطلقَة قبل الدُّخُول وَالْمُكَاتبَة إِذا عجزت عَن أَدَاء النُّجُوم والمرتدة إِذا أسلمت
(يجب اسْتِبْرَاء لحل) فِي تمتّع أَو تَزْوِيج بسببين
أَحدهمَا (بِملك أمة) أَي بحدوثه وَلَو مُعْتَدَّة من غَيره بشرَاء أَو إِرْث أَو وَصِيَّة أَو سبي أَو رد بِعَيْب وَلَو بِلَا قبض فِي الْجَمِيع أَو هبة بِقَبض
(وَإِن تَيَقّن بَرَاءَة رحم) كصغيرة وآيسة وَبكر وَسَوَاء أملكهَا من صبي أم من امْرَأَة أم مِمَّن استبرأها بِالنِّسْبَةِ لحل التَّمَتُّع أما بِالنِّسْبَةِ لروم التَّزْوِيج فقد لَا يجب الِاسْتِبْرَاء
(و) ثَانِيهمَا (بِزَوَال فرَاش عَن أمة مَوْطُوءَة) غير مُسْتَوْلدَة (أَو مُسْتَوْلدَة بِعتْقِهَا) أَو بِمَوْت السَّيِّد عَنْهَا كزوال فرَاش الْحرَّة الْمَوْطُوءَة أما عتيقة قبل وَطْء فَلَا اسْتِبْرَاء عَلَيْهَا قطعا وَلَو اسْتَبْرَأَ السَّيِّد أمة مَوْطُوءَة لَهُ غير مُسْتَوْلدَة فَأعْتقهَا لم يجب إِعَادَة الِاسْتِبْرَاء وتتزوج فِي الْحَال
(وَلَا يَصح تَزْوِيج موطوءته) مُسْتَوْلدَة كَانَت أَو لَا (قبل اسْتِبْرَاء) حذرا من اشْتِبَاه الماءين أما غير مَوْطُوءَة فَإِن كَانَت غير مَوْطُوءَة لأحد فَلهُ تَزْوِيجهَا من كل أحد بِلَا اسْتِبْرَاء أَو مَوْطُوءَة غَيره فَلهُ تَزْوِيجهَا مِمَّن المَاء مِنْهُ وَكَذَا من غير صَاحب ذَلِك المَاء إِذا كَانَ المَاء غير مُحْتَرم أَو استبرأها من انْتَقَلت مِنْهُ إِلَيْهِ وَيجوز نِكَاح موطوءته مُسْتَوْلدَة كَانَت أَو لَا بِلَا اسْتِبْرَاء إِن أعْتقهَا كَمَا يجوز تزَوجه الْمُعْتَدَّة مِنْهُ
(وَهُوَ) أَي الِاسْتِبْرَاء (لذات أَقراء حَيْضَة) وَاحِدَة بعد انْتِقَال ملكهَا إِلَيْهِ وَإِن لم يقبضهَا فَلَا يَكْفِي بَقِيَّة الْحَيْضَة الَّتِي وجد السَّبَب فِي أَثْنَائِهَا فَإِذا كَانَ الْأمة تحيض ثمَّ انْقَطع حَيْضهَا صبرت حَتَّى تحيض فتستبرىء بِحَيْضَة كَامِلَة أَو تبلغ سنّ الْيَأْس فتستبرىء بِشَهْر (ولذات أشهر) مِمَّن لم تَحض أَو أَيِست (شهر) مَا لم تَحض فِيهِ وَإِلَّا حصل استبراؤها بالحيضة لِأَنَّهَا صَارَت من ذَوَات الْأَقْرَاء
(ولحامل لَا تَعْتَد بِالْوَضْعِ) كمزوجة ومسبية غير مُزَوّجَة (وَضعه) أَي الْحمل
قالعبد الله النبراوي وَلَا يلْزم توقف الِاسْتِبْرَاء على وضع حمل الزِّنَا فَإِن الِاسْتِبْرَاء يحصل بالأسبق من الْوَضع وَالْحيض ومضي الشَّهْر إِن كَانَت لَا تحيض