الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُ بعد النُّشُوز وَكَذَا اللَّيْل وَاعْتمد ذَلِك الشبراملسي وَلَو امْتنعت من النقلَة مَعَه لم تجب مؤنها إِلَّا إِن كَانَ يتمتع بهَا فِي زمن الِامْتِنَاع فَتجب وَيصير تمتعه بهَا عفوا عَن النقلَة حِينَئِذٍ
فرع فِي فسخ النِّكَاح
(لزوجة مكلفة فسخ نِكَاح من أعْسر) مَالا وكسبا حَلَالا (بِأَقَلّ نَفَقَة) وَاجِب مُسْتَقْبل وَهُوَ مد (أَو) أقل (كسْوَة) وَهُوَ مَا لَا بُد مِنْهُ بِخِلَاف نَحْو السَّرَاوِيل والمكعب فَإِنَّهُ لَا فسخ بذلك (أَو بمسكن) أَي أَي مسكن سَوَاء كَانَ لائقا أَو لَا (أَو بِمهْر) حَال كلا أَو بَعْضًا (قبل وَطْء) لِأَنَّهَا إِذا فسخت بالجب والعنة فبالعجز عَن ذَلِك أولى لِأَن الْبدن لَا يقوم بِدُونِهِ بِخِلَاف الْوَطْء فَلَا فسخ بإعساره بِنَفَقَة مَا مضى وَلَا بِنَفَقَة الْخَادِم وَلَا بإعساره عَن الْأدم وَلَا إِذا وجد الْمسكن وَلَو غير لَائِق بهَا وَلَا بِالْمهْرِ الْمُؤَجل وَإِن حل لِأَنَّهَا رضيت بِذِمَّتِهِ وَلَا بعد الْوَطْء فِي الْمهْر وَفَارق غَيره حَيْثُ تفسخ بِالْعَجزِ وَلَو بعد الدُّخُول بِأَن الْمهْر فِي مُقَابلَة الْوَطْء فَإِذا اسْتَوْفَاهُ الزَّوْج كَانَ تَالِفا فيتعذر عوده بِخِلَاف غير الْمهْر فَإِنَّهُ فِي مُقَابلَة التَّمْكِين وَلَا فسخ لوَلِيّ امْرَأَة حَتَّى صَغِيرَة ومجنونة لِأَن الْخِيَار مَنُوط بالشهوة فَلَا يُفَوض لغير مُسْتَحقّه فنفقتهما فِي مَالهمَا إِن كَانَ وَإِلَّا فعلى من تلْزمهُ مؤنتهما قبل النِّكَاح وَإِن كَانَ دينا على الزَّوْج والسفيهة الْبَالِغَة كالرشيدة هُنَا فلهَا الْفَسْخ وقدرة الزَّوْج على الْكسْب الْحَلَال كالقدرة على المَال لاندفاع الضَّرُورَة بِهِ فَلَو كَانَ يكْتَسب فِي كل يَوْم مَا يَفِي بِثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يبطل ثَلَاثَة ثمَّ يكْتَسب مَا يَفِي بهَا فَلَا فسخ لعدم مشقة الِاسْتِدَانَة حِينَئِذٍ فَصَارَ كالموسر وَإِذا عجز عَن الْكسْب بِمَرَض يُرْجَى زَوَاله فِي ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا فسخ وَإِن طَال فلهَا الْفَسْخ وَخرج بِالْكَسْبِ الْحَلَال الْكسْب بِالْخمرِ وآلات الملاهي وبالتنجيم وَنَحْو ذَلِك وَمثل الْكسْب غَيره كالسؤال للْغَيْر حَيْثُ كَانَ لائقا بِهِ
(فَلَا فسخ بامتناع غَيره) أَي الْمُعسر من الْإِنْفَاق سَوَاء كَانَ مُوسِرًا أَو متوسطا وَسَوَاء أحضر أم غَابَ عَنْهَا (إِن لم يَنْقَطِع خَبره) لانْتِفَاء الْإِعْسَار الْمُثبت للْفَسْخ وَهِي متمكنة من خلاص حَقّهَا فِي الْحَاضِر بالحاكم بِأَن يلْزمه بالحسب وَغَيره وَفِي الْغَائِب يبْعَث الْحَاكِم إِلَى حَاكم بَلَده إِن كَانَ مَوْضِعه مَعْلُوما فَيلْزمهُ بِدفع نَفَقَتهَا وَإِن لم يعرف مَوْضِعه بِأَن انْقَطع خَبره وَتعذر اسْتِيفَاء النَّفَقَة من مَاله وَلم يعلم غيبَة مَاله فِي مرحلَتَيْنِ عَن الْبَلدة الَّتِي هُوَ مُقيم بهَا فَفِي هَذَا خلاف فَقيل لَا فسخ مَا دَامَ الزَّوْج مُوسِرًا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد عِنْد ابْن حجرح والرملي كالروياني وَقيل لَهَا الْفَسْخ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد عِنْد السنباطي كشيخ الْإِسْلَام وَابْن الصّلاح
وَقَالَ السَّيِّد عمر الْبَصْرِيّ وَهَذَا أيسر وَالْأول أحوط وَإِنَّمَا تفسخ الزَّوْجَة بعجز الزَّوْج عَن نَفَقَة مُعسر فَلَو عجز عَن نَفَقَة مُوسر أَو متوسط لم تفسخ لِأَن نَفَقَته الْآن نَفَقَة مُعسر فَلَا يصير الزَّائِد عَنْهَا دينا عَلَيْهِ
وَالْحَاصِل أَن الْمُثبت للْفَسْخ خَمْسَة قيود الْإِعْسَار وَكَونه بِالنَّفَقَةِ وَكَونهَا نَفَقَة الزَّوْجَة وماضية وَكَونهَا نَفَقَة مُعسر لَكِن مثل النَّفَقَة الْكسْوَة والمسكن فَلَا فسخ بالإعسار عَن الْأَوَانِي والفرش وَلَو لما لَا بُد مِنْهُ للشُّرْب وَالْجُلُوس وَالنَّوْم وَإِن لزم أَن تنام على البلاط والرخام المضر
(و) لَا فسخ بإعسار بِمهْر أَو نَحْو نَفَقَة (قبل ثُبُوت إِعْسَاره) أَي الزَّوْج (عِنْد قَاض) أَو مُحكم بِشَرْط أَن يكون مُجْتَهدا وَلَو مَعَ وجود قَاض أَو مُقَلدًا وَلَيْسَ فِي الْبَلَد قَاضِي ضَرُورَة فَلَا بُد من الرّفْع إِلَيْهِ وَيثبت إعسار الصَّغِير بِالْبَيِّنَةِ كَغَيْرِهِ وإعسار غَيره بهَا إِن عرف لَهُ مَال وَإِلَّا كفى الْيَمين على الْمُعْتَمد
(ف) إِذا ثَبت الْإِعْسَار (يُمْهل) أَي القَاضِي أَو الْمُحكم وجوبا (ثَلَاثَة) من الْأَيَّام بلياليها وَلَو فِي الْمهْر على الْمُعْتَمد وَإِن لم يطْلب الزَّوْج الْإِمْهَال ليتَحَقَّق عَجزه فَإِنَّهُ قد يعجز لعَارض ثمَّ يَزُول وَهِي مُدَّة قريبَة يتَوَقَّع فِيهَا الْقُدْرَة بقرض أَو غَيره وَلها خُرُوج فِيهَا لتَحْصِيل نَفَقَة مثلا بكسب أَو سُؤال وَعَلَيْهَا رُجُوع إِلَى مَسْكَنهَا لَيْلًا لِأَنَّهُ وَقت الرَّاحَة وَلَيْسَ لَهَا مَنعه من التَّمَتُّع فِي غير أَوْقَات التَّحْصِيل
(ثمَّ) بعد الْإِمْهَال (يفْسخ هُوَ) أَي القَاضِي بِنَفسِهِ أَو نَائِبه صَبِيحَة الرَّابِع فَإِن سلم نَفَقَة الرَّابِع فَلَا فسخ لتبين زَوَال مَا كَانَ الْفَسْخ لأَجله فَإِن أعْسر بعد أَن سلم نَفَقَة الْيَوْم الرَّابِع بِنَفَقَة الْخَامِس ثَبت الْفَسْخ على الْمدَّة فلهَا الْفَسْخ حَالا فَمَتَى أنْفق ثَلَاثَة أَيَّام مُتَوَالِيَة وَعجز استأنفت وَإِن أنْفق دون الثَّلَاثَة بنت على مَا قبله
وَالْحَاصِل أَنه إِن تخَلّل بَين الْيَسَار والإعسار دون ثَلَاثَة ثَبت وَإِلَّا استأنفت (أَو هِيَ) أَي الزَّوْجَة (بِإِذْنِهِ) أَي القَاضِي لَهَا فِي الْفَسْخ لِأَنَّهُ مُجْتَهد فِي ذَلِك الْإِعْسَار كالعنة فَلَا ينفذ مِنْهَا قبل ذَلِك الْإِذْن ظَاهرا وَلَا بَاطِنا وعدتها تحسب من وَقت الْفَسْخ وَلَيْسَ لَهَا مَعَ علمهَا بِالْعَجزِ الْفَسْخ قبل الرّفْع إِلَى القَاضِي أَو الْمُحكم وَلَا بعده قبل الْإِذْن فِيهِ
نعم إِن عجزت عَن الرّفْع إِلَى القَاضِي أَو الْمُحكم كَأَن قَالَ لَهَا لَا أفسخ حَتَّى تُعْطِينِي مَالا وفسخت نفذ الْفَسْخ ظَاهرا وَبَاطنا للضَّرُورَة وَإِن لم يكن فِي محلهَا قَاض وَلَا مُحكم اسْتَقَلت بِالْفَسْخِ فَتَقول فسخت نِكَاحي
وَصُورَة الْمَسْأَلَة أَن الرّفْع للْقَاضِي سبق إِذْ لَا عِبْرَة بمهلة بِلَا قَاض وَكَذَا يُقَال فِيمَا سبق
قَالَ بَعضهم وَالْقِيَاس لُزُوم الْإِشْهَاد لَهَا وَسُئِلَ الرَّمْلِيّ عَن شخص غَابَ عَن الْبَلَد فَهَل تفسخ عَلَيْهِ زَوجته فِي صَبِيحَة الرَّابِع كالحاضر أَو كَانَ الحكم خَاصّا بالحاضر
فَأجَاب بِأَنَّهُ إِن شهِدت بَيِّنَة شَرْعِيَّة بِأَنَّهُ مُعسر الْآن عَن نَفَقَة المعسرين وَلَو باستنادها إِلَى الِاسْتِصْحَاب بِشَرْطِهِ أمهله الْحَاكِم ثَلَاثَة أَيَّام ومكنها من الْفَسْخ صَبِيحَة الرَّابِع وَحِينَئِذٍ فَالْحكم شَامِل للحاضر وَالْغَائِب
(مهمات) سُئِلَ بَعضهم عَن رجل يملك عِصَابَة عَلَيْهَا ذهب وَفِضة ولؤلؤ دَفعهَا لزوجته على السُّكُوت من غير أَن يذكر لَهَا أَنَّهَا وَدِيعَة أَو هبه فَهَل تَملكهَا بِمُجَرَّد وضع الْيَد عَلَيْهَا أم كَيفَ الْحَال
فَأجَاب بقوله الْعِصَابَة الْمَذْكُورَة أَمَانَة شَرْعِيَّة بيد الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة وَللزَّوْج نَزعهَا مِنْهَا قهرا عَلَيْهَا أَي وَقت أَرَادَهُ لِأَنَّهَا ملكه وَلم يصدر مِنْهُ صِيغَة شَرْعِيَّة تنقل ملكه عَنْهَا للزَّوْجَة فَهِيَ بَاقِيَة على ملكه وَمَا اشْتهر على أَلْسِنَة الْعَامَّة من أَن كل شَيْء تتمتع فِيهِ الْمَرْأَة يصير ملكا لَهَا
كَلَام بَاطِل لَا أصل لَهُ وَلَو اخْتلف الزَّوْجَانِ أَو وارثاهما أَو أَحدهمَا ووارث الآخر فِي أَمْتعَة دَار فَإِن صلحت لأَحَدهمَا فَقَط فَلهُ وَإِلَّا فَلِكُل تَحْلِيف الآخر إِن لم يكن بَيِّنَة وَلَا اخْتِصَاص بيد فَإِن حلفا جعلت بَينهمَا وَإِن نكل أَحدهمَا حلف الآخر وَقضى لَهُ بهَا وَلَو اشْترى حليا وديباجا وزينها بذلك لَا يصير ملكا لَهَا بذلك التزيين وَلَو اخْتلفت هِيَ وَالزَّوْج فِي الإهداء وَالْعَارِية صدق وَمثله وَارثه وَلَو جهز بنته بجهازه لم تملكه إِلَّا بِإِيجَاب وَقبُول وَالْقَوْل قَوْله إِنَّه لم يملكهَا وَيُؤْخَذ من ذَلِك أَن مَا يُعْطِيهِ الزَّوْج مصلحَة أَو صباحية كَمَا اُعْتِيدَ بِبَعْض الْبِلَاد لَا يملك إِلَّا بِلَفْظ أَو قصد إهداء وَأما مَصْرُوف الْعرس فَلَيْسَ بِوَاجِب فَإِذا صرفته بِإِذْنِهِ ضَاعَ عَلَيْهِ وَأما الدّفع أَي الْمهْر فَإِن كَانَ قبل الدُّخُول استرده أَي اسْتردَّ نصفه وَإِلَّا فَلَا لتقرره بِهِ فَلَا يسْتَردّ بِالدُّخُولِ والمصلحة هِيَ مَا يناوله الزَّوْج لزوجته من دَرَاهِم أَو دَنَانِير وَقت لِقَائِه مَعهَا لَيْلًا أَو من ثِيَاب بعد يَوْم مثلا من لِقَائِه والصباحية هِيَ مَا يَأْكُلهُ الضيوف وَقت الصَّباح فِي لَيْلَة دُخُوله بهَا من طَعَام والمصروف مَا يصرف للأريكة مثلا وَغَيرهَا من السراج وَغَيره
صلى الله عليه وسلم َ - بَاب الْجِنَايَة صلى الله عليه وسلم َ - أَي على الْأَبدَان عبر بهَا دون الْجراح لشمولها الْقَتْل بِسم أَو مثقل أَو سحر
وَالْقَتْل ظلما أكبر الْكَبَائِر بعد الْكفْر ومثبت لاسْتِحْقَاق الْعقُوبَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَا يتحتم دُخُول الْقَاتِل فِي النَّار وَلَا يخلد فِيهَا وَأمره إِلَى الله إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ غفر لَهُ وَتقبل تَوْبَته أما الخلود فِي الْآيَة فَمَحْمُول على طول الْمدَّة أَو مَحْمُول على من استحله وبالقود أَو الْعَفو لَا تبقى مُطَالبَة أخروية وَمَا أفهمهُ بعض الْعبارَات من بَقَائِهَا مَحْمُول على حَقه تَعَالَى إِذْ لَا يسْقطهُ إِلَّا تَوْبَة صَحِيحَة
وَالْجِنَايَة على الْبدن ثَلَاثَة عمد وَشبهه وَخطأ
(لَا قصاص إِلَّا فِي عمد) ظلم (وَهُوَ قصد فعل وشخص) أَي إِنْسَان مَعَ ظن كَونه إنْسَانا (بِمَا يقتل) بِالنِّسْبَةِ لذَلِك الْإِنْسَان كسيف أَو مثقل كَأَن رض رَأسه بِحجر كَبِير (وقصدهما) أَي الْفِعْل وَالْإِنْسَان وَإِن ظن كَونه غير إِنْسَان (بِغَيْرِهِ) أَي غير مَا يقتل (شبه عمد) سَوَاء أقتل كثيرا أم نَادرا كَضَرْبَة يُمكن عَادَة إِحَالَة الْهَلَاك عَلَيْهَا بِخِلَافِهَا بِنَحْوِ قلم أَو مَعَ خفتها جدا أَو ثقلهَا مَعَ كَثْرَة الثِّيَاب فموته مُوَافقَة قدر وَكَذَا بِمَا قتل غَالِبا حَيْثُ لم يقْصد عين الْمَقْتُول وَمن شبه الْعمد ضرب بِسَوْط أَو عَصا خفيفين بِلَا توال وَلم يكن الضَّرْب بمقتل وَلم يكن بِدُونِ الْمَضْرُوب نحيفا وَلَا ضَعِيفا وَلم يقْتَرن بِشدَّة حر أَو برد وَإِلَّا فَعمد وكالتوالي مَا لَو فرق الضربات وَبَقِي ألم كل إِلَى مَا بعده (وَعدم قصد) الْفِعْل وَعين الْإِنْسَان أَو قصد (أَحدهمَا) بِأَن لم يقْصد الْفِعْل كَأَن زلق فَوَقع على غَيره فَمَاتَ
أَو قصد الْفِعْل وَقصد عين إِنْسَان فَأصَاب غَيره من الْآدَمِيّين (خطأ) فَخرج بالآدميين الْجِنّ فَإِنَّهُ لَا يضمن لِأَن الشَّارِع لم يتَكَلَّم عَلَيْهِ فِي الْقود وَلِأَنَّهُ لَا يعلم مكافأته والحيوانات فَإِنَّهَا تضمن من غير تَفْصِيل والوقوع مَنْسُوب للْوَاقِع وفقد قصد الْفِعْل يلْزمه فقد الشَّخْص وَعَكسه محَال وَهُوَ قصد الشَّخْص دون الْفِعْل
وَاعْلَم أَن الْفِعْل غير المزهق يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَيْضا فَلَو غرز إبرة بمقتل كالدماغ وَالْعين وَالْحلق والخاصرة فَمَاتَ فَعمد وَكَذَا لَو غرزها بِغَيْرِهِ كالألية والفخذ إِن تألم تألما شَدِيدا دَامَ بِهِ حَتَّى مَاتَ لذَلِك وَهَذَا إِذا كَانَ الغرز فِي بدن غير صَغِير أَو شيخ هرم أَو ضَعِيف الْخلقَة وَإِلَّا فَهُوَ عمد مُطلقًا قطعا فَإِن لم يشْتَد الْأَلَم أَو اشْتَدَّ ثمَّ زَالَ وَمَات فِي الْحَال أَو بعد زمن يسير فَشبه عمد وَلَو غرزها فِيمَا لَا يؤلم كجلدة عقب وَلم يتألم بِهِ فَمَاتَ فَلَا شَيْء فِيهِ بِحَال من قصاص أَو دِيَة لِأَنَّهُ لم يمت بِهِ وَالْمَوْت عقبه مُوَافقَة قدر وَلَو مَنعه طَعَاما أَو شرابًا وطلبا لَهُ حَتَّى مَاتَ فَإِن مَضَت مُدَّة من ابْتِدَاء مَنعه يَمُوت مثله فِيهَا غَالِبا جوعا أَو عطشا فَعمد لظُهُور قصد الإهلاك بِهِ وَإِن لم تمض الْمدَّة الْمَذْكُورَة فَإِن لم يسْبق مَنعه جوع عَطش فَشبه عمد وَإِن سبقه وَعلمه الْمَانِع فَعمد وَإِن لم يُعلمهُ فَنصف دِيَة شبه الْعمد وَخرج بِالْمَنْعِ مَا لَو أَخذ طَعَامه أَو شرابه بمفازة وَحده فِيهَا فَمَاتَ بذلك فَهدر لِأَنَّهُ لم يحدث فِيهِ صنعا كَمَا قَالَه السنباطي وَمثل الْمَنْع من الطَّعَام التعرية عَن الثِّيَاب وَقت الْبرد والدخن بالدخان
(وَلَو وجد) فِي وَاحِد حَال كَون الْفِعْلَيْنِ (من شَخْصَيْنِ مَعًا) أَي حَال كَونهمَا مقترنين فِي زمن الْجِنَايَة بِأَن تقارنا فِي الْإِصَابَة (فعلان مزهقان) أَي مخرجان للروح (مذففان) أَي مسرعان للْقَتْل (كحز) أَي قطع للرقبة (وَقد) أَي شقّ للبدن (أَولا) أَي غير مذففين (كَقطع عضوين) أَو عُضْو من وَاحِد وأعضاء كَثِيرَة من آخر فَمَاتَ الْمَقْطُوع مِنْهُمَا (فقاتلان) يجب عَلَيْهِمَا الْقصاص فَإِن آل الْأَمر إِلَى الدِّيَة وزعت على عدد الرؤوس لَا الْأَعْضَاء والجراحات إِذْ رب جرح لَهُ نكاية فِي الْبَاطِن أَكثر من جروح وَإِن كَانَ أَحدهمَا مذففا دون الآخر فالمذفف هُوَ الْقَاتِل فَلَا يقتل الآخر وَإِن شككنا فِي تذفيف جرحه لِأَن الأَصْل عَدمه والقود لَا يجب بِالشَّكِّ مَعَ سُقُوطه بِالشُّبْهَةِ (أَو) وجد الفعلان من اثْنَيْنِ فِي وَاحِد (مُرَتبا فَالْأول) هُوَ الْقَاتِل (إِن أنهاه) أَي أوصله (إِلَى حَرَكَة مَذْبُوح) بَان لم يبْق فِي الْمَضْرُوب إبصار وَاخْتِيَار ونقطه وحركته لِأَنَّهُ صيره إِلَى حَالَة الْمَوْت وَلَا فرق فِي فعل الأول بَين كَونه عمدا أَو خطأ أَو شبه عمد (وَيُعَزر الثَّانِي) لهتكه بِحرْمَة ميت وَإِن لم يَنْهَهُ الأول إِلَى حَرَكَة مَذْبُوح فَإِن ذفف الثَّانِي كحز بعد جرح فَهُوَ الْقَاتِل وعَلى الأول ضَمَان جرحه قودا أَو مَالا وَإِن لم يذفف الثَّانِي أَيْضا وَمَات المجنى عَلَيْهِ بالجنايتين كَأَن أحافاه أَو قطع الأول يَده من الْكُوع وَالثَّانِي من الْمرْفق فهما قاتلان بطرِيق السَّرَايَة فعلَيْهِمَا الضَّمَان
وَاعْلَم أَن أَرْكَان الْقود فِي النَّفس ثَلَاثَة قَتِيل وَقَاتل وَقتل وَأَن أَرْكَانه فِي الْأَطْرَاف ثَلَاثَة أَيْضا قَاطع ومقطوع وَقطع وَأَن أَرْكَانه فِي الْمعَانِي كَذَلِك مزيل ومزال وَإِزَالَة
(وَشرط) لوُجُوب الْقصاص فِي الْقَتْل كَونه عمدا ظلما فَلَا قَود فِي الْخَطَأ وَشبه الْعمد وَغير الظُّلم بِأَن كَانَ قصاصا و (فِي قَتِيل عصمَة) بِإِيمَان أَو أَمَان كعقد جِزْيَة أَو عهد أَو أَمَان مُجَرّد أَو ضرب رق لِأَنَّهُ بِضَرْب الرّقّ يصير مَالا للْمُسلمين ومالهم فِي أَمَان لعصمته حِينَئِذٍ فيهدر صائل بِالنِّسْبَةِ لكل أحد إِذا تعين قَتله فِي دفع شَره وَمن عَلَيْهِ قصاص بِالنِّسْبَةِ لقاتله لاستيفائه حَقه أما بِالنِّسْبَةِ لغيره كَغَيْرِهِ فِي الْعِصْمَة وحربي وَلَو صَبيا وَامْرَأَة وعبدا ومرتد فِي حق مَعْصُوم فَيقْتل بمرتد مثله وزان مُحصن قَتله مُسلم لَيْسَ كَذَلِك لاستيفائه حد الله تَعَالَى سَوَاء أثبت زِنَاهُ بِإِقْرَارِهِ أم بِبَيِّنَة أما لَو قَتله مثله أَو مُرْتَد أَو ذمِّي فَيقْتل بِهِ
(و) شَرط فِي (قَاتل) أَمْرَانِ (تَكْلِيف) وَلَو من سَكرَان أَو ذمِّي أَو مُرْتَد فَلَا يقتل صبي وَمَجْنُون حَال الْقَتْل وَإِن تقطع جُنُونه وَلَو قَالَ كنت وَقت الْقَتْل صَبيا وَأمكن صباه فِيهِ أَو مَجْنُونا وعهد جُنُونه قبله حلف فَيصدق أَو قَالَ أَنا صبي الْآن وَأمكن فَلَا قصاص وَلَا يحلف على صباه (ومكافأة) أَي مُسَاوَاة من الْمَقْتُول لقاتله حَال الْجِنَايَة بِأَن لَا يفضل قتيله حِينَئِذٍ (بِإِسْلَام) أَو أَمَان (أَو حريَّة) كَامِلَة (أَو أَصَالَة) أَو سيادة فَلَا يقتل مُسلم وَلَو زَانيا مُحصنا بِكَافِر وَلَو ذِمِّيا خلافًا لأبي حنيفَة وَإِن ارْتَدَّ الْمُسلم لعدم الْمُكَافَأَة حَال الْجِنَايَة إِذْ الْعبْرَة فِي الْعُقُوبَات بِحَالِهَا وَيقتل ذُو أَمَان بِمُسلم وبذي أَمَان وَإِن اخْتلفَا دينا أَو أسلم الْقَاتِل وَلَو قبل موت الجريح لتكافئهما حَال الْجِنَايَة وَيقتل مُرْتَد حَرْبِيّ لذَلِك وَلَا يقتل حر بِغَيْرِهِ وَلَو مبعضا لعدم الْمُكَافَأَة وَلَا مبعض بِمثلِهِ وَإِن فَاتَهُ حريَّة كَأَن كَانَ نصف الْمَقْتُول حرا وَربع الْقَاتِل حرا وَيقتل رَقِيق برقيق وَإِن عتق الْقَاتِل وَلَو قبل موت الجريح لَا مكَاتب برقيقه الَّذِي لَيْسَ أَصله وَلَا قَود بَين رَقِيق مُسلم وحر كَافِر وَيقتل فرع بِأَصْلِهِ لَا أصل بفرعه وَلَا أصل لأجل فَرعه كَأَن قتل رَقِيقه أَو زَوجته أَو عتيقه أَو أمه أَو زَوْجَة نَفسه وَله مِنْهَا ولد لِأَنَّهُ إِذا لم يقتل بِجِنَايَتِهِ على فَرعه فَلِأَن لَا يقتل بِجِنَايَتِهِ على من لَهُ فِي قَتله حق أولى
(وَيقتل جمع بِوَاحِد) لِأَن عمر رضي الله عنه قتل سَبْعَة أَو خَمْسَة من أهل صنعاء بِرَجُل واسْمه أصيل وَسَببه قَتله زَوْجَة أَبِيه فَقَتَلُوهُ غيلَة أَي على غَفلَة فِي موقع خَال وَقَالَ لَو تمالأ عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم جَمِيعًا بِهِ وَقتل عَليّ رضي الله عنه ثَلَاثَة بِوَاحِد وَقتل الْمُغيرَة سَبْعَة بِوَاحِد وَقَالَ ابْن عَبَّاس إِذا قتل جمَاعَة وَاحِدًا قتلوا بِهِ وَلَو كَانُوا مائَة
وَحَاصِل ذَلِك أَنهم إِذا ألقوه من شَاهِق جبل أَو فِي مَاء أَو نَار قتلوا مُطلقًا أَي سَوَاء تواطئوا أَو لَا وَأما إِذا قَتَلُوهُ بجراحات أَو ضربات فيفصل فَإِن كَانَ فعل كل يقتل لَو انفردوا قتلوا مُطلقًا أَيْضا وَإِن كَانَ فعل كل لَا يقتل لَو انْفَرد لَكِن لَهُ دخل فِي الْقَتْل
فيفصل فَإِن تواطئوا قتلوا وَإِلَّا فَلَا يقتلُون وَتجب الدِّيَة وكل ذَلِك إِذا كَانَ فعل كل لَهُ دخل فِي الْقَتْل فَإِن كَانَ خَفِيفا لَا يُؤثر أصلا فَصَاحب ذَلِك الْفِعْل لَا دخل لَهُ لَا فِي قصاص وَلَا دِيَة وَأما إِذا كَانَ فعل بعض يقتل لَو انْفَرد وَفعل بعض لَا يقتل لَو انْفَرد لَكِن لَهُ دخل فِي الْقَتْل فِي الْجُمْلَة فَصَاحب الأول يقتل مُطلقًا وَصَاحب الثَّانِي يقتل إِن تواطئوا وَإِلَّا فَلَا يقتل بل تجب حِصَّته من الدِّيَة وللولي الْعَفو عَن بَعضهم بِحِصَّتِهِ من الدِّيَة وَقتل الْبَعْض الآخر وَعَن جَمِيعهم على أَخذ الدِّيَة ثمَّ إِن كَانَ الْقَتْل بجراحات وزعت الدِّيَة بِاعْتِبَار عدد الرؤوس لِأَن تَأْثِير الْجِرَاحَات لَا يَنْضَبِط وَقد يزِيد ضَرَر الْجرْح الْوَاحِد على جراحات كَثِيرَة فتوزع الدِّيَة على عَددهمْ فعلى الْوَاحِد من الْعشْرَة عشرهَا وَسَوَاء كَانَت جراحات بَعضهم أفحش أَو جراحات بَعضهم أَكثر أم لَا وَلَو كَانَت جراحات بَعضهم ضَعِيفَة لَا تُؤثر فِي الزهوق كالخدشة الْخَفِيفَة فَلَا اعْتِبَار بهَا وَإِن كَانَ بِالضَّرْبِ فعلى عدد الضربات لِأَنَّهَا تلاقي الظَّاهِر وَلَا يعظم فِيهَا التَّفَاوُت بِخِلَاف الْجِرَاحَات وَذَلِكَ حَيْثُ اتَّفقُوا على عدد الضربات فَإِن اتَّفقُوا على أصل الضَّرْب وَاخْتلفُوا فِي عَددهَا أَخذ من كل الْمُتَيَقن ووقف الْأَمر فِيمَا بَقِي إِلَى الصُّلْح وَلَو ضربوه بسياط فَقَتَلُوهُ وَضرب كل مِنْهُم لَا يقتل لَو انْفَرد ومجموعها يقتل غَالِبا قتلوا إِن تواطئوا على ضربه وَإِلَّا بِأَن وَقع الضَّرْب اتِّفَاقًا فديَة الْعمد تجب عَلَيْهِم بِاعْتِبَار عدد الضربات وَإِنَّمَا لم يعْتَبر التواطؤ فِي الْجِرَاحَات وَنَحْوهَا لِأَن ذَلِك يقْصد بِهِ الإهلاك بِخِلَاف الضَّرْب بِنَحْوِ سَوط أما إِذا كَانَ ضرب كل مِنْهُم يتقل فيقتلون مُطلقًا وَإِذا آل الْأَمر إِلَى الدِّيَة وزعت على الضربات (مُوجب الْعمد) فِي نفس أَو طرف وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم أَي مسبب الْعمد (قَود) بِفَتْح الْوَاو أَي قصاص سمي قودا لأَنهم يقودون الْجَانِي وَغَيره بِحَبل أَو نَحوه
(وَالدية) فِي النَّفس وَأرش غَيرهَا (بدل) عَن المجنى عَلَيْهِ عِنْد سُقُوط الْقصاص بِمَوْت الْجَانِي أَو إِرْث بعض الْقصاص أَو بِعَفْو عَنهُ على الدِّيَة فَلَو عَفا الْمُسْتَحق عَن الْقصاص مجَّانا كَأَن يَقُول عَفَوْت عَنْك بِلَا دِيَة أَو مُطلقًا بِأَن لم يتَعَرَّض للدية بالإثبات وَلَا بِالنَّفْيِ فَلَا شَيْء لِأَن الْقَتْل لَا يُوجِبهَا وَالْعَفو إِسْقَاط ثَابت وَهُوَ الْقود لَا إِثْبَات مَعْدُوم وَهُوَ الدِّيَة وَالْعَفو سنة مُؤَكدَة وَبِغير مَال أفضل (وَهِي) أَي الدِّيَة الْوَاجِبَة ابْتِدَاء كَمَا فِي قتل الْوَالِد وَلَده على نَوْعَيْنِ أما الدِّيَة الْوَاجِبَة بَدَلا عَن الْقود لَا تكون إِلَّا مُغَلّظَة الأول مُغَلّظَة من وَجه وَاحِد كَمَا فِي شبه الْعمد وَهُوَ كَون الدِّيَة مُثَلّثَة أَو من ثَلَاثَة أوجه كَمَا فِي الْعمد وَهِي كَونهَا على الْجَانِي وَحَالَة وَمن جِهَة السن
وَالثَّانِي مُخَفّفَة من وَجْهَيْن كَمَا فِي شبه الْعمد وهما وُجُوبهَا على الْعَاقِلَة ووجوبها مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين أَو من ثَلَاثَة أوجه كَمَا فِي الْخَطَأ وَهِي كَونهَا مخمسة وعَلى الْعَاقِلَة وَكَونهَا مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين فديَة حر مُسلم ذكر مَعْصُوم غير جَنِين إِذا صدر الْقَتْل من حر (مائَة بعير) إِجْمَاعًا سَوَاء أوجبت بِالْعَفو أَو ابْتِدَاء كَقَتل الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أما إِذا صدر قتل ذَلِك من رَقِيق فَالْوَاجِب أقل الْأَمريْنِ من قيمَة الْقَاتِل وَالدية هَذَا إِذا كَانَ الرَّقِيق غير رَقِيق الْمَقْتُول (مُثَلّثَة فِي عمد وَشبهه) وَكَذَا فِي خطأ فِي موَاضعه الْآتِيَة وَيزِيد تَغْلِيظ دِيَة الْعمد بِكَوْنِهَا على الْجَانِي
(ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة) بِكَسْر اللَّام أَي حَامِلا بقول خبيرين عَدْلَيْنِ وَإِن لم تبلغ خمس سِنِين (ومخمسة فِي خطأ من بَنَات مَخَاض و) بَنَات (لبون وَبني لبون وحقاق) أَي إناث (وجذاع) أَي إناث فالحقاق تَشْمَل الذُّكُور وَالْإِنَاث لَكِن المُرَاد هُنَا الْإِنَاث والجذاع كَذَلِك كَمَا نقل عَن الْمُخْتَار فالجذع بِفتْحَتَيْنِ يجمع على جذعان وجذاع والجذعة وَهِي الْأُنْثَى تجمع على جذعات وجذاع أَيْضا لَكِن المُرَاد هُنَا الْإِنَاث لِأَن إِجْزَاء الذُّكُور مِنْهُمَا لم يقل بِهِ أحد من أَصْحَاب الشَّافِعِي (إِلَّا) إِن وَقع الْخَطَأ (فِي مَكَّة) أَي حرمهَا وَإِن خرج الْمَجْرُوح فِيهِ مِنْهُ وَمَات سرَايَة خَارِجَة بِخِلَاف عَكسه فَلَو رمى من بعضه فِي الْحل وَبَعضه فِي الْحرم أَو رمى من الْحل إنْسَانا فِيهِ فَمر السهْم فِي هَوَاء الْحرم غلظ وَلَا يخْتَص التَّغْلِيظ بِالْقَتْلِ فَإِن الْجراح فِي الْحرم مُغَلّظَة وَإِن لم يمت مَعهَا أَو مَاتَ مَعهَا خَارجه بِغَيْر السَّرَايَة بِأَن مَاتَ خَارجه فَوْرًا (أَو) فِي (أشهر حرم) ذِي الْقعدَة وَذي الْحجَّة وَالْمحرم وَرَجَب لعظم حرمتهَا وَلَا يلْتَحق بهَا شهر رَمَضَان وَإِن كَانَ سيد الشُّهُور لِأَن المتبع فِي ذَلِك التَّوْقِيف
(أَو محرم رحم) بِالْإِضَافَة كَأُمّ وَأُخْت فَخرج نَحْو بنت عَم وَأم زَوْجَة لِأَن الْمَحْرَمِيَّة لَيست ناشئة من الرَّحِم أَي الْقَرَابَة بل ناشئة من كَونهَا أم زَوجته (فمثلثة) فأسباب تَغْلِيظ الدِّيَة خَمْسَة كَون الْقَتْل عمدا أَو شبه عمد أَو فِي الْحرم أَو فِي الْأَشْهر الْحرم أَو فِي محرم رحم وَأَسْبَاب تنقيص الدِّيَة أَرْبَعَة الْأُنُوثَة وَالرّق وَقتل الْجَنِين وَالْكفْر فَالْأول يردهَا إِلَى الشّطْر وَالثَّانِي إِلَى الْقيمَة وَالثَّالِث إِلَى الْغرَّة وَالرَّابِع إِلَى الثُّلُث أَو أقل
(ودية عمد على جَان مُعجلَة) لِأَنَّهَا قِيَاس بدل الْمُتْلفَات
(و) دِيَة (غَيره) من شبه عمد وَخطأ (على عَاقِلَة مُؤَجّلَة بِثَلَاث سِنِين) فِي آخر كل سنة ثلث من الدِّيَة فديَة الْخَطَأ وَإِن تثلثت لأحد الْأَسْبَاب الْمَذْكُورَة فَهِيَ مُخَفّفَة من وَجْهَيْن ودية شبه الْعمد وَإِن خففت من هذَيْن فَهِيَ مُغَلّظَة من وَجه وَاحِد فَهَذَا لأَخذه شبها من الْعمد وَالْخَطَأ مُلْحق بِكُل مِنْهُمَا من وَجه وَيجوز فِي مُعجلَة ومؤجلة الرّفْع خَبرا وَالنّصب حَالا وعاقلة جَان عصبته الْمجمع على إرثهم وَقت الْجِنَايَة من النّسَب أَو الْوَلَاء إِذا كَانُوا ذُكُورا مكلفين فعلى الْغَنِيّ مِنْهُم نصف دِينَار والمتوسط ربع دِينَار كل سنة من الثَّلَاث بِمَعْنى مِقْدَار النّصْف وَالرّبع لَا عينهما لِأَن الْإِبِل هِيَ الْوَاجِبَة وَمَا يُؤْخَذ يصرف إِلَيْهَا
وَضَابِط الْغَنِيّ هُنَا أَن يكون مَالِكًا زِيَادَة على كِفَايَة الْعُمر الْغَالِب عشْرين دِينَارا والمتوسط أَن يكون مَالِكًا زِيَادَة على ذَلِك فَوق ربع دِينَار وَدون عشْرين دِينَارا وَإِذا لم يملك كِفَايَة الْعُمر الْغَالِب يكون فَقِيرا وَالْفَقِير لَا يجب عَلَيْهِ التَّحَمُّل فَإِن فقد الْعَاقِل أَو لم يَفِ بِالْوَاجِبِ عقل بَيت المَال عَن الْمُسلم الْكل أَو مَا بَقِي فَيُؤْخَذ من سهم الْمصَالح مِنْهُ فَإِن فقد بَيت المَال أَو منع متوليه ذَلِك ظلما أَو كَانَ ثمَّ مصرف أهم فعلى الْجَانِي وَلَا يحمل أَصله
وَلَا فَرعه لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الْإِيجَاب بخلافهما وَشرط تحمل الْعَاقِلَة أَن تكون صَالِحَة لولاية النِّكَاح
(وَلَو عدمت إبل) حسا بِأَن لم تُوجد فِي مَوضِع يجب تَحْصِيلهَا مِنْهُ أَو شرعا بِأَن وجدت فِيهِ بِأَكْثَرَ من ثمن الْمثل أَو بَعدت وعظمت الْمُؤْنَة وَالْمَشَقَّة (فقيمتها) تلْزم وَقت وجوب تَسْلِيمهَا وَهُوَ وَقت طلبَهَا لَا وَقت الْجِنَايَة بَالِغَة مَا بلغت لِأَنَّهَا بدل متْلف فَيرجع إِلَى الْقيمَة عِنْد إعوازها وَتقوم بِنَقْد بلد الْعَدَم الْغَالِب لِأَنَّهُ أقرب من غَيره وأضبط فَإِن كَانَ فِيهِ نقدان فَأكْثر لَا غَالب فيهمَا تخير الْجَانِي بَينهمَا هَذَا إِن لم يمهله الْمُسْتَحق فَإِن أمهله بِأَن قَالَ لَهُ الْمُسْتَحق أَنا أَصْبِر حَتَّى تُوجد الْإِبِل لزمَه امتثاله لِأَنَّهَا الأَصْل وَلَو أخذت الْقيمَة فَوجدت الْإِبِل لم ترد لتشترى الْإِبِل لانفصال الْأَمر بِالْأَخْذِ (والقود) يثبت (للْوَرَثَة) الْعصبَة وَذَوي الْفُرُوض بِحَسب إرثهم المَال سَوَاء أَكَانَ الْإِرْث بِنسَب أَو بِسَبَب كالزوجين وَالْمُعتق وينتظر وجوبا غائبهم إِلَى أَن يحضر أَو يَأْذَن وَكَمَال صبيهم بِبُلُوغِهِ ومجنونهم بإفاقته وَيجب على الْحَاكِم حبس الْجَانِي على نفس أَو غَيرهَا إِلَى حُضُور الْمُسْتَحق أَو كَمَاله من غير توقف على طلب ولي وَلَا حُضُور غَائِب ضبطا للحق مَعَ عذر مُسْتَحقّه وَلَا يخلى بكفيل لِأَنَّهُ قد يهرب فَيفوت الْحق وَهَذَا فِي غير قَاطع الطَّرِيق أما هُوَ فيقتله الإِمَام مُطلقًا وَلَا يَسْتَوْفِي الْقود إِلَّا وَاحِد من الْوَرَثَة أَو من غَيرهم بتراض مِنْهُم أَو بِقرْعَة بَينهم إِذا لم يتراضوا بل قَالَ كل أَنا أستوفيه مَعَ إِذن من البَاقِينَ فِي الِاسْتِيفَاء بعْدهَا فَمن خرجت قرعته تولاه بِإِذن البَاقِينَ وَلَيْسَ لَهُم أَن يجتمعوا على اسْتِيفَائه لِأَن فِيهِ تعذيبا للمقتص مِنْهُ وَلَهُم ذَلِك إِذا كَانَ الْقود بِنَحْوِ إغراق
صلى الله عليه وسلم َ - بَاب فِي الرِّدَّة صلى الله عليه وسلم َ - أعاذنا الله تَعَالَى مِنْهَا وَهِي أفحش أَنْوَاع الْكفْر وأغلظها حكما لِأَن من أَحْكَام الرِّدَّة بطلَان التَّصَرُّف فِي أَمْوَاله بِخِلَاف الْكَافِر الْأَصْلِيّ وَلَا يقر بالجزية وَلَا يَصح تأمينه وَلَا مهادنته بل مَتى لم يتب حَالا قتل وَهِي محبطة للْعَمَل كَأَنَّهُ لم يعْمل شَيْئا إِن اتَّصَلت بِالْمَوْتِ وَإِلَّا حَبط ثَوَابه دونه فَلَا تلْزم إِعَادَته
(الرِّدَّة) لُغَة الرُّجُوع عَن الشَّيْء إِلَى غَيره وَقد انْطلق مجَازًا لغويا على الِامْتِنَاع من أَدَاء الْحق كَمَا نعي الزَّكَاة فِي زمن أبي بكر الصّديق رضي الله عنه فَإِنَّهُم لم يرتدوا حَقِيقَة وَإِنَّمَا منعُوا الزَّكَاة بِتَأْوِيل وَإِن كَانَ بَاطِلا وَشرعا (قطع مُكَلّف) مُخْتَار لَا صبي وَمَجْنُون ومكره (إسلاما) أَي دَوَامه (بِكفْر عزما) بِأَن نوى أَن يكفر فِي الْحَال أَو أَن يكفر فِي غَد فيكفر حَالا
لِأَن اسْتِدَامَة الْإِسْلَام شَرط فَإِذا عزم على الْكفْر كفر حَالا (أَو قولا أَو فعلا باعتقاد) أَي مَعَ اعْتِقَاد لذَلِك الْعَزْم أَو القَوْل أَو الْفِعْل كَأَن قَالَ لشخص يَا كَافِر مُعْتَقدًا أَن الْمُخَاطب متصف بذلك حَقِيقَة (أَو) مَعَ (عناد) أَي معاندة شخص ومخاصمة لَهُ وَقد عرف بباطنه أَنه الْحق وَامْتنع أَن يقر بِهِ (أَو) مَعَ (استهزاء) أَي تحقير واستخفاف فَخرج بِهِ من يُرِيد إبعاد نَفسه أَو الْإِطْلَاق بقوله لَا أفعل كَذَا وَإِن جَاءَنِي النَّبِي مثلا وَخرج عَن ذَلِك من سبق لِسَانه إِلَى قَول مكفر وَذَلِكَ (كنفي صانع) كالدهريين الزاعمين أَن الْعَالم لم يزل مَوْجُودا كَذَلِك بِلَا صانع أَو اعْتِقَاد حُدُوث الصَّانِع أَو قدم الْعَالم
(و) نفي (نَبِي) مجمع عَلَيْهِ فِي نبوته أَو نفي رَسُول كَذَلِك أَو تَكْذِيبه أَو تنقيصه بِأَيّ منقص كَأَن صغر اسْمه مرِيدا تحقيره أَو تَجْوِيز نبوة أحد بعد وجود نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وتمني النُّبُوَّة بعد وجود نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام كتمني كفر مُسلم بِقصد الرِّضَا بِهِ لَا التَّشْدِيد عَلَيْهِ لكَونه ظلمه مثلا وَيُؤْخَذ من هَذَا جَوَاز الدُّعَاء على الظَّالِم بِسوء الخاتمة كَمَا نَقله الشبراملسي عَن ابْن قَاسم
(وَجحد مجمع عَلَيْهِ) مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ مَا يشْتَرك فِي مَعْرفَته الْخَاص وَالْعَام كَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَة أَو الرَّاتِبَة وكنحو النّصْف للزَّوْج إِرْثا وحلال البيع وَالنِّكَاح وَحُرْمَة الزِّنَا وَالْخمر أما مَا لَا يعرفهُ إِلَّا الْخَواص كاستحقاق بنت الابْن السُّدس مَعَ بنت الصلب وكحرمة نِكَاح المعتد للْغَيْر فَلَا كفر بجحده لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيب وَإِن علمه ثمَّ أنكرهُ كَمَا اعْتَمدهُ الشبراملسي
(وَسُجُود لمخلوق) إِلَّا لضَرُورَة كَأَن كَانَ فِي بِلَاد الْكفَّار وأمروه بِهِ وَخَافَ على نَفسه وَخرج بِالسُّجُود الرُّكُوع فَلَا كفر بِهِ وَإِن كَانَ حَرَامًا مَا لم يقْصد بِهِ التَّعْظِيم للمخلوق كتعظيم الله وَإِلَّا كَانَ كفرا أَيْضا أما مَا جرت بِهِ الْعَادة من خفض الرَّأْس والإنحناء إِلَى حد لَا يصل بِهِ إِلَى أقل الرُّكُوع فَلَا كفر بِهِ وَلَا حُرْمَة أَيْضا لَكِن يَنْبَغِي كَرَاهَته كَمَا قَالَه الشبراملسي (وَتردد فِي كفر) هَل يكفر أَو لَا وَإِنَّمَا كَانَ مكفرا لِأَن اسْتِدَامَة الْإِيمَان وَاجِبَة والتردد ينافيها وَفِي إِلْحَاق التَّرَدُّد فِي فعل مكفر بالتردد فِي الْإِلْقَاء تردد فِي الْكفْر تَأمل
(ويستتاب) وجوبا حَالا (مُرْتَد) بِأَن يُؤمر بِالشَّهَادَتَيْنِ فَيَأْتِي بهما مَعَ ترتيبهما وموالاتهما وَإِن كَانَ مقرا بِأَحَدِهِمَا وَإِن كَانَ كفره بِمَا لَا يُنَافِي الْإِقْرَار بهما أَو بِأَحَدِهِمَا كإنكار مجمع عَلَيْهِ إِلَّا أَنه لَا بُد فِي هَذَا مَعَ الْإِتْيَان بِالشَّهَادَتَيْنِ من الِاعْتِرَاف بِمَا أنكرهُ أَو التبري من كل دين يُخَالف دين الْإِسْلَام وَفِي قَول يُمْهل بِسَبَب الاستتابة ثَلَاثَة أَيَّام بِمَعْنى أَن كل يَوْم تعرض التَّوْبَة عَلَيْهِ فَأول يَوْم من الثَّلَاث يخوف بِالضَّرْبِ الْخَفِيف وَثَانِي يَوْم بالثقيل وَالثَّالِث بِالْقَتْلِ
(ثمَّ) إِن تَابَ بالنطق بِالشَّهَادَتَيْنِ بِشُرُوطِهِ ترك وَلَو كَانَ منافقا أَو تكَرر ذَلِك مِنْهُ لَكِن يُعَزّر إِن تكَرر وَإِلَّا (قتل) وَالْقَتْل هُنَا بِضَرْب الْعُنُق دون غَيره بِخِلَاف الْقَتْل قصاصا فَيقْتل الْقَاتِل بِمثل فعله للمناسبة وَلَا يتَوَلَّى
الْقَتْل سوى الإِمَام أَو نَائِبه فَإِن افتات عَلَيْهِ أحد عزّر (بِلَا إمهال) إِلَّا إِن كَانَ الْمُرْتَد سَكرَان فَيسنّ التَّأْخِير إِلَى الصحو وَإِلَّا إِذا كَانَت الْمُرْتَدَّة حَامِلا فتهمل حَتَّى تضع حملهَا لما يلْزم عَلَيْهِ من إِتْلَافه وَذَلِكَ لقَوْله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ
صلى الله عليه وسلم َ - بَاب الْحُدُود صلى الله عليه وسلم َ - أَي حد الزِّنَا بقسيمه وحد الْقَذْف وحد شرب الْخمر وحد السّرقَة
وَأَشَارَ المُصَنّف إِلَى الأول بقوله (يجلد) وجوبا (إِمَام) أَو نَائِبه (حرا مُكَلّفا) فَاعِلا كَانَ أَو مَفْعُولا وَإِن كَانَ الآخر غير مُكَلّف (زنى) بإيلاج حَشَفَة ذكر أُصَلِّي مُتَّصِل أَو قدرهَا عِنْد فقدها فِي فرج وَاضح محرم فِي نفس الْأَمر لعين الْإِيلَاج خَال عَن الشُّبْهَة مشتهى طبعا بِأَن كَانَ فرج حَيّ آدَمِيّ أَو جني وَإِن لم يكن على صوره الْآدَمِيّ (مائَة) من الجلدات وَلَاء فَلَو فرقها نظر فَإِن لم يزل الْأَلَم لم يضر وَإِلَّا فَإِن كَانَ خمسين فيبني على مَا جلده أَولا وَإِن كَانَ دون ذَلِك ضرّ فيستأنف لِأَن الْخمسين حد الرَّقِيق
(ويغرب) أَي الزَّانِي (عَاما) إِلَى مَسَافَة قصر فَأكْثر (إِن كَانَ) أَي الزَّانِي (بكرا) سَوَاء كَانَ واطئا أَو موطوءا وَهُوَ من لم يطَأ أَو يُوطأ فِي نِكَاح صَحِيح
وَالْحَاصِل أَن شُرُوط التَّغْرِيب سِتَّة أَن يكون من الإِمَام أَو نَائِبه وَأَن يكون عَاما وَأَن يكون إِلَى مَسَافَة الْقصر فَمَا فَوق وَأَن يكون إِلَى بلد معِين وَأَن يكون الطَّرِيق والمقصد آمنا وَأَن لَا يكون بِالْبَلَدِ طاعون لحُرْمَة دُخُوله وَيُزَاد فِي حق الْمَرْأَة والأمرد الْجَمِيل أَن يخرجَا مَعَ نَحْو محرم وَيصدق بِيَمِينِهِ فِي مُضِيّ عَام عَلَيْهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَة وَيحلف ندبا إِن اتهمَ لبِنَاء حَقه تَعَالَى على الْمُسَامحَة (لَا) إِن زنى (مَعَ ظن حل) كَأَن جهل تَحْرِيم ذَلِك لقرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو بعده عَن الْعلمَاء وَكَأن وطىء امْرَأَة أَجْنَبِيَّة يَظُنهَا زَوجته أَو وطىء أحد الشَّرِيكَيْنِ الْأمة الْمُشْتَركَة بَينهمَا فَلَا حد بذلك لشُبْهَة الْفَاعِل وَالْمحل وَلَيْسَ من شُبْهَة الْمحل بَيت المَال فَيحد بِوَطْء أمة بَيت المَال وَإِن كَانَت من سهم الْمصَالح الَّذِي لَهُ حق فِيهِ وَإِن خَافَ الزِّنَا إِذْ لَا يسْتَحق فِيهِ التَّزْوِيج بِحَال بِخِلَاف أمة وَلَده فَلَا يحد بِوَطْئِهَا لِأَنَّهُ يسْتَحق التَّزْوِيج وَلَو قَالَت امْرَأَة بَلغنِي وَفَاة زَوجي فاعتدت وَتَزَوَّجت فَلَا حد عَلَيْهَا وَإِن لم تقم قرينَة على ذَلِك
(أَو) مَعَ (تَحْلِيل عَالم) يعْتد بِخِلَافِهِ لشُبْهَة إِبَاحَته وَهِي الْمُسَمَّاة بِشُبْهَة الْمَذْهَب فَإِنَّهُ لَا يجد بهَا وَإِن لم يقْصد تَقْلِيده
وَلَا يُعَاقب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة كَنِكَاح بِلَا ولي بِأَن تزوج نَفسهَا مَعَ الشُّهُود كمذهب أبي حنفية وَنِكَاح بِلَا شُهُود وَقت العقد وَوقت الدُّخُول على الْمَرْأَة كمذهب مَالك فَالْوَاجِب عِنْده وجود الشُّهُود والشهرة عِنْد إِرَادَة الدُّخُول حَيْثُ لم تُوجد وَقت العقد وكنكاح مَعَ التَّأْقِيت وَهُوَ نِكَاح الْمُتْعَة وَلَو لغير مُضْطَر كمذهب ابْن عَبَّاس بِخِلَاف النِّكَاح بِلَا ولي وَلَا شُهُود مَعًا أَو مَعَ انْتِفَاء أَحدهمَا لَكِن حكم بإبطاله أَو بالتفرقة بَين الزَّوْجَيْنِ من يعْتَقد الْبطلَان وَوَقع الْوَطْء بعد علم الواطىء بِهِ فَيحد إِذْ لَا شُبْهَة حِينَئِذٍ
وَالْحَاصِل أَن شُرُوط وجوب حد الزِّنَا بِالْجلدِ أَو بِالرَّجمِ اثْنَا عشر أَحدهَا أَن يكون المولج مُكَلّفا وَلَو كَانَ المولج فِيهِ غير مُكَلّف فَيحد الْمُكَلف وَكَذَا عَكسه فَيحد المولج فِيهِ
وَثَانِيها وَاضح الذُّكُورَة فَخرج الْخُنْثَى الْمُشكل الَّذِي لَهُ آلتان للرِّجَال وَالنِّسَاء إِذا أولج آلَة الذُّكُورَة فَلَا حد عَلَيْهِ لاحْتِمَال أنوثته ولاحتمال كَون هَذَا عرقا زَائِدا أما إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا آلَة وَاحِدَة فَيجب الْحَد سَوَاء كَانَ مولجا أَو مولجا فِيهِ
ثَالِثهَا أولج جَمِيع حشفته فَخرج مَا لَو أولج بعض الْحَشَفَة فَلَا حد
رَابِعهَا أَصَالَة الذّكر فَخرج مَا لَو خلق لَهُ ذكران مشتبهان فأولج أَحدهمَا فَلَا حد للشَّكّ فِي كَونه أَصْلِيًّا
خَامِسهَا اتِّصَال الذّكر فَخرج الذّكر المبان فَلَا حد فِيهِ
سادسها إيلاج الْحَشَفَة فِي قبل وَاضح الْأُنُوثَة فَخرج مَا لَو أولج فِي فرج خُنْثَى مُشكل فَلَا حد لاحْتِمَال ذكورته وَكَون هَذَا الْمحل زَائِدا
سابعها أَن لَا يكون الْإِيلَاج محرما لذاته فَخرج الْمحرم لأمر خَارج كَوَطْء زَوجته أَو أمته فِي نَحْو حيض وَصَوْم ودبر وَقبل مُضِيّ مُدَّة الِاسْتِبْرَاء وَمن الْمحرم لذات الْإِيلَاج زَوجته خَامِسَة فَيحد بِوَطْئِهَا لِأَنَّهَا لما زَادَت عَن الْعدَد الشَّرْعِيّ كَانَت كأجنبية فَجعلت مُحرمَة لعينها لعدم مَا يزِيل التَّحْرِيم الْقَائِم بهَا ابْتِدَاء وَمثلهَا مُطلقَة مِنْهُ ثَلَاثًا وملاعنة ومعتدة مرتدة وَذَات زوج ومحرم وَلَو بمصاهرة ومحرمة لتوثن فَيحد بِوَطْئِهَا وَإِن كَانَ قد تزَوجهَا لِأَنَّهُ لَا عِبْرَة بِالْعقدِ الْفَاسِد أما مَجُوسِيَّة تزَوجهَا فَلَا يحد بِوَطْئِهَا للِاخْتِلَاف فِي حل وَطئهَا
ثامنها أَن يكون الْإِيلَاج محرما فِي نفس الْأَمر فَخرج مَا لَو وطىء زَوجته فِي قبلهَا ظَانّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّة فَلَا حد عَلَيْهِ لانْتِفَاء حُرْمَة الْفرج فِي نفس الْأَمر وَإِن أَثم أَثم الزِّنَا بِاعْتِبَار ظَنّه فيفسق بِهِ وَتسقط شَهَادَته وتسلب الولايات عَنهُ فَيحرم عَلَيْهِ وَطْء زَوجته إِذا ظَنّهَا أَجْنَبِيَّة كَمَا يحرم وَطْؤُهَا ممثلا لَهَا بأجنبية
تاسعها الْخُلُو عَن الشُّبْهَة المسقطة للحد فَخرج وَطْء أمته الْمُزَوجَة والمعتدة وَأمته الْمُحرمَة بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة فَلَا حد لشُبْهَة الْملك وَالْوَطْء بإكراه وبجهة أَبَاحَهَا عَالم يعْتد بِخِلَافِهِ فَلَا حد لشُبْهَة الْإِكْرَاه وَالْخلاف
عَاشرهَا أَن يكون الْفرج مشتهى طبعا فَخرج وَطْء الْميتَة والبهيمة فَلَا حد فِيهِ لِأَن فرجهما غير مشتهى طبعا لكنه يُعَزّر بذلك وَلَو فِي أول مرّة
حادي عشرهَا أَن يكون الواطىء مُلْتَزما للْأَحْكَام وَلَو حكما كالمرتد فَخرج وَطْء حَرْبِيّ وَلَو معاهدا
وَثَانِي عشرهَا أَن يكون عَالما بِالتَّحْرِيمِ فَلَا حد على جَاهِل بِهِ حَيْثُ قرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو نَشأ بَعيدا عَن الْعلمَاء
(ويرجم) أَي الإِمَام أَو نَائِبه (مُحصنا) رجلا كَانَ أَو امْرَأَة حَتَّى يَمُوت إِجْمَاعًا نعم لَا رجم على الموطوء فِي دبره بل
حَده كَحَد الْبكر وَإِن أحصن وَلَو زنى قبل إحْصَانه وَلم يحد ثمَّ زنى بعده جلد ثمَّ رجم وَيسْقط التَّعْزِير وَالرَّجم يكون بمدر وحجارة معتدلة وَالِاخْتِيَار أَن يكون مَا يرْمى بِهِ ملْء الْكَفّ وَيجب أَن يتوقى الْوَجْه وَشرط إِحْصَان حد الزِّنَا الْوَطْء فِي نِكَاح صَحِيح مَعَ الشُّرُوط
وَاعْلَم أَن الْإِحْصَان لَهُ فِي اللُّغَة معَان مِنْهَا الْمَنْع كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لتحصنكم من بأسكم} 21 الْأَنْبِيَاء الْآيَة 80 وَمِنْهَا الْبلُوغ وَالْعقل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذا أحصن فَإِن أتين بِفَاحِشَة} 4 النِّسَاء الْآيَة 25 وَمِنْهَا الْحُرِّيَّة كَقَوْلِه تَعَالَى {فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} 4 النِّسَاء الْآيَة 25 وَمِنْهَا الْعِفَّة عَن الزِّنَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} 24 النُّور الْآيَة 4 وَمِنْهَا التَّزْوِيج كَقَوْلِه تَعَالَى {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} 4 النِّسَاء الْآيَة 24 وَمِنْهَا الْوَطْء فِي النِّكَاح كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {محصنين غير مسافحين} 4 النِّسَاء الْآيَة 24 وَالْمرَاد هُنَا الْوَطْء فِي نِكَاح صَحِيح وَلَو مَعَ حيض وعدة شُبْهَة أَو فِي نَهَار رَمَضَان لِأَن حَقه بعد أَن استوفى تِلْكَ اللَّذَّة الْكَامِلَة اجْتِنَاب الزِّنَا بِخِلَاف من لم يستوفها أَو استوفاها فِي دبر أَو ملك أَو وَطْء شُبْهَة أَو نِكَاح فَاسد وَلِأَن الْوَطْء فِي النِّكَاح يُقَوي طَرِيق حل الزَّوْجَة وَهُوَ العقد بِسَبَب دفع الْبَيْنُونَة بردة أَو طَلْقَة فَلَا تحصل الْبَيْنُونَة إِلَّا بِثَلَاث طلقات أَو بِانْقِضَاء الْعدة إِذا كَانَ الطَّلَاق دونهَا وَلَا بِالرّدَّةِ إِلَّا إِذا لم يجمع الزَّوْجَيْنِ إِسْلَام فِي الْعدة بِخِلَاف الطَّلَاق أَو الرِّدَّة قبل الْوَطْء فَإِنَّهُ مُحَصل للبينونة فَعلم من هَذَا أَن الْوَطْء مزية تَقْتَضِي توقف الْإِحْصَان عَلَيْهِ فَلَا يَكْتَفِي فِيهِ بِمُجَرَّد العقد
(وَأخر رجم) لزوَال جُنُون طَرَأَ بعد الْإِقْرَار و (لوضع حمل وفطام) حَتَّى يُوجد للْوَلَد كافل بعد فطمه فَلَو أقيم على الْحَامِل حد حرم واعتد بِهِ وَلَا شَيْء فِي الْحمل لِأَنَّهُ لم تتَحَقَّق حَيَاته وَهُوَ إِنَّمَا يضمن بالغرة إِذا انْفَصل فِي حَيَاة أمه وَأما وَلَدهَا إِذا مَاتَ لعدم من يرضعه فيبنغي ضَمَانه لِأَنَّهُ بقتل أمه أتلف مَا هُوَ غذَاء لَهُ كَمَا قَالَه الشبراملسي وَلَا يُؤَخر الرَّجْم لحر وَبرد مفرطين وَلَو ثَبت بِإِقْرَار وَلَا لمَرض وَلَو رُجي برْء بِخِلَاف الْجلد فَإِنَّهُ يُؤَخر لذَلِك وللحمل إِلَّا إِذا كَانَ بِبِلَاد لَا يَنْفَكّ حرهَا أَو بردهَا فَلَا يُؤَخر وَلَا ينْقل إِلَى الْبِلَاد المعتدلة لما فِيهِ من تَأْخِير الْحَد ولحوق الْمَشَقَّة وَإِلَّا إِذا لم يرج برْء مرض أَو جرح لَكِن لَا يجلد بِسَوْط وَلَا بنعال إِذا كَانَ ألمها فَوق ألم العرجون بل بأطراف ثِيَاب وبعرجون عَلَيْهِ مائَة غُصْن فَيضْرب بِهِ الْحر مرّة فَإِن كَانَ عَلَيْهِ خسمون غصنا ضرب بِهِ مرَّتَيْنِ لتكميل الْمِائَة وعَلى هَذَا الْقيَاس فِيهِ وَفِي الرَّقِيق
(وَيثبت) أَي الزِّنَا (بِإِقْرَار) أَي حَقِيقِيّ مفصل وَمِنْه أَن يَقُول فِي وَقت كَذَا فِي مَكَان كَذَا وَلَو قيل لَا حَاجَة إِلَى تعْيين ذَلِك مِنْهُ بل يَكْفِي فِي صِحَة إِقْرَاره أَن يَقُول أدخلت حشفتي فِي فرج فُلَانَة على وَجه الزِّنَا لم يبعد لِأَنَّهُ لَا يقر إِلَّا عَن تَحْقِيق وَيَكْفِي فِي الْإِقْرَار أَن يكون مرّة وَلَا يشْتَرط تكَرر أَرْبعا خلافًا لأبي حنيفَة وَمثل الْإِقْرَار إِشَارَة أخرس إِن فهمها كل أحد وَخرج بِالْإِقْرَارِ الْحَقِيقِيّ الْحكمِي كاليمين الْمَرْدُودَة بعد نُكُول الْخصم فَلَا يثبت بِهِ زنا لَكِن يسْقط بهَا حد الْقَاذِف
(وَبَيِّنَة) فصلت بِذكر المزنى بهَا وَكَيْفِيَّة الإدخال ومكانه وزمانه كَأَن تَقول أشهد أَنه أَدخل حشفته أَو قدرهَا فِي فرج فُلَانَة بِمحل كَذَا وَقت كَذَا على سَبِيل الزِّنَا وَيجب التَّفْصِيل وَلَو من عَالم مُوَافق فِي الْمَذْهَب وَسَيَأْتِي فِي فصل الشَّهَادَات أَنَّهَا أَربع رجال
(وَلَو أقرّ) بِالزِّنَا